الإمام محمد أبو زهسسرة

16ه/ 1555م

ملتزم الطبع والنشر

دار الفكخر العردى

الإدارة : 44 ش عباس العقاد مديثة نصر تليفون -51١149719:‏ 1147414"

47> محمد أبى زهرة. زهرة. القاهرة: دار الفكر العربى, 56أ.

4 ص ؛ 74 سم.

يشتمل على إرجاعات ببليوجرافية. تدمك : غ8-لالكء_ ١٠١‏ لالاة. ١‏ الإسلام والعلاقات الخارجية. 1 العنوان.

سه و ولت 6 المؤشتسخة المشعوديية بمخصر مطبعة المحدف 8 شايع الباسية - التاهرة ات اعنام

تعريف بالشيخ الإمام محمد أبو زهرة

الإمام محمد أبى زهرة غنى عن التعريف, إذ لايختلف اثنان على أنه كان إمام عصره بلامنازع, ولكن من حقه عليناء ومن حق قارئه» أن نسطر عنه كلمات ولى فى أسطر قليلة تشير إلى ذلك الإمام والجى الذى ولد وعاش فيه؛ والمواقف الشجاعة فى الإصلاح الاجتماعى والإسلامىء ولو أدى الأمر إلى الوقوف ضد اتجاهات السلطان.

هذا الإمام هى : محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد بن عبد الله؛, المولود فى عام 1717ه فى التاسع والعشرين من شهر مارس عام 144/4م؛ فى المحلة الكبرى إحدى مدن محافظة الغربية.

وأسرة أبى زهرة ينتهى نسبها إلى الأشرافء ولكنها لاتدعى ذلك كما يفعل الكثيرون» ممن يرفعون بذلك النسب خسيستهم., وإن كانوا فى واقع حالهم لايستحقون الرفعة.

بدأ الشيخ حياته التعليمية فى الكتاب. شأن كل أزهرى فى ذلك الوقت؛ ثم المدرسة الأولية حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة» ثم انصرف إلى المدارس الراقية, وبها أتم حفظ القرأن الكريم؛ وتعلم مبادئ العلوم المدنية كالرياضة والجغرافياء بالإضافة إلى العلوم العربية» وفى سنة 1517م التحق بالجامع الأحمدى بطنطا حيث ظهر نبوغه وتفوقه على أقرانه مما أثار إعجاب المحيطين به من زملاء ومربين. وفى عام 1511م دخل الإمام محمد أبى زهرة مدرسة القضاء الشرعى بعد أن اجتاز امتحان مسابقة كان أول المتقدمين فيه؛ ورغم فارق السنء وعدد سنوات الدراسة بينه وبينهم.

وقد تنقل رحمه الله فى عدة مناصب بين كلية أصول الدينء وكلية الحقوق, وتدرج فى مراتب التدريس, من مدرس إلى أستاذ مساعد., إلى استاذ

واختير عضوا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فى فبراير عام 19557ام, وهو المجمع الذى يعتبر بديلا لما كان يسمى فى الماضى هيئة كبار العلماء.

يتحدث عن نفسه فيقول :

اختلطت حياتى بالحلو والمرء وابتدات حياتى العلمية بدخول الكتاب لحفظ القرآن الكريمء وإذاكان النبات قبل أن يستغلط سوقه يعيش على الحب المتراكب, وقد يرى بالمجهر سورة النبات فى ذلك الحبء فكذلك ينشأ الناشئ مناء وفى حبته الأولى فى الصبا تكمن كل خصائصه فى الكبرء وكنت أشعر وأنا فى الكتّاب بأمرين ظهرا فى حياتى فيما بعد.

الأمر الأول : اعتزازى بفكرى ونفسىء حتى كان يقال عنى أنى طفل عنيد.

الأمر الثانى : أن نفسى كانت تضيق من السيطرة بغير حق.

وبسبب هذين الأمرين كانت حياة الشيخ أبو زهرة سلسلة من المواقق الشجاعة, يناضل فى سبيل الحق ضد الباطلء, ولم يرحل عن دنيانا إلا وقد ترك ثروة(*) من العلوم الشرعية الإسلامية التى تحيط بكثير من الموضوعات من كل جوائبها. فهو الكدْز الذى لاينفد,ء والنبع الذى لايزال ينهل منه الظامئون:,

ولايضيق بكثرة الناهلين. والرفعة للإسلام والمسلمين.

الناشر

محمد محمود الخضرى

(*) المؤلفات الكاملة للإمام محمد أبى زهرة موضحة فى آخر الكتاب.

تصدير عام

بسم الله الرحمن الرحيم

١‏ الحمد لله رب العالمين: والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين» وعلى أله وصحبه أجمعين.

أما بعس ... فإن الشريعة الإسلامية نور الإسلام المضىء. والهداية المنبعثة من القرآن الكريم, والسنة النبوية», وقد أخذ المطبقون منذ العهد الأول يستنبطون ويجتهدون» ويحلون مشكلات الحياة بقبس من نور الوحىء وهداية السماء.

وإن الذين اجتهدوا واستنبطوا كونوا مجموعات فقهية جيلا بعد جيل فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجتهدون ويستنبطون» ويحلون مشكلات الدولة. ومشكلات المجتمع. ومشكلات الأحاد؛ ولا مرشد لهم إلا كتاب الله وسنة رسوله, وعقل مدرك نافذء يوجهه قلب مخلص بطلب الحق لذات الحقء لا يسيطر عليه هوى ولا ينبعث عن شهوة أى حب سلطان. وتكونت لكل صحابى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعة فقهية, فكان لعلي . مجموعة فقهية تناقلتها ذريته وأصحابه؛ ولريد بن ثابت مثلها ولعبد الله بن عباس مجموعة:, ولعبد الله بن عمر مجموعة: وناهيك بالمجموعة الفقهية التى أثرت عن عبقرى الإسلام عمر بن الخطابء وقد اتجه العلماء منذ القديم, لجمع مجموعة عمرء فإنها نبراس للاستنباط الفقهى السليم.

وقد جاء تلاميذ الصحابة وهم التابعون, فنلقوا هذه المجموعات الفقهية. وأخذ كل تلميذ يروى مجموعة شيخه من الصحابة» فنافع مولى عبد الله بن

25 م ٠.‏ العلاقات الدولية فى الإسلام .- ا

عمر أخذ ينقل للأسلاف فقه ابن عمرء. وسعيد بن المسيب أخذ ينقل فقه عمر وابنه. وهكذاء ولم يكتف أكثر أولئك التلاميذ من التابعين برواية شيوخهم, بل يزيدون بالاستنباط في ضوثهاء وحل المشكلات فى عهدهم والإفتاء فيما يجد من وقائع فى عصرهم مستعينين بفهم شيوخهم ومقيدين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلمء أخذين منهما ابتداء: وراجعين إليهما انتهاء.

؟ - وقد تشعبت منذ عصر الصحابة مناهج البحث الفقهىء فمن الصحابة من كان يكثر من الرواية» ويتوقف عند الاستنباط بالرأى» ومنهم من كان ينطلق بالرأى حيث لا يجد نصا صريحا من السنة. وسرى ذلك التشعب في المناهج إلى التابعين» فمنهم من كان جريئًا فى إبداء الرأى كسعيد بن المسيب الذى كان يسمى لهذا بالجرىء, ومنهم من كان يتوقف ولا يبدى رأياً فيما لم يروه عن النبى صلى الله عليه وسلم أو صحابته كنافع مولى عبد الله بن عمر.

وكان فى العراق طائفة امتازت بكثرة الرأى وقلة الرواية: ولكنها لا تخرج عن الرواية الصحيحة المروية تحترمها إن وجدتها فى أى مكان فى العراق أو فى المدينة أو فى مكة؛, فهم لا يتركون الرواية إن وجدوهاء ولكن يجتهدون بآرائهم إن لم يجدوها فلا يتوقفون بل يخرجون ويفرعون.

وفى عهد التابعين اخذت المناهج الفقهية تتضح وتتبين» حتى إننا لنجد للفقهاء التابعين فى الكوفة لونا فقهيا يغاير منهاج التابعين فى المدينة من غير أن يخرج واحد منهم على الكتاب أو السنة أو المأثور عن الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.

ولنضرب لذلك مثلاء فإن التابعين من أهل العراق كانوا يفرعون الأحكام فيفرضون وقائع لم تحدثء ويذكرون حكمها ويسمى ذلك «الفقه التقديرى», بينما فقهاء التابعين فى المدينة لا يفتون إلا فى الوقائع التى تقع وهذا بلا شك اختلاف فى المنهاج لا يغير من الاتجاه إلى كتاب الله تعالى وسنة (26) .

1 عر العلاقات الدولية فى الإسلام د ل ا

وكان الرأى عند التابعين فى المدينة يختلف عن الرأى عند أهل العراق» ففى المدينة يحكمون المصلحة حيث لانص من كتاب أو سنة أى فتوى الصحابة, فإن كانت المصلحة فى هذه الحدود أخذوا بما توجبه. بينما كان الرأى عند التابعين من فقهاء العراق يقوم أكثره على القياس» وهو أن يبحث عن مشابه للحكم غير المنصوص عليه ويلحقه بهء أى أنه يببحث عن نص فى حالة تشبه الحالة التى يجتهد المجتهد منهم فى تعرف حكمها وتعطى حكم ما جاء به النص.

- تكونت من اجتهاد التابعين مجموعة فقهية عظيمة. جاء تلاميذهم فرووهاء ونقلوها إلى الأخلاف: وكان التلاميذ منهم صغار التابعين: أخذوا عن الصحابة وعن كبار التابعين كابن شهاب الزهرى شيخ الإمام مالك وحماد بن أبى سليمان شيخ أبى حنيفة: وكان من تلاميذ التابعين صغارهم وكبارهم من لم يلتقوا بالصحابةء وهؤلاء أكثروا من التخريج والتفريع؛ والاجتهاد المستقل الذى لم يكونوا فيه تابعين لأحد .

وإن مجموعة الصحابة الفقهية كان لها احترامهاء فأكثر الفقهاء قرروا احترام رأى الصحابىء فهم لا يخرجون عن أرائهم إن اتفقوا أى اختلفواء فإن كان الاتفاق كان إجماعهم حجة لا يجوز لأحد مخالفتهء وإن اختلفوا لا يخرجون عن آرائهم» ولهم أن يختاروا منها ما شاءواء وهم لا يختارون إلا ما يرونه أرب إلى الكتاب والسنة. فهم لا يتبعون تقليدا مجرداء ولكن اجتهادا واختيارا .

4 - وقد جاء من بعد التابعين وتابعيهم الاجتهاد الفقهى المذهبى أو المدرسىء إذ صار لكل شيخ أو إمام مدرسة يبث فيعا آراءه. وتلاميذ يتلقون عنه, وله منهاج فى البحث اختص بهء ويستنبط من الكتاب والسنة على مقتضاه:ء وإن لم يدونه» فقد كان يلتزم طريقاً واضحا فى معالمه يميزه عن غيره من العلماء. فكان بلا ريب لأبى حنيفة منهاج يقارب أو يباعد منهاج مالك؛ وكان للشافعى من بعدهما منهاج يقاربهما أو يباعدهما أى يباعد واحداً منهما. والأوزاعى كان كذلك,

1 # ر. العلاقات الدولية فى الإسلام د >< 697اللدلدد#دّهّااال“-ددننسدشصد ”<+ء ء ؟ْسْس“«مسسسس«سسساسُسُسسسيييي

وإن هذه المناهج كالسبل التى تتجه إلى غاية واحدة, وهى تحرير المعانى الفقهية التى اشتمل عليها الكتاب والسنة والمأثور عن الصحابة رضى الله تبارك وتعالى عنهم ٠‏ ولقد جاء الشافعى فدون منهاجه وأخذ بوازن بينه وبين منهاج غيره من أئمة المذاهب وإن لم يدونوهاء فهى كانت واضحة فى استنباطه؛ وذكرها أولثئك الأئمة مجملة:, ولم يفصلوا القول فيها تفصيلا. وقد اتسعت الحلقات الفقهية فى الأقاليم الإسلامية» فكان فى مكة حلقات الحديث والفقهء وفى المدينة حلقة الإمام مالك فى الحديث والفقهء أو المسائل كما كان يسمى فروع الفقهء. وكان فى العراق حلقة أبى حنيفة وبجوارها اجتهاد القضاة كاجتهاد شريح )١(‏ واجتهاد عبد الرحمن بن أبى ليلى (؟) . واجتهاد عثمان البتى () واجتهاد عبد الرحمن بن شبرمة قاضى البصرة(4) . ه ‏ مضى الأئمة وقد خلف كل إمام لتلاميذه ثروة مثرية نموهاء وخرجوا عليها وفرعوا الفروع فيها واجتهدوا فيما لم يجتهد فيه إمامهم على مقتضى أصولهء واتباعا لمنهجه الذى رسمه باجتهاده أى بأقواله أى بقلمه. وتتابعت الطبقات فى المذاهب وكل طبقة تضيف إلى ما تركته سابقتها فقها إلى فقههاء وتخريجا وتفريعاء حتى كثرت الفروع والحلول فى كل مذهبء وكانت المذاهب تتعاون فى كثير من الأحيان» فيأخذ أهل كل مذهب من المذهب الآخر حلولا ليست فى مذهبه لمسائل لم تدون فيه, فكان الميدان ميدان تعاون لا تناحر فى القرون الثلاثة الأولى» وقد فتح ذلك الباب الأئمة الكبار أنفسهمء فكان مالك يسأل حماد بن أبى

. شريح كان قاضيا من قضاة الإمام على» وتولى القضاء من قبل معاوية‎ )١(

(؟) عبد الرحمن بن أبى ليلى قاضى الكوفة الذى عاصر أبا حنيفة وتوفى سنة ١44‏ ه . 2( عثمان البتى كان من قضاة البصرة توفى سنة 1١١75‏ هاء

(4) عبد الرحمن بن شبرمة تولى قضاء البصرة بعد عثمان البتى» توفى سنة 6 ١5‏ هف

©« مو ب ره العلاقات الدولية فى الإسلام لح ا ا 2 2222 222222222222222 22222 | لاا 111 ١‏ ىر ٠‏

حنيفة عن أقوال أبيه فى مسائل معينة قد سثل عنها. وظل التعاون مستمراً بين المذاهب حتى كان دور المناظرات والمجادلات التى احتدمت بين الحنفية والشافعية فقل التعاون بين أهل هذين المذهبين.

1 - ما جاء القرن الخامس الهجرى حتى تكونت فى كل مذهب مجموعة فقهية تصلح أن تكون قانونا يطبق: وكان منها ما يطبق فعلا؛ كالمذهب الحنفى فى العراق والمذهب المالكى فى الأندلس والمغربء والمذهب الشافعى فى الشام وقتا

ولم يكتف الفقهاء بدراسة الفروع» بل قامى بعملين جليلين ٠‏

أولهما ‏ التعمق فى دراسة أصول الفقه. أى المناهج الفقهية:, وقد ابتدأ الشافعى بتدوينهء ثم كان التوسع فيه ودراسته دراسة نظرية مستوعبة.

وثانيهما - أن أولئك المجتهدين الذين اجتهدوا فى مذاهبهم أخذوا يجمعون الفروع المتشابهة فى قواعد تضم متفرقهاء وكونوا من هذه القواعد مجموعة فقهية تضم الفروع المتشابهة. وتطبق على ما يشبهها مما لم يكن موجودا وقت ضبطهاء ووجدت كتب فى كل مذهب تشمل قواعده التى تضم فروعه المتفرقة, فكان فى المذهب الحنفى «الأشباه والنظائر», وفى المذهب المالكى «الفروق؛ للقرافىء وفى المذهب الشافعى «قواعد الإسلام فى مصالح الأنام»: وفى المذهب الحنبلى القواعد الكبرى» لابن رجبء وهكذا .

؛ - وبهذا استوى القانون الإسلامى على سوقه, وعلا وسمقء» حتى إنه لا يوجد فى القوانين القديمة ما يناظره سعة وعموما وشمولاء فوق ما فيه من عدالة واستقامة فى الحلول الجزئية .

ويحاول الذين لا يعلمون الحقائق, ولا يحاولون أن يدرسوهاء أن يثبتوا علاقة بينه وبين القانون الرومانى» فيجهدون أنفسهم, ولا يصلون إلى غاية لأن محاولتهم لا تغير الحقائق والجواهرء وفرق بين قانون عاش فى ظل الأوثان» وقانون استتبط من أحكام القرآن.

العلاقات الدولية فى الإسلام 4 ا 222 22222222222222 222222222 22

ومع أن تلك المحاولات أخذت تسيطر على العقل الأوربى زمنا طويلاء انبثق النور المدرك بين رجال القانون من أورباء لا بين علماء الشرقيات - فسجلت المؤتمرات القانونية أن الفقه الإسلامى قانون مستقل ليس مشتقا من قانون من القوانين القديمة .

وإن الذين علموا بما يحتويه الفقه الإسلامى فى المعاملات المالية وغيرها وكانوا من رجال القانون ‏ أعجبوا به وعلموا أنه سبق سبقا بعيدا فى كثير من الحلول القانونية», ولهذا اتجهوا إلى طلبه من مصادره العربية ليترجموه إلي لغاتهم كى يضيفوا إليها ثروة من علم القانون لم تكن فيها .

6 - ومن أجل هذا اتجه كثيرون من المفكرين إلى أن يكتبوا رسائل توضح أجزاء من الشريعة:؛ ورأوا أن تكتب بالعربية أولا لكى تفحص وتدرس قبل أن تترجمء ولكى يعم نفعها لطلاب العربء وإنها ستكون موجزة من غير إخلال» إذ أنها ستصيب المعانى الرئيسية التى تكشف عما وراءهاء وفى ذلك تعريف للشريعة لمن لا يعرفها من أهل العربية. وهم كثيرون ٠‏

9 - حمل المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية الجزء الأكبر من هذا العبء, وإذا كانت بعض الجماعات العلمية قامت ببعض ذلك العبء» فبمقدار محدودء وعلى غير منهاج بيّن المعالم .

ولذلك وضع المجلس فى منهاجه جزءا مخصصا للتعريف بالشريعة الإسلامية فى المجال الدولى» وعهد إلى لجنة القانون والعلوم السياسية من لجانه

أن تدرس ذلك الموضوع.

وقد رأت اللجنة ووافقها المجلس الموقر أن تكتب رسائل صغيرة الحجم غمزيرة المعنى» وابتدأت بالموضوعات التى تشغل الفكر العالمى فى هذه الأيام» والتى يكون فى بيانها تذكرة لدواء السماء فى أدواء الأرضء» فوق ما يكون فيها من بيان حقائق شرعية لمن يجهلونها .

“هل هه »ر. العلاقات الدولية فى الإسلام 2 2 2 22 ا 2

٠‏ اختار المجلس ست رسائل فى ستة موضوعات هى:

الرسالةلأولى : «العلاقات الدولية فى الإسلام؛ .

الرسالقلثانية : «التكافل الاجتماعى فى الإسلام؛ .

الرسالةالثالثة ١:‏ مدخل الفقه الإسلامى؛ .

الرسالةلرابعة : «الزواج والطلاق فى الإسلام؛ .

الرسالةالخامسة : «أحكام الأولاد فى الإسلام؛ .

الرسالالسادسة : «الميراث والوصية فى الإسلام؛ .

وفيما يلى إشارات إلى بعض ما اشتملت عليه هذه الرسائل .

. الرسالةالأولى : «العلاقات الدولية فى الإسلام؛‎ ١

تعرضت هذه الرسالة لبيان الوحدة الإنسانية, ونظرة الإسلام نظرة شاملة لكل بنى الإنسان, وأن العلاقات الدولية ككل العلاقات الاجتماعية والآحادية تقوم على الرحمة والمودة والعدالة» والوفاء بالعهودء والفضيلة, فإنها كما تنظم علاقة الآحادء تنظم علاقات الجماعات والدول؛ وقد بينت أنه لا فضل لجنس على جنس ولا لون على لون؛ وأن الجميع سواء أمام الله. فيجب أن يكونوا فى المعاملة الإنسانية على سواءء وأنه يجب أن تتعارف الشعوب وتتعاون وتتلاقى ليستغل ابن الأرض كل ينابيع الثروة فيهاء ويفيض كل إقليم على غيره بما يفضل ما ينتج؛ ويبادله الآخر مثله؛ وقد أيدت كل ما تعرضت له بالقرآن والسنة؛ وأعمال السلف الصالح وأقوال الفقهاء.

وتكلمت الرسالة فى حال الحرب وأنها لا تكون شرعية إلا إذا دفع إليها ظلم واقع أو ظلم متوقعء وهى لا تكون إلا حيث تتعذر وسائل السلمء؛ ثم هى ليست حربا مع الشعوبء بل هى حرب مع المستغلين اللمسيطرين الظالمين» ولذلك لا يصح قتل أمن فى س ربه. لا رأى له فى حربء أو ليس من شأنه أن يحاربء أو

العلاقات الدولية فى الإسلام 4 بدد>>>0-0-0-0-0-773>27 222222222 222222222222222 2 2

ماهى بمحارب فعلاء بل الحرب فى الميدان وحدهء أى كما يعبر الفقهاء قى معسكر السلطان: فلا يسوغ فى حرب إسلامية تجويع شعب, بل إن المتاجر تسير بين المسلمين وبين الشعوب التى يحاربون السلطان أو المتغلبين عليهاء والحروب لا تكون إلا حيث لا يكون بد منهاء فهى ضرورة تنتهى بقدرهاء والفضيلة تظلها فى ابتدائها وفى سيرها وفى انتهائهاء والرحمة تحكم والسيوف تجرى بالحتوف, فالرحمة تعيش وسط الملحمة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: «أنا نبى المرحمة وأنا نبى الملحمة؛. وإذا انتتهت الحرب لا يقول القرأن ولا السنة ويل للمغلوب:ء بل يقول رحمة بالمغلوب؛ ثم يعمل على أن يطب لجراحه وعلى شقاء أسقامه, حتى تلتقى القلوب على المحبة الإنسانية من غير تنافر ولا تدابر . 7 ١_والرسالةالثانية‏ : «التكافل الاجتماعى فى الإسلام» . تعرضت هذه الرسالة لبيان البناء الاجتماعى فى الإسلام, فبينت عناصر المجتمع الفاضلء ووسائل وقايته من الآفات» والروابط الأدبية التى تربط بين أحاده وبينت أن المجتمعات لا تبنى على العلاقات المادية وحدهاء بل تتوثق علائقها بالمعانى الروحية وبينت علاقة المجموع بالآحاد, وواجبات الآحاد نحى المجموع وحقوقهم عليه, وتكلمت فى الحرية الشخصية وقيودها ومداهاء وأثرها فى البناء الاجتماعى, ثم بينت حرية الملك: والقيود التى يقيد بهاء ثم ذكرت أسباب الملك, وبينت أن رأس المال لا يكسب وحده.ء بل لابد من عمل معه., وأن الكسب بقرض رأس المال والانتظار ليس كسب شرعياً بل هو كسب خبيث يحل العقوبة. وتكلمت فى المعادن وملكيتها للأمة, وفى موات الأرضء وملكيتهالمن يحييها وحدود ذلكء ثم بينت أحكام التجارة الحرة التى تشتمل على المخاطرة بالنقل من إقليم لإقليم, وتكلمت فى الاحتكار وعلاجه, والتسعير وأقوال الفقهاء

فية.

والشيخوخة والضعف الإنسانى2 فذكرت أحكام الزكاة. وبيئت أنها فريضة

العلاقات الدولية فى الإسلام 1 22222222222222 22222222222222

اجتماعية للتأمين الاجتماعىء وبينت أنها اشتملت على مبادئ لم يصل إليها قانون اجتماعى أو اقتصادى إلى اليوم؛ ومن هذه المبادئ سد الديون عن المدينين الذين استدانوا وعجزوا عن السداد ولم يكن سبب الدين إسرافا أو تبذيرا ولا سبب العجز إسرافا أى تبذيراء ومن هذه المبادئ معاونة من اتنقطع به الطريق» وبعد عن ماله, حتى يعودء وهكذا غير ذلك من عناصر التكافل الاجتماعى.

. والرسالة الثالثة:«مدخل الفقه الإسلامى؛‎ - ١6

بينت هذه الرسالة بإيجاز المصادر الشرعية: وأصول الاستدلال فى الفقه الإسلامى ومناهجه. وما يشتمل من أحكامء وأقسام هذه الأحكام من أحكام للعبادات وأحكام للمعاملات المالية وأحكام للأسرة وأحكام للدولة ونظامهاء واحكام للعلاقات الدولية, وهكذا بينت تلك الرسالة أبواب الأحكام الشرعية كلها.

ثم تصدت للقواعد العامة التى جمعت شتى الفروع وضبطتهاء وخصوصا قواعد العقود. والشرؤط مع بيان إجمالى لما يجب الوفاء به من شروط ومالا يجب الوفاء به. ومدى الشروط التى يقرها الإسلام, ومالا يقره من الاشتراط. ا

وفى الجملة هذه الرسالة مثلها بالنسبة للعلوم الإسلامية كمثل المدخل للعلوم القانونية؛ إن تبين قواعدها العامة التى تشمل الأحكام القانونية:؛ ولا تخص فرعاً من فروعها.

4 والرسالةالرابعة : «الزواج والطلاق فى الإسلام؛ .

بينت هذه الرسالة بإيجاز عناية الإسلام بأحكام الأسرة عامة:؛ وعنايته بالزواج وتكليف الشارع الإسلامى المكلف أن يتزوج ليصون نفسه ودينه, وأشارت إلى أن العلاقات التى تعتبر جائزة فى الإسلام بين الرجل والمرأة هى الزواج الشرعى الصحيحء وبينت مقدمات الزواج وأحكام الخطبة. وبينت أركان

1 ا #«ا ر. العلاقات الدولية فى الإسلام 1 2 ا 22 22222 222222222

عقد الزواج» وشروط صحته؛ وشروط لزومه:ء والمسوغات التى تسوغ فسخه.ء ثم بينت من يحرم الرواج بينهم من الرجال والنساءء والكفاءة بين الزوجين ومداهاء وأصل إثباتهاء وإنكار بعض الفقهاء لها, إلا ما يتعلق منها بالدين والخلق, ثم بينت الولاية فى الزواج» وجواز أن تتولى البالغة العاقلة زواج نفسها عند كبير الأئمة أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه, ثم بينت الشروط التى يجب الوفاء بها إذا اشترطها أجد الزوجين.

وبينت الرسالة الحقوق المشتركة التى ينشئها الرواج بين الزوجين من ميراث وجل للعشرة الزوجية. كما بينت حقوق الروج على زوجته؛ ومداهاء وبينت حقوق الرزوجة على زوجها من العدالة معهاء سواء آكان متزوجا لها وحدهاء فلا يبغى عليها سبيلاء آم كان متزوجا أآكثر من واحدةء فإن العدالة حينئذ تتناول مع حسن العشرة والمعاملة الحسنة وعدم البغى ‏ التسوية بين الزوجتين فى النفقة والكسوة والمبيت. وكل ما يتعلق بمظاهر الحيأة الزوجية.

وبينت حق الزوجة فى النفقة. وحق الزوج فى الطاعة. وأنهما حقان متقابلان» وأن إهمال أحدهما يسقط الآخرء وهكذا وضحت هذه الرسالة الأحكام الإسلامية التى تنش من الزواج كما بينت حكمه عند الإقدام عليه .

6 ١-الرسالةالخامسة‏ : «أحكام الأولاد فى الإسلام» .

بينت هذه الرسالة حقوق من كانوا ثمرة للزواج وهم الأولادء فبينت أحكام ثبوت النسب وهو الحق الأول للمولود بمجرد أن يخرج إلى هذا الوجود, ثم بينت الولايات التى تشبت له : ولاية التربية الأولى وهى الحضانة:؛ وبينت أنها :ابتداء حق للنساءء لأن ذلك هو عملهن بمقتضى الفطرة التى فطرهن الله عليها. والولاية الثانية ولاية الحفظ والرعاية. وهى التى تسمى الولاية على النفس» وهى تثبت للرجال ابتداء لأنهم أقدر عليها. والولاية الثالثة الولاية المالية؛ وتلك تكون على الطفل إذا كان له مال. وبينت التغذية الأولى للطفل وهى فى المهدء وهى حق الرضاعة, ثم بينت من تجب عليه نفقته وهو صغيرء وفى سبيل ذلك بينت بإيجاز نفقة الأقارب بعضهم على البعض.

العلاقات الدولية فى الإسلام 4 ْ لا

زجمل له

١ تي‎

51 الرسالة السادسة : «الميراث والوصية فى الإسلام) .

بينت هذه الرسالة أحكام الملكية بالخلافة. فبينت الخلافة الاختيارية فى المال» وتكون بالوصية» وبينت أحكام الوصية بالإجمال وتعرضت فى ذلك إلى أحكام القانون رقم ١‏ لسنة .١945‏

وبينت الخلافة الإجبارية وهى الخلافة بالميراث» وبينت أنها تكون فى ثلثى التركة إجباراء ليس للمورث أن يغير فيها أى يبدل» بل يترك لكل ذى حق حقه .

وبينت أن الميراث تولى القرآن الكريم توزيعه بالتفصيلء ولم تبين السنة منه إلا قليلا نادراً» وبينت أن الإسلام اتجه فى تقسيم الميراث إلى التوزيع دون

التجميع» فلا ينفرد وارث بالتركة كلها إلا نادراء فالتركة يستحق فيها الأقارب من

أدناهم إلى أقصاهم على مراتب مختلفة باختلاف درجات القرابة وقوتها.

١‏ - هذه إشارات إلى بعض ما اشتملت عليه الرسائل الستء وإن ترجمتها إلى اللغات الأوربية الحية تعريف بالشريعة فى المجال الدول .

والله سبحانه وتعالى ولى التوفيق وهى الهادى إلى سواء السبيل .

العلاقات الدوليمة فى الإسلام

العلاقات الدولية فى الإسلام 577---224992929222022000-0 2 22 222222222222222 2222222222222 2 نز

بسم الله الرحمن الرحيم

امقسسسة

إن الحمد لله نحمده. ونستعينه, ونستغفره ونتوب إليه» ونعوذ بالله من شرور أنفسناء وسيئات أعمالناء من يهد الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادى له. وتصلى وتسلم على محمد النبى الأمى: وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعسد ... فقد راى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية أن ينشر في العالم كنوز الثقافة العربية الدفينة» وإن خير هذه الكنورز ما اشتملت عليه شريعة القرأن الكريم من ثروة تشريعية واجتماعية واقتصادية. ولذلك رأى أن يتخير بعضاً من هذه الثروة. وينشرها باللغات الحية؛ واللغات الإقليمية فى البلاد الإسلامية. فى رسائل تجمع الكليات؛ ولا تدخل فى تفاصيل الجزئيات, تكون سهلة قريبة للتناول, لا تعلو عن عامة المثقفين» وتقبلها عقول الملتخصصين, وفى ذلك إسهام للعرب فى الثقافة الإنسانية العالية. وإن ما كان عندنا قديماً غالياً هو عند غيرنا يكون جديداً عاليا .

وقد عهدت لجنة القانون إلى أن اكتب فى العلاقات الدولية كما ينظمها الإسلام, فتقبلت ذلك بقبول حسن, واستعنت بالله تعالى أن يمن على بالتوفيق فإنه لولا توفيقه سبحانه ما اهتدينا فى تفكيرناء ولا استقامت بين أيدينا السبل, فنوره سبحانه هو الذى به ندرك؛: وعلى هديه نسير .

وإنا فى هذا نتكلم فى الموضوعات الآتية:

١‏ دعائم العلاقات الإنسانية فى الإسلام, وسريانها فى العلاقات الدولية.

" - العلاقات الدولية جال السلم .

العلاقات الدولية فى الإسلام ث2

“" - العلاقات فى وقت الحربء واعتبار الحرب حالا عرضية .

وسوف تعتمد فى دراسة هذه الفصول على نصوص القرأن والسنة, وعمل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الراشدين, ومن تبعهم متمسكاً بهديهم, ولسنا نعتمد فى ذلك على أعمال الملوك الذين شوهوا الحقائق الإسلامية: وكان بلاء المسلمين بهم أشد من بلاء أعدائهم.

ونبتدئ بعد فضل الله تعالى فيما اعتزمنا معتمدين على الله العلى القدير.

العلاقات الدولية فى الإسلام 1 اذخ ع2

دعائم العلاقات الإنسانية

.١‏ الكرامة الانسائية

١‏ - وردت النصوص القرآنية باعتبار الإنسان خليفة فى هذه الأرض. وأن الله تعالى سخر له ما فى الكون وجعله تحت سلطانه؛ وفى قدرته, وأن الله تعالى أعطاه الاستعداد للعلم بكل شىء فى الكون, فأودع فى أصل تكويته العقل الذى يستطيع به الاستقلال فى إدراك حقائق هذا الكون وما فيهء وأعطاه الاستعداد للعلم بما فى السموات وما فى الأرضء وبين للملائكة ‏ تلك الأرواح الطاهرة - أنهم لم يُْتوا علم هذا الإنسان الذى اختاره خليفة فى الأرضء ولهذا أمرهم بالسجود لآدم أبى الخليقة الإنسانية(١)‏ .

وإن هذا يدل على كرامة الإنسان منذ خلق فى هذا الكون, فقد خلقّ ليسوده ويسيطر عليه, وقد صرح القرآن بهذا التكريم الإنسانى فى أيات كثيرة» منها ما جاء بصريح اللفظ فى سورة الإسراءء فى الآية رقم /١‏ ,

وإن هذا التكريم كما تدل الآيات والأحادث ليس خاص) بعنصر دون عنصرء تعالى عليه وسلم: «كلكم لآدم وآدم من تراب, لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى'١.‏

)١(‏ صرح سبحانه وتعالى بذلك فى سورة البقرة». فقال تعالى: «وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون* وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين* قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما انبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون* وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين» . (الآيات: ١‏ ) .

وقد جاء فى تسخير الكون للإنسان يفكر فيه ويكشف أيات كشيرة مبثوثة فى القرآن منها الآيات ١١١١‏ من سورة الجاثية وهى السورة رقم ©8.

