الإما / ,ابو ز هرو

اوس ع 5 هوغ غ ( 4 1 ”7 اب ) كت ي” الموكاال| اجا ا ل لسؤر ان 2 تاركهافى عيهرالنى وَالعَضَابَةوالنابعين والعوةٌالمتاكَحدَد ومَلِيحَب لان

طبعة جديدة وليل

أ 4 لدم كارا ليج 3 بالق 2 0 الإدارة : ١١‏ شارع جواد حسنىي ص . ب ١١١‏ القاهرة د ت: ؟؟وهو؟؟؟

)135.1 1])0//: ماغط

6 52 محمد بن أحمد أبى زهرة, 14894 - 19!/5,

مح دغ20 الدعوةإلى الإسلام : تاريخها فى عهد النبى والصحابة والتابعين والعهود المتلاحقة ومايجب الآن/ محمد أبو زهرة - طء؛ جديدة. - القاهرة : دار الفكر

العربىء 1941. لاهن 41د يشتمل على إرجاعات ببليوجرافية. -١‏ الإسلام - دعوة - تاريخ. أ- العنوان

عرس مومحم 4 المؤس تا شكة السك بردهة بمسشير مطرئة المحدى 184 تسالع الساسسية - التاهرة افخلاكم

)135.1 1])0//: ماغط

)135.1 1])0//: ماغط

تعريف بالشيخ الإمام محمد أنو زهرة الإمام محمد أبى زهرة تمنى عن التعريفء إذ لا يختلف اثنان على أنه كان إمام قليلة تشير إلى نشأة ذلك الإمام: والجى الذى ولد وماش فيه. والمواقف الشجاعة فى الإصلاح الاجتماعى والإسلامى؛ ولو أدى الأمر إلى الوقوف ضد اتجاهات السلطان.

1هءفى التاسع والعشرين من شهر مارس عام 1854م. فى المحلة الكبرى إحدى مدن محافظة الغريية.

وأسرة أبو زهرة ينتهى نسيها الى الأشرافء ولكنها لا تدعى ذلك كما يفعل الكثيرون, ممن يرفعون يذلك النسب خسيستهم: وإن كانوا فى واقع حالهم لا يستحقون الرفعة.,

- بدأ الشيخ حياته التعليمية فى الكتاب. شأن كل أزهرى فى ذلك الوقت, ثم المدرسة الأولية حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة؛ ثم انصرف إلى المدارس الراقية» وبها أتم حفظ القرآن الكريم, وتعلم مبادئ العلوم المدنية كالرياضة والجغرافياء بالإضافة إلى العلوم العربية» وفى سنة 1171م التحق بالجامع الأحمدى بطنطا حيث ظهر نبوغه وتفوقه على أقرانه مما أثار إعجاب المحيطين به من زملاء ومربين. وفى عام 1115م دخل الإمام محمد أبى زهرة مدرسة القضاء الشرعى بعد أن اجتاز امتحان مسابقة كان أول المتقدمين فيه رغم فارق السنء وعدد سنوات الدراسة بينه وبينهم.

- وقد تنقل رحمه الله فى عدة مناصب بين كلية أصول الدين: وكلية الحقوق؛ وتدرج هرات الكدركسى مان هدرتى: ل اشقاة ساعد إلى اشقان ذى كرسن لن رفن قننه التريعة إن أن العمل إلى التقاعة ام :010 عدوا حكين موا بجي التحوة تاوس بالأزهر فى فبراير عام 1417. وهو المجمع الذى يعتبر بديلا لما كان يسمى فى الماضى هيئة كبار العلماء.

يتحدث عن نفسه: يقول:

- اختلطت حياتى بالحلو والمر» وابتدأت حياتى العلمية بدخول المكتب لحفظ القرآن الكريم؛ وإذا كان النبات قبل أن يستغلظ سوقه يعيش على الحب المتراكب؛ وقد يرى بالمجهر سورة النبات فى ذلك الحبء فكذلك ينشأ الناشئ مناء وفى حبته الأولى فى الصبا تكمن كل

والأمر الثانى : أن نفسى كانت تضيق من السيطرة بغير حق.

ويسبب هذين الأمرين كانت حياة الشيغ أبى زهرة سلسلة من المواقف الشجاعة: يناضل فى سبيل الحق ضد الباطلء ولم يرحل عن دنيانا إلا وقد ترك ثروة” من العلوم الشرعية الإسلامية التى تحيط بكثير من الموضوعات من كل جوانيها. فهى الكنز الذى لاينقد: والنبع الذى لا يزال ينهل منه الظامئون, ولا يضيق بكثرة الناهلين,

للإسلام والمسلمين. الناشر

محمد محمود الخصرى

* المؤلفات الكاملة للإمام محمد أبو زهرة موضحة فى آخر الكتاي

)135.1 1])0//: ماغط

)135.1 1])0//: ماغط

ش ساف يرام الدعوة إلى الإسلام

-١‏ إن الحمد لله نحمده ونستعينه, ونتوب إليه, ونستغفره من تقصيرنا وسيئاتناء ونرجى العون منه فيما أقدمنا عليه من قول: ونصلى ونسلم على محمد المبعوث للناس كافة بشيراً ونذيراً» وعلى آله وأصحابه الكرام الذين حملوا الراية من بعده, وقاموا بحق الرسالة, والإعلام بها. حتى عم العلم بها أكثر من يجاورونهم ممن اتصلوا به من الشعوب والأقاليم, رضى الله تعالى عنهم وأرضاهم, وأثابهم على ما قدموا من بيان للرسالة.

أما بعد2 فقد رأى مجمع البحوث الإسلامية أن يكون من بين الموضوعات التى يتدارسها مؤتمره العام لسنة 141/7 مسالة الدعوة إلى الإسلام؛ فتكون مبحثا من بحوثه, يتدارسه أعضاه. ويتواصون على القيام بحق التبليغ الإسلامى امتدادا للتبليغ المحمدى الذى أمر به منزل الكتاب الكريم على نبيه ومن اتبعه إلى يوم الدين.

وإنا نقدم بعون الله العلى القدير هذا البحث؛ وقد قسمنا القول فيه إلى عنامسر وتمهيد؛ فيشتمل البحث على :

(1) تمهيد, نشير فيه إلى نشر الإسلام ابتداء؛ وكيف كان بعد وفاة صاحب الرسالة.

(ب) وجوب الدعوة الإسلامية ومقامها من التكليفات الشرعية ومدى أمر الله تعالى للأجيال من بعد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى القيام بالدعوة إلى الإسلام وليست إلا بيانه للكافة فى الشرق والغرب.

(ج) المنهاج الذى سلكه الحواريون من أصحاب رسول الله عَيْلّه وهم الذين عاينوا وشاهدواء لأنهم اتبعوا سبيل النبى َوهو سبيل المؤمنين.

(د) كيف انتشر الإسلام بعد الهداة الأولين» ومن الذين عملرا على نشره والدعوة إليه.

(ه) الحال فى هذا العصر والمنهج الذى يسلك فى الدعوة إليه.

وإئا إذا أوفينا البحث فى هذه الأمور على قدر طاقتنا نكون قد قمنا بتوفيق الله ببعض ما يجب علينا من العهد الذى أخذه الله تعالى علينا وأكده تعالى: لتبيننه للناس ولاتكتمونه(!».

. ١ما/ آل عمران:‎ )١(

)135.1 1])0//: ماغط

)135.1 1])0//: ماغط

التمهيد

-١‏ إن التبليخ الذى أمر به الله تعالى النبى طلنه فى قوله تعالى « يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ريك؛ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته!')» قد حملته أمته من بعده؛ ولها فيه أسوة حسنة لمن كان يرجى الله واليوم الآخر.

وإنه إذا كانت الدعوة المحمدية عامة للناس كافة؛ وأنه لانبى بعدهء فإن التبليغ لاينتهى بوفاة صاحب الرسالة؛ بل إنه يستمر ما دامت السموات والأرض لتحقيقهاء ولتعميم العلم بالإسلام, حتى يكون استحقاق الثواب لمن يؤمن» والعذاب على من يكفرء فإن الله تعالى يقول« وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا()» وقد بعث الرسول الذى هى خاتم النبيين وعلم أصحابه؛ وجعلهم رسلا من قبله للناس كرسل الحواريين فى عهد عيسى عليه السلام.

لقد ربى النبى عله ذلك الجيل الذى عاصره من الصحابة؛ وعلم أصحابة من بعدهم التابعين» وتوارث الناس العلم بالرسالة المحمدية جيلا بعد جيل» وحمل العلماء أمانة التبليغ, كما حمل أنبياء بنى إسرائيل الذين جاءوا بعد الرسل أصحاب الشريعة أمانة تبليغ رسالاتهم؛ وبيان شرائعهم ونشروها بين الناسء ولذلك قال النبى عله علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل». لقد كان الله تعالى يبعث نبيين مبينين لشريعة من سبقوهم من الرسل داعين» كالأنبياء الذين جاءوا من بعد موسى عليه الصلاة والسلام, مثل داود وسليمان وغيرهما من الذين لم يكونوا أصحاب شريعة: ولكن كانوا مطبقين للشريعة؛ حاكمين على مقتضاها .

فلما كان النبى مله خاتم النبيين؛ ولا نبي بعده؛ ولا وحي يئزل على أحد من خلق الله بعده؛ كان لابد أن يكون من يقوم ببيان الشريعة, وتبليغها للناس, فكانوا هم العلماء, وكانوا كما قال الرسول مَيّهُ كانبياء بنى إسرائيل الذين جاءوا بعد الرسل أمسجاب الشرائع؛ فكانوا يحق عليهم بيانها وتطبيقها ونشرها بين الذين خوطبوا بها.

"- ولقد قام المسلمون الأولون من أصحاب رسول الله له بحق الدعرة؛ رخلفهم من بعد ذلك التابعون؛ وكان من الحكام بعد الراشدين من قام بحق الدعرة, كالحاكم العادل عمر ابن عبد العزيز رضى الله عنه, وكان من العلماء من اتخذ مبدأ الدعرة إلي الإسلام والدفاع عنه منهاجاً من منهاجهم, فالمعتزلة وغيرهم كانوا ممن حمل الدعرة إلى الإسلام والرد على الإنادقة) والمتهجمين على الحقائق الاسلامية.

١١6 المائدة : 17 (0) الإسراء.‎ )١(

)135.1 1])0//: ماغط

وكان المجاهدون الأولون لايجاهدون للغلب وفرض السلطان:ء بل كان جهادهم ليشقوا الطريق للدعوة الإسلامية؛ حتى لا تقف محاجزات دونهاء كما سن النبى عله إن أنه عندما خاطب برسله هرقل؛ والمقوقس وغيرهما من حكام الأقاليم؛ كان يريد أن يفتحوا باب الدعوة لتصل إلى شعويهم, وإلا يفعلوا فعلى هؤلاء الحكام الذين يحاجزون بين الدعوة والشعوب, إثم هذه الشعوب, كما قال النبى عله فى كتابه لهرقل أسلم تسلم, وإلا فعليك إثم الإريسين.

وما كانت الحرب لحمل الشعوب على الإسلام؛ بل كانت لفتح الطريق لإعلامهم بالإسلام ومبادئه « فمن شاء فليؤمن, ومن شاء فليكفر(١)»‏ وإنه من بعد ذلك يتحمل وزر إنكاره بعد أن يعلم الإسلام من كل وجوهه؛ ويعرف ما فيه من خير وما فى اتباعه من هداية وإصلاح فإن كفر بعد ذلك فعن بينة. وإذا أمن فقد سلك سواء السبيل ببرهان ريه؛ وأنقذه الله من الضلال عن بينة,

ولقد كان عمر بن الخطاب يفرض على الولاة الذين يرسلهم إلى الأقاليم أن يقوموا ببيان الإسلام. والتعريف بحقائقه لمن يحكمونهم مسلمين وذميين,. فقد كان يقول لولاته «ما أرسلتكم لتضريوا أبشار الناس,» ولكن لتعلموهم أمور دينهم», ويذلك تتحقق الدعوة الإسلامية» ويقوم أمرها.

وكان من العمال الأتقياء ؛ من يقوم بالدعوة:» ويبينها تمكينا للإسلام: ثم كان أمر آخرء لا نذكره على أنه كان مقصوداً من الفتوح الإسلامية؛ بل نذكره على أنه جاء تابعا لها, ولغلب الحق على الباطل.

ذلك هي ما قرره علماء الاجتماع: وعلى رأسهم أول عالم اجتماعى «ابن خلدون» فلقد قرروا أن الضعيف مأخوز دائما بتقليد القوى, واتباعه, ذلك أن القوة فى ذاتها دعوة إلى

وإن الاحتكاك فى الحروب؛ يجعل الأخلاق والآداب تسرى بين الشعوب وتعلى الأخلاق القوية على الأخلاق الضعيفة؛ ويفيض الأعلى على الأدنى كشأن طبائع الأشياء فى الماديات والمعنويات على سواء,

فكانت الحروب معلمة بالإسلام: ودعوة إليه من غير إكراه؛ لقد كان شأن المسلمين الأولين فى غزواتهم أن يخيرو) من يحاربونهم بين أمور ثلاثة : أن يسلموا ويبينوا لهم الإسلام؛ أى يعقدوا معهم العهد, ليأمن كل فريق صاحديه: أى الحرب,

)١(‏ الكيف : ؟؟

م

)135.1 1])0//: ماغط

وإن ذلك يقتضى حتما أن يتعرفوا الإسلام وما اشتمل عليه؛ ويقابلوا بينه وبين ماعندهم وإنهم بلا ريب سيجدون فيه علواً على ما عندهم؛ وفى وسط هذا تسرى المبادئ؛ الإسلامية إلى الشعوب, كما يسرى النور فى الظلام: ويزيل كثافة الظلمات.

- وإن الأخلاق الإسلامية بجوار قوة المسلمين الحربية والمعنوية» وعدالة الغالب مع المغلوب, كل هذا يكون من شأنه أن يؤثر فى النفس» ويفيض منها ينبوع الخير» وتتفجر من

إن معاملة المغلويين الحسنة من شأنها أن تفتح قلوب ال مغلوبين إلى الهداية.

وقد كان الفغزاة الأولون فى قلويهم رحمة ورفة» وعدالة ووفاء وأخلاق العزة والكرامة التى لا تكذب ولاتنافق» ولاتهن ولاتذل. وإن ذلك؛ بلاشك من شأنه أن يدنى القلوب: ويؤلفهاء وإذا دنت القلوب هن آهل الإيمان سرى إليهاء ولاتقف محاجزات بينها وبيته.

إنه ثبت نفسياً أن التعصب لدين من الأديان ليس منشؤه قوة الإيمان به إنما منشؤه ضعف فى النفوسء وإنحياز فكرى؛ وعدم النظر إلى الأمر من كل تواحيه: ولاشك أنه إذا دنت القلوب بعد اغترابهاء ولانت بعد عصبيتها؛ تركت الانحياز إلى الائتلاف؛ والابتعاد إلى الاقتراب: وعندئذ يدخل نور الإيمان» وتتفتح أمامه المفاليق.

المعاملة» وروى فى بعض الآثار أن الدين المعاملة,

ولقد أوصى الله تعالى بحسن الجوارء وقال النبى َه : ه مازال جبريل يوصينى بالجار حتى ظئنت أنه سيورثه»,

وحقوق الجار عظيمة من شأنها أن تربط بينهما بالمودة» والحسنىء وقد قال عَله: «والله لايؤمنء والله لايؤمن, والله لايؤمن: قالها ثلاثاً. قالوا : من يارسول الله؟ قال : ذلك الذى لايأمن جارة بوائقه». لأولاد جارة: وكان إذا ذبم شاأة أفدى إلى الجار اليهودى منها.

)135.1 1])0//: ماغط

ولقد نص النبى مَيْهُ على الإحسان إلى الجار المشرك؛ فروى عنه أنه عه قسم الجيران إلى ثلاثة : جار مسلم نى رهم له حق الجوار وحق الرحم؛ وحق الإسلام؛ وجار مسلم, له حق الجوار وحق الإسلام؛ وجار مشرك له حق الجوار.

ومن هذه الأخلاق التى أوصى بها النبى عله فيها بحسن العشرة؛ وحسئن ا معاملة, دخل الإسلام إلى القلوب؛ وقرب النفوس.

4- وإن العدالة الإاسلامية فى الشعوب التى حكمها كانت مرطبة لنفوس المغلوبين مدنية لقلوبهم: فالله تعالى يقول : «ولايجرمنكم شئآن قوم على ألا تعدلواء أعدلوا هى أقرب للتقرى»(١)‏ ,

والنبى مله أوصى بالذميين: وقال : « من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة» ومن خاضكةة كفي

ولقد كان الخلفاء الرأشدون حريصين على إكرام الذميين؛ والعدالة فيهم» وحققوا القاعدة الفقهية التى تقول «لهم هالناء وعليهم ماعلينا» من غير وكس ولاشطط.

وإن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وجزاه اللّه عن الإسلام خيراً» كان يعد المعاملة الطيبة من الولاة للذميين دليلا على عدلهم: فكان إذا لقى الوفود من الأقاليم الإسلامية فى موسم الحج كان أول أمر يسأل عنه, معاملتهم الذميين» فإذا تبين له أنهم يعدلون معهم عرف أنهم عدول فى ذوات أنفسهم ومع رعيتهم على اختلاف نحلهاء فالعدل قرية وتقوى.

وإن المعاملة العادلة تجذب القلوب» وتدنيهاء فإذا علموا أنها من الدين الجديد فتحت قلويهم له. وصفت إليه واستجابت له.

ولنقص عليك قصة وقعت لشاب قبطى»؛ وتصور مدى أثرها الدينى فى نفوس شعب مصر,

تسابق شاب مصرى مع ابن عمرو بن العاصء, فسبقه المصرىء فعلاه ابن عمرو بالسوط يضريه؛ ويقول له: أتسبق ابن الأكرمين, فنشط الشاب المصرى إلى أمير المؤمنين, رشكا إليه الظلم الذى وقع به, فأبقاه عمر بالمدينة» وأرسل إلى عمرى يستدعيه هو وابنه, فقدما إلى المدينة, )١(‏ المائدة :لم

١٠

)135.1 1])0//: ماغط

واطمأن عمر العادل إلى صدق الدعوى؛ وأحضر الشاب المصرى. وأعطاه السوط, وقال : اضرب من ضربك: فأخذ يضربه؛ وكلما استأنى قال له : زد ابن الأكرمين. حتى اشتفى الشاب المصرى القبطىء ثم تحى أمير المؤمنين عمامة عمرى عن رأسه. وقال للشاب اضرب على صلعة عمرو: فباسمه ضربكء فقال الشاب : لقد ضربت من ضرينى يا أمير المؤمنين. فالتفت الفاروق إلى عمرىء وقال له تلك الكلمة النورانية الخالدة التى يترنم بها المسلمون وغير المسلمين إلى اليوم, قال منذ كم يا عمرو تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً».

لاشك أن هذه الحادثة سرت أخبارها بين المصريينء ووازنوا بهذا بين حكم الرومان الذى كان يجعلهم عبيداً؛ ولو كانوا نصارى مثلهم؛ وحكم الإسلام العادل الذى يجعلهم أحراراً» أو يحترم حريتهم الفطرية؛ ولو كان المعتدى أميراً أو ابن أميرء إن ذلك وحده دعوة عملية نافذة إلى الصدورء فلا غرابة أن تدخل مصر بعد ذلك فى الإسلام أفواجاًء طوعاً لاكرهاً وبرغبة لابرهبة.

ولعلهم رأوا عمر بن الخطاب يعيد إقامة حد الشرب على ابنه خشية أن يكون عمرو بن العاص قد حاباه فى إقامته بمصرء وقد رأوا ذلك رأى العيان وأى عدل أعلى من هذاء وهكذا نرى أن العدل فى ذاته دعاية قوية إلى الحق: لاتوجد دعاية أقوى منه بياناً وأشد برهاناً.

- وإن العدالة حتى فى الحربء والسيوف مشتجرة كانت سائدة واضحة. يحكى تاريخ عمر بن عبد العزيز الحاكم العادل» أن أهل صفد من أعمال سمرقند شكوا إلى الحاكم العادل عمر هذا أن قتيبة بن مسلم دخل ديارهم فاتحاًء من غير أن يخيرهم بين الإسلام أى العهد أى القتال؛ كما هو الشأن فى الحروب الإسلامية.

شكوا ذلك إلى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه فأرسل إلى القاضى يأمره بأن يجلس ويحقق الشكوىء ويجمع بين الشاكين والقائد العظيم قتيبة ين مسلمء؛ فسمع القاضى إلى الشكاة: وإلى مقالة قتيبة: فتبين له صدق الشكوى: فأمر الجند الفاتح أن يخرج من ديار سمرقند» ويعود إلى تكناته قبل الفتح, ثم يعود القائد إلى تخييرهم بين الإسلام والعهد والقتال.

لاشك أنهم يختارون العهد ولايختارون القتال؛ والكثيرون منهم يدخلون فى الاسلام, سواء أرضى أولياء الأمر فيهم أم لم يرضوا .

١١

)135.1 1])0//: ماغط

إن الإسلام كان دين العدل فى وسط عنجهية الحكم الطاغىء والظلم المبين» وكان فيه إنقاذ الرعية من الولاة الظالمين, والظلمة الآثمين,

ولاشك أنهم عرفوا أن الإسلام فى عهوده التى يعقدها مع الحكام ملوكا كانىا أى غير ملوك. كان يشترط عليهم العدل فى رعاياهم: فإن لم يعدلوا فقد نكثوا فى أيمانهم ورد إليهم عهدهم, وقام المسلمون بقتالهم لإبعادهم عن ظلم الرعية: ذلك أن الظلم حرام فى الإسلام؛ جاء بتحريمه القرآن ووصايا النبى عله وكل شرط يحل حراما أى يحرم حلالا فهو رد على

ترطه كما قال عَنّهُ : «المسلمون عند شروطهم إلا شرطأً أحل حراما أو حرم حلالا» وإن الظلم حرام بحكم الشرع: وبحكم العقل,

الحال الْأن

1- حالت الأحوال: وتغيرت الأمور: قصار ما يظهر من المؤمنين يخالف مايدعى إليه دينهم. وصار بأسهم بينهم شديداً والعدل الذى كان داعيتهم اختفى فيما بينهم؛ فلم يعدلوا فى أنفسهم, ولم يكن العدل أساس علاقتهم بغيرهم, إن فسد حكامهم, وصار الطفيان هو الذى يسيطر عليهم: ويزعمون أن ذلك حكم الإسلام؛ واضطربت الأمورء وشغرت الأمة من أن ترى حاكما يحق الحق, ويزهق الباطل؛ ويعلى معالى الأمورء وحكّم الهوى والشهوة واستمر الظلم فيما بينهم» حتى ضعفوا وهانواء ويعد أن كانوا الأقوياء الذين يطلب منهم العدل فى أنفسهم وغيرهم صاروا الضعقاء المستجدين الذين يستجدون العدل من غيرهم لأن العدل فضيلة القوىء لم يعوبوا أقوياء, بل صاروا المستضعفين الذين استخذوا وذلواء وصار غيرهم يتصرف فى أمورهم, ولا رأى لهم؛ وإن استشاروهم ظاهراً؛ فالأمور يبت فيها من ورائهم باطناًء ولاحول ولاقوة إلا بالله تعالى» وهو مصرف الأمور ومقلب القلوب.

ولقد كان التجار المؤمنون يحسبون أن عليهم واجب التبليغ فبلّفوا مع فساد 2 وإن شرق أفريقيا كان تجار الحضارمة فى وسط ظلم الحكام وفساد بيوت المال» يقومون بالدعوة فيه حتى فشا الإسلام فى الصومال وزيلع ويرر وصومع وإيرتريا والحيشة:؛ وكانوا الغالبية الساحقة فيهاء وإن لم يكن لهم بطش أمام حكامها غير المسلمين المؤيدين من المسيحية العالية التى لاتتمثل فيها روح السيد المسيح عليه السلام,

١

)135.1 1])0//: ماغط

وأخلاق المسلمين الظاهرة تغيرت, فلم يكونوا فى هذا الزمان صورة للاستقامة وقوة الإيمان» واستشعار العزةء بل خنعوا وهانوا فى أنفسهم,؛ فهانوا فى نظر غيرهم, ورضوا بالأمور القائمة: وإن كانت تفرض الذل عليهم, وإذا دعاهم داع إلى العزة استهانوا بدعوته, أو وضهوا أصسابعهم فى أذانهم, واستفشوا ثيابهم, وقاوموا وعاندوه, ورهسوا أن يكونوا قوما بوراً» وأن يكونوا أذلة للكافرين المتحكمين, والمتغطرسين على المؤمنين؛ وشيروا وبدلوا فى معانى كناب الله تعالى الخالد الذى وصف الأولين من المؤمنين بأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين: فبدلوها بأن صاروا أعزة على ضعقائهم أذلة لغيرهم: ويعد أن قال الله فى وصف المؤمنين الصادقين أنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم. صاروا خانعين للكفار أشداء على أنفسهمء يسومون إخوانهم العسف والهوان: ويطأطئون الرءوس هلعا وخوفاً

ولقد حكمت الأهواء والشهوات الملوك وسرت إلى الرعية؛ وهذا وهن من الأمم, ولقد قال عه فيما روته الصحاح:

«تتداعى عليكم الأمم تداعى الأكلة على قصعتهاء قالوا: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير» ولكن غثاء كفثاء السيل» ولينزعن الله تعالى من قلوب عدوكم المهابة منكم, وليرزقنكم الوهن: قالوا: وما الوهن يارسول الله. قال : حب الدنيا وكراهية ا مرت ».

وهانحن أولاء الآن كذلك فى هذا الزمان: غلبت على حكامنا الأهواء والشهوات: وسرت إلى من حولهم الذين يلفون لفهم: ويدورون حولهم: ويلقفون من مائدتهم ما يبقى منهم؛ غير ملاحظين ديناً ولاخلقاً؛ ولامروءة ولاكرامة.

وقد يقول قائل : هل صارت الأمة كلها كذلك: وقد قال النبى مَيَّْه: «الخير فى وفى أمتى إلى يوم القيامة» ونقول فى الإجابة عن ذلك, إنا نرجى أن نكون من أمة واحدة التى قال فيها عليه الصلاة والسلام ذلك.

ولكن نقول إن هذا الأمر البارز الظاهر» وهى تحكم الأهواء والشهوات, والدعوة إلى اللهو والعبث, وسيطرة الترف, والله تعالى يقول : « وإذا أردنا أن نهلك قرية أهرنا مترفيها, ففسقوا فيها فحق عليها القول؛ فدمرناها تدميراً!") ».

1

)135.1 1])0//: ماغط

إن فى المسلمين بحمد الله صالحين مؤمنين, ولكن غمرهم الذين أفسدوا المجتمع الإسلامى, وجعلوه مجتمعاً لاهياً لاعباً فإن لم يكن كذلك كان خائعاً مستسلماً لايفير ولايبدل» وهى يرى التغيير فى أحكام الله تعالى والتبديل فيهاء ولايعلن استنكاره؛ وإن استنكر فيقليه, وهو أضصعف الإيمان. ويذلك صار المسلمون قوماً بوراً» إذ رأو! الباطل» ولم يعلنوا استنكاره؛ والظلم ولم يقاوموه؛ والنبى عله يقول : « لتأمرن بالمعروف, ولتئهون عن المنكر, ولتأخذن على يدى الظالم؛ ولتأطرنه على الحق أطراء أو ليضرين الله تعالى قلوب بعضكم ببعض, ثم تدعون فلايستجاب لكم» ولقد قال عَيّهُ ه لايسال العامة ظلم الخاصة حتى يروا الظللم فلا يغيروه ».

نحن نسلم أن المفسدين ليسوا الكثرة, بل ليسوا فى أنفسهم كثيرين: ولكنهم الذين سيطروا على الرأى العام؛ وشكلوا المجتمع بشكلهم,

ويذلك ضعف المسلمون عن الدعوة إلى اللّه تعالى والتبليغ الذى حملوه عن النبى َه فضاعت الدعوة يضياعهم,

- هانت الدعوة: ليس عند عامة المسلمين فقطء بل إننا رأينا من العلماء من يزعم أن التبليغ قد تم» وأن غير المسلمين عليهم أن يتعرفوا الإسلام من غير أن نعرفهمء وأنهم مسئولون عن جهلهم بحقائق الإسلام؛ ولسنا مسئولين عن تعريفهم به مادام الإسلام قد أعلن ابتداء. وظهر أمره فى الوجود» ولى كان قد ذكر عندهم بغير حقائقه. ويغير أصوله. فعليهم أن يبحثواء وليس علينا أن نعلمهم بعد الإعلان» ونسوا قول على كرم اللّه تعالى وجهه: «لايسأل الجهلاء لم لم يتعلموا حتى يسال العلماء لم لم يعلموا» ولكن تقاصرت الهمم, حتى وصل القصور إلى من تجب عليهم الدعوة.

لقد أهملنا الدعوة والتعريف بالإسلام حتى بين المسلمين؛ إن فى أطراف البلاد الإسلامية: من لم يعرف من الإسلام إلا الشهادة, والصلاة على انحراف فى أدائهاء فقيهم من يجهلون أحكام الزواج ما يحل منهاء ومايحرمء ففى أطراف أندونسيا من يبيحون لأنفسهم عن جهل زواج الوثنية بالمسلم وزواج المسلمة بغير المسلم كتابياً أووثنياء ولاتقوم جماعة أو أحاد» بتعليمهم مبادئ الإسلام فى تكوين الأسرة؛ وما يحل فيهاء ومايحرم.

وهكذا كان التقاطع, والتدابر من أسياب جهل المسلمين بدينهم فضلا عن أن يوفروا أحكامه لغيرهمء ويبلغوا رسالة نبيهم فى الآفاق.

١

)135.1 1])0//: ماغط

صدقهاء ودليل العرفان بحقها.

وإن الرجل يقرأ فى التراجم الشائهة: فيلمس فيها النور وسط ظلمات التشويه فيؤمن: مع العوائق التى تحول بيته وبين الإيمان من أحوال المسلمين الظاهرة.

محاجزات بينه وبين من يلتمس الحق فيه؛ وهى مع ذلك لايزال ينتشر بقرأنه وحقائقه؛ وسنة نبيه عله ولا يزال بعض المفكرين يطلبه مع هذا الركام الذى ارتكس فيه المسلمون,

وإننا نجد التبشير النصرانى يحاول أن ينشر النصرائية بين المسلمين جاهداء ولكنه يرتد خاسئاً وهى حسيرء من حيث العقائد الإسلامية والأحكام العملية التى اشتمل عليها.

