00 --- 35
د ل فو لي 0 5 100 الع اس سا ود د
0 موه ريم وين لوحدت وعد يا 2# ز ز ز + 1 ز ز 1 10 0ز10 1 1 1 1 1 1[1[ |أ[أ|أ[أذذ||ذأذأذأذأتان ا ا ا1[1010110ث21 حبتعوويهم ههه بودي :د عر التيسينب حار + جم ومع جد جلا ديق ك3 8 . 73 47 / 5 5 ل 8 ١ 4 7 7 1 35 : رنب - عمد 5-5 جيه ل 0 02-7 يعوو بده ير ويج 98 عع 53 عو و از دب يديه سن عومد ا 2 ا : 5 ١ ات
0 ش أ[ 0 0 2 4 ٍَ 35
ظ 2 2 ْ 0 “ادجو يو بحس ”موس نس لم وسجو تسو ا ا ا
اس او اه له
اه
0
0
اسار اس
اقس ١” ررح تبجاان صعجو ا حل لسري عدي الوتتوجر عدج عدج عر ايه
ان عا لك في 1 0 تم 2 0 06 يم 0 ل
8 وج ركه مدييمم 30 2 يد رش يمر ا معو عو وتات بع . 1 0 قوري ج يي د 2 2 ون 27 3 2 ل ا 0 1 ا حا شا ريا حت سا ا 2 ل نيه 807 2 ب نت لل لرون 1 ْ ُ
2 0 2
- 0
2
ع
: كدعبي 1 2 8 يرن به واي ”3 8 د 1 ا كخم ١ 0-١ > ع 0 0 ا ود وك ا ؛ 2 -970082 7 0 -- . لحم ته + 5 كم 5 : ع ( ١ : 0-0 - 2
0 *
03
ام 2 8 ا
ةط
0 0
5
7
حسف 4
5
لغ أسعسط كة - سه -
1 2 5 0 0 02 7 5505 ب 3 در 58 9
اي ا دشرت
5 د 5 هيد 0 4« سك
3
لوعي ع عمد سيج ووو م وبرج بيع مي دا مسي ا لايك يا ل ا ال يب بع زلا يا :
ع
7
لى]
ميدن مف لام هه دن لس 3 1 اله
ع الك يفار اد
ل » 0
9-7 وت 3
6
0
لات 1 5 مراك إوفة يا باز و فور 1 بم 1 1 2 1 ا ١
ع
رسا لوا
نك
بويجك ا
1 ادك -
أوا
8 1
لذ )د ارج ابطوة. 917 ,د +
جتن
.1 1 زع 1 اا ش31
اكه قر 2
0
ا ا ل و 1 يا
ل
امي
ا
4
تمق رسفم م 10 ند 3 ماني 4ه ع ال فيد ع : ا : ع 2 0 ل اه 2 05 6# لا م ا 7 وت 0 ا 0 2 1 ١ عن 0
1 0 و 01 0 و يرحبب بدا مام فدات
5 ف ١ 54 ا مطل 0 ْ ش [ و 3 :. سي > ند سوحن 2 ووتتت 5-5 8 ع مسري 12 كا كم 7 تون عدن قور عار برد 0 ل ين الي ا ا َك اع حيس لس ب ع شوو لس - عم عير يصمييج مو : 7 ور ظ [ ٠ 3 1. 3 3 3 7 يو 9 0 يه . 9 : 1 : ش 1 ا ظ 1 ' و2 ظ ' : 7 : َ الكت - بوتعة دعاك ٍِ , 0 9-2 اه 2 بينن. | نا 5 الوم دن و الددة عه شه . الى : : 0 َّ 2 5 2 ظ ظ ْ
0 : ف ا رذ 5 عي 1ت سمب سس متتمصعه وورسوسع لمعوقد اي وو بردو لو -ك "ممه
2 9 78 يا 54 3 "لكا الاب "١ ٠ 2 / 5 7 لوم 1 ل 2 1-0
وت سي م بك مومس 2 حسم + كو سيم 0 فب 1 جه لتقي أ با 3 5-5-5 الي 0 ٍِ
3 ١
غير 1 م 6 5 3 اجات ار يدم
اح - 7 و ب ميقن يده
اللثر
0_0
ص
ير اط يارج فيك عن
ا ا
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين؛ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.”
أما بعد: فقد كلفت تدريس تاريخ الخطابة العربية بكلية أصول الدين من كليات الجامع الأزهرء فكتبت مذكرات فيها موجز لما ألقيته من محاضرات. وما اعتزمت أن أخحرجها كناب للناس أردت أن أقدمها بمقدمة شاملة لبعض أصول الخطابة وقوانينهاء ولكن المقدمة استطالت لتشعب المسالك؛ ولشعورى بحاجة القراء إلى كل قوانين الخطابة؛ ولذلك شمالث المقدمة القسم الأكبر من هذا الكتاب.