.هن ب« ٠‏ العلاقات الدولية فى الإسلام 1 ا 2 2 2 2 2 2 2222 22222 2222222 2222222222

فالكرامة الإنسانية يقررها القرأن والسنة لكل من يتحقق فيه معنى الإنسانية؛ وأول تكريم كان بهبة العقل الذى سخر الله تعالى له به الكون بما فيه. سواء آكان على الأرض أم كان فى جوف السماءء ولا تفاضل بين الناس بالألوان, فالأبيض والأسود على سواء إلا بالتقوى» ويروى فى ذلك أن رجلا من أصحاب النبى (4) عَيّر آخر بسواد أمه. فقال له: يا ابن السوداء. فغضب النبى عليه الصلاة السلام؛ وقال: «لقد طف الكيل: لقد طف الكيل؛ لقد طف الكيل»: ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل؛ ولا فرق بين دين ودين فى تكريم الإنسان حيا أى ميتاً» ويروى أنه مرت جنازة يهودى فوقف لها النبى صلى الله عليه وسلم تكريماً فقال له بعض أصحابه: «إنها جنازة يهودى؛ فقال النبى الأمين الكريم: «اليست نفساً). " الثاس جميعاامة واحصدة ”- اعتبر الإسلام الناس جميعاً أمة واحدة, الإنسانية تجمعهاء وإذا فرقت الأهواء فالأصل واحد. ولقد صرح القرآن بهذه الوحدة فى أآيات كثيرة:؛ وما دام الأصل واحداً فالوحدة شاملة. وقد جاء ذلك فى عدة سور وعدة آيات» فالآية الأولى من سورة النساء تصرح بأن الأصل واحدء فقد خلق الله الناس جميعاً من نفس واحدة وخلق من هذه النفس زوجهاء وتوالد الناس من هذين الأبوين الكريميز[١).‏ وقد جاء فى سورة البقرة التصريح بأن الإنسانية أمة واحدة. فقد قرر أن الناس جميعاً أمة واحدةء وأن الاختلاف عارض ومنشوه اختلاف الأهواء,

)١(‏ هذا معنى قوله تعالى: ديا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة, وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا؛ .

وجاء هذا المعنى فى سورة الحجرات» وهى السورة رقم 49 فى المصحفء وذلك فى الآية رقم ١7‏ , ومثل ذلك فى سورة الأعراف فى الآية رقم .١45‏

9 5 »رمه العلاقات الدولية فى الإسلام ا ا 22 222222222222222 222222222222222

وأن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل بالهداية ليحكموا بأمر الله تعالى فى هذا الاختلاف )١(‏ وليبينوا لهم طريق الهداية. فيسلكه من تغلب على هواه؛ ويضل الآخر ويشقى.

وذكر فى القرآن الكريم, بأنه لم يكن اختلاف اللغات والألوان بمانع من الوحدة الإنسائية الجامعة: بل إن هذا الاختلاف من ستئن الله تعالى فى خلق الإنسان, إذ جعل فيه قوة يتكيف بمقتضاها مع بيئته ويتجاوب» وقد صرح القرآن الكريم بذلك إذ قرر أن اختلاف الألسنة والألوان من مظاهر قدرة الله تعالى الغالبة فى خلق الإنسان(") .

وإن اختلاف الناس شعويا وقبائل لم يكن ليتقاتلوا ويختلفوا ولكن ليتعارفوا ويتعاونواء وقد صرحت بذلك الآية الكريمة فى سورة الحجرات: ١يأيها‏ الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا؛ وإن هذا التعارف يجعل كل فريق ينتفع بخير ما عند الفريق الآخرء وتكون خيرات الأرض كلها لابن هذه الأرض وهو الإنسان» فلا يختص فريق بخير إقليمه ويحرم منه غيرهء فإذا كانت الأرض مختلفة فيما تنتجه فالإنتاج كله للإنسانية كلهاء ولا سبيل لذلك إلا بالتعاون والتعارف الإنسانىء فالتفرقة الإقليمية لتستغل الأرض فى كل أجزائها وكلها للجميع.

وفى سبيل ذلك التعارف حث القرأن الكريم على السعى والضرب فى الأرض طلباً للرزق وطلبا لهذا التعارف الإنسانى: وليحصل أهل كل إقليم على ما

)١(‏ هذا معنى الآية رقم 1١؟؛:‏ وهذا نصها: «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق» ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم».

(؟) هذا معنى قوله تعالى: «ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف السنتكه وألوانكم» سورة الروم الآية رقم 7>” والسورة رقم ١‏ فى المصحف .

1 .-. »«» ره العلاقات الدولية فى الإسلام لوج ج220

" - وإن النبى () قد حارب التفرقة فى المعاملة بسبب الألوان وصرح بذلك, وشدد النكير على من يعمل على هذه التفرقة:, وقد نقلنا من قبل بعض النصوص الدالة على ذلكء ونذكر الآن قوله صلى الله عليه وسلم: «الجنة لمن أطاعنى ولى كان عبداً حبشياء والنار لمن عصانى ولى كان شريقاً قرشياً. فليس فى الإسلام بمقتضى المبادىء المقررة الثابتة اختلاف فى المعاملة بسبب اختلاف الألوان, وإن التفاوت بين الناس بالعمل لا باللون؛ وإذا كان بعض الناس جاهلا والآخر متحضراً أو عالماء فعلى العالم أن يعلم الجاهل وليس له أنه يتحكم فيه أو يستبد به, ولقد قال فى ذلك الخليفة الرابع من أصحاب محمد (2) على بن أبى طالب: دلا يسأل الجهلاء لم لم يتعلمواء حتى يسأل العلماء لم لم يعلّموا».

فليس لقبيل أن يتحكم فى الآخرين لجهلهم, أو لبداوتهم أو لغير ذلك. ولقد كان عمر بن الخطاب فى سبيل تقرير هذه الحقيقة وتثبيتها فى النفوس يقدم المؤمن ذا السبق فى الإسلام على غيره؛ ولو كان هذا غير ملون. يروى فى ذلك أنه قد استأذن عليه بلال الحبشىء وأبو سفيان الزعيم القرشىء فدخل الآذن يقول: بالباب أبو سفيان وبلال» فغضب الفاروق لتقديم اسم أبى سفيان على بلال» وقال لآذنه قل: بالباب بلال وأبو سفيان. وأذن لبلال ولم يأذن لأبى سفيان, وطأطأ لها القرشىء لأنه مبدا من مبادئ الإيمان.

' 4 - وكما أن الإسلام حارب فكرة التمييز بالألوان» وحارب التمييز بالعنصر والجنس فالناس جميعاً لآدم» لا فرق بين أرى وحامى وسامى بل الجمع ينتمون إلى أب واحدء وأم واحدة» وليس هناك عنصر اختص بصفات لا يختص بها الآخرء وإذا كانت ثمة لغات لبعض هذه العناصرء فذلك بحكم البيئة وما توجه إليه. وهى فى مجموعها لإيجاد التكافل الإنسانى فى الانتفاع بهذه الأرض التى جعله الله تعالى خليفة فيها بمقتضى التكوين وبمقتضى ما آتاه الله تعالى من مواهب واستعدادات تجعل الكون كله مسخراً له.

8 55 العلاقات الدولية فى الإسلام 2 0

وإن الذريعة التى يملكها ابن الأرض ليتحكم فى أخيهء ويتخذه وأرضه مستغلا يستغله ويتحكم فيه وفى مصايره تتكون من عنصرين جوهريين : أحدهما ما سبق إلى الأوهام من أن الناس أجناس, بعضها يعلى على الآخر بمقتضى فطرته, وتجعل له الكلمة العليا المسيطرة: وللآخر الكلمة السفلى المحكومة:؛ وبهذا كان الظلم وكانت الفتن الإنسانيةء وقد ذكرنا أن القرآن قرر الوحدة الإنسانية فى نصوص كثيرة: وكانت الآيات واضحة فى تأكيد أن الإنسانية كلها تنتمى إلى نفس واحدة, ولا نريد أن نكرر هنا ما ذكرتاه أنفاً. العنصر الثانى: هو العصبية الوطنية أى القومية: إذ أن كل إقليم يريد أن يسيطر على غيره أو أن يكون له الغلبة على الآخرء وكل قوم يفخرون بأن لهم المكانة الأولى» وأنهم فوق الجميعء وهذا نتيجة للحروب السابقة التى ملأت الأرض بنجيع الدماء. وما كانت هذه الحروب فى الماضى إلا ليتغلب رئيس دولة على أخرىء وبذلك تأرثت نيران العداوة ووجدت العصبيات القومية و الوطنية. ولقد جاء الإسلام فحارب العصبية القومية والإقليمية؛ ليكون العدل هو السائد ولكى تكون المودة بين الناس وفى كل بقاع المعمورةء وقد قال النبى (2) : «ليس منا من دعا إلى عصبية: وليس منا من قاتل على عصبية؛ فالنبى (22) برىء من كل تعصب إقليمى أو قومىء وليس من الإيمان أن يتعصب المؤمن لقومه أى وطنه تعصباً يؤدى إلى الظلم. ولكن هل معنى ذلك محو الوطنية: وآلا يصلح كل قوم حالهم فى مواردهم وفى متاجرهمء ومصائعهم؟. والجواب عن ذلك أن النبى (22) لم ينه عن ذلك» والعصبية التى نهى عنها النبى (2) هى أن ينصر الرجل قومه وهم ظالمون, . أى يتضافر أهل وطن على ظلم أخرين والتمكن من حريتهم وتضييقهاء ولقد سأل أبى بن كعب النبى (علله), فقال له: أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ فقال النبى ‏ الذى أتاه الله الحكمة ..: دلا ولكن العصبية أن ينصر الرجل قومه

العلاقات الدولية فى الإسلام

اك يم اك ١‏

بي

على الظلم؛ فالعصبية أو الوطنية الظالمة منهئ عنها بحكم الإسلامء والنبى عليه السلام إذ ينهى عن العصبية يمنع الظلم فى الدول لتكون العلاقات على أسس من العدالة والمودة. ولقد شبه النبى (44) من ينصر قومه على الظلم بجمل يتردى فى ركية من النار فقال: «مثل الذى يعين قومه على الظلم مثل البعير المتردى فى الركى فهو ينزع بذنبه».

إن ذلك التشبيه صادق كل الصدق فى زمنناء فإن مبالغة القادة والزعماء فى نصرة أقوامهم بالباطل ليلتهموا الأرض ويستغلوا ما فيها قد جعل العالم يتلظى فى أتون من نيران الحروب: حتى إذا أطفأ الله ناراً أجج ابن الأرض أخرى, وذلك بسبب النصرة الظالمة للأقوام» والتعصب المردى للأوطان.

". التعاون الإنسائى

ه ‏ التعاون فى الإسلام مبدأ عام فى كل الجماعات الإنسانية كما قرره القرآن» فقد جاء فى سورة المائدة الحث على التعاون المطلق على البرء ومنع التعاون على الإثم والعدوان )١(‏ . وإن التعاون قوام الأسرةء وقوام الأمة. وقد جاءت النصوص الدينية الإسلامية لتعميم التعاون فى داخل الإقليم الواحد وفى نطاق الإنسانية .

ودعا النبى (8) بالعمل والقول إلى التعاون فى علاقات الدول بعضها بالبعضء وقد أشرنا من قبل إلى النص القرآنى الذى يفيد أن اختلاف القبائل والأجناس للتعارف»ء ووراء التعارف التعاون على الخير بينهم.

ولقد نفذ عليه السلام مبدأ التعاون الدولى؛ عندما جاء إلى المدينة فعقد مع اليهود حلفاً أساسه التعاون على البرء وحماية الفضيلة ومنع الأذى» واكد ذلك بالمواثيق» ولكن اليهود نقضوا حلف التعاون: ودبروا الأمر مع المشركين ضد

)١(‏ جاء هذا فى أخر الآية رقم - فقد قال سبحانه: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان».

©لا. م . العلاقات الدولية فى الإسلام 2222222-7-٠00 7‏ 2222 222222222222222 نر

النبى (علل), وكان أساس هذا التعاون أن يتضافروا على دفع الاعتداء وإقامة الحق» أو بعبارة عامة ما يسمى فى هذا العصر «بالتعايش السلمى».

وكان () يعقد المعاهدات مع القبائل العربية لإيجاد تعاون إنساني لإعلاء المعانى الإنسانية» وكان يحث على كل تعاون على الخير ويؤيده: ويرد كل تعاون على الشر ويحاربه» ولقد ذهب إلى مكة حاجاً فعلم أن قريشاً تريد منعه فمد يده المسالمة إليهم وهى يقول: :لو دعتنى إلى أمر فيه رفعة البيت الحرام لأجبتهم؛, ولقد كان (علله) من مبادئه التعاون على نصرة الضعيفء وقد حضر وهو شاب فى الخامسة والعشرين من عمره حلفاً لبعض أشراف قريش عقد فى دار عبد الله بن جدعان تعاقدوا فيه لينصرن الضعيف على القوى, فسر (عَلل) لذلك سروراً ظهرت آثاره من بعدء فقد قال الهادى الأمين: «لقد حضرت بدار عبد الله ابن جدعان حلفاً ما يسرنى به حمر النعم ولى دعيت به فى الإسلام لأجبت؛.

وإن النبى صلى الله عليه وسلم يعلن أن الله يمد بالقوة كل من يعاون أخاه الإنسان فى أى إقليم وفى أى موطنء فيقول (عَله) : «الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه). ولم يعين ذلك الأخ بل عممهء فيعم الأخوة الإنسانية, ولا يقتصر على الأخوة الدينية أى الإقليمية ٠.‏

وإنه فى الوقت الذى يشعر الإنسان فيه بالأخوة الإنسانية وأن التعاون مطلوب فى كل صوره وأحواله تختفى روح النزاع ويختفى ما يذكره بعض العلماء من مبدأ التناحر على البقاء الذى جر على العالم كله الويلات» وحسب كل قوم أن بقاءهم لا يكون إلا فى الاعتداء على غيرهم, وحيث ساد ذلك الزعم كان قانون الغابة هو الذى يحكم أى يتحكم ويسير .

؟ - التسسساح

1 - دعا الإسلام إلى التسامح غير الذليل» فهو يبنى العلاقات الإنسانية سواء كانت بين الآحاد أم كانت بين الجماعات على التسامح من غير استسلام للشر أو تمكين للأشرارء وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ضرورة دفع العداوة بالتى

00 5 م .. العلاقات الدولية فى الإسلام ٠‏ الاك

هى أحسنء وأن هذا الدفع الكريم هى الذى يجلب المحبة إن كان لها موضعء وأمر نبيه الأمين أن يصفح الصفح الجميل عمن يعاديه, والصفح الجميل هى الصفح فى على ومن غير استسلام للشر أو استخذاء للأشرار(١)‏ .

وإذا كان ما يوجب عقاب الأشرار أحادا أى جماعات فإن العقاب يجب أن بالاتباع.

وقد طبق النبى صلى الله عليه وسلم مبدا التسامح فى علاقاته بالمشركين وغيرهم فى معاهداته وفى حروبه؛ ضفى المعاهدات تراه فى صلح الحديبية» وهو البيت الحرام» وقد كان أساس هذا الصلح شططاأً من جانب المشركين» وسماحة من جانب النبى صلى الله عليه وسلمء فقد أصروا فى صلحهم على أن يمنعوه والمؤمنين يرد إليهم إن لم يكن ذلك برضا أهله, وأن من يخرج من عند محمد مرتداً إلى مكة يقبلونه ولا يمنعونه, فقبل النبى السمح الكريم ذلك الشرط» حتى نرضي بالدنية فى ديننا», ولكنها الحكمة النبوية», والرسالة المحمدية آثرت الصبر والسماحة وحقن الدماءء ولم يكن ذلك قبولا للدنية ولكنه الهدى الإسلامى الذى حث على الصبر بدل القتل والقتال» والرفق بدل العنف, وتأجيل فيه رفق خير من تعجيل فيه عنف.

)١(‏ وردت فى هذا المعنى آيات كثيرة مثل قوله تعالى «ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم؛ الآية 4" سورة فصلت.

وقوله تعالى: «فاصفح الصفح الجميل».

وقوله: «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولثن صبرتم لهى خير للصابرين*

وأصبر وما صبرك إلا بالله» الآيتان 1 من سورة النحل» وقوله تعالى: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» الآية ١964‏ من سورة الأعراف .

ظ العلاقات الدولية فى الإسلام د ا 2222222 222222222222222 22 2222 22 نر

والصفح الجميل أبرز ما يكون ظهوره عند الانتتصارء فما كانت الحرب للثار والانتقام بل لإعلاء الحق ودفع عدوان الباطلء» ولذلك عندما فتح الله تعالى مكة وخضعت لكلمة التوحيدء كان الصفح الكريم» فقد قال النبى ‏ بعد أن استتب له النصر- للملأ من قريش: «ما تظنون أنى فاعل بكم؛ ؟ قالوا: «أخ كريمء, وابن أخ كريم؛ فقال الرسول الكريم : «أقول لكم ما قاله أخى يوسف لإخوته : ١لاتثريب‏ عليكم اليوم يغفر الله لكم اذهبوا فأنتم الطلقاء؛.

ولقد كان ذلك من شأنه فى كل حروبه؛. يطيب القلوب بالصفح., بدل أن يثيرها بالانتقام, فبعد غزوة بنى المصطلق يخرج من الأسر مائة بيت أراد المسلمون أن يسترقوهم., بأن تزوج جويرية بنت الحارث كبير هذه القبيلة» فأطلق كل مجاهد من فى يده من الأسرىء وقالوا : كيف نسترق أصهار رسول الله. وكان عمل الرسول إعلاناً للصفحء وما كان الزواج لشهوة يبتغيهاء لأنه كان يستطيع قضاءها بامتلاكهاء بل هو الصفح فى أجمل صورهء وكذلك فعل مع صفية ابئة حيى بن أخطب كبير أهل خيبر بعد الانتصار عليهم ودك حصوتهم

وبذلك يتبين أن التسامح والصفح الجميل هو السياسة الإسلامية التى رسمتها النبوة فى العلاقة بين الناس بعضهم مع البعض؛ وخصوصاً بين المسلمين وغيرهم: وهى السياسة المطلقة فى حال السلمء, والسياسة الشافية للقلوب المجروحة فى أعقاب الحرب. لأن المغلوب المجروح يجب أن يرقأ جرحه؛ بدل أن ينكأ قرحه.

الحخسسرية - الشخصية الإنسانية, سواء أكانت شخصية أحاد, أم شخصية معنوية لجماعة أو دولة لا تتوافر إلا فى ظل الحرية. فإن الله تعالى الذى خلق الإنسان مستعداً للعلم بالأشياء كما أشرنا إلى ذلك من قبلء إذ قلنا إن الله أخبر بأنه علم أدم أبا الإنسانية جميع أسماء الأشياءء أى جعل فيه الاستعداد لا ينمى إلا فى حرية

العلاقات الدولية فى الإسلام 2 2 2222 2 22 222 222222222222222 222222222222 لج به

ىي <

مكفولة, فلا بد أن يكون فكره حرأ ولا بد أن يكون حرأ فى تنقلاته, حرا فى إقامته وترحاله؛ ولا يمكن أن تنمو أآية قوة إلا فى حركة حرة مستمرة سواء أكانت حركة الجوارح الظاهرة أم حركة المواهب الكامنة .

وإن الحرية الحقيقية تبتدئ بتحرير النفس من سيطرة الأهواء والشهوات, وجعلها خاضعة لسلطان العقل والإيمان» ولذلك دعا الإسلام إلى تحرير النفوس من هذه السيطرة, وندد بالذين يتبعون أهواءهم من غير أن تسيطرع قولهم وإرادتهم» وعبر عن هؤلاء الذين يخضعون لأهوائهم بأنهم يتخذون إلههم هواهم, والنبى (6) دعا إلى إخضاع الهوى للإيمان وحكم العقلء فقد قال (42): دلا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به». واعتبر الرجل القوى هو الذى يسيطر على هواه فى غضب أو رضاء ولذا قال (4) : «ليس الشديد بالصرعّة (أى الذى يصرع الرجال) إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب».

وعلى ذلك لا يعرف الإسلام من الحرية الانطلاق وراء الهوى من غير قيد من حكم العقل والإيمان الصادقء إنما الحرية تبتدئ بتحرير الإرادة والعقول من

أغلال الأهواء .

وإذا كنا نقرر أن الحرية مبدا إسلامي يجب توافره لعمال الشخصية الإنسانية فى الآحاد والجماعات: فإن حرية الإسلام تبتدئ بتقييد نفس الحر لحكم العقل.

4 حرية التدين: احترم الإسلام حرية العقيدة احتراماً كاملاء فمنع الإكراه فى الدينء إذ نفى القرآن الكريم بالنص أن يكون الإكراه طريقاً للدين» ومنع المؤمنين من أن يكرهوا أحداً على الدين» وخوطب النبى صلى الله علييبه وسلم بهذا النص المائع(١)‏ .

)١(‏ جاء منع الإكراه فى الدين فى قوله تعالى: دلا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع

عليم». الآية 7551 من سورة البقرة. وفى قوله تعالى: «أقأنت تكره النايس حت يكونوامؤمنين». الآية 96 من سورة يوئس.

© ره : العلاقات الدولية فى الإسلام 2 2 2 2 2 22 2222222222222

ولقد اراد صجابى من الأنصار أن يكره ابنين له على الإسلام فنهاه النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ وجاءت امرأة عجوز إلى عمر رضى الله عنه تطلب منه بعض الحاجة؛ ولم تكن مسلمة فدعاها عمر إلى الإسلام فامتنعت, فخشى الفاروق أن يكون قد اعنتها بما طلب, فاتجه إلى ربه ضارعا وقال: «اللهم إنى لم آكرههاء.

وإن الإسلام اعتبر امتحان المؤمن فى عقيدته فتنة؛ وقرر أن الفتئة أشد من القتل لأنها تعذيب للروح والعقل والقلب.

وإن حرية التدين لا تتكون للرجل الحر من منع الإكراه فقط؛ بل لا بد أن يكون أساس العقيدة تفكيراً سليماً, يحكم العقل من غير تقليد ولا خضوع لأهواء جامحة مسيطرة: وبذلك تتكون حرية الاعتقاد من عناصر ثلاثة :

أولها : تفكير حر غير مأسور بتعصب لجنسية أو تقليدء أو شهوة أو هوى.ء فكثيراً ما تتحكم الأهواء والجنسية باسم التدين.

وثانيها: منع الإغراء أو الإكراه للحمل على العقيدة؛ فليس بمتدين حر من يعتقد اعتقادا تحت تأثير إغراء بالمال أو المنصب أو الجاهء وإنه من أشد أنواع الإكراه تسليط المخدرات والمسكرات كما يفعل بعض المبشرين بالمسيحية فى

أفريقية.

وثالثها : العمل على مقتضى العقيدة وتسهيل ذلك لكل معتنق لدين من غير إرهاق ٠.‏

وقد حمى الإسلام هذه العناصر كما ذكرناء فمنع الإكراه والإغراء؛ ليتحرر الفكر. ومنع التقليدء بل دعا الناس إلى النظر الحر فى الكون وما يشتمل عليه من أسرارء ليستنبطوا بالنظر عظمة الخالق المبدعء ولا تكاد

العلاقات الدولية فى الإسلام و ا ا ا ا 22 222222222 222222222222222

تفتح المصحفء حتى ترى نور القرآن بين يديك يحث على السير فى الأرض والنظر فى الكون )١(‏ .

ولقد نهى الإسلام عن التقليد الأعمى من غير دليل ولا برهان» فنعى على الذين يتبعون آباءهم من غير دليل» وقال سبحانه وتعالى فى ذلك: «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه أباءنا أو لى كان أباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون:» الآية ١7٠١‏ من سورة البقرة .

وإن الإسلام عمل على حماية عقيدة الذين يستظلون بظله, أو يعقدون معه عهداً أو لا يثيرون عليه حرباًء بل إنه سهل لهم القيام بشعائر دينهم» وقد قرر فقهاء المسلمين فيما استنبطوه من نصوص قرأنية ونبوية» ومن أعمال الرسول وصحابته قاعدة تقول: «أمرنا بتركهم وما يدينون». وبهذه القاعدة المجمع عليها من فقهاء المسلمين حميت حرية العقيدة فى ظل الإسلام, فلا يضار غير المسلم فيما يعتقدء ويقيم شعائره الدينية حراً غير مضطرب.

ويروى - فى تسهيل عبادات غير المسلمين الذين تحكمهم الدولة الإسلامية - أن عمر بن الخطاب عندما ذهب ليعقد معاهدة السلام والأمن مع القائمين على إيلياء رئى - رضى الله عنه ‏ هيكلا لليهود قد ستره التراب ولم يبق منه إلا أعلاه, فجاء بفضل ثوبه, وأخذ بعض التراب المتراكم فيه, فاقتدى به جيش المسلمين, فزال كل ما ستر الهيكل من ترابء وبدا واضحاً ليقيم اليهود عنده شعائرهم الديئية. )١( 0‏ من الآيات الدالة على ضرورة النظر فى الكون قوله تعالى: :أمّن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها إإله مع الله بل هم قوم يعدلون* امن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسى وجعل بين البحرين حاجزا إإله مع الله بل اكثرهم لا يعلمون* امن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء ء الأرض إإله مع الله قليلا ما تذكرون* أمّن يهديكم فى ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدى رحمته إإله مع الله تعالى الله عما يشركون* أمّن

يبدأ الخلق ثم يعيد يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض إإله مع الله؛ الآيات 15,٠‏ من سورة النمل.

0 5 م ٠.‏ العلاقات الدولية فى الإسلام 222222222222222 222222222222222 22 222222222222222 2222222 222 ل 20 22 22 222 22222222222222

وفى هذه الرحلة الطيبة المباركة حضر وقت الصلاة, وهو بجوار كنيسة بيت المقدس فصلى خارجهاء فقيل : ألا تجوز الصلاة فيها؟ فقال الحاكم العادل الحر: ه«خشيت أن أصلى فيهاء فيزيلها المسلمون من بعدى ويتخذوها مسجداء فأى حماية للحرية الدينية أقوى من هذه: وأى تسهيل لاداء العبادات لفير المسلمين أكرم من هذاء وإن فقهاء المسلمين إن يقرون الحرية الدينية على هذا النحى السمح ينبعثون عن فكرة ثبتت من أعمال النبى وخلفائه الراشدين» وهى: «إن من له دين خير ممن لا دين له؛ لأن من له دين ولو كان مخطئاً له هدى يهديه, وله وازع دينى يرّجره.

وفى الجملة إن لهؤلاء الذين يستظلون بالدولة الإسلامية أحكاما خاصة بنيت على التسامح سنبينها فى موضعها عند الكلام فى حال السلم.

4 الحرية فى تقرير المصير: ضمن الإسلام حرية الرأى وحرية العقيدة, وحرية الإقامة لمن يستظلون برايته. وضمن حرية تقرير المصير لمن يخالفونه, فقرر أولا: أنه لا يجوز لمسلم أن يخضع لدولة غير إسلامية» ولايجوز للمسلمين أن ينضووا تحت لواء دولة غير إسلامية لأنهم لا يتمكنون من تنفيذ أحكام دينهم فى الأسرة والمعاملات الإسلامية والزواجر الاجتماعية إلا فى ظل حاكم مسلم يستمد حكمه من القرأن والسنة لا من أوضاع الناسء لأن الإسلام ككل الأديان جاء لإصلاح أوضاع الناس, لا للخضوع لهاء ولو أن أوضاع الناس هى التى يجب أن تسود ما بعث الله رسولاء ولكانت الأديان السماوية لا أثر لها فى العمل.

وإنه فى سبيل تنفيذ هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله دلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ قرز الإسلام أن لكل أمة أن تقرر مصيرها من غير اعتداء أمة على أخرى. ولا يجوز لدولة الإسلام أن تستعمر أرض دولة أخرىء أو تأخذ وسائل الاستغلال من أيدى أهلها.

وإنه حتى فى حال الاعتداء لا يجوز التحكم فى المغلوبين: وانتزاع أرضهم من أيديهم,. فعمر بن الخطاب ومن جاءوا بعده أبقوا الأرض الزراعية فى أيدى

52 ب ٠‏ العلاقات الدولية فى الإسلام 2 2 2 2222 2222 222222222222222 222222 222222

أهلهاء وجلعوا عليهم ضرائب مفروضة سموها «الخراج»: وهو ضريبة:, لا تزيد على ما يفرض الأآن من ضرائب فى البلاد الحرة.

ولا قتال إلا إذا كان اعتداء على ما سنبين إن شاء الله تعالى» وإذا كان القتال فحق الشعوب فى تقرير مصيرهم ثابتء ولذلك كان القائد المسلم الذى يرسله النبى للقتال بسبب الاعتداء - يخيرهم بين الإسلام أو العهد أو القتال» فإن اختاروا العهد كان الوفاء واجباء وإن اختاروا القتال كان بسبب ما اختاروا .

وإن تقرير المصير كان يثبت حتى فى الميدان وبعد النصرء يروى أن قتيبة ابن مسلم الباهلي فتح بعض أقاليم سمرقند من غير أن يخيرهم بين الإسلام أو العهد أو القتال, فشكا أهل هذا الإقليم إلى الحاكم العادل الذى نهج منهاج الراشدين عمر بن عبد العزيز أن قتيبة قاتلهم قبل أن يخيرهم ذلك التخيير, ليقرروا مصيرهم, فأرسل الخليفة إلى القاضى ليستمع إلى هذه الشكوي ويحققهاء فتبين له صدقهاء فأصدر أمره إلى جند المسلمين بأن يخرجوا من البلد الذى فتحوهء ويعودوا إلى ثكناتهم, ثم خير أولئك بين هذه الأمور الثلاثة ليقرروا مصيرهم, فاختاروا العهد. ومنهم من اختار الإسلام الذى سمح بذلك التخيير بعد الفتح والانتصار .

وإن الفتوح الإسلامية الأولى التى قامت فى عهد الراشدين امتدادا لحروب النبى صلى الله عليه وسلم اتسمت بالعدالة, وبتحرير الشعوب من ربقة الاستبداد الرومانى والفارسىء وما وراء ذلك من مظالم المستبدين: بل إنه حتى بعد انتهاء عهد الراشدين كان أكثر الحكام المسلمين يفتحون أبواب الحرية للخاضعين لسلطانهم من غير المسلمين» ولا ينكثون العهد لمن يعاهدونهم, ولقد دفع ذلك جوستاف لوبون لأن يقول إن التاريخ لم يعرف فاتحا أرحم من العرب» وقد أخطأ ذلك الكاتب الفيلسوف فى أن سمى دخول العرب فى البلاد فتحاء لأنه كان إنقاذاً وتحريرا للشعوب .

أشفق

© العلاقات الدولية فى الإسلام ا قلطأ طب بطب بببببببببببببببب ب ب“ 5" الغضيسسسسة

٠‏ -إن من أساس العلاقات الإنسائية فى الإسلام التمسك بالفضيلة سواء أكانت بين الآحاد أم كانت بين الجماعات,. وسواء أكانت العلاقة فى حال الحرب أم فى حال السلمء وأيا كان النوع أى جنس الذين يتصلون بهم أى يختلفون معهم, ذلك لأن قانون الأخلاق قانون عام يشمل الأبيض والأسود والأحمر والأصفرء ويشمل الناس جميعا فى كل الأقطار والأمصار لا فرق بين من يعيش فى مجاهل الأرض» ومن يعيش فى حواضرهاء ولا فرق بين عالم وجاهلء وإن ما يكون شرا بين الآحاد فى شعب واحد يكون أيضاً شرا بين الجماعات والدول» وما يكون شرا فى وطنك يكون شرا أيضا إن صنعته فى غير وطنك, سواء أكان محاربا لك أم كان مسالماء لأن الفضيلة بمقتضى قواعد السلوك الفاضل حق لكل إنسان يستحقها يمقتضى إنسانيته التى هى وصف مشترك بين كل أبناء أدم» وقد تقرر

ذلك فى المبادىء الإسلامية التى تطبق على جميع أهل الأرض. وأشد ما كان يدعو إليه القرأن فى الأمر بالفضيلة هى ما يقترن بالجهاد. خشية أن تندفع النقوس فى حال احبتدام القتال إلى ما يخالف ذلك المبدأ العام فمثلا نجد النص القرآنى يأمر بالمعاملة بالمثل عند الاعتداء. فمن اعتدى يدفع شرهء ومن قاتل يقاتلء ولكن اقترن ذلك بوجوب الاستمساك بالتقوىء والتقوى

تكون فى التمسك بالفضيلة )١(‏ .

وإذا كان القرآن قد أقر رد الاعتداء بمثله؛ فإذا انتهك العدو حرمات الفضيلة فلا تنتهك, فإذا كان العدى ينتهك حرمة النساء لا نفعل ذلكء وإذا كان يقتل النساء

: جاءت الآيات الكثيرة تحث على التقوى والعدالة فى القتال ومن ذلك‎ )١(

قوله تعالى: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين».

وقوله تعالى: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين». الأيتان ١54.١9٠‏ من سورة البقرة.

4 .هه مره العلاقات الدولية فى الإسلام . كك ”م بلجيس ىر ١‏

لا نفعل ذلكء, وإذا كان العدى يمثل بالقتلى ويشوه أجسامهم بعد قتلهم ويفعل ذلك فى قتلى المسلمين فلا نجاريه فى ذلك» وقد حدث أن المشركين فى غزوة أحد إليه, فلما ظفر بهم لم يمثل بأحد من قتلاهم. وقد نهى نهيا عاما عن المثلة, فقال: «إياكم والمثلة».

وبعبارة عامة لا يصح للمسلم أن يجارى الأعداء فى مأثمهم». وما يرتكبون ضد الفضيلة الإنسانية العامة» وقد حدث فى عصر محمد (2): أن جارى بعض المسلمين الأعداء فقتلوا بعض الأطفالء فقال النبى غاضبا: هما بال أزقوام جاوز بهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية, آلا لا تقتلوا الذرية: آلا لا تقتلوا الذرية».

وقد قال (2) فى بعض وصاياه لجيوشه: «سيروا باسم الله فى سبيل الله وقاتلوا أعداء الله. ولا تغلوا. ولا تغدروا. ولا تنفروا؛ ولا تمثلواء ولا تقتلوا وليدا».

ويوصى () بألا يقتل الأسيرء. فيقول: ١لا‏ يعترض أحدكم أسير أخيه فيقتله).

وهكذا تكون معاملة المسلمين لغيرهم على أساس الفضيلة لا يعدونهاء لأن هذا الدين جاء لحماية الفضيلة ولإنشاء مجتمع فاضلء تسوده الفضيلة, وتختفى فيه الرذيلة» وليس من المعقول أن ينتهك حمى هذه الفضيلة مع المخالفين, لأن هذا الدين رسالة الله تعالى إلى أهل الأرض.

وإذا كانت الحرب فإنها حرب النبوة الرحيمة العادلة ضد الطغيان الظالم وحرب الفضيلة ضد الرذيلة». دفعت إليها الفضيلة المستعلية, وختمتها الفضيلة ليكون النصر فاضلا .