ولكنه يجئ إلى النفوس التى حلها الهوى؛ وأفسدتها الشهوة؛ واستولى عليها تقليد أقوياء هناء فيحاول أن يخرجها من العمل بحقائق الإسلام؛ وأحكامهاء فيظن الظنون فيما جاء به القرآن؛ ويذلك نيتت فيه داعية الخروج على الأحكام الإسلامية: فنبتت داعية الدعاة إلى الربا بزعم أن الزمن يطلب التحلل من أحكام الله تعالى القاطعة. وداعية تقليد النصارى فى الطلاق وتعدد الزوجاتء وغير ذلك مما بدت أضراره عند التصارى وهو سلامة للمؤمنين, والأسرة الإسلامية أقوى الأسر فى العالم تماسكاء وأقواها نظاماء ولكن هكذا كانت الآفة فى النفوسء ولم تكن فى الإسلام.

ولقد اجتمع مؤتمر فى القدس من نحى بضع عشرات من السنين فقيل لكبيرهم إن النفقات على التبشير كبيرة:؛ ولكن لانجد من يخرجون من الإسلام إلى النصرانية: فذكر أن المبشرين لم ينجحوا فى إدخال المسلمين فى النصرانية؛ ولكنهم نجحوا فى تهوين الحقائق الإسلامية فى بعض المسلمين: فهل أن أن نعتبر» وندفع الشرء ونحصن أنفسنا منه؛ وهل أن لنا أن نعرف الناس بدينناء والعالم فى حاجة إليه. لأنه الدين الذى يؤمن بالله والرسول, والعقل والعلم» وإنه لابد أن يكون ذلك ولى بعد حين.

١م‎

)135.1 1])0//: ماغط

وجوب الدعوة بحكم تكليفق

4- إنه من مكرور القول أن نقول إن الإسلام دين الكافة, فإن رسول الله محمداً #2 أرسل إلى الناس كافة كما قال تعالى « وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً(١)»,‏ وكما قال تعالى « قل يأيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعاًء!")

ولقد قال رسول الله مله «كل نبى بعث إلى قومه وإنما بعثت للأحمر والأسود» فبمقتضى الأثر وتلك الآيات كان الإسلام دين الكافة, والناس جميعاً مطالبون بالاستجابة لم جاء به النبى عله وسجله القرآن الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه فى محكم أياته.

وإنه لانبى بعد النبى مله فهى خاتم النبيين وقد قال تعالى فى ذلك « ما كان محمد أبا أحد من رجالكم» ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين» 9 .

وعلى ذلك يكون الإسلام دين الأجيالء فهو دين الجيل الذى بعث فيه محمد مه ودين الأجيال من بعده؛ حتى يوم الدين.

وإنه لاتكليف من غير إعلام» ولاثواب ولاعقاب من غير علم بالرسالة ودعوة إليهاء فإذا كان الإسلام ديناً عاماً؛ وديناً خالداً يخاطب الأجيال كلهاء فلا بد من معلمين داعينء ولا بد من دعوة دينية مستمرة متجددة يتنقل فيها بين البشرء ليتحقق العلم بهذا الدين الحنيف الذى هو دين اللّه كما قال تعالت كلماته : « إن الدين عند الله الإسلام » [4),

وقد تولى النبى عَيْلّهُ الدعرة ينفسه؛ وكانت دعوته إلى التوحيد وما أمر اللّه تعالى به. وما نهى عنه, بتلاوة القرآن بين ظهرانى المشركين وبيان أحكامه للمؤمنين, كما من الله تعالى بذلك عليهم؛ إذ يقول سبحانه وتعالى هى الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلى عليهم آياته ويزكيهم؛ ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين * وآخرين منهم

لما بلحقوا بهم 0" )١(‏ سب :8م؟ (5) الأعراف : ١١4‏ (؟) الأحزاب : 6٠‏ (؟) آل عمران : ١5‏ (5) الجمعة : ؟.؟

الل

)135.1 1])0//: ماغط

وكانت دعوته لمن يلاقيهم من الأقوام آحاداً وجماعات:؛ وكان يرسل جماعات من أصحايه الذين علموا علم الإسلام؛ وفقهوا أحكامه إلى الأقوام يهدونهم ويعلمونهم؛ ومنهم من كان يطلب فقهاء فى الإسلام ليعلموهم فكان النبى مله يرسل» ومن الأعراب من كان يفدر بهم» وينافق فى دعوتهم إلى التفقه. وهم يبيتون الشرء كما قتلوا غدراً ستة من المؤمنين الصادقين: وكما قتلوا سبعين قتلة فاجرة, ولكن النبى مي كان يريد نشر الدعوة؛ وما كان يعلم ماتكنه القلوب: ولكنه كان يريدهم أنصاراً كالحواريين؛ كما قال تعالى؛ « يأيها الذين أمنوا كونوا أتصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بنى إسرائيل وكفرت طائفة ,)١(»‏

ولما سيطر التبى عله على البلاد العربية» وصارت كلمة الله تعالى هى العليا كان يرسل لمن لم يدخل فى الإسلام ممن أعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون من يدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم وقد أرسل إلى جزء من اليمن أبا موسى الأشعرىء ومعاذ بن جبل دعاة وهداة: وأرسل فى الجزء الثانى خالد بن الوليد ولكن لم يستجيبوا له. فأرسل إليهم على بن أبى طالب فدعاهم., ثم أمهم من بعد دعوته إلى الصلاة.

قام النبى عله بالتبليغ الكامل استجابة لأمر اللّه تعالى : « يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك؛ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته؛ واللّه يعصمك من الناس »(").

ولم يكتف النبى عله فى تبليقه رسالة ربه بالرسل يرسلها إلى الأقاليم, قاصيها ودانيهاء سهلها ووعرهاء نجدها وسهلهاء بل تجاوز فى تبليغه إلى غير العرب» فأرسل إلى هرقل ملك الرومان يدعوه إلى الإسلام: وجاء فى كتابه ..

« من محمد رسول اللّه إلى هرقل ملك الروم ...

إنى أدعوك بدعاية اللّه. أسلم تسلم. يؤتك الله أجرك مرتين وإن لم تفعل فإن عليك إثم اليريسين: « يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولانشرك به شيئاً ولايتخذ بعضنا بعضاً أربابا من دون اللّه. فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .().

114 : المائدة : /1” (؟) آل عمران‎ )5( ١5: الصف‎ )١(

١ / 0

وأرسل مثل ذلك إلى المقوقس عظيم مصرء وإلى النجاشى ملك الحيشة: وإلى كسرى فارسء وغير هؤلاء, ومنهم مَنْ رد ردأ جميلاء وإن لم يستجب لدعوة الحق؛ ومنهم من قبح رده وأخذته العزة بالإثم؛ وهو كسرىء وقد مزق الله ملكه. إذ مزق كتاب النبى عله » وبعث من يقتل النبى عه فقتلته رعيته.

وهكذا نجد النبى َه . قام بحق الدعوة, ودعا بالحكمة لتبليغ رسالة ريه كما قال تعالى : « ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وجادلهم بالتى هى أحسن .)١(»‏

وكما قال تعالى : « وادع إلى ربك ولاتكونن من المشركين»!') وكما قال تعالى : «وادع إلى ربك: إنك لعلى هدى مستقيم »(2).

وإن الدعوة إلى الله هى عمل الأنبياء. كما قال تعالى: «يأيها النبى إنا أرسلناك

شاهداً ومبشراً ونذيرا + وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا»!').

وهكذا كانت دعوة النبى عَلَّهُ ماضية قائمة؛ كان يدعى بنفسه؛ ويرسله وكتبه حتى بلغ

التكليف لمن بعده :

1- لقد خاطب النبى نه بدعوة التوحيد من عاصروه من العرب ومن جاورهم: وما كان من شأن دين تطالب به الأجيال كلها فى مشارق الأرض ومغاربهاء أن يترك من بعدّه فى عماء من أمره, ولايعرفون شيئًا عن العقيدة التى دعا إليها ذلك الدين: بل لايترك محمد عَيه, الأمر من بعده من غير تكليف لمن اتبعوهء واهتدوا بهديه أن يقوموا بحق الدعوة ونشرهاء لأنه لايمكن أن يكون المخاطبون بهذا الدين» وهم الإنسانية كلها من بعده من غير هاد يدعى, ولامرشد يبين قياساً على قوله تعالى « وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا »(*) » وقوله تعالى: «وإن من أمة إلا خلا فيها نذير »('), فالنذير المحذرء والبشير المبشرء لابد من وجودهما فى

كل عصر.

117 : النحل : ه؟ (؟) القصص : ام (9) الحج‎ )١(

(2) الأحزاب : ه4١1‏ )6( الأسراء : ه١‏ (1) فاطر : ١‏

)135.1 1])0//: ماغط

)135.1 1])0//: ماغط

وأولئك يقومون مقام الأنبياء فى بنى إسرائيل. كما أشار إلى ذلك قول النبى مَل فى قوله . « علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل ».

إن الله أرحم يعباده من أن يترك الناس من بعد رسوله لاتم النبيين بوراً لاهادى يهديهم ولا داعى للحق يدعوهم إليه؛ والعقول وحدها لاتكفى للهداية؛ وقد ضلت العقول وتافت الأفهام تحت لجاجة الأهواء والشهوات» وعندئذ يتخذ الناس إلههم هواهم.

لذلك كان تكليف النبى تبليغ دعوته تكليفاً لأمته. وقد صرحت بذلك الآيات البينات من كتاب الله تعالى: فقد قال تعالت كلماته : « قل هذه سبيلى أدعو إلى اللّه على بصيرة أنا ومن اتبيعنى وسبحان اللّه وما أنا من المشركين ,)١(‏

وقد دلت هذه الآية على أمور ثلاثة : أولها - أن دعوة المؤمنين إلى اللّه من اتباع النبى مله وأنه من تخاذل عن الدعوة لابعد تابعاً للنبى عه

ثانيها - أن تكليف النبى مله تبليغ رسالة ريه تكليف لأمته. لايتخلى عنه مؤمن ولابتركه أمين .

ثالثها - أن يكون الداعى له بصر بالأمورء يأتيها من طرقها المسلوكة فى رفقء لينا فى دعوته؛ يأتى الأمور من مصادرها ومواردها موّمنا بها على بينة من أمرهاء لا تأخذه فى الحق هوادة: وليس للباطل عنده إرادة 5

وإن الآية الكريمة فى جملتها تدل على أن الإيمان وحده لايكفى فى اتباع النبى عله بل لابد لكمال الاتباع من الدعوة: بل عليه لأجل الاتباع أن يسلك سبيله فى الدعوة إلى الله وهى الهادى إلى سواء السبيلء فمن اهتدى من بعد البيان فلنقسه؛ ومن ضل فإنما يضل عليهاء وما اللّه يريد ظلما للعياد.

إن الله كمال شفل السلمن هوا رغلن الناس ووخهل الرسهرل شاهذاً علييهه: وشهادتهم على الناس تقتضى دعوتهم إلى الحقء وشهودهم لحالهم فى إيمانهم وكفرهم, سبحانه وتعالى بهذه الشهادة القائمة المستمرة فقال تعالى : « وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم: وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هى سماكم المسلمين من قبل وفى هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس»!') وقال تعالى :

)١(‏ يوسف : ٠١8‏ () الحج . الم

)135.1 1])0//: ماغط

«وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناسء ويكون الرسول عليكم شهيد ا )١(»‏ والمعنى وعلم الحقيقة عند اللّه أن الله جعل أمة محمد عله هى الأمة المثلى» لأن الوسط معناه الأمثلء وكانت تلك المثالية بأن يكونوا شهداء على الناس يبينون لهم الحق والإيمان: والرسول له شهيد بأن مايبلغونه هى الحق إن استقاموا على الطريقة.

٠‏ - والنصوص قد وردت صريحة مطالبة الأمة بالتبليغ كل على مقدار علمه وطاقته فى التوجيه والارشاد:

(أ) أن اللّه تعالى حرض المؤمنين على أن يجيئوا إلى النبى عله ولن يخلفه فى أمر أمته. ولن ينصب نفسه للهداية والدعوة» يجيئون إلى هؤلاء ليعرفوا حقائق الدين: وليتفهموها ويعودوا إلى أقوامهم يعلمونهم ما تعلمواء فقال تعالى : « وما كان المؤمنون ليتفروا كافة,

فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهمء لعلهم 0000 يحدرون

(ب) وإن الله تعالى أمر بالهجرة فى سبيله, دعاة إلى الحق هداة مرشدين يدعون إلى سبيل الرشاد؛ فقد قال تعالى فى فضل من يهاجر فى سبيل اللّه تعالى داعياً إلى دين الله «ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغما كثيراً وسعة: ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى اللّه ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه. وكان اللّه غفوراً رحيما»(")

فالهجرة كما يبدو من ظاهر الآية هى الفرار من ظلم الشرك؛ وتتضمن أيضاً إشارتها الهجرة فى سبيل الحق والدعوة إليه.

(ج) ومن الدعوة إلى الله تعالى قوله جل شأنه : موجباً لها : « ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرء وأولئك هم المفلحون + ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات. وأولتك لهم عذاب عظيم »(!)

وإن هذه الآية دلت على أمور ثلاثة :

أولها - وجوب الدعوة إلى الخير» وأى خير أعظم من الدعوة إلى الإسلام: إنه الخير, وهو دين الله تعالى؛ وهى الحق الذى فيه إصلاح البشر فى معاشهم ومعادهم.

ثانيها - أنه بعد الدعوة إلى الخير يكون العمل على إيجاد جماعة فاضلة بين المسلمين, ترى المعروف فتؤمن به وتدعى إليه» وترى المنكر فتنهى عنه. حتى لايسود الجماعة

١؟؟‎ : التوية‎ )١( ١51 : البقرة‎ )١( ٠١6 ى٠١4‎ : آل عمران‎ )4( .٠٠١ : (؟) النساء‎ 0

)135.1 1])0//: ماغط

إلا الخير ؛ ويختفى من بينها الشرء فيموت فى مكمنه , ولايرى النور » فيذبل ويختفى فى الظلام.

ثالثا - أن السكوت عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يؤدى إلى سيادة الشر فى الجماعة: وإذا ساد الشرء تحكمت الأهواء والشهوات:؛ وعندئذ يكون التفرق» ويركب كل امرئ متن هواه: فتتفرق الأمة بعد اجتماعهاء ويعد أن جاءتها البينات.

(د) وإن الدعوة إلى الإسلام أخذ بمبدأ الأمر بالمعروفء والنهى عن المتكر, فلا يوجد معروف تدركه العقولء وتقر به الأفهام أكشش من الدعوة إلى الوحدانية الكاملة, وحدانية الله تعالى فى ذاته وصفاته. وأنه الخالق لكل شئ” وأنه المعبود بحق وحدهء وعبادة غيره هى الضلال البعيد وتحكم الهوى والأوهام فى العقول .

يقول سبحانه وتعالى : « كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر, وتؤمنون باللّه. ولى آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم .)١(»‏

(ه) ولقد ندد الله تعالى بالذين يكتمون العلم, وخصوصاً علم الكتاب وما أنزله الله تعالى؛ واللّه تعالى يقول : « إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتابء أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون + إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا , فئولتك أتوب عليهم؛ وأنا التواب الرحيم »!').

ولاشك أن الذين لايدعون بدعاية الله يكتمون الحق الذى أنزله الله سبحانه وتعالى, ليعم هذا الوجود الإعلام به,

و( إن من المقررات الشرعية فى الدلالات القرآنية أن كل أمر للنبى ملّه؛ فى أمر لامته, إلا أن يقوم الدليل على تخصيص التكليف بالنبى ل وقد جاء الأمر بالتبليغ موجهاً للنبى» وبالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة, . فكان هذا أمراً للناس كافة للقيام بذلك الواجب المقدس, إذ لادليل على أنه خاص بالنبى بل قام الدليل على عموم التكليف فيما تلونا وفيما بيناء وفى الأمر لنا بأن نتخذ رسول اللّه تعالى أسوة حسنة نتبعه فى هديه, وفى أمره ونهيه؛ ولقد قال تعالى: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرج الله واليوم الآخر, وذكر اللّه كثيرا/')»

وإنه بمقتضى هذه الاسوة التى تجب على المؤمنين يكون من الحق عليهم أن يقتدوا به فى هديه ودعائه إلى الإيمان» وإعلان ما أعلنه, واتباعه فى كل ما اتجه إليه من وسائل الدعوة إلى الله ورسوله .

؟١‎ : الأحزاب‎ )5( ١1١.١64 : البقرة‎ )0( ٠١١ : آل عمران‎ )١(

5

)135.1 1])0//: ماغط

(ن) وإن الله وصف ال مؤمنين بأنه استخلفهم فى الأرضء أى جعلهم خلفاء له ولأنبيائه, وإن مقتضى هذه الخلافة عن الأنبياء أن يقوموا بما كانوا يقومون به من واجب التبليغ والدعوة إلى اللّه تعالى .

وقد قال تعالت كلماته : « وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم» وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم؛ وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً؛ يعبدوننى لايشركون بى شيئاً» ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون»() .

وإن هذا الأمر يدل على حقيقتين ثابتتين استلزمتهما حقيقة الإيمان والعمل الصالح:

الأولى - أن المؤمنين الصادقين الذين يقومون بالعمل الصالح هم خلفاء الله فى الأرضء وخلفاء النبى ذى العزم من الرسل فى الدعوة إلى اللّه تعالى» وألا يشركوا به شيئاً خهرا أن انسانا. فالؤمقرة برالة عمد تله خلفازه فى الدعوة إلى دينه الحكيم » ويث حكمته وأقواله فى قلوب البشر الذين لم تبلغهم رسالته؛ ولايعرفون حقيقة الدين الذى يدعرن إليه فذلك حق عليهم .

الثانية - أن الله تعالى وعد المؤمنين الصادقين بأن يمكّن لهم دينهم الذى ارتضوه, وارتضاه الله تعالى لهم؛ وليس ذلك التمكين بغير جهد مبذولء ولابغير دعوة مستمرة دائبة لاتفتر ولاتسكن, إنما هو العمل المستمر فى سبيل الدعوة إلى اللّه تعالى: وإن ذلك فوق أنه أداء واجبء هى السييل لسيادة الأمن؛ وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمناً؛ وأن يكونوا في الأرض سادة لاتتداعى عليهم الأمم تداعى الأكلة على قصعتهاء أى تداعي الذئاب عليهم لتفرض عليهم الذلة» ويستعبدوا فى أرضهمء وتستغل غلاتهم.

وإن الحروب التى شنها النبى ليله حماية للحوزة: وتمكيناً للدعوة؛ كان يبدأ فيها بالدعوة للإسلام: فكان عله يأمر جنده الذين يرسلهم إلى الأقاليم بأن يدعوهم أولا إلى الإسلام؛ فإن أسلموا فإخوانهم فى الدين» يعلمونهم أحكامه. ويبينون لهم هديه؛ وإن لم يسلموا عرضوا عليهم العهد؛ فإن عاهدوا على العدل فى الرعية؛ كان لهم ماللمسلمين وعليهم ماعليهم فإن لم يفعلوا كان القتال ولايقاتلونهم» حتى يبدءوا هم, ويقتلوا قتيلاء فيريهم القائد المسلم بأمر محمد أن يقول لهم أما كان خيراً من ذلك أن تقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ,

وكما وردت بالتكليف بالدعوة نصوص قرأئية؛ فقد وردت أيضاً أحاديث داعية إلى التبليغ؛ بأن تبلغ ما أمر به النبى ته وما أعلمه من حقائق إسلامية:

06 النور : مه

ف

)135.1 1])0//: ماغط

(]) منها أنه َه أمر من شهده من المؤمنين أن يبلغ من غاب عنه؛ سواء أكان من أهل جيله آم ممن يجيئون بعده من الأجيال, لافرق بين قريب منه؛ وبعيد عنه, فلقد جاء فى خطبته فى حجة الوداع؛ وهى ينادى الأجيال فى عرفات ببيان موجز للأحكام الإسلامية « ألا قليبلغ الشاهد منكم الغائب» فتلك دعوة عامة لمن شهد من المؤمنين أن يعلم من غاب منهم الناس؛ والمشاهدة التى توجب الإعلام تشمل من حضر النبى تله وأشرقت عليه أنواره بلقائه بالحس, ومن علم علم القرآن ويعلمه قد صارت النبوة بين جنبيه, فإنه قد شاهد الرسول بقلبه؛ وإن لم يشاهده بعينه, فكان عليه التبليغ, لأنه تلقى التكليف عنه وعن الله فيجب أن يبلغ .

(ب) وقد صرح النبى عله بأنه يجب أن يعم قوله؛ وتعمم هدايته بالرواية عنه, وتبليغ قوله وشرعه؛ فلقد روى الشافعى أن رسول الله ميل قال: « نضر الله تعالى عبدا سمع مقالتى» فحفظهاء ووعاهاء وأداهاء فرب حامل فقه غير فقيه؛ ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه؛ ثلاث لايغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله والنصيحة اللمسلمين» ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم»

وإن هذا يحث على أن ننقل أقوال النبى مَللّهُ إلى الأجيال من بعده؛ وإن أقراله عله هى رسالته, وبلاغمها وتبليغهاء فاللّه تعالى ينضر وجه الذى يفعل ذلك؛ ومن ذا الذى لايريد أن ينضر الله وجهه, ولايكون له عنده وسيلة لرضماه.

ثم الحديث يدل مع ذلك على وجوب النصيحة وإخلاص العمل لله تعالى» وأى عمل أجل فى العمل للّه تعالى من أن يبلغ رسالة اللّه. وأن يحمل ما حمل النبيون؛ ويقوم بما يجب عليهم من التبليغ اتباعاً لهم وأخذأ بهديهم, رسلوكا لسبيلهم: وهى سبيل الله تعالى.

ويهذا نرى الحديث يتضمن فى دلالته القريبة وجوب الدعوة أو الندب لها.

(ج) وإن النبى عَيهُ جعل خيرية الأجيال بمقدار دعوتهم للإسلام؛ والأخذ بتعاليمه, فقد روى الشافعى أن عمر بن الخطاب رضصى الله تعالى عنه وقف بالجابية بالشام خطيباًء وقال : إن رسول اللّه قام فينا كمقامى فيكم, فقال : «أكرموا أصحابي» ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم, ثم يظهر الكذبء حتى إن الرجل ليحلفء ولايستحلف, ويشهد ولايستشهد» ألا فمن سرته بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة, فإن الشيطان مع الفذء وهى من الاثئين أبعد, ولا يخلون رجل بامرأة, فإن الشيطان ثالثهماء ومن سرته حسنته, وساعته سيئته فهى مؤمن» وفى هذا الحديث بيان أن خير الأمة الذين شاهدوا وعاينواء وهم أصسحابه الذين جملوا رسالته, ويلغوها الناس» ونشروا أمرها فى الآفاق» ثم الذين اتبعوهم بإحسان فى حمل الدعوة,

زف

)135.1 1])0//: ماغط

وتبليغهاء رحملوا علم الصحابة وعلم الرسول إلى جيلهم: ثم الذين يلونهم؛ وكانت الأفضلية فى نظر الفاروق الذى لم يفر فريه فى الإسلام أحد مثله, على حسب قوة التبليغ وحمل الأحكام الإسلامية وتعريف الناس بهاء وإن التبليغ قد أخذ يضعف من بعد حتى ظهر الكذب. والكذب أمارة الضعف النفسىء؛ ومن ضعفت نفسه تخاذلت عن القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المتكر وإن النفوس القوية هى التى تفيض على من دونهاء فالخير يجئ من أعلى» وينصب فى الأدنى؛ ومن هانت نفسه لم يستطع القيام بحق غيره من الإرشاد والتهذيب.

(د) والنبى عله كان يحث المؤمنين على أن يكونوا هداة مرشدين مبينين ويعد هداية النفوس لاتقل عن الجهاد فى سبيل اللّه فضلا فيقول لبطل الجهاد وإمام الهدى على كرم اللّه وجهه : « لأن يهدى اللّه تعالى بك رجلا واحداً خير مما طلعت عليه الشمس وغريت » .

والجهاد بالحربء ودفع الأذى هو لقيام الحرية الدينية» وفتح الطريق أمام الهدى المحمدى: فهو وسيلة للدعوة, والغاية هى الدعوة: ومما لاريب فيه أن الفايات هى الصورة المطلوية بالذات والأصلء والوسائل مطلوية تبعاً للغايات, والمتبوع دائماً خير من التابع وأفضلء فهى المقصد بالقصد الأول والوسائل مقصودة بالقصد الثانى ,

(ه) وإن الراشدين من الآئمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلى كاثوا يرسلون العمال إلى الأقاليم دعاة إلى الإسلام هداة مرشدين: فوق إقامة العدل: ومنع الفساد فى الأرض .

فعمر بن الخطاب» وهو الذى اتسعت فى عهده رقعة الدولة الإسلامية يقول لولاته: «إنى ما أرسلتكم لتضربو) أبشار الناسء ولكن لتعلموهم أمر دينهم» ومن تعليمهم أمور الدين أن يبينوا لغير المؤمنين حقائق الإسلام, وهم أحرار بعد ذلك فى الدخول فيه« فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (21.

ولقد نهج نهج الراشدين عمر بن عبد العزيزء فلقد كان يحثهم على الدعوة إلى الحق, وتعليم الناس أمر دينهم؛ ونشر الحقائق الإسلامية فى ربوع الذين لم يدخلوا فى الإسلام,: واستظلوا بالعلم الإسلامى؛ ونعموا بالعدالة التى تعم ولاتخص؛ وعاش فى ظلها البرئ والسقيم؛ والمسلم وغير المسلم ,

ولقد دخل الناس بهذه الدموات المستمرة: وبالأخلاق الإسلامية أفواجاً وكثروا وكان من أسلم تسقط عنه الجزية» وتجب عليه الزكاة والكفارات»: والصدقات المنثورة .

؟ة١:فبكلا)١(‎

>”

)135.1 1])0//: ماغط

ولقد خشى والى بيت المال أن يخلو بيت مال الخراج والجزية من المال: فهم بألا فى كتابه الحكيم : « إن اللّه تعالى أرسل محمد بن عبد اللّه عله هادياً. ولم يرسله جابياً » .

ومن هذا الكتاب الحكيم يتبين أمران : أحدهما - أن الدعوة إلى الإسلام فى الهداية الكاملة. فهى عمل الرسول» وعمل من يقتدى به .

وثانيهما - أن كل ما ينافيها حرام يمنع, وإنه يذلك يتبين أن الدعوة إلى الإسلام أجمع الصحابة على وجويها؛ وأجمع التابعون من بعدهم على ذلك؛ فهما إجماعان يؤكد

نوع الوجوب

- اتفق أهل العلم على وجوب الدعوة الإسلامية, وكان ذلك الاتفاق إجماعاً انعقد فى عصر الصحابة: ثم عصر التابعين: والإجماع لاينقض إذا تخاذل المسلمون عنه؛ وقعدوا عنه, فلم يقوموا بحقه .

وكون الإسلام كان ينشر نفسه بتعاليمه» ويتعرف بعض الناس به لايمنع من الوجوب, فالدعوة الحق لازمة ووجوبها مستمر دائم, لأنه لابد أن يسأل الناس لم لايعرفونه, قبل أن يعرفهم المؤمنون الصادقون:؛ فلا يسال الجاهل لم لاتعلم, ولايسال العالم لم لايعلم .

ولكن هذا الوجوب الخاص بتعليم الناس حقائق الإسلام أهو وجوب على الخاصة؛ أم هى على الكافة؛ ويعبارة أدق أهى فرض عين أم فرض كفاية .

إننا إذا رجعنا إلى ما كان يفعله الصحابة ومن بعدهم التابعون, نجد كل من كان يعلم بالإسلام وحقائق الإيمان يعلم غيره من المشركين؛ وممن يتصلون به بصلة قرابة أو جوارء أ لقاءء فالدعوة كانت عامة؛ لإحساسهم بمسئولية التعليم لمن لايعلم, ولأنهم يعلمون أن الإسلام هداية إلى الحق فيدعون إليه من يكون فى ضلال من أمره. وإنك إذا قرأت لقاء الذين هاجروا إلى الحبشة من الصحابة؛ فقد تكلموا بالإسلام» وييان دعوة محمد عله فلقد وقف جعفر بن أبى طالب يشرح للنجاشى حقيقة الإسلام:« روت أم سلمة؛ وكانت وزوجها من المهاجرين أن النجاشى دعا المهاجرين إلى الحبشة يسألهم عن الدين الذى أخرجهم قومهم بسببه؛ قائلا لهم ما هذا الدين الذى فارقتم به قومكم؟ فكان الذى كلمه جعفر بن أبى طالب رضوان الله تعالى عليه فقال :

73”

)135.1 1])0//: ماغط

أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام, وناكل الميتة ونأتى الفواحشء ونقطع الأرحام ونسئ الجوارء وياكل القوى مذا الخسعيفء حتى بعث الله تعالى إلينا رسولا منا تعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه, فدعانا إلى الله تعالى لنوحده وئعبده وتخلع ما كنا تعبده نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان» وأمرنا بصدق الحديث, وأداء الأمانة وصلة الرحم: وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم؛ وقذف المحصنات, وأمرنا أن نعبد الله وحدهء ولانشرك به شيئاً» فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله تعالى فعبدنا اللّه وحده فلم نشرك به شيئاًء وحرمنا ما حرم عليناء وأحللنا ما أحل لناء فعدا علينا قومناء فعذبوئا وفتنونا عن ديئناء ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى» وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث؛ فلما قهروناء وظلمونا, وضيقوا عليناء وحالوا بيننا وبين دينناء خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا فى جوارك؛ ورجونا ألا نظلم عندك؛ أيها الملك .

قال النجاشى مجيباً عن هذا الكلام المبين بإيجاز لما جاء به محمد عَهُ: هل معك مما جاء به عن اللّه تعالى شئ؛ ؟

فقال جعفر رخى الله عنه: نعم .

قال: فاقرأه علىء فقرأ عليه من سورة كهيعص .

فبكى النجاشى حتى اخضلت لحيته. ثم قال : إن هذا والله والذى جاء به عيسى ليخرجان من مشكاة وأحدة » .

ونرى من هذا أن جعفرا رضى الله عنه دعا عند طلب بيان الحقيقة فلم يضن بألبيان» وكذلك الشأن فى كل مؤمن يجب عليه البيان عندما يطلب منه. ويجب عليه البيان عندما يجد أذناً مصغية؛ ويجب عليه عندما يجد إلى ذلك سبيلا من غير غلظة» ولاتقحم؛ بل يدخل إلى الأمور من أبوايها ,

ونرى أن جعفراً بكياسته الهاشمية اختار سورة مريم التى فيها ذكر لميلاد أم المسيح وولادته, لأنه يخاطب رجلا مسيحياً» فكان ذلك أدنى لاستجابته وأقرب لهدايته؛ وذلك هو طريق الدعوة .

وكذلك كان كل رجل مؤمن ممن ارتبط معه برابطة صداقة أو قرابة أى جوار أى معرفة يذكر ما هداه الله تعالى إليه. وما كان سبباً لهدايته موازنا بين الحق الذى اعتنقه؛ والباطل الذى تركه ,

51

)135.1 1])0//: ماغط

والنبى عله كان يرسل الهداة إلى القبائل النائية؛ كما روينا فى إرساله معاذ بن جبل وأبى موسى الأشعرىء وعلى بن أبى طالب إلى اليمن» وقد أرسل وهى فى مكة يعد بيعتى العقبة مصعب بن عمير» يفقه الأنصارء ويحفظهم القرآن» ويعلمهم الصلاة؛ ويقيمها بينهم .