ولقد قيدت نفسى فى هذا القسم بالمصطلحات العربية القديمة التى جاو ث فى تلخيص ابن رشد لكتاب الخطابة لأرسطوء وفى قسم الخطابة من كتاب الشفاء لابن سينا؛ لأن فى ذلك ضبطأ للمسائل» وجمعاً لهاء وإحياء لتراث السابقين ومجهودهم. ولكنى لم أقيد نفسى بالمعلومات القديمة لا أعدوهاء فقد جد فى العلوم النفسية والاجتماعية والخلقية ما يكون غذاء قوياً صالحاً لذلك العلم. وإن من القديم نفسه ما هو مفيد فى أصول اللخطابة: ولكن لم يضف إلى بحوثهاء فأضفت الجديد الصالح والقديم المفيدء وتكون من هذا كله مميجموعة:من المعلومات أرجو أن يكون فيها ما ينفع الناس.
ولم أقصد بكتابتى فى هذا أن تكون مادة يدرسها الدارس» فيكون خطيباً؛ فإننا لانعلم أن كتابا يجعل من العبى فصيحاًء ويفك عقدة اللسان فيكون طليقاً» وييث فى قارئه شعوراً حياً فياضاً يجرى على لسانه عبارات قوية تهر الحس» وتملك النفس.
بل قصدت بكتابتى أن تكون مرشدة لمن عتده استعداد للخطابة ويريد أن ينميه» فهى تير له السبيل ليسير على هداية؛ ويكون على بيئة من أمرهء ولا يكون كحاطب ليل.
وقصدت أيضاً أن تكون كاشفة عر المبر فى تأثير الخطباء واستيلاثهم على مشاعر من وسيجرل الهارئ الكريم فى كعابتيا هذه وق ذلكء ما يصح أن يكون مقداييس تشريبية للموازنة بين أقدار الخطباء البيانية» وأقدار الخطب. والمعانى الخطابية؛ والأساليب والألفاظ وكل ما هو عدة التأثيير» وطريق الإقناع الخطابى. أما القسم الثانى (وهو تاريخ الخطابة فى أزهر عصورها عند العرب) فققد اجهت فيه إلى بيان الخطابة فى تدرجها علوا وانخفاضا فى تلك العصور متحريا أن أرد الأمور إلى أسبابهاء والظواهر إلى عللها. وقد حاولت أن بين فى كل عصر ألفاظ الخطابة وأسالييها ومعأنيها وأحوال الخطباءء موازنا فى ذلك بينه وبين العصور الأخرىء لتكون للخطابة صور واضحة فى ذهن القارئ» وليرى الأدوار التى تعرض للمعانى والأغراض والألفاظ والأساليب تبعاً لحاجات العصرع ومعتضيات الاجتماع, وشكونت السياسة. ولذلك صدرت كل عصر بكلمة مصورة للحال الاجتماعية والسياسية والدينية؛ ليتبين منها السر فيما يطرأ على الخطابة من تغير فى ذلك العصرء ولأت الخطابة أُثْر لتلك الأحوال» ٠ ولايعرف الأئر على وجهه إلا إذا عرف المؤثر, وإنى لأرجو أن ألحق هذا الكتاب بئان أبين فيه أحوال الخطابة العربية على ذلك النحو فى بفية العصورء ثم ألحق الثانى يشالت أدرس فيه بعض الخطياء الذين لهم 8 البيان والتأثبر قدم جعلتهم مثلا عالية تؤنسى . ظ وماتوفيقى إلا بالله» عليه توكلت وإليه أنيب. مارس 9175 ١
محمد أبو زهرة
كبر ا ار ل ان
اي 0 + ب" 1 -03
ليا : ر سار سال + 0
- ١ ل
الى
: 0 - 5
0
0 6
ا 2 000 "م "ل ل ال "ل "ل "5ه هن أو اء 0ك
"
, 0 ظ
011 : .
١
7
ا
ْ 2-0
7
7770777
لقا لتقا اتقتدا) آئا اتتدا تدا تند تت ل للك لك لك لت .1 ا 0 2 2 2 25 3 م ااا للك
1
000
١0000١
و
ل سي
علم الخطابية “د. تعريفه وثمرته:
اعتقد الأقدمون أن للخطابة علماً؛ له أصول وقوانين» من أخذ بهاء أو بعبارة أدق من استطاع الأخذ بهاء والسير فى طريقها- عد خطيباً. وعرفوا هذا العلم بأنه مجموع قوانين؛ تعرف الدارس طرق التأثير بالكلام؛ وحسن الإقناع بالخطاب؛ فهو يعنى بدراسة طرق التأثير؛ ووسائل الإقناع» وما يجب أن يكون عليه الخطيب من صفاتء وما ينبغى أن يتجه إليه من المعانى فى الموضوعات الختلفة. وما يجب أن تكون عليه ألفاظ الخطبة» وأساليبهاء وترتيبها؛ وهو بهذا يئير الطريق أمام من عنده استعداد الخطابة؛ ليربى ملكاته؛ وينمى استعداداته» ويطب لا عنده من عيوب» وبرشده إلى طريق إصلاح نفسه؛ ليسير فى الدرب» ويسلك السبيل.