لي 03 العلاقات الدولية فى الإسلام ِ ا ا ا ا ا ا ا ا 2222222222222 22222

“. العسدالة ١‏ - قامت كل علاقة إنسانية فى الإسلام على العدالة, واعتبار الناس جميعا سواءء وإن كان ثمة تفاضل فبالأعمال والجزاء عليها إن خيرا فخير»ء وإن شرافشر. وإن نصوص القرآن الكريم فى ذلك متضافرة كثيرة:ء والعدالة حق للأعداء. كما هى حق للأولياء. وقد نص القرأن على أنه لا يصح أن تحمل العداوة على الظلم» فإن العدل مع الأعداء أقرب للتقوىء وقد صرح القرآن بأن أساس الأحكام الإسلامية المنظمة لعلاقات الناس جميعا بعضهم مع بعض, أحادا وجماعات هو العدل )١(‏ . وقد ذكر سبحانه وتعالى أن العدل هو الشريعة التى قامت عليها رسالة (6): وقامت عليها النبوات السابقة, والكتب المنزلة جميعا. وإذا استعرت نيران الحرب فإنه يجب أن يكون العدل هو الذى يسودهاء وأن تكون المعاملة للمغلوب عادلة لا ظلم فيها ولا شطط . ولقد وردت الأحاديث المتضافرة التى تحث على العدل والنهى عن الظلم مثل قوله () حكاية عن ربه: «ياعبادى إنى قد كتب العدل على نفسى فلا ٠‏ . تظالموا؛ أى لا يظلم بعضكم بعضا. واعتبر النبى (2) من يعاون الظالم على ظلمه خارجا من الإسلامء فقد قال (2) :«من مشى مع الظالم فقد خرج من الإسلامء () .

)1( جاءت الأآيات القرآنية التى تحث على العدالة مع الأعداء والأولياء فى مواطن كثيرة منها قوله تعالى «ولا يجرمنكم شنآن قوم على آلا تعدلوا اعدلواء هى أقرب للتقوى؛ الآية 4 من سورة المائدة. أى لا تحملنكم العداوة على الظلم, لأن العدل أقرب للتقوى . ومنها قوله تعالى: «يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولى على أنفسكم؛ الآية © من سورة المائدة.

وقوله «إن الله يأمر بالعدل والإحسان إيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى؛ الآية 5٠‏ من سورة النحلء وقال العلماء إن هذه الآية أجمع آية لمعانى الإسلام . ش

)١(‏ ومن الآيات الدالة على أن العدالة شريعة الرسل جميعاً قوله تعالى «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس» الأآية "٠‏ من سورة الحديد .

0 5 ». العلاقات الدولية فى الإسلام 4 22 2 222222222222222

وإذا كان لكل دين سمة يتسم بها فسمة الإسلام هى العدالة, وهى شعاره, وهى خاصته. والعدالة هى الميزان المستقيم الذى يحدد العلاقات بين الناس فى حال السلمء وحال الحربء فهى القسطاس المستقيم الذى به توزع الحقوق» وبه تحمى الحقوقء وبه ينتظم الوجود الإنسانى ٠‏

ففى السلم يكون حسن الجوار قائما على العدالة» وفى الحرب يكون الباعث على الحرب العدالة كما أشرناء وإن كل المبادىء الإنسانية من تسامح وحرية يكون فى ظل العدالة؛ فالتسامح الذى يؤدى إلى ضياع الحقوق لا يكون تسامحاء ولا رحمة؛ بل يكون ظلماء ويؤدى إلى أشد النزاع؛ فالتسامح مع الظالمين أحادا أى جماعات قسوة على الذين ظلموهم واستباحوا حقوقهم.

ولقد صرح القرآن الكريم بأن الله سبحانه وتعالى ما أذن للمسلمين بأن يحاربوا إلا عندما يقع الظلم, وأصبح لا مناص من أن يدفعوا الاعتداء بمثله.

وإن الفضيلة الإسلامية تدعو إلى استعلاء الحق» ولا يستعلي الحق إلا إذا كانت العدالة قائمة, وإن الذين يتسامحون مع الظالمين» لا يمكن أن يكونوا

آلا فليعلم الناس اليوم أنه لا يصلح العالم إلا إذا كانت العدالة ميزان العلاقات الإنسانية فى كل أحوالهاء فلا يبغى قوى على ضعيف, ولا يضيع حق» لأن الأوضاع الظالمة آلفته. حتى صرنا نرى العلاقات الدولية تقوم على مجموعات من الظلم متكاثفة, يحابى الأقوياء بعضهم بعضا بإقرارها ليسكت كل فريق عن ظلم الآخر للضعفاء .

العلاقات الدولية فى الإسلام

222 2222 222222222222222 222222222222222 22222222 2 2

4 لمعاملة بالمثسل

١‏ - وإن هذا مبدا متشعب من العدالة. غير منفصل عنهاء فإن المعاملة بالمثل من قانون العدالة فى التعامل الإنسانى بين الآحاد والجماعات. سواء أكان من يعامله مسلما أم كان غير مسلمء وقد قال النبى () فى تقرير هذا المبدا: «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به؛, وبمقتضى هذا القانون العادل كان على المسلم أن يعامل من يعتدى عليه بمثل ما يعامله ذلك المعتدىء ولا يزيد على ما يفعل إلا بمقدار ما يحميه من تكرار الاعتداء عليه, وإذا كان الاعتداء ظلما فرده

ولا يتنافى ذلك مع منبدأ العدالة ولا مع الفضيلة ولا مع التتسامح., لأنه لا يصح أن يؤدى التسامح إلى شيوع الظلم, إذ أن شيوع الظلم فيه شيوع الفسادء والله لا يحب الفساد, وإن الفضيلة الإسلامية ليست فضيلة مستسلمة مستخذية», بل هى فضيلة إيجابية واقعة, لا تخضع للشر ولا للأشرارء بل

وإنه بسيب تطبيق هذا المبدأ أبيح الرق فى أضيق الحدودء وهى حال الحرب إذا كان الأعداء يسترقون أسراهم, فإن الرق ما أبيح فى الإسلام على أنه مبدأ من مبادئ الإسلام, ولذلك ما جاء نص صريح فى القرآن بإباحته, ولم يثبت أن النبى () أنشأ رقا على حر فى حياته عليه السلام؛ بل استرق الصحابة من بعد النبى () على أساس أن الأعداء كانوا يسترقون الأسرى.ء فلا بد من أن يعاملوا بالمثل» تطبيقا للنص الكريم الذى يقرر أن من يعتدى على المسلمين» يعامل بمثل صنيعه؛ وفرق بين رق الإسلام ورق أعدائه؛ فإن الرقيق فى الإسلام يعامل أرفق معاملة» ولا يسقط شىء من حقوقه الإنسانية؛ ولا فرق بينه وبين الحر فى المعاملة إلا ملكية رقبته, ولا شىء وراء ذلك, حتى إنه ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أن السيد إذا قتل عبده قتل به» وقد قال النبى (ظلله) فى ذلك: «من قتل

عبده قتلناه به ومن جدعه جدعناة). ش

000 5 « ر. العلاقات الدولية فى الإسلام 1 لح ا ا 2 2 22202 الجبب_مزء ىر

وقد فتح الإسلام باب العتق على مصاريعه: فإذا كان قد ضيق باب الرق فقد فتح باب العتق(١)‏ .

وإذا كان الرق قد أبيح فى الإسلام على أساس أنه معاملة المثل فإنه يجب الا يسترق أحد من المسلمين إذا كان اتفاق على إلغاء الرق» وبالتالى لا يكون هناك رق فى الحربء لأن الاعتداء ممنوع بمقتضى النصوص العامة:؛ ولى أبيح الرق مع امتناع الاعتداء يكون المسلمون قد وقعوا فى الاعتداء الممنوع.

وقد يقال إن المعاملة بالمثل تعارض التسامح والعفوء فنقول إن العفو حيث لا يمس العدالة. وغمط حقوق الناسء أو رضاء بالعدوان: وموضوع العفو والتسامح يكون بعد أن يتمكن صاحب الحق منه. فيعفوأو

وإن العدالة لا تنافى الرحمة. بل إنها تلازمهاء. فحيث كانت العدالة كانت الرحمة:ء ولا يمكن أن تكون رحمة حقيقية مناقضة للعدالة الحقيقية,. وقد كان محمد (عَل) أرحم الناسء وأكثر الناس سماحة فى المعاملةء مع أنه كان عدلا بكل ما تشمله هذه الكلمة من معان. ذكرت عائشة زوجه أخلاقه فقالت : «ما ضرب رسول الله (2) خادما ولا امرأة ولا دابة ولا شيئاً قطء إلا أن يجاهد فى سبيل الله, ولم ينل منه شىءء فانتقم لنفسه. إلا أن تنتهك حرمات الله: فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم شىء جتى ينتقم لله

(1) إن الإسلام اعتبر اقرب القربات إلى الله تعالى عتق الرقاب» وقد جاء فى القرآن:

«فلا اقتحم العقبة* وما أدراك ما العقبة* فك رقبة؛ الآيات ١7١-1١‏ من سورة البلد .

0 رقبة؛ ومن قتل مؤمنا خطأ فعليه عتق رقبة, وم لعلم عبده فكفارته عتقه. ومن اراد التعاقد مع سيده على أن يطلقه يسعى ويعمل حتى يحصل على ثمنه ويقدمه له وجب على السيد أن يعاهده, وعلى المسلمين أن يساعدوه فى سداد ما اتفق عليه. وجعل من مصُئارف الزكاة شراء الرقاب وإعتاقها.

5 6 ره العلاقات الدولية فى الإسلام 2 2 2 2 2 2 2222222222222 222222222222222 222222222222222 2222

وهذه أخلاق الرحماء حقا وصدقاء يتسامحون فى حقوق أنفسهم التى لا يترتب على التسامح فيها نصرة للباطلء ولا هدم لحق غيرهم.ء ولعل هذا يفسر لنا قوله () : «أنا نبى المرحمة:ء وأنا نبى الملحمة؛ فالملحمة والمرحمة متلاقيتان فى نفسهء كما تتلاقيان فى كل حاكم عادل يسوس الناس بالقسطاس المستقيم» وإن أخذ المبطلين من أنوفهم ليحملوا على الطريق السوى من قوانين الرحمة.

وإن المللحمة:؛ وهى القتال لا تكون فى الإسلام إلا ببواعث من العدالة والرحمة بالناسء فالملك أو الحاكم الذى يقود الجيوش لإزعاج الآأمنين لهوى فى نفسه أو لتعصب لجماعته يفسد فى الأرض ولا يصلحء, ويكون من العدالة والمصلحة الإنسانية الوقوف فى وجهه.ء ولقد جاء النص القرآنى ببيان أنه لولا الحروب العادلة: ودفع الناس للظالمين من الحكام الذين يثيرون الحروب لفسدت الأرضء ولكن الله تعالى أباح القتال؛ فكان ذلك منه فضلا على خلقه(١)‏ .

وهكذا نرى أن العدالة تمنع الفساد, وهى من المرحمة.

وأن من أبرز مظاهر العدالة المعاملة بالمثل.

وإنه بمقتضى تطبيق هذا القانون العادل كان على الحاكم المسلم أن يعامل غيره بالمثل فإن اعتدى عليه رد الاعتداء؛ وإن سالمه لا يشن عليه حرباء وإن نكث فى عهده نبذ المسلمون عهده, ولكن المعاملة بالمثل مقيدة بالفضيلة كما أسلفنا من قولء فإذا انتهكوا حرماتها لا نجاريهم فى ذلك؛ فإن حرب المسلمين حرب فضلاء لا يسوغ لهم أن يجاروا السفهاء .

وإنه فى حال المعاملة بالمثل عند الاعتداء يكون رد الاعتداء بالقدر الضرورى لردهء فلا يتجاوز المحارب المسلم حدود الدفاع» فلا يقتل من لا يقاتل ولا يكون له رأى فى الحروبء لا يقتل الذرية ولا الشيوخ:ء ولا العمال المنصرفين للزراعة

)١(‏ قال الله سبحانه وتعالى فى ذلك: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفقسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين» الآية "5١‏ من سورة البقرة.

20 »ره العلاقات الدولية فى الإسلام 4 ا ا 22222 22222222222222

ونحوها مما يحتاج إليه الناس لأن هؤلاء لا يحاربونء ولا يباح دم أحد إلا من يكون فى الميدان.

وقد يقول قائل: إن رد الاعتداء المسلح بمثله. حيث تقام بسبب هذا الرد حرب مشبوية النيران ليس من شأن رجال الأديان» لأن شأن رجال الأديان هو التهذيب الروحى والاتجاه بالنفس إلى السمى فى العبادة, والعلى عن معترك الحياة بهذا الاعتراك الدموىء وذلك السمى لا يتفق مع القتل والقتال. ذلك قول قيل واتخذ مساقا للنقدء والادعاء الباطل على النبى صلى الله عليه وسلم؛ وعلى المسلمين والإسلام.

ونحن نقول فى رد ذلك: إن الإسلام ككل دين جاء لنشر الفضيلة وهداية الناس» فلا يصح أن يترك الرذيلة ترتع وتفسد,ء وتزعج الآمنين» وإن فضيلة الإسلام إيجابية هادية لا سلبية قاصرة:؛ وما كانت العبادات إلا لتهذيب الروح وتقوية النفس وتربية المؤمن على المعاملة الحسنة والائتلاف مع الناس أي كان مذهبهم أى جنسهم أو لونهمء ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم: «المؤمن مالف فلا خير فيمن لا يألف, ولا يؤلف», وإن الفضيلة الإيجابية التى دعا إليها الإسلام هى الفضيلة الاجتماعية التى تكون بها كل نفس صالحة لأن تندمج فى المجتمع وتعمل على حمايته من كل أفات الشرء وإن ذلك لا يكون بالاستسلام للرذيلة لتقوى وتسيطرء فيترك المعتدون يعيثون فى الأرض فساداً؛ ويهدمون كل قائم, وليس من التدين فى شىء ترك الذى يُسفك الدماء من غير دافع لفسادهومانع من شرهء وإن ذلك لا يقره الإسلام الذى كان من أعظم مبادئه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وهو خاصة الأمة المحمدية, فقد وصف الله أتباع محمد بأنهم خير أمة إذا قاموا بذلك الواجب المقدس وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر(١)‏ .

(١)هذا‏ الوصفء ورد فى قوله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله؛ (سورة آل عمران» الآية )1١١‏ .

3 55 »ر. العلاقات الدولية فى الإسلام 32 222222222222 22222222222222 222222222222222 22 22222222 22222 2 222222222222222 222 2

4 - الوفاء بالعمعسسد

١‏ جاء الإسلام داعيا إلى السلام: وإن كان أشد ما يبغضه الاستسلام» وقد ذكر الله سبحانه أن على المسلمين واجب الأخذ بالسلم إذا مال أعداء المسلمين لها(١)‏ .

وإن السبيل لاستقرار السلام هى معاهدات الأمان وعدم الاعتداء» وإن المعاهدات لا تستمد قوتها من نصوصها.ء بل من عزيمة عاقديها على الوفاء, ولذلك حث القرآن على الوفاءء واعتبر الوفاء بالعهد والميثاق قوة: والنكث فيه أخذاً فى أسباب الضعفء وإن من يوثق عهده بيمين الله فقد اتخذ الله كفيلا بوفائه, فإذا غدر بعهده فقد اتخذ عهد الله للغش وزيف القولء وإنه لا يصح أن يكون الباعث على الغدر بين الدول هى الرغبة فى أن تكون أمة أقوى مالا وعدة وآكثر عدداً وأوسع رقعة من أمة أخرى؛ وأشار سبحانه فى بعض نصوص القراأن إلى أن الوفاء بالعهود هى المقصد الأسمى الذى يتجه إليه المؤمن لتحقيق معنى الوحدة الإنسانية بإرادته واختياره: ويتحقق ما أراده الله تعالى الذى لو شاء لجعل الناس لا يختلفون أبداً .ولكن كان الاختلاف ليختبر الله الإرادات الإنسانية فى تنفيذ ما يأمر به سبحانه وتعالى(؟) .

)١(‏ ورد هذا فى قوله تعالى: «وإن جنحوا للسلم فاجنح له وتتوكل على الله إنه هو السميع العليم * وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هى الذى أيدك بنصره وبالمؤمتنين» (سورة الأنفال: الآيتان 25١‏ ؟50) .

)١(‏ ورد هذا فى ذلك النص الجامع؛ وهو قوله تعالى: :وأوفى بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون* ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هى أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون* ولى شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون* ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم؛.

«سورة النحل الآيات: 517,5١‏ !458,5 ,

ومعنى قوله تعالى: :ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا أن من -

العلاقات الدولية فى الإسلام 42200000

وإنه إذا كان القرآن يدعو المؤمنين إلى تقوية العهود وتنفيذهاء وإلقاء الأمن بين الناس بهاء فإن النبى صلى الله عليه وسلمء وهى مبلغ رسالة القرآن قد حث فى طائفة كثيرة من الأحاديث المروية عنه على الوفناء بالعهود عامة؛ وعلى الوفاء بالعهود التى يعقدها رؤساء الأمم فى تنظيم العلاقات الدولية خاصة؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: هآلا اخبركم بخياركم؟ خياركم الموفون بعهودهم؛ ويقول: «أنا أحق من وفى بعهده». وقد عقد المشركون مع التبى صلى الله عليه وسلم عهدا على آلا يقاتلوهم وأن يوادعوهم مدة من الزمان» فذكر له بعض المسلمين أنهم على نية الغدر به؛ وعلى أهبة أن يقاتلوهء فقال (26): «وفوا لهم ونستعين بالله عليهم»: وكان ينهى عن الغدر بمقدار حثه على الوفاءء. وكان يعتبر اعظم الغدر غدر الحكام؛ فهى يقول: ١لا‏ غادر أعظم غدرا من أمير عامة؛ ويقول (22): «لكل غادر لواء يوم القيامة واكبر لواء غدر أمير عامة؛ وذلك لأن غدر المتولى أمر الأمة يؤدى إلى عدم الثقة بهاء فتكون غرضا لأعدائهاء ويتخذون دائما الأهبة للإغارة عليهاء ويتكاثر الأعداء ولا يقلون فتكون فى إزعاج مستمرء إذ لا يتفق معها قوم من الأقوام, لأنهم لا يثقون بوفائهاء وبذلك تنتهك قواها بالحرب الستمرة فتكون فى إزعاج لا استقرار فيه؛ وبذلك تضعف وتذهب قوتها وتزل قدمها فى الوجود بعد ثبوتها كما عبر القرآن الكريم.

ولقد قرر علماء «القانون الدولى؛ أن هذا القانون هى مجموع معاهدات: فإذا كان الأمر كذلك؛ فإن الإسلام قد وثق أصول هذا القانون أحكم توثيقء وبناها على

> ينقض عهده من الدول يكون كتلك الحمقاء التى تغزل غرلها وتقويه, ثم تنقضه؛ وفى هذا إشارة إلى أن العهد قوة, ونكثه إزالة لهذه القوة, ومعنى قوله تعالى: «تتخذون أيمانكم دخلابينكم؛ أن تتخذ العهود للغش والخديعة, وما هذا يرضاه الله. ومعنى قوله: «أن تكون أمة هى أربى من أمة؛ أن تكون أمة أكشر عددا ونماء وسعة فى الأرض من أمة أخرى فإن القوة التى تكون من نقض العهود مألها الزوال» ومعنى قوله تعالى: «فتزل قدم بعد ثبوتها؛ أن نقض العهود يؤدى إلى ضعف القوة والنقض فى نذاته زلل للأمم.

العلاقات الدولية فى الإسلام : “>>> --"-"”-- -”]”ك”ل”ل” ‏ :222222222222222 22222222222 نز

الوجدان الدينى للدولة الإسلامية حيث لا يكون الوفاء للأقوياء فقطء بل يكون هذا الوفاء للأقوياء والضعفاء على السواء. بيد أن الإسلام لا يكتفى فى تأصيل العلاقات الدولية على مجرد المعاهدات وتوثيقهاء بل يقرر مع ذلك المبادىء الإنسانية العالية والفضيلة السامية؛ وقد أسلفنا القول فى هذه المبادىء بإيجازء وهناك مبدأ جديد لم نتصد لذكرهء وهى المودة الإنسائية العامة. ٠‏ -المودة ومنع النسسساد ذكرنا أن الإسلام يعتبر الناس جميعا أمة واحدة لا تفرقها الألوان» ولا الأقاليم ولا الجنسية., وإذا اختلفت الأديان فإن أهل كل دين لهم أن يدعوا إلى دينهم بالحكمة والموعظة؛ من غير تعصب يصم عن الحقائق» ولا إكراه ولا إغراء بغير الحجة والبرهان: فلا استهواء بغير الحق» ولا إرهاق. وإذا كان الناس أمة واحدة فإن الأخوة الإنسانية ثابتة يجب وصلهاء ولا يصح قطعهاء وقد أمر الله تعالى بأن توصل القلوب بالمودة, وإن الإسلام لا ينهى عن بر كل من لا يعتدى على المسلمين»؛ ويصرح بذلك القران الكريم فى كثير من آياته )١(‏ فالبر ثابت للمسلم وغير المسلم . وإن المودة الموصلة لا يقطعها الحرب, ولا الاختلافء وإنه يروى أنه فى مدة الحديبية ‏ وهى الهدنة التى كانت بين المسلمين وغيرهم ‏ بلغ النبى (26) أن قريشاً أصابتهم جائحة؛ فأرسل مع حاطب بن أبى بلتعة إلى أبى سفيان خمسمائة دينار ليشترى بها قمحاء ويوزعها على فقراء قريش.

)١(‏ من ذلك قوله تعالى: هلا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك الظالمون». (سورة الممكحنة الآيتان يلم / .

25 ب“ ره العلاقات الدولية فى الإسلام و 5-5-5-0 ا 2 22222222222 222222222222222 جل بل 1 ىر ٠‏

وإنه فى أثناء الحرب تنقطع العلاقات بين المسلمين والمحاربين بالفعلء أما رعايا الأعداء الذين لا يشتركون فى القتال فإن مودتهم لا تنقطع وإن قامت أسبابهاء ولذلك لا يمنع قيام الحرب وجود مستأمنين يقيمون فى الديار فى الديار الإسلامية مدة محدودة بأمان بعقد للاتجار وتبادل البضائع.

وإذا كان الاتجار مظهراً للتواصلء فإنه لا يقطع وقت الحربء وقد أجاز يقوى الاعتداء, ومنئع الشافعى الاتجار فى الحديد وغيره لكيلا يستمر الاعتداء.

وإن كانت المودة موصولة غير منقطعة فإن ذلك يفتح الباب للسلام العزير الكريم لأن جند المسلمين يضربون المقاتلين من الأعداء فى الميدان» والشعوب تتبادل المودة من غير أن يؤثر فيها الخصام. وإنه إذا كانت المودة موصولة القتال» فلا يجوع الأسرى ولا يقتل مقاتل بالعطشء لان النبى صلى الله عليه ينهى عن القتل بالعطش والجوع كما ذكرنا.

وفى الحرب ينهى عن قتل النساء والذرية» ولى كانوا مع المقاتلين» وقد رأى ١‏ امرأة مقتولة فى الميدان فقال: :ما كانت هذه لتقاتل؛ قالها لائما لمن قتلها أو أذن بقتلهاء

وهكذا نجد الإسلام يعتبر الرحمة والمودة قائمة حتى فى حال الحرب. نصر الضعضاء :

- وإن من مظاهر الرحمة والعدالة والمودة العمل على نصر الضعفاءء, وذلك لأن الإسلام دين سماوى لا يمكن أن يسكت عن ظلم الأقوياء للضعفاء. فإن العدالة والرحمة توجبان معاونة الضعفاءء وقد صرح القرآن الكريم بأن الله

1 »» . العلاقات الدولية فى الإسلام 2 2 2 2 2 2 2 2 22222 2 2222222 222222222222222

سبحانه وتعالى يريد أن يمن على الضعفاء بأسباب القوة ليتمكنوا من إقامة العدل فى الأرض )١(‏ .

وقد ذكرنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يبارك حلفاً كان أساسه نصر الضعيف رحمة بهء وإقامة العدلء» فإن العدل لا تظهر أثاره فى نصرة الأقوياء بمقدار ما يظهر فى أخذ حق الضعيف من القوى .

وإن الإسلام لا ينظر فقط إلى حماية الدولة الضعيفة من الدول القوية», بل إنه يعمل على حماية الشعوب التى أرهقها الطفيان: واضعف النخوة فيها الاستبداد, وقد كانت كتب النبى (عَلك) إلى الملوك والرؤساء متضمنة دعوتهم إلى الإسلام ومتضمتة النص على أن عليهم التبعات فيما يتعلق برعاياهم» وأن عليهم أن يطلقوا حرياتهم ليفهموا الإسلام, وليعتنقوه إن أرادوا مختارين: ولذلك جاء فى رسالته إلى هرقل: «أسلم تسلم, وإلا فعليك إثم اليريسيين» واليريسيون هم العمال والزراع» وغيرهم من الرعايا الذين لا سطوة لهم ولا قوة فى توجيه الدولة.

ولهذا المبدأ الجليل» كان الإسلام حريصا على حماية حريات الضعفاء., وخصوصا حبرية التدين» وما كان قتال المسلمين لغيرهم إلا لحماية هذه الحرية, وستبين ذلك ذلك عند الكلام على الباعث على القتالء عند الكلام فى حال الحرب. منع المسسيِساد : الأرض منع الإسلام من الفساد فيهاء ودعا إلى تعاون الإنسانية على إصلاحها وعمل على حماية كل ما هو مصلحة مقررة ثابتة» وإن فقهاء المسلمين يرجعون المصالح الإنسانية إلى المحافظة على خمسة أمور :

)١(‏ قال تعالى فى ذلك: «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أثمة, ونجعلهم الوارثين». سورة القصص الآية ©.

٠. »» 55‏ العلاقات الدولية فى الإسلام 2 ا 2 2222222 222222222222222

أولها : «المحافظة على النفس الإنسانية وحمايتها؛: ويتبع المحافظة على إلنفس المحافظة على الكرامة؛ وعلى الحرية وغيرها من مقومات الشخصية الإنسانية.

وثائيها : «المحافظة على الدين» بأن تحمى الحقائق الدينية ممن يتعرض لها بالطعن. ويتبع المحافظة على الدين المحافظة على حرية التدين» وحماية الشعائر الدينية:, وألا يتطاول أهل دين على دين آخر بالأذى؛ وكما منع الإسلام الاعتداء على الذين لا يدينون به من رعايا الدول الإسلامية فإنه يمنع أيضا أولئك الذين يعتدون على حرية التدين الإسلامى الذين يقيمون فى دولة غير إسلامية: لآن الحرية بالنسبة للمسلم واجب عليه لغيرهء وجق قبل غيرهء وإذا امتنعت الدولة غير الإسلامية عن الاستجابة للحق وفتنوا المسلمين فى دينهم, فإنه يكون حقا على الدولة الإسلامية أن تقاتل تلك الدولة المعتدية» وقد أمر القرآن بقتالهم حتى يمتنعوا عن الفتنة الدينية.

وثالثها : «المحافظة على النسل؛: فحرم الإسلام الزنى,. وعمل على منع إشاعة الفاحشة فى الذين أمنواء وإن هذا النوع من الحماية يكون على رعايا الدولة الإسلامية من مسلمين وغير مسلمين على ما سنبين إن شاء الله تعالى.

ورابعها : «المحافظة على العقل:: بمنع كل أمر يستر العقل كالخمر والحشيش ونحوهما مما يفسد العقول ويمنعها من الإدراك السليم.

وخامسها : «المحافظة على المال»: وهذا النوع من المحافظة يعم رعايا المسلمين ورعايا غيرهم, فإتلافه لا يجوز فى الأرض الإسلامية وغيرهاء لآن إفساد خيرات الأرض يتجافى عن خلافة الإنسان فى هذه الأرضء وان الله تعالى قد سخرها له بما فى جوفها وما فى سمائهاء وقد أشرنا إلى النصوص القرآنية الكثيرة التى تفيد تسخير الكون للإنسان ليكشف نواميسهء, ويستغل قواهء وإن الخلافة لا تتحقق إلا إذا كان يستغل هذه القوى للنفع لا للضرر ولمصلجة الإنسانية وعمارة الأرض لا لخرابها.

العلاقات الدولية فى الإسلام 1 2 2 2222222222222 222222222222222 22222222222222 2 22ت

ولقد حث الإسلام على العمل لنفع الإنسائية» بل لنفع الأحياء فى الأرض, ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم «ما من مسلم يزرع زرعاء أو يغرس غرساء فيأكل منه إنسان أو دابة إلا كتب له به صدقة».

٠‏ - وإن هذا المبدا الجليل: وهو الحث على الإصلاح فى الأرضء والعمل على نفع الأحياء جميعا يها مبدا مقرر فى السلم والحرب معاء فلا يجوز التخريب فى الحروب الإسلامية:, أى أنه لا يسوغ لقائد المسلمين أن يقوم بتخريب فى ديار الأعداء إلا إذا كانت توجبه ضرورة حربية اقتضاها القتال فى الميدان» ولننقل لك فى هذا المقام وصية خليفة رسول الله أبى بكر الصديق التى جمعها من وصايا النبى (6), فقد قال رضى الله عنه:

«إنى موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة ولا صبياء ولا كبيرا هرماء ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلاء. ولا تحرقهاء ولا تخربن عامراء ولا تعقرن شاة إلا لمأكلة, ولا تجبن ولا تغلل»؛ أى لا تخن فى الغنائم: وان هذه الوصايا بلا شك فيها دعوة صريحة إلى منع الفساد والتخريبء ذلك لأن هذه الأشجار حق للإنسان أن يطعم منهاء ولأن الحرب ليست ضد الشعوب التى تنتفع بهذه الأشجارء وإنما هى ضد الحكام الظالمين المفسدينء فليس الغرض إرهاق الشعوب. أو إكراهها على مذهب معين, إنما الغرض منها دفع الاعتداء. والتخلية بين الدعوة الحرة والشعوبء ولا يحاجز دون ذلك إلا الحكام وجنودهم قهم وحدهم الذين يحاربون ولا يحارب من وراءهم.

وللفقهاء تفصيل وخلاف فى هذا وسنذكره فى موضعه عند الكلام فى حال الحروب.

وبعد فهذه قواعد العلاقات الدولية فى الإسلام. وكل عمل فى حال السلم أو حال الحرب لا بد أن يكون تطبيقا لهذه القواعد. ويلاحظ فى هذه القواعد أنها تتفق مع السلوك الإنسانى العام فى معاملة الآحاد. ولا تختلف

ليا .- ٠‏ العلاقات الدولية فى الإسلام 4 ل 2 2 2222222 22222222222 7 الاك -.١‏ ىر ١‏

الجماعات والدول عن معاملة الآحاد فيما هو فضيلة: فكل أمر مقبول فى معاملة ٠‏ الأحاد فى داخلة الأمة هو أيضا معاملة معقولة مقبولة فى علاقات الدولء ولا يقال إن لسلوك الأمم بعضها مع البعض نظاما أو قانونا يخالف ما يجرى فى داخل الدولة الإسلامية؛ بل إن النظام واحد ينبعث من مبادىء دينية واحدة»ء وإذا كانت العقوبة تصل إلى القتل فى جرائم الآحاد فكذلك تصل العقوبة إلى القتال فى جرائم الدولء؛ والمنطق واحد فى الحالين.

ولقد قرأنا منذ أكثر من أربعين سنة لرئيس الدولة الأمريكية فى رسائل نشرها ذكر فيها أنه يريد أن تكون العلاقات بين الدول على أساس من الصداقات التى لا تتبع تجارة أو غاية من نوعهاء فإنه فى هذه الحال تطمئن البشرية إلى مصيرهاء ونقول له إن الإسلام دعا إلى هذا وإلى أبلغ منهء وإذا أراد أن تكون العلاقات بين الدول على أساس السلوك العادل الفاضل المستقيم فلأنه قد تكون الصداقة غير متيسرة بين الأسود والأبيض, أو الأصفر والأحمرء ولكن يجب أن تكون مبادىء العدالة والسلوك الفاضل أمرا متيسراء فإنه لا يصعب القيام بالعدالة والفضيلة إلا على الفكر السقيم والعقل المنحرف .

لِقثننننها

زفق

واه 6

العلاقات الدولية فى الإسلام هنو ا 2 2222 222222222222222 222222222 222222222222 12222 اك

يي العلاقات الدولية فى حال السلم ١‏ . الاصل فى العلاقات هو السلم

دعا الإسلام إلى السلم فى كافة أحواله. واعتبر الحرب من إغراء الشيطان: ومن يسير فيها إنما يسير فى خطوات الشيطان» وصرح بأن من يلقي السلام لا بد من الامتناع عن قتاله. ولقد صرح فوق ذلك بأن من يلقى السلام لايصح أن يقاتل بدعوى أنه غير مؤمن: وهذا صريح فى نصوص القرأن الكريم الذى هو سجل الشريعة الإسلامية الخالد الذى يخاطب الأجيال كلهاء لا فرق بين عصر وعصر ولا جيل وجيل.

وإن الإسلام إذ يقرر السلم على أنه أصل من أصول العلاقات الإنسانية بين الدول لا يسمح للمؤمنين أن يتدخلوا فى شئون الدول إلا لحماية الحريات العامة, وعندما يستغيث به المظلومون:» أو يعتدى على المعتقدين له, فإنه يتدخل حينئذ لمنع الفتنة فى الدين» فهى يحترم حق كل دولة فى الوجودء وحقها في أن تكون سيدة نفسها وحقها فى الدفاع عن أراضيها وسيادتهاء ولا فرق فى ذلك بين دولة راقية متحضرة:ء وأخرى متبدية أى غير راقية. وإن تدخل فى شأن الثانية فللارشاد والتوجيه؛ لا للتحكم والسيادة؛ فإن السيادة حق طبيعى تتمتع به كل جماعة من الناس كما يتمقع به الآحاد على سواء.

ولا شك فى أن الحرب فى الإسلام ليست هى الأصل فى العلاقات, لأن المبادىء التى قررناها فى قواعد العلاقات لا تسمح بابتداء المسلمين بالحرب من غير باعث من هذه القواعد نفسها يبعث عليها: إما الاعتداء على العدالة أو الكرامة الإنسائية؛ فلا تكون حرب إلا إذا كان من هذه القواعد ما يبررهاء فإن قامت فهذه القواعد تحكمها وتقيدها.

٠‏ - وقبل أن نوضح أصل العلاقات الدولية فى الإسلامء أهى الجرب أم السلم نشير بكلمة موجزة إلى ما كانت تسير عليه الدول عندما نزل القرآن وبعث النبى محمد (2) رسولا للعالمين.