١"‏ - وننتهى من هذا إلى أن الهدى المحمدى فى المصر النبوى كانت فيه الدعوات الإفرادية: والتى يتولاها بهدى النبى عله كل مؤمن مدرك يعرف الحق ويستطيع أن يؤديه كما يتسع بيانه؛ وكان النبى مله يتولى الدعوة يبثها بنفسه الطاهرة العالية, ويرسل أصحابه إلى الجماعات وإلى القبائل ممن أوتوا القدرة؛ ولذلك نرى أن الدعوة إلى الإسلام فرض عينى على كل قادر عليهاء ووجد الفرصة سانحة لبيانهاء فينتهزهاء وهى فرض كفاية على الجماعة الإسلامية: إذ يجب ألا يخلو عصر من الدعوة بحيث لى تقاصرت همم الآحاد» أو لم توات لهم الفرصة قام من عينتهم الدولة» أو تهيات لهم الأسباب ليقوموا بذلك الواجب المقدس.

وإن لذلك تفصيلا نعرج عليه بالبيان غير مطنبين» ذلك أن الإسلام له إجمال وتفصيل, فأما الإجمال فالدعوة إلى اللّه تعالى ببيان وحدانيته؛ وأنه لاشريك له؛ وأن عبادة من لاينفع ولايضر باطلة:» ثم بيان أن الإسلام قام على خمسة أمور هى دعامته : عبادة الله وحده, وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاء وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم ولابد أن تكون الفاتحة من بين ما يحفظ .

ويبين لهم الصلاة: أركانها وترتيبها والوضوء وأركانه» وغير ذلك مما لابد منه ليعد الفتتهن ممليا بويقدكة ومن إذاء فرائضية.

وإن هذا واجب عينى على كل مسلم يبين الإسلام لمن يأنس بأنه ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه؛ ولن تربطه به مودة؛ ويحب الخير له, كما كان يفعل المؤمئون الأولون؛ فقد كان كل صحابى داعية لمن يعرف: فأسلم عثمان بدعوة أبى يكربوكان بيتهما ود.

ولا ننسى أن المعاملة الطيية دعوة صالحة: وأن الود يقربء والعداوة تفرق: وأنه لايجوز سب دينه ولا التهجم على اعتقاده. فإن التهجم يوجد مقاومة: والمقاومة توجد الانحياز, والانحياز يضع حاجزاً بينه ومن يريد هدايته .

ولايجادل فى الحقائق؛ فإن المجادلة تسطزم إرادة الغلب من كل من المتجادلين, وإرادة الغلب تمنع وصول الحق؛ وإذا كان لايد من المجادلة فإنها تكون بالتى هى أحسن, ولاتكون بالمعائدة والمغالبة, بل بالاتجاه إلى المعنى الجامع كما قال تعالى : « ولاتجادلوا أهل

يف

)135.1 1])0//: ماغط

الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم, وقولوا آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد وتحن له مسلمون .)١(.‏

وإن المودة تدنى, والمحبة تجعل السبيل إلى الإقناع معبداً» والإسلام دين الألفة, والدعوة بالائتلاف أقرب وأهدى سبيلا. والنبى عله يقول « تألفوا الناس »» ويقول « بشروا ولاتنفرواء ويسروا ولاتعسروا» ولو جئت إلى مخالفك بما يجمع بينكما مبتدئاً به انتهيت إلى أن يوافقك فيما تختلفان فيه.

ويدخل ذلك كله فى قوله تعالى : « ادع إلى سبيل ريك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن .)"٠»‏

وإن الدعوة الآحادية لمن يكون منك دانياًء وإن هذه سبيل قد أنتجت فى الحاضر إن خلصت النية» واعتزمت» واتجهت. واستجابت لأمر الله تعالى ونهيه .

هذه هى الدعوة الآحادية: وقد كان لها الفضل الأكبر عندما غمفل الحكام بعد الرأشدين عن الدعوة الإسلامية: وشغلوا عن ذلك بالافتراق الذى أضعف حكمهم؛ وتحول الافتراق إلى تنازع على السلطان وعلى مقدار ما يسيطر كل واحد على رقعة من الأرض ,

وفى هذا الحين كان من الناس من انتدب الدعوة الإسلامية احتساباً؛ وقام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكرء وقام بذلك الجماعات والآحاد من غير ترتيب من ولى الأمر, ولاتنظيم من الحكام .

ولكن يجب اتباعا للهدى المحمدى أن تقوم الدولة الإسلامية بذلك, كما ينبغى لها أن تعهد به إلى جماعة إسلامية تخصص لذلكء إذا كانت تريد القيام بحق الإسلام عليها فى تبليغ الدعوة» وإن ذلك الواجب لايفنى عن عمل الآحاد؛ ولكن يجب أن يكون بجواره:ء فإنه منذ عهد الحكم الأموى: وقد وجد فى حواشى الملوك من يثير الشبهات حول الإسلام: وإن الآحاد ربما لايتوافر فيهم المقدرة لدفع الشبهات» فإن ذلك يحتاج إلى فهم دقيق للمأثور عن النبى

لقد أثاروا شبهات حول معنى كلمة اللّه تعالى» ويحتاج رد ذلك إلى فهم للقرآن الكريم: لايتوافر إلا عند الخاصة من العلماء. وأثاروا شبهات كاذبة حول زواج النبى مله بأم المؤمنين زينب بنت جحشء وأثاروا كثيراً حول تعدد أزواج النبى تلّه؛ وإن ذلك كله يحتاج إلى أن تهيئ الدولة المسلمة الأسباب ليتوافر من المسلمين جماعات دارسة فاحصة تتقدم بالحجج القاطعة المانعة للناس من تصديق هذا القول .

١١٠١ : العنكبوت : (؟) النحل‎ )١(

54

)135.1 1])0//: ماغط

وفوق ذلك, فإن هناك مسائل تحتاج إلى متفقهين فى الإسلام يبينونها؛ ويذكرون تفصيلهاء كأحكام الزواج والطلاق فى الإسلام والميراث: والحرمات الإسلامية بالتفصيل, فإن ذلك لابد من معرفته بالإجمالء ولابد لكمال الدعوة أن يذهب ناس لهم ثقافة عالية إلى البلاد المخظفة يتقنون لغاتهاء ويتعرفون نفوس أهلهاء ومن أى طريق يمكن التأثير فيهم؛ وإن أولئك يجب أن يكون لهم دراسات خاصة تكون للدعاية: ويجب أن يزودوا بعلم النفس الجماعى والنفس الفردية» ومنطق الدين وسلاسة البيان وسياسة الحق والتعرف إلى النفوس» ومداواتهاء وعلاج المنحرف منها .

وكل أولتك تربيهم الجماعة الإسلامية؛ كما تربى المهندسين والأطباءء وكل من يقوم بفرض كفائى» يجب على الجماعة توفير الأسباب لهم ليقوموا بواجبهم الكفائى .

من أجل هذا نقول إنه يجب الواجبان الكفائى والعينى .

النصوص تثبت الوجويين :

6- ذكرنا فى بعض ما ذكرنا من أدلة تدل على وجوب التبليغ على الأمة بعد النبى َيه« ولتكن متكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المذكر »!') وإن هذه الآية تدل على الوجوب على الأمة كلها وجوياً فردياً وجماعياً والوجوب الفردى قد شرحنا مؤداهء وبينا حدوده؛ وطاقات من يقومون به وقد تكون محدودة تعرف أصل الإسلام؛ ولاتعرف تفصيلات أحكامه؛ ونريد أن يعرف كل مسلم جديداً أى قديماً أن يعرف ما أمره الله تعالى به وما نهى عنه. يقوم بذلك قوم من الأمة, والآية تومئ إلى الوجوب على الكلء وتخصيص جماعة بالتعرف الكامل لتفصيلات الأحكام؛ فلايعد المسلم مسلماً إلا إذا أدى كل التكليفات الإسلامية يقوم بتعريف بعضها كل مسلم؛ ويبين سائرها العلماء بالدراسات الإسلامية؛ وليس معنى ذلك أن فى الإسلام الكهنوت كالذى عند الذين اتخذوا الأحبار والرهبان أرياباً من دون الله, فليس لعالم أن يقول إلا نقلا عن كتاب أو سنة» أو اتباع الذين شاهدوا وعاينوا؛ وتلقوا عن الرسول مباشرة؛ وأدركوا منه معانى التنزيل .

ولنذكر ببعض التفصيل ما ترمى إليه الآية الكريمة « ولتكن منكم أمة »!') فمن فى قوله تعالى منكم تدل على أحد معنيين : أحدهما - أن تكون بيانية؛ والثانية أن تكون للتبعيض؛ وعلى أنها بيانية يكون المعنى, ولتكونوا أيها المسلمون جميعاً أمة داعية إلى الخير آمرة بالممروف ناهية عن المنكرء فإن ذلك هو أساس الفلاح, وإن هذا المعنى متلاق مع قوله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناسء تأمرون بالمعروف, وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله!"".

٠٠١ ()آلعمران:‎ 1٠١4 : آل عمران‎ )0( ٠١5 : آل عمران‎ )١(

5

)135.1 1])0//: ماغط

فالآيتان على أن من بيانية تكونان دعوة للأمة كلها أن تبلغ الرسالة المحمدية؛ ولكن ذلك لايمنع أن يتخصص بعض المؤمنين لتفقيه الناس فى دينهم بعد أن يدخلوا فى دين الله تعالى كشأن كل أمر واجب على الجماعة كلها ؛ يقوم كل واحد بما يستطيعه الواحد منفرداً ثم يخصص الجماعة له من يقوم به. ويهدى الناس إليه؛ وقد كان فى كل جيل بعد النبى من يتعلم ومن يَعَلّمِ, “أى من يعرف أصول الإسلام فيقوم بهاء ومن يستفتى عنده فى العلم بما

وعلى تفسير (من) فى قوله تعالى : منكمء بأنها تبعيضية بمعنى بعضء فالمعنى على هذا ليكن بعضكم متخصصا فى الدعوة إلى الخيرء والأمر بالمعروف والنهى عن المذكر, ويكون هذا متفقا فى مؤداه مع قوله تعالى : « وما كان المؤمنون لينفروا كافة؛ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون :(0).

وإننا نرى أن يكون معنى الآية على أن من بيانية على الأمر بأن تكون الأمة داعية إلى الخير كقول القائل : ليكن منك رجل فاضل يدعو إلى الخير ويهدى إليه وإن الذى سوغ لتنا اختيار ذلك هو قوله من بعد ذلك : (أولئك هم المفلحون) بضمير القصر أى أن الفلاح مقصور عليهم دون غيرهم؛ وذلك أنسب أن يكون وصفأ للأمة كلهاء ولنعد تلاوة الآية الكريمة, فإن معنى العموم يكون واضحاً بيناً» وهذه الآية تعالت كلماتها ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير» ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرء وأولئك هم المفلحون )().

فالفلاح يكون مختصاً بأمة تدعو إلى الخيرء وتفيض بالعلم على الإنسانية كلها تدعوها إلى أعظم خير فى الوجود, وهى دين اللّه تعالى الحقء وإن الدين عند اللّه الإسلام .

وهنا قد بساأل سائل, ٠‏ كيف تكون الدعوة عامة:؛ ومع ذلك نقول إنها فرض كفاية وفرض عين معاً ونقول فى الجواب عن ذلك: إن التكليف عام؛ بحيث يقوم كل يكفايته وما آتاه اللّه تعالى من علم, ٠‏ ولايخلى إنسان نفسه من تبعة الدعوة: والقيام بحقهاء بيد أن على الأمة واجبين أحدهما ما يقوم به كل وأحد بعينه فى الدعوة إلى الحق هادياً مرشدا ,

ثانيهما - أن يخصص ناس لهذه الدعوة من الأمة يكون لهم فضل علم بكتاب الله تعالى وفضل كفاية بيانية» وحكمة وإدراك, كما فعل النبى عله عندما اختار مصعب بن عمير لأهل المدينة معلماً مقرئا للقرآن: وكما اختار بعد فتح مكة لقريش من يعلمهم أحكام الإسلام: ويخرجهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام وهديه .

١4٠. : التوية : ؟7١ () آل عمران‎ )١(

0

)135.1 1])0//: ماغط

وبذلك يتبين أنه التقى التكليف العام, وفرض الكفاية, وإن الإمام الشافعى رضى الله تبارك وتعالى عنه. وصف الفروض بأن الخطاب بها عام؛ ويدخله الخصوص.ء فالامة تكون كلها مخاطبة:؛ وهو على العمومء وتركه إثم للجميع؛ ويجب تخصيص جماعة لذلك؛ والجميع يستوون فى الإثم عند الترك العلماء وغيرهم, لانهم جميعاً لم يقوموا بالواجب عليهم, ويتطبيق ذلك على الدعوة إلى الإسلام دعوة الخير الشاملة يكون كل واحد فى الأمة مطالبا أولا بالقيام بالدعوة بقدر طاقته من العلم والكفاية والبيان؛ ومطالباً ثانياً بالمعاونة على تخصيص طائفة من المؤمنين تكون أقدر بياناء وأعلم بالأحكام: وتعرف أوجه الحقء والدعوة إليه. ومخاطبة النفوس عارفين بلغات من يدعونهم؛ ولهم جلد على الضسرب فى الأرض» وتحمل مشاق الأسفار فى البر والبحر .

وإنه بمقتضى هذا يتحقق فرض الكفاية؛ وفرض العين معاً. ويتحقق تخصص الذين يقومون بالدعوة فى كل مكان: ويتحقق الوجوب على الذين يقومون بالدعاية الشخصية: حيثما وجدوا للدعوة سبيلاء وكل مؤمن على ثغرة من ثغور الإسلام يحميه؛ ويدعى إليه ويحث الناس على اتباع النبى الأمين مه فهى رسول الإنسانية, بعث للإنسانية كلها لافرق بين أبيض وأسودء ولاعربى وأعجمى؛ بل الجميع أمام مائدة الهداية المحمدية على السواء, والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم .

1 - ومن هذا يتبين وجوب التعاون على الدعوة إلى الإسلام من الآحاد والجماعات, الآحاد عليهم أن يقوموا بما يستطيعونء وعليهم أن يعاونوا الطائفة التى تتفرغ لهذه الدعوة, أوتكون أقدر على نشرها والقيام بحقهاء والدولة هى الجامعة لهذا الوعى فى الدولة؛ عليها تخصص جماعات لهاء عليها أن تخصص جماعات من بينها؛ كما تخصص جماعات للقضاء وللهندسة وللطبء والقيادة. فكل هذه فروض كفاية؛ والجماعات الإسلامية ممثلة فى دولها عليها أن تخصص لكل فرض كفائى من يقوم به ويسقط به الحرج على الباقين فى الدعوة التى لايمكن أن يقوم يها إلا الخاصة القادرون على مخاطبة الكافة فى أقاليمها وشعويها يلغاتهم؛ ومن الحق فى هذا المقام أن نبين موقف العلماء فى آخر عصر التقليد؛ ومن جاء بعدهم .

إننا نجدهم تخلفواء وتركوا الإاسلام ينشر نقسه: مع أن حال المسلمين لم تكن داعية, بل كانت مثفرة لولا كتاب الله المانع من الضلالء وإن الاستجابة إليه ثابتة وأهله أخذوا يتلونه مترنمين: وحاسيين أن ذلك يكفى لإقامته.

١

)135.1 1])0//: ماغط

لقد رأينا المقلدين عن غير بينة فى كل شئ لا فى فروع الأحكام فقط فقد يكون التقليد فى فروع الفقه فيه تحصن من الانحراف عن معنى الإسلام واتباع هوى الحكام: واكنهم قلدوا فى الإهمال والترك؛ ورضوا بأن تهمل دعوة نبيهم؛ تقليداً لمن أهملوهاء وتجنبوا تقليد من أقاموها .

لقد رأينا من العلماء المقلدين من يرون أن أهل أورويا وأمريكا والوثنيين عليهم أن يؤمنوا وإن لم يدعوا إلى الإيمان» ولم تبين لهم حقيقة الإسلام زاعمين أنه مادام قد أعلن وجود محمد عَيَّْه ودعوته؛ فقد وجب على كل عاقل أن يتعرفء وإن لم يكن من يعرقه؛ ولى كان ما يصل إليه عن الإسلام تشويها لحقائقه» ومن يعلمه يحرفه؛ والشعوب فى جهالة من أمره. ومع ذلك يقول المهملون لأمر الدعوة الإسلامية من العلماء : وإن على غير المسلمين أن يبحثوا ويعرفوا مادام الإسلام قد اشتهر؛ من غير داع يدعى؛ ولانذير ينذر ولاهاد يهدى» بل غير المسلمين عليهم؛ وهم يعدون يأكشر من ٠٠٠١‏ مليون أن يتعرفواء يستوى فى ذلك القارئ والأمى: والعالم والجاهل ,

وإن هذا يجانف للإثم؛ وهى قصور وتقصير من علماء المسلمين» ومخالفة للإجماع الذى انعقد فى عهد الصحاية» ثم كان فى عصر التابعين فوق مخالفته لنصوص القرآن التى تلوناهاء وأحاديث النبى التى رويناها .

ولكن لماذا كان هذا القصورء أو التقصير؟ لكى نعرف سبيه لابد أن نحدد وقته ومتى ابتداً؛ وما الذى اقترن به عصر ايتدائه ,

(1) إننا نحسب أن ذلك القصور كان عندما انحلت الدولة العباسية» وتقطعت أجزاؤها مشاخرة: يضرب بفضتها بعضاء وشغل المسلمون بأمر دنياهم عن دينهم وصار بأسهم بينهم شديداء يأكل بعضهم بعضا .

فأخذت همة العلماء تضعف, وعزائمهم تنحل وانصرف الكثيرون منهم إلى أوهام فى الحياة والقوة, ولذلك شاعت وسيطرت بدل الحقائق الشعبذة, فانشغلوا بها عن الإسلام الذى هو حكم العقل المستقيم؛ والمنطق القويم وحل التواكل وبعدوا عن كتاب اللّه تعالى لايدركون مراميه؛ وإن شغلوا به ففى غير تنفيذه؛ وكان المفسرون منهم يتعرفون أسراره ولاينفذون فى الدعوة إلى أحكامه؛ ومنهم من ادعى أن القرآن المقصد الأول من نزوله هو التعيد بتلاوته والإنصات إليه»وقراءة ما تيسر منه فى الصلاة ,

إن تدهور الحكم الإسلامى وفساده ألقى فى نفوس الناس يأساً» وإذا حل اليس

ف

)135.1 1])0//: ماغط

مشغولين بتوطيد ملكهمء والعلماء فى خدمتهم؛ ومن لايفعل أبعد وجافوه؛ فكانت المجالس فى كثير من الأحوال بعيدة عن العلم والعلماء .

(ب) وليس ذلك هو السيب فقطء بل شغل العلماء عن الدعوة إلى الإسلام متازعات: كما شغلت الحكام: وانقسموا فرقا فى مسائل حول أصول الاعتقاد: فتنازع المعتزلة مع الفقهاء والمحدثين أمداً طويلاء وإن كان للمعتزلة مقام فى الدعوة سنذكره ولكن الجهد الأعظم كان فى مغالبتهم للفقهاء والمحدثين ومن ذلك مسالة خلق القرآن التى شغلت علماء المسلمين قرنا كاملا أو يزيد؛ وأوذى العلماء الذين حالفوا الدولة التى رأت رأى المعتزلة فى عصر املك العالم عبد اللّه المأمون بن الرشيد وضرب فيها الأئمة وسجنوا من أمثال الإمام أحمد بن

(د) ومن هذا يتبين أن منازعة الآراء شغلت العلماء. كما شغلت المنازعات على الأرض الأمراء. فكان العامة والخاصة فى شغل شاغل عن القيام بالفروض وعلى رأسها القيام

(ج) ومع هذه المنازعات الفكرية والسياسية والحرب دهمتهم من الخارج داهمة الحرب الصليبية التى شنت على المسلمين فى القرن السادس الهجرىء وأخذ الصليبيون بيت المقدس, فشغلت هذه الحملة العاتية النفس الاسلامية». شغلت نفوس العامة: واستفرقت نفوس الخاصة: وأصيب المسلمون بانكسار جعلهم يفكرون فى أرضهم: وكيف يدفعون عنها بأنفسهم عن أن يدعى غيرهم إلى الإيمان» وانقبضت النفوس والعقول عن أن تعمل على تيليغ الرسالة؛ وقد ظنوا بأنفسهم الظنونء واقترنت هذه الحروب بالحكم الغاشم من الحكام؛ الفاشمين الظالمين: وهم فى الأذى أشد بأساًء وأكثر إيغالا .

(د) وما إن خف بأس الحملة الصليبية:؛ وأخذ المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيويبس بيت المقدسء وأخذ المسلمون يتجهون إلى أرضهم يصلحونها وإلى نفوسهم يقوونها. حتى من بغداد ما كان يسمى بالخلافة الاسلامية» وكان ذلك فى القرن السابع الهجرى؛ وأستمر إلى الثامن: حتى دخلوا فى الإسلام: وإن لم تنته غاراتهم بانتهائه؛ بل استمروا فى غواية الحويو الهروب زهان أن المشنلمين يورا :

ا 00

)135.1 1])0//: ماغط

وجاء الحكم العششانى؛ فلم يكن تفكيره فى الدعوة إلى الإسلام: بل كان تفكيره متجهاً إلى حرب الغلبء وقد أفاد الأتراك من ذلك غلباًء ولم يستفد الإسلام من ذلك؛ لأن المسلمين قد ضعفت نفوسههم؛ وهانوا على أنفسهم؛ ولادعوة إلى الحق ممن أصاب الهوان نفسهء ولم تكن العثمانية تعمل للإسلام بمقدار عملها للسلطان: ففى عهد سليمان القانونى كانت مدافعه تدك أسوار فيئًا فى النمسا دكاء والصليبية فى الأندلس تبيد المسلمين وتنقب القلوب, ويستفيث المسلمون فى الأندلس ولامغيث.

فما كان من المعقول أن يفكر هؤلاء الحكام فى الدعوة إلى الإسلام .

قصور بلا حجة ولامعذرة :

-١١‏ لاحجة لمن تركوا الدعوة إلى الإسلام: فالبراهين قائمة ثابتة» وليس لهم أن يقولوا «لايكلف الله نفساً إلا يسعهاء!!) لأن الطاقة توجدها الهمة والعزيمة: والوسع يتبع قوة الإيمان» فمن كان قوى الإيمان بالحق: كان ذا طاقة تتسع لما يوجبه الإيمان .

وإن العيب يكون لاحقاً لمن كان قادراً» واكنه يصم نفسه بالعجنء فإن ادعاء العجز ينتهى بالعجنء ولاعذر بالضعف الحربى؛ لأن الضعف الحربى وليد الضمعف النفسىء وإذا كان الأمراء قد تنازعوا؛ فإن ذلك لاينزع الإيمان من القلوب .

إنه يجب علينا أن نعرف أن الدعوة إلى الإسلام وبيان هدايته فرض كسائر الفرائضء فهو مطلوب حتما كسائر المطلويات الحتمية: وإذا كان الناس لايستجيبون فى نفوسهم؛ كما يستجيبون للصلاة فذلك لنقص فى إيمان المؤمن بحق غيره عليه» وإن عدم الإحساس بذلكء فوق أنه نقص فى الإيمان هو دليل على أن المصلى لايقوم بحق الصلاة: لأن إقامة الصلاة على وجهها تقتضى ذكر الله تعالى» ومن ذكر اللّه تعالى عليه أن يعلن أمر الله تعالى ونهيه» وأن يدعو الناس إلى توحيده؛ وعبادة الله تعالى وحده لايشرك به شيئاً.

إنه قد ثبت من السياق التاريخى الذى أ معنا إليه سيطرة الباطل؛ فالحكام متنازعون لايقومون بحق الحكم؛ ولايحكمون بالعدل بين الناس» والأمة قد شغرت من الأخلاق» وتوالى هجوم العدو من الشرق والغربء فالباطل قد استحكم؛ والظلم قد تحكم .

ونقول هنا: إنه كلما اشتد الفسادء وجب العمل على الإصلاحء ويمقدار قوة الشر

تكون العزيمة فى الخيرء فلا يشغل الشر عن الخيرء وإلا عم الفساد؛ وضل العباد إلى يوم

)١(‏ البقرة : 87؟

0

)135.1 1])0//: ماغط

القيامة» ولو كان استحكام الشر داعياً إلى السكون ما أقام رسول من رسل الله تعالى دعوته إلى الحق» ولا رجع محمد بن عبد الله عله بمجرد أن صدمه المشركون بالإنكار, ويادروه بالعداوة والإيذاء: وما كان ليفعلء وقد قال له ربه «فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين»(') ففى وسط الباطل يجب النطق بالحقء والدعوة إليه, ويمقدار قوة الباطل تكون قوة الدعوة , والداعى إلى الحق» فلجاجة الباطل لا يخفت معها صوت الحق» بل يجب أن

واليأس من سماع الحق أو الاستجابة لايمنع الدعوة إليه, بل يجب أن يعمل العالم, ولاييئس» فإن اليس سمة الكافرين بالحقائق غير المؤمنين بها؛ فإن الله تعالى يقول : «إنه لاييئس من روح اللّه إلا القوم الكافرون »(').

إن اليأس لم يصل إلى قلب النبى مَل وقد تحمل الأذى ثلاث عشرة سنة دأباًء فما يئس فيها ساعة من زمان: وما يئس يوم أن رأى شبه إجماع من المشركين على عداوته: وما يئس يوم أن ذهب إلى ثقيف فى الطائف, فأغروا به سفهاءهم.: وأدموهء بل قال مقالة الراجى ما عند ريه «اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون» وقال: «إنى لأرجى أن يخرج من أصلايهم من يعبد اللّه تعالى »» وما يئس عَلّه: ومن معه عندما كان جيش الإيمان قد أثقل بالجراح فى أحدء بل إنه لما علم أن المشركين هموا بأن يعودوا للقضاء على جيش الحق؛ دعا الجيش الجريح لأن يعود إلى الميدان» بل إلى تتبع أثار المشركين» ولم يدع إلا من ذاق الجرحء وابتلى فى الميدان» فصدق عليهم قول اللّه تعالى «الذين قال لهم الناسء إن الناس قد جمعوا لكم؛ فاخشوهم, فزادهم إيماناً؛ وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل»!! .

هذا رسول اللّه عله فى تبليفه الدعوة ما دخل قلبه يأس .

قد يقول قائل هذا مقام النبوة» فهو مؤيد من الله تعالى: والرحى كان ينزل عليه واللّه يمده بنصر من عندهء فهى المتبوع فى الحقء فهل يبلغ التابع درجة المتبوع .

ونقول فى الإجابة عن ذلك إن اللّه عاصم رسوله من الناسء؛ ومانحه التأييد والتثبيت ولكن جعل سبحانه وتعالى عمله بشرياً يخطئ ويصيب وينتصر وينهزم؛ ويحقق الله تعالى له الغاية بنصره وتأييده, ولكن بسيب من أعماله وقوة إيمانه هو وأصحابه ونصرهم لله تعالى بالعمل الصالح, واتخاذ الأسبابء كما قال تعالى «إن تنصروا الله ينصركم؛ ويشبت أقدامكم!!). (5) آل عمران : ؟/ (4) محمد : /

5

)135.1 1])0//: ماغط

ولآن عمل الرسول مه فى أسباب النصر والدعوة بشرىء؛ كان على أصحابه أن يقتدوا به ويسلكوا سبيله. ويتبعوه ليبقى التبليغ موصولا غير مقطوعء وإتبقى كلمة الله عليا دائماً, ولذلك قال تعالى : « لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجى الله واليوم الآخروذكر الله كثيراء(!).

وإن الدعوة فيما يمكن فيه الأسوة؛ وهى العمل بمقتضى البشرية؛ أما الوحى والتثبيت الرباني من اللّه تعالى» فهى من أوصاف النبوة, لايسموى إليه أحد من العباد .

وننتهى من هذا البيان أن التبليغ واجب على المؤمن على النحو الذى بيناه من حيث إنه واجب كفائى وعينى معاً» وأنه ليس للمسلمين أن يتقاصرو) عن أدائه وألا يعذروا لأنفسهم, إذا أصابهم أمر ضعف فى سبيل الله فالوهن من التقصير فى الدعوة إلى الإسلام: وتبليغ الهدى إلى أهل الأرض جميعاً. لأن الرسالة المحمدية يخاطب بها الناس كافة لافرق بين أبيض وأسود وأحمر وأصفرء إنهم إن استمروا على التبليغ كانوا طالبين للعلو بإعلاء الحق, فلن يهنوا ولايستكينوا ولايراموا بذل أبداً» ويكونون الأعزة, فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. وإن يكونوا طعمة لأهل الشر فى الأرض وطفاتها , وإن يسيروا فى غمرة التاريخ ولايملكوا من أمرهم شيئاً .

إن العالم يبلغ غير المسلمين فيه أكثر من ألفى مليون أو يزيدون؛ ونحن مسئولون عن استمرارهم على الكفرء لأننا لم نقدم لهم أى دعاية هادية فيجب أن نتقدم بدعوتهم إلى الهدى ودين الحق كما تقدم النبى عَيّه ولتكن دعوتنا ابتداء يبيان حقائق الإسلام فى ربوعنا بكتب تكتب» ويكتابات تنشرء ويموازنات علمية دقيقة بين الوحدانية والوثنية؛ وييان المبادئ موازنة بما عليه الأقوام من أوهاء: والله سبحانه وتعالى عليم خبير .

الدعوة إلى الإسلام فى حياة أصحاب النبىءيةه

4 - انقطع الوحى بوفاة النبى عه ولكن بقى أعظم ماجاء به الوحىء وهو القرآن الكريم الذى نزل على قلب محمد تنه وأقرأه قراءته, وعلمه ترتيله, وقال له «لاتحرك به لسانك لتعجل به + إن علينا جمعه وقرآنه »* فإذا قرأناه فاتبع قرآنه + ثم إن علينا بيانه »(').

(1) الأحزاب : ١؟‏ () القيامة : ١"‏

5

)135.1 1])0//: ماغط

فإذا كان الوحى انقطع فقد بقى أعظم أثاره وثمارهء وإذا كان النبى له قد مضى إلى ربه بعد أن أدى رسالته؛ فقد أكمل بيانهاء وروت أخباره وأحاديثه أحكامهاء ولذا قال النبى َه « تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدى أبداً : كتاب الله تعالى؛ وسنتى» ,

ولقد أدى صحابته الأولون من بعده أمانته. وقد كمل الدين, وقد أعلم الجزيرة العربية كينا بيذ | القين وقجاررت احثارة انطارها لمن بعتازر العرومق القوس والروع اشام ومنطدور الحياة :معط فوا لالحنا مسر ارك جا الركنان: وساي اللعوت زمنع ا وروم اير الإسلام دين التوحيد والعدل والإاجاء الإنسانى والوحدة الإنسائية 1

وتولى النبى عَتّهُ إعلام كل الدول المجاورة بالإسلام بكتب أرسلهاء وببعوث بعثها .