هذا العلم ينير الطريقء ولا يحمل على السلوك؛ فهو يرشد دارسه إلى مناهج؛ ومسالك»: ولا يحمله على السير فيهاء فو يعطيه المصباح, ولا يضمن له أن يرى به إذا "كان فى عينيه رمد؛ وإن أرسطو واضع كتاب الخطابة لم يكن خطيباً» بل قال فيه الجاحظ إنه كان بكئ اللسان. وليس علم الخطابة بدعا فى ذلكء؛ فعلم النحو لا يضمن لمتعلمه أن ينطق بالفصحى ما لم يمرس نفسه عليه؛ وعلم الأخلاق لا يضمن لعارفه سلوكا قويمآ ما لم يرض نفسه على الأخذ به؛ وعلم العروض لا يكون شاعراً؛ وعلم المنطق يسن قائونا لاعتصام الذهنء ولا يضمن للعالم به عصمة الذهن ما لم يرض نفسه عليه رياضة كاملة.
وهكذا كل العلوم النظرية التى تظهر ثمرتها فى العمل» تعطى من يريدها قانونا يسأعده ؛ ولا تضمن له العمل إلا إذا راض نفسه على قانونها.
علاقة علء الخطابة بالمنطق:
عندما ترجم كناب الخطابة لأرسطو إلى اللغة العربية فى القرن الثالث الهجرى؟ أعتبره كثير من الفلاسفة جزءاً متمما لعلم المنطق. وابن سينا فى الشفاء يجعل الخطابة من أقسام المنطق» واسعمر ذلك حال الفلاسفة» ينظرون إلى المنطق بتلك النظرة الشاملة» إلى أن قصر المتأخرون النظر فيه على صور القياس» وأشكاله؛ وأدواته.
ولم يبعد أرائك الفلاسفة عن الصواب كثيراً»م إذ أن كتاب الخطابة لأرسطو ترى فيه المنطق واضحا وضوحا تامآ؛ ترى الكلام على الحد والرسم والدليل» وكيف يتكون القياس الخطابى9 ثم ترى فيه الكلام على التصديق الذى يكتفى به فى الخطابة»وغير ذلك مما يعد من
المنطق. فعلم الخطابة على هذا له صلة وثيقة بالمنطق» من حيث إن المنطق نخادم له؛ ومن حيث إن كثيراً من قوانين الخطابة؛ يعتمد على المنطق فى مبادثه؛ وفوق تلك العلاقة الواضحة بين المنطق وعلى الخطابة نرى أن علم المنطقء قد أنحذ يسلك مسلكا جديداً؛ يزيد به على مسلك المتقدمين؛ إذ صار لا يبحث عن القوانين التى تعصم الذهن عن الخطأ فقطء بل يستنبط أيضاً ما يرشد الذهن إلى الأخل بالقوانين السابقة؛ فهو يبحث أيضا عن أهواء النفسء» وخواطرهاء وأسباب الغلطء وتسلسل الخواطر» وكل تلك أمور تساعد الخطيب على أداء مهمته؛ وتمد قوانين الخطاية بمناحى التأثيره وطرق الإقناع.
والحق أن المنطق ألزم العلوم للخطابة» وبينهما من وشائج القسربى» وتداخل المسائل: وتقارب المناهجء وتدانى المأخذ- ما سهل على الأقدعين عدهما علما واحدأً؛ وما يجعلنا نحن
المتأخخرين تعدهما أخوين متحدى التسب. علاقة علم الخطابة بعلم النفس:
لا يصل الخطيب إلى غايته (وهى إقتاع السامعين وحملهم على المراد منهم) - إلا إذا استطاع أن يثير حماستهم» ويخاطب [حساسهم. ويتصل كلامه بشغاف قلوبهم» ولا يمكنه ذلك- إلا إذا كان عليما بما يذير شوقهمء ويسترعى انتباههم» وعليما بطبائع النفوس» وأحوالهاء: وغرائزهاء وسجاياهاء وذلك لا يكون إلا يعلم النفسء وإذا كان علم النفس دعامة لعلم التربية» فهو أيضاً دعامة لعلم الخطابة؛ لأن كليهما يهدى الإنسان إلى وسائل الإقناع: والتلقين والتأثير» غير أن الأول لدنشء -حدثء والثانى لكبار لهم أفكار» ومذاهبء لمجعل التأثير قيهم أبعد منالاء والوصول إلى قلوبهم أعز مطلباء والاستيلاء على نفوسهم أشرف منصبا؛ لذلك نقول: إن علم الخطابة له صلة وثيقة بعلم النفس؛ إذ يجب أن تكون قوانين الخطابة ملائمة كل الملاء مة لقوانين هذا العلم؛ بل يجب أن تستمد منها ناموسهاء وطرقهاء ومناهجها.
علاقة الخطابة بعل, الاجتماع:
قال الفارابى: إن الخطيب إذا أراد بلوغ غايته؛ وحسن سياسة نفسه فى أموره- فليتوخ طباع الناس وتلون أخعلاقهم» وتباين أحوالهم؛ قال أفلاطون: لكل أمر حقيقة؛ ولكل زمان طريقة » ولكل إنسان خليقة؛ فعامل الناس على خلائقهمء والدمس من الأمور حقائقهاء واجر مع الزمان على طرائقه.