© .-.ه »« ٠‏ العلاقات الدولية فى الإسلام لظ | لاك ١‏ ني ١‏

إن العالم كان يسير على قانون الغابة فى علاقات الدول والقبائل بعضها مع البعضء فكل دولة تبغى على الأخرى ولا مانع يمنعها إلا أن تكون ضعيفة لا تقوى على الاعتداء أو يكون ثمة ميثاق يحترم. ما بقيت القوتان متعادلتين: فإن أحست إحداهما بضعف الأخرى انتهزتها فرصة سانحة وانقضت عليهاء لا ترقب فيها إلا ولا ذمة. ولعل هذا هو الأمر اليوم, فإن العرف الدولى القائم يسير على أنه لا يكون سلم ثابت بين دولة وأخرى إلا بميثاق عدم اعتداءء وإن الميثاق يبقى ما بقيت القوتان متعادلتين» ومهما تكن قوة المنظمات الدولية فإنها لم تغير هذه الحقيقة الثابتة, وإن المجاملة بين الأقوياء فيها قد تجعلها تغضى العين عن ظلم الضعفاء من الدولء وإذا وجدت دولة قوية تناصر ضعيفة فللكيد للتى تنافسها فى القوةء وإذا كانت بعض المنظمات تجلس الضبعيف بجوار القويء فالكلمة العليا فيها للأقوياء.

الإسلام جاء هاديا للعالم كله. فأرشد من عاصروا التنزيل»: وأضاء النور لمن جاءوا بعدهء فقرر أن الأصل فى العلاقة بين الدول كالأصل فى العلاقة بين الآحاد هى السلام بصريح القرآن الكريم وبفعل النبى () وعمله فى حروبه .

فالأصل فى العلاقات الدولية فى الإسلام هو السلم» حتى يكون الاعتداء بالاعتداء على الدولة الإسلامية فعلا أى بفتنة المسلمين عن ديثنهم. فالحرب حينئذ تكون ضرورة أوجبها قأنون الدفاع عن النفس وعن العقيدة وعن الحرية الدينية.

ولكون الأصل فى العلاقات هى السلم الدائمة دعا القرآن الكريم إلى السلم عامة )١(‏ كما أشرناء

)1( ورذت قى هذا المعنى آيات كثيرة من ذلك قوله تعالى: ١يأيها‏ الذين أمنوا ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدى مبين؛» (سورة البقرة الآية:8١؟)‏ .

وقوله تعالى: «فإن اعتزلوكم, فلم يقاتلوكم. وألقوا إليكم السلم, فما جعل الله لكم عليهم سبيلا؛ (الآية: 6١‏ من سورة النساء) .

٠.» 5 5‏ العلاقات الدولية فى الإسلام مم 22 22 2 222222222 222222222222222 222222222222222 1

لح ناز

وان النبى (2) كان يدعو المشركين بدعاية الله تعالى» وينبئهم برسالته التى نزلت عليه من ربهء فكان يدعوهم إلى التوحيد فى العبادة, ويأمرهم بالفضائل وينهاهم عن الرذائل. واعتبر السلام شعاره .)١(‏ ولكن المشركين ناوءوه وأذوه هى وأصحابهء وأخرجوه من ديارهم. فلم يبق إلا أن يمكن لدعوته, ويمنع الاضطهاد عن أتباعه, وأن يحمى حرية العقيدة: لأن الإسلام يدعو إلى السلام ولا يقبل الاستسلام للباطل: ولا سلام فى الخضوع للباطل: فكان لا بد من القتال لحماية السلامء ولذلك جاء الإذن من السماء به؛ فأذن الله سبحانه وتعالى للذين أخرجوا من ديارهم لأنهم يقولون «أمئا بالله» أن يقاتلواء وذلك ليدفع الباطل ولولا دفع الباطل بالقتال لهدمت صوامع العبادء وخربت مساجد المسلمين: وكنائس المسيحيينء ومعابد اليهودء وما قام مصلح بدعوة إصلاح» فإذا كان الباطل له قوة, فلا بد أن يكون للحق شوكة تصيب الباطل (؟) .

٠‏ - وقد فرض القتال على المؤمنين» وصرح الكتاب الكريم بأنه أمر مكروه لهم ولكنه ضرورة ملزمة:ء وأن المستقرئ لقتال النبى صلى الله عليه وسلم يجده

أولهما اعتداء بالفعل, كما رأينا من المشركين من اعتدائهم على النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة حتى خرج منهاء وفى اعتدائهم على أتباعه فيها بعد أن خرج من مكة, وتضافر المشركين فى كافة الجزيرة العربية وذهابهم إليه فى المدينة ليقتلعوا الدعوة من جذورها ويجتثوها من فوق الأرضء فكان عليه أن يقاتلهم فى كل نواحى الجزيرة.

)١(‏ ولذا قال الله: دولا تقولوا لمن القى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغاتم كثيرة كذلك كنتم من-قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيراء». (سورة النساء الآية: 54) .

(؟) وقد قال سبحانه فى ذلكء «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراء ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزين؟ (سورة الحج الآيتان: 537, ١‏ 5) .

العلاقات الدولية فى الإسلام ظ 222222-7١‏ 222 222 2 222 2222 22222222222222 1 تحب ل

وليس من اللازم لشرعية قتال طائفة أن يعتدوا بالفعل» بل قد يكون المبرر هو الحماية من الاعتداء إذا كان متوقعا وقامت الأدلة على إرادته, كما فعل كسرى عندما أرسل إليه النبى صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام, فأرسل إلى النبى صلى الله عليه وسلم من يقتله, ويأتيه براسه الكريمء وبذلك قام الدليل على الشر المتوقع كبرهان واضحء فما كان لأصحاب محمد أن ينتظروا حتى ينقض عليهم كسرى من الشرق وهرقل من الغربء كما بدا من أفعال هرقل أيضاً, بل لا بد من دفع الاعتداء قبل أن يستحيل الدفعء وقد يتعين الهجوم سبيلا للدفاع وكذلك كان الأمر.

الأمر الثانى الذى يسوغ قتال النبى صلى الله عليه وسلم ‏ ولا يكون قتاله إلا فاضلا ‏ هو أن يعتدى الملوك على عقيدة من تحت سلطائنهم ممن اختاروا الإسلام ديناً فيرهقوهم فى عقيدتهم الدينية.

وإن الدعوة الإسلامية نور لا يحجب, فلا بد أن دة تفتح الأبواب له, وقد وقف الحكام له بالمرصاد يمنعون أن يصل إلى رعاياهمء فكان لا بد من القتال لإزالة الحجزات التى تمنع النور أن يصل ولا تمنع الاضطهاد أن يقع حتى لا تكون فتنة فى الدين ٠‏

وإنه قد وجد فى عصر النبى (22) الأمران» فقد كان الاعتداء بالفعل عليه وعلى أصحابه ووقف الملوك محاجزين دون الدعوة الإسلامية ومنعوا أن يكون المسلمون أحراراً يعتنقون ما شاءوا من الأديان. «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).

وإذا كان كسرى قد حاول قتل النبى صلى الله عليه وسلمء فهرقل ملك الرومان أمر بقتل من أسلم من أهل الشامء ولذلك أرسل النبى جيوشه لقتال الروم فى الشام؛ وجهز وهى فى مرض الموت جيشاً فيه وزيراه أبو بكر وعمر .

١‏ هذه حقائق ثابتة تنتهى لا محالة إلى بيان أن العلاقة بين المسلمين وغيرهم هى السلم, حتى يوجد داعى القتالء ولكن ما إن علت صيحة الحق»

“ا لي 0 العلاقات الدولية فى الإسلام 2 ا 0 لبيك

بي

وكان له جيش قوى يرد كيد المعتدين حتى تألبت القوى ضد المسلمين:» فزعماء القتال الذين لا يريدون أن تذهب زعامتهم,ء والملوك الذين خشوا من دين محمد أن يذهب بسطوتهمء أرادوا أن يطفئوا نور الإسلام قبل أن يعم ويضىء بين . رعاياهم, فتكائفت ثفت كل القوى ضد المسلمين» وكان عليهم أن يخضعوا للواقع. فيستعدوا للقتال دائماًء وما كان لهم أن يتركوا أعداءهم يستعدون ويعتدون: وهم ساكنون ينتظرون من يغيرون على ديارهم, وما غزى قوم فى عقر دارهم إلا ذلواء كما قال فارس الإسلام على بن أبى طالب» ولقد كانت حربهم للاطمئنان على أمرين: ديارهم من أن تغزى؛ ودينهم من أن يطمس .

وللاحتياط للدماء تقد تقدموا لمن يجاورونهم يخيرونهم بين أمور ثلاثة : العهد حتى يأمنوا الاعتداءء, أى الإسلام حتى يكونوا جميعاً إخواناً فى ظله» فإن رفضوا العهد على أن يكون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم, ورفضوا الإسلام لم يبق إلا القتال» لأن نية الاعتداء تكون هى البارزة حينئذ. ويكون من الحمق ترك أعدائهم حتى يغيروا عليهم .

ثارت الحروب بين المسلمين وغيرهمء ولمعت السيوف بدل أن تلمع الحقائق الدينية, ومضى عهد الراشدين وجاء عهد ملوك الأمويين: ثم ملوك العباسيين والحرب مشتعلة

"١‏ - وفى هذا الوقتء والنيران مشتعلة كان الاجتهاد الفقهى» ونبتت فكرة الأصل فى علاقة المسلمين بغيرهم, أهى الحربء أم هى السلم؟ ففكر الفقهاء فى الواقع» بل أخذه من النصوص القرانية والأحاديث التبوية المحمدية, واعتبر العلاقة هى السلم حتى تكون دواعى الحرب.

2 م .-. العلاقات الدولية فى الإسلام ر-و3-3-3ب3ب-ب----ب-بببب7ك““->-0000>3>3 0 ا م لجبب_ ل و

وتكاد كلمات الفقهاء أجمعين تجمع على أن دار المخالفين تسمى دأر حرب» لأنها فنعلا كانت فى عصر الاجتهاد الفقهى دار حرب بسبب تلك الاعتداءات المتكررة من الأعداء والمدافعة المستمرة من المسلمين .

وقد يقول قائل: إن العلاقة الدولية فى الإسلام قد خضعت للأمر الواقع ولم تخضع للمثل الدينية العليا. والخضوع للواقع فى العلاقات الدولية هى الأمر الذى يبرر الساسة به اليوم اعتداءهم.

ونقول فى الإجابة عن هذا السؤال : إن الذى أخذه الفقهاء هى التسمية وليس الحكمء فهم لم يتخلوا عن المثل العليا التى قررها الإسلام من حماية فإن الحرب كانت مستعرة فعلا وواقعاً .

وإن هذه التسمية لم تمنع تنظيم العلاقات بين المسلمين وغيرهم على أساس قانون العدل والفضيلة لا على أساس من الفتح, كماكان يفعل الملوك والحكام؛ وما عرف الإسلام وفقهاؤه ونصوصه أن الفتح يعطى المسلمين سلطاناً غير مبنى على العدل والفضيلة أو التقوى كما عبر القرآن الكريم: فلا سيادة ولا مسود ولا غالب ولا مغلوبء بل عدل وإنصاف ٠.‏

وإن الأحكام المقررة للمعاهدين أي) كان نوع عهدهم وللمخالفين فى ديارهم ولرعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين لتثبت أن هذه الأحكام مبنية على العدل والفضيلة والحرية, وليست مبنية على الانتقام أو الغلب أى مجرد المخالفة فى الجنس.

وننتهى من هذا إلى أن الأصل فى العلاقات بين المسلمين وغيرهم هو السلمء, وأن ذلك هى رأى الجمهرة العظمى من الفقهاءء والقلة التى خالفت ما كان نظرها إلى الأصل بل نظرها إلى الواقع؛ وكان ما قررته حكماً زمنياًء وليس أصلا دينياء وإن تسمية دار المخالفين دار حرب لا يمنع من أن الأصل هو السلم.

222222222222 222222 2222222222222 2 2 2 2 2 222222

١‏ العلاقات الدولية فى الإسلام > ل

وإن الفقهاء قد حددوا معنى دار الحرب تحديداً دقيقاًء لا بد من بيانه» وبيان الآثار المترتبة على اختلاف الدارين: دار الحرب ودار الإسلام» وإن بعض الفقهاء - مستمدين من الكتاب والسنة تقريرهم - قرروا أن بين دار الحرب ودار الإسلام داراً وسطاً تسمى دار العهد. وعلى ذلك تكون الديار ثلاثة أقسام: دار حربء ودار إسلام» ودار عهد.ء وسنتكلم فى تعريف كل واحدة متها وحكمها.

".دار الحرب ودار الإسلام ودار العفد

“> دار الإسلام هى الدولة التى تحكم بسلطان المسلمين» وتكون المنعة والقوة فيها للمسلمينء وهذه الدار يجب على المسلمين القيام بالذود عنهاء والجهاد دونها فرض كفاية إذا لم يدخل العدو الديارء فإن دخل العدو الديار كان الجهاد فرض عين عليهمء فعليهم جميعاً مقاومته ما أمكنتهم الفرصة واستطاعوا إلى ذلك سبيلا ٠‏ ,

هذه هى دار الإسلام, بيانها لا يحتاج إلى تعريفء أما تعريف دار الحرب ودار العهد فهو الذى يحتاج إلى تمييز وتبيين ٠‏

وقد اختلف الفقهاء فى تعريف دار الحرب على رأيين :

أحدهما أن دار الحرب هى الدار التى لا يكون فيها السلطان والمنعة للحاكم المسلم. ولا يكون عهد بينهم وبين المسلمين يرتبط به المسلمون ويقيدهم, فالعبرة عند أصحاب هذا الرأى إلى المنعة والسلطانء, فما دامت الدار خارجة عن منعة المسلمين من غير عهد فهى دار حربء يتوقع الاعتداء منها دائماًء والله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بأن يأخذوا الحذر دائماً» وأن يكونوا على أهبة القتال لدفع الاعتداء. وذلك رأى كثير من الفقهاء .

والرأى الثانى رأى أبى حنيفة والزيدية: وبعض الفقهاء. وهو أن كون السلطان والمنعة لغير المسلمين لا يجعل الدار دار حربء بل لابد من تحقق شروط ثلاثة لتصير الدار دار حرب.

»| مو ب« رمه العلاقات الدولية فى الإسلام 2 2 2 222222222222222 222222222222222 اجر جب يل

أول هذه الشروط :الا تكون المنعة والسلطان للحاكم المسلم, بحيث لا يستطيع تنفيذ الأحكام الشرعية.

وثانيها : أن يكون الإقليم متاخ ما للديار الإسلامية بحيث يتوقع منه الاعتداء على دار الإسلام: ويترتب على هذا الشرط أن تكون الصحارى المتاخمة للبلاد الإسلامية ليست دار حربء ما لم تكن ممتنعة على المسلمين بقوة أخرى لا يمكن للحاكم المسلم أن يفرض سلطان الإسلام عليها. وكذلك البحار المحيطة التى تتصل بالدار الإسلامية لا تعد فى قبضه غير المسلمين ما لم تكن ممتنعة على الحاكم المسلم.

وثالث الشروط: ألا يبقى المسلم أو الذمى (أى غير المسلم الذى يعد من الرعوية الإسلامية) مقيماً فى هذه الديار بالأمان الإسلامى الأول الذى مكن رعية ' المسلمين من الإقامة فيهاء وبتطبيق هذا الشرط تكون البلاد التى استولى عليها المسلمون وأمنوا أهلهاء ثم اضطروا إلى الجلاء عنها تحت تأثير حرب أو عامل آخر ليست دار حرب: إذا كان الذين سيطروا عليها أبقوا المسلمين ورعايا الدولة الإسلامية مقيمين فيها بمقتضى الأمان الأول» وذلك بلا ريب لا يكون إلا إذا سالمت هذه الدولة المسلمين وكان معهم سلام لا تعكره حربء وأما إذا نقضوا الأمان وحاربوا المسلمين فإن الدار دار حربء ولى أعطوا أولئك أمانا جديداً .

ولا شك أن هذا الرأى هو الذى يتفق مع اعتبار أن الأصل فى العلاقة هو السلم, لأنه لم يعتبر الدار دار حرب إلا إذا كان الاعتداء بالفعل بزوال أمان المسلمين أو بتوقع الاعتداء بالمتاخمة:, إذ المتاخمة من غير عهد ملزم أو من غير ميثاق عدم اعتداء يجعل الحرب متوقعة فى كل وقت..

وإذا كان ذلك الرأى هو الذى يتلاقى مع النصوص الداعية للسلامء فإننا نعتقد أنه مستمد من روح القرآن ونصوصه .

ولكن اشتراط المتاخمة لتوقع الاعتداء أصبح غير ذى موضوع لأن ابن الأرض أخذ يتحكم فى الأجواء بل يتحكم فى الفضاءء ولم يعد القتال يحتاج إلى

ا العلاقات الدولية فى الإسلام تحب ا ج00 الملتاخمة: بل إن القنابل الفتاكة المخربة تصل من أقصى الأرض إلى أقصاهاء ولذلك نرى أن هذا الشرط لا موضع له الآن: ولى كان أبى حنيفة حي ورأى ما نرى لترك الشرطء فإذا تركناه فبفكرته تأخذء والاختلاف بيئنا وبينه ليس اختلاف حجة وبرهان» بل اختلاف حال وزمان.

4" - وإننا إذا أخذنا برأى أبى حنيفة يكون بين أيدينا نوعان من الأرض لا يدخلان فى تعريف دار الإسلام ولا فى تعريف دار الحرب: وهما الديار التى لا يتحقق فيها السلطان الإسلامىء والديار التى لا تتاخم المسلمين . أما التى لا تتاخم المسلمين ولا يتوقع منها الاعتداء, فهى دار سلم» ينطبق عليها معنى اعتزال المسلمينء الذين لم يثيروا حرباء ولم يعقدوا عهداً, لبعد الديار.

والأمر فيها موقوف حتى تكون المتاخمة: وليس للمسلمين أن يرسلوا جنداً إليها - بمقتضى رأى أبى حنيفة ‏ ولا أن يثيروا حرباً عليها. ولكن ذلك لا يمنع المرشدين من أن يذهبوا إليها دعاة إلى الحق هادين إليه؛ فإن كان الاعتداء عليهم, فإن للمسلمين حينئذ أن يحاربوهم لأجل الاعتداء ولتأمين الدعوة إلى الدين الحق»: وتأمين حرية الاعتقاد. ومنع الفتنة فى الدين .

وقلنا إن هذا النوع من الأراضى لا وجود له الآن: لأن المتاخمة إن لم تتحقق بالحس فى الجوارء فقد تحققت بالقدرة على الاعتداء من غير جوار» وإن وجد فالأصل هى السلم . داز العيمد:

0 وان دار العهد حقيقة اقتضاها الفرض العلمىء وحققها الواقع» فقد كان هناك قبائل ودول لا تخضع خضوعاً تاما للمسلمين» وليس للمسلمين فيها حكم, ولكن لها عهد محترم؛ وسيادة فى أرضهاء ولى لم تكن كاملة فى بعض الأحوال.

وهذه البلاد هى التى كان بينها وبين المسلمين عهد عقد ابتداء؛ أى عقد عند ابتداء القتال معها عندما يخيرهم المسلمون بين العهد أو الإسلام أو القتال:

العلاقات الدولية فى الإسلام ا 1 بي <

فأهلها يعقدون صلحاً مع الحاكم الإسلامى على شروط تشترط من الفريقين وهذه الشروط تختلف قوة وضعفاأ على حسب ما يتراضى عليه الطرفان؛ وعلى حسب هذه القبائل وتلك الدولة قوة وضعفاً وعلى مقدار حاجتها إلى مناصرة الدولة الإسلامية.

ومن هذه القبائل ما كان الصلع فيها على أساس جعل من المال يدفعه أهلها فى نظير حماية المسلمين لهم, والذود عنهم, كما حصل فى صلح النبى صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجرانء فقد أمنهم النبى صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وأموالهم من أى اعتداء يكون عليهم, سواء أكان من المسلمين أم من غيرهم.

وكذلك فعل القائد الصحابى أبى عبيدة عامر بن الجراح مع أهالى حمص فقد أمنهم, وتعهد بأن يدفع الرومان عنهم فى نظير مال دفعوه إليه؛ ولكن حدث أن أصاب الجيش الإسلامى ضعف بسبب طاعون سرى فيهء فأرسل القائد الوفى - الذى سماه محمد (6) أمين هذه الأمة ‏ أموالهم, وبين عجزه عن مدافعة الرومان عنهم, فنشطوا هم لمعاونة القائد العادل الأمين .

وفى عهد عثمان رضى الله عنه عقد عبد الله بن سعد بن أبى السرح صلحاً مع أهل النوبة كانت اساسه تأمينهم على أنفسهمء ورعاية استقلالهم؛ ومبادلة التجارة معهمء ولم يأخذ منهم فريضة مالية يؤدونها.

وكذلك فعل معاوية مع أهل أرمينية» فقد عقد معهم صلحاً يقرر سيادتهم الداخلية المطلقة .

7“ وثنرى من هذا أن هذا النوع مع القبائل أو الدول لا يمكن أن يعد دار حرب ولا دار إسلام» ولكن يعد دار موادعة أى دار عهدء وقد قال بعض الفقهاء أن هذه الديار تدخل فى عموم دار الإسلام, لأن المسلمين لم يعقدوا هذه العهود, إلا وهم أهل المنعة والقوة.

2-35 ر. العلاقات الدولية فى الإسلام 2 222222222222222 222222222222222 222222222222222 2 نر

ولكن الفقهاء الذين حرروا القول فى القانون الدولى الإسلامى كالشافعى فى الأم؛ ومحمد بن الحسن الشيبانى قرروا أن دار العهد نوع أخرء فقد جاء فى كتاب السير الكبير لمحمد ما هذا نصه:

«المعتبر فى حكم الدار هو السلطان والمنعة فى ظهور الحكم؛ فإن كان الحكم حكم الموادعين فبظهورهم على الأخرى كانت الدار دار موادعة؛ وإن كان الحكم حكم سلطان آخر فى الدار الأخرى فليس لواحد من أهل الدار حكم الموادعة).

ونرى محمد بن الحسن الشيبانى يؤكد فرض دار أخرى هى دار الموادعة أو العهد ويبنيها على السلطان والمنعة؛ ولكنه يأتى بأمر جديد لم نذكره من قبل, وهى أنه يفرض أن أهل العهد قد يكونون خاضعين فى نظامهم لدولة أخرى لا تدخل فى حكم العهدء فيقرر أنه إن كان السلطان والمنعة لأهل الجماعة التى عقد معها عقد الموادعة فإنها دار عهدء وإن كان السلطان والمنعة لدولة أخرى فإنه لا يقرر العهد لإحداهما إلا أن تكون لها ومن معها معاهدة.

وإنه يجب أن يلاحظ أن العالم الآن تجمعه منظمة واحدة قد التزم كل أعضائها بقانونها ونظمهاء وحكم الإسلام فى هذه أنه يجب الوفاء بكل العهود والالتزامات التى تلتزمها الدول الإسلامية عملا بقانون الوفاء بالعهد الذى قرره القران الكريم , وعلى ذلك لا تعد ديار الخالفين التى ته تنتمى لهذه المؤوسسة العالمية دار حرب ابتداء بل تعتبر دار عهد .

" . السسبادة

3 - كلمة السيادة تعبير يجرى فى كتب القانون الدولى فى العصر الحاضر ومؤدى هذا التعبير أن يكون سلطان الدولة أصيلا غير مستمد من دولة أخرى: وأن يكون ذلك السلطان مبسوطاً فى كل أجزاء الدولة مهما تتعدد فيها . القوميات أى تتسع الأراضى وتتباين أجزاؤهاء وأن تكون علاقتها بغيرها قائمة

> مهل ب« رم العلاقات الدولية فى الإسلام - 2 2 222222222222222 222222222222222

على أساس سلطانهاء ولا يكون مستمداً من سلطان آخر إلا أن يكون تنفيذاً لعهد لا يمس الاستقلالء بل يكون منبعثاً منه لا من شىء سوى الوفاء بالعهود الذى تقوم عليه العلاقات الدولية الحرة.

وعلى ذلك يكون لسيادة الدولة مظهران :

أحدهما : خارجىء يكون بتنظيم العلاقات الدولية على أساس من الاستقلالء الذى لا تبعية فيه لدولة أخرى.

وثانيهما : بسط السلطان فى داخلهاء بحيث يكون جميع الرعايا خاضعين لقوانين هذه الدولة, إلا ما تمنحه هى من بعض المعاملات الخاصة لبعض الطوائف, على أن يكون ذلك على أساس أنه منحة قابلة للاسترداد فى أى وقت من الأوقاتء لا على أساس أنه امتياز يوجد حق مكتسباأ؛ فإن الدولة إذا أعطت بعض الطوائف امتيازاً فى نظم الأسرة مثلاء فهذا على أساس مراعاة الحرية الدينية» لا على أنه قيد دولى تقيد الدولة الإسلامية به نفسهاء فإن تحول إلى قيد يمس السيادة, فإن على الدولة التى تنفذ أحكام الإسلام أن تلغيه فوراً لأنه حينئذ يمس سلطان السيادة؛ كما حدث فى الامتيازات التى أعطتها الدولة العثمانية للطوائف التى كانت تعيش فى ظلهاء فإنها تحولت إلى حقوق دولية تمس السيادة: حتى ألغيت وانتهت من غير رجعة.

والدول الحاضرة لا تجعل لأى طائفة من طوائفها ميزة خاصة فى تعاملهاء وخصوصاً فى نظام الأسرة, لأن نظم الأسرة فيها تتعلق بالنظام العام لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها .

ولكن الدول الإسلامية لا تزال تعطى رعاياها حق التقاضى على مقتضى دينهم بالنسبة للأسرة فيما عدا الوصايا والمواريث والأوقاف, وتوضع لهم قوانين تتعلق بالزواج والطلاق تتفق مع المعروف عندهم من شئون دينهم» ونرجو ألا يتحول ذلك إلى امتياز خاص تتدخل فيه الدول» فإنه فى هذه الحال يجب إلغاؤه: لأنه حينئذ يكون تقييداً لحرية الدولة ونقصاً من سيادتهاء ولى ترددنا بين احترام

-200 ع ٠‏ - نر

جرية الآحجاد وجرية الدولة لاخترنا الثانية وخصوصاً أن الدول عامة تسير على هذه القاعدة, وهى تعميم أحكام قوانينهاء وقد صدر أخيراً قانون فى إنجلترا يمنع الاعتراف بأى عقد زواج يعقد على نظام الشريعة الإسلامية فلا يعتبر العقد قد وجد يحكم القانون» فإذا تزوجت المرأة بعده على النظام الإنجليزى من غير طلاق فإنه يعتبر الزواج الثانى دون الأول ٠‏

ولا نوصى الدول الإسلامية بمعاملة هذه الدولة وأشباهها بالمثل؛ فإن نظامنا الإاسلامى فى منحه الحرية الدينية لرعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين هى من قبيل السماحة الدينية لرعاياناء وهم أقرب إلينا من إنجلتراءولا يصح أن نجارى غيرنا فى التضييق على حرية رعاياناء على أننا نكرر أنه لى اعتبر امتيازاً يجب إلغاؤه فوراً. وفى الفقه الإسلامى ما يبرر الإلغاءء لأن الشافعى لا يرى ذلك التسامحء فليؤخذ برأيه.

- وإن سيادة الدولة الإسلامية ثابتة فى كل أراضيهاء وإذا كان للإسلام دولة واحدة وتحققت الوحدة الإسلامية, فإنها تكون شاملة, وقد تبين من التعريف الذى اخترناه أن الصحارى والبحار لا تكون خاضعة لأحد, إلا أن يتحقق سلطانه عليهاء كالمياه الإقليمية التى تحيط بها البلاد الإسلامية مثل الخليج العربىء فإنه بلا شك داخل فى نطاق السيادة الإسلامية إذا تحققت وحدة الدول التى تحيط به. وعلى أى حال ليس لاية دولة غير إسلامية أن تجعل لها سلطانا عليه وإلا كان اعتداء يجب دفعه.

وإنه يلاحظ أمران:

أولهما: ان سلطة الدولة الإسلامية فى التقنين ليست مطلقة:؛ بل هى مقيدة بالقرآن والسنة, فهل يمس ذلك سيادتهاء والجواب عن ذلك أن هذا لا يمس السيادة فى شىء. لأن القرآن وإن كان المرجع هو والسنة ‏ فالاستنباط فى ظلهماء والأخذ من أحكامهماء وهما القانون المسيطرء لا يمنع السيادة, لأن التقيد بالقرآن والسنة كالتقيد بالفضيلة والمصلحة لا ينقص من السيادة فى شىء .

2 ب العلاقات الدولية فى الإسلام

- 2 222222222222222 2222222 22 3 3353533-33

ثانيهما: اختلاف حوزات الملوك والرؤساء يجعل الإسلام محكوماً بعدة دول؛ وكل واحدة ذات سيادة قائمة بذاتها ‏ ونقول فى الإجابة: إن المسألة لها وجهان: أحدهما اعتبار كل واحدة منها خلافة دينية, وثانيهما أن يكون منشأ هذا اختلاف الأقوام, وتباعد الأقاليم مع وحدة الخلافة.

وبالنسبة للأمر الأول نقول: إن جمهور العلماء فى الإسلام يقرر أن الخلافة الدينية لا تكون إلا لخليفة واحدء وذلك لأن هذا كان المتبع فى خلافة الراشدين جميعاً وبهم يقتدى, ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من جاءكم. وأمركم على رجل واحد فاقتلوه».

ولكن الإمام زيد بن على زين العابدين قرر جواز إقامة خليفتين إذا كان كل واحد منهما مستوفياً للشروط وتباعدت أقاليم كل واحد منهماء كأن يكون أحدهما بالمغرب والثانى بالمشرق ٠.‏

ولا شك أن رأى الجمهور أولى بالأخذء لأن المسلمين جميعاً أمة واحدة وقد يكون إذا تعددت الخلافة الدينية» بل ربما أدى ذلك إلى التناحرء وذلك أبلغ الحرام فما يؤدى إليه يكون حراماً .

وبالنسبة للأمر الثانى: فإن ذلك اختلاف قومياتء ولا يصح أن يؤدى إلى العصبية الجاهلية, ويجب مع اختلاف الأقاليم أن يكون للمسلمين جامعة واحدة. المسلم رعية إسلامية : المسلم فى كل مكانء وذلك لأن ولاية المسلم لا تكون لغير المسلم, وإذا كان المسلم منتمياً للدولة غير الإسلامية: فذلك لا ينفى سيادة الدولة الإسلامية أيا كان موطنهء وقد بدت سيادة الدولة الإسلامية على المسلم مهما تكن رعويته فى ثلاثة

أمور :

العلاقات الدولية فى الإسلام

222222222222222 222222222222222 2222222222 22 2

أولها : أنه يجب على المؤمن أن يهاجر إلى الدولة الإسلامية الجامعة إذا وجد ضيما فى أرضهء فقد صرح القرأن الكريم بأن المؤمن لا يجوز له أن يعيش مستضعفاً فى الأرض؛ وفيه قدرة على الانتقال إلى أرض إسلامية يكون قوة عاملة فيها وتؤويه وتحمى حريته وتحميهء وذكر سبحانه وتعالى أنه محاسب على بقائه فى الذل - وحسابه يوم القيامة :)١(‏ وأن مأواه جهنم؛ وساءت مصيراً.

ثانيها : أن المسلم يرث المسلم أيا كان موطته؛ فإذا مات مسلم فى القاهرة وله قريب إنجليزى مسلم.ء فإنه يرثه, لآن أساس الميراث القرابة والنصرةء وهما متحققانء أى أحدهما متحقق والآخر ينبغى أن يتحقق .

ثالثها : أن المسلم إذا ارتكب جريمة فى غير دار الإسلام, وجاء إلى الدولة الإسلامية عوقب فيها بعقاب الإسلام. فإن ارتكب جريمة توجب حد) من حدود الله تعالى كالزنىء فإنه يوجب حذا هى الجلد. ثم إذا لم يقم عليه الحد حتى جاء إلى الديار الإسلامية فإن الحد يقام عليه, إذا ثبتت الجريمة بطرق الإثبات الشرعية فى مثلهاء وخالف فى ذلك أبى حنيفة, وليس سبب الخلاف أنه لا يقر امتداد سلطان الدولة الإسلامية على المسلمين فى غير أرضهاء بل لأنه يشترط فى إقامة الحدود أن يكون المسلم وقت ارتكابه ما يوجب الحد خاضعا بالفعل لسلطان الدولة الإسلامية: بحيث يمكن إقامة الحد وقت الارتكابء ولا يكتفى فى هذا بالسيادة الحكمية أو الولاية الحكمية .

وأما إذا ارتكب ما يوجب القصاصء كأن يكون قد قتل فى دار حرب مسلماء أو رجلا من الرعية الإسلامية» ولو كان غير مسلمء فإن الجمهور على أنه يقتص منهء إذا كان نوع الفعل يوجب القصاص, وذلك لثبوت الولاية الإسلامية حيث يكون المسلم.

)١(‏ ويقول الله تعالى فى هؤلاء: «إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولثك مأواهم جهنم وساءت مصيراة (سورة النساء آية:/91).

٠» 5‏ العلاقات الدولية 4 الإسلام 2 22 222222222 222222 222 2222 222222222222222 2 2222222222222 لج ب سر ١‏

وقال أبو حئيفة لا يقتص من القاتل ولكن تجب الدية» أما عدم القصاص, فلأن شرط إقامة العقوبة البدنية هو القدرة على إقامتها وقت ارتكاب الجريمة, ولم يكن ذلك ثابتاً. وأما الدية» فلأنه لا يذهب دم مصون هدراء وحيث تعذرت العقوبة البدنية, فإنه يحل محلها العقوبة المالية ولا يمنع ذلك من التعزير فى كل الأحوال.

سيادة الدولة على غير المسلمين : 3٠‏ تثبت سيادة الدولة على غير المسلمين الذين يستظلون برايتهاء وهم قسمان: ذمى» ومستأمن.

والذمى هو الذى يقيم مع المسلمين على أن يكون له ما لهم وعليه ما عليهم, وهو يقيم بين المسلمين بعقد يسمى عقد الذمة» ويتولاه ولى الأمرء لأنه يفرض واجبات للدولة يتولى ولى الأمر تنفيذهاء ويفرض حقوقاً للشخص يجب على الدولة رعايتها.

وعقد الذمة عقد أبدى, لأنه لا تتم الرعوية الإسلامية له إلا إذا كان الرضا العقد ينفذ على الشخص الذى عقده مادام حياء وعلى ذريته من بعده. بالإقامة مع المسلمين ويلتزمون ما على المسلمين, ما عدا ما يتعلق بالدين, يكونون ذميين فلا يعترض أحد منهم على ذلكء ويكون هذا بمثابة عقد الذمة المدة.