4- وإن الرعيل الأول من الصحابة أحق من حمل رسالته؛ وقام على نشرهاء والذود عنها .

وقد اختبرهم اللّه تعالى بالردة بين أكثر الأعراب الذين قال الله تعالى فيهم: «الأعراب أشد كفراً ونفاقاً. وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله!)» وقال سبحانه فيهم: «قالت الأعراب آمناء قل لم تؤمنوا» ولكن قولوا أسلمناء ولما يدخل الإيمان فى قلويكم»!".

فالإسلام إذا كان قد دخل الأرض العربية وما جاورهاء وأذعنوا لأحكامه الظاهرة فالإيمان لم تخالط بشاشته قلوب بعضهم,؛ فارتد أكثرهم, ولم يكن ارتدادهم بعد إيمان» لأنهم لم يؤمنوا كما ذكر اللّه سبحانه وتعالى فى كتابه الحكيم؛ وهو أصدق القائلين؛ لآن من يدخل قلبه الإيمان بالحق لايخرج منهء إنما يرتد إلى الشرك من أسلم بظاهر من القولء ولم يخالط الإيمان قلبه .

ارتد العرب, وحاولوا أن يساوروا المدينة, ولكن عزمة خليفة رسول الله عله ومن معه من أصحاب الرسول الكرام وحوارييه الأطهار» ردوا كيدهم في نحورهم؛ وأبى بكر بعزمته القوية أعز الإسلام فى الجولة الأولى» ثم أرادوا وقد عضتهم سيوف الحرب أن يقيموا الصلاة دون الزكاة فرفض إلا أن يدفعوها ويقيموا السلاة, ورفض قول من يفرق بين الصلاة والزكاة لأن كلتيهما ركن من أركان الإسلام الخمسة, وفوق ذلك فإن الزكاة أمارة الطاعة والانقيادء وقال : سلم مخربة أى حرب مجلية.

١4 : التوية : /!؟ (؟) الحجرات‎ )١(

يذلا

)135.1 1])0//: ماغط

وقد رأى عمر رضى الله عنه أن من الرفق أن يقبل الصلاة وقال لخليفة رسول الله :يا خليفة رسول الله تالف الناس وارفق بهم؛ كيف تقاتلهم وقد قال ررسول الله عله «أمرت أن أقاتل الناس: حتى يقولوا لا إله إلا اللّه, فإذا قالوها عصموا منى دماءهم ونفوسهم إلا بحقهاء فأجاب الصديق لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ وكأنه يقول : إن من حقها أداء الزكاة ثم عتب على عمر فى موقفه هذاء وقال له :

ويحك يابن الخطاب رجوت نصرتكك, وجئتنى بخذلانك !! أجبار فى الجاهلية خوار فى الإسلام» إنه انقطع الوحى؛ وتم الدين؛ أو ينقص وأنا حى؟ » .

كانت هذه العزمة اليكرية منقذة لإإسلام, عاونه فيها الصديقون من أصحاب رسول الله عله فكان على كرم اللّه وجهه على المدينة بجيش حارس رابط؛ وإذا كان عمر رضى الله تعالى عنه قد خالفه لم يمنعه ذلك من المعاونة؛ وكان الفاروق سريع الرجوع إلى الحق إن بدت معاله بعد خفاء, فسرعان ما خط نفسه؛ ورأى فى عمل الصديق الرأى الصائب النافذ إلى الحق فى صميمه من غير هوادة :

٠‏ - ومع أن هذه الحرب كانت شاغلة للمؤمنين: قد صرفوا فيها جهودهم. فإنه أنفذ أمر النبى َه فى أمر يتعلق بالدعوة ولم يؤجله. وكيف يتردد فى تنفيذ أمر النبى عَلله, فقد كان النبى مه أمر أسامة بن زيد على جيش يذهب إلى الشام؛ وأوصى بذلك؛ وشدد فى ننفيذ وصيته؛ ومأذهب ذلك الجيش لينتقم من مؤتة» كما ذكر بعض المؤرخين, فقد كانت تبوك رادعة قاطعة مبعدة نفوذ الرومان عن أطراف البلاد العربية؛ ولكن كان البعث النبوى للدعوة الإسلامية فى أطراف البلاد العربية بين الذين خلعوا ربقة الرومان» وانضمو) إلى الجيوش الإسلامية فى غزرة تبوك» ويدل على ذلك أمران ؛

أحدهما : كان فى وصية النبي عله أن النبى أوصى بأن يكون فى الجيش أبو بكر وعمر» وهما شيخا المسلمين, ولهما فضل علم بالإسلام فى كلياته وجؤئياته, فما كان مثلهما ليرسلا إلى الميدان إلا لحكمة نبوية أرادها نبى الحكمة محمد عله وهى تعليم تلك القبائل الإسلام؛ لقد أرسل من قبل معاذ بن جبلء وعلى بن أبى طالب وأبا موسى الأشعرى إلى اليمن ليعلموهم الإسلام بعد أن يدعوهم إليه, فكان المنطق ألا تحرم القبائل المتاخمة للرومان من الهدى المحمدى والدعوة إلى الإسلام وتعليم أحكامه, لقد كان الإرسال إلى اليمن فى العام العاشرء فكان من منطق الحكمة أن يرسل الشيخين أيا بكر وعمر لمثل ما أرسل إليه العلماء الأولون من الصيجاية ,

54

)135.1 1])0//: ماغط

فكانا معلمين فى هذا البعث وليسا محاريين .

الدليل الثانى : أن البعث الذى أوصى به رسول الله لله لم يلاق قتالا وجاء لم ينقص منه أحدء ولم تذكر كتب السيرة أنه لاقى قتالاء فلم يذكر من قتل من الأعداء, كما لم يذكر من لقى؛ فهى لم يكن بعثاً حربياًء ولكن كان بعثاً هادياً .

ولم يذهب الصديقان فى الجيشء لأن الأمر كان يستدعى بقاء أبى بكرء وقد اختاره المؤمنون خليفة لرسول الله لله والمدينة يساورها المرتدون؛ فيكون قد ترك وراءه من العورات أضعاف ما هو سائر إليه, ولذلك استاذن أسامة الذى أمره مله أن يترك له عمر, ليستعين برأيه» ولتكون عصابة الحق كلها معه, فبقى؛ وكان مستشار أبى بكرء رضى الله تعالى عنهما .

ولقد كان تنفيذ بعثة رسول الله مَولّهَ ذا شأن فى تخذيل المرتدين: ذلك أنه عندما ذهب إلى مؤتة مجتازاً القبائل فى الجزيرة العربية كان مرهباً للمرتدين» مثبتأ لهم أن الجيش الإسلامى فيه قوة تقاومهم؛ وترد كيدهم فى نحورهم, وللّه الكلمة العليا عليهم؛ والحق فوقهم؛ وأنهم لامحالة مخذولون:؛ بعون الله تعالى: فلن يغلب جيش الإيمان .

بعد أن فرغ المؤمنون من الردة, اتجه الصديق إلى الدعوة إلى الإسلام: فقد جمع العرب من بعد النصر» وتصفية العرب من فلول المرتدين» وتوجه بهم إلى الدعرة .

دعوة الصحابة إلى الإسلام

-٠‏ يقول اللّه تعالى فى كتابه الكريم : «٠‏ يأيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه, أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين» يجاهدون فى سبيل الله ولايخافون لومة لائم؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاءء واللّه واسع عليم » إنما وأيكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكمون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا؛ فإن حزب الله هم الغالبون!') ,

إذا كانت قد ارتدت غالبية الجزيرة العربية أى أكثر من نصفهاء فقد كان ذلك إيذاناً بأن يبدل بهم اللّه خيراً منهم, ولقد قال بعض المفسرين : إن الذين وعد اللّه تعالي بأن يأتى

)١(‏ المائدة: -"ه

كا

)135.1 1])0//: ماغط

بقوم يحبهم ويحبونهم هم الفرسء وقد يكون ذلك القول متفقاً مع السياق التاريخى؛ لأن من فتح الله على المسلمين أرضهم الفرسء ولكن نقولء إن الذين وعد اللّه تعالى بهم من الفرس, والشأم. ومصر .

مهما يكن من ينطبق عليه النص الكريم من الجماعات والقبائل؛ فإن وعد الله تعالى هى الصدق الذى لاريب فيه فقد انبرى الصديقان أبى بكر وعمر من بعد انتهاء أمر الردة إلى الاتجاه إلى من وراء العرب من الفرس والعراق والشام ومصرء وانسابت الجيوش الإسلامية داعية إلى الله وإلى رسوله؛ وإلى الحق المستقيم, واللّه تعالى يؤيدهم بنصره لتبليغ وشبالتة:

أساليب الدعوة فى عههد الصحابة ومن وليهم

-"١‏ أتجهوا أول ما اتجهوا إلى القرآن الكريم الذى هو سجل الدعوة» وقد كان محفوظاً فى الصدور ومكتويا بأمر النبى عله ولكن فى رقاع وقد توزعتها أيدى أصحابه . صدورهم وقد رآهم يتهافتون على الحرب لمقاومة الردة» وإخضاع أهلهاء تهافت الفراش, فيضيع القرآن» وهو سجل الإسلام:؛ بل سجل النبوات, والرسالات الإلهية للأنبياء الذين عرفوا في الشرق العربى وما حوله .

اتجه إلى جمع المتناثر من الرقاع مطابقا لما يحفظون فى صدورهم؛ ويكون فى مصحف تحقيقاً لقوله تعالى : « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»(١),‏ جمعوا المصحف بجماعة من الحفاظ سلكوا فى جمعه أوثق الطرق؛ واتخذوا فى ذلك ها يأتى:

() هم حافظون للقرآن الكريم مرتباً ترتيبه المتواتر كل آية فى موضعها بتوقيف من القدس الأمين» وكل سورة فى ترتيبهاء وأعلنوا فى المدينة الطاهرة أن من عنده رقعة كتيت بإملاء النبى صلي الله تعالى عليه وسلم يقدمها لهذه الجماعة الحافظة: وفيها زيد بن ثابت وأبى بن كعب وغيرهما من الحفاظ,

,.5 الحجر:‎ )١(

25

)135.1 1])0//: ماغط

(ب) من أحضر آية أو آيات لهذه الجماعة الحافظة لا يقبل ماياتى به إلا إذا كان معه ادنان يشهدان بأنه كتب فى عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بإملائه. فإذا حاءت هذه الشهادة الكاملة دون ما جاء يه. حياة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم, فقد كتب القرآن كله بلغة قريش فى حياته عليه الصلاةوالسلام.

(ج) لما نسخ ذلك المصحف يما كتب فى حياته الجليلة الكريمة عليه الصلاة والسلام, لم ينقط ولم تضبط حركات الحروف بما يسمى شكلاء وذلك لسببين:

أولهما - أن تكون قراعته بطريق مقرئ يقرئه؛ لآن القرآن ليس متواتراً بلفظه وحروفه فقطء؛ بل هى متواتر بطريقة قراءته وترتيله» ومده وغنه, كما قال تعالى: «ورتلناه ترتيلا:!١)‏ وكما قال تعالى فيما تلونا من قبل : « لا تحرك به لسانك لتعجل به + إن علينا جمعه وقرآنهه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه + ثم إن علينا بيانه»(),

فالقرآن متواتر بلفظه وحروفه وترتيله الذى تلقاه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عن جبريل عن الله تعالى بتواتر.

ولقد حفظ المصحف الذى كتب فى عهد الشيخين أبى بكر وعمر فى بيت أم المؤمنين حقصة,

وكان القرآن يتلى فى كل الأمصار التى فتحت, لأنه أعظم داع ويقرأ فى الأمصار والكرفة.

وكان يقرئه المقرئون فى كل الأمصار لأنه لب الإسلام: ولسان الدعوة إليه يتلونه ويتدارسونه؛ وعلماء الصحايه كابن عباس وابن عمر وابن مسعود يعلمون الناس أحكامه.

ولقد اختلف المسلمون فى قراءته ببعض لهجات عربية قد نسخها النبى مله . وأبقى لغة واحدة هي لغة قريشء وكانت قراءته باللهجات العربية لتتيسر تلاوته؛ ثم نسخت القراءة باللهجات ماعدا لغة قريشء فكان من الناس من يقرأ ببعض اللهجات غير عالم بنسخهاء فاضطرب بعض القراء. وكان اختلاف عمل ذو النورين عثمان على حسمه.

,19- 15 : الفرقان : ؟؟. (5) القيامة‎ )١(

١

)135.1 1])0//: ماغط

وفى سبيل ذلك جمع الجماعة التى ألفت فى عهد الصديقين أبى بكر وعمرء وضصم إليها سعيد بن العاص وطلب إليها أن تجمع القرآن مرة ثانية» واتبعت الطريقة التى اتبعتها فى المرة الأولى هى جمع الرقاع التى كتبت فى عهد الرسولء والإشهاد على كتايتها في عهده عليه الصلاة والسلام, وانتهت الجماعة من كتابة المصحف الجديد فى تكوينه؛ وكان المصحف الأول محفوظا عند أم المؤمنين حفصة: فقابلت الجماعة مع ذى النورين عثمان بينه ويين المصحف الذى كتبء فكان التوافق بينهما كاملا.

وبعد هذا الاستيثاق أقر بأن ينسخ من هذا المصحف الإمام نسخ على قدر عدد الأقاليم وأبقى الأصل فى المدينة.

وأمر رضى الله تعالي عنه بحرق المصحف الذى كان مودعاً عند أم المؤمنين» فحرق وكان بعد وفاتها رضى الله تعالى عنهاء ولكن الأمر كان فى عهد عثمان.

والسبب فى أمره بحرقه أنه خشى بعد وفاتها أن يقع تحت يد من يدعى الاسلام من المشركين أو اليهود أى النصارى: فيجرى فيه تصحيفاً أو تحريفاً» ويدعى أنه المصحف, ويكون الاضطراب: ولا يمكن أن تجرى الأيدى بالتصحيف أو التحريف فى غيره من نسخ المصحف الإمام, لأنه كان محفوظأ بدار الإمارة فى كل بلد عربى إسلامى؛ وقد حفظته كل الأعصار,

بقرأه بغير مقرئ يقرأ عليه ليحقق تواتر القرآن محفوظا فى الصدورء وليس مكتويا فى السطور فقطء فإن ها يدون فى السطور يقيل التحريف والتعديل والتصحيفء أما ها يحفظ القرآن فى الصدور,

ولذلك اقترحنا إحباط محاولتهم بأمرين:

أولهما - بإرسال الحفاظ فى البلاد التى حاولوا فيها هذه المحاولة ليقرئوا الناس القرآن فيحفظ فى صدورهم لكيلا يدخل التحريف عليهم.

وثانيهما - أن ترسل إليهم المصاحف المسجلة التى تتلى عليهم.

د

)135.1 1])0//: ماغط

ومهما يكن من أمر عداوتهم؛ ومحاولاتهم؛ فقد ارتدوا على أديارهم لحاسئين؛ وعلموا أنه فوق طاقتهم وطاقة البشر أن يحرفوا كتاب الله, وقد ذكر الله تعالى أنه حافظه:؛ ولن يخلف الله وعده «إن الله لا يخلف الميعاد»!١)‏ وقد وعد فقال كما تلونا من قيل : «إنا نحن نزلنا الذكرء وإنا له لحافظون0(2'),

75 - كان القرآن منار الدعوة» وحصئ الدعاة. القزآن:تفلمونة للتاس ويتختطون التاسها تسر منه كنا كان النس انق متدما أرشل دعاته إلى يثرب: أرسل معهم القراء يقرئونهم الفرآان.

وكان فى الأقاليم غير العربية تعلم أحكامه وتحفظ آياته, للدعاية الدينية أولا» ولنشر اللغة العربية ثانياء فيمكن تدوين الدواوين بهاء وقد صمارت الإمرة للعرب, والدولة لهم.

أما الدعاية الدينية» فإنه كان يجب على كل مسلم أن يحفظ قدراً من القرآن يؤدى به عبادة الصلاة؛ وهى عمود كل دين فلا دين من غير صلاة, كما قرر النبى عللّه, وفوق ذلك و تحفيظه.

والقرآن بذاته كان دعوة للإسلام: لأنه بعا اشتمل عليه من أخبار الأولين» وما فيه من عليه من هدى وتوجيه داعيا للإيمان كان كافيا للدعوة إذا أحسن بيانه.

وإذأ كانت الفيدا وفى كتاب عند البراهمة مؤثرة فى نفوسهم, فالقرآن» وهى علم وهداية ويشفاء لما فى الصدون أشد دعاية وأقوى تأثيراً. كثيراً من الفرس فى صدر الإسلام قد انصرفوا إلى فهم القرآن الكريم؛ وكان كثيرون من تلاميذ الصحابة الذين لازموهم - من الفرس وغيرهم من الذين دخلوا فى الإسلام فى عصر الصحابة؛ ومن جاء يعدهم.

وإن تلاوة الصحابة للقرآن فى البلاد التى كانوا يفتحونهاء كانت تجذب القلوب إليهم بترثيله, وجمال فواصله, ونغماته العربية» وحلاوته وتلاوته, فالقرآن كان شق وحشده داعية للإسلام . )١(‏ آل عمران: ؟ () الحجر: ١‏

ا

)135.1 1])0//: ماغط

السنة وسيرة الرسول:

7- أخذ الصحابة يعرفون بالرسول له وينشرون ذلك فى وسط البلاد التى يفتحونهاء ويذكرون سيرته قبل البعثة» وقد كان الأمين فى قريشء ويذكرون إرهاصات النبوة, وما كان عليه من أخلاق قبل البعثة ولازمته بعدها .

وسيرة النبى عله أعظم دعاية للمسلمين فلم يكن فى أخلاقه عليه الصلاة والسلام: إلا مايدل على صدقه حتى كان الأعرابى: يؤمن برسالته لمجرد رؤيته؛ وحتى لقد قال له أعرابى أأنت الذى تقول عنه قريش إنه كذاب: واللّه ما هذا بوجه كذاب.

ولا سال هرقل عندما جاءه خبر الدعوة المحمدية بكتاب رسول الله مَل ولقى أبا سفيان كان سؤاله عن سيرة الرسول عله عن شخصه وأخلاقه, قبل أن يسأل عن حجته؛ وما جاء به.

سأله عن نسبه وعن خلقه وصدقه. وعما يتعلق بأسرته؛ وعن وفائه وعن أتباعه أهم الأغنياء الأقوياء. أم العبيد الفقراء والضعقاء.

وقد أعلن لمن عنده بيان أبى سفيان المسئولء أن صفاته هى صفات النبيين الصديقينء ولذلك نقول؛ إن سيرة رسول عَونّهُ أعظم دعاية للإسلام بعد القرآن.

وإنا نحسب أن سيرة الرسول وكمال عقله وخلقه؛ واستقامة نفسه. وسلامة مايدعو إليه. كل ذلك فى نفسه دعوة إلى الإسلام فى وسط غياهب الجهالة فى الماضىء وهى لا يزال القوة الداعية إلى الإسلام فى عصرنا الحاضرء وإنا نجد بعض الناس يسلمون إذا علموأ السيرة النبوية وأدركوا عقله ويعده عن الأوهام والخرافات التى تسود العامة: وتستهوى تفكير السذبح منهم.

وأما أقوال النبى ته وأفعاله وتقريراته, فإنها نعم الهادى إلى سواء السبيلء وإنه فى عصر الصحاية كان الاتجاه إلى السنة أمراً لابد منه. فقد كانت الحوادث تتوالى ويتعرفون حكمهاء وما يقضى به فكانوا إذا لم يجدوا حكما فى كتاب اللّه تعالى تعرفوا الحكم من سنته الشريفة غير مدخرين جهداً فى روايتهاء وتنافس الثقات فى النقل عنه عله واتخذ الصحابة الكرام تلاميذ لهم من الموالى الذين كانوا من الفرس وغيرهم فكانوا رواة الحديث عن رسول الله عله فنافع مولى عبد الله بن عمر , والحسن البصرى ومحمد بن سيرين وغيرهم كثيرون من الموالى الذين أسلموا على أيدى الصحابة بالدعوة الإسلامية

204

)135.1 1])0//: ماغط

العامة فى الحروب؛ وخاصة بين الذين جئ بهم أسرى وأقاموا بالمدينة وارتضوا الإسلام, وتعلموا بتعليم الصحابة الكرام فأخذوه ممن شاهدوا وعاينواء وكانوا من بعدهم كمن شاهدوا وعاينواء وبذلك استقوا الإسلام من الينبوعين الدافقين الكتاب بما أخذوه من تفسير لمعانى كتاب اللّه تعالى من القرآن الكريم؛ وثانيهما ما رأوه من سنة رسول الله عل وكان الكثيرون منهم من رواة السنة أهل الثقة فيها.

وهكذا كانت الدعوة الإسلامية فى عصر الصحابة متجهة فى بعض نواحيها إلى تعليم الأسرى الذين يجيئون إلى المدينة» يعلمونهم الدين» ويصطفونهم بالمودة الواصلة الهادية» وجعلوا منهم مدرسة علمية؛ علموها التفسير وعلموها الحديث؛ وعلموها فقههم؛ وكان منهم رواة الفقه إلى من جاء بعدهم: وعلّموا بذلك أقوامهم وكان منهم دعاة مخلصون, ومفسرون وحكماء وعلماء نقلوا علم الإسلام إلى من جاءوا فكانوا حملة العلم, وكان لهم فقهه, ثم حملوا إلى بعض من هى أفقه منهم.

وكانت الدعوة متجهة إلى تعليم غير المسلمين فى الجهادء فقد كانت الدعوة إلى الإسلام هى روح الجهادء وما كان إلا لحماية الدعوة, لا لإكراه الناس على الإسلام: بل كان لفتح الطريق إلى الدعوة إلى الإسلام وحمايتهاء ومن شاء بعد ذلك فليؤمن» ومن شاء فليكفر, ومن آمن كان من المسلمين وكان أخاً فى الدين: والمسلم أخو المسلم لايظلمه, ولايسلمه, ولايحقره ولايخذله؛ فيكون عوناً للمسلمين فى الدعوة إلى الإسلام والجهاد فى سبيل الله تعالى.

ومن لم يدخل فى الإسلام طوعا واختياراً. ورضى بالإقامة بين المسلمين لايضار فى

عقددته ,

الجهاد والدعوة إلى الإسلام 4- لم يكن الجهاد فى الإسلام لغرض الفارات على الجماعات والأمم؛ ولم يكن فى أصل شرعته للغلب والقهرء فما كان محمد ليكره الناس على الإسلام فقد قال تعالى: «لاإكراه فى الدين قد تبين الرشد من الفىء٠)‏ وقال تعالى: «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»!") ولم يكن محمد عَنّهُ ملكاء يفرض سلطانه على الناس بقوة الغلب والحرب ويفرشس الحكم على الناس كرهاء وإجبارا.

49 : البقرة : 5 (؟) يونس‎ )١(

0

)135.1 1])0//: ماغط

ولكن كان محمد َه بشيراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً» فكان عليه الصلاة والسلام يجاهد ليفتح الطريق أمام التبشير والإنذار أى أمام الدعوة إلى الحق والتوكيق القالصن:.

وكان لابد من الجهاد, لأنه عَكلَّهُ بعث رحمة للعالمين» وكان العالم فى هذه العصور يرح تحت نير الملوك الذين طفوا فى بلادهم, لايهمهم إلا فرض حكمهم رضى الناس أو كرهوا, وكانت الديانات القائمة تفرض لهم الطاعة المطلقة وإن لم يرتضوها سامهم أولئك الهوان والعذاب.

ولذلك ما كانوا ليسمحوا بأن يدخل أرضهم من يدعو شعوبهم إلى عيادة اللّه وحده لايشركون به شيئًا. وفى الديانات التى اعتنقوها بعد أن حرفت وغيرت ويدلت طاعتهم, ففرض سلطاتهم بالقهر والغلب والسلطانء وما كانوا ليرتضوا دينا يفرض العبودية للَّه وحده لا لأحد من الناس أيًا كان وصفه ملكا قاهراء أى متغليا عاديا .

وفوق ذلك لقد أتى محمد بمبدأ المساواة الإنسانية بين الحاكم والمحكوم, والغالب والمفلوب» وأتى محمد بمبدأ العدالة فى كل شعبهاء أتى بالعدالة فى تطبيق الشرعء وبالعدالة الاجتماعية» فكان لابد أن يقاومه الملوك بأن يحاجزوا بين هذه الدعوة المحررة للشعوب التى ترزح تحت نير حكمهم العاسف الفاسد.

ولذلك وقفوا دون هذه الدعوة: أرسل النبى عله إلى كسرىء فمزق كتابه؛ وإلى هرقل فلم يرد؛ وأرسل إلى المقوقسء فرد رداً حسناً ولم يؤمن, وهكذا ...

ولكن لابد أن يبلغ محمد عله وأن يتقدم بها وقد وعده اللّه تعالى بأنه يعصمه من الناس حتى يبلغ دعوة ربه ورسالته إلى خلقه: وقد قال تعالى «يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تقعل فما بلغت رسالته. واللّه يعصمك من الناس»(١)‏ فإذا كان الملوك والطفاة لايمكنونه, فلابد أن يتمكن منهمء ويخلو له وجه الناس ليتلقوا دعوة الحق؛ ولهم الخيار فى أن يتبعوا محمدا عَلله, أو يختاروا الجبت والطاغوت,

كان القتال إذا والملوك بادروا بالاعتداء. فكسرى أرسل من يقتل الرسولء وهرقل قل بعض المؤمنين: وما كان لمحمد وأصحابه من بعد أن يتركوا الطاغوت يتحكم ويحكم: بل لابد من فتح الطريق إلى الحقء ومنع الفساد والظلم والحكم بغير الحق» ويفير ما أنزل اللّه «ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرضء ولكن اللّه ذو فضل على العالمين»("),

."ه١‎ : المائدة : (؟) البقرة‎ )١(

1

)135.1 1])0//: ماغط

إذن فالقتال كان للدعوة» وليس للإكراه على الإسلام, إنما كان القتاللمنع الإكراه على البقاء على الكفرء ومنع الظلم والعدوان وإرهاق الشعوب من أمرهم عسراًء كما قال تعالى : «وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة؛ ويكون الدين لله. فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين»(1) ,

ولم يكن القتال محبوباً للنبى مَل إنما المحبوب المطلوب هى الدعوة إلى الحق مستشهدين فى سبيله؛ ولذا قال تعالى «كتب عليكم القتال؛ وهو كره لكم؛ رعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم , واللّه يعلم وأنتم لاتعلمون»!").

كان المؤمنون كارهين للقتل وإزهاق الأرواح ولكن كانوا راغبين فى الدعوة إلى الترحيد وأن يخلو وجه الناس للحق والحرية والعدل: والإيمان باللّه وحده الذى لاشريك له.

صورة الحرب الاسلامية :

6- كانت تسمية الحرب الإسلامية جهاداً فيها إبماء إلى أنها ليست حرب قتل وإزالة الحواجز المانعة ولذلك كان على القائد الذى يقود جيش الإسلام إلى الجهادء أن يدعو إلى الإسلام فإن أسلم من يدعوهم: فهم إخوان مسلمون علينا حمايتهم ولهم أخوتناء وإن لم يسلموا عرض عليهم العهد على أساس إقامة الحق, ومنع الملوك من أن يظلموا رعيتهم؛ وأن يفتحوا الطريق للدعوة الإسلامية؛ ليتقدم الدعاة المهديون الدعوة إلى الإسلام يجيب من يجيب فيهتدى: ومن لايجيب فهو حر فى اعتقاده «من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه؛ ومن ضل فإنما يضل عليها»9)

فإذا مثع الأمير أو الملك تبليغ الرسالة فقد نقض عهده:؛ قيشدد» وبعد ذلك خدانة: وإذا قام بظلم رعيته وإرهاقهم, فإنه يحل قتاله وينبذ عهدهء ويكون خائناً للعهد, والله تعالى يقول «وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء.").

وقد اتفق العلماء من الصحابة والتابعين؛ ومن بعدهم الفقهاء والمحدثون على أنه إذا يكون باطلاء لقول النبى مله كل شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهى باطل ولو كان مائة

)١(‏ البقرة : ؟15. () البقرة . 17؟. (5) الأسراء: ١١‏ (:) الأنفال : 08.

ع

)135.1 1])0//: ماغط

شرط». وشرط السكوت على الظلم باطل بحكم القرآن والسنة ولقد قال النبى عَلله. «المسلمون عند شروطهم. إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالا» والظلم حرام فلايجوز الاشتراط على أساس حله.

وإذا رقض الذين يحاريون الإسلام العهد بعد عرضه؛ كان لابد من القتال لمنع ظلم الرعايا أولاء ولنع الفتنة فى الدين ثانياًء ولفتح الطريق إلى دعوة الحق ثالثاً.

ومع ذلك لايتقدم المؤمنون للقتال قبل أن يبدأهم العدى بالقتال, وإذا بدأ لايتقاتلون حتى يقتلوا قتيلاء فإن قتلوا عرض عليهم الإسلام أخيراً؛ ثم قاتلوا .

«عن أبى حنيفة عن علقمة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضى الله عنهم كان رسول الله مله إذا بعث جيشاً أو سرية أوصى صاحبهم بتقوى اللّه تعالى فى خاصة نفسه. ثم قال: اغزوا باسم الله قاتلوا من كفر باللة, ولاتقتتوا وليداً» ولاتفلُوا . ولاتغدرواء ولاتمثلوا : عنهم» وأدعوهم إلى التحول من ديارهم إلى ديار المهاجرين: فإن فعلوأ, فأقيلوا منهم وكفوا عنهم, وإلا فأخبروهم أنهم كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم اللّه الذى يجرى على هوالعهد.

ونرى من هذا ألا يقاتلهم إلا إذا منعوه من الدعوة. وقاتلوه وقتلوا من المسلمينء وا لنبى له يقول لعلى إذ أرسله إلى اليمن؛ ولمعاذ بن جبل !

«ولاتقاتلوهم: فإن أبوا فلا تقاتلوهم حتى يبدءوكم: فإن بدءوكم فلا تقاتلوهم: حتى يقتلوا هنكم قتيلاء ثم أروهم ذلك وقولوا لهم : «هل إلى خير من هذه السبيل فلأن يهدى الله بك رجلا واحداً خير مما طلعت عليه الشمس وغربت»

ولقد روى عن النبى عه ألا يقاتلهم إذا امتنعوا عن الإسلام والعهدء بل نتركهم, ويقيم القائد الصلاة مع جيشه. ويبيتهم ليفكروا, فان لم يفعلوا وتعدوا وقاتلوا منا قاتلناهم.