وهله قوانين تنفع الخطيب فى متصرفاته مع كل طائفة من أهل طبقته: ومن دونه ومن فوقه على سبيل الإيجاز والاختصار. |
وهذا يدل على أن انتصار الخطيب فيما يتقدم فى الدعوة إليه-- يستدعى إلاما بسياسة الناسء وما يجب لكل طبقة من المعاملة؛ وما يلزم لكل صنف من الناس من خطاب؛ يجب أن يكون عليما بروح الجماعة؛ دارسا لأخلاقهاء فاهما لما يسيطر عليهاء وإذا كان ذلك جد لازم للخطيب -- فمن الواجب إذن أن تكون قوانير: الخطابة متصلة بقواني: الجماعات وناموسهاء مستمدة منها قوة؛ ومن مشاربها مسألك» وأنت ترى من هذا قوة الاتصال بين علم الاجتماع وعلم المخطاية .
هذه العلوم الثلاثة ينابيع صافية؛ استمد علم الخطابة منها قوانينه» وعلى ضوئها بلك طريقه؛ ولذا اقتصرنا ذكر علاقتها به دون سواها؛ إذ هى الأنهار التى يأخمل منها هذا العلم ماء الحياة. ظ
لإ تاريخ علم الخطابة:
أول هن كتب فى هلا العلم اليونات» بل هم مستتبطو قواعده؛ ومشيد,. أركاته, ومشيحو بثيانه ؛ وذلك لأن أهل أثينا فى عصر بي ركليس» قويت فيهم رغبة القول ؛ واشتدت فيهى داعيته؛ إذ صار يأسرهم القول البليغ دون سواه. قال المسيو شارل سنيوبوس: امتازت أثينا أولا بلاغة . خطبائها؛ فكانت حقا بلد الأدب وحسن الإلقاءم فبالخطب فى مجلس الأمة يقرر شهر الحروب: وعقد السلمء ووضع القطائع والضرائب» وكل الشثون العظيمة» وبالخطب التى تلقى ٠ فى النحأكم يحكم على الوطنيين والرعاياء أو يبرءون؛ فللخطياء السلطة» وعلى الأمة أن تعمل بتصائحهم ومواعظهم» وربما عهدت إليهم بأدارة شكول المملكة: فقد عين كليو قائداً» ورأس ليعاضدوا أحد الأحزاب» فقد أخذ إشيل مالا من ملك مقدونياء وقبض ديموستين دنانير من ملك الفرس. ثم إن بعض الخطباء كانوا ينشكون خطباء ليلقيها غيرهم؛ إذ لا يسوغ لمن كانت له قضية أن يرفعها بوكالة محام كما هو الحال عندئاء بل نقضى شريعة البلا أن يتكلم صاحب القضية فى قضيته بالذات؛ فمن ثم كان عليه أن يقصد إلى أحد الخطباء؛ يلتمس منه تأليف خطاب له يحفظه ليتلوه فى مجلس القضاءء وكثيراً ما كان بعض الخطباع يجوبون البلاد
ليح
اليونانية» ويتكلمون فى موضوعاتء توحيها إليهم الخيلة؛ فتحتفل لذلك المحافل» وتعقد الأندية والمؤتمرات.
وإذا كان التسابق البيانى وصل إلى ذلك الحد- فلا عجب إذا رأينا أن من لم يكن قديراً على فتون القول» يحاول أن يتعلمها؛ ولذا امه الناس إلى تعلم الخطابة» والدرية عليهاء والدمرين على الإلقاء؛ وتعويد اللسان النطق الصحيمء والبيان المصيح؛ لذلك أخمذ العلماء يستنيطون قواعد الخطابة وقوانينها بملاحظة الخطباء؛ وطرق تأثيرهم؛ وأسباب فشل من يفشل منه م .
ويظهر أن أول من ايه إلى استتباط تلك القواعد السوفسطائيون؛ فإنهم كانوا يعلمون الشبان فى أثينا طرق التغلب على خصومهم فى ميدان السبق الكلامى؛ وكيف يغالطونهم ؟ وكيف يلبسون عليهم الحقائق؟ ويمرنونهم على القول المبينء والإلقاء المحكم؟ وطبعى أن يتجه من نصبوا أنفسهم لذلك إلى استنباط قواعد وقوانين من أخحذ بها أمن العشار» وسيق فى الخصام. ولقد قيل إن أول من وضع هذه القواعد ثلاثة من ا السوفسطائيين وهمء برويكوس”' القوسى المقوفى سنة 47٠ ق م؛ وبروناغسوراس. '' مم4 )41١- قم وجورجياس"'؟ (4485 - 780 ق م).
. وقد جاء من بعد هؤلاء أرسطو فجمع قواعده؛ وضم شوارده» فى كتاب أسماه الخطابة؛ كان أصلا لذلك العلمء ومرجعا يرجع الخطباء والمؤلفون فى الخطابة إليه:وصدراً يصدرون عنه؛ ويردوك موارده.