وقد قرر الفقهاء أن عقد الذمة يشترط فيه شرطان :

أولهما : أن يلترم الذنميون إعطاء التكليفات المالية على القادرين: لكى يسهموا فى بناء الدولة,. ويشتركوا فى تكوين ميزانها المالى .

52 هه ٠.‏ العلاقات الدولية فى الإسلام د 22222222222 222222222222222 222222222222222 222222222222222 2

ثانيهما : أن يلتزموا أحكام الإسلام فى المعاملات المالية» وفى الخضوع للعقوبات الإسلامية ليكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.

أما نظام الأسبرة من زواج وطلاق» فإن أولياء الأمر المسلمين كانوا يتركونهم فى هذا يتبعون ما يعتقدونه دينا لهم, وذلك لصلة أحكام الأسرة بأصل التدين؛ فكان من المحافظة على حريتهم الدينية أن يتركوا فى عباداتهم وأحكام الأسرة إلى دينهم؛ ولذلك جاءت قاعدة فقهية تقول «أمرنا بتركهم وما يدينون» أى فى الأسرة والشعائر الدينية. وفيما عدا ذلك يلتزمون بالأحكام

الإسلامية. على أنه يكتفى فى الالتزام بهذين الشرطين السابقين بإعلان الإمام ذلك وعدم اعتراضهم على ما جاء فيه.

"١‏ وقد قرر فقهاء الحنفية أن لهم أن يشربوا الخمر ويأكلوا الخنزير إذا كانوا يعتقدون أن ذلك حلال لهم. حتى لا يكون تحريمهما عليهم تدخلا فى الحرية الشخصية:, ولذلك لا يعاقبون على الشرب, إلا إذا كان فى عملهم تحريض لشباب المسلمين على الشربء فإنهم يعاقبون لذلك, لا لأصل الشرب.

وإن هذا المذهب الحنفى أوجب حماية حريتهم الشخصية فى هذا المقام فلو أراق مسلم خمرا لذمىء أو قتل خنزيراً له. وجب عليه أن يدفع له قيمة ما أتلف, ولو فعل ذلك لمسلم لا يجب عليه دفع قيمة ما أتلف. لأنهما مال محترم عند الذمى» غير محترم ولا مقوم عند المسلم.

وقد خالف جمهور الفقهاء المذهب الحنفى فى ذلك: وقرروا أن الخمر والخنزير غير مباحين عند اليهود والنصارىء وإذا كانوا قد استباحوهما فعلى غير سند دينىء» على أن تحريمهما فى الإسلام من قبيل حماية المجتمع, وما يكون فيه حماية للمجتمع عليهم أن يلتزموا به» وعلى فرض أن تناولهما مباح عند المسيحيينء فليس منع كل مباح تدخلا فى الحرية الشخصية:, إنما يكون تدخلا فى الحرية الشخصية الدينية إذا كان دينهم يأمر بهماء ونمنعهم من تنفيذ أمر دينى واجب التنفيذ . ْ

العلاقات الدولية فى الإسلام 4 2 222222222 222222222222222

ولقد كرر كثيرون من الفقهاء أنه لو تزوج المجوسى ابنته لا نتعرض له, ولكن إذا رفعت هى أو هو أمرهما إلى القاضى المسلم فى أمر يتعلق بتنفيذ أحكام العقد أينظر القاضى أم لا ينظرء قال جمهور الفقهاء يطبق حنيئذ أحكام الإسلام» فلا ينفذ أحكام عقد جاء على غير الأحكام الإسلامية, ولكن قال أبى حنيفة: إننا ننفذ أحكام هذا العقد فيما يتعلق بالنفقة. وعلى أى حال لا نتعرض لهم ما داموا لم يرفعوا الأمر إلى القضاء .

”٠*‏ وقد يسأل سائل: لماذا فرق فى عقد الذمة بين المعاملات والعقوبات»2 وبين أحكام الأسرة؟ وقد أشرنا إلى الجواب عن ذلك, ونوضحه بعض التوضيح فنقول: إن المعاملات من شأنها أن تجرى بين المسلمين والذميين» فيكون التبادل قائماً بين كل الرعاياء وإن المعاملات المالية أساس للنظام الاقتصادى فى الأمة, وتبادل المنافع بين الرعاياء وليس من المعقول أن ينحاز الذميون فى محلة يتعاملون فيها دون سائر الناس الذين يجاورونهم, وإلا كانوا دولة فى داخل الدولة» وإن ذلك لا يتفق مع الاندماج الذى قبلته الدولة بالنسبة لهمء فإنه إذا قبل الذمى أن يكون جزءاً من الدولة وجب أن يعتبر نفسه جزءاً من كيانها فيما يتعلق بالنظلم المالي والاقتصادى والاجتماعى, ولذلك كانت العقوبات الإسلامية واجبة التطبيق عليه.

أما الأحول الشخصية التى لا تتجاوز الشخص, أو لا تتجاوز أسرتهء فإنها لا تتصل ذلك الاتصال بالمجتمع الإسلامى. فشخص الذمى فيما يتعلق بعقيدته وشعائره الدينية وأسرته اللتين يصح أن تكونا منقطعتين عن هذا المجتمع إذ كانت أحوالهما لا تعدو الشخص أو الأسرة ولا تتجاوزهماء فكان من حماية حريته فى التدين أن يترك أمرهما له أى أننا أمرنا بتركهم وما يدينون.

على أنه يلاحظ أن ذلك أمر التزمه ولى الأمر المسلم حماية لحرية التدين ما أمكن وليس امتيازاً يعطىء وإنه لا ولاية على الحاكم المسلم فى إعطاء رعيته ذلك الالتزام من جانبهء وليس لدولة أخرى أن تتدخل باسم أنه امتياز يجب رعايتهء فإن اتجه الذمى ذلك الاتجاه واستعان بدولة أخرى كما حدث عند ضعف

العلاقات الدولية فى الإسلام

وس

الدولة العثمانية فإنه يكون قد نقض عقد الذمة؛ وجعل انتماءه لدولة أخرىء فينبذ إليه عقده, ولا يكون ذمياً .

”7 - هذه حقوق الذمى وواجبات عليه استلزمها الاندماج فى الدولة الإسلامية. وهناك واجب آخر عليه؛ وهى أوضح الواجبات عليه, وهى الجزية. وقد حسب بعض الكتاب أنها مفروضة لإذلالهم أو أنها مظهر للسيطرة الإسلامية عليه. والحق أن إعطاءها مظهر الطاعة, ولكن العدالة أوجبتهاء وهى مظهر للعدالة الاجتماعية فى الدولة الإسلامية, ذلك لأنها فريضة اجتماعية فرضت على الذمى فى نظير ما يفرض على المسلم, من زكوات تجب عليه بمقتضى تدينه؛ وما يؤدى من كفارات ونذور وفدية لترك عبادات .

فالناظر إلى هذه الضريبة التى سماها القرآن الجزية يجدها تقل عما يديه المسلم من واجبات مالية بمقتضى دينه؛ فإنه يؤدى عما يملك من أموال منقولة ما مقداره ربع العشر من رأس المال» ويؤدى نحو العشر من غلات الأموال الثابتة, ثم إن الدولة تشاركه فيما غنمه من حروبء فتأخذ منه الخمسء وعلى المسلم بمقتضى أحكام دينه كفارات ونذورء فكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين كل مسكين يطعم وجبتين:ء أو كسوتهم إذا حلف وحنث فى يمينه؛ وإذا أفطر فى رمضان متعمداً كان عليه صيام شهرين متتابعين: فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً, وهكذا غيرها من الكفارات, وهذا نوع من التكافل الاجتماعى: ويعضه يدخل فيه المسلم وغير المسلمء وإن كان لا يلزم به غير المسلم.

وإنه لا يمكن تكليف الذمى بهذه التكليفات المالية حتى لا يتدخل ولى الأمر فى الحرية الدينية» ولا بد أن يسهم فى بناء الدولة التى يعيش فى ظلهاء ولا يمكن أن يكون ذلك بتكليفه ما يكلفه المسلم لما أشرناء فكانت الجزية؛ وهى تنفق على المصالح العامة للدولة الإسلامية. وتصرف فى معونة من يحتاج من أهل الذمة. ولا يأخذ المحتاجون من المسلمين منها شيئاً بل يأخذون من أموال الزكاة: وما يكون من الكفارات والنذور .

200 355 العلاقات الدولية فى الإسلام - ا 222 222222222222222 222222222222222 اهنم حملن ي

وبهذا يتبين أن الدولة عليها معونة المحتاجين من أهل الذمة مما يؤخذ منهم من جزية وخراج للأرضء وقد كان لما يجمع من أهل الذمة حصيلة قائمة بذاتها ينفق منها على الدولة, وعلى المحتاجين منهم» وذلك بجوار حصيلة الزكاة التى ينفق منها على بعض المرافق العامة وعلى المحتاجين من المسلمين .

4“ - وإن حماية الشخص واجبة على الدولة بالنسبة للذمى»؛ فدمه مصون محترم, لا يصح الاعتداء عليه. وحريته الشخصية مصونة محترمة؛ ليس لأحد أن يمسهاء وكرامته محترمة لأنه إنسان مصون الكرامة كالمسلم على سواء.

ولاشك أن تنفيذ هذه المبادىء مع اختلاف الدين قد يكون صعباً على النفوسء ولذلك كانت المبالغة فى الدعوة إلى احترام حقوق الذمى»: حتى لا يذهب فرط الحماسة الدينية إلى عدم العناية بهاء فالنبى صلى الله عليه وسلم يشدد فى الدعوة إلى احترام حقوق الذمى, فيقول (تَلكه) : من أذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة ومن خاصمته خصمته».

وعمر بن الخطاب كان يبث العيون على ولاته ليعرف مقدار إقامتهم للعدل فى رعاياهم, وأول ما يهتم بالسؤال عنه معاملتهم لأهل الذمة» وإذاجاءته الوفود من الأقاليم يسألهم عن حكامهمء وأول ما يسأل عنه معاملتهم لأهل الذمة, فحسن معاملتهم لهم دليل على القيام بحق العدل بالنسبة لجميع الرعايا.

وكان لا يمتنع عن القصاص ممن ظلمهم.ء ولى كان الوالى نفسه؛ ويروى فى هذا أن ابن عمرى بن العاص والى مصر تسابق مع شاب مصرى فسبقه الشابء فعلاه بالسوط وقال له: «أتسبق ابن الأكرمين»؟ فذهب الشاب القبطى إلى عمر فى المدينة» فأحضر الحاكم العادل عمرا وابنه» وأمر الشاب القبطى أن يضرب حتى يشتفى لنفسه فضربه؛ وعمر يطلب منه الزيادة كلما سكتء ويقول: «زد ابن الأكرمين» فلما اشتفى الشاب لنفسه أزاح عمر عمامة عمرو عن راسهء وقال للشاب القبطى: «اضرب على صلعة عمروء فباسمه ضربك؛ فامتئع الفتىء وقال عمرو: هما علمت بهذا», ثم قال الحاكم الحر حقا وصدقاً: «مذ كم يا عمرو تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؛ .

العلاقات الدولية فى الإسلام

سس

هو الذى لا يستعبد غيرهء ولا يرضى بالضيم أبداًء لأن الحر يقدر الحرية لغيره, كما يقدرها لنئفسه.

وقد كان ذلك شأن الخلفاء المهديين والحكام العادلين .

وكان الفقهاء فى كل أدوار الاجتهاد الفقهى حريصين كل الحرص على أن يوصوا حكام المسلمين بالعدل مع أهل الذمة» ومن ذلك ما جاء فى كتاب الخراج لأبى يوسف موجها القول إلى هارون الرشيد ‏ خامس الخلفاء من ينى العباس ‏

ففنه:

«وقد ينبغى يا أمير المؤمنين أبرّك الله أن تتقدم بالرفق بأهل ذمة نبيك وابن روى أن رسول الله (علكه) قال: «من ظلم معاهداًء أى كلفه فوق طاقتهء فأنا حجيجه يوم القيامة». وكن فيما تكلم به عمر بن الخطاب رضى الله عنه عند وفاته: «أوصى الخليفة من بعدى بذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفهم فوق طاقتهم؛ )١(‏ .

وجاء فى الخراج أيضاً ما نصه:

«يروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه مر بباب قومء وعليه سائل يسأل, وهو شيخ ضرير البصر فقال له عمر: من أى أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودىء فقال: ما الذى الجأك إلى ما أرى؟ فقال الرجل: أسأل الجزية والحاجة, والسن, فأخذ عمر بيده. وذهب إلى منزله فرضخ له بشىء من المال (أى أعطاه ما يسد حاجته) ثم أرسل إلى خازن بيت المال وطلب إليه أن يجرى عليه رزقاً مستمراً من بيت مال المسلمينء: وقال له : انظر إلى هذا وضربائه, فوالله

“1 م » ر. العلاقات الدولية فى الإسلام ا ا 2 22222222 222222222222222 22

ما أنصفنا أن أكلنا شبيبته. ثم تخذله عند الهرم دإنما الصدقات للفقراء والمساكين»؛, والفقراء هم المسلمونء وهذا من المساكين من أهل الكتاب» ووضع عنه الجزية وعن ضربائه» )١(‏ .

عهود ذمة لاتوجب الاندصاج :

6 ومن عهود الذمة ما يحتقظ فيه أهل الذمة بإقامة فى مكان معين منفردين فيه ليس معهم أحد من المسلمين, وهؤلاء يحتفظون بحريتهم الدينية ويلتزمون تنفيذ الأحكام الإسلامية فى المعاملات» وعلى المسلمين تمكينهم وحماية حريتهم الدينية, وقد عقد النبى صلى الله عليه وسلم ذلك العهد مع نصارى نجران» وهذا نص العهد :

«لنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبى رسول الله (2) على ما تحت أيديهم من قليل أو كثيرء لا يغير أسقف من أسقفيته. ولا راهب من رهبانيته, ولا كاهن عن كهانته». وليس عليه دنية (أى لا يعامل معاملة الضعيف) ولا دم جاهلية؛ ولا يخسرون ولا يعسرون, ولا يطأ أرضهم جيشء ومن سأل منهم حقاء فبينهم النصف غير ظلل مين ولا مظلومين: ومن أكل ربا من ذى قبل (أى فى المستقبل) فذمتى منه بريئة؛ ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر.وعلى ما فى هذا الكتاب جوار الله وذمة محمد النبى الأمى رسول الله أبداء حتى يأتى بأمره؛.

وإنه واضح أن ذلك العهد يقوم على حماية الحرية الشخصية والدينية والانتتصاف من الظالم وآلا يؤخذ البرىء بظلم الظالم, ويقوم فوق ذلك على أن يكون لهؤلاء فى محلتهم كيانهم: وقد نفذ ذلك العهد الخلفاء الراشدون الأربعة, أبى بكر وعمر وعثمان وعلى؛ ثم نفذه من بعدهم الحكام الأمويونء وأراد الرشيد أن ينقضهء فوقف له الإمام محمد بن الحسن الشيبانى الذى كان قاضي القضاة

ومنعه من ذلك.

العلاقات الدولية فى الإسلام

17 سس سك

السسستامن :

1 المستامن شخص دخل الديار الإسلامية على غير نية الإقامة الممستمرة فيهاء بل إقامته فيها تكون محدودة بمدة معلومة يدخل فيها بعقد يسمى «عقد الأمان» أو بمجرد منح الأمان, وذلك يكون بقصد الاتجار عادة, وإقامته لا بد أن تكون مؤقتة؛, وقد تتجدد وقتا بعد أخرء ولكن لا تكون لإقامته صفة الدوام؛ فإن أخذت صفة الدوام يتحول إلى ذمى ويصير رعية للدولة الإسلامية, ولا شك أن ذلك يكون بقبوله تلك الرعوية.

وإن الإسلام لسماحته ولاعتباره الحرب أمرأ عرضياً؛ وأنها تكون بين الجنود. ومعسكر الحكام ولا تكون بين الشعوبء أمن المستأمنين على أنفسهم وأموالهم, ولو كانوا منتمين لدولة نشبت الحرب بينها وبين المسلمين فإن أموالهم مصونة وأرواحهم لا يعتدى عليهاء ما داموا مستمسكين بعقد الأمان لم ينحرفواء ولهم أن يباشروا كل نشاطهم من غير أى قيد يقيدون به, إلا فى دائرة ما أخذ عليهم من شروط؛ السرخسى فى كتابه (الملبسوط): «أموالهم صارت مضمونة بحكم الأمان» فلا يمكن أخذها بحكم الإباحة» .

وإن ماله الذى اكتسبه فى دار الإسلام يبقى على ملكه؛ ولاتزول عنه ملكيته ولى عاد إلى دار الحربء بل لا تزول ولو حمل السلاح فعلا مقاتلا المسلمين.

وعلى ذلك اتفقت كلمة جمهور الفقهاء. وقد جاء فى كتاب المغنى الحنبلى ما نصه:

«إذا دخل حربى دار الإسلام بأمان» فأودع ماله مسلماً أى ذمياً أو أقرضهما إياه, ثم عاد إلى دار الحرب» نظرناء فإن دخل تاجراً أو رسولا أى متنزهاً أو لحاجة يقضيها ثم يعود إلى دار الإسلام فهى على أمانه فى نفسه وماله؛, لأنه لا يخرج بذلك عن نية الإقامة فى دار الإسلام. فأشبه الذمى لذلكء وإن دخل (أى دار الحرب) مستوطتاً بطل الأمان فى نفسه.؛ وبقى فى مالهء لأنه بدخوله دار الإسلام

5 لي 0 العلاقات الدولية فى الإسلام 4 0 2 222 222222222222222

بأمان ثبت الأمان لماله, فإذا بطل الأمان فى نفسه بدخوله دار الحرب بقى فى ماله, لاختصاص المبطل بنفسهء فيختص البطلان به؛.

وإن الفقهاء ساروا فى تطبيق نظرية بقاء الأمان فى ماله إلى أقصى مداهاء وقرروا أنه لو مات المستأمن فى دار الإسلام وجب أن يرسل ماله لورثتهء ولى دولته والمسلمين لا تذهب عنه ملكية ماله وتنتقل إلى ورثتهء. ويجب على الدولة الإسلامية أن ترسلها إليهم مصونة غير منقوصة, ولم يخالف فى ذلك إلا الإمام الحرب الذين لم يعقدوا عقداً ما.

وحجة جمهور الفقهاء فى ذلك: أن الأمان حق لازم متعلق بالمال» فإذا انتقل إلى الوارث صار ملكاً له كسائر الحقوقء ولأن المال ملك للمستأمن فينتقل إلى وارثه .

وإذا لم يكن له وارث ولى فى دار الحرب كان ذلك المال فيئا للمسلمين .

بل أكثر من كل هذا أن الإسلام يقدم حق المستأمن فى ماله على حق المسلم. فقد قرروا أنه إذا جاء عبد مبعوثاً من حربى للاتجار فى مال يستطيع أن يملكه بعد إسلامهء لأن غير المسلم لا يصح أن يملك المسلمء ولكن لا تذهب المالية التى يملكها بالنسبة للعبدء فيباع ويحفظ له ثمنه مع بقية أمواله

وإن هذا الحكم فيه بلا ريب تسامح من وجهين:

الوجه الأول إعطاء الأمان للعبد وإن جاء من غير مصاحبة مالكه: لأن العبد أدمى له كل حقوق الآدمى» فيعقد معه عقد الأمان من غير تحيف على ملكية المالك.

٠ »«» 5 09‏ العلاقات الدولية فى الإسلام 22 2222222222222 2222222222222 222222222222222

الوجه الثانى أن إسلامه يجعله قوة للمسلمين, ولكن ما تعلق به من حق لمالك الرقبة لا يضيعه الإسلام بل ينصفه .

والفقهاء لا يصادرون مال المستأمن إلا فى حال واحدة؛ وهى ما إذا حارب المسلمين فأسر واسترق وصار عبداً, فإنه فى هذه الحال تزول عنه ملكية ماله, لأنه صار غير أهل للملكية:؛ إذ من المقررات الفقهية أن العبد لا يملك: خلافاً لابن حزم الظاهرى, ولا يستحق الورثة ولو كانوا فى دار الإسلام شيثاً, لأن استحقاقهم يكون بالخلافة عنه؛ وهى لا تكون إلا بعد موته, وهم لم يمت. وما له فى هذه الحال يثول إلى بيت ما المسلمين على أنه من الغنائم, ومايملكه من عبيد يكوئون أحراراً» وإذا كان له دين على بعض المسلمين أو الذميين يسقط عن المدين لعدم وجود من يطالب به )١(‏ . تطبيق القانون الإسلامى على الستأمن ,

71 - تطبق القوانين الإسلامية فيما يتعلق بالمعاملات المالية بالاتفاق» فإنه يمنع من التعامل بالرباء لأن ذلك محرم فى القوانين الإسلامية؛ وكل بيوعه ومعاملاته يطبق عليها النظام الإسلامىء لأنه يتعامل مع المسلمين, فلا يطبق عليه إلا قانون المسلمين» وذلك أمر بدهىء ولو كان التعامل بينه وبين ذمى أو مستأمن فإنه خاضع للأحكام الإسلامية, لا يحكم بغيرهاء لأن السيادة للدولة الإسلامية مفروضة على كل رعاياها . ٠‏

وبالنسبة للعقوبات: فقد قرر الفقهاء أنه إن ارتكب أمرأ فيه اعتداء على حق مسلم نزل به العقاب المقرر فى الشريعة الإسلامية وطبقه الحاكم المسلم وهو خاضع له؛ وكذلك إذا كان الاعتداء على ذمى أى مستأمن مثله, لأنه يجب إقامة العدل وإنصاف المظلوم من الظالم ما دام مقيما فى دار الإمسلام, ليس لدو لة مهما يكن تسامحها أن تتخلى عن إقامة العدل فى دارهاء على ذلك اتفقت كلمة الفقهاءء, وإذا كان الاعتداء على حق من حقوق الله تعالى, كارتكاب الزنى» فإن

»1 ام.ى ب« ر. العلاقات الدولية فى الإسلام 4 2 2 2222 222222222222222 2222222222222 لبلب

١ ىي‎

جمهور الفقهاء قرروا أنه ينزل به العقاب الذى ينزل بالمسلمء لأن هذه الجريمة وأشباهها تفسد المجتمع الإسلامىء وما جاء إلى ديار المسلمين ليسعى فيها بالفسادء وإن الإسلام يعد احترام الفضيلة أساساً لكل العلاقات الإنسانية: ولا شك أن فى الاعتداء على الفضيلة تحريضاً على الرذيلة: فينزل به العقاب الذى ينزل بالمسلم» وكان عليه أن يعرف ذلك عند دخوله الديار الإسلامية ويلترزم به.

وخالف جمهور الفقهاء فى ذلك أبى حنيفة وقال: إن العقوبات التى تكون حقآألله وهى ما تكون حماية خالصة للفضيلة: أو يكون حق الله غالباً فيها كالسرقة, لا يقام فيها الحد على المستأمن عندما يدخل إلى الديار الإسلامية. وحجته فى ذلك أن المستأمن مقيد فى التزامه الإقامة فى دار الإسلام بقانون العدالة والإنصافء وهذه لا تكون إلا فى حقوق العباد فهو محاسب بما التزمه ولم يلتزم إلا بذلك,. ولأن العقوبات الدينية التى تكون على انتهاك الفضيلة أساسها الولاية الكاملة, وليس للحاكم المسلم ولاية كاملة على المستأمن: إذ أن إقامته لمدة معلومة.

وفى الحق إن النظر الذى اتجه إليه جمهور الفقهاء أسلم وأكثر اتساقاً مع المبادىء الدينية, لأنه يتفق مع ما ينبغى أن تكون عليه أمور الدولة الإسلامية من منع الفسادء وكمال السيادة على كل من يقيم فى ربوعهاء وإن إقامة الحدود التى تسمى فى عرف فقهاء المسلمين حقوقاً لله تعالى هى لدفع الفسادء وإنه بالبداهة من يدخل الإسلام يلتزم بترك الفسادء وإنه لغريب أشد الغرابة أن يدخل ويسرق ويزنىء ولا يعاقب بعقوبة هذه الجرائم, والإنصاف يوجب علينا أن نقول: إن أبا حنيفة سار وراء الحرية الدينية إلى أقصى المدى ولكن رأيه لا يتفق مع النظام العام للدولة ولا مع السيادة الكاملة.

4 وإثنا لا نرى من هذا الا لستفراء والتتبع أن احدا من فقهاء ء السلمين من التقاضي أمام القاضى المسلم بقانون الإسلام, ويحاكمون أمام قاض من

العلاقات الدولية فى الإسلام

سس سس سك

الإسلام .

وعلى ذلك تكون الامتيازات الأجنبية التى أعطاها سليمان القانونى أحد ملوك العثمانيين للأوربيين باطلة كل البطلان, ليس لها الى أساس شرعىء وقد صارت من بعد غلا فى أعناق المسلمين حتى أزالوها من غير رجعة. الممثلون السياسيون :

6. الممثلون السياسيون هم الذين يقومون بتمثيل دولهم ورعاية حقوق رعاياهم التى تقيم فى دولة غير دولتهم, وقد يعبر عنهم فى لغة الإسلام الأولى رسالتهم التى بعثوا بهاء سواء أكانت رسائل مستمرة أم رسائل محدودة.

أولها: الحصانة الشخصية لشخص الممثل فلا يتعرض له ولا يعتدى عليه: حتى يستطيع أداء عمله السياسى من غير حرجء ولا يتعرض لسكنه أو أمتعته

معيثئة.

ثالثها: الحصانة القضائية» ومن شأنها حماية البعوث السياسية من الملاحقات الجنائية: ومن الملاحقات المدنية الخاصة بعمله الرسمى )١(‏ . لا يوجد من أحكام الشريعة ما يعارضهما ما دام الأساس هو المعاملة بالمثل.

. ١77 راجع كتاب الأستاذ الدكتور حامد سلطان ص‎ )١(

العلاقات الدولية فى الإسلام 22ل 222222222222222 222

أما الأمر الثالث - وهو الحصانة القضائية ‏ فإنه موضع نظرء ونريد أن نبين هنا ما تدل عليه النصوص الشرعية غير مقيدين بالعرف الدولى القائم فإن النصوص الدينية فى الإسلام حاكمة على الأعراف وليست خاضعة لكل الأعراف.

ونقول فى ذلك: إن المعاملات المالية إذا تعاقدت الدولة على ترك مداينات الممثلين السياسيينء فإن على الدولة أن تعوض رعاياها الذين فقدوا أموالهم فى معاملة أحد الممثلين السياسيين: حتى لا يضيع حق لرعاياهاء لأنها إذا كانت قد منعتهم من مقاضاة هؤلاء مراعاة لعرف دولى فهى ضامنة للحقوق التى تضيع بسبب ذلك .

أما بالنسبة للعقوبات فنقول: إن هناك عقوبات غير مقدرة فى الكتاب والسنة:, إذ لم يرد بها نص شرعىء بل يتولى ولى الأمر تقدير العقاب فيه أى يترك تقديرها للقاضى المختصء. وتسمى هذه العقوبات عقوبات تعزيرية. وهذه يصح أن تدخل فى ضمن حصان الممثلين السياسيين:, لأن تقديرها من حق ولى الأمر, ولكن يجب أن يكون عقاب تطبقه دولة الممثل. أما العقوبات المقدرة بنص قرانى وهى الحدود والقصاص فقد علمت رأى أبى حنيفة فيهاء وأنه على أساس ذلك المذهمب يصح الترخص فى الحدود التى ليس للعباد حق فيها أى حق الله فيها غالب» أما القصاص فلم يترخص فيه أبى حنيفة ولا غيره» وإنى أرى أن مصادر الشريعة ومواردها لا تسوغ الاتفاق على ترك المجرم الذى ارتكب ما يوجبها ليحاكم على أساس قانون أخر وبقاض أخرء لأن ذلك يؤدى إلى تعطيل أحكام الله تعالى فى أرض الإسلام .

وإذا تعاقد ولى الأمر على ذلك فعقده باطل؛ لأنه تضمن شرطاأً يخالف ما فى كتاب الله تعالى» وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط؛ وقال أيضاً: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالا» وقال: «كل صلح جائز إلا صلحاً أحل حراما أو حرم حلالا).

العلاقات الدولية فى الإسلام

222222222222222 222222222222 222222 222222222222222 222222222222222 00

وقد يقول قائل: كيف يمكن أن نقيم العلاقات الدولية بالنسبة للتمثيل السياسى وإن الحصانة أمر متفق عليه؟ ونجيب عن ذلك: إن العرف الدولى قام على أساس أنه لا تتصور مخالفة صارخة من هذا النوع الذى وردت بعقوبته النصوص القرآنية, و الدول إذا لاحظت فى بعض المبعوثين السياسيين تجائقاً لإثم من هذا النوع أى ما دونه» فإن الدولة التى بها المبعوت السياسى توصى بسحبه قبل أن يقع منه ذلك الأمر الخطير وبذلك يتلاقى العمل مع الفكر الإسلامى. ميراث المستامن :

٠‏ - إذا مات المستأمن وكان له مال فقد قررنا أن يذهب إلى ورثته فى دولته, ولكن إذا كان بينه وبين أحد الذميين قرابة توجب ميراثاً» أيرث منه أم لايرث ذلك النمى؟ وكذلك العكس إذا كان المستأمن ذا قربة مورثة أيرث منه أم لايرث ؟.

إذا كان غير المسلم مقيماً فى الديار غير الإسلامية ومات هناك فلا يرث منه الذمى الذى يرثه هناء لأن اختلاف الدار مانع من الإرث؛ وكذلك إذامات ذمى فى الديار الإسلامية, لا يرثه غير المسلم الذى يكون مقيماً هناك لاختلاف الدار حقيقة وحكماًء وهذا رأى جمهور الفقهاء .

ولكن إذا منات الذمى والمستأمن مقيم بالديار الإسلامية:؛ أو مات المستأمن وهى مقيم بهذه الديار؛ أيجرى بينهما التوارث؟ قال أبو حنيفة: لا يجرى بينهما التوارثء لأن أبا حنيفة ينظر إلى الاختلاف الحكمىء ويعتبره الأساس. وكثيرون من الفقهاء قرروا أنه يجرى التوارث بينهما.

وإن الدولة المصرية فى القائون رقم لال/ا لسنة ١547‏ قد أخذت فى هذه المسألة بقاعدة المعاملة بالمثل, فقررت أنه إذا كان الأجنبى الذى يكون وارثاً لذمى ينتمى لدولة تورث الأجانب من رعاياهاء فإنه يرث الأجنبى من غير المسلم الذى

العلاقات الدولية فى الإسلام

لمح 22222222222222 222222222222222 222222222222222 222222222222222 ب ل

ى ١‏ ينتمى لرعايا الدولة» وإذا كانت الدولة تمنع ميراث الأجنبى عنها فإنه لا يرث من

غير المسلم الذى يموت فى الدولة المصرية .

وكذلك كان الحكم فى الوصية, فهى تسير على هذه القاعدة.

4.المعساهدات والصلح

-١‏ يستمد القائون الدولى أحكامه من العرف الجارى بين الدول فى المعاملات ومن المعاهدات التى تعقدء وقوة سلطانهاء والمعاهدات التى تعقد لها قيمتها فى تكوين ذلك القانون. وإن القانون الدولى الإسلامى يستمد قوته من القواعد الإنسانية العامة التى قررناها أنفاً. ومنها الوفاء بالعهود. ولذلك كان للمعاهدات العادلة قيمتها فى تكوين ذلك القانون فى الإسلام, ولكن على أساس من العدالة.

وإن المعاهدات قبل الإسلام كان يتخذها القوى لفرض سلطانه على الضعيف أو المغلوب» حتى إذا قوى الضعيف نبذهاء وقاتل لإخراج نفسه من نير القوى وإنها إلى عهد قريب كانت لا تخرج عن ذلك كثيراً فهى أيضاً كانت صورة لقوة الأقوياء وليست عملا لتنظيم السلم العادلء وإذا كانت لتنظيم السلم فى بعض الأحوال فإنما هو السلم الظالم الذى يفرض على الضعيف أحكام القرى؛ ولذلك لا تلبث هذه المعاهدات أن تنقض إن قوى الضعيف أو وجد من خصوم القوى من يعاونه .

والقرآن الكريم لا ينظر إلى المعاهدات التى يسوغ إبرامها ذلك النظرء فإنه يأمر بالوفاء بالعهد وفاء مطلقا غير مقيد بضعف أو قوة, ولكنه مقيد فقط بوفاء من تعاقد معهم, فالوفاء بالعهد ليس علاجاً لحال وقتية, ولكنه لإنشاء حال السلم وتثبيتها.

وإذا كان الأصل فى العلاقة هو السلم, فالمعاهدات تكون إما لإنهاء حرب عارضة والعود إلى حال السلم الدائمة؛ أو أنها تقرير للسلم وتثبيت لدعائمه., لكيلا يكون من بعد ذلك العهد احتمال اعتداء. إلا أن يكون نقضاً للعهد .

٠‏ العلاقات الدولية فى الإسلام

اا 202111111

ولقد كان عمل النبى (6) منبئًا عن مقاصده فى العهودء فما كانت للتحكم, ولكن كانت لتقرير السلم وتنظيم الجوارء وإنهاء حال الحرب أحياناً أخرى.

ولنذكر بعض معاهدات النبى (6)», ومنها يستبين مقدار ما فيها من تقرير للسلم, أو تنظيم للجوارء ومن الأخيرة: معاهدته مع اليهود الذين كانوا بالمدينة فإنه (26) لما جاء إليها كان بها من القبائل العربية الأوس والخزرج, واليهودء وقد أسبلم من أسلم من القبيلتين» وبقى منهما مشركون ويهود. فعقد معاهدة قوامها حسن الجوارء واشترط عليهم شروطا والتزم لهم بحقوق, والأساس فيها تنظيم السلم فيما بينهم وبينه, وقد جاء فى هذا الميثاق :

«إن اليهود يتفقون مع المؤمنين, وإن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين, لليهود دينهمء وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم, فإنه لايوتغ إلا نفسه(١)‏ وأهل بيته. وإن ليهود بنى النجارء وبنى الحارث؛ وبنى ساعذةء وبنى جشم. وبنى الأوسء وبنى الشطنة مثل ما ليهود بنى عوفء وإن بطانة يهود كأنفسهم. وإن على اليهود نفقتهمء وعلى المسلمين نفقتهم» وإن بينهم النصر على من حارب هذه الصحيفقة. وإن بينهم النصح والنصيحة على البر دون الإثم, وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه. وإن النصر للمظلوم, وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم, وإن نصر الله لمن اتقى بين أهل هذه الصحيفة وأبر. وإن بينهم النصر على من دهم يثربء وإذا دعوا إلى صلح فإنهم يصالحون, وإذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب فى الدين» على كل أناس حصتهم من جانبهم الذى قبلهم, وإنه لا يحول دون هذا الكتاب ظلم ظالم أو إثم آثم؛ وإنه من خرج أمن وإن من قعد بالمدينة أمن إلا من ظلم أو أثم» وإن الله جار لمن بر واتقى؛ (5) .