وهذا ما جاء فى مبسوط السرخسى إذ قال : «إنهم يوجبون على القائد إذا أبوأ الإسلام أى العهد أو القتال ألا يحارب فور ذلك: بل يذهب إلى الصلاة مع جيشه؛ حتى إذا

8

)135.1 1])0//: ماغط

أتم الصلاة عاد فجدد الدعوةء وقالوا إنه يحسن ألا يقاتلهم فور الدعوة والسكوت بل يبيتهم (أى يتركهم يبيتون ليلة) يتفكرون ويتدبرون ما فيه مصلحتهم»!!).

وإنه يستفاد مما ذكرناه أن الجهاد فى الإسلام للدعوة الحرة» لا للإجبارء ولا للإكراه على الإسلامء بل ليفتح الطريق أمام الدعوة الحرة إلى الإيمان,

ويستفاد أيضاً أنه لا يكون القتال إلا بعد أن يعتدى المخالفون بالفعل, ويقتلوا ليتحقق الاعتداء منهم» ويكون القتال من بعد ذلك لرد الاعتداء الذى ابتداره.

ويستفاد مع ذلك أن يستأنى بهم ليتفكروا ويتدبروا».

وإن الجهاد يفتح الطريق أمام دعوة مشروعة من النبيين والصديقين لأن الحق ليس سلبياً صامتاً؛ بل هو ناطق مبينء ولابد لبيانه أن يصل إلى الناس بحيث يؤمنون عن بينة, وإن كفر من كفر يكفر عن بينة» حتى يتحقق قوله تعالى, «وما كنا معذيين حتى نبسعث رسولاء!') ولايتحقق مغزى بعث الرسول إلا إذا تم التبليغ يحمله المبينون ابتداء, وقد حمله النبى عه وأوصى من بعده بأن يخلفوه فى حمله؛ وقد بينا ذلك من قبل.

الدعوة فى أعقاب الحرب:

1- الحروب الاسلامية لاتنتهى بإثارة الأحقاد, فلا يقول الجيش المؤمن المنتصر ويل للمغلوب؛ ولكن يقول رحمة با مغلوب» ورفقا به, لأنه لايقاتل الشعوبء إنما يقاتل معسكر السلطان فقطء لأن السلطان هو الذى يحول بين الشعب وبين الدعوة إلى الإسلام ثم الدخول رغبأ لارهباً لمن يريد اعتناقه, واتباع الهدى.

ولأن انتهاء الحرب بفتح باب الدعوة يكون العفى والمعذرة» ويدخل فى الإسلام من أرادء ويبقى على ديئه من يريد.

ومن يبقى على دينه يحكم بالعدل والحق لابالسيف والظلم, فالظلم حرام أيا كان المظلوم والعدل مطلوب أيّا كان من ينتفع به؛ وتكون من بعده المنازلة بدل المعاندة, وفرض بدل الصغار على المفلويين: إن بعد الحربء لا غالب ولا مغلوب, بل مودة وحسن جوار وعدل, والله تعالى يقول : «وتعاونوا على البر والتقوى؛ ولاتعاونوا على الإثم والعدوان:(')«ولايجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»!").

00 الجزء العاشر ص ١‏ . 6 الأسراء: أ 6( المائدج : ؟ ل( الماكدة : م أ 5

)135.1 1])0//: ماغط

وإن العدل يكون مع الشعب الذى يكون قد رفع نير الذل والاستعباد والطغيانء وأما معسكر السلطانء فإنه يؤسر منه من يؤسر بعد الإثخان فى الأرضء واليأس من أن تكون لهم كرة وعدم توقعها من جيش الإيمان: ويتحقق قوله تعالى : «حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها(١).‏

وإنه كان المتبع فى عهد الراشدين أن يرسل الأسارى إلى المدينة حيث مقر الحاكم,: وهنالك يتصرف أمير المؤمنين مع الأسرى يما يراه مصلحة للمسلمين ولهم؛ فكان يمن على من يرى المن» ويسترق من يرى استرقاقه معاملة بالمثل لأنهم كانوا يسترقون أسرى المؤمنين فكان حقاً على المؤمنين أن يسترقوهم, وقد أمرنا اللّه تعالى أن نرد الاعتداء بمثله. فقال تعالى «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن اللّه مع

المتقن»() . للصايرين(') ولى أنه جرى عرف الحربء على ألا د يسترق إنسان قط فى حرب أو سلم فإنه لايحل

الرق حينئذ: إذ يكون ذلك اعتدا 050 للاعتداء. وينطيق عليه النهى فى قوله تعالى: «وقاتلوا فى سبيل اللّه الذين يقاتلونكمء ولاتعتدوا إن اللّه لايحب المعتدين»(؟)

وأولئك الأسرى يعمل المسلمون على ريطهم بالمودة مع المؤمنين يتزوجون نساءفم, ويدخلون عليهن بملك اليمين.

ولقد كان من السبايا نساء من كبار الناس» فى فارسء فلم يتركهم الخلفاء يمتهن بين الأعراب والعرب» بل اختاروهن لكبراء المؤمنين ذوى النسب الرفيع كعلى ين أبى طالب وغيره يسلطان العقل حتى كان من أولئك علماء للدسلام؛ وفقهاء فى أحكامه؛ ومبينون لشرعه.

ولذلك كان من أكثر التابعين الداعون للإسلام: وورثة علم الصحابة من الموالى» وهم أولئك الذين أمنوا وحسن إيمانهم وانصرفوا إلى فقه الإسلام والدعوة إليه,

١96 : محمد:؛ 5( القرة‎ )١( 15٠ النحل: 5"؟١ ل( البقرة:‎ 9 0

)135.1 1])0//: ماغط

عمل الموالى فى الفقه وعلوم الإسلام :

السياسة والحكمء وفيهم قوة ذكاء, وعلوم ومعرفة, فاستعاضوا عن سلطان العلم وهوأقوى

فكان أكثر علماء العصر الأول من الموالى الذين دعوا إلى الإسلام فأجابواء أيستوى فيهم من جرى عليه الأسر والرقء ومن لم يجر عليهم؛ فالجميع قد سموا بالموالى» فكان منهم العلماء والهداة والمرشدونء دعوا أقوامهم فأجابواء ونقلوا العلم الإسلامى إلى كل من يجهله

وأنه فى عصر بنى أمية و العصر العباسى الأول كان العرب متعصبين لعربيتهم ينكرون تفوق الموالى عليهم فى الدعوة إلى الإسلام, وينقسون عليهم علمهم وفقههم.

جاء فى العقد الفريد لابن عبد ربه «قال لى أبن أبى ليلى؛ قال لى عيسى بن موسى, وكان ديانا شديد العصبية للعرب: من كان فقيه العراق قلت: الحسن بن أبى الحسن قال: ثم من؟ قلت: ابن سيرين. قال: فما هما؟ قلت: موليان. قال: فمن كان فقيه مكة؟ قلت: عطاء دن أبى رباح ومجاهد وسعيد بن جبيرء وسليمان بن يسار. قال: فما هؤلاء؟ قلت: موال قال: فمن فقهاء المدينة؟ قلت: زيد بن أسلم ومحمد بن المنكدرء ونافع بن أبى نجيم. قال: فمن هشؤلاء؟ قلت: موأل. فتفير لونه ثم قال: فمن أفقه أهل قباء؟ قلت: ربيعة الرأى واين أبى الزناد. قال: فما هؤلاء ؟ قلت: من الموالى» فاربد وجهه؛ ثم قال: فمن فقيه اليمن؟قلت: طاووس وابنه وآين منبهء قال فما هؤلاء؟ قلت: من الموالى: فانتفخت أوداجه وانتصب قائماء قال: فمن كان فقيه خراسان ؟ قلت: عطاء بن عيد الله الخراسانى. قال: فما كان عطاء هذاء قلت مولى» فازداد وجهه تربداً» واسود أسوداداء حتى خفته. ثم قال: فمن كان فقيه الشام؟ قلت: مكحولء قال: فما كان مكحول هذا؟ قلت: مولى» فتنفس الصعداء: ثم قال: من كان فقيه الكوفة؟ فو الله لولا خوفه لقلت الحكم بن عتبة؛ وعمار بن أبى سليمانء ولكن رأيته فيه الشرء فقلت: إبراهيم النخعىء والشعبى قال: فما كانا؟ قلت عربيان» فقال: الله أكبر, وسكنحاشهة».

أه

)135.1 1])0//: ماغط

أولا - أن الصحابة بعد الفتح الإسلامى لفارس وسوريا ومصر والعراق قد قاموا بالدعوة الإسلامية فى البلاد المفتوحة. حتى أسلم أهلهاء وكانوا يسمون الموالى فى مقايبل العرب من المسلمين: وإنهم حسن إسلامهم؛ وكان دخولهم فى الإسلام اختيارا ويرغبة» ولذلك درسوه بعد أن وأزنوا بينه» وبين ما كانوا عليه من ضلال؛ واشتروا الهدى بالضلالة قربحت تجارتهم وكانوا مهتدين.

وثائيها- أنهم كانوا تلاميذ الصحابة وتلقوا علمهم ونشروه وعلموة الناسء فكانوا محل الدعاة إلى الإسلام: وخلفوا أساتذتهم من الصحابة: وأحسنوا القيام بها.

وثالثها- أنهم بلغرا فى المكانة العلمية قدرا نقسه عليهم العرب أنقسهم.

حسن الجوار وأثره فى الدعوة :

4- (1)- إن أخلاق المسلمين الاجتماعية والأخوية التى تربوا عليها فى ظل الإسلام كانت تجلب المحبة لهم, والائتلاف بهمء واتخاذهم قدوة؛ وإن ذلك يجعل العقيدة تسرى إلى نفوسهم من قلوب محبة ومحبوية؛ فما كانوا يشعرونهم بالغلب: بل كانوا يضعون فى نفوسهم أنهم إخوة متحابون؛ وليسوا غالبين يتحكمون, فكانت هذه الأخلاق مقربة مدنية, وذلك فوق ما فى الحقائق الإسلامية من معان تدركها العقولء وإن البراهين لاتدنى إلى الإيمان وحدهاء بل لابد أن يكون معها إلف وائتلاف.

فكان أمام غير المؤمن أو المسلم أمران يجذبانه إلى الإسلام؛ أولهما تآلف النفوس, وثانيهما براهين العقول؛ فيدخل الإيمان إلى قلبه من غير تردد ولاعوج.

وإن المؤمنين كانوا متمسكين بأوامر النبى عه فى الرفق بالناس, فلقد كان النبى كه يقول : تألفوا الناس وارفقوا بهم وكان يقول : يسروا ولاتعسروا وبشروا ولاتنفروا .

(ب) وإن حسن المعاملة والإحسان إلى الجارء وقد أوجد الفتح جواراً بين المسلمين وغير المسلمين سواء أكان أولئك الجيران من العرب» أم ممن دخلوا فى الإسلام من غير العرب, فكانت هذه المعاملة مع العلم بأن الإسلام دما إليها فى كتابه الكريم؛ إذ قرن الإحسان بالجار بالإحسان إلى الأقريين» وقرن الإحسان بعبادة الله وحده لايشركون يه شيئاًء فقال تعالى: «واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً, ويذى القربى, واليتامى والمساكينء والجار ذى القربى, والجار الجنب» والصاحب بالجنب وابن السبيل,

57 النساء:‎ )١(

م

)135.1 1])0//: ماغط

وإن ذلك بلا ريب يقرب النفوسء ويؤلفها. وإذا تالفت النفوس سهل وصول الحق إليهاء ودخل إلى القلوب من أيوابهاء ومخصوصاً إذا كان العقل يؤيد ما يدعون إليه, فإن المعاملة الحستة ندنى: والجفوة تبعد؛ والقول الطيب يهدى» وغيره ينفر» ولقد قال تعالى : «وهدوا إلى الطيب من القول» وهدوا إلى صراط الحميدء!') ويامر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يقولوا قولا حسناًء فقال تعالى : « وقولوا للناس حسناًء!'),

(ح) وإن القدوة الصالحة تهدى, وتجعل الجميع يهتدون بأهل الخير» وخصوصاً إذا كان ماهم عليه دينا قويما يؤيده العقل: ويعليه, فما من أمر جاء فى الإسلام إلا كان موافقاً للعقل. جاعلا للعقل سلطاناً فى تفكيرهم, وألا يتخذوا إلههم هراهم فهى يناقض الأهواء الجامحة: ويدعى إلى أتباع العقلء وقد نهى عن الاتباع من غير عقل ولاهدى ولاسلطان مبين» ونعى على المشركين أنهم يقلدون من غير تفكير؛ واقرأ قوله تعالى : « بل نتبع ما ألفينا عليه آباءناء أولى كان أباؤهم لايعقلون شيئاً ولايهتدون :(').

ومع أن الإسلام كان مقنعاً بذاته, داعياً العقول مخاطباً لها - مع هذا يجب أن نفرض فرضساً آخرء وهو أن الإسلام كان قوياً. وكان المسلمون هم الأقوياء والحكام منهم, فلابد أن يقلدهم المحكومون بهم, وتتحقق نظرية ابن خلدون التى تقرر أن الضعيف مشفوف دائماً بتقليد القوى وبظن أن كل ما فيه من أحوال وصفات من أسباب قوته وسر عزته لمق

وإنه بمقتضى هذه النظرية لذلك الفيلسوف الاجتماعى يفرض أن ناساً من المحكومين ابتغوا الإسلام تقليداً للأقوياء وهم حكام المسلمين, فكانت على هذا قوة المسلمين وسلطائهم من أسباب اتباعهم: ولكنها ليست وحدها السببء لأن الإسلام لم يدع إلى الخضوع من غير تفكيرء بل دعا إلى التفكيرء ومن المقررات العلمية أنه لايصم التقليد فى الاعتقاد, لأن الاعتقاد يجب أن يكون إذعاناً» وأن يكون نتيجة تفكير وتدبر واتباع للبرهان فإن الإيمان كما يعرفه العلماء هو العلم الجازم المطابق للواقع عن دليل مع الإذعان والتصديق القلبى؛ فإذا فرضنا أن ناساً اتبعوا المسلمين مأخوذين بقوتهم؛ فإنه يجب أن نفرض أن ذلك التقليد جذبهم إلى دراسة الإسلام؛ ونبذ ما كانوا يعتقدون» وحيث درسوا وجدوا الحق المبين» فآمنوا

صادقين فى إيمائهم. )١(‏ الحع: 5 ()البقرة؟ 2 (6)البقرة ئلا

11

)135.1 1])0//: ماغط

ولذا لاتجد أحداً من هؤلاء خرجوا من الإسلام بعد أن دخلوا فيه وذاقوا بشاشته إلا أن يكون منافقاًء لم يدخل حتى يخرجء ومن هؤلاء الزنادقة الذين ينتمون لأصل فارسى, وأرادوا الكيد للإسلام بادعاء الدخول فيه وهم يريدون إدخال الآراء المشككة المفرقة: ولذلك ب ا و وو ل ل ذلك الحكم: ولكن

ستثنوا الزنادقة لأن الاستتابة فرصة ينتهزونها ليحققوا ما يرون من إرادتهم التفريق

سوا ويا ء الباطلة» ودس المفاسد بين المسلمين.

وما كان الزنادقة قة إلا عدداً ضئيلا جداً, ولايصلون إلى نسبتهم لجماعة المسلمين بمقدار واحد فى كل ألف, بل إنهم دون ذلك بكثير.

وإن استمساك المسلمين من غير العرب بدينهم الذى ارتضوا وهى الإسلام دليل على أنهم اختاروه؛ وما أجبروا عليه. وما اختاروه لمجرد التفكير واتباع القوى, ولكن اختاروه لأنهم اقتنعوا به. وأدركوا حقائقه, ووازنوا بينه وبين ما كانوا عليه من أوهام انحرفت بها الديانات السماوية عن مواضعهاء ورأوا أن كل ما فيه بواذ فق العقل السليم» ورأوا ما رآه الأعرابى عندما آمن بمحمد؛ وقد سثل: اع ادي كيال : «ما رأيت محمداً يقول في أمر افعل, والعقل يقول : لاتفعل ومارأيت محمد يقول فى أمر لاتفعلء والعقل يقول افعل»

وبذلك يتبين أن المسلمين فى الأراء مين الت فحهها | ايلام م دخلوا فى الإسلام رهباًء ومادخلوا تقليداً للأقوياء. ولكن دخلوا رغباً واقتناعاً وإدراكا .

العدل ومقامه فى الدعوة 4-م- الإسلام دين العدالة, وإذا كان لكل دين سمة فسمة الإسلام العدالة, فإذا كانت الكلمات المأثورة عند يعض ذوى الأديان تقول : ارحموا أعداءكم: فالإسلام يقول اعدلوا هع أعدائكم, وبقول «ولا يجرمنكم شتأن قوم على ألا تعدلواء اعدلوا فو أقرب للتقوى»(١)‏ وقد تلونا هذا النص السامى من قبل, وإنه شعار الإسلام. بلغ حكيم العرب أكثم بن صيفي أمر محمد عه ودعوته الحق» فأرسل ولده يسألون النبى عله عما يدعي إليه؛ فتلا عليهم قوله تعالى : «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى» وينهى عن الفحشاء والمنكر والبفي يعظكم لعلكم تذكرون»!') وقد قال العلماء إن هذه الآية أجمع آية لمعاني الاسلام.

)١(‏ المائدة (1) النحل: ؛

6

)135.1 1])0//: ماغط

لما رجع الولد لأبيهم تلوا عليه الآية, فقال الحكيم العربى إن هذا إن لم يكن دينا

فهى فى أخلاق الناس أمر حسنء» وإن العدل فى ذاته نور يهدى؛ ولايشغف الناس إلى اتباغ رجلء كما يشغفون إلى اتباع رجل عادل لأنهم يرون استقامة نفسه ولايرون إلا طيبا فى أمره؛ ولايظنون فيه الظنون» فيتبع قوله» ويهتدى بهديه.

ولقد جاء الإسلام نوراً فى ظلمات الجاهلية؛ كان الأمر فى البلاد التى تحيط بالبلاد العربية أمر الأمراء والملوك الذين يتوارثون الناس؛ وأموالهم وأنفسهم, كما يتوراث المالك ما كان يملكه أبوه» فهم إن كانوا أحراراًء وليسوا عبيداً فيما يظهر من عامة أمورهم ليسوا مالكين لأنفسهم, إنما يملكها الملك الذى ورثهم, كما يرث الشخص ما كان يملك أبوه.

فإذا قتل الملك إنسائاً من رعيته, فدم المقتول هدرء لا دية له.

فإذا جاء الإسلام: وقرر أن الدماء متساوية» وأنها جميعها حرام: ورأى الذى يعيش فى رعية ملك كهرقل وتحكمه فى الشام ومصرء وكسرى فى فارس أنه لاحق له قبل الملك أى الأمير أو الإمبراطور - وجد ديذاً يدعى إلى العدل ويجعل لنفسه حرمة كحرمة دم الملك, فإنه بلا ريب يختار لنفسه: ويختار الإسلام دين البرية.

اقرأ لغير المسلم قوله تعالى : «يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين» إن يكن غنياً أى فقيراً فالله أولى بهماء فلا تتبعوا البوى أن تعدلوا؛ وإن تلووا أى تعرضواء فإن الله كان بما تعلمون خبيرا!"),

واقرأً لغير المسلم الأعجمى الذى كان يحكمه كسرى أو قيصر قوله تعالى : «يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين للّه شهداء بالقسط؛ ولايجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هى أقرب للتقوى؛ واتقوا اللّه إن الله خبير بما تعملون»!").

هؤلاء المؤمنون الصادقون وهم فى ديارهم يرون أنفسهم بين أمرين: أحدهما حكم طُفيائى فرضه الملوك عليهم بحكم أنهم مورثون لهم كما تورث الأشياء. وبين حكم يجعلهم سواء؛ ويجعلهم أعزة لا استعلاء لأحد عليهم: والدين الجديد رد إليهم كل حق مسلوبء إنهم عقلاء فلايد أن يختاروا العدل» ويتركوا الظلم ولايناصروه, وأن يختاروا العزة ويتركوا الذلة, ويختاروا الحرية: ويتركوا العبودية للجبارين والطفاة.

(1) النساء : ١٠6‏ (0) المائدة : م

00

)135.1 1])0//: ماغط

ولم يكن العدل الاسلامى فى أول الفتح كلمات تتلى فى القرآن؛ أى تردد على اللسان: بل كان عملا قائماً. وتنفيذاً شاملاء فالصديق خليفة رسول الله عله ينادى فى أول توليه: القوى منكم ضمعيف حتى أخذ منه الحق والضعيف متكم قوى حتى أخذ الحق له؛ والفاروق مضرب المثل فى العدل يقول فى سبيل إقامة الحق لآخذن بصماغ القوى حتى أآخذ الحق منه, والفاروق يرى أميراً من أمراء الفساسنة يضرب فتى من فتيان العرب: فيشدد فى ضرورة القصاص هنه؛ ويقول فى قوة : لقد سوى الإسلام بينهماء فإما أن يعفى المضروب» وإها أن يقتص منكء ولايرضى بغير ذلك بديلا.

والفاروق ذاته يضرب رجلا خطأ فيعطيه الدرة ليضربه أى يعفى عنه.

ولكن الفتى يأبى أن يضرب لمقام إمرة المؤمنين وهيبة للفاروق» ويأبى العفى أيضاً لألم الغمرب, والفاروق يبيت ليلتها مهموما محزوتاء ويبدو ذلك فى وجهه مغبراً مكفهرا فى الصباح فيساله, قائلا : لعل ذلك من أثر ما كان بالأمسء فيقول الرجل الذى لم يفر فرية فى

ويقول الفاروق لعماله؛ «ما أرسلتكم لتضريوا أيشار الناسء واللّه لا أوتى بعامل ضرب رعيته فى غير قصاص إلا أقصصتهم منه؛ فيقول عمرى بن العاصء أئن ضرب رعيته تأديبا تقتص منه؛ فيقول الفاروق مشتداً مؤكدا: واللّه لأقتصه منه.

يرى غير العرب هن المسلمينء ذلك ويرى من لم يدخل الإسلام منهم فيوازنون بين ما كانوا عليه من إهدار دمائهمء وإباحة أموالهم, وأنه لاحق لهم أمام حكامهم؛ كما أنه لاحق للعبد على مالكه فى زعمهم, ويرون العدل الإسلامى» ويرون مع ذلك أن الأرقاء لهم حقوق على مالكيهم؛ وأن المالك إذا قتل عبده قتل به, إن يقول النبى عَيْلَهُ : «من قتل عبده قتلناهء ومن جدعه جدعناه» ويقول عليه الصلاة والسلام «من ضرب عبده فكفارته عنقه».

يرون العدل واضحاً قوياً فى القول المأثور عن النبى عه وفى العمل الذى يرونه. ويعاينونه فى غير التواء» ولا اعوجاج.,

بل إنهم يرون الكرامات للرعية موفورة, قال عمرى بن العاص لأحد رعيته: يا منافق, فقال له: واللّه ما نافقت مئذ أسلمت. فشكا إلى عمر؛ فأعطاه الإمام عمر كتاباء قال فيه:

من عبد اللّه عمر أمير المؤمئين إلى العاصى ابن العاصى,

)135.1 1])0//: ماغط

لقد ذكر لى فلان أنك نفقته» وما نافق هذ أسلم, فإذا جاءك كتابى فاجلس مع الملا واجعله يضريك أسواطا. فجاء الرجل إلى الملأ فى المسجد قال لهم: من سمع الأمير نفقنى, قالوا: كلنا سمعه. فقرأ عليهم الكتاب.

فقال المنافقون حقا الذين يطوفون حول الحاكم: أى تضرب الأمير؟ فقال الرجل متحديا: ليس لأمير المؤمتين هنا أمر, فطاطاً عمرو ين العاصس رأسه: وأعطاه السوطء وقال له اغنوت: قهز الرحل السوظ برقال : الأن عقوت

انظروا إلى العدالة, وتربية العزة فى النفوس والكرامة, وخير له أن يعزل كل يوم والياً بدل أن يتركهم يهينون الكرامات» ويضريون الأيشار.

العدل مع أهلالعهد :

5- قد يقول قائل إن ذلك عدل مع العرب» فهل يعم العدل غير العرب لأنهم الغزاة الفاتحون» ولأنهم يجاملون: كما تجامل الأمم الحاضرة القاتحين من غزاتهاء لأنهم عدتها فى الحرب» وقوتها فى الاستيلاء والسلطان, فلهم فضل عدل خاص بهم؛ وفضمل تكريع.

ونقول فى الجواب عن ذلك القول إن العدل يتمتع به البر والسقيم على سواءء فإنه يتمتع بالعدل الإسلامى: المخالف ولى محارياء والموافق على سواءء وقد تلونا هن قبل الآيات الدالة على ذلك؛ وهى نصوص صريحة لاتقبل ضربا من التأويل ولافساداً فيه تحويل لمعانيها عن مقاصدهاء وأفعال الصحابة » ومن تبعهم بإحسان توضع ذلك وتؤكده.

(أ) فقد سبق أن بينا ولى الأمر إذا عقد اتفاقا مع ملك أى أمير غير مسلم وأجاز له أن يعامل رعيته كما يريد بالعدل أى غير العدل يكون الاتفاق باطلاء وقد أقمنا الدليل على بطلائه فيما أسلفنا من قولء فلا حاجة لتكراره الآن.

(ب) وإن معاملة الذميين تدل على العدالة الكاملة بين المسلمين وغيرهم, حتى إننا نرى أنهم لايحرمون من حقوقهم التى كانت لهم من قبل, بل إنهم يأخذون حقوقاً لم تكن لهم من قبل وإن الإسلام؛ وهى دين المساواة بين الناس ومنع الطبقاتء لايطفف أحداً من حق له إلا أن يكون قد أخذ ماليس له كالأشراف من الرومان» والرؤساء من الفرسء فإن دين المساواة الذى يقرر المساواة العادلة بين الناس يمنع طفيان طبقة على طبقة: والناس جميعاً أمام القانون العام والخاص سواء.

بآ

)135.1 1])0//: ماغط

فالإسلام إذا تدخل وأخذ بعض الحقوق التى يزعمها من كانوا يتحكمون فى الناس, فلأنها ليست حقوقاً؛ ولكن هى اعتداءء والإسلام العادل يمنع الاعتداء فى كل صوره وأشكاله.

(ح) والقاعدة المقررة فى الإسلام التى استنبطها الفقهاء من أقوال الرسول 8 ونصوص القرآن - هى: لهم مالنا وعليهم ما عليناء لايضارون فى دينهم؛ ولاتحكم أسرهم بغير دينهم الذى ارتضواء وآثروا البقاء عليه, لأن الإسلام لايكره أحداً على الدخول فى دين لابريدون الدخول فيه؛ فالله تعالى: يقول: «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الفى('», ولنشر بكلمات موجزات إلى أحكام الذمى, ومنها نرى أنها عادلة لايفرض الإسلام عليهم أغوا فى أسرهم أو اعتقادهم.

الذمى

٠‏ الذمى هى الذى يقيم مع المسلمين على أن يكون له ما لهم وعليه ماعليهم: وهو يقيم مع المسلمين بعقد يقال له عقد الذمة, وهى يعقد مع الفتح الأول لأى إقليم يفتح, يتولاه أمير الحرب يوجب على الدولة واجباتء يتولى ولى الأمر أداءها ويفرض حقوقاً للذمى يجب على الدولة رعاية تنفيذها.

وقد كان يحدث أن ولى الأمر يعقد عقداً عاماً بأن يعلن أن من يرضون بالإقامة بين المسلمين لهم مالهم: وعليهم ماعليهم: بحيث يلتزمون ما يلزم المسلم مما يجب عليه فيلزم إلى آخر الأحكام الشرعية. ما يقدسه المسلمون» فلا يجترح حرمات المساجد: ولايسب النبى عل ولايسب أحهذا هن مصون الحرية؛ والكرامة؛ وتجرى عليه الأحكام بالعدل والإنصافء وقد بِينًا مراعاة الأئمة الراشدين لذلك مراعاة تامة: وروينا قول النبى ْله : «من آذى ذمياً؛ فأنا خصمه يوم

القيامة ومن خاصمته خصمته».

)١(‏ البقرة:51ه0؟

مهم

)135.1 1])0//: ماغط

والذميون خالطوا المسلمين؛ وعاشروهم: وكان الود موصولا معهم إلا من خرج عن العهد وتبذ الذمة, واللّه من ورائهم محيط.

الدعوة الإسلامية فى الغصر العباسى

(1) الدعوة بالآحاد:؛

"١‏ إن الدعوة الإسلامية كانت تسير على المنهاج المستقيم فى عصر الصحابة وعصر التابعين وكان مع الجيوش الإسلامية كتاب الله تعالى والعدل, والخلق الإسلامي, فكان الفتح؛ وكانت الدعوة الإسلامية القويمة؛ وكان دخول الناس فى الإسلام أفواجاً وكان الناس يؤمنون بالله رغباً لارهباً؛ بلا إغراء ولا استهواء. كما يفعل بعض النصارى فى مصر فى هذا الزمان: فقد استخدموا فى الماضى الإكراه بكل أساليب التعذيب والتنقيب عن القلوب والآن يتخذون الاستهواء النفسى بما يسمونه غسل المخ: وهى إكرأه؛ بل أشد من الإكراه» وإذا كان المكره كالآلة فى يد من أكرهه. ولاتكون نتيجته إيماناً. فمن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان لم بتغير اعتقاده ولم يتفير قلبه: فإن الاستهواء ومسح المخ يجعله آلة طيعة فى يد من استهواه, وغسل مخه؛ يغير نفسه وكيانه؛ فيؤمن بالباطل؛ وهى لايعرف أنه ياطل,

وإنه كان للدعوة الإسلامية التى كانت تتجه إلى القلوب من غير استهواء ولاغسل للأفكارء بل كانت بالبرهان والموازئة بين الحق والباطل بين ما فيه صلاح الناس» وما فيه فسادهم, وبين قضية العقل المدرك والنفس المؤمنة؛ وبين الأوهام؛ وتكشف للحقائق وسترها .

قام أحاد المسلمين بهذا البيان» وذلك بالالختلاط بين المؤمنين وغميرهم من النصارى والمجوس والصايئين: والمشركين؛ وغيرهم, والقرآن إمام المسلمين, وهى النور الهادى؛ والحق المبين,

وإذا كانت الجيوش الاسلامية: تفتح الحصون: وتزيل محاجزات الملرك فإن وجه الشعوب يخلى للدعاة للإسلام من المؤمنينء وإذا كان الحكام لايعنون بالدعوة» ولا يرعونها حق رعايتهاء فإن المؤمنين من العرب وغيرهم كانوا يعنون بها أحاداً وجماعات كما سنبين» ولكن الآحاد كانوا أبعد أثراً ابتداء. فهم بتخلقهم بأخلاق القرآن» وبائتلافهم مع الناس من غير استعلاء, بل يعاملونهم كإخوان لهم ينشرون الإسلام بالقول والعمل» حتى كانت الفرس وخراسان وما وراءهم من بلاد وراء النهر والديلم من المسلمين بدعوتهم.