. وقد جاء بعد أرسطو عصر نشطت فيه الخطاية عتد لرومانا. نشاطها عند اليونان» قال المسيو شارل الأنف الذكر: كان الخطباء يأتون إلى ساحات الاجتماع؛ حيث تلتكم مجالس الأمة فى أواخخر عهد الجمهوريةء يخطبون ويكثرون من الحركات وسط دوى القومء وشيشرون أعظم أولتك الخطياء: وهو الوحيد الذى بقيت بعض قطع من خخطبه. )١( كان سوفسطائيا يأخل أجراً باهظا فى تعليم الخطابة وقد أنفق كل ما جمع على ملاذه وقد حكم عليه بالإعدام بالسم لأنه قال إن الآلهة من مخترعات العقول. (؟) أثرى من الأجور التى كان يأخحذها وكان يقول: لا أستطيع أن أعرف أتوجد آلهة أم لا. )٠( فتح مدرسة تعلم فيها الخطابة فأثرى واشتهر. وكان يقول لا يوجد شئ وإن وجد لا تمكن معرفته» وإذا أمكنت معرفته لا يمكن تعريقه. ظ
ا اا ا ار
ويقول فى شأن المدارس فى عهد الإمبراطورية الرومانية: والمدارس العامة تقبل الشبان الأغنياء خاصة» يرسلهم أباؤهم إلينا؛ ليتعلموا فيها الخطابة. وإلغاء المنابر لم ينزع من الناس ذوقهم فى الخطابة؛ ومراتهم عليها؛ ولذلك بدأ المفوهون والخطباء يكشرون؛ ويعلمون الثاس طريقة الأداء» فافتتحوا منذ القرن الأول فى روما مدارسء يقبلون فيها الفتيان الأغتياء: وكان بعضهم يمرن تلاميذه على إنشاء المرافعات فى موضوعات خيالية فى الخطابة. وقد حفظ لنا الخطيب سينيك عدة من هذه الدروس وموضوعها أطفال مخطوفون» وشطار من اللصوص. ولهذا النشاط وجدت عدة مؤلفات أخرى فى علم الخطاية ينسب بعضها لشيشرون:؛ وألف كونيتليان (41 - 56م) كتابا سماه تهذيب الخطهب. وألف لنجينوس الحمصى (40؟ - 7م كتايا سماه المفلق.
ولنترك الآن الحديث فى اليونان والرومان» ولنول وجهنا شطر العرب. فإنا قد وجدنا أن الخطابة فى صدر الإسلام- وصلت إلى الذروة وبلغت كمال أوجها. وجاء المصر الأموى, فوجدت الخطابة لها غذاء من الفتن والشورات التى أظلت ذلك العصرء وقد أخحذ الفتينان والكهول يتبارون فى الخطابة» ويتسابقون فى ميدانها. وكان مكان ذلك الوفادة» ومجالس . الخلفاء والأمراء والولاة, وقد نشأ من هذا أن وجد أناس يعلمون الشبان الخطابة» ويمرنونهم عليها. وقد ظهر ذلك واضحاً كل الوضوح فى العصر العباسى الأول؛ فقد جاء فى البيان والتبيين للجاحظ وفى العقد الفريد لابن عبد ربه: أن بشر بن المعتمر- مر بابراهيم بن جبلة بن مخرمة السكونى الخطيب”"؛ وهو يعلم فتيانهم الخطابة» فقال يشر: اضربوا عما قال صفحا؛ واطووا عنه كشحاً. ثم دفع إليهم صحيفة من تخبيره وتنميقه؛ وفى هذه الصحيفة وصف جيد لأساليب الخطابةء وألفاظها ومعانيها. وسنبين خلاصتها فى موضعه إن شاء الله تعالى.
ويظهر أنهم لم يقتصروا على استنهاطاتهم العربية؛ بل كانوا يستعينون بما فى آداب الأمم الأخرى» ليعاونهم ذلك فى استتباطهمء ويمدهم بما ليس عندهمء ويتبههم إلى ما عساه يعزب عن خواطرهم. . ومن ذلك ما جاء فى البيان والتبيين والصناعتين: قال معمر أبو الأشعث قلت لبهلة الهندى أيام اجتلب يحيى بن نخالد أطباء الهند: ما البلاغة عند أهل الهند؟ قال بهلة: عندنا فى ذلك صحيفة مكتوبة لا أحسن ترجمتها لكء ولم أعالج هذه الصناعة؛ فأثق من نفسى بالقيام بخصائصهاء وتلخيص لطائف معانيها. قال أبوالأشعث: فلقيت بتلك )١ إبراهيم بن جبلة كان من أصحاب عبد الملك بن مروان وعمر إلى خلافة المنصور. ومن ذلك تعزق أن
ابتداء استنباط قواعد الخطابة كان ة فى أخر العصر الأموى.