1 ٠ معتى يوتغ يهلك ويوبق‎ )١( ,

العلاقات الدولية فى الإسلام طأكك ب د د دب االئاهاهاه0ها9ب9بببببب_02-_3_3_3ذدذ-ك

ونرى من هذا أن المعاهدة كانت لحسن الجوار ولتثبيت دعائم العدل. ويلاحظ أن فيها نصا صريحا على نصر المظلومء فهو عهد عادل لإقامة السلم وتثبيته بالعدل ونصر الضعيف.

وكل معاهداته (46) كانت من هذا الصنف. ويروى أنه كتب كتابا لليهود يشبت فيه عهده وجاء فيه: «الكم ذمة الله وذمة رسوله على أنفسكم ودينكم وأموالكم ورقيقكم وكل ما ملكت أيمانكم لا يطأ أرضكم جيش ولا تحشدون ولا تحشرون... ومن سافر منكم فهى فى أمان الله وأمان رسوله. دلا إكراه فى الدين؛».

ونرى من هذا الكتاب تثبيت الحرية الدينية ممن كانت معه القوة الغالبة.

ولقد عاهد النبى صلى الله عليه وسلم بنى ضمرة من قبائل العربء وهذا نص ذلك العهد: دهذا كتاب محمد رسول الله لبنى ضمرة بأنهم أمنون على أموالهم وأنفسهم وأن لهم النصر على من رامهم, إلا أن يحصاريوا فى دين الله, مابل بحر صوفة, وإن النبى (صلى الله عليه وسلم) إذا دعاهم إلى النصرة أجابوه, عليهم بذلك ذمة رسوله. ولهم النصر من بر منهم واتقى».

ونرى من هذا أن هذه معاهدات كانت حرة لتنظيم علاقات سلمية حرة؛ مع التحالف على النصرة:؛ ونرى منها جميعاً أنها لم يكن فيها إكراه على دين» بل كانت دعوة إلى سلم بين المتعاقدين» ونصر حر لا إثم فيه.

457 - جاء بعد عصر التبى صلى الله عليه وسلم الصحابة: فلم تكن المعاهدات لتنظيم السلمء لأن الحرب قد نشبت بين المسلمين وبين أكبر دولتين فى العالم فى ذلك الإبان» وهما دولة الروم ودولة الفرسء فما كانت لتنظيم السلم أى المناصرة بل كانت نتيجة لواحد من أمرين :

أولهما : أن يكون العهد نتيجة تخيير الذين يجاربونهم بين العهد والإسلام والقتال» فيختارون العهدء ويعقد المسلمون مع أهلها عقودا يلتزم فيها المسلمون بتركهم وما يدينون فى ظل الأحكام الإسلامية؛ ويكونون ذميينء وإما أن

زلف

العلاقات الدولية فى الإسلام 222222222222222 222222222222222 222222222222222

يعاهمدوهم وتكون ديارهم ديار عهد. يوفون فيها للمسلمين بما يلترزمون» ويوفى المسلمون لهم بما يلتزمون, وقد ذكرنا الكلام فى دار العهد وهى ثالثة الديار .

ثانيهما : أن يعاهد المسلمون الذين يحاربونهم على أن يتركوهم مهادنين» موادعين لهمء ويكون ذلك لحال وقتية لأن الحروب مستمرةء وهذه عهود لها احترامهاء ولكنها فى أغلب أحوالها كانت وقتية.

ومن عقود النوع الأول معاهدة عمر بن الخطاب مع أهل إيلياء (بيت المقدس) وهذا بعض ما جاء فيها:

«هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمتين أهل إيلياء من الأمان, أعطاهم أمانا لأنفسهم ولأموالهمء ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئهاء وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم., ولا تهدم» ولا ينقص منهاء ولا من حيزهاء ولا من شىء من أموالهمء ولا يكرهون على دينهمء ولا يضار أحد منهمء ولا يسكن بإيلياء أحد من اليهود؛ .

47 - ولقد جاء بعد عهد الخلفاء الراشدين مهد ملوك بنى أمية, وملوك بنى العباسء ولم تبق الخلافة نبوية: بل صارت ملكية: وكان الاجتهاد المذهبى والحروب ناشبة بين المسلمين وغيرهم, وهو العصر الذى دون فيه الإمام محمد

ابن الحسن تلميذ أبى حنيفة آراءه وآراء فقهاء العراق فى العلاقات الدولية» ودون الأوزاعى وأبى يوسف جزءا منهاء ثم دون من بعدهم الشافعى وأحمد بن حتبل ومن جاء بعدهم ٠.‏ وما كان لهم وهم يدونون أراءهم فى هذه الحال إلا أن يخضعوا فى كثير من أقوالهم إلى حكم الواقع, لا مجرد الحكم القرآنى والنبوى .

ولقد تأثروا بهذه الحال فى المعاهدات التى تبرم كما تأثروا بها فى اعتبار دار

المخالف دار حرب كما قررنا من قبل .

00 5 ب« رم العلاقات الدولية فى الإسلام لظ

ولقد أثاروا تحت تأثير حكم الواقع الكلام فى جواز إيجاد معاهدات لصلح دائم وأن المعاهدات لا تكون إلا بصلح مؤقت لوجود مقتضيات هذا الصلح. إذ أنهم لم يجدوا إلا حروبا مستمرة مشبوبة موصولة غير مقطوعة إلا بصلح موقت. وقد قرر الكشيرون منهم أن الصلح لا يقع إلا مؤقتاء إذ ما كان يرى إلا ما أيدته الوقائع المستمرة, وأنه من السياسة الحكيمة التوقيت؛ حتى يكون الحذر الذى أوجبه الإسلامء فقد آمر الله تعالى فى القرآن الكريم بأن يكون المؤمنين فى حذر

وقد برروا كلامهم بأن الصلح الدائم اللستمر لم يقع فى عهد النبى والصحابة إلا فى حال الذمة والدخول فى عهد المسلمين» فصلح الحديبية لم يكن دائماء وإذا كان عهد النجرانيين دائما قلأنه دخول فى عهد المسلمين وذمتهم.

غ؛ - وإن هذا بلا شك يبرر توقيت الصلح. وإنه لجائز بلا ريب» وقد تكون معاهدات الصلح الموقتة جائزة: ولكن أيمنع ذلك وجود معاهدات بصلح دائم؟ لقد قال بعض الفقهاء: إنه لا يجوز عقد صلح دائم, وما جاء من النصوص مما يسوغ الصلح الدائم بإطلاق منسوخء وفى شرح السير الكبير للسرخسى. عند الكلام فى النص الذى يفهم منه أن السلام الدائم جائز بل واجب أنه منسوخ:, واعتبر الذين قالوا إنها منسوخة هم الأكثر عددا .)١(‏

ولكنا نخالفه فى أن هؤلاء هم الكثرة, والحق أن الخلاف فى هذه القضية مبنى على أن أصل العلاقات أهو السلم أم أصل العلاقات هى الحرب؟ فالذين قالوا إن أصل العلاقات هو السلم قالوا: إن الصلح الدائم جائر بل مطلوب إن وجدت النية الحسنة عند المخالفين, وهؤلاء الفقهاء هم الذين استمسكوا بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الداعية إلى السلم الدائمة. والذين قالوا: إن الصلح

(1) الآية التى تقرر جواز الصلح هى قوله تعالى إفإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا» الآية 4٠‏ من سورة النساءء ومن ادعى نسخها فعليه الدليل.

وه .- > ره العلاقات الدولية فى الإسلام - د 222 22222 222 22 2 2 2 2 2222 22 2 2222222222 22 222222222222222

الدائم غير جائز- فوق أنهم تأثروا بالواقع فى المعاهدات ‏ تأثروا بالواقع أيضاً فى الأصل فى علاقات المسلمين بغيرهم .

والحق أن أقوال الفقهاء لا تعتبر وحدها حجة فى الإسلامء ولا حجة عليه إلا بمقدار قربها من النصوص القرأنية والأحاديث النبوية, والوقائع الزمنية لا تحكم على القرآن» بل القرآن هو الحاكم عليهاء ولكن قد تعلق الذين منعوا الصلح الدائم بأنه نوع من الوهنء والله تعالى نهى عن الوهن )١(‏ .

وإننا نحن نقرر أن الأحكام العامة الخالدة التى جاء فيها بها القران وبلغها النبى صلى الله عليه وسلم لا تخضع لأحوال وقتية, ولا لأقوال قررها بعض الفقهاء لأحوال ووقائع زمنية, بل تخضع فقط للنصوص الخالدة: وواجبنا نحو العالم أن نبين لهم الأحكام غير الزمنية.

ولقد أدرك هذا بعض الفقهاء الذين جاءوا من بعدء فقرروا الأحكام الخاصة بالعلاقات الدولية معتمدين فى تقريرها على ما وجدوه فى الكتاب والسنة» وقد وجدوا أقوالا منسوبة لأئمة الفقه الإسلامى رضوان الله عليهم توافق ما وجدوه فى الكتاب والسنة, وهم يخالفون ما قرره الفقهاء الذين جاءوا من بعد الأئمة, وقيدوا أنفسهم بالوقائع وما تمليه, ومن هؤلاء ابن تيمية . الوناء بالعسساهدات :

4 - المعاهدات واجبة الوفاء سواء أكانت بصلح دائم أو موقتء أم كانت تنظيما للعلاقات فى دائرة السلم المستمرةء كالمعاهدات التى تؤمن طرق الاتصال» وكالمعاهدات التى تنظم الاتجار ونح هذا.

وقد قررنا أن الوفاء بالعهود أصل من أصول العلاقات الإنسانية دولا وأحاداء وإذا كانت واجبة الوفاء فهى لا تنقض إلا إذا نقض المعاهد من جانيه؛ أو

)١(‏ الآية التى احتجوا بها قوله تعالى: إولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين» الآية ١79‏ من سورة أل عمران, والحقيقة أنه لا وهن فى الصلح الدائم إن كان من علو لاعن استسلام مناء إنما هو العزة الإسلامية الحقيقية.

0 525 مارم العلاقات الدولية فى الإسلام 2 222222 222222222222222 22 جل 1 فى ١‏

استعد لنقضها وبدت البوادر التى تدل على ذلك كاتفاقه مع أعداء المسلمين وعقده حلفا يوالى من يعادى الإسلام ويعادى من يواليه, فإنه فى هذه الحال يكون نبذ معاهدته واجباء لأنه خانهاء وما يكون لولى أمر المؤمنين أن ينتظر حتى يهأجموه هم وأعداؤه ٠.‏

وقد قال بعض الفقهاء الحنفية: إن المعاهدات تكون لمصلحة المسلمين وقت انعقادهاء فالدافع إليها مصلحة المسلمين» فإذا تغيرت الحال وصار الاستمرار فى المعاهدةٌ وأحكامها ضد مصلحة المسلمين يجوز نبذها ورد من عاهدوه؛ ولكن يجب إعلانه بذلك. وإن هذا الحكم قد استمد من الواقع كما قررنا من قبلء وقام على أصل فقهى عند من قالوه وهى ما يسمى فى عرف القوانين اليوم: «الفسخ للظروف الطارئة» فالمعاهدات كانت الالتزامات فيها مبنية على حال قائمة:؛ فإذا تغيرت هذه الحال فقد أصبحت لا موضوع لهاء ويذهب الالتزام.

هذا رأى بعض فقهاء الحنفية وحجته. ولكننا نعتقد أنه مناهض للأحكام المستمدة من القرآن والسنة؛ فإن النصوص القرانية والأحاديث النبوية التى سقناها تدل على وجوب الوفاء بالعهد وجوبا غير معلل بحالء ولا بوقت» وإن الميل إلى السلم وحده من قبل العدو كاف لالتزام السلم الدائمة كما بيناء والوفاء فى ذاته قوة ومصلحة:, كما استنبطنا من النصوص القرآنية وذلك لا يمنع الحذر وأخذ الأهبة دائماء ولذلك رد النبى على الذين قالوا له «إن المشركين الذين عاهدوا وهموا بنقض العهد؛ بقوله «وفوا لهم واستعدواأ).

وفى الحق إن جمهور الفقهاء المسلمين أوجبوا الوفاء بالعهد من غير نظر إلى مجرد المصلحة:, بل اعتبروا المصلحة فى الوفاء أكبر من المصلحة الوقتية فى النقضء ودين الفضيلة يمنع الاعتداء. ,نبذ العهد فى ذاته اعتداء . توقيت العاهدات وإطلاتها وتأييدها :

71 المعاهدات قسمان: معاهدات مؤقتة. ومعاهدات مطلقة.

العاقات الدولية فى الإسلام 222222222 22 22222222 22222222222 222 22222222222222

فالمعاهدات المؤقتة بمدة معلومة يجب الوفاء بها طول هذه المدة» ولا يصح نقضها إلا إذا لم يوف العدو بالتزامه فيهاء أو ثبت لدى المسلمين قصده إلى نقضهاء وإن النبى صلى الله عليه وسلم قد التزم الوفاء بصلح الحديبة: ولم يفكر فى النكث فى عهده بها حتى نقض المشركون من جانبهم فلم يوفوا بالتزامهم .

والقسم الثانى معاهدات مطلقة عن الزمان, وهنا يجىء بحث: هل الإطلاق مؤداه أن تكون عامة لكل الأزمان كما لو كانت مؤبدة ولا يختلف فى ذلك ما إذا هذه الأسباب قائمة فالمعاهدة قائمة, فإذا تغيرت الأسباب يكون للمسلمين نقضهاء ولكن هل يردونها مع أنها غير لازمة؟ قرروا أنه لا قتال مع تغير الأسباب إلا عند الاعتداء أى مظنة الاعتداء, لأن النص القرانى يوجب أن يستقيم المسلمون للمعاهدين معهم ما استقاموا لهم(١)‏ .

ومع أننا نجد دقة عند تحرير الفقهاء القول فى المعاهدات التى لا تقيد بزمن ولا تنص على التأسيد نقرر أن العهود المطلقة عن الزمان واجبة من غير نظر إلى الأسباب التى أوجبتهاء لأن العبرة فى العقود والمعاهدات بنصوصها لا ببواعثها.

ولذلك نقرر أن العهود المطلقة عن الزمان كالعهود التى نص فيها على التأبيد واجبة الوفاء. ولا تنقض إلا عند الخيانة» أو توقعها بأمارات لا تقبل الشك بل تفيد الظن الراجح؛ وإن ذلك هى نص القران والسنة. معاهدات الذمة والعصسه :

- يلاحظ أن العهود التى يدخل بها غير المسلمين فى الذمة أو العهد

)١(‏ أقرأ فى ذلك قوله تعالى: «إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم»4. الآية لا من سورة التوبة .

»1 هه ٠‏ العلاقات الدولية فى الإسلام يما 2222222222222 222222222222222

يطبعهاء وهى لازمة غير مؤقتة, بل هى دائمة سواء أكان النص فيها على التأبيد أم كانت مطلقة عن الزمانء لأنها معاهدة لا تقبل طبيعتها التقيد بزمن.

وأهل العهد هم أهل البلاد التى يكون عليها حكام يدبرون أمرهاء وبتركهم المسلمون أحرارا فى ديارهمء على أن يكون لهم على المسلمين أن يحموهم من كل عدو يغير عليهم, فى نظير مال يدفعونه, مساهمة منهم فى إمداد الجيش المدافع بقوة المال إن كانوا لا يقدمون قوة بالرجالء وقد فعل ذلك أبى عبيدة مع أهل حمص كما أشرنا من قبل . ظ

وإن المعاهدين الذين يعدون أهل عهد قد أوجب النبى صلى الله عليه وسلم الوفاء لهم والقيام بحمايتهم, وقد قال النبى (عَك) فى ذلك: «لعلكم تقاتلون فتظهروا عليهم, ليتقوكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم وتصالحوهم على ذلك فلا تصيبوا منهم بعد ذلك شيئل )١(‏ .

وإن الفقهاء قد نظروا فى المعاهدات التى تعقد مع الملوك أى الحكام على هذا الأساس إلى مصلحة الرعايا قبل مصلحة الملوك والحكامء ولذلك يجب أن يكون العقد قائماً على أساس أن يعدلوا مع الرعايا وألا يرهقوهم, ولذلك جاء فى مبسوط السرخسى ما نصه:

«وإذا طلب ملك الذمة أن يترك يحكم فى أهل مملكته بما شاء من قتل أو صلب أو غيره مالا يصح فى دار الإسلام لم يجب إلى ذلكء لأن التقرير على الظلم مع إمكان المنع حرام» ولأن الذمى ممن يلتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات, فشرطه بخلاف موجب عقد الذمة باطل» فإن أعطى الصلح والذمة على هذا بطل من شروطه مالا يصح فى الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: «دكل شرط ليس فى كتاب الله باطل؛ .

وهكذا نرى أن فقهاء المسلمين عند إقرارهم العهود التى تقتضى بقاء الملوك على عروشهم يحكمون فى رعاياهم مع بقائهم تحت ظل المسلمين فى الدفاع

. الخراج ليحيى بن أدم ص 4 طبع السلفية‎ )١(

ب« رمه 0

عنهم - يشترطون العدل - لأن الشروط التى تقبل فى المعاهدات هى الشروط العادلة. وكل شرط فيه ظلم على الرعايا يكون باطلاء وفى موضع اللغوء ويبيح للمسلمين التدخل لمنعه.

هذه لفتة عادلة من الفقهاء. ويجب أن نقرر أن كل شرط فيه ظلم للرعايا لا يجوز للمسلمين أن يقبلوه فى أى صلح. إلا أن يكون ذلك لغاية تؤدى إلى عدل كامل مسيطر.

وفى الحقيقة إن الإسلام ينظر إلى الرعايا الذين يحكمون بالظلم ويقيدون فى حرياتهم نظرة رحيمة عاطفة:. ينصرهم إذا استنصروه: ويرفع عنهم نير الطغيان إن هم استعانوا به.

وإن فتح العرب لمصر كان من هذا القبيل» فإن حاكم مصر رآها تئن تحت طغيان الرومان واستغلالهم أراضيهم وضغطهم على حرياتهم, فرحب بالجند الإسلامى ليرفع ذلك النير عن رقاب المصريين ٠‏

الكسسساد

4 يفرض الحياد عند وجود قوتين متنازعتين فى السلطان والنفوذ ورغبة السيطرة على شطر من العالم» وعند وقوع حرب بين دولتين أو أكثرء ولعل هذا الاصطلاح لم يكن موجودا بين كتاب الفقه الإسلامى, حتى ادعى بعض كتاب العصر ‏ الذين تصدوا للكتابة فى فقه العلاقات الدولية من غير أهل الفقه ‏ أن الحياد لم يعرفه الإسلام, لأنه قسم الدار إلى دار حرب ودار إسلام, ولا وسط بينهماء ومادام لا وسط فلا حياد, لأنه الوسط المفروضء وقد بينا عند الكلام فى دار الإسلام ودار الحرب أن الوسط موجود وهى دار العهد؛ والآن نقول: إن هنا وسطا آخر وهو دار الحيادء فقد فرض القرآن الكريم أن حربا نشبت بين المسلمين وغيرهم من الأقوامء وأن من هذه الأقوام من لا يريد أن يقاتل مع المسلمين ولا مع خصومهمء وهؤلاء يريدون أن يكونوا محايدين فى هذه الحرب ولا يتدخلون فيهاء فهؤلاء أوجب القرآن احترام حيادهم وألا يمسوا. وإليك النص

5 .- العلاقات الدولية فى الإسلام 4 2 2 2 2 2 22 2222222222222 222222222222222 222222222 22222 ؟ الاااا 0 ١‏ بر ١‏

القرآنى الدال على ذلك: :إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاقء أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أى يقاتلوا قومهمء ولى شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم, فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وآلقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا(') ؛ .

فهذا النص صريح قاطع فى أن من يريد الحياد يعطاه وهى يتفق مع المبادىء الإسلامية العامة من أن الأصل هى السلم, وأن الحرب عارضة:؛ فمن أراد السلم أعطى هذا الحق من غير أى نظر أخر إلا الاستيثاق من أنه لا يريد حربا ولا ينويهاء أو يتخذ من ذلك وقتاً للاستعداد القريب مع نية الاعتداء. وفى هذه الحال يجب الحذر الدائم ولا يسوغ الاعتداء فى أى صورة من الصور كما بينا من قبل.

وإن بعض الكتاب من المسلمين توهموا ‏ كما أشرنا ‏ أن الحياد غير ممكن بمقتضى الأحكام الإسلامية, لأنهم لم يعتمدوا فى فقه هذه القضية إلا الفروع الجزئية: ولم يعتمدوا على أصل المصادر الإسلامية, والفروع الجزئية كان يفتى بها والحروب قائمة بالفعل ولم يوجد طالب حياد فلم يفتوا به» ونحن فى دراستنا كما أسلفنا اعتمدنا أولا على ما جاء بكتاب الله تعالى وسئة رسوله.

. هذا هى حكم الحياد إذا طلبه غير المسلمين وهم فى حروب مع بعض الأعداء. ولننتقل إلى حكم الحياد إذا كانت الحرب مستعرة بين دولتين» فهل يقف المسلمون على الحياد إن طلب إليهم ذلك؟ .

للإجابة عن هذا السؤال نذكر للحياد ثلاث صور :

الصورة الأولى أن يكون النزاع بين المؤمنين بعضبهم مع البعضء وهذه صورة أوجدها الزمان: إن تفرق المسلمون دولاء ولم تكن بينهم جامعة قوية تجعل وحدتهم بارزة تمنع أى حرب بينهمء وتقطع السبيل على من يريد الاعتداء من الطوائف الإسلامية. وقد وضع الإسلام حكم هذه الصورة فأمر المؤمنين أن ينظروا فى أى الطائفتين تكون هى المعتدية؛ وتبتدئ محاولة الصلح بينهماء فإن

. الآية: 5 من سورة النساء‎ )١(

©«)ا.هى - ر_. العلاقات الدولية فى الإسلام م ل 2 2 2 2 2 2 2 2 22 2222222222222 222222222222222 2222222222222 ا

يي ١‏ لم يمكن الصلحءفإنه من الواجب نصر المعتدى عليه ولا يصح الوقوف على الحياد فى هذه الحالء إذ فيه إقرار للظلم, والظلم لا يجوزء ولا يقر الظالم على ظلمه,

وقد ورد النص القرآنى بذلك )١(‏ . وقال (#6): «لتأخذن على يدى الظالم, ولتأطرنه على الحق أطرا (أى لتحملنه حملا عليه) أى ليضربن الله قلوب بمعضكم ببعضء ثم تدعون فلا يستجاب لكم». وإنه لايكفى معاونة المظلوم عند وقوع الظلم, بل يجب أن تعمل الدولة الإسلامية القوية على تقوية دعائم الأمن بين الدول الإسلامية المتفرقة, بحيث يحسم الشر قبل وقوعه؛ وتقطع بذور الداء. فإن ذلك مما توجبه الوحدة الإسلامية» وإذا تعسر اجتماع المسلمين تحت سلطان دولة واحدة فإن الواجب هو العمل على منع الظلم بين الدول الإسلامية وتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والتعاون على دفع الاعتداء؛ فإن ذلك من التعاون على البر والتقوى, وقد أمر به القرأن الكريم فى عامة نصوصه. الصورة الثانية أن تكون الحرب بين دولة إسلامية وأخرى غير إسلامية, وفى هذه الحال لا يكون للحياد موضع., فإنه يكفى الاعتداء على مسلم لكى تتضافر القوى على دفع الاعتداء والاعتداء على أى مسلم فى الأرض اعتداء على عامة المسلمينء لأن النبى () يقول: «المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولايخذله؛ والنبى (عل) يقول أيضا: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاء وغير ذلك من الأحاديث الدالة على التعاون الإسلامى عامة من غير قيد ولا شرط . وقد يفرض أن الدولة الإسلامية تكون معتدية. وفى هذا الحال يتقدم المسلمون لإصلاح الحال ومنع الاعتداء .

)١(‏ النص هى قوله تعالى: إوإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطو إن الله يحب المقسطين» ٠.‏ (الآية: ه من سورة الحجرات) ٠‏

العلاقات الدولية فى الإسلام ١ 0170 ١‏ لي

الصورة الثالثة أن يكون القتال بين دولتين غير إسلاميتين» وهذه الصورة لها عدة شعب: ش

الشعبة الأولى أن تكون إحدى هاتين الدولتين علاقتها بالمسلمين ليست علاقة سلمء وبينها وبين المسلمين حرب ولكن سكتت السيوف لهدنة أى موادعة موقوته, أى ليستعد كل واحد من الفريقينء فإن كان ثمة اتفاق على موادعة فإنها واجبة الوفاء فى المدة, إلا إذا تبين أن هذه الموادعة ما كانت إلا لتتفرغ لحسم أمرها مع مخالفيهاء ثم تعود للانقضاض على المسلمين إذا خرجت مظفرة:» فإنه فى هزه الحال يتبين أن العهد ما كان نقيا خالصاً؛ وأن الدخل قد دخله؛, ولا يكون ما يدل على الاستقامة فى الوفاءء وفئ هذه الحال يصح أن يقال: إن المصلحة الإسلامية يجب رعايتهاء وينبذ العهد لخوف الخيانة.

الشعبة الثانية أن يكون بين المسلمين وإحدى الدولتين المتحاربتين حلف يوجب النصرة: وفى هذه الحال لا يمكن أن يقف المسلمون على الحيادء وإن النبى (2) أعلن الحرب على قريش لما نقضوا العهد وأغاروا على خزاعة الذين انضموا إلى عهد النبى ( #)» فتقدم النبى () لغزو قريش وفتح مكة:؛ وقال ثلاث مرات: «والله لأغزون قريشأاً؛ ولذلك كان واجب الوفاء بالعهد يتقاضى النبى أن يتقدم بالنصرةء وكذلك الشأن لمن جاءوا بعده من أصحابه والذين اتبعوهم بإحسان.

وإن السكوت فى هذه الحال يعد نقضا للعهدء فيكون الحياد ممنوعاء بل لا يكون له موضع., لأن الحياد حيث يكون الموقف متساويا بالنسبة للطرفين المتنازعين .

الشعبة الثالثة أن تكون كلتا الدولتين المتحاربتين لا يربطهما بالمسلمين عهد ولا ذمة توجب الوفاءء. وفى هذه نرى أن الأحكام الإسلامية توجب تجنب الدخول فى هذه الحرب لثلاثة أسباب :

١‏ العلاقات الدولية فى الإسلام تح نا 00

أولها: أن الأصل فى العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو السلم, فمادام لا داعى للحرب فيتعين السلم, والحياد فى هذه الحال هى السلمء وتقرير الحياد لهذا نتيجة مقررة لأصل القاعدة الإسلامية . ش

الثانى: أن الحسروب فى هذه الحال تكون لمأرب دنيوية لا لغايات تتعلق بالأخلاق والفضيلة؛. وكلاهما ظالم. ولقد قال فى قريب من هذا الإمام مالك: «دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما؛.

الثالث: أن دخول المسلمين فى هذه الحرب تأييد لأحد الفريقين الظالمين على الآخرء وتأييد الظلم لا يجوزء ولقد قال النبى صلى الله عليه وسلم «من

سعى مع ظالم دخل النار؛. وقد يفرض فى هذه الحال أحد فرضين. قد يتخيلهما العقل وإن كان الواقع لا يؤيدهما:

الفرض الأول: أن تكون إحدى الدولتين المتحاربتين تدافع عن عدالة أى هى فى الواقع معتدى عليها. وهى تدفع الظالم عن نفسها.ء فهل يكون للدولة الإسلامية أن تتقدم لنصرتها وتخرج عن حيادها؟ فنقول: إنه على هذا الفرض قد يجوز أن تعاون المظلوم, بشرط النظر إلى المصلحة الإسلامية فى ذلكء فإنه قد يدفع ذلك إلى أن يتقوى المظلوم وقد ينقلب ظالماء مادامت الحروب لا تقوم على أساس من الأخلاق الدينية الرشيدة, وقد تكون النتيجة لهذا الدخول أن تعتدى الدولة الأخرى على الديار الإسلامية مدفوعة بالدفاع عن النفس. وولى الأمر العادل المصلح يدرس الموضوع من كل نواحيه. والأحوط بلا ريب التزام الحياد. الفرض الثانى: أن يكون أحد الفريقين ضعيفا يريد الآخر القوى أن يلتهمه وفى قدرة الدولة الإسلامية أن تدفع عنه الاعتداء الغاشم, وفى هذه الحال نرى أن المبادىء الإسلامية توجب التقدم لنصرة الضعيفء فقد دعا الإسلام إلى إعانة الملهوف ودفع العدوان ونصر الضعيف, ما بل بحر صوفة, وإن دفع الظلم من

»1 مم لي 3 العلاقات الدولية فى الإسلام لمح 2 2 2 2222 2 22222222222 2 022 2222 2222222222222 زجمل بس ىر ١‏

المبادئ الإسلامية ولاشكء وإن هذا يكون إذا طلب الضعيف هذه النصرة ويكون من الواجب الاستجابة لطلبه؛ لأن دولة القرآن هى دولة الحق فيجب أن تكون نصيرة لكل حق مؤيدة له.

٠٠‏ هذا هو نظر الإسلام إلى الحياد أوجبه عندما يطلبه أحد الأقوام كما بينا فى صدر الكلام عليهء ومنعه إذا كان القتال بين الدول الإسلامية تحقيقا لمعنى الوحدة الإسلامية, ورجحه عندما يكون غير راقع لباطلء ومثئعه عتدما يكون اعتداء على ضعيف.

اميش سسشسنا

العلاقات الدولية فى الإسلام و << 2 2 2 2 2 2222 222222222222222 2222

الخلاصة

: هذاء ونقرر أن كل أحكام السلم مبنية على ثلاثة أمور‎ - ١

أولها : إقامة العدالة بين المسلمين وغيرهم, وتوثيق العلاقات الأدبية وتجقيق التعارف والتعاون الإنسانى تطبيقاً للنصوص القرأنية؛ فالمسلمون الذين يجاورون غير المسلمين ويسالمونهم ترتبط العلاقة بينهم بالمودة.

ثانيها : منع المسلمين من أن يعتدوا على غيرهم., لأن الإسلام يمنع الاعتداء أيا كانت صورته. وإذا كان المسلمون ذوى الغلب فإنه يفرض عليهم مراعاة الحقوق والالتزام بالواجبات نحو الفضيلة والأخلاق والرفق بالضعفاء, وخصوصا الذين يستظلون بالراية الإسلامية .

ثالثها : حماية الحريات لغير المسلمين. وخصوصا حرية العقيدة. فإن الإسلام- كما قررنا ‏ منع الفتنة فى الدين, وأطلق الإسلام للذين يستظلون برايته الحرية فى مزاولة شعائر دينهمء, بل إن بعض المذاهب الفقهية ترى أن لهم الحق فى تناول المباحات التى أباحها لهم دينهم, ولو كانت فى نظر الإسلام رجسا لا يقبل الحلء والله تعالى فى عون الجميع .

تفِنشضب

العلاقات الدولية فى الإسلام

2 22222 222222222222222 وم جل بك

بي العلاقات الدولية فى وقت الحروب

7 - الحرب أبغض الأشياء إلى النفس المؤمنة؛ ذلك أن قوام الحرب قتل النفس البشرية:؛ والمؤمن لا تسوغ له نفسه أن يهدم ما بناه الله تعالى؛ ولذلك ذكر القرآن الكريم أن الحرب أمر مبَعّض للمؤمنين» لا يحبونه ولا يرتضونه لذاته, ولكن قد يقبلونه إذا أمر الله تعالى به وكتبه عليهم لأنه خير لهم.

وإن هذا الأمر الملبغض قد تقتضيه الرحمة الإنسائية ذاتهاء فإن ترك الطغيان يتحكم فى الضعفاء لا يعد ذلك من الرحمة فى شىء., والرحمة الحقيقية توجب دفع الطغيان . على الخيرء بل إن الرحمة توجب نصر الحق والفضيلة ورد الشر.

فالحرب فى الإسلام ضرورة أوجبها قانون الرحمة العادل وقانون الأخلاق والسلوك الإنسانى المستقيم .

.١‏ الباعث على الحرب فى الإسلام

57 - إن الباعث على القتال نأخذه من نصوص القرأن والسنة ومن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم» ومن معاملة الذين وجه دعوته إليهم.

وعندما نتجه بتفكيرنا هذا الاتجاه نهد كل نصوص القرأن تمنع الاعتداء ابتداء وتمنع الاعتداء فى أثناء القتال وقبل القتال؛ ثم نهد نصوص القرأن كلها تتجه إلى بيان أن القتال المطلوب هو دفع قتال المشركين )١(‏ , ونجد الآية التى

)١(‏ قال تعالى: إوقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» وقال تعالى: إوقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين» وقال تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين4. [ سورة البقرة الآيات: 15٠‏ 1515, 154]

العلاقات الدولية فى الإسلام

حن 222222222222222

تل ار تبيح قتال العرب كافة تنص على أن ذلك فى مقابل اعتدائهم كافة على المسلمين )0).

والنصوص القرأنية أيضاً تمنع الاعتداء وتنهى عنه؛ بل إنها تأمر بالصبر إذا أمكن رد الاعتداء من غير قتال, وهو ذلك الأمر الملبغض فى الإسلام الذى لا يباح إلا لضرورة ملجتة إليه لا تقبل التأخير.

وإن الذى نراه من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم ومن سيرة الراشدين الذين خلفوه فى حمل مصباح هذا الدين إلى البلادء يشبت لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم مكث ثلاث عشرة سنة يدعو إلى عقيدة الوحدانية بألا يعبدوا إلا الله تعالى وحده لا يشركون به شخصا مهما سمت منؤلته., ولا وثنا مهما توارثوا تقديسه, ويدعو إلى مكارم الأخلاق» فتبعه ضعفاء مكة وعبيدها وبعض كبرائهاء كأبى بكر وعثمان وعمرء فأنزل المشركون الأذى الشديد بالمؤمنين وخصوصا بالضعفاء, ولم يسلم من الأذى حتى النبى صلى الله عليه وسلم إلا من كان ذا' بطش شديد كعمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب»: فأمثالهما سلموا نسبيا من الأذى, لأنهم. بقوة أبدانهم وفروسيتهم يستطيعون أن يثأروا لأنفسهم.