0

)135.1 1])0//: ماغط

وكثرة كبيرة من الهندء كانت مسلمة بالدعاية الآحادية والجماعية؛ وإذا تركنا الشرق المحمدية.

وذلك بطرق ثلاثة :

أولها - الاختلاط والائتلاف» فالأليف يقرب أليفه ويدنيه.

ثانيها- التبيين: وذلك من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكرء مع تأليف القلوب والموعظة الحسنة؛ كما قال تعالى :«ادع إلى سبيل ريك بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وجادلهم بالتى هى أحسن»[).

ثالثها- إزالة الأوهام التى تسيطر على الناس فيما يتعلق بالأوثان» وقد كان الوثنيون ولايزالون أسرع استجابة» وأسهل اقتناعا من غيرهم؛ لأن عقولهم على الفطرة والفطرة السليمة أقرب إلى الاستجابة إلى الحقء والإيمان به.

ولذلك نجد الكثرة الكاثرة من الأفريقيين مسلمين مع الدعاية النصرانية الملحة الثى تستحل كل شئ إلا ما يكون حقاً منيراء وتتذرع بكل الذرائع من طب وإعانة على الزراعة, وتستعين بطرق غير محللة خلقاً وديناً كالخمر والاستهواءء والإسلام وحده يسير من غير ذرائع ولامجادلات» وذلك أنه لا أوهام فيه إنه يدعى إلى الله وحده: فالقلوب والعقول تصل إليه.

ب- التجارةوالدعوة الأحادية.

1؟- كان التجار المؤمنون فى اليمن وحضرموت: يسيرون بمتاجرهم منبعثين من شطر البلاد العريية ميممين شرقى البلاد ومغاربها ومع تجارتهم الدعرة المحمدية.

يعطون بضائع المالء ويأخذون مثلها؛ ومعها بضائع هى النور وهو الإسلام؛ وقد جابوا الآفاق على البضاعة المادية والهدى المحمدى.

وكان يسهل الطريق أن الوثنية كانت مسيطرة على الشعوب التى يعاملونها فيهدونها, ثم يتعاملون معها بئور الهداية.

فكانت بضاعة النور رائجة: وبضاعة المادة رائجة أيضاً.

١75 النحل:‎ )١(

16

)135.1 1])0//: ماغط

وبالتجار الحضارمة آمن أكثر شرق أفريقياء ولاتزال آثارهم باقية فى شرق أفريقياء فعلى أيديهم أسلمت الحبشة إلا قليلاء وإن كان المسلمون فيها مضطهدين تحت عين المسلمينويصرهم.

وكذلك الصومال؛ وسائر شرق أفريقياء والتجار المسلمون هم الذين نشروا الإسلام فى أندونسياء وغيرها من بلاد الشرق الأقصى.

والصين ابتدأ فيها الإسلام بفتع قتيبة بن مسلم لما حولهاء وجاء إليها من أندونيسيا وشيرها .

#لاتروالرجالة المسلعون كاين عنس وانتطولة وعيوهها من الذدة كانواترحلرة

إليه. يتعرفون فيه أحوال المسلمين» ويبينون الإسلام بين غير المسلمين.

وكان منهم من يعقد دروساً علمية يحضرها المسلمون وير المسلمين, وفيها بيان الحقائق الإسلامية: والأخلاق الدينية,

وكان للصوفية أثر كبير فى هذه الدروس حتى قيل إن مجلس الدرس لسيدى عيد القادر الجيلانى كان يحضره ألوف من الناس؛ وفى بعض مجالسه كان يحضره نحو أريعة على المتصوفة وأثرهم فى الدعوة إلى الإسلام.

والقول الجلى أن الدعوة الآحادية كان لها فضل كبير فى نشر الإسلام والدعوة إلى الإسلام.

وفى الحق إن الإسلام انتشر بالدعوة الآحادية: من الذين أخذوا بداعى الوجوب العينى: وقد قلنا أن الدعوة إلى الإسلام, فرض عين, وفرض كفاية تقوم يه الجماعة فى ظل الدولة, وتحت رعايتها وتوجيهها.

ولكن من وقت أن ضعفت الخلافة الإسلامية ثم ذهبت ولم تقم الدولة بالفروض الكفائية الخاصة: فلم يعين الخليفة قوماً للدعاية للإسلام» يوجههم, ويزودهم بالمال والعلم, ولم يقم أحد بالفرض الكفائىء وذلك لثلاثة أسباب.

أولها - أنه لم تكن دولة إسلامية جامعة تحمل نفسها تبعات إسلامية؛ إنما كانت تعلن إسلامها من غير أن يكون لها عمل للإسلام, وإن كان منهم من يشجع بعض العلماء للتأليف,

)135.1 1])0//: ماغط

والبحث والدراسة:» فلم يكن متهم فيما نعلم من يؤلف جماعة للدعوة إلى الإسلام ويزودها بالمال فى سبيل هذة الدعوة. ويضع لها المناهج التقى تسير عليها.

ثانيها- أنهم كانوا فى نزا ع مستمر للغلب, وأن يكون لكل سلطان حوزة من الأرض أكثر من حوزة الآخرين» وكانت الحرب بينهم مستمرة وحب الغلب هى المسيطر على تفكيرهم:

ثالثها- أن الغارات الصليبية قد شغلتهم كثيرا ثم جاءت بعدها الغارات التترية, دعوة منظمة يحميها الأفراد ويمدونها بالعون ويالمال والرجال.

لهذه الأمور ما كانت هناك دعوات منظمة تشرف عليها الدولة, لأنه لم تكن دولة قوية, أودعوة تشرف عليها الإمارات المختلفة لأنها شغلت بنفسها عن دينها ونسيت أنها دول قامت على الإسلامء: فله عليها حق الرعاية وإقامته على وجهه.

والعلماء نسوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكرء وعكفوا على دراسة فلسقة الإسلام, ووجويه من غير أن ينفذوىه.

ولكن الآحاد كانوا يقومون بذلك طالبين ما عند الله حتى ابتأست النفوس وقنعت بحكم الحاكمين وظلم الظالمين» فنسيت ما يجب عليها لكى تستمر الدعوة إلى الإسلام موصولة غير مقطوعة إلا من عصم اللّه.

غير العرب فى الدعوة إلى الإسلام :

55- وإنه إذا كانت أحداث الصليبيين والتثار أثرت فى العرب من ناحية الدعوة الإسلامية فإنه إذا كان قد أفل نجم الإسلام بينهم فى الدعوة إلى الإسلام: فقد بزغت له نجوم أخرى فى غير العرب, فى البلاد الإسلامية الأخرى. المحض نادر الوجود أيضاء فقد نجم عن غارات التتر والصليبيين أمران جليلان لهما شأن

أولهما- أن الإسلام انتشر بين التتر؛ فقد كانوا وثنيين: فلما اختلطوا بالمسلمين بالفتوح ورأوا ما عليه المسلمون من رقى فى الفكر والاعتقاد اعتنقوا الإسلام؛ وكان منهم

1

)135.1 1])0//: ماغط

مسلمون وإن كانوا لم يتركوا الحرب والنضال والفساد فى الأرض ولكن دخلوا فى الإسلام: واختلطواء ثم صار فيهم إيمان من بعد.

الأمر الثانى - أن الصليبيين تأثروا طريق المسلمين؛ ونفذ إلى نفوسهم وعقولهم وإن لم يؤمنوا به ولكنهم تأثروا طريقه؛ ولذلك كان فيهم بعد ذلك ما يسمى الإصلاح الدينى, وقد قبس من الإسلام كثيراًء وكتاب مارتن لوثر زعيم هذا الإصلاح من يراجعه يجد كثيراً من تعاليم الإسلام, وخصوصاً ما يتعلق بالعقود والمعاملات (راجع كتاب الإسلام وأباطيل خصومه للمرحوم عباس محمود العقاد).

وإنه إذا كانت الدعوات الإسلامية فى الحروب الصليبية والتترية قد ضعفت بين العرب» فقد ظهرت فى الهند والبلاد الشرقية؛ ظهرت فى باكستان وأندونسيا بعد أن أمنت وظهرت فيها دعوات للإسلام قوية مستمرة. كان يقوم بها مسلمون من الهند يخرجون للدعرة الإسلامية يحملون زادهم على ظهورهم: ويتحملون المشاق الشداد فى الدعوة إلى الاسلام,: حتى ظهر المسلمون فى فلبين؛ وجزر الهند الشرقية وغيرهاء وعلى أيديهم أسلم كثيرون من الزنوج الأمريكانء و فشا الإسلام.

من جهودهم وأموالهم للدعوة إلى الإسلام عشرهاء فالعاملون فى الدولة يقتطعون من أوقات خدماتهم عشرهاء وكأنها مقادير زكاتهم بزيادة عن مقادير الزكاة.

ويذهب المؤمن منفرداً يقوم بدعاية الإسلام فى كل أرض مر بها معتمداً على الله لاينى ولايكفء ولقد حضرنا بعض اجتماعات هذه الجماعة فى لاهور سنة 1504 ,

ولقد أسلم الكثيرون من الناس والأقوام على أبدى هؤلاء» وكان الدعاة يبقومون بهذا فرادى: والجماعة هى التى توزع الأحاد: وكل وطاقته: وكل وعمله 0007

ولاتزال هذه الجماعات قائمة منبثة فى الهند وياكستانء: وأندونسياء وهم الذين يقومون بأمر الله تعالى ونهيه؛ ولاينفكون عن الدعوة إليه» ويهذا يتبين أنه إذا كانت الدول التى تسمى

31

)135.1 1])0//: ماغط

نفسها دولا إسلامية قد قصرت فى حماية دينها أولاء وحماية المسامين ثانياًء والقيام بحق التبليخ ثالثاً فإن المسلمين آحاداًء وأحياناً بجماعات تنظم وتوجه- كما رأينا فى باكستان - قد قاموا بحق التبليغ فى الجملة, وإن لم بيلغوا الغاية الكاملة» ولكنهم قاريوا بعد أن سددواء ولهم فضل على القاعدين الذين لم يقوموا بشئ؛ وخصوصاً أوائك الذين يلبسون لباس العلم الإسلامى؛ ويظئون أنهم فى الذروة؛ فهم لايحسون بالواجب عليهم؛ ومعهم من يقولون إن الإسلام علم فعليهم أن يطلبوه هم؛ وإن كان العلم شائهاء فعلى الذين وكل إليهم شأنها أن

يصححواأ هم, وليس على القاعدين ممن درسوا العلم أن يصححوا .

الفرق والطواتف

6 قلنا إنه منذ أشرق الإسلام: وأضاءت الأرض بنوره؛ والتبليغ به قائم؛ والدعوة مستمرة؛ وكانت سهلة: لأن أخلاق المسلمين كانت تدعى؛ وعدالتهم كانت تعم» فيعشى إلى ضوئها الناس» والخلقفاء حريصون على أن يكون الإاسلام هو المقصد الأول» حتى كشر الدخول فيه؛ وحتى خشى بعض الذين يدبرون المال: على بيت الخراج والجزية أن يخلواء فمنهم من فكر فى ألا يرفع الجزية عمن يسلم:. فغضب عمر بن عبد العزيز» وقال : «إن الله بعث محمداً هادياء ولم يبعثه جابيا» ثم نما الإسلام وانتشر بالتبليغ المنظم الهادى.

وإن بعض الفرق الإسلامية عندما نشأت الفرق» وتحقق خبر النبى عله : بأنه تتفرق أمته على ثلاث وسبعين فرقة - كانت تضع من مبادئها الدعوة الإسلامية: وأدخلته فى باب الأمر بالمعروف, والنهى عن المنكر.

المعتزلة والدعوة الإسلامية.

ادا كان مق سال [لفقزلة الأادى والمعرؤة»والنوى عل لتك ققد كنك مما ناتهد خمسة : التوحيد» والعدل؛ والوعد والوعيد, وأن مرتكب الكبيرة فى منزلة بين الإيمان والكفر؛ ويصح أن يطلق عليه اسم المسلم, والمبداً الخامس الأمر بالمعروف والنهى عن المنكرء فقد قرروا وجوبهماء والأخذ فى تنفيذ أمر اللّه فيهماء ومن قصر فقد ارتكب إثماء فعلى المؤمنين

1

)135.1 1])0//: ماغط

نشر الدعوة الإسلامية» والقيام بتبليغ الرسالة: وهداية الضالين وإرشاد الغاوين وكل بما يستطيعء فذى البيان ببيانه» وذى القلم بقلمه. ونى السيف بسيفه؛ لكى يمنع الفتنة فى الدين, ولكى يزيل المحاجزات التى تحول بين الداعى والمدعوين: وتمكين التبليغ: والناس بعد أن يتبين الرشد من الغى» بين أن يتبعوا أو يمتنعواء فمن اهتدى فلنفسه. ومن ضل فإنما يضل عليهاء وما ربك بظلام للعباد, ولا إكراه فى الدين.

وقد كان عمل المعتزلة فى الدعوة الاسلامية فى ناحيتين :

أولاهما- الدعوة إلى الإسلام, وخصوصاً بين علماء الفرس وغيرهم من غير المسلمين, فإنهم كانوا يتخذون المنطق والعقل سبيلا لتفكيرهم وجدلهم فكانوا يدعونهم إلى الإسلام: ويحلون المشاكل التى تثارء وقد تولى ذلك كبيرهمء فالحسن البصرىء وقد كان ينهج نهجهم: وعذدوة منهمء فى الطبقة الثانية.

وكان واصل بن عطاء وهو تلميذ الحسن ينشر الدعوة بلسانه وقلمه؛ فله كتاب ألف مسالة وكانت دعوته للعلماء.

والناحية الثانية - الرد على أهل الأهواء من الزنادقة وغيرهم الذين كانوا يشككون فى الحقائق الاسلامية» وكانوا أحيانا يدسون ما يثير الريب» ولايظهرون: وأحيانا ينكشف أمرهم ويظهر وإن أرادوا إخفاءه, فيشف ثويهم عن حالهم: ويظهر أمرهم.

والمعتزلة يتتبعون الآخرين: فهم يجادلون من ينكشف أمره حتى يرجع أو يسكت» ويتتبعون ما يظهر من الآراء الفاسدة: وإن لم يعرف صاحبه.

وقد كان من بعض الرافضة أراء تؤدى إلى الانحصراف» وتمكن غير المسلمين من تصل الناس.

وقد فرق واصل تلاميذه فى الآفاق كما قام زميله عمرو بن عبيد بذلك؛ وكان أطول عمراًء ولقد اشتد أمر الزندقة والزنادقة فى عصر أبى جعفر المنصورء وابنه المهدىء وكانت الفلسفة البونانية والهندية وغيرهما قد ترجمت؛ ودرست وجاءت محملة بالعلم ويأوزارهاء فجاء السوفسطائية:؛ ونشرت فلسفة الشك وحمل المعتزلة عبء مناهضة هذه الآراء الهدامة لكل

حق»؛ ولكل دين.

53

)135.1 1])0//: ماغط

وأخذ الزنادقة ينشرونهاء ويروجونهاء وتفاقم أمرهم فى عهد المهدى؛ وقام رجل هو المقنع الخراسانى يهاجم المسلمين فى الميدان, والزنادقة يبثون فى الشعب روح شك, القتال.

وفى المبدان الفكرى جرد المعتزلة لمقاومة الزئدقة حتى هزمها فى الأخرى بمجادلات المعتزلة, ودعوتهم إلى الإسلام والدفاع عنه.

نحاء الرشيدية البدى: وقد انظقائت اليس ققد لرفرعةزالشادقة يران كانت الجرثومة لم تجتث؛ فأطفئ اللهيب» ولكن مازالت النار مدفونة بالخوف.

وكان يميل إلى الأثر والحديثء ولذا أيعد المعتزلة عن القرب إليه, وسجن منهم من سجن ولكن النار المدفونة ابتدأت تظهرء والزندقة التى لم تجتث ابتدأت تنتأ رءوسها كرءوس الشياطين فاحتاج إلى من يدفعهاء فدعا الفقهاء والمحدثين ولم يكونوا أهل ذلك الميدان, فبحث عمن يقف فيه؛ وقيل له هم المعتزلة: فجردهم, وعادوا يحاربونهم: كما ابتدءوا.

هذا موقف المعتزلة من الدعوة الإاسلامية, وهو موقف هينى على ماعندهم من وجوب تزيغ قلويهم أى يريدون بث الزيغ فى المؤمنين.

ونحن إن نذكر المعتزلة فى هذا المقام بالتقدير لانوافقهم فى كل مايعتقدون: بل نوافقهم فيما هى حسئ فى ذاته لايقبل جدلاء ومخالفه يعد مخالقاً لأمر عرف من الدين بالضرورة.

الزيدية والدعوة الإسلامية 1- الزيدية فرقة من فرق الشيعة: ولكنها معتدلة ترى أن الإمامة تكون من أولاد على بعد النبى ميته هى على؛ وهى معرف بالوصفء وليس معيناً بالاسم, وأنه تكون للأفضل من

11

)135.1 1])0//: ماغط

ذريته من فاطمة بشرط أن يخرج داعياً لنفسه. ويجيزون إمامة المفضول: ولذلك أجازوا إهامة الشيخين أبى بكر وعمرء وإن كان على أفضل فى نظرهم.

وهم أتباع الإمام زيد بن على زين العابدين الذى خرج على طغيان هشام بن عبد الملك؛ وقتل رضى الله عنه سنة ١77‏ هجرية بالكوفة بعد أن خذله أهل العراق: كما خذلوا جده الحسين, وقتله الأمويون: وقد قتل بالنبل» كما قتل جده الشهيد ابن الشهيد وأبو الشهداء الحسين رضى الله عنه, ولعن من قتله. ومن كان سبباً فى قتله.

وقد كان أكثر من خرج على العباسيين من بعد الأمويين من الزيديين.

ولذا كان الظاهرون من البيت الزيدى يتتبعهم العباسيون» ويفر هؤُلاء من وجوههم, وكانوا يفرون إلى خراسان والديلم ويلاد الجيل. فى القرن التالث, وتوفى فى مطلع القرن الرابع سنة 6١؟.‏

قد هاجر التاصر هذا إلى بلاد الديلم والجبل؛ كما أشرنا وكان أهلها وثنيين» وقد فر بدينه | ليهم. ذلك بلاء حسناًء حتى أسلم أكثر الوثنيين بدعايته. ويحكمته فى الدعوة؛ وحتى دخلوا جميعاً فى الإسلام: وتولى هى الإمرة عليهم: وكان إماماً فى هذه البقعة:؛ وقالوا إنه كان يحيى الإمامة الزيدية من الركود بعد توالى الاضطهاد واستشهاد الكثيرين من آل البيت الزيديين.

ولقد قال فى ذلك الشهرستانى فى كتابه الملل والنحل :«لم ينتظم أمر الزيدية حتى ظهر بخراسان ناصر الأطروشء فطلب مكانه ليقتل, فاختفى واعتزل إلى بلاد الديلم والجبل» وهم لم يتحلوا بدين الإسلامء فدعا الناس إلى الإسلام على مذهب زيد بن على» فدانوا له بذلك وبقيت الزيدية فى تلك البلاد ظاهرينء وكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة,

وإن هذا يفيد أن الزيدية بسبب اضطهاد العباسيين لأئمتهم؛ وفرارهم من هذا الاضطهادء قد اتجهوا إلى الدعوة إلى الإسلام أولاء ثم بالمذهب الزيدى ثانياً. فأثمس ذلك

11/

)135.1 1])0//: ماغط

الاضطهاد تلك الثمرة» وعاد الزيديون بخير مافعلوا وعاد المضطهدون بإثم ما فعلواء وتلك قسمة عادلة.

لقد أسلم على أيدى التاصرء ومن جاء بعده ملايين من الناس الذين كونوا إقليماً إسلامياً كثير السكان: كثير الملماء. مخلصاً أشد الإخلاص تابعاً لمن دعاه وهداه.

ولابهولنك أن الزيدية كانت المذهب المسيطرء فإن المذهب الزيدى أقرب المذاهب إلى مذاهب الجماعة.

وهى يأخذ بالسئة كلهاء يأخذ بما فى الصحيحين, وغيرهما من كتب السنة ويأخذ بآراء كثيرة من المذاهب الأريعة.

ومن المقرر فى هذا المذهب الزيدى أن مالم يرو فيه شئ عن الإمام زيد يؤخذ فيه برأى الإمام أبى حنيفة: ولذا كانت فيه آراء كثيرة مقكيسة من المذهب الحنقى ثم المذهب الشافعى.

ومهما يكن من الأمر فى المذهب الزيدىء فإن أئمة الزيدى عندما اضطهدوا لم يقضوا أوقاتهم فى خمول المنفيين المضطهدين:؛ ولكن قضوه فى عمل المتقين المهديين فانصرفوا إلى على الإسلام؛ تبعاً لذلك.

ويكفى هداية وتوفيقاً أن أسلم على أيديهم عشرات ألوف الألوف من المسلمين. والمذهبية أخذت تذهب - شيئا د فشيثا حتى صاروا الآن فى ضمن ! لحنفية؛ وقد علمث أن المذهب الحنقى كان مرضياً فى المذهب الزيدى» ثم غلب: فصاروا أحنافا.

الصوفية

4؟- التصوف أصله من الزهادة؛ والانصراف للعبادة من غير أن ينقطع عن أسباب الحياة وطلب الرزق» وقد دخل الإسلام من عدة مسالك.

أولها - وجود الزهادة والزهد فى الحياة ومتعهاء مكتفياً بالحلال منهاء وذلك أعلى الزهد, فقد قال الإمام أحمد رضى الله عنه مجيباً من سأله عن الزهد فقال هو طلب الحلال,

514

)135.1 1])0//: ماغط

والاقتصار عليه؛ ومن الزاهدين من اتجهوا إلى الحرمان وفهموا أن قطع النفوس عن الملاذ حلال: وحرمانه هو قطم للنفس وهو الزهدء ولكنه الذى نهى النبى والقرآن عنه فقد قال تعالى : «يأيها الذين آمنوا لاتحرموا طيبات ما أحل الله لكم»(!).

وثانيها - فلسفة هندية تقوم على رياضة النفس على التحملء؛ والانقطاع عن الملاذ.

وثالثها - ما كان يظهر من بعض الديانات من الحرمان» وسرى إلى المسلمين من بقايا الديانات القديمة؛ ومع أن الإسلام نهى عن الرهبانية لأنها من ابتداع النصارى كما قال ورهبانية ابتدعوهاء ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان اللّه. فما رعوها حق رعايتها فأتينا

وقد سرت بعض مبادئ الرهبانية إليهم, بمقتضى الاختلاط؛ ولبقايا الديانات القديمة في نفوسهم, ولقد قيل إن الصوفية كانت تقليداً أو اتباعاً لأهل الصفة الذين كانوا يعيشون فى مسجد رسول الله َيه في عهد الصحابة؛ لا موى لهم غير ولا ملجأ لهم سواه.

ومهما يكن مصدر الصوفية». وسبب شيوعها بين المسلمينء فإنا نجد فيها نوعا من التشبه بالرهبنة؛ وإن لم تكن مماثلة لها من كل الوجوه؛ فإن أهل التصوف يتزوجون ولاينقطعون عن الدنيا انقطاع الراهبين: ولايموتون موتا حكمياء كما يعبر القانونيون إذ يعدون الرهينة موتا حكميا .

ولاشك أن الذين يعكفون فى الخانقاهء ويقيمون فيها يشبهون الرهبان فى الأديرة: وإن كان من سكان الخائقاه من يتزوجون» وينجبون الأولاد.

وفى الحق أن الصوفية لها جانبان : جانب الخير, وهو الاتجاه إلى الله تعالى والاستجابة له وأن يكون قلب المؤمن عامرا بالإيمان, ذاكر الله تعالى دائماء مشرقاً بنوره عن الدنيا ولكن يطلبونها على أن خيرها مطية الآخرة؛ وطريقها.

والجانب الثانى وهى ظاهر فى بعض المتصوفة وهى الانقطاع عن الدنيا وذلك وجه لايريده الإسلام؛ ويظهر ذلك فى الانصراف إلى الذكر الذى يكون معه حركات.

)١(‏ المائدة :/الم (5) الحديد : /1؟

15

)135.1 1])0//: ماغط

ومهما يكن نوع التصوف, وغايته ونهايته فإنه وجدت جماعات صوفية يرأس كل جماعة شيخ من شيوخ العلم والتصوفء والجهاد فى سبيل اللّه. فتعددت الطرق الصوفية, وكل واحدة تتبع شيخا جديراً بالاقتداء. وله فى الإسلام والدعوة إليه فضل وذكرء فالشيخ عبد القادر الجيلانى له علم غزير: وإرشاد وتوجيه وحكمة, وإبراهيم الدسوقى له علم مدون, وتوجيهات شديدة فى التقوى والزفادة» وأحمد البدوى له بعض جهاد فى الحروب الصليبية, وله توجيهات محددة؛ والسيد أحمد الرفاعى من أهل العلم والتوجيه والإرشاد.

وأحمد التيجاني له فضل كبير والسيد محمد بن على السنوسى له فضل علمى وعملى وتوجيهى فى الإسلام؛ ودعوته إلى الإسلام هو والتيجانى نشرت الإسلام فى غرب إفريقية ووسطها وجنويها مع ما كان للجيلائية من أثر.

وإذا كان إسلام شرق إفريقيا على يد الحضارمة والتجار» فإنه فى وسط إفريقيا وغربها للجيلانية وللتيجانية والسنوسية فضل عظيم فى نشر الإسلام؛ ولنذكر ذلك بفضل من القول» ونشير فى إيجاز.

الشهعبؤذة والتصوف

9 لانريد بالتصوف الذى شاع فى عصر المماليك فى مصر والشام والذى كان أهم مظاهره الشعبذة؛ والصياح والتمايل بما يسمونه الذكر فى المجالسء والخروج بالمواكب والأعلام فى الطرقء واللعب بالثعابين» وابتلاع النيران» وغير ذلك مما كانت تظهر به فرق مختلفة وطوائف تسير فى الطرقات وتضع النار على أجسامها لتنطفى” زاعمين أن النار لم تحرقهم؛ وقد طلوا أجسامهم بما يمنع حرقها,ء وقد ادعوا أنهم ينتسبون إلى السيد أحمد الرفاعى؛ وانترك القلم لابن تيمية يصف حالهم, وإن كنا لا نوافق على نظرته إلى التصوف عامة, فقد قال رضى الله تبارك وتعالى عنه لهم عندما أرادوا أن يصنعوا أمامه وفى حضرة نائب السلطان ما يصنعون أمام التتار» وقد كانوا جاثمين فى ربوع الشام؛ وهم يقاومونهم قال : من أراد أن يدخل فى النارء فليدخل أولا الحمام؛ وليغسل جسده غمسلا جيد!ء ويدلكه بالخل والأشئان ثم يدخل بعد ذلك إلى النار إن كان صادقاً. فقال شيخهم: نحن إنما تنفق أحوالنا عند التتار» فانكشفت بذلك حالهم, وهو ممالأتهم للتتار فاشتد النكير عليهم لفعالهم:

.7ب

)135.1 1])0//: ماغط

وممالآتهم للتتار أعداء الوطن الشامى:ء بل أعداء الأوطان العربية والإسلامية قاطبة: إذ لم يكونوا قد دخلوا فى الإسلام» وإن أمثال هؤلاء المشعوذين لانزال نطلع على ناس منهم ينتسبون إلى السيد أحمد الرفاعى وهى منهم براء.

ولكننا إذا قلنا أن الصوفية لهم أثر فى الدعوة إلى الإسلام لانلقصد هؤلاء ولا أشباههم وإنما نقصد الذين اتخذوا العبادة شعاراً للتصوف, ولم يتخذوها للشعبذة: واستدرار أموال الناسء أى العبث بالعوام؛ وحشى الأمة.

التصوف

-*٠‏ قبل أن نخوض فى الدعوات الصوفية للإسلام» نذكر بإيجان حقيقته ليتبين ما فيه فائدة للدين» وما هى خارج عليه؛ ليمكننا أن ننتفع بالصالح, كما نفع من قبل؛ ولنرحض الأوساخ الذي علقت به وشوهت اسمه عند كثيرين من الفيورين على الإسلام: وقد أشرنا فى ماضى قولنا إشارة مجملة تكاد تكون مبهمة إلى مداخل الصوفية فى المجتمع؛ ولكن لابد أن نبين بإيجاز بعض ما أجملنا؛ ونكشف ما أبهمنا بكلمات موجزة أيضا ولانخرج من الإجمال إلى الإسهاب: ولكن نجمل فى بيان مصادر التصوفء, فنقول :

نشأ التصوف روحياً» وإن كان عند بعض الناس أخذ مسلكا شكلياً فظهرت الأمور التى أشرنا إليها أنفاً» ولقد نش من ينبوعين صافيين :

أولهما - هى انصراف بعض العباد المسلمين إلى الزهد فى الدنيا والانقطاع للعبادة, وقد ابتدأ ذلك فى عصر النبى عله » فكان من الصحابة من اعتزم أن يقوم الليل متهجداأً, ولا ينام ومنهم من يصوم ولا يفطرء ومنهم من اتقطع عن النساء, فلما بلغ أمرهم النبى عله قال : « ما بال أقوام يقولون كذا وكذا لكنى أصوم وأفطر وأصلى وأنام وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتى فليس منى» ولقد نهى عن الرهبنة؛ وقال عَلله: رهبانية أمتى الجهاد.

وبذلك بين النبى عَينَّهُ معنى الزهد؛ وهو طلب الحلال؛ وألا يحرم ما أحل الله كما تلونا من قبل أيات الله تعالى فى ذلك,

ولكن بعد أن انتقل النبى عله إلى الرفيق الأعلى؛ ومضبي عصر الصجابة والتابعين

8

)135.1 1])0//: ماغط

دخل فى الإسلام من كان فى نفوسهم أثر من المذاهب القديمة الذين كانوا يحسبون تعذيب الجسم لتقوية الروح نوعا من العبادة. الإمام أحمد فيما أسلفنا من قول : « الزهد الاقتصار على الحلال».

وبالجمع بين هدى النبى عه وما جاء من منازع تحارب الحلال؛ كان التتصوف الإسلامى الذى لايقطع عن الحياة» ويربى الروح والقلب: ويوجهها إلى اللّه تعالى: وكان امزج الكامل بين متعة الحلال, وفطم النفس عن الشهوات.

وأبعده العلماء؛ فكان فى دائرته المعقولة.

والينبوع الثانى للتصوف, وهو ليس إسلامياًء وإن تلاقى فى بعض نواحيه مع الأخلاق الإسلامية التى دل عليها القرآن والسنة؛ وما كان عليه الصحابة رضوان اللّه تبارك وتعالى عليهم: وذلك الينبوع هى ما سرى إلى المسلمين من فكرتين: الأولى فلسفية: والثانية

والنظرة الأولى لهذه: ترينا أنها زندقة نبرئ التصوف الاسلامى منها تبرئة مطلقة, وإذا كانت قد جرت على أقلام أى أقوال بعض من نسب لهم التصوفء فهى زور من القول على الإسلام وأهله.