الصحيفة التراجمة» فإذا فيها: أول البلاغة اجعماع آلة البلاغة: وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش ساكن الجوارح؛ إلى آخر ما فيها من وصف جيد للخطيب. والأسلوب الخطابى. ألا ترى من هذا ما يدل دلالة راجحة على استعانتهم بالآداب الأجنبية» وتغذيهم بهاء .0 وقد استمر البحث فى الخطابة» وأصولهاء ينموء ويكثرء ما كانت الخطاية ناهضة. وكان أكثر من يقوم به أئمة المعتزلة الذين احتاجوا إليها ليحتازوا مجالس المناظرات» ويتغلبوا على تخصومهم :من ذوىئى الجدل؛ ولذا تبغ فيهم خطباء كثيرون؛ ومنهم من يعرف بعض أصول المنطابة » | رقوانينهاء كعمرو بن عبيدء وبشر بن المعتمرء وثمامة ابن أشرسء وإبراهيم النظامء والجاحظء وغير هؤلاء كثيرون. '
. غير أن بحوث أزلفك لأدباء ل ممع فى "كعاب مستقل: بل كانت نثيراً فى الكتب: وعلوم اللفة» ولم يعن أحد بتدوينها فى كتاب مستقل؛ لتكون علماً قائماً بذأته؛ حتى ترجم إسحيق بن -حدين كتاب الخطابة لأرسطو؛ وشرحه الفارابى. وقد عد من المنطق كما ذكرنا. ' ١ .
بجاء فى الفهرست لابن النديم فى أثناء سرد ما كتبه أرسطو فى المنطق: الكلام على ريطوريقاء ومغناه الخطابة» ويصاب بنقل قديم» وقيل: إن اسحق نقله إلى العربى » ونقله إبراهيم أبن عبد الله؛ وفسره الفارايى أبو نصر: رأيت بخط أجمد بن الطيب هذا الكتاب نحو مائة ورقة ينقل قديم. وقد أنى ابن سينا فى "كتاب الشفاء هلب كتاب الخطابة لأ لأرسطو مع تصرف غير ضجار.
وبنقل كتاب الخطابة لأرسطو صار فى العربية قواعد للخطابة مدونة فى بححث مستقل ؛ وإنث كان جزءاً من علم المنطق على ما رأيث. وهنا تلاحظ ثلاثة أمور:
أولها -- أن تلك الترجمة صادفت عصراً قد ركدت فيه المنظابة وتحمدت» وأصبحت مقصورة على الوعظ» وصار اللخطباء ممن لا يجيدونها؛ فاقتصروا على خخطب يحفظونها ويلقونها ويتوارثونها بنصهاء يلقى الخلق ما كان يلقيه سابقهء وإث تصرف ففى دائرة محدودة»: ووسط أقطار من جمود؛ فكان طبيعياً ألا تستفيد الخطابة من تلك الترجمة؛ لأنها فقدت روحهاء وذهبت الرغية فى السبق فيها؛ فبقيت القواعد هيكلاً من غير لحم ظ
قايها - أن كتاب المنطابة صار جزءاً من الفلسمة؛ ولم يضف إلى الأدب؛ وإ كان . الأدباء قل 8 وأا منهع ونألوا أشطرا؛ إِذ هو مع ذلك لم يخر مج بقواعده كلها عن نطاق الفلسفة, إلى حميسث يتتاوله الأدباء بالبعحثء والنقدء والتقريظ»ء أو التزييف؛ بل بقى حيث الفلسفة رعمقهاء وجفافها؛ ولعل السبب فى ذلك ججمود ريح الخطابة» وضعف شأنها.
وإن الفلسفة ذاتها من بعد ابن سيناء وابن رشدء أخذت تهجر كتاب الخطابة؛ فقد انفصل عنه المنطق» وصار أمره يصغرء وشأنه يهون, حتى كاد الزمن يجر عليه ذيل النسيات؛ لولا أن سجل خلاصته ابن سينا فى كتاب الشفاء؛ فصار مرجعا يرجع إليه عند الحاجة. ,
ثالفها - أن علم الخطاية المترجم لم يرطب باستشهادات من الأدب العربى. والسبب فى ذلك عدم خخروجه عن نطاق الفلسفة:» ولو أنه حرج عن ذلك النطاق؛ وتناوله بحث الأدباء بالتأبييد أو الردء لوجدت الشواهد على قواعده؛ ولانتقل إلى علم عربى» ولبس حلة قشيية من ذلك البيان.
هذه هى الأمور الشلاثة التى نلاحظها على تلك الترجمة وزمائها؛ ومتها نرى أن الخطابة ذاتها لم تفد من تلك القواعد» ولم تتعْذ من هذه العناصر؛ لأنها قد صارث صورة من غير روح.
ولا استيقظت الخطابة فى العصور الحديثة» وعظم أمرهاء وصارت سييلا من سبل المجد: وطريقا من طرق الغلب والسبق» فى ميادين السياسة» وفى امجالس النيابية» وقئ دور القضاءء امه بعض الباحشين إلى إحياء المقبور من قوانينهاء ونشر المدفون من آراء العلماء فيهاء وأظهئر كتاب ظهر فى ذلك كتاب علم الخطابة للغالم الباحث لويس شيخوةفقد جمع فى هذا الكتاب خلاصة ماكتبه أدباء العرب» وفلاسفتهمء وما ترجم إلى اللغة العربية من قوانين الخطابة ؛ وقواغعدهاء غير أنا نلاحظ أن فيما كتبه كثيراً بما بتعلق بالمنطق» قد وضعه فى الخطابة ؛ ونلاحظ جفافا فى الكتابة يجعله غير قريب للمتناول؛ ونلااحظ أيضا أن المؤلف فى أكثر المسائل لم يقدم لنا رأيه؛ بل يعركنا وسط نقول وآثار. ومهما يكن من شئ فله فضل: . الباحث المنقب» والكاتب السابق؛ إذ غيره له لاحق.