والنبى صلى الله عليه وسلم يصبر ويصابر ويداوى النفوس المكلومة بالموعظة الحسنة والتسرية المواسية. ولكن أذى المشركين موصول غير مقطوع, حتى بلغ بهم الطغيان واللجاجة فى الباطل أن هموا بقتل النبى ( 5): ودبروا الأمر ولم يترددوا فى تنفيذ ما دبرواء وأحاطوا ببيته يريدون الهجوم برجال جمعوهم من القبائل ليضربوه ضربة رجل واحد فيذهب دمه الكريم هدراء ولكنهم يدبرون والله تعالى يدبر لنبيه؛ فأنجاه منهمء ومر النبى على المتربصين الذين ينتظرونه وعيونهم مفتوحة:, ولكن الله تعالى القى عليهم غشاوة فلم يبصروه ولم يعرفوا أن الله تعالى أنجاه منهم إلا فى ضحى الغد .

)١(‏ قال الله تعالى: إوقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين» [ سورة التوبة الآية 5؟] .

0 5 »ره العلاقات الدولية فى الإسلام لظ لااكةكلااةة ٠.‏ بي ١‏

64 هاجر النبى () إلى المدينة وقد ترك وراءه طائفة من المؤمنين يفتنون فى دينهم ويذوقون عذاب الهون فى سبيل اعتقادهم. فهل يتركهم؟ وهل يترك قريشا تسير فى غيهاء وتقف محاجزة دون دعوته فكان لا بد إذن من القتال وإعلان العداوة ورد العدوان بمثله .

لقد صادروا أموال المؤمنين الذين هاجروا واعتدوا على الذين لم يهاجروا فى أموالهم وأنفسهم,ء فكان الإذن بالقتال لهذا أيضا )١(‏ وسار القتال فى مجراه وكانت غزوات النبى للمعتدين» ونمزوات المشركين لإزعاج الآمنين» والنبى لا ينى ٠‏ عن دعوة الحقء فهو يدعو إلى الدين» ويدعى إلى حرية الاعتقاد .

ولما رأى أن الجزيرة العربية علمت بالدعوة الإسلامية ‏ بوفود أرسلوها وبرسل بعث بهم النبى )(‏ اتجه بنظره الحر إلى ما وراء بلاد العرب» قأرسل إلى هرقل ملك الروم: وأرسل إلى كسرى ملك الفرسء وإلى المقوقس حاكم مصرء وإلى النجاشى ملك الحبشة: وكان من قبل قد نظر هذا الأخير نظرة عاطفة إلى الإسلام والمسلمين.

والصيغة التى أرسلها إلى الملوك والحكام واحدة تقريباء وإذا اختلفت الصيغة ففى ببعض العبارات التى لا تغير المعنى: والتى تناسب من يخاطبه, وإليك رسالته إلى هرقل:

«أسلم تسَلم, وإلا فعليك إثم اليريسيين (أى الرعية من الزراع والعمال) , يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم آلا نعبد إلا الله, ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله؛.

)١(‏ «اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقء إلا أن يقولوا ربنا اللهء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى

عزيز» [سورة الحج: الآيتان رقم .]4١١5١‏ زفق

١‏ العلاقات الدولية فى الإسلام

222222222222222 22 2222 2 22 2 2 2 2 2 2 2

+زلجمليبلطلهء

بى ١‏ وبعض هؤلاء الملوك ردوا ردا كريما يفتح باب الود ومع الود باب الدعوة إلى الإسلام, كالملقوقس حاكم مصر الذى كان يئن هو والشعب من مظالم

الرومان» وإن خفت اليد الباطشة فلوهن فيها:

والأكشرون لم يردوا بالقول الكريم أى غير الكريم» بل ردوا بالعمل اللثيم, فكسرى أرسل من يأتى برس الرسول الأمين, ولكن الله تعالى عجل بموته هى, وهرقل اضطهد من أسلم من عرب الشام فقتلهمء فكان لا بد من القتال» قتال حكام فارس وحكام الرومان الذين يحكمون بعض العرب, فأرسل محمد صلى الله عليه وسلم الجيوش لقتال الرومان فى حياته.

0 - وثئنتهى من هذه النصوص ومن هذا السياق التاريخى إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قاتل لأمرين : الأمر الأول دفع الاعتداء, وقد وقع الاعتداء على الأنفس والأموال بالفعل, وما كان وهو الذى يدعو إلى الحق الذى لا ريب فيه أن يترك الباطل يستغلظ ويقوى». ويستخذى هو ويستسلم., فلا بد أن يضرب الباطل فيصيب من الشر دماغه؛, وهو الحكام الممستبدون الظالمون. وإن فضائل الإسلام إيجابية تقاوم: وليست سلبية تستسلم, ولذلك كان القتال وكان ماضيا إلى يوم القيامة, ما بقى الشر ينازع الخيرء ولذا قال (26): «الجهاد ماض إلى يوم القيامة» لأن اعتداء الخير على الشر ماض إلى يوم القيامة.

الأمر الثانى تأمين الدعوة الإسلامية: لأنها دعوة الحق, وكل مبدأ سام يتجه إلى الدفاع عن الحرية الشخصية: يهم الداعى إليه أن تخلى له وجوه الناس, وأن يكون كل امرىء حرا فيما يعتقد, يختار من المذاهب ما يراه بحرية كاملة, ويختار ما يراه أصلح وأقرب إلى عقله. فإذا وقف طاغية أو ملك قد أرهق شعبه من أمره عسرا وحال بينه وبين الاستماع إلى الدعوات الصالحة فإن من حق صاحب الدعوة إذا كانت فى يده قوة أن يزيل تلك الحجز بينه وبين دعوته؛ ليصل إلى أولئك الممستضعفين كى يروا نور الحقائق ليعلنوا اعتناقها إن رأوا ذلك وأمنوا به, وإن لم يؤمنواء فمن اهتدى فلنفسه ومن كفر فعليها.

العلاقات الدولية فى الإسلام ست ٠‏ : تي<

ولكن محمدا النبى الأمين الرحيم (#ه) لم يلجأ إلى ذلك ابتداء حتى لا يظن الجهلاء أنه فعل ذلك ابتداء ليفرض دينه؛ بل إنه دعا أولثك الطغاة أولاء ثم تركهم ليرى ماذا يفعلون, فاضطهدوا الذين أمنواء فكان لا بد من القتال لتأمين دعوته ممن اعتدوا عليها فعلا ومنعوهاء ولم يكن المنع احتمالا يحتمل ولكنه أمر واقع.

لقد قرر الإسلام أنه لا إكراه فى الدين؛ وإن ذلك المبدا يجب أن يتقرر لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم كما تقرر لغيير أتباعه, وإذا كانت معه قوة فذلك يلزمه بأن يتخذ الأسباب لحماية من يختارون دينهء ولا يكون ذلك إلا بإزالة جكم الطغاة.

إن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى كل الملوك الذين يحيطون به قد تحركوا ليفتنوا أتباعه فى اعتقادهم, وما كان لينتظر حتى يراهم قد هاجموه بالفعل أو أخذوا يفتنون الجماعات بالفعلء بل لا بد أن يحتاط للدعوة وأن يتخذ الأسباب لمنع هذه الفتنة, استجابة للنص القرآني الذى يدعى إلى القتال حتى لا

1 - ومن المؤكد أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن قد آكره أحدا على الإيمان به. وإذا كان قد أظهر الإسلام بعض الأعراب لما رأوا من قوة السلمين وجيوشهم فمحمد لم يرحب بذلكء, وإن كان قد رجا أن يكونوا مؤمنين

باختيارهط!١)‏ . وإن قتال محمد (ت) كما يدل السياق السابق لم يكن للإكراه بل كان لدفعه.

وإن الدليل المادى قائم شابت وهو بقاء تلك الأقليات غير الإسلامية التى عاشت فى ظل المسلمين من عهد الفتوح الإسلامية إلى اليومء وإنه لى كان الإكراه

)١(‏ وقد نص القرآن الكريم بأنه لا اعتبار لمن يسلم غير مقتنع فقال: «قالت الأعراب أمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلويكم وإن تطيعوا الله ورسوله لايلتكم من أعمالكم شيئاء إن الله غفور رحيم»# [الآية: ١4‏ من سورة الحجرات] ٠‏

٠. »«» 5‏ العلاقات الدولية فى الإسلام . - ا

على الإسلام جائزا لحملوهم على إعلان الإسلام, ولم يتركوهم آمنين فى دينهم مرعية حقوقهم. ولما قرروا تلك القاعدة الفقهية التى تقول: «أمرنا بتركهم وما يدينون» ولأخذوا يفتشون عن ضمائرهم وقلوبهم, كما فعل نيرون, أهل أسبانيا وغيرهاء وإن القرآن وسيرة الرسول وأقوال الفقهاء وبقاء الأقليات غير الإسلامية مصونة الحرية» حقوقها محترمة مع إخلالها بالتزاماتها - أجيانا - فيها الحجة؛ فهى سماحة الإسلام, تقطع على المحرفين للوقائع والتاريخ كل قول, وإذا كان ثمة مظلوم من أقوالهم فهى التاريخ: وإنهم لا يستطيعون الاستمرار على ظلمهم هذا لأنه حى ناطق . ".قبل المعسركة

- إن حرب الإسلام لدفع الاعتداء وتأمين الدعوة ومنع إرهاق الناس فى دينهم؛ وما كان ليقاتل إلا بعد أن تظهر بوادر الفتنة أى يكون الاعتداء بالفعل.

ومع ذلك: ما كان يأمر المسلمين بالاندفاع فى القتال حتى لا يكون منهم رغبة فى القتال لذاته. بل إنه كان يدعوهم إلى التأنى فيقول الرسول الكريم: ولا تتمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاصيرواء.

ومع ذلك إذا كان القتال أمرا لا بد منه, فلا بد من قبله أن يخيرهم القائد بين أمور ثلاثة؛ إما الإسلام ليكونوا مع المسلمين بقلوبهم: وإما العهد ليأمن المسلمون جاتبهم: وليؤمن الإسلام دعوته؛ وإما القتال.

وإن ذلك التتخيير لكيلا يأخذهم على غرة. ويعلن أنه لا يريد أرضا يستعمرهاء ولا أنفسا يستعبدهاء ولكن ليكون كل إنسان له حريته فيما يعتقد.

وإننا ونحن نسير على مقتضى ما سلكناه فى بحثنا نتجه إلى الهدى النبوى في القتال لنستخلص منه المعنى والمقصد والهداية فيما نكتب .

وإننا إذ نتجه إلى ذلك الوادى المقدس يسترعى انتباهنا دعاء النبى (46) عند القتال الذى يدل على الوحدة الإنسانية, ووحدة الاتصال بالخالقء: فهى يقول فى

© - 0 العلاقات الدولية فى الإسلام ا 222222222222 222222222222222

دعائه: «اللهم إنا عبادك: وهم عبادكء؛ نواصينا ونواصيهم بيدكء اللهم اهزمهم وأنصرنا عليهم» وما كان الجزء الأخير إلا لبيان اعتدائهم على الحق وعلى الحرية الدينية بفتنهم الناس فيدينهم.

وقد صدر (عَلله) الدعاء بإثبات الوحدة الإنسانية ووحدة الخالق» وذلك لكى يكون على حذر عند قتل عباد الله تعالى» فلا تقتل الأنفس إلا بحق» ولا يمس إلا

ولقد كان النبى (عك) حريصا على منع القتال حتى عند أخذ الأهبة, فهو يقول لمعاذ بن جبل - وقد أرسله قائدا مع طائفة من المؤمنين لفتح اليمن:

دلا تقاتلوهم حتى تدعوهم., فإن أبوا فلا تقاتلوهم حتى يبدءوكم, فإن بدءوكم فلا تقاتلوهم حتى يقتلوا منكم قتيلاء ثم أروهم ذلك وقولوا لهم: «هل إلى خير من هذا سبيل فلأن يهدى الله على يديك رجلا واحدا خير مما طلعت عليه الشمس وغربت».

وهنا نجد أن نية السلم قائمة حتى عندما يتلاقى الجيشان:ء فهو لا يقاتلهم إلا بعد أن يدعوهم إلى العهد الذى يكون فيه تأمين حرية الدعوة: ثم مع ذلك لا يبدأ بالقتال بل يتركهم يبدءون بالقتال؛ وحتى بعد هذا البدء لا يقاتلهم حتى يقتلوا فعلاء ثم يبين لهم العبرة فى ذلك الدم الذى أراقوه ظلما وعدواناء فإن لم يتخذوا منه عبرة لم يبق إلا السيف ليحكم بأمر الله بينه وبينهمء والله خير الفاصلين.

". فى المعسركة

4 - كان الرفق الذى كان قبل المعركة هى الذى يلازمهاء ولقد قال (26) فى وصف دعوته: «أنا نبى المرحمة وأنا نبى الملحمة» وفى الحق إن المرحمة والملحمة متلاقيان» فما كانت الملحمة إلا لأجل المرحمة:؛ إذ الرحمة الحقيقية فى هذا العالم

العلاقات الدولية فى الإسلام

(سج بن

١ بى‎

هى فى قطع الفساد ومنع الشرء وإن كان سبيل ذلك الملحمة فقد تعينت سبيلا للرحمة.

وإنه يصاحبه ‏ وقد ابتدات المعركة ‏ العمل لتأليف الناس لا لتنفيرهم بالقتل والقتال. ولذلك يقول لجنده وقد أرسلهم. «تألفوا الناس وتأنوا بهم, ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهمء فما على الأرض من أهل مدر ووبر إلا أن تأتونى بهم مسلمين أحب إلى من أن تأتونى بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم».

إذأ هى حرب رفيقة تتسم بالتأليف لا بالتقتيل» وبالمحافظة على الأنفس لا باستباحتها من غير ضرورة. وهى تمنع الإتلاف فى الأنفس أو الأموال إلا لضرورة تلجىء. وبين أيدينا وصيتان: إحداهما لمحمد رسول الله () , والأخرى لخليفته أبى بكر الصديق رضى الله عته.

أما الوصية الأولى: فهى قوله (22): «انطلقوا باسم اللهء وبالله. وعلى بركة رسول الله (), لا تقتلوا شيخا فانياً ولا طفلا ولا امرأة: ولا تغلواء وضموا غنائمكم, وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحستين؛ وفى معنى هذه الوصية قوله (2): «سيروا باسم الله فى سبيل الله وقاتلوا أعداء الله ولا تغلوا (أى لا تخونوا) ولا تغدرواء ولا تنفروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا؛ ويقول (2) لخالد بن الوليد: «لا تقتل ذرية ولا عسيفا (أى عاملا)» .

وهذه هى الوصية النبوية التى تكرر معناها فى عدة مناسبات .

أما وصية الصديق خليفة رسول الله: فقد رواها الإمام أحمد بن حنبل فى

مسثكدة2» وهذا نص ما جاء فيه:

«عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر بعث الجيوش إلى الشام: وبعث يزيد بن أبى سفيان أميراء فقال وهى يمشى ويزيد راكب» فقال يزيد: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال الصديق: ١ما‏ أنا براكب وما أنت بنازلء إنى احتسب خطاى فى سبيل الله, إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم فى الصوامع فدعهم وما زعمواء وستجد قوما قد فحصوا أوساط رءوسهم من الشعرء وتركوا منها أمثال

2006 عر العلاقات الدولية فى الإسلام ا 2 2 2 222 222222222222222 2222222222222

العصائب: فاضربوا ما فحصوا بالسيفء وإنى موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلاء ولا تحرقنهاء ولا تخربن عامراء ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة ولا تجبن ولا تغلل».

وقد نقلنا بعض هذه الوصية من قبل فى الجرء الخاص بمنع الفسساد والتخريب فى الأرضء ولا مانع من تكرار ذكرها هنا لنبين موضع تطبيقها فى حال الحرب» وليتبين أن الحرب ليست فى نظر الإسلام إتلافا وفسادا. وتحللة من كل القيود الإنسانية, وسنجد ‏ من بيان ما يحل فى القتال وما لا يخل ‏ أن القواعد التى ذكرناها مطبقة تطبيقا دقيقا وقت اشتجار السيوف . ما يحل فى القتال وما لا يحل .

48 فى ضوء وصايا النبى () ووصايا خليفته التى اقتبسها من نوره نستطيع أن نعرف مسا يحل فى القتال وما لايحل» ونرى من هذه الوصايا أن الباعث على القتال يحد خطوط القتال فى ميدانه؛ فإن الباعث كما أشرنا رد الاعتداء. وتأمين المؤمنين من أن يفتنوا فى دينهمء. ونرى هذا الباعث يحكم الحربء فلا يبيح قتل من لا يقاتل ولا يشترك فى الحرب بأى نوع من أنواع الاشتراك, وقصرها على الميدان لا تتجاوزه إلى غيره؛ ولا يكون فيها اعتداء على الحرية الدينية بأية صورة من صور الاعتداء. ولعل اأوضح مظهر للمحافظة على الحرية الدينية معاملة رجال الدين . معاملة رجال الدين :

٠‏ - أول ما نهى عنه أبى بكر هى قتل رجال الدين أى التدخل فى حريتهم, ذلك أنه أرسل جنده إلى الشام التى بها الأرض المقدسة فى الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلام», وبها هياكل لليهود وصوامع للرهبان» والمعابد التى عكف على العبادة فيها العاكفون؛ فكان حريصا على التنبيه على قواده آلا يمدوا أيديهم بسوء إلى هؤلاء .

العلاقات الدولية فى الإسلام 99 سس سس 0

ولكن الصديق رضى الله عنه كان حريصا على أن يحمى رجال الدين الذين لا يقاتلون؛ أما الذين يتزيون برداء الدين ولكنهم فى الواقع مقاتلون من الرومان فما فرض حمايتهم, لأنهم مقاتلون يشتركون فى الاعتداء» ويشتركون فى فتنة المؤمنين: ولذا قسم رجال الدين إلى قسمين:

القسم الأول اولئك الذين التزموا دور العبادة لا يقتلون ولا يفتنون الناس فى دينهم» وهؤلاء يحمون وتحمى عبادتهم ولا يتعرض لهم. ويقول السرخسى فى تعليل منع قتل هؤلاء: «إن المبيح للقتل شرهم من حيث المحاربة: فإذا اأغلقوا الباب على أنفسهم اندفع شرهم مباشرة وتسبيباً).

وأما القسم الثانى فهم أولئك الذين وصفهم الصديق يأنهم حلقوا أوساط رءوسهمء وتركوا من شعورهم ما يشبه العصائبء وهؤلاء قرر أنهم يقتلون, وروى أنه قال فيهم: «فاضربوا منهم مقاعد الشيطان؛ ولماذا خص الصديق هؤلاء بالقتل؟ لقد أجمع كتاب السير وأجمع الفقهاء على أن هؤلاء كانوا يشتغلون فعلا بالقتال» وهم الذين كانوا يحرضون على المؤمنين» ويظهر من وصفهم كما اشرنا أنهم كانوا من الرومان المتحكمين فى رقاب أهل الشام باسم الدين:ء والذين كانوا يحاولون فرض المذهب الرومانى المسيحى على الشرق .

وإنه يبين من هذا أن المؤمنين فى ميدان القتال يؤمنون بحق كل متدين فى القيام بعبادته» وإنهم ليحمونه. ش منع قتل الصبيان والشيوخ والنساء .

١‏ نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والشيوخ الذين لا يشتركون فى القتال برأيهم» وعن قتل الأطفال لأن هؤلاء ضعفاء لا يقتلون ولا يشتركون فى القتال» ولأن القتال ليس إلا لدفع الاعتداء. وهؤلاء لا اعتداء منهم, وقتلهم هو الاعتداء وقد نهينا عنه, ولقد مر النبى () على القتلى فرأى امرأة مقتولة فقال (عك): هما كانت هذه لتقاتل» وأرسل وراء خالد بن الوليد يأمره بألا يقتل عسيفا ولا ذرية.

العلاقات الدولية فى الإسلام

نيميلل و-

ولقد كان يغضب أشد الغضب إذا بلغه أن جنده قتلوا صبياناء ولقد بلغه قتل بعض الأطفال, فوقف يقول لجنده: :ما بال أقوام تجاوز بهم القتل حتى قتلوا الذرية ألا لا تقتلوا الذرية, آلا لاتقتلوا الذرية؛ إن الصغار والنساء لا يتصور منهم اعتداء كما كان يجرى فى هذه الأزمان فكيف يحملون وزر اعتداء غيرهم؟ والقرآن يصرح بأنه لا تحمل نفس غير أثمة إثم غيرهاء وليست حرب الإسلام للافناء إنما هى لتأمين الدعوة ومنع الاعتداء. والشيوخ كما أشرنا قسمان: قسم يدبر الحرب بالرأى والتخطيطء وهذا يباح قتله فى الميدان» لأنه مقاتل برأيه وتدبيرهء وقد أمر النبى (6) بقتل دريد بن الصمة فى غزوة حنينء» وقد بلغ من الكبر عتياء ولكن كان له رأى وفيه وعىء وأشار على ثقيف الذين كانوا يقاتلون بما يقويهم. والقسم الثانى لا رأى له فى الحرب فلا يقتل. منع قتل العمال ,

1 تكرر نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتل العسفاءء وهم العمال الذين يستأجرون للعمل الذين لا يحاربون وليس لهم فى الحرب عملء وذلك النهى المتكرر لأنهم لا يقاتلون» والحرب محصورة فى دائرة من يقاتل؛ والقتال من الجانب الإسلامى لدفع قوى الشر والفسادء وهذه القوى محصورة فى الذين يعملون بسيوفهم فى الميدان أى يرسمون ويدبرون الخططء والعمال الزراعيون واليدويون الذين لا يقاتلون هم بناة العمران: والحرب الإسلامية ليست لإزالة العمران أى تقويض دعائمه: وإن هؤلاء العمال كانوا مستضعفين تحت سلطان الغاشمينء وهم فريسة الظلم » فلا يصح أن يكونوا وقود الحربء ويكتوون بنارها وليسوا من جناتها. منع التععس سريب ٠‏

- جاء النهى عن التخريب وقطع الشجر وقطع النخل صريحا فى وصية خليفة رسول الله (عله) أبى بكر الصديقء وما كان لأبى بكر أن ينهى عن ذلك إلا عن هدى أخذه من النبى (): وخصوصا أن الصحابة أجمعين أقروه على ذلك2, ولم يوجد منهم من استنكر ذلك ولو أنكر ذلك أحد على الصديق لعلم من سيرة الصحابة ما يدل عليه.

5252 »ا ره العلاقات الدولية فى الإسلام د 2 2222222222 222 2222222222222 222222222222222 22222222222222 222222222222222

ولكن مع ذلك اختلف فقهاء المسلمين فى جواز قطع الأشجارء ولنذكر ذلك الخلاف فى إيجاز.

قال الأوزاعى فقيه الشام الذى كان معاصرا لأبى حنيفة رضى الله عنه «إنه يمنع قطع الشجر والثمر وأى تخريب اتباعا لكلام الصديقء, والصديق حجة, وخصوصا أن كلامه وافق عليه بقية الصحابة وما يمكن ذلك من غير اعتماد على قول للنبى صلى الله عليه وسلم أى عمل. ولأنه لا ضرورة حربية تسوغ التخريب, فإذا كانت هناك ضرورة حربية كأن يستتر به الأعداء ويتخذوه كمينا أو حصونا تستخدم ضد المسلمين فإنه يصح قطع الأشجار وتهديم البناء». ومع الأوزاعى فى هذا الرأى عدد كبير من فقهاء الأمصار من غير أصحاب المذهب.

وقال كشيرون من الفقهاء يصح هدم البناء وقطع الأشجار واحتجوا بما يأتى:

أولا: قوله تعالى فى سورة الحشر: :ما قطعتم من لينة أى تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله» واللينة النخلة, فهذا يسوغ على سبيل الجواز قطع الدخل.

ثانيا: أن المؤمنين خريوا بأمر النبى صلى الله عليه وسلم بيوت بنى النضيرء وذكر القرآن فيهم أنهم «يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين؛.

ثالثا: أنه () أمر فيما يروى بتحريق قصر مالك بن عوف وكان أمير الجيوش بالطائف, وأمر برمى حصن ثقيف بالمنجنيق .

رابعا: أنه (عله) أمر بقطع كروم ثقيف, وقد ذكر فى السيرة أنهم عجوا عند إرادة قطعهاء وقالوا: كيف نعيش بعد قطعها؟.

هذه أدلة الكثيرين من الفقهاء. وهى مأخونة من السيرة: والمسوغ فى نظرهم أنه إذا كانت نفوسهم قد استبيحت فما قيمة الأموال بعد الأنفس؟ ولأن الغرض هو شفاء غيظ المؤمنين وإغاظة لمحاربين عساهم يكفون عن اعتدائهم, وإغاظة المحاربين أمر مقصود فى ذاته؛ وقد أشارت بعض النصوص القراأنية إلى ذلك.

العلاقات الدولية فى الإسلام

4- ومن حق العلم أن نلقى نظرة فاحصة على هذه الأدلة. وخصوصاً ما يعتمد على ظواهر أوامر صدرت عن النبى صلى الله عليه وسلم.

وإن النظرة الأولى لهذه الروايات ترينا أنها لا تبيح التخريب إباحة مطلقة, وذلك لأن اللينة التى استشهد بها فى النص القرأنى التى ذكرت فى الدليل الأول ليس المراد بها النخلة: إنما المراد بها الثمرة, والنص القرأنى يفيد ذلك إذ يقول: «ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله» ولا يمكن فرض قيامها على أصولها إلا إذا كانت هى الثمرة لا أصل النخلة: وقطع الثمرة لا يعد

وقد روى أن رسول الله () استعمل أبا ليلى المازنى وعبد الله بن سلام, وكان أبى ليلى يقطع العجوة وهى ثمر طيبء وابن سلام يقطع اللون (جمع لينة) وهى ثمر ردىءء وقيل لابن سلام: لم قطعت اللون؟ أى الردىء فقال: لأنى علمت أن الله تعالى مظهر نبيه ومغنمه أموالهم, فأحببت إبقاء العجوة. وبالاتفاق قطع الثمر جائزء لأنه اكل لا تخريب فيه؛ مادام الأصل باقيا.

وبذلك يسقط الدليل الأول» ويتبين أنه لا حجة فيهء فلننتقل إلى الدليل الشانى وهى تخريب المؤمنين بيوت بنى النضير فنقول: إن ذلك كان لأنهم اتخذوها حصوناء واعتصموا بها وأنزلوا الأذى بالمسلمين منهاء فكان لابد لزوال أذاهم من تخريبها أو محاولة تخريبهاء وكان ما فعله الصحابة على قدر الضرورة: ولكنهم ‏ أى اليهود ‏ لما علموا أنهم مسلموها وتاركوها أتوا عليها هدما وتخريبا.

هذا هو الدليل الثانى ونراه لا يؤدى إلى إباحة التخريب.

أما الدليل الثالث ‏ وهى رمى حصون بنى ثقيف بالمنجنيق ‏ فلأنها حصون واعتصموا بهاء ولا بد من إنزالهم منهاء وقد كانوا قومآ غلاظاً أشداء. فيهم قسوة: كان لابد أن يصل الجيش إلى حصونهم ليصل إليهمء وليس تخريب الحصون لذات التخريب إنما هى لإضعاف قوة العدى .

5 . العلاقات الحدولية فى الإسلام 2222222 222222 2 2 2 2 2 222 22 2 2 2222222

هذا بطلان الدليل الثالث.

أما بطلان الدليل الرابع وهى التهديد بقطع كروم الطائف؛. فلأنهم كانوا يتخذون منها الخمرء وإن النبى () أمر بالقطع ولم يقطع, وذلك ليحملهم على التسليم: فتحقن الدماء بدل الاستمرار على القتل والقتال: ولذلك سلموا بمجرد أن رأوا النبى (علك) قد أمرء وظنوا أن المسلمين منفذون.

والخلاصة التى انتهينا إليها من بعد مراجمعة أوجه النظر المختلفة ومراجعة مصادر الشريعة ومواردها ‏ ما يأتى :

أولا: أن الأصل هى عدم قطع الشجر وهدم البناءء لأن الغرض من الحصرب دفع أذى الحاكم الظالم لا إيذاء الرعية.

ثانيا: أنه إذا تبين أن قطع الشجر وهدم البناء ضرورة حربية لا مناص منها حين يستتر العدو بها ويتخذ منه وسيلة لإيذاء الجيش الإسلامى فإنه لا مناص من قطع الشجر وهدم البناء. وليست فى ذاتها أعز من الأنفس التى تزهق فى الميدان» وقد فعل ذلك النبى (26).

ثالثا: أنه يخرج كلام الفقهاء الذين أجازوا قطع الشجر وتخريب العمران على أنه مقصور على هذه الضرورة. ولا يتصور أنهم قصدوا التخريب لذات التخريب. وخصوصا أنه كان الغالب أن الأرض تعود إلى المسلمين.

65 هذه نظرات إلى ما يحل فى القتال ومالا يحلء ونرى المسلمين يسيرون على مبدأ تقييد القتل ومنع الانطلاق فيه, وقصره على الذين يشتركون فعلا فى القتال؛ ولقد كان النبى (46) يحث على التأنى وتأليف القلوب؛ ويروى فى هذا أن عمر بن الخطاب عزل خالد بن الوليد لكثرة قتله من الأعداء. وقال: «إن فى سيف خالد لرهقا» وكانت تعجبه حرب عمرو بن العاص لقلة القتل فيهاء ويقول إنها حرب رفيقة.

وإن التخريب والإفساد لا يجوز إلا لضرورة حربية. وهذا موضع اتفاق لاخلاف فيه. أفلا فلينظر الناس إلى حرب اليوم التى لا تبقى ولا تذرء وتلقى أدوات الفتك على المقاتل والآمن فى سربه؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

٠. »«» 2 0‏ العلاقات الدولية فى الإسلام إيما لح 222222 2222 222222222 222222222222222 222222222 22222222222222 .”م : ىر ١‏

وإذا كان التخريب ومنع الإفساد فى الأرض أمرا محرما فى الإسلامء فإنه بلا ريب يمنع استعمال القنابل النووية منعا باتا .

أولا: لأنه تخريبء وثانيا: لأنه يتعدى إلى شعب الدولة المقاتلة, والإسلام لا يعتبر القتال مع الشعبء بل يعتبره مع الحكام المعتدين ‏ وثالثا: لأنه يتناول من يحرم قتلهم من النساء والذرية» فلا يحل للمسلم إذا أن يقاتل بهذه الأسلحة إلا إذا اعتدى العدو بالفعل بهاء فإنه يقاتل بها فى دائرة محدودة» وهى منعه من الاستمرار فى جريمته.

1. الفضيلة فى اثناء الحرب

71 من المقرر أن المعاملة بالمثل تتخذ مبدأ أساسيا فى العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم فى الحرب والسلم على السواء. ولكن اتخاذ ذلك المبدأ مقيد بالفضيلة؛ فإذا تعارض مع الفضيلة؛ أهمل واتبعت الفضيلة: لأنها المبدأ الثابت المقرر الذى لا يقبل التخلف كيفما كانت الحال.

وقد يعجب بعض الناس من أن الفضيلة تحكم فى وسط السيوف وحيث يستباح الإنسانء فإنه حيث استبيح لا يبقى من القيود شىء يحترمء ولكنا نقول إنها حرب مقيدة بقانون السماء. وهى حرب الفضيلة المقاومة للرذيلة المعتدية, وليس من المعقول أن يكون باعث الحرب الدفاع عن الفضيلة وتنتهك حرماتها فى الميدان من أهلها مجاراة للمعتدين.

ولذلك كانت الحرب من جانب المسلمين مقيدة بالفضيلة لا تعدوهاء ولو جاوز حدودها المعتدون.

فإذا كان العدو منطلقا من كل القيود الخلقية فجيش الفضيلة مقيد بهاء فإذا كان الأعداء يقتلون الصبيان والعمال والشيوخ والنساء أو ينتتهكون الأعراض. فإننا لا نجاريهم فى هذه الرذائل, لأننا مقيدون بالخلق الكريم. وإذا كان الأعداء يمثلون بجثث القتلى من المسلمين ويشوهونها لا نفعل مثل ذلك فى قتلاهم, لأن النبى (2) يقول: «إياكم والمثلة». ولقد قتل المشركون فى غزوة أحد

العلاقات الدولية فى الإسلام

22222222222222 22222222222222 222222222222222 2222222 2222222

جمزة بن عبد المطلب ومثلوا بجثته أشنع تمثيل فحز ذلك فى نفس النبى (2), لأنه عمه وأحب قرابته إليه. ومع ذلك لم يفكر فى أن يمثل بأحد من قتلاهم فيما جد بعد ذلك من حروبء وإذا كان الأعداء يجيعون الأسرى ويقتلونهم بالعطش فإن جيش الفضيلة لا يجاريهم فى ذلكء لأن الله تعالى أمر بإكرام الأسرى, والنبى (6) نهى عن أن يقتل أحد الآخر بالتعطيش.

7" - ولقد كان قواد المسلمين الذين يأخذون بالهدى المحمدى فى القتال يفعلون ذلك, ولعل أبرز القواد المتأخرين بعد عصر الراشدين الذين أخذوا بهدى الإسلام- يوسف صلاح الدين الأيوبى. فإنه قد أسر عدداً ضخما من الجيوش الصليبيةء ولكن لم يجد عنده طعاما يكفيهم فكان بين أن أن يميتهم جوعا أو يطلق سراحهمء فأوحت إليه فضيلة الإسلام أن يطلق سراحهم فخرجوا وتكائفوا وكونوا من أنفسهم جيشا يقاتله؛ فلم يندم القائد الفاضل البطلء ورأى أن يقتلهم فى الميدان محاربين بدل أن يقتلهم فى الأسر جائعينء وكانت المفارقة كبيرة بين صلاح الدين وقائد الفرنجة الإنجليزى عندما استسلم له جماعة من المسلمين بشرط ألا يقتلهم, فقبل الشرط ثم قتلهم جميعا.

ولنترك الكلمة للفيلسوف الفرنسى جوستاف لوبون يوازن بين العملين فهى يقول:

«كان أول ما بدأ به ريكارد أنه قتل صبرا أمام معسكر المسلمين ثلاثة ألاف أسير مسلم سلموا أنفسهم إليه بعد أن أعطاهم عهدا بحقن دمائهم ثم أطلق لنفسه العنان باقتراف هذا القتل والسلبء وليس من السهل أن يتمثل المرء درجة تأثير هذه الكبائر فى صلاح الدين النبيل الذى رحم نصارى القدسء فلم يمسهم بأذى, والذى أمد فيليب وقلب الأسد بالمرطبات والأزواد فى أثناء مرضهماء فقد أبصر الهوة السحيقة بين تفكير الرجل المتمدين وعواطفه وتفكير الرجل المتوحش ونزواته».