ولنتكلم عن الفكرة الفلسفية الأولى فهى نبعت بين الإشراقيين من الفلاسفة» وهم يرون أن المعرفة تقذف فى النفس بالإشراق الروحى؛ ومنه تكون الرياضة الروحية والتهذيب النفسى,

وإن هذا بلاريب ينبوع صاف يتجه بالنفس إلى التهذيب الروحى والاتصال باللّه, ولكن الختقلط بهذا النظر الفلسفى ماجاء عن الديانات السابقة كاليهودية والبرهمية سعى بوحدة الوجودء وجاء تبعاً لوحدة الوجود الحلول وهى حلول اللَّه فى نفوس بعض المخلوقين وذلك كفر وإلحاد.

بف

)135.1 1])0//: ماغط

ومنهم أو كلهم من غلبت عليه نظرية الإشراق وزال من نفوسهم ماعداها.

ومهما يكن فإن هذه الأفكار تبلورت: ولفظ بعضها بعضاً, فكان التصوف الذى ظهر قوياً فى القرنين الرابع والخامس ومن بعدهما السادس الهجرىء ثم ظهر أشكالا لاروح فيها فى القرن السابع والثامن وتوارثت أجيالنا الأخيرة هذه الأشكال.

المخلصة: واستمر الجوهر قائماً إلى اليوم» وإن اختفى وراء المظاهرء وتريد جماعات إحياءه.

وإنا تتثقد ا هذهب الأشنراق الرودى ه والجوهن ق التافيقة المعدفة الأدات فيه وقد رحض عن جسمه فكرة الحلول: وتعذيب الجسم لتطهير الروح الذى سرى إلى المسلمين من البرهمية والبوذية» والانقطا ع عن الحياة الذى سرى إلى التصوف من الرهيانية النصرانية.

ولكن بقى له مع الإشراق ناحية قريبة من وحدة الوجود» وهى ناحية الشوق إلى الله قال رمدت

ولذا نرى أن صوفية الإسلام يلتقى فيها أمرآن : أحدهما الإشراق والثائنى الشوق إلى اللّه تعالى ومحبته؛ والمحبة قدر مشترك بين الصوفية المسلمين أجمعين كالإشراق» وقد راض بعضهم نفسه على المحبة, واتخذ منها سبيلا للاتصال باللّه تعالى؛ وذلك منزع ليس فيه حلولء وليس فيه ما يسمى بوحدة الوجودء بل هى إشراق النفس بنور الإيمان وامتلاؤها بمحبة الله ورياضة النفس على محبة اللّه. حتى يكون سمعه الذى يسمع به. ويصره الذى يبصر به» وحتى يكون كل شئ فى نفسه؛ فلا يتحرك حركة عن حركة إلا فى سبيل رضاه ومحبته. وحتى يحب الشئ لايحبه إلا للّه.

التربية الصوفية

-١‏ انتهينا من ذلك إلى أن الإشراق الروحىء والشوق إلى اللّه تعالى ومحبته وامتلاء النفس بهذه المحبة هى سمة التصوف الإسلامىء وهى الجامع بين أهل التصوفء وإن ذلك يجئ بعضه فيضاً من الفيوضات الربانية وبعضه من التربية والرياضات الروحية: واذا

علا

)135.1 1])0//: ماغط

اتجهوا فى معالجات النفس لتمتلئ بالإشراق والشوق المحب إلى الله تعالى؛ ولتكون على اتصال دائم باللّه تعالى» ويعمر القلب بذكره.

اتجهوا فى معالجة ذلك إلى أمر عام وأمر خاصء أما الأمر العام فهى قراءة أوراد هى أدعية مقربة إلى اللّه تعالى» يضرعون فيها إلى الله تعالى» ويحاولون بها أن يقربوا هنه بالمداومة على هذه الأوراد.

ومن أعلى الصوفية درجة:» وأقريهم بالحق رحماً من يجعل ورده القرآن يتلوه ويتدبر معانيه؛ وهى أثبت الصوفية قدماء فالقرآن أعظم ما يقرب العبد من ربه, فقد قال تعالى : «اللّه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله(" .

وإن الأوراد من كتابة بعض الشيوخ المتبتلين» وأنى يكون كلامهم بجوار كلام الله تعالى» وأنى للصوفية فى هذا العصر إلى أن يكون هذا وردهم الأول والأعلى» وإن تلاوته هى التى تربى الشوق إلى الله وتلقى فى القلب بمحبته؛ فإن من يقرؤهء إنما يحدث الله تعالى بكلامه العزيز: وأنه يوجد الإشراق فى النفسء إن تحف ملائكة الله تعالى عند تلاوته فيشرق العقل والنفس والقلب بنوره.

هذا هى العلاج الأول لتربية النفس وهو علاج عام: أما العلاج الخاص فهى التربية الخاصة بين الشيخ ومريده أو تلميذهء وهى تربية نفس المريد أى التلميذء لتكون مستعدة للإشراق الروحى؛ والشوق والمحبة؛ وقد لزم هذه التربية الخاصة أمران :

أولهما- ملازمة المريد لشيخ يتبعه ويوجهه؛ ويشرف عليه فى تربية قلبه ونفسه ويقدم له غذاء روحياًء بملازمته فى غمدواته وروحاته؛ وإنهم يعدون تلك الملازمة مع المشاركة الوجدانية أقوى الفرائضء وأنه يكون بين الشيخ والمريد استهواء روحى يوجه نفسه؛ ويقمع حسه؛ فيعكف على القلب يوجهه؛ وعلى النفس يهذبها ويهديهاء وإذا استقامت النفس أشرقت الحكمة على القلب؛ وقذف الله تعالى فيه بنور يضئ بين يديه السبيل فى مضطرب الحياة ومتنارع الأهواء.

7:

)135.1 1])0//: ماغط

ثانيهما- أن النفوس متى زكت, وامتلات بالإشراق والمحية : تكشف أ لمستور وتبين بين

وإن هذه الطريقة فى تربية النفس وتهذيبها وتقوية اتصالها باللّه تعالى قد يحتاج إليها كل مصلح دينى أو خلقى» فإن ملازمة رجل ممتلئ؛ ينور الحكمة وله قوة نفسية؛ وفيه خلق حكيم وقلب سليم» مما يهذب الشباب؛ ويجعل من الشذاب والخارجين على الجماعات من يهتدون ويسلكون الطريق المستقيم.

أولهما- أن الشيوخ الذين كانوا يروضون الناس على المحبة والشوق إلى الله تعالى بدا من عبارتهم أن المحبة إن حققت, فإن العاصى والمطيع يكونان على سواء. مع أنه إذا تحققت المحبة لايكون هناك عاص من المحبين, إذ كيف يحبه وبعصى, إنه إن لم يطعم تكليفا أطاع محية وتقرياء وطلبا للرضوان.

ومع ذلك بدت منهم عبارات يدل ظاهرها على التساوى بين العصيان والطاعة فى أد عريتهم: فيقول المرسى أبى العياس فى دعاء له:

«إلهىء معصيتك تنادينى بالطاعة؛ وطاعتك تنادينى بالمعصية, ففى أيهما أخافك, وفى أيهما أرجوك: إن كان بالمعصية قابلتنى بفضلك. فلم تدع لى خوفاً؛ وإن قلت بالطاعة أجهل فضلك مع عصياتك»,

ويقول ابن عطاء الله السكندرى فى بعض أدعيته : 3 ]له إبع اليرت | للها ند مكل تفخ اك :ولك :| انا علي راق ظيوت لسار غدل ولك الحجة علي».

هذه نظرات متصوفة صادقين قد وصل بهم القرب من ربهم ومحبته فى قلويهم إلى أن الله تعالى؛ الجميع أمامه سواءء ويغالى بعضهم فيقول إنه إذا كانت الشريعة قد فرقت بين المطيع والعاصىء» فالحقيقة قد قررت أنه أمام الله تعالى لافرق. ولكن من يصل إلى الحقيقة؟. ولذلك كانت الشريعة أولى بالاتباع: لأن الوصول طريقه واضع المعالم؛ بين

م

)135.1 1])0//: ماغط

المسالك؛ ولأن الله تعالى جعل الطاعة لشريعته ولرسوله. طريق محبته؛ فقد قال تعالى: «قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعونى يحببكم اللّه ويغفر لكم ذنويكم!(!).

بل نستطيع أن نقول: إننا لانصل إلى الحقيقة عن طريق الشر.

وإنهم ليقررون أن المعصية ثم الاستغفار منها تقرب ولاتبعد؛ وإن تقريب الاستغفار أكبر من تبعيد العصيان, ويقولون إنه ورد عن النبى عه أنه قال :

«لى لم تذنبوا فتستغفروا لخلق اللّه قوما يذنبون فيستغفرون» ويقول اين عطاء اللّه السكندرى.إن معصية أورثت ذلا وانكساراً خير من طاعة أورثت ذلا وافتخارا ,

ثانيهما - أن منهاج العامة من الصوفية ليس على هذا النحو الذى سلكه الخاصة, لامعصية ولاطاعة: وأنه يكتفى بالمحبة ويدعونها لأنفسهم؛ ومنهم من خلع الريقة.

ووجد هن ادعى أنه الشيخ المتبوع فى الصوفية: ولم يمنعه ذلك من أن يتناول الممنوع, ثم اجترع اللذات؛ ونال من الموبقات من غير حريجة دينية تمنعه, ولانفس لوامة تدافعه؛ بل اتخذ التصوف ستاراً يستر به مآثمه؛ ومنهم من كان يدعى مع ذلك الولاية.

ومن العامة من لايعرف من التصوف إلا مظاهره ومن حقائقه إلا أشكالهاء ومنهم من كان يشيع أنه يكفى اتباع شيخ من الشيوخ أو ولى هن الأولياء. حتى تكون الخوارق» فالنار لاتحرقهم والأفاعى لاتلدغهم: وقاموا بأعمال شعبذة تضل العقولء وقد أشرنا إلى ذلك من

'47- هذه هى الصوفية ابتداء» وانتهاء. ونحن إذا قلنا: إن التصوف حمل الدعوة الإسلامية أوكان منهم من حملوها لانقصد العامة: ولا الذين اتخذوها أشكالا ومظاهر الشاذلى» والمرسى أبى العباسء وابن عطاء اللّه السكندرى: والشيخ أحمد التجاني؛ والسيد محمد بن على السنوسى:؛ فئولئك كان لهم مقام فى الدعوة إلى الإسلام.

؟١ آلعمران‎ )١(

2

)135.1 1])0//: ماغط

وإننا إذا تكلمنا فيمن يدعون إلى الإسلام من الصوفية لانقصد الذين قاموا بالشعبذة والتعرض للأفاعى: كما لا نتصور أن منهم الذين يقولون بتساوى الحسنة والسيئة؛ ولا الذين يقولون إن المطلوب الحقيقة لا الشريعة.

ولكن نتكلم عن أئمة الصوفية الذين تصدوا للوعظ العام والذين لم يترهينواء فهؤلاء هم الذين دعوا إلى الإسلام: وانتشر الإسلام فى كثير من نواحى البلاد الإسلامية بيعضهم.

الدعاية الصوفية

45- الدعاية الصوفية كانت تقوم على أمرين :

أحدهما- من القدوة والاختلاط؛ والأخلاق الاسلامية والتسامح والرفق فى المعاملة, والمثل الطيبة الواضحة فى المعاملة الحسنة,

وذلك ان أئمة الصوفية كالقطب عبد القادر الجيلانى؛ وأبى الحسن الشاذلى والمرسى أبى العباسء وابن عطاء اللّه السكندرى, كانوا على أخلاق إسلامية طيبة, وكانوا على سماحة تذنى اليعيد, ونيت القريب.

ويهذه الأخلاق التى سرت إلى بعض مريديهم وأتباعهم كانوا يجذبون إلى الإسلام طوائف من غير المسلمين الذين يختلطون بهم؛ فإن المعاملة الحسنة؛ والاختلاط الذى يكون بعشرة طيبة يجذب النفوسء وتسرى بها العقائد الفاصلة, فتسرى العقيدة العالية إلى مادونها كما يسرى الماء العذب من المكان المرتفع إلى المكان المنحدر.

وقد كان هؤلاء الآحاد من المتصوفة الذين لا يشعبذون بل يتعبدون ويخنلطون بأهل أفريقيا الوثنيين» والمجوس والوثنيين فى آسياء فيوثرون يمعاملتهم؛ وبسعة صدورهم؛ وعقولهم اكش مما يؤثر القول؛ وقد كانت تقترن بهذه الأخلاق دعوات أحادية أحياناً.

الثاني من الأمور التى كانت تقوم بها الدعاية المسوفية مجالس الوعظ التى كان يعقدها الأئمة من الأقطابء فقد كانت مجالس عامة يحضرها المسلمون؛ ويحضر فيها غير المسلمين فيتبعون الشيخ فى مواعظه ثم يعلى الأتباع حتى يتبعوه فى عقيدة الوحدانية» وكان

ف

)135.1 1])0//: ماغط

من هؤلاء من له ثقافة إسلامية واسعة؛ وعلم بالإسلام أصوله وفروعه كعبد القادر الجيلانى الذى عاش فى القرن الخامس والسادس الهجرى من 4/١‏ - إلى -05١‏ فقد كان عالماً بالأصول والفروع؛ والحديث رواية ودراية قد جلس للوعظ أربعين سنة؛ فقد ابتدأ واعظاً. من سنة 07١‏ ومفتياً من سنة 015 إلى أن قبضه اللّه تعالى؛ وكأن منصب الإفتاء كان فى نظره أعلى من منصب الوعظء لأنه ما تصدى للافتاء إلا بعد الستين.

وكانت تعقد مجالس وعظه؛ وتكون موعظته عامة لايمنع منها أحد ولايمنع فيها من الحضور أحدء فكان يدخل اليهودى والنصرانى؛ والمجوسى والوثنى؛ وقيل إن مجلسه كان يحضره نحى أربعة آلاف» وما كان المجلس ينفض إلا على إسلام كثيرين» ومنهم من كان يحضر إليه طالبا الهداية» فيسلم على يديه.

لفد جاء فى كتاب ( قلائد الجواهر فى مناقب عبد القادر) «أنه أتاه فى مرة ثلاثة عشر رجلا من التصارى؛ وأسلموا على يديه فى مجلس وعظه؛ وقالوا نحن من نصارى العرب وأردنا الإسلام» وترددنا فيمن نقصده لنسلم على يديه» فهتف بنا هاتف نسمع كلامه, ولانرى شخصه : أيها الركب ذو الفلاح ائتوا بغداد وأسلموا على يد الشيخ عبد القادرء فإنه يوضع فى قلويكم ببركته مالم يوضع فيها عند غيره من سائر الناس.

ومع ما كان يقد إليه من الناس بحكم ما نال من سمعة بركته وإخلاصه:؛ كانت مجالسه التى كان يحضرها أحياناً عدة تبلغ أربعة آلاف يحضرها بعض المجوس والمسيحيين وغيرهم من غير المسلمين» وهى يتجه فى دروسه إلى ثلاثة اتجاهات : أولها وأغزرها يتعلق بالقلب وتطهيره من الأرجاس وتربية المحبة فيه, وبعضها يتجه إلى بيان العقيدة الإسلامية بياناً واضحاً بينا لا اعوجاج ولاتعقد, يعتمد على القرآن والحديث فى بيان العقائد ولا يتعرض لعلم الكلام إلا عند الاضطرار إلى الأدلة المنطقية؛ وفى كثير يتجه منها إلى بيان الأحكام الفقهية مبيناً أسرار هذه الأحكام: والحكمة فى شرعيتها متجهاً فى بيانها إلى تربية الأخلاق الربانية» لأنه كان ريانيا .

فبهذا البيان الحكيم؛ ويما حف به من بركات, كان ربانياً فى أخلاقه وبيانه وسلوكه, فكان النصارى والمجوس الذين يحضرون درسه ينجذبون إلى الحقائق الإسلامية انجذايا, ويفضل إخلاصه. واستقامة نفسه وعقائده وحسن أدائه, ومايحف به من بركاته. يسلم الناس من غير دعوة إلى الإسلام: بل إنه بهذا الأسلوب النورانى يفتح القلوب.

4

)135.1 1])0//: ماغط

فكان القطب عبد القادر الجيلانى مربياً لنفوس مريديه. وداعيا إلى الحق وإلى الهداية» ومن هذه الناحية دخل فى الإسلام على يديه الكثيرون لطهارته وإخلاصه؛ وحسن

دعونه إلى النور هن غير تكلف. الصوفية والإسلام فى إفريقيا التيجانية:

ه- ذكرنا ما كان من أثر فى تصوف الصوفية من أقطابها من أمثال القطب أحمد الرفاعى؛ والقطب عبد القادر الجيلانى» واخترنا عبد القادر مثلا طيبا للدعوة الإسلامية: وما كان لنا أن نتبع الأقطاب قطبا قطباء ولكنا اخترنا مثلا صالحاء لمن لم نذكرهم, على أنه وأاحد منهمء والآن نقفز قفزة مكانية وتاريخية لنجتاز إلى إفريقية فإنه دخلها نور الإسلام بالدعاة الأولين فى شمال أفريقية فى ليبيا وتونس والجزائرء والمغرب الأقصىء ثم اجتاز البحر إلى الأندلسء وذلك بالدعاة الذين حملوا القرآن داعين إلى الإسلام ومزيلين كل الحجزات التى تحول دون الدعوة» حتى أزهر» وكان فى الأندلس حاملا للحضارة التى لم يعرفها أهلها من قبل.

ولكن الإسلام لم يتغلغل فى وسط أفريقيا السوداء فى أول الأمر لأنها كانت مجاهل, وكانت الجهالة تسيطر عليهاء ولم يتجه القائمون إليها ابتداء. بل اتجهوا إلى النوية ثم السودان الذى يسير فيه النيل؛ وقد عمر أهل الشمال فيه بالعرب الذين آووا إليه من مظالم من اغتصبوا الأمور من الخلافة العياسية» ولذا تجد فى شمال السودان كثيرا من العباسيين الذين هريوا من الاضطهاد عند الفغزى التترى,

آثارهم واضحة فى ذلك؛ وكثيرون منهم يقيمون مع إخوانهم الأفريقيين. أما فى غرب أفريقيا وووسطها فكانت الدعوة إلى الإسلام تجئ من شمال أفريقية

/4

)135.1 1])0//: ماغط

وكان للصوفية فضل كبير فى هذا فإن أتباع أبى الحسن الشاذلى: والمرسى أبى العباسء وتنشاط ابن عطاء اللّه السكندرى كان لهم دخل بالقدوة والمسلك فى أقريقياء والفضل الواضع الأثر كان للتيجانية والسنوسية فى القرون الأخيرة؛ فقد كانت التيجانية لها عناية شديدة بالدعوة إلى الإسلام؛ فى غرب أفريقيا ووسطهاء وكان السيد أحمد التيجانى 66 -١١؟17مء‏ ومن جاء بعده لايقتصرون فى تعاليمهم على بث التصوف والزهادة والروحية: بل يجتازون إلى أفريقيا السوداء يبثون فيها الإسلام؛ ويربونهمء كانوا يعلمون الزنوج الإسلام؛ وينشئون لهم معاهد تدرس الإسلامء ثم يرجعونهم إلى أقوامهم دعاة, ومدرسين فى المعاهد التى أنشئوهاء وقد استمرو) على ذلك حتى انتشر الإسلام فى غرب أفريقيا ووسطهاء حتى إنك ترى الكثرة الكاثرة فى ساحل الذهب وساحل العاج» وفانا وغينياء والسنغال والكنفى ونيجيريا من المسلمين الأقوياء فى تدينهم؛ وإن كان فيهم جهل يحتاجون معه إلى من يعرفهم بالأحكام الإسلامية بإجمالها وتفصيلها وفروعها وكلياتها.

ونا استعمرت أوريا أفريقية» وأرسلت لها المبشرين فرادى وجماعات؛ لم تستطع تنصيرهم ولم يستطيعوا أن يهضموا بعقلهم الفطرى المستقيم المعانى التى يدعى إليها ولكنهم -أى الأوربيين- جعلوا حكامهم من غير المسلمين؛ ولايزالون بعد أن خلعوا نير النور دخل إلى قلويهم. فاتجهوا إلى العمل على تولى السلطان, واتجه المتحكمون إلى إيعادهم عن العلم ولكنهم لايقوون على الوقوف ضد التيارء ولذا أخذوا يتملقون ويدهنون وبين العلم؛ ولايمكنون منه إلا من هو نصرانى ليميت الجهل المسلمين والإسلام دين العلم. ومهما يكن فإن المتصوفة من التيجائية لهم دور كبير فى إسلام غرب أفريقيا مع السنوسية والجيلائية. السئنوسية: 4- لن نتكلم فى الدولة التى نشأت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية بليبيا والتى رأسها ملك من أحفاد السيد السنوسى, الذى كان قائماً بالدعوة إلى الإسلام نقياً من الشوائب» وألف فى ذلك الكتب يدعو فيها إلى تنقية الإسلام مما خالطه من أوشاب الزمان,

)135.1 1])0//: ماغط

وتوالى الآزمنة» إنما نقصد تلك النزعة الفكرية القوية التى نشات فى الزوايا التى أنشاها محمد بن على السنوسىء وابتدأ بها فى أبى قبيس بمكة, ثم مدينة الرسول مَيه ثم أنشأها فى ليبيا والجزائرء والصحراءء. حتى وصل إلى بحيرة تشاد فى وسط أفريقيا؛ والتى كانت تقوم بالدعوة إلى الإسلام, تدعو إليه نقيابين المسلمين وتربية روح القوة» والأخذ بما هو من أتنيات القوة فى العصر الحاضرء وتدعى الوثنيين وبقايا العناصر القديمة إلى الإسلام فى وسط أفريقيا وسواحلهاء ودخل استجابة لهذه الدعوة القوية المستمرة عدد لايحصى إلا بألوف الألوف فى نيجيريا وغانة وغغينيا والسنغال والكونفو وتشاد, وأوندا» وروديسياء وغيرها من وسط أفريقياء وقد ضمايق ذلك المبشرين: وحاولوا أن يتباروا معهم فباءوا بالخسران لسلاسة ما تدعو إليه السنوسية وتعقيد ما يدعى إليه دعاة المسيحية,

وإن الزوايا التى أشرنا إليهاء وأنشئت فى الجزائر وتونس وبرقة: وتغلغفلت فى الصحراء الغربية حتى وصلت إلى الأراضى الحخضراء حول وادى النيل» وغيره من أنهار أفريقياء وكانت أولى ثمرات هذه الزوايا خصوصاً بين الوثنيين ذيوع الدين الإسلامى فى قلب تلك القارة المظلمة, ونجحت تلك الدعوة السنوسية فى هذه الجهات لدرجة أن صارت جمعيات المبشرين الأوربية المنبثة فى القارة الأفريقية كلها تجد فى الدعوة إلى الإسلام من السنوسيين خصصمما عنيداً» ولاقبل لها بالتغلب عليه مع ما أوتيت من مال وقوة دولية؛ انظر كتاب (السنوسية دين ودولة للدكتور محمود فؤاد شكرى).

كان كيير السنوسيين يرسل الرسل إلى الزواياء وينقلون القوافل والسائرين فى الصحراء: يدعونهم إلى الله آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر هادين الوثنيين: حتى تكونت من عمل هؤلاء. وعمل من سبقوهم من التيجانية» الذين ينتمون إلى الطريقة الشاذلية مثلهم أن وجدت دول إسلامية الكثرة الكاثرة فيها مسلمون.

ولقد تململ المتعصبون من الأوروبيين من هؤلاء السنوسيين فحاريوا دعوتهم؛ ودسوا بينهم وبين الدولة العثمانية التى كانت تلك البلاد تابعة لها أى خاضعة لنفوذها.

ولكنهم كانوا ماضين فى بث الإسلام فى نفوس الأفريقيين» وإن ضج منهم المبشرون وضاقوا ذرعا يهم إذ وجدت الإرساليات النصرانية التبشيرية فى السنوسيين خصوما أقوياء أشداء فى عملهم لايملون: ولايقوون على وقف حركاتهم؛ وقد عطلوا أعمالهم؛ وأفسدوا عليهم دعاياتهم» وإن التبشير كما هو معلوم لمؤرخى العصور الحديثة نذير الاستعمار ينقدمه؛ ويقويه.

)010

)135.1 1])0//: ماغط

ولذلك أحست الدول التى باشرت استعمار أفريقية كفرنسا وإيطالياء بخطر الدعوة الإسلامية ونشرهاء على مطامعهم المتعصبة ضد الإسلام؛ وإن ظهرت بغير ماتخفىء ولذلك حاربت السنوسية أو حاربت فيها الدعوة إلى الإسلام: بكل الطرق المحللة فى قانون الأخلاق والعرس هن سوا

وقد اتجهت الدعوة السنوسية إلى جنوب السودان: وكان آخر السنوسيين فى قوة دعوته وإخلاصه السيد أحمد الشريف السنوسى ابن عم من صار ملكا من بعدء كان قد رأى جنوب السودان هو الذى لم تعم دعوته؛ فأرسل الرسل إليه من السنوسيين: يدعون إلى الإساقم مت هماق يهم ذرعا المتدوب الأقمليزى ]ذاؤاك وه اللززف ككشت فارسل إلى السيد السنوسى يتضرع إليه أن يخفف دعوته.

ولؤلا كوت الكليان هع | للستاو يني لل يننقة فا ريض 417 لهبول العنون السودانى إلى مسلمين, ولاحول ولاقوة إلا باللّه العلى العظيم.

الدعوة الإسلامية الْأن

40- ذكرنا أن الدعوة الإسلامية واجبة: وأنها تبليغ رسالة النبى مه وأنها فرض على الكافة. فرض كفاية على الجماعة الإسلامية كلهاء بحيث يجب على الأمة الإسلامية مجتمعة أن تهيئ جماعة من بينها تكون عندها القدرة على الدعوة الإسلامية ولها مؤهلات علمية؛ بحيث تكون على علم كامل بالإسلام فى كلياته» ولها علم بالبيان وقدرة عليه, ولها علم بالنفوس الجماعية والآحادية؛ ولها قدرة جسمية وعقلية, ودربة على الاتصال بالجماعات, والمشاركة الوجدانية بهم: والتغلفل فى نفوسهم. وهؤلاء هم الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى :«ادع إلى سييل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسنء إن ربك هى أعلم بمن ضمل عن سبيله وهى أعلم بالمهتدين(»

وقلنا إن كل واحد من المسلمين عليه واجب خاصء وهو أن يدعى من يعرفء من عشراء وجيران» ودعوته إليهم يبيان الإسلام على قدر ما يعرفء وكذلك كان يفعل الصالحون من المؤمئين فى صدر الإسلامء وماجاء بعده من عصور.

وإن من أقوى الدعوة العامة حال المسلم فى خلقه ودينه, وعقله واستقامة نفسه؛ فقد ذكرنا أن القدوة كانت أقوى داع إلى الإسلام: ولانقول مثبطين إن حال المسلمين منفرة عنه.

كم

)135.1 1])0//: ماغط

مبعدة الدخول فيه, لانقول ذلك؛ ولكن يجب أن تكون الأخلاق الاسلامية المستمدة من القرأآن والسنة وأعمال السلف الصالح؛ واضحة فيناء وإذا كنا قد تخلفنا عنها فى الماضىء فإنه يجب علينا أن نزيل غباره فى نفوسنا وأخلاقناء وأعمالناء وأن نظهر هادين مرشدين: كما كان أسلافنا رضى الله تبارك وتعالى عنهم.

ولايسوغ لنا أن نظن أن الفقر منفر من الإسلام, وأن الغنى والظهور به مقرب من الإسلام, إنما الأمر أمر النفوس وحسن العشرة, وقد رأينا فى عصرناء وفى الأيام القريبة أن أصحاب المهن الصغيرة فى الأعين كالحمالين والنساجينء والعمال غير الفنيين تبدو منهم أخلاق فى حسن العشرة والائتلاف مع إخوانهم؛ والوفاء والفداء ماليس فى غيرهم, وكان منهمء وهم الذين لايعلمون إلا قليلاء يؤدون أركان دينهم من صوم وصلاة؛ وصدقات من قوتهم - من يجذبون الناس إلى الإسلام؛ وهم بهذه الحال المتواضعة. وما نقص تواضع من عزة.

وكنت أرى منهم من يذهب إلى المحكمة الشرعية؛ ومعه صاحب مسيحى؛ وشاهدان يشهدان بتوثيق الإسلام» فسألت رئيس المحكمة عن ذلك. فقال لى : لا يخلى يوم من مثل هذا ء وكان ذلك أيام كانت المحاكم الشرعية توثق الإسلام.

فالاعتبار هو فى النفوس لا فى المظاهر من لياس ورئى,

تنظيم الدذعوة

4 - نتكلم فى هذا الموضوع على شعب ثلاث:

(أ) كيف تتكون الجماعة الداعية إلى الإسلام تنفيذاً لفرض الكفاية, وكيف يكون تنقيذ الدعوة الآحادية:؛ أو الفردية.

(ب) أساليب الدعوة

(جامادتها.

الجماعة التى تتولى الدعوة, يجب أن يكون تكوينها عمل الجماعات والأقاليم الإسلامية: وقد أهملنا فى الماضى تكوين تلك الجماعة التى تقوم بهذا الفرض الكفائى, الذى يكون واجباً على الخصوص وعلى العموم كما يقول الإمام الشافعى رضى الله تبارك وتعالى عنه فى رسالته فى علم الأصول.

مم

)135.1 1])0//: ماغط

ووجوبه على الخصوص أى يكون فرضياً عينياء بالنسبة للجماعة التى تكونت؛ وحملت عبء الدعوة ووجويها على العموم من حيث إن جميع المؤمنين عليهم أن يكونوا هذه الجماعة, وكذلك الشأن فى كل الفروض الكفائية: لها جائب خصوص تتلزم به الجماعة التى تألفت لذلك الفرض الكفائي؛ وواجب على العموم من حيث ذلك التأليف كالطب هو فرض عين على الأطباءء وفرض كفاية على العموم من حيث إنه يجب على الجميع أن يعملوا على تربية الأطباء فى فرع من فروعه.

فعلى كل إقليم أن يربى جماعة للدعوة إلى الإسلام: ولعلنا لانكون داعين إلى عجب إذا دعونا فى كل جامعة إسلامية أن يكون فى الدراسات العليا بها دراسة خاصة بالدعوة الإسلامية, تخصص لهذه الدعوة, تدرس علوم القرآن والسنة دراسة خاصة بالدعوة الإسلامية؛ فتبين فى القرآن أخبار الأنبياء السابقين» وطرق دعايتهم؛ بدعوة اللّه تعالى إلى دينهم: وتدرس السنة دراسة يتبين منها طرق دعوة النبى عَّْه إلى الله وطرق تبليغ رسالته, وتذرسن الأحاديق الخاهنة بيذ ه الذعاءة:

وتدرس بها لغات البلاد التى يراد الدعوة فيهاء وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والعادات الاجتماعية فى هذه البلاد.