وقد كتب بعض الذين تثقفوا بثكقافات أوروبية بحوثاً قيمة على النحو الذي وجوه فى أورياء ولكل منهم ناحية فيما كتبء فبعضهم امه إلى منخارج الحروف» وبعضهم أنجه إلى الإلقاءء وبعضهم زاد عن هذين قليلا من البحث فى أساليب:الخطابة» ولكل فضل فينما عنى به.
وأرجو أن يوفقنى الله جلت قدرته إلى أن بكرن فى فَئْ بحثى هذا نفع م بمقدار ما أبغى, وفائدة بمقدار ما أقصد. اللِه'المستعان.
محمد أبو زهرة
الخطاية
تعريفها. أقيستها. مو ضوعاتها. فائدتها. طريقة تحصيلها الخطابة مصدر خطب يخطب أى صار خطيباء وهى على هذا صفة"١' راسخة فى نفس المتكلم» يقتدر بها على التصرف فى فنون القول؛ نحاولة التأثير فى نفوس السامعين» وحملهم على ما يراد منهم بترغيبهم» وإقناعهم» فالخطابة مرماها التأثير فى نفس السامع» ومخاطبة وجداته » وإثارة إحساسه للأمر الذى يراد منه؛ ليذعن للحكم إذعاناء ويسلم به تسليما. وقد قال ابن سينا: إن الحكماء قد أدخلوا الخطابة والشعر في أقسام المنطق؛ لآن المتقصود من المنطق أن يوصل إلى التصديق» فإن أوقع التصديق يقينا- فهو البرهان» وإن أوقع ظنا أو محمولا”'؟ على الصدق- فهو الخطابة"" - أما الشعر فلا يوقع تصديقاء لكنه لإفادة التخييل الجارى مجرى التصديق!؛ ومن ححيث إنه يؤثر فى النفس قبضا أو بسطاء عد فى الموصل إلى التصديق. والتخيل عنده إذعان للتعجبء والالتذاذ» تفعله صورة الكلام.
وترى من هذا أنه يضع المنعلق؛ والخطابة؛ والشعرء فى ثلاث مرانب» فالأول يعجه إلى اليقين» والثانية تتجه إلى الأقيسة الظنية» والشعر يتجه إلى إثارة الخيال والإعجابء والالتذاذ بصورة الكلام» ونحن نخالفه فى غير المنطق» ويهمنا ما نحن بصدده وهو الخطابة؛ فليس بصحيح أن أقيسة الخطابة؛ لا تعتمد إلا على الظن» بل كثيراً ما تعتمد على أقوى الآدلة إلزاماء وأشدها قطعا فى الاستدلال» ومن أبلغ الخطب ما حملت حقائقها بأقيسة المنطق» وبراهينه ١ يجتمع فيها دقة المنطق» بجمال الأسلوب.
(1) عرف الخطابة المتطقيون والحكماء بأنها القياس المؤلف من المظئونات أو المقبولات لترغيب الناس فيما ينشعهم من أمور معاشهم أو معادهم. والمظتونات هى الأمور التى يحكم العقل فيها حكماً راجحا اتباعا لغلبة الن. كقولك فلان يطوف الليل فهو لصء والمقبولات هى الآراء التى يكون مصدر التصديق فيها- وقوعها ممن لاشبهة فى صدته مع كونها قابلة للأفكار- وتطلق الخطابة بمعنى الخطبة وهى الكلام النثور المسجوع أو المزدوج أو المرسل الذى يقصد به التأثير» والإقتاع.
( المراد من المحممول على الصدق ما يقبله الإنسان لصدوره عمن عرف بالصدق.
(1) الخطابة هنا معناها الخطبة.