ولسنا نوازن بين عمل القائد المسلم صلاح الدين وعمل نابليون بونابرت عندما كان فى موقف يشبه موقف صلاح الدين. إذ أنه عند إرادته فتح عكا أسر

٠.» 5 00‏ العلاقات الدولية فى الإسلام لمج ججح اااااذذذذذذخذخذخاااا200ظ

عدداً كبيرا من أهل الشام ولم يكن عنده من الطعام ما يكفيهم فأعمل السيف فيهم, وحصدهم حصداء لا نوازن بين عمل القائدين:ء لأن الموازنة تقتضى قدرا مشتركا من الاتفاق فى كل من العملين يرجح فيه أحدهما على الآخرء ولم يوجد | فلا يوازن بين النور والظلمة, ولا بين الفضيلة والرذيلة:, ولا بين البطولة والنذالة, ولا بين الإنسانية الكريمة والوحشية غير المحكوممة بدين أو خلق. - وقد يقول قائل: هذه صورة سامية للحروبء وهى بلا شك حروب نبوة» وليست حرويا تستمد نظمها من الطبائع البشرية الأرضية:. ولا شك أن القواد المسلمين الأولين التزموها والتزمها بعض من الذين جاءوا بعدهم: فهل التزمها كلهم؟ إن التاريخ يحكى لبعض قواد المسلمين مثل ما يحكى عن القواد الآخرين. ونحن نقول: إن ما نقوله مشتق من الأوامر الدينية الخالدة والأحكام القطيعة التى سجلها القراأن وسجلتها السنة؛ وهى باقية ما بقى هذان فى الوجود. وإنهما لباقيان. ولا شك أن كثيرين من قواد المسلمين خالفوهاء ولا يغفض من قيمتها ولا من قيمة تلك الأوامر الدينية الإنسانية أن تخالف, لأن مخالفة قانون الأخلاق لا تغض من قيمة مبادثئه, فإن المبادىء لا تطاع إلا من أناس ربانيين لهم سمو فى أخلاقهم وتفكيرهم وأرواحهم, ولا يضيرها ولا ينقص من علوها مخالفة الناقصين فى إنسانيتهم منها .. وإننا نقول إن كثيرين من قواد المسلمين عندما نقصت روح الدين وتحركت العنصرية قد انحرفوا عن هذه التعاليم العالية لأسباب ليست من الإسلام فى شىء؛ بل هى على نقيض التعاليم الإسلامية. وأول هذه الأسباب انحرافهم عن مبادئ الدين» ولقد كانت الروح المسيطرة على الناس فى القرونء التى يسميها الأوربيون القرون الوسطىء, روح تعصب عنيف عندهم جعلت قواد الصليبيين لا يتمسكون بأى مبدأ خلقى أو إنسانى مع مخالفيهم فى الدين أى الجنس أو اللون: فكان لا بد أن يحاكيهم بعض المحاكاة

العلاقات الدولية فى الإسلام

2220

مخالفوهم من المسلمين: إلا من عصم الله كالناصر يوسف صلاح الدين:» إذ رأوا الغدر. وكان حقا على قواد المسلمين مع ذلك أن يبينوا فضائل دينهم وأخلاق الإسلام. وكان عليهم أن يقتدوا بالنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الراشدين والذين اتبعوهم: ولا يسايروا القساة الغلاظ فيما يصنعون. فإذا ذكرنا ذلك سببا لانحراف قواد من المسلمين فإننا مع ذكره لا نبرره؛ لأنا نريد لجيش الفضيلة أن

وثانى الأسباب ما قام به قادة الأعداء من انتهاك الحرمات والغلظة فى معاملة المسلمين الذين كانوا يقعون تحت سلطانهم: وما كان يفعله الملوك والرعايا غير المسلمين من إرهاق المسلمين الذين وقعوا تحت سلطانهم والتفتيش على قلوبهم, ثم العمل على إبادتهم بعد تعذيبهم, ليخرجوا عن دينهمء فإن لم يخرجوا قتلوهم, وإن أظهروا الخروج نقبوا عن سرائرهم: فكانت أخبار هؤلاء المنكوبين تشقق مرائر المسلمين» وربما حملت بعض قوادهم على أن ينكلوا فى الميدان غير متحرجين فى اتخاذ بعض ما يراه الإسلام مأثماء ومع ذكرنا لهذا السبب نقول أيضا: إننا لا نبرره. فجيش الفضيلة لا يليق أن ينغمس فى الرذيلة لأى سببء ولا مبرر لمخالفة قانون الأخلاق ولو كان الخصم لا يقيد نفسه به, والنبى () لم يمثل بجثث أحد من القتلىء مع أن أعداءه مثلوا بجثكث المسلمين واختصوا عمه وحبيبه حمزة بأشنع تمثيلء فبكى عليه ولم يجار الأشرار فى

شرهم. وثالث الأسباب- أن بعض هؤلاء القواد ا المسلمين الذين انحرفوا عن مبادئ

فلما حاريوا فى ظل الإسلام غلبت عليهم طبائعهم ولم يشربوا مبادئ الإسلام ولم يتعرفوا سماحته» ودفعهم طبعهم لمجاراة خصومهم.

5. احترام الكرامة الإنسانية فى الميدان

ذكرنا أن الكرامة الإنسانية يجب أن تلاحظ فى كل العلاقات الدولية: وليس غريبا أن تلاحظ فى حال السلمء وإن كنا نرى بعض الأوربيين يجعلون احترام الكرامة الإنسانية حتى فى السلم أمرا غريباء فلا يسمحون للملونين أن تكون لهم كرامة كإخوانهم البيض حتى فى المدارس والمعابد.

ولكن الغريب حقا أن تحترم الكرامة الإنسانية فى أثناء الحرب والسيوف متشابكة فينهى النبى الأمى محمد عن المثلة وتشويه أجسام القتلى, ويوجب دفنهم ولا يتركهم نهبا لوحوش الارض ووحوش الطير. فقد أمر بوضع جثث القتلى من أهل بدر فى القليب وهى بئر جافة؛ ولقد نهى () عن أن يتجه القاتل إلى ضرب الوجه ليشوه جسمه إلا إذا لم يكن من ذلك بد .

ولقد نهى (تك) عن تعذيب الجرحىء وإن قعدت قوة الجريح عن القدرة على المقاومة لا يسوغ قتله؛ بل يبقى ويداوى حتى يؤسر أو يفدى أو يمن عليه؛ وذلك لاحترام الإنسانية, ولأن القتال ليس القصد منه إلا إضعاف قوة الملوك وجيوشهم., وليس الغرض منه الانتقام.

وإن المعاملة بالمثل التى تفرضها قوائنين الحروب والمعاملات الدولية لا يسير بها المسلم إلى أقصى مداهاء ولى انتهكت الكرامة الإنسانية»؛ بل إن المعاملة بالمثل كما أشرنا من قبل مقيدة بالفضيلة ومقيدة باحترام الإنسائية ٠‏

1. انتهاء الحسرب

تنتهى الحرب بواحد من أمور ثلاثة :

إما باستنفاد أغراضها بأن يسلم الذين أرسلت الجيوش لقتالهم, أو يعقدوا عقد الذمة؛ أو يستسلموا ويطلبوا الأمان فرادى أى جماعات.

وإما بأن تكون موادعة ينتهى بها القتال مؤقتا لأمد معلوم.

وإما بصلح دائم مستمرء وقد ذكرنا أن النصوص القرانية لا تمنعه والأحاديث النبوية لم يوجد منها ما يدل على أنه غير جائزء وإن طلبه الأعداء أجيبوا حقنا للدماء مع وجوب الحذر.

العلاقات | الجدولية فى ا 19س لظ 222

وانتهاء الحرب باستنفاد أغراضهاء سنعقد له فصلا خاصا نبين فيه حكم الإسلام فى معاملة الأسرى ومعاملة المغلوبين» ولنبتدئ بالكلام فى الموادعة والصلح.

١‏ إن الموادعة هدنة فى فترة القتال قد تنتهى إلى صلح: حيث تقر النفوس ويكون التدبير للموقف, وربما تعود النفوس إلى رشدهاء وربما استوؤئف القتال بعدهاء

إذ أن الإسلام أمر بالاستجابة إلى السلم إذا دعى المسلمون إليهاء فقرر القرآن الكريم أن الأعداء إذا مالوا إلى السلم وجب أن يتجه إليه وأوجب على تبيه مع ذلك الحذر منهم والاحتياط؛ والله سبحانه وتعالى سيحميه من غدرهم إذا أرادوا أن يخدعوه )١(‏ .

: وإن الموادعة واجبة فى حالين‎ -

إحداهما حال الوجوب بنص القرأنء ذلك أن فى الإسلام أربعة أشهر يجب فيها الامتناع عن القتال إلا إذا اضطروا إليه, وتلك الأشهر هى ذو القعدة وذى الحجة والمحرم ورجب الذى بين جمادى وشعبان:ء وذلك لأن الأشهر الثلاثة الأولى يكون فيها الذهاب إلى الحجء والحج ذاته جهاد, لأنه يتعرف المسلمون بعضهم أحوال بعض فيه.ء والشهر الرابع كان الناس يعتمرون فيهء أى يذهبون لزيارة البيت الحرام. فهى أشهر فيها مناسك إسلامية.

ولذلك لا يحل للمسلمين أن يبدءوا القتال فيها إلا إذا كان دفعا لاعتداء داهم لا قبل لهم بالس كوت عنه. وكذلك إذا كانت الحرب قائمة فى هذه الأشهر ولا يستجيب العدو للموادعة فيها, لأن الموادعة عمل من الجانبين. وقد صرح القرآن الكريم بوجوب الامتناع عن القتال فيها إلا فى حال الضرورة: وقد نهى

)١(‏ من ذلك قوله تعالى: «وإن جنحوا للسلم فاجتح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم* وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هى الذى أيدك بنصره وبالمؤمئين» . [الآيتان: 77571١‏ من سورة الأنفال].

0 ب« ٠‏ العلاقات الدولية فى الإسلام 1 ا ا 2 22222222 222222222222222 تلجل بير ى ١‏

النبى (عله) عن القتال فيها )١(‏ , واكد ذلك النهى فى حجة الوداع فقد قال (#) فى خطبة الوداع التى كان يسرد فيها الأحكام الإسلامية .

«أيها الناس: إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرموته عاماء ليواطئوا عدة ما حرم الله» وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرضء وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرضء منها أربعة حرمء ثلاث متواليات» وواحد فردء ذى القعدة, وذى الحجة والمحرم: ورجب فهو الذى بين جمادى وشعبان. ألا هل بلغت اللهم أشهد؛.

ولكن لوحظ فى الحروب أن النبى (6) كان من جانبه لايبتدئ القتال فى هذه الأشهرء وما كان يهاجم فيهاء وجاء الذين من بعده فقامت الحروب بينهم وبين الفرس والرومان وهم لا يؤمنون بهذه الأشهرء وليس لها قدسية عندهم, فكان من العبث أن يتمسك المسلمون بها أمامهم إلا فى أضيق دائرة,. وهى ألا يبدءوا القتال فيهاء فإن كان قائما لم يتمكنوا من الموادعة, لأن العدو لا يؤمن بهاء وقد كان ذلك فى عهد الصحابة.

وإن تلك الناحية العملية جعلت كثيرين من الفقهاء يظنون أن حكمها قد نسخ., ولكن بالفحص الدقيق تبين أن الموادعة فى هذه الأشهر فى الحدود التى بيناهما شريعة باقية: أولا ‏ لأنه لم يوجد ما يدل على نسخها. وثانيا ‏ لآن أحكامها جاءت فى أواخر سور القرأن نزولا وهى التوبة. وثالثا ‏ لأن النبى (2) أكدها فى خطبة الوداع. ش

)١(‏ الآيات القزآنية الواردة فى تحريم القتال فى هذه الأشهر متها:

قوله تعالى: إفإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدمهح [سورة التوبة الآية الخامسة] .

ومنها قوله تعالى: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافةم ١.‏ [سورة التوبة الأية: 5؟] .

العلاقات الدولية فى الإسلام 222231111115151 جح 22 22222222222

وإن قيام هدنة دينية فى وسط أتون الحرب فوق أنه يصرف المسلمين إلى تعرف أنفسهم وإقامة شعائر دينهم والنزول فى ضيافة ربهم فى مكة وعرفات وسائر الاماكن المقدسة هو هدنة للنفوس يجعلها تفكر فى طريق سلمى مستقيم.ء وإذا تعاون العدى مع المسلمين فى ذلك فلا بد أن تعود القضب إلى أجفانها نهائيا» وتكون السلم العادلة إن خلصت النيات واستقامت العقول.

77 - والموادعة الثانية التى تجب بحكم الإسلام تكون عندما يطلبها العدو فإنه يجاب إلى طلبه؛ ولو كان المسلمؤن يعلمون أنهم يتخذون من المهادنة سبيلا للاستعداد. ولكن يجب مع ذلك الحذر فى هذه الحال )١(‏ » وإن النبى صلى الله عليه وسلم قد هادن قريشا عشر سنين ولكنهم نقضوا هذه الهدنة.

وقد قبل النبى صلى الله عليه وفسلم فى هذه الهدنة ما لا يمكن أن يقبله إلا نبى» وكان ذلك حقنا للدماء من الجانبين. ولتسير الرسالة المحمدية فى طريقهاء بعد أن زالت بعض المحاجزات التى كانت تقام فى سبيلها. وإنا نروى هذه الهدئة كما جاءت فى صحاح السنة فإنها بالإقدام عليها وبشروطها تكشف عن الرغبة فى السلام من جانبه, وقد كان معه جيش قوى يستطيع أن ينفذ به كرها ما يريد.

يروى البخارى أن رسول الله (#) خرج بجموع من المسلمين فى ذى القعدة من العام السادس ليحج إلى بيت الله الحرام بمكة وما حولهاء على الا يقاتل إلا إذا منع. فلما بلغ قريشا عزم النبى (2) ومجيئه مع أصحابه جمعوا له الجموع ليصدوه ومن معه, فلما علم ذلك النبى () - وقد لبس ثياب الحج- جمع أصحابه وقال: «أشيروا على؛» فقال أكبر أصحابه ومستشاريه ‏ أبو بكر- «يارسول الله خرجت قاصدا لهذا البيت لا تريد قتل أحدء ولا حرب أحدء فمن

العليم* وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين4 ٠.‏ [الآيتان: 77075 من سورة الأنقال] .

© له »» ٠‏ العلاقات الدولية فى الإسلام --ئ 222222 ا 2 2222222222 222 22222222 222222 222 22

صدنا عنه قاتلناه». فقال الرسول الأمين: «امضوا على بركة الله». حتى إذا شرف على مكة. قال: «والذى نفسى بيده لا يسألونى خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها».

ولما جاءت رسلهم إليه صلى الله عليه وسلم قال لهم: دإنا لم نجئ لقتال بهمء فإن شاءوا ماددتهم مدةء وخلوا بينى وبين الناس».

عرض عليهم وهو القوى بجيشه الغالب بنصر الله تعالى وتأييده المهادنة ليؤدى العبادةء فقبلوا المهادنة بشروط ليس واحد منها لمصلحته : فيها الناس ويكف بعضهم عن بعضء ويعتمر فى العام القابل.

وثانيها : أن من قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر والشام فهو امن على دمه وماله .

وثالثها : أن من أتى محمدا من مكة مسلما بغير إذن وليه رده عليهم .

ورابعها : أن من جاء إلى مكة ممن على دين محمد مرتدا عن دينه لم يردوه إليه .

وجاء شرط واحد فى مصلحة جماعة محمدء وهى أن من قدم مكة من الفريقين» وهى أن من أحب أن يدخل فى عقد محمد (أي يعامل كما يعامل) دخل» ومن أحب أن يدخل فى عقد قريش دخل ٠‏ ش

ولاشك أن هذه الشروط لم تجر فيها المعاملة بالمثلء وشق ذلك على المسلمين وهم الأقوياء. ولكتها النبوة؛ وجاءت النتائج فى مصلحة المسلمين» ذلك أن الذين كانوا يخرجون من مكة داخلين فى الإسلام, ولم يقبلهم النبى لم يعودوا إلى مكة, بل اتخذوا أماكن فى وسط الطريق وكونوا كميناً ضد متاجر قريش»2

0 5 م مه العلاقات الدولية فى الإسلام الا

فكانوا ينقضون عليهم والنبى ليس مسئولا عنهم لأنه ردهم. فاضطرت قريش أن تطلب إلى النبى أن يقبل كل من يجىء إليه مسلما .

وشرطهم أن يقبلوا كل من يخرج من عند محمد مرتدا لم يكن فيه جدوى يخرج من عنده المرتدون الذين يكونون شجا فى حلق الجماعة الإسلامية. الانتعهساء بصلح دائم :

4" انتهاء الحرب أى توقيها بصلح دائم لم يجئ من الن صوص القرانية ما يمنعه, قدوامه من موجب الوفاء بالعهد ولا يصح نقضه. وإلا كان غدراء والصلح الدائم يكون بالنص على الدوام أو بإطلاقه من غير مدة: وإذا كان بعض الفقهاء قد قرروا أن الصلح إذا لم يقيد بزمن يجوز نقضه لمصلحة المسلمين؛ أى إذا كانت مصلحة المسلمين فى نقضه. فإنهم قد أخذوا ذلك من واقعات الزمان, لأنهم لاحظوا أن المسلمين فى حرب دائمة» وأن من يعقد معهم صلحا لا ينوى الوفاء بهء فلا يكون من مصلحة المسلمين أن يستمروا على الوفاء مع توقع النقض من غيرهم., ولكن ذلك ليس ذلك هو المبدا المقرر الثابت فى النصوص الواردة عن النبى وصرح بها القرأن» فقد صرح القرآن بوجوب الوفاءء أيا كان العقدء وقال النبى لما بلغه أن من صالحهم يريدون النقض: ه«وفوا لهم واستعينوا الله عليهم؛.

وإن التزام الوفاء بالعهد فى صلح لا يمنع الحذر المستمر واليقظة الدائمة, فإن تبين أنهم يستعدون فعلا للانقضاض على المسلمين يطرح لهم عهدهم,؛ مع بيان الأسباب المبررة» ليكونوا على علمء وليستطيعوا الرد إذا لم تكن الأسباب

صحبيها.

ومن الصلح الدائم دخولهم فى عهد المسلمين كما ذكرنا من قبل .

525 م رء. العلاقات الدولية فى الإسلام 2 2222222 222222222222222 ”م تبمل بل" و١‏

انتهاء الحرب باءة ستسسلام 1

0 تنتهى الحرب بهزيمة أحد الفريقين: فإذا كانت الهزيمة للمسلمين لايستسلمون ولا يخضعون. لأن الإسلام دين العزة والكرامة؛ فلا يفشرض فى المؤمن الاستسلام للظلم وقبول المهانة. ولا هزم المسلمون فى غزوة أحد جمع النبى (2) متفرق الجيش ولم شمله. وأراد أن يتبع به الملشركين؛ ولكنهم رضوا من الغنيمة بالإياب» وإنه مؤيد من عند الله تعالى مادام على الحق ويجاهد فى سبيله.

وإذا كان انتهاء الحرب باستسلام العدى فإنه تقوم العدالة الإسلامية على أتم وجوهها ويمتع القتل والقتال» فيمنع الفساد فى الأرض. ولقد دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة وقد استسلمت,. فنادى مناديه: من دخل دار أبى سفيان ‏ وقد كان قائد الشر- فهو أمن, ومن دخل المسجد الحرام فهو أمن؛. ومن دخل داره فهو أمنء ومن امتنع عن القتال فهو آمن». وبلغه أن إحدى فرقه بقيادة خالد بن الوليد تقاتل بالصفا فأرسل إليه ينهاه عن القتال ويضع السيوف فى أغمادها.

وفى هذا الوقت تمحى العداوة القديمة ولا يبقى إلا العدالة وفتح الصدور للمودة وتطييب النفوسء ولا يقول الإسلام كما يقول أبطال الحروب اليوم: «ويل للمغلوب؛ بل يقول «رحمة بالمغلوب»», ولا تكون المعاهدات التى تعقب الحروب الإسلامية تشفيا وانتقاماء بل تكون. رحمة وتأمينا.. ظ

نتيجة الحرب بالنسبة للمخالفين: إما أن يكونوا أهل عهد وتكون دارهم دار عهدء وإما أن تدخل ديارهم فى ضمن الديار الإسلامية ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهمء ويكون لهم ذمة الله تعالى ورسوله فلا يزعج لهم أمن, ولايكلفون مالا يطيقونء ويكونون فى اطمئنان مستمرء ولهم حسن الجوار والمحبة الظاهرة.

العلاقات الدولية فى الإسلام

وإن السبب فى هذا السلم الواضح البرىء الذى تراعى فيه الرحمة وإيثار المودة هو أن الحرب فى الإسلام ليست حرب الشعوب. وإنما فى الحرب فى معسكر السلطان المتغلب على هذه الشعوب, فإذا استسلم جند ذلك السلطان فقد زالت أسباب الحرب» وبقيت الصلة الرحيمة بالشعوب والدعوة إلى الإسلام من غير اضطرار ولا إكراهءفمن شاء أن يومن آمن». ومن شاء أن يبقى على دينه حميت له حرياته» وأخصها الحرية الدينية, لأنه لا إكراه فى الدين .

ولكن بقى أولئك الجنود من معسكر السلطان الذين أعطوا أماناً خاصا, أو شدوا بالوثاق» ولذا نتكلم فى الأمان والأسرى . الأسشملان 5

1 بينا أن الحمرب من الجانب الإسلامى كما جاء فى القرآن والحديث لاتكون ضد الشعوبء ولكن هى ضد السلطان وعسكره الذى يعاونه فى ظلمه وطغيانه واستبداده, ولذلك فتح الباب لإنهاء الحرب قبل الاستسلام النهائى: وهذا هى الذى يسمى بالأمان» فقد أجيز لكل مسلم أن يعطى الأمان لأى شخص من الدولة المحاربة, وقد جاء القران بإيجاب إجارة المستجير وحمايته. حتى يصل إلى مكان أمنه ولو كان من الأعداء .)١(‏ وقد قرر النبى (عَل) أن لكل مؤمن أن يعقد عقد أمان» بل عقد ذمة؛ ولذا قال (6) : «المسلمون تتكافا دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم».

فلكل مسؤمن أن يعطى الآمان لأى شخص يلجأ إليه, وإعطاء هذا الأمان يكون ولو فى ميدان القتال لمنع استسمراره؛ والأمان يعطى للآحاد ويعطى للجماعات. ولو كانوا أمل حصن تحصنو به, ولا يعتبر الذين يعطون الأمان أسرى حربء بل يعتبرون أهل ذمة؛ أى يكون لهم ما للمسلمين )١( ٠‏ النص هو قوله تعال: إوإن احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم

أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون» . [الآية: 7 من سورة التوبة] .

العلاقات الدولية فى الإسلام ا 200

وعليهم ما غليهم, ولا شك أن الأمان لا يكون نافذاً فى النهاية على جماعة المسلمين إلا بعد إقرار ولى الأمر أو قائد الجيشء وليس له أن يلغيه؛ إنما عليه أن يقره إلا إذا ثبت أنه عين من العيون على المسلمين .

ويصح أن يعطى العبد الأمان, إذا كان مؤمناء وخرج مع مالكه للقتالء ولقد روى أن عبدا أمن أهل حصن فأرسل القائد إلى عمر يستشيره:ء فأرسل الإمام العادل «أجيزوا أمان العبد».

وإن إعطاء الأمان يتم ولى بالإشارة» بل اعتبر عمر رضى عنه أن من الأمان أن يقول لا تخفء ولقد بلغه أن بعض المجاهدين قال لمقاتل من الفرس: ولا تخف» ثم قتلهء فكتب إلى قائد الجيش: «إنه بلغنى أن رجالاً منكم يطلبون العلج (أى الرجل الفارسى أو الرومانى) حتى إذا اشتد فى الجبل وامتنع» فيقول له لا تخف. فإذا أدركه قتله؛ وإنى والذى نفسى بيده لا يبلغنى أن أحداً فعل ذلك إلا قطعت عنقه).

بل لقد اعتبر عمر رضى الله عنه من الأمان أن يشير إلى السماء بأصبعه مريداً تأمينه, ويقول رضى الله عنه: ولو أن أحدكم أشار إلى السماء بأصايعه لمشرك ثم نزل إليه على ذلك فقتله لقتلته به».

وهذه التوسعة فى معنى الأمان إنهاء جزئى للقتال بالنسبة لبعض الأحاد وذلك لحقن الدماء. وهو متبثق من معنى الحرب فى الإسلام. لأنها لدفع الاعتداء» وليست ضد الشعوب, ولا من سيقوا للقتال سوقاًء ولكنها ضد الطغاة من الحكام؛ وإن الأمان ليس معناه الاستسلام. بل معناه أنه ينضوى فى لواء الدولة الإسلامية, بحيث يكون منهم, له ما لهم وعليه ما عليهم»وإن مقتضى الأمان أن يحقن دمه فلا يقتل ولا يعد اسير خرب فلا يسترق. وإنه بالأمان يخرج من صفوف المقاتلين إلى صفوف اهل الذمة على شروط تشترط عليه؛ وعلى ذلك

يؤمن دمه من القتل وتؤمن رقبته من الرق.

آ العلاقات الدولية فى الإسلام . ال

- ذكرنا أن الإسلام يحافظ على الكرامة الإنسانية فى الحرب. كما يحافظ عليها فى السلمء ولذلك كان رفيقاً بالأسرى لا يهدر آدميتهم: ولم يعرف التاريخ محارباً كان رفيقاً بالأسرى غير الإسلام. فالقرآن الكريم اعتبر أبر القربات

. التى تكون من المؤمن وأخص أوصاف المؤمتين أنهم يطعمون الطعام للمسكين

والأسير .)١(‏ وقال النبى (6) «استوصوا بالأسارى خيراً.

ولماذا كانت تلك الوصايا بالأسرى؟ الجواب : أنهم يؤسرون وثيران الحرب ملتهبة وربما كان من بعضهم من قتل فيكون الاعتداء عليه غليظاً لشفاء الغفيظ وحب الانتقام؛ كما فعل الأوروبيون والأمريكان قيمن سموهم مجرمى الحرب» ولو أن الله تعالى استبدل بنصرهم هزيمة لكانوا بمقتضى هذا المنطق الغريب

فالإسلام حث على إكرام الأسير منعاً لتلك الروح الانتقامية الغليظة: وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يوصى بأسرى بدرء وكأنهم فى ضيافة وليسوا فى أسرء حتى إن بعض الذين نزل هؤلاء فى ديارهم كانوا يوثرونهم بالطعام على أولادهم.

والمسلمون حينئذ يكونون فى جهادين إذَا أولهما جهاد السيفء ونيران لاتسترسل فى الغيظ فيقع منها بالمغلوبين وخصوصا الأسرى مالا يرضاه الله

وماذا يصنع الإسلام بالأسرى بعد أن يأخذهم؟ لقد ذكر القرآن الكريم أن عليهم بإطلاق سراحهم(؟) .

[الآية 1 من سورة الإنسان] ٠‏

حتى تضع الحرب أوزارها» ٠‏ [الآية: ه من سورة محمد] .

2 5 لي 2 العلاقات الدولية فى الإسلام ل 000000000 ا[ذ|ذ[ذ[|[|[|[|!|[|[|[|[|[|[ذظ|[|[ذ|[1ذ[ذ|ذ|[ذ|ذ|ذ|[|[ذ|[|[|[|[ذ[|ز|[ؤ[|[ؤ[|[ظ|[ؤ[|[|[|[|[|[ؤ[ؤ|[|[|[|[|[|[|[|[|[ظ|[|ظ[|ظ|[ظ[ظؤ[ذؤ[زذؤ[زؤزذؤذؤذؤذؤذؤذ1ذؤذ2ذ2ظ

والفداء قد يكون بالرءوس فيطلق اسارى المسلمين فى نظير أن يطلق المسلمون أسراهمء وقد يكون المال» فإن كان الأسير فقيراً لا مال له» أو رشى من المصلحة الإسلامية إطلاقه ففى هذه الحال يمن عليه ويكون الصفح الجميل» وهو العلاج فى هذه الحال: ويكون العفى عن عباد الله(١)‏ . ولم يفرض الاسترقاق ‏ وهو الأمر الثالث - وبذلك يتبين أن القرآن ليس فيه إذن بالاسترقاقء بل فيه ما ينفيه إن لم يكن بصريح العبارة فإنه يكون بما تضمتنته الإشارة. وإن النبى (علكه) لم ينشىء رقا على حر قطء وما كان عنده من رقيق فى الجاهلية فقد أعتقه, وما أهدى إليه من رقيق بعد ذلك أعتقه وهكذا. إذا فلماذا كان فى الإسلام رق؟ ولماذا وجد الرق فى عهد الراشدين وهم الذين اهتدوا بهدى النبى صلى الله عليه وسلم؟. والجواب عن ذلك: أن نصوص القرأن لم تمنعه صراحة: وإن كانت أميل إلى المنع» والنبى لم يقره؛ وإن لم يمنعه؛ وبقى الأمر فيه لما يقضى به قانون المعاملة بالمثل» فإن كان الأعداء يسترقون كان للمسلمين أن يسترقواء من قبيل المعاملة بالمثل» وإن كانوا لا يسترقون, فلا يحل للمسلمين أن يسترقواء لأن ذلك يكون اعتداء وهم منهيون عنه. هذه أحكام الحرب فى الإسلام, وفيها نرى الرحمة والفضيلة والكرامة الإنسانية, والله سبحانه بكل شىء عليم.

. ومن الأمر بالعفو قوله تعالى إخذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين»‎ )١( . من سورة الأعراف]‎ ١99 [الآية:‎

العلاقات الدولية فى الإسلام

5-0 253565653151151 محتويات العتاب

تعريف بالشيخ الإمام محمد أبى زهرة. ش 5

تصدير عام 0 تقديم 14 دعائم العلاقات الإنسانية ‏ الكرامة الإنسانية 7 الناس جميعا أمة واحدة 3" التعاون الإنسانى ه” التسامح ”> الحرية ”> الفضيلة ع العدالة هن المعاملة بالمثل ١4‏ الوفاء بالعهد بذ المودة ومنع الفساد ءءُ . العلاقات الدولية فى حال السلم ١ه‏ دار الحرب ودار السلام ودار العيد دار العهد مه السيادة 56 سيادة الدولة على غير المسلمين 56 عهود ذمة لاتوجب الاندماج 7/١‏

المستأمن 73>

1 5 العلاقات الدولية فى الإسلام ر - 00

تطبيق القانون الإسلامى على المستأمن ٠‏ 7 الممثلون السياسيون . 7 ميراث المستأمن 74> المعاهدات والصلح 7 :الوفاء بالمعاهدات 44 توقيت المعاهدات وإطلاقها وتأبيدها 46 معاهدات الذمة والعهد 03 الحياد ' 4 خلاصة 1 5 العلاقات الدولية فى وقت الحرب 56 الباعث على الحرب والسلام 9 قبل المعركة ٠‏ فى المعركة ١‏ ما يحل فى القتال وما لايحل ‏ معاملة رجال الدين يل منع قتل الصبيان والشيخ والنساء ٠‏ منع قتل العمال» منع التغريب ٠6.‏ الفضيلة فى أثناء الحرب ل احترام الكرامة الإنسانية فى الميدان 0

انتهاء الحرب يح الانتهاء بصلح دائم 116 انتهاء الحرب بالاستسلام. ,1 الأمان من الأسرى يفن

مه »« ٠‏ العلاقات الدولية فى الإسلام 4 2 2 2 2 2 2222222 222222222222222

مؤلفات الإمام الشيخ محمد أبو زهرة

العالم الجليل الذى أثرى المكتبة الفقهية بموسوعاته, والذى ستبقى ذكراه شعلة وهاجة فى العلم والفقه الإسلامى. تلك المؤلفات الخصبة التى وهبه الله سبحائه وتعالى إياها لتكون منارا يهتدى به العلماء من بعده فى دراسة الفقه الإسلامى.

)١(‏ خاتم النبيين (6) (” مجلدات). )١(‏ المعجزة الكبرى ‏ القران الكريم. (") تاريخ المذاهب الإسلامية (جزءان فى مجلد واحد) . (4) العقوبة فى الفقه الإسلامى. ) الجريمة فى الفقه الإسلامى. )١‏ الأحوال الشخصية. )٠‏ أبى حنيفة - حياته وعصره - أراؤٌه وفقهه. 8) مالك حياته - وعصره ‏ آراؤه وفقهه. 4) الشافعى ‏ حياته - وعصره ‏ أراؤه وفقهه.

)١‏ ابن حنبل ‏ حياته - وعصره - أراؤه وفقهه. )١‏ الإمام زيد ‏ حياته - وعصره ‏ آراؤٌه وفقهه.

) ) ) ل ل )0( )1١)‏

(؟١)‏ ابن تيمية ‏ حياته - وعصره ‏ اراؤه وفقهه. )١7(‏ ابن خزم ‏ حياته - وعصره ‏ آراؤه وفقهه. )١5(‏ الإمام الصادق ‏ حياته - وعصره ‏ اراؤٌه وفقهه. )١15(‏ أحكام التراث والمواريث.

(11) علم أصول الفقه.

(11) محاضرات فى الوقف. . ...|

0

العلاقات الدولية فى الإسلام

لل 2 2 2 2222 2222222222222 222222222222

(14) محاضرات فى عقد الزواج وأثاره. (19) الدعوة إلى الإسلام.

)3١(‏ مقارنات الأديان.

)7١(‏ محاضرات فى النصرانية.

(71) تنظيم الإسلام للمجتمع.

(؟7) فى المجتمع الإسلامى.

(74) الولاية على النفس.

)١6(‏ الملكية ونظرية العقد.

(51؟) الخطابة «أصولها ‏ تاريخها فى أزهى عصورها عند العرب». (70) تاريخ الجدل.

)١(‏ تنظيم الأسرة وتنظيم النسل. (9؟) شرح قانون الوصية.

)٠١(‏ الوحدة الإسلامية.

)7١(‏ العلاقات الدولية فى الإسلام. (7") التكافل الاجتماعى فى الإسلام. (77) المجتمع الإنسانى فى ظل الإسلام. (4") الميراث عند الجعفرية.

تطلب جميعها من ملتزم طبعها ونشرها وتوزيعها. دار الفكر العربى

الترقيم الدولى 2 077-10-6