ويدرس بهذا النوع من الدراسة علم النفس من كل جوانبه» وتدرس الخطابة» وطرق افقو وام اندها دوفلم أذاف المهفاوالناظرة توخين النوهنا سحتاع الله السيان ويدرس ملك مقارنة الأديان,

وتقبل فى هنذةالدراسنات العتيا القتسهية اللدهزة قدو لترة الجنانعة الاسالفت: التسحف الكر ساك | ساكس انق تتسسورونقه وجوية رلقة زيرت وللنة الكلناى لقره والعلمية إذا أرادوا أن بتخصصوا للدعوة الاسلاهية.

فإن ذلك له مكانه فى الدعوة الاسلامية, لأنهم يستطيعون أن يكوئوا دعاة للإسلام: ويدعون فى طبهم إلى الإسلام بالتبرع بخبرتهم الطبية» وكذلك المهندسون: والتجاريون, والزراعيون: وإنه فى البلاد النصرانية يوجد أطباء ومهندسون وغيرهم من المتخصصين من العلماء من يريدون أن يدعوا إلى ملتهم ويبشروا بهاء فيذهبو! إلى كليات اللافوتء ويدرسو)

4

)135.1 1])0//: ماغط

معرفة؛ وعند الاتجاه إلى هذا تفصل المناهج تفصيلا كاملا لتكون مؤهلة لهذا العمل الذى هو عمل النبيين» وهو تبليغ رسالة سيد المرسلين» وخير الدعاة إلى الحق» وإلى صراط مستقيم.

وإن من واجب مجمع البحوث الإسلامية ومؤتمره الذى ينعقد كل عام أن يكون منه موجهون لهذه الدراسات:؛ يتبعونها. ويشرفون عليهاء ويوجهونه إن كان ذلك فى دائرة الإمكان» ولم تحل المحاجزات الإقليمية دون ذلك.

وإنه بجوار ذلك تكون ثمة مكاتب إسلامية تابعة لمجمع البحوث تتولى الخريجين من هذه الدراسات؛ وتوجههم إلى الأقاليم والبلاد التى يمكن أن تقوم فيها الدعاية الإسلامية إذ تكون الأرض صالحة:؛ والنفوس مستعدة لمعرفة الحق فى الأديان» وإنثا نري أنه عقب الحرب العالمية الثانية كانت النفوس متقبلة للدعوة الإسلامية فى بلاد الجرمان ولكن لم يكن ثمة دعاة إلاامن بعض القاديانيين.

الإشراف على الدعوة:

4 ومع هذه الجماعة التى تتخصص لاقامة الدعوة. وتكون الدعرة فرض عين بالنسبة لهاء كما يكون الطب فرض عين على الطبيب» ويكون على المجموع إقامتها.

مع هذه الجماعة توجد دعوات أحادية لايمكن الرقابة على توجيههم ولكن يمكن يبينوا للناس وأجبهم فى هذا وأمثل الطرقء ويبينوا أن ذلك قيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المذكرء وأن ذلك يكون حسبة فى سبيل الله وأن العشرة الحسنة والرفق» وأخذ المخالفين بالمعاملة الحسنة: وألا يجافوهم, ويستدئوهم بالمودة الرابطة, وأن يعرفوا أنه لايدنى القلوب كا معاملة الطيبة والرفق فى القولء وألا يسبوا الله بغير علم, فقد قال تعالى: «ولاتسبوا الذين يدعون من دون اللَّه فيسبوا الله عدواً بغير علم»!').

وذلك فوق أن سب دينهم: ينفرهم, ولايقريهم؛ ويوجد العناد فى قلوبهم؛ وحيث كان العناد كان الجمود؛ وحيث كانت المودة» كان القرب؛ وتفتح القلوب ليدخلها نور الإسلام.

وإنه توجد جماعات فى البلاد الإسلامية تخصص نفسها للدعوة الإسلامية وجدناها فى لافور سنة 1504: وهذه الجماعات تخصص جزءا من أعمالها للدعوة إلي الإسلام؛ فيخصصون عشر أوقاتهم وأموالهم» وجهودهم للدعوة إلى الإسلام,

٠١8 : سورة الأنعام‎ )١(

36م

)135.1 1])0//: ماغط

ويخرج الواحد منهم مجاهداً فى سبيل الدعوة؛ لايحمل أى شئ يقوى إلا قوة نفسه, ورغبته فى تبليغ رسالة النبى عل, يذهبون إلى حيث يكون للدعوة مجيب؛ وقد أسلم على أيديهم أكثر من أسلم من زنوج أمريكا وجزر الهند الشرقية وغيرها كأطراف أندونسيا.

وهؤلاء فيهم من يعلمون حق العلم ويدركون رسالة النبى َه حق الإدراك؛ وبينهم من يعلمون علماً ابتدائياً» وقد يبلفون من يدعونهم أحياناً تعاليم غير سليمة فى تفصيلات الإسلام؛ وإذا يجب على القائمين على الدعوة الإسلامية المتخصصين أن يكونوا على علم بما يقوم به هؤلاء, ويعلموهمء ويتعرفوأ حال من استجابوا لهم, ويصححوا لهم ماعرفوا.

وإن كثيرين من هؤلاء يعلمون الإسلام على انحراف فيما يعلمون كالقاديانية؛ ولهم فى 0 1 ذلك نشاط بين واضح؛ وحسبهم أن يدخلوا من أدخلوهم فى الإسلام؛ وعلينا تصحيح إيمان أولئك الذين دخلوا فى الإسلام ليكونوا مؤمنين.

الاتصال بالصوفية:

6٠‏ - ذكرنا أن الصوفية فى الماضى كان لهم دور فى الدعوة الاسلامية» وقصصنا على نهجهم فى ذلك.

وانتهينا إلى السنوسية؛ ومقاومتهم للتبشير النصرانىء وتبرم أولئك هم ومن وراءهم من الفرنسيين وا لإنجليز والطليان؛ وغيرهم. بعض الدعاة إلى الإسلام من السودانيين يدعون إخواتهم من الجنوب إليه؛ إن لا سبيل إلى الوحدة فى السودان إلا بإسلام الجنوب» وجدنا أن من الصوفية من اتخذوا منهاجاً لهم الدعوة إلى الإسلام: حتى بالذكر والتمايل ذات اليمين وذات الشمالء فقد كانوا بذلك يجذيون العراة من الوثنيين السودائيين إليهم؛ فإذا جاءوا كسوهم بعد عرى؛ وأطعموهم: ودعوهم إلى الإسلام؛ أى بعبارة أدق علموهم الإسلام؛ وكانوايستجيبون لهم أكثر من استجابتهم لمبشر النصارى؛ وكانوا يقولون للشيح الصوفى : ياشيخ , إنك خير من هذا الإنجليزى؛ وكلامك أطيب وأحسن,

وكائوا : يسيرون يهم سير التدرج:, / فيعلمونهم الصلاة, فإذا جاء الصوم علموهم الصوم؛ وهكذا يدخلون الإسلام في نفوسهم جرعة؛ جرعة, كما دل الإسلام فى قلوب

ب ا 9 العرب متدرجاً, وإذا كان للصيفية تلك القدرة إن سلكوا مسلك أسلافهم؛ ولم ينقطعوا عن

م

)135.1 1])0//: ماغط

الناس فى الخوانق أى يحصروا أنفسهم على المواكب بالبيارق» والذكر والتلوى لغير غرض مقصود من وراء أفعالهم.

وإن تنظيم أمورهم ليكونوا للإسلام من الأمور الممكنة, وإن لهم تأثيراً فى العامة؛ وفى أوساط الناسء وإذا تسريلوا بسربال الزهادة مع الدعوة إلى الإسلام أفادوا كثيراً رعلت مكانتهمء إنهم ينبثون فى كل مكان وفى كل بلد؛ فلى اتجهنا فى سبيل الدعوة إليهم لكان فى ذلك خير.

إن مشايخ الطرق الصوفية فى كل الأقاليم الإسلامية لو اتجهو! إلى ما اتجه إليه أسلافهم فى الماضى ونظموا الدعوة إلى الإسلام فى مجتمعاتهم, لكانوا قوة فى الدعوة إلى الإسلام منتجة مشمرة» إن الزهادة فى الدنياء أو الانصراف إلى الذكرء ولى كان بالقلوب ليس هى المقصد الأسمى من الإسلام: إنما هو ذكر الله الدائم فى القلوبء والعمل الصالح؛ وقد كان بدل الأبدال على بن أبى طالب فارس المسلمين: يعود من المعارك وسيفه ينطف دما وهو الزاهد الباكى إذا قرأ القرآنء وإذا عرضت له الدنيا قال لها : غرى غيرى.

إن الصوفى الكبير لايكون قطبأً ربانياً إلا إذا عمل عملا ربانياًء كما فعل القطب عبد القادر الجيلانى: وكما فعل الأقطاب التيجانى والسنوسى: إنه عند تربية المريدين تهذب قلوبهم: وتعمر بذكر الله. وتمتلئ إيماناً به. فإذا اعترفوا مع ذلك بأنه من قوة الإيمان الأمر بالمعروف والنهى عن المذكر والدعوة إلى دين الله تعالى» ويعلموا قول النبى عله لعلى بن أبى طالب :«لأن يهدى اللّه بك رجلا واحداً خير مما طلعت عليه الشمس وغربت»

إن المتصوف إذا رغب فى التقرب إلى ريه بالصلاة والأوراد» والدعاء ليلا ونهارا يعمل لنفسه فقط وتقواه عائدة عليها وحدهاء ولكن إن دعا الناس إلى الخير الذى وفقه الله تعالى إليه كان عاملا لغيره مع نفسه؛ وأعظم الخير أن تهدى رجلا إلى الإسلام.

وإنه إذا علم المريد ذلك التعليم؛ كان من المجاهدين المتصوفين, ولقد قال النبى © «رهبانية أمتى الجهاد» وأول الجهاد الدعوة إلى الإسلام؛ بل إن الجهاد ما فرض إلا لإزالة المحاجزات التى تحول دون الدعوة إلى الاسلام.

إن البلاد الإسلامية من أقصى الأرض إلى أقصاها تؤثر فيها الدعرات الصوفية وأعمال الصوفيين: فإذا قاموا بحق الدعوة استجاب الئاس لهم, إن كانوا مخلصين. وخلاصة القول أننا نريد أن تتوجه الصوفية إلى الدعوة إلى الإسلام في ربوع الشعوب الإسلامية كلها؛ لافى مصر وحدهاً,

الى

)135.1 1])0//: ماغط

إنها إن اتجهت إلى ذلك كانت أعلى قرية إلى اللّه وأنفع للناسء ولاتكون مجرد أعمال قد تتجه بها إلى الشعبذة: نريد تنقيتهاء وجعلها نافعة للدين وللناس.

أساليب الدعوة

١‏ - أساليب الدعوة تتكيف بحال العصر من أساليب الدعاية» وقد صارت الآن طرق الإعلام متعددة النواحى؛ فمنها الكتب المنشورة: والصحف السيارة: والأقوال المذاعة المرئية وغير المرئية: ومنها اللقاء بالجماهير والأحاد . تتفق مع ما يحكم به العقل السليمء والأحكام التكليفية سواء أكانت تتعلق بتهذيب الآحاد أم تتعلق بتنظيم العلاقات فى داخل المجتمع الإسلامى: وعلاقات بنى الإنسان يعضهم مع بعضء وأساسها الوحدة الإنسانية: والأخوة العامة: والتعاون الإنسانىء ومع هذا التعارف التعاون الإنسانى العام الذى يدعو إليه الإسلام» وما دعا إليه الإسلام من عدالة اجتماعية.

وهكذا تكتب الحقائق الإسلامية بكل اللفات الحية؛ وغير الحية مادامت موضع الدعاية الإسلامية,

إن العالم لايعرف الحقائق الإسلامية إلا عن طريق أعداء لها ينقلونها شائهة كما يحبون» وعلى ما تهوى أنفسهم المعادية التى لاتنظر إلى الإسلام نظرة غير متحيزة أى غير جانبية لايرى بها القرطاس إلا من جانب الهوى المضللء؛ والكذب المفترى.

والعامة لايعرفون شيئاً عن الإسلام: فمن الخير فى الدعوة الإسلامية أن نكتب رسائل صغيرة فى كل موضوع من موضوعات الإسلام يسهل تناولهاء ويسهل هضمهاء وتكون الموضوعات التى تشكل الرأى العام؛ كنظرية العلاقات الإنسانية فى الإسلام, وكنظرية الحرب, والتكافل الاجتماعىء وذلك كله مع بيان العقائد الاسلامية والعبادات الإسلامية السهلة الإدراك التى لا نرى فيها اضطراباً فى فكرء ولا التواء فى اعتقاد.

ويجب أن تتوافر الجماعات التى تتخصص فى هذا ؛ لكتابة ما يكون فى الإسلام علاج له فى وسط ذلك المضطرب الإنسانى؛ وخصوصا فى المسائل التى تثير النزاع فى هذا الوجود الإنسانى.

(ب) ومن بعد هذه الكتب المبينة لحقائق الإسلام؛ إذاعة هذه الحقائق بالمذياع المرئى

هيقل

)135.1 1])0//: ماغط

وغغير المرئى فى البلاد الإاسلامية:» وغيرها إن أمكن فتخصص ساعات من الإذاعات الإسلامية بنوعيها لبيان الحقائق الإسلامية الإنسانية والجماعية والآحادية ليكون الناس على علم بالإسلام؛ أى ليعرفه من يتعرفه؛ وبالنسبة للعقيدة تذكر آيات القرآن الداعية إليها بأسلوب لايعلو على العامة: ولاتنيى عنه أذواق الخاصة.

وتذكر حياة الرسول عله وما اقترن بها من معجزات وخوارق للعادة؛ مع بيان أخلاقه الذاتية» وفضائله المحمدية من وقت مولده إلى أن لقى ريه.

(ج) والمجلة الإسلامية بدل أن تكتب المقالات المسهبة فى اختلاف العلماء أو تهويل الأحكام الإسلامية» أى تتبع ماهى مستور مما لايعلن ينبغى أن تخصص كل مجلة بابا من أبوابها لبيان الحقائق الإسلامية: فتبين العقيدة: وتبين الأحكام التظيفية؛ ويكون باب الدعوة مكتويا باللغة العربية ابتداءء ومترجماً إلى لغة من اللغات الحية أو لفة من اللغات المنتشرة فى العالم, ويعمل على توصيلها إلى كل أجزاء الأرض.

(د) وتنشاً جماعات متخصصة للدعوة فى كل بلد غير إسلامى ما أمكن ذلك فإن تعسر أى تهذر تكون فى بلد قريب منه يمكن أن تصل الحقائق منه إليه. فتنيث الجماعات الإرشادية التى كونها الفرض الكفائى لهذا الغرض فى طول الأقاليم وعرضها داعية مبينة باللقاء بالذين تدعوهمء وتهديهم إلى الله تعالى؛ وأن يحسوا بالخير الذى يكون فيه من يتبعون الإسلام حقا وصدقا.

وإن هؤلاء الذين يدعون إلى الاسلام عن قرب ويلتقون بالمدعوين لايقتصرون على القولء بل يجب أن يكون تأليف القلوب بجوار الدعوة القولية التى تبين الحقائق الإسلامية, فيجب أن يكون بجوار ذلك؛ وسائل عملية تؤلف ولاتنفر؛ وتقرب النفوس من غير أن يكون فيها ما ينفرء وذلك بالمعاونات الإنسانية المختلفة, فإنها تدنى القلوب النائية,

فإذا كان الداعى طبيبا عالج المرضىء وطب لذوى الأسقام؛ وفى سبيل ذلك تقام المصحات الإسلامية فى وسط الأقوام الضعاف لطب أجسامهم,ء ومن وراء ذلك تأليف قلويهم. والمبشرون المسيحيون يفعلون ذلك فى البلاد الإسلامية وإذا كانوا لاينجحون؛ فلأنهم بين أقوام دينهم أهدى سبيلاء وأقوم دليلا.

وتكون الرعاية الاجتماعية والاقتصادية قائمة على دعائم إنسانية لايبدى فيها أنها شراء للنفوسء ولايكون ذلك مقصداً بئى وجه من الوجوه بل يطعمون الطعام على حبه أولئك المساكينء وإذا كان التثليف غاية من حيث الدعوة فإنه يجب أن يكون الباعث إنسانياً دينيا

/4

)135.1 1])0//: ماغط

تأليفيا محبباً فى الإسلام وليس اتجاراً» وبيان أن ذلك مقصد جوهرى من مقاصد الإسلام؛ ويبين لهم فى هذا المقام أن الإسلام يرحم الإنسان ويكرمه لأنه إنسان ولو كان وثنياً أو مجوسياً؛ ويذكر لهم سيرة السلف الصالح فى ذلك .

وإن الإسلام لاينظر فى التعاطف الإسلامى إلى الاختلاف فى العنصر أو الجنس أو الدين: وإنما الجميع سواء أمام اللّه تعالى؛ كما قال تعالى : «يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى» وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم»!").

فهذا التبرع بمصحة أو علاجء أى معونة أى هداية إلى أسباب الإنتاج من زراعة وهندسة, واستخراج المياه هو من باب التعاون الذى حث اللّه تعالى عليه؛ ودعا إليه, فقد قال تعالى«وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان»!') وقال عليه الصلاة والسلام: «اللّه فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه» يبث فيهم هذه المعانى عن الإسلام: وهى يمدهم بهذا العونء لكيلا يعلموا أنه ثمن الاتبا ع.

(ه) ويجرى معهم بسنة التدرج؛ لايعطيهم الإسلام جرعة واحدة؛ كما أشرنا من قبل, بل يتدرج بهم من السهل المقبول الذى لاينفرون منه بمقتضى عاداتهم؛ وإن كانت آثمة.

يبتدئُ معهمء ببيان العقيدة: ويقويها بالصلاة؛ ويعلمهم الصلاة عملا ويقول لهم صلوا كما رأيتمونى أصلى؛ ويسير بهم سيراً إلى الإمام فى بيان الشريعة بالتفصيل يبتدئ بالعيادات» ثم بالمحرمات الأسهل قبولا فالأسهل قبولا حتى يبين لهم الشريعة كاملة فيكونون مثلناء إن لم يكونوا خيراً منا .

الداعى

؟ - لاشك أن شخصية الداعى لها الأثر الأكبر فى الاستجابة» فهو الذى ينفذ إلى نفوسهم فيقربها أى يجئ” بمخاشنتهم فينفرها؛ أويكون فيه جفوة طبع؛ وغلظة نفس فلا يميل أحد إليه بالفطرة: ولقد قال اللّه تعالى : «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»(") وإنه يجب أن يتحلى بالصفات الآتية :

أولا - يجب أن يكون ذا نية حسنة يحتسبها لايدعو رجاء أجرء أي مال أى جاه إنما يدعو رجاء ما عند اللّه لأنه يقوم مقام النبيين فى الدعوة إلى ربهم, والاتجاه إلى الناس بقلب سليم, لايطلب إلا ما عند الله تعالى؛ وإن مافى القلب يصل إلى القلب.

١و9‎ : الحجرات : ؟١ (؟) المائدة : ؟ (5) آل عمران‎ )١(

3

)135.1 1])0//: ماغط

يروى أن رجلا قال للحسن البصرى كلاما حسناًء فقال له الحسن: إما أن يكون بنا عيب أ بك» إنا لم يؤثر فينا قولك؛ إن ما كان من القلب يصل إلى القلب, إنه يتقدم الداعى إلى الدعوة مؤمنا بوجويهاء ومتسامياً بهاء لأنها عمل النبى مَّْه. ولايقوم بها على أنه مأجور يرجى رضا رئيسء أو ترقية إلى منصب.

وثانياً - يجب أن يكون على دربة فى البيان, ومعرفة وجوه القولء ولايشترط أن يكون خطيباً مدرهاء بل يكتفى بأن يعرف كيف يخاطب الناس. ويأتى بهم من قبل مايدخل إلى نفوسهم. يأتيهم من قبل ما يألفون» فإن كانوا لايالفون الدعوة الإسلامية يحاول أن يأتيهم مما يقاربها ولاينافرهاء ورضى اللّه عن إمام الهدى على كرم الله وجهه؛ إذ يقول : إن للقلوب شهوات وإقبالا وإدباراً» فأتوها من قبل شهواتها وإقبالهاء فإن القلب إذا أكره عمى.

ثالثاً - أن يكون شخصية نافذة لاتقتحمها الأعين, وتزدريها النفوسء وألا يكون معيياً يعيب نقسى أو خلقى, وأن يكون معروفاً بكمال الخلق» وفيه كمال سمت, يتكلم فى موضع القول» ويصمت فى موضع الصمت؛ ويكون صمته حكما .

ورابعاً - أن يكون أليفاً موطأ الكنف رفيقا فى المعاملة لينا من غير ضمعف متواضعاً فى غير صنعة؛ حليما رزيناً. يتجه إلى معالى الأمور ولا ينزل إلى سفسافهاء يحسون فى حضرته بأنه منهم؛ يعلى يهم فإن طار طاروا معه وإن هبط هبطوا معه.

وخامساً - يجب أن يكون عالما بالكتاب والسنة دارسا معها علم النفوس» وعادات الذين يدعوهمء ليأتيهم من قيلها غير مباعد عنهاء إلا أن تكون عادات قبيحة: فإنه يعمل على تغييرها من غير تنفير» ولامباغتة: أو مهاجمة بها قبل تأليفهم نحى الحق: وجذبهم إليه؛ ولقد قال النبى عله لمن أرسلهم للدعوة إلى الإسلام «يسرواء ولاتعسروا » وبشروا؛ ولاتنفروا».

وسادسا - لايكون خصماء فلا يدخل فى خصومات مع من يدعوهم؛ ويكون من عباد الله تعالى الذين قال الله تعالى فيهم : «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما + والذين يبيتون لريهم سجدا وقياما + والذين يقولون رينا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما * إنها ساءت مستقرا ومقاما + والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقترواء وكان بين ذلك قواما»!(!) إلى أن قال تبارك وتعالى : «والذين لايشهدون الزورء وإذا مروا باللغو مروا كراما + والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعميانا * والذين يقولون رينا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماماء("),

٠8 - 7 : الفرقان : 1 - كلا (9) الفرقان‎ )١(

31١

)135.1 1])0//: ماغط

وسابعها - ألا يكون فى مظهرهم مخالفة للدين ولأوأمره بل يكونون قدوة لمن يدعونهم بأن تكون الدعوة بعملهم أوضح من الدعوة بأقوالهم» فإن الدعوة بالعمل توجد القدوة وا لأسوة وذلك أدعى إلى الاتباع من القولء ولقد كان القرآن الكريم يدعى إلى الأسوة بالنبى عله فقد قال تعالى : «لقد كان لكم فى رسول اللّه أسوة حسنة لمن كان يرجى الله واليوم الآخر وذكر اللدكفرل»!"),

وثامنا - يكون بعيدا عن مواطن الشبهات, فإن إثارة الشبهات حوله تضعف قوة قوله وتوهن دعوته؛ وإذا وهنت الدعوة؛ وهنت الإجابة؛ ولم يجد مجيباً, وهذه الصفات إذ توافرت

كان الداعى كاملا. وإذا نقص بعضها نقص من الدعوة بمقدار النقصء ونحن نذكر الكمال وكل يسعى للوصول إليه؛ والقيام بحقه.

وعلى الداعى التحلى بكل ها يمكن أن يتحلى به؛ ومهما يكن فإنه لايصح أن يخلى من التقوىء والقيام بالواجبات الدينية؛ والبعد عن المعاصيء فيجتنب كبائرهاء ولايظهر بيصغائرهاء واللّه هو الموفق.

ماودة الدعوة

"0 - إن الدعوة إلى الإسلام تتكون مادتها وأدلتها مما يأتى :

أولا - العقيدة الإسلامية؛ وهى عقيدة الوحدانية: وبيانها من القرآن الكريم وييان أسماء اللّه الحسنى أو صفات الذات العلية: كما وردت فى القرآن الكريم؛ من غير سلوك تلقى بالفعل القطرى فى متاهة يضل سالكها؛ ولايهتدى.

والرسالة المحمدية جزء من العمقيدة الإسلامية: وتؤخذ معانى الرسالة من القرأآن الكريم, الذى هو المعجزة الكبرى

ويبين فى العقيدة الاسلامية أنها دين الثبيين أجمعين» ويعرفون بهؤلاء الأنبياء كما يعرفون بالملائكة: وكما يعرقون باليوم الآخر, وما يكون فيه من حساب وعقاب وثواب.

١؟‎ : الأحزاب‎ )١(

51

)135.1 1])0//: ماغط

ويعلمونهم هذه العمقيدة, كما جاءنها القرآن الكريم, ويشددون فى الإيمان يالبعث والغيب» فإن ذلك لب الإيمان» وجوهر الدين» ومن لايؤمن بالغيب والبعث لايؤمن بأى دين.

وفى الجملة يعتمد فى بيان العقيدة على القرآن وحدهء وأدلته هى غذاء النفوس وشفاء القلوي.

وثانيا - الإيمان بالقرآن وأنه منزل من عند الله تعالى: وأنه أعجز العرب عن أن يأتوا بمئله. ويتلى عليهم مرتلا؛ وتتلى عليهم آيات الإعجاز مبينة موضحة بلغاتهم: فتتلى الآية بنصها العربى: فلا قرآن إلا ما هى بالبيان العربى: وتعرف لهم معانيهاء بلغاتهم ويذكرون باللّه تعالى فى خلق الكون وما فيه من زرع وثمارء وسماء زينها ربها بالنجوم وما فيها من خلق الكون الذى يدل على الخالق: وكما قلنا تتلى عليهم الآيات كما نزلت: وتبين لهم معانيها 9 تتم 0

إن القرآن فيه علم الدين» وفيه الأدلة؛ وفيه الموعظة الحسنة. فيختار من آياته ما يكتب فيه النصء ويكتب تفسيره بلغتهم على أنه ليس القرآن؛ بل على أنه بعض مايدل عليه.

وثالثا - السنة تختار لهم أحاديث مما يدث روم التقوى فى القلوب ويهز النفوس وتدرس لهم سيرة رسول اللّه عله وينبه إلى مواضع العبرة فى هذه السيرة؛ مما يدل على أنه صادق ولايمكن أن يكون كازيا فى الحديث عنه. والأمانة.والخلق الكريم.

خامساً - بيان الأهداف الإسلامية فى الآحاد والجماعات مما يدع إليه الإسلام فى الكرامة الإنسانية: والعدالة فى الحكم بين الناسء والعدالة الاجتماعية والدولية» وما يدعى إليه من مساواة وحرية؛ وتعاون بين الناس على البر والتقوىء ونهيه عن التعاون على الإثم والعدوان؛ ومايدعو إليه من محو التفرقة العنصرية؛ وما يدعى إليه من التعاون الإنسانى.

ويبين ذلك الجزء من القول بالتفصيل واللّه تعالى الهادى إلى سواء السبيل؟

1

)135.1 1])0//: ماغط

ا موفضوع تعريف بالشيخ الإمام أبى زهرة الدعوة إلى الإسلام

التمهيد

الحال الآن

وجوب الدعوة بحكم تكليفى التكليف لمن بعده

نوع الوجوب

النصوص تثبت الوجويين

قصور بلا حجة ولامعذرة

اهكان النن دعوة الصحابة إلى الإسلام

ومزوليهم الستةوسيرة الرسول الجهاد والدعوة إلى الإسلام صورة الحرب الإسلامية

الإسلام

حسن الجوار وأثره فى الدعوة

العدل ومقامه فى الدعوة

العدل مع أهل العهد

الذمى ١‏

الدعوة إلى الإسلام فى حياة

أساليب الدعوة فى عهد الصحاية

الموضوع

العباسى الدعوة بالآحاد التجارة والدعوة الآحادية

الإسلام الفرق وا لطواائف المعتزلة والدعوة الإسلامية الزيدية والدعوة الإسلامية الصوفية الشعيذةوالتصوف التصوف التربية الصوفية الدعاية الصوفية الصوقية والإسلام فى أفريقيا التيجانية - السنوسية الدعوة الاسلامية الآن تنظيم الدعوة الاشراف على الدعوة اننال بالصرف أساليب الدعوة الداعى مأدة الدعوة

الفهرس

الدعوة الإسلامية فى العصر

غير العرب فى الدعوة إلى

مؤلفات الإمام الشيخ محمط أبنو زشرة العالم الجليل الذى أثرى المكتبة الفقهية بموسوعاته. والذى ستبقى ذكراه شعلة وهاجة فى العلم والفقه الإسلامى. تلك المؤلفات الخصبة التى وهبه اللّه سبحانه وتعالى إياها لتكون منارأ يهتدى به العلماء من بعده فى دراسة الفقه الاسلامى.

١‏ - خاتم النبيين مله (ثلاثة أجزاء فى مجلدين)

؟ - المعجزة الكبرى - القرآن الكريم

- تاريخ المذاهب الإسلامية (جزءان فى مجلد واحد) - العقوية فى الفقه الاسلامى

ه - الجريمة فى الفقه الإسلامى

5 - الأحوال الشخصية

/ - أبى حنيفة - حياته وعصره - أراؤه وفقهه الكت :هرات وعضرةت ازاك وفقن

5 - الشافعى - حياته وعصره - أراؤه وفقهه

٠‏ - ابن حنيل - حياته وعصره - أراؤه وفقهه

١‏ -الإمام زيدء حياته وعصره - آراؤه وفقهه

١١‏ - ابن تيمية - حياته وعصره - آراؤه وفقهه

١‏ - ابن حزم - حياته وعصره - أراوه وفقهه -الإهام الصادق - حياته وعصره - آراؤه وفقهه 6 - أحكام التركات والمواريث

١‏ - علم أصول الفقه

١7‏ - محاضرات فى الوقف

4 - محاضرات فى عقد الزواج وآثاره

- الدعوة إلى الإسلام

٠‏ - مقارنات الأديان

١ محاضرات فى النصرانية‎ - ١ 0

)135.1 1])0//: ماغط

)135.1 1])0//: ماغط

15

- تنظيم الإسلام للمجتمع

1" - فى المجتمع الإسلامى

4 - الولاية على النفس

6 -اللملكية ونظرية العقد

1" - الخطابة «أصولها . تاريخها فى أزهى عصورها عند العرب» - تاريخ الجدل (الذى مضى على طبعته مايقارب الخمسين عاما). 6 - تنظيم الأسرة وتنظيم النسل

5 - شرح قانون الوصية

٠‏ - الوحدة الإسلامية

"١‏ - العلاقات الدولية فى الإسلام

5" - التكافل الاجتماعى فى الإسلام

- المجتمع الإنسانى فى ظل الإسلام

4 - الميراث عند الجعفرية

تطلب جميعها هن هلتزم طبعها ونشرها وتوزيعها

مؤسسة ذارالفكر الغربى الإدارة : ١١‏ ش جواد حسنى - القاهرة ص ١؟١‏

)135.1 1])0//: ماغط