وقد يكتفى فيها بالأمور الظنية؛ وقد يستعان فيها بأقوال من عرفوا بالصدق؛ وبعد النظرء والحكمة الصائبة؛ وإن كان الاحتجاج بها فى ذاتها لا ينتج يقينا فى نظر العقل الجرد؛ وقد يتجه الخطيب إلى تصوير الحقائق فى صورة تثير الشيال» وتعجب بذاتهاء ويضع الحقائق فى أسلوب شعرى ليجتمع التصديق مع إثارة الخيال؛ ويلتقى الإذعان وإثارة الوجدان. فالخطابة فى الحقيقة قد تستدمد قوتها من العناصر الثلاثة» وتكون تلك العناصر كالينابيع تمدها بماء الحياة؛ قد يعمد الخطيب إلى المنطق» وأقيسته اليقينية» ويقتصر على ذلك إذا كان يخاطب أقواماء قد غلب على حياتهم الفكر والعقل» لا يرضيهم إلا الحقائق . عارية؛ وقد يعمد إلى الظنيات» وأقوال من عرفوا بالحكمة؛ إذا كان من يخاطبهم من يقدسون أولئنك الذين؛ ينقل عنهمء وقد يضيف إلى الظنيات صوراً كلامية:؛ تثير الخيال؛ وتفعل فى النفس ما يفعله الشعر. ومن الخطب ما مجتمع فيها تلك العناصر الثلائة؛ فتبلغ القمة من التأثير» والروعة؛ والجودة. مو ضوعها:. ظ قال ابن رشد ناقلا عن أرسطو: :ليس للخطابة موضوع خاص» تبحث عنه بمعزل عن غير فإنها لا تخيم عن النظر فى كل العلوم والفنوناء ولا شع حقيراً كان أو جليلا معقولا أو محسوسا إلا يدخل حت -حكمنها؛ ويعخضع لسلطان لسانها؛ ومن ثم يترتب على الخطيب أن يكون له إلام بكل صنف من المعارف» بل ينبغى له أن يوسع كل يوم نطاق مداركهء وذلك حق لاريب فيه؛ فإن كل مسألة عامة» أو لها صلة بشأن عامء يصح أن تكون موضوع الخطابة: كحب الوطن » وإقامة العدالة والنظام» وتسكين الفتن؛ والتمسك بالفضيلة» وغير ذلك» بل من المسائل الخاصة ما هو موضوع الخطاية كالخصومات؛ فإن المحاكم ميدان الخطابة» والقول البليغ. وكثير من القضايا ليست إلا مسائل خاصة كالعقود والمداينات» ونحو ذلك. بل إن ابن رشد يقول فن تخيصه لكتاب أرسطو: كل واحد من الناس يوجد"ماسنتعملا لشخو من أنحاء البلاغة ومنتهيا منها إلى مقدار» وذلك حق؛ فالتاجر ينادى لسلعته بشع من البيان بلغته يسبتيمل فيه كل. وسائل الإغراء؛ وكل ذى رغبة فى أمرء يجتهد فى ,استبخدام :عبارات بخخاصة, .يجحذي :بها من يريد حمله إلى ما يبغى ويريد. ولو تسامحتنا لسمينا ذلك النحو. من. الكلام خطابة. وعلى أية حال هو يدل على مقدار عموم الموضوعات اللخطابية»:وأنها ميسنت ,مقضورة على ناحية خاصة من النواحى؛ وإن كان الناس قد اصطلحوا على الخطابة ف موضوغات” وجعلوها أقساما لهاء وأنواعاء كما ستبي نالك “فى موضعه إنا شا شاء الله تغالى'” ”
فائدتها:
قال ابن رشد اقلا عن أرسطو: ليس كل صئف من أصناف الناس ينبغى أن يستعمل معه البرهان فى الأشياء النظرية التى يراد منهم اعتقادها؛ وذلك إما لأن الإنسان قد نشأ على مشهورات تخالف الحقء فإذا سلك نحو الأشياء التى نشأ عليها- سهل إقناعه؛ وإما لأن فطرته ليست معدة لقبول البرهان أصلا؛ وإما لأنه لا يمكن بيانه له فى ذلك الزمان اليسير الذى يراد منه وقوع التصديق فيهء فهذا الصنف الذى لا يجدى معه الاستدلال المنطقى؛ تهديه الخطاية إلى الحق الذى يراد اعتناقه؛ لأنها تسلك من المناهبيء ما لا يسلك المنطق.
وهذه أول ثمرة من ثمرات الخطابة؛ وللخطابة فوق ذلك ثمرات كثيرة؛ فهى التى تفض المشاكل؛ وتقطع الخصومات: وهى التى تهدئ النفوس الثائرة؛ وهى التى تفير حماسة ذوى النفوس الفاترةء وهى التى ترفع الحق؛ وتخفض الباطل» وتقيم العدل» وترد المظالم» وهى صوت المظلومينء وهى لسان الهداية. ولأمر ماء قال موسى عليه السلام عندما بعثه ربه تعالت حكمته إلى فرعون: « رب اشرح لى صدرى * ويسر لى أمرى * واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى 4. ولا يمكن أن ينتصر صاحب دعاية؛ ومناد بفكرة» وصاحب إصلاح إلا بالخطابة.
والخطابة هى الدعامة التى قامت عليها الانقلابات العظيمة:؛ والفورات الكبيرة التى نقضت بنيان الظلم ل وهدمت قصور الباطل؛ فهذه الثورة الفرنسية قامت على الخطابة» وهى التى كانت تؤجج تيرانهاء وتذكى لهبها. والخطابة قوة تثير حمية الجيوش» وتدفعهم إلى لقاء الموت» وتزيد قواهم المعنوية؛ ولذلك كان قواد الجيوش المظفرون فى القديم؛ والعصور الحديثة خطباء مصاقع؛ فبي ركليس» ويوليوس قيصرء ونابليون» خطياءء وعلى بن أبى طالب»؛ وخخالد بن
الوليد» وطارق بن زيادء خخطياء مصاقع ؛ حملوا معهم سلاحا معتويا بجوار السلااح الحذيدى.
اوالخطباء هم المسيطرون على الجماعاتء وهم الذين يقيمونهاء ويقعدونها. رفى الحكومات الشورية» يكون الخطباء هم الغالبين؛ تصدع الأمة بإشاراتهمء وتخضع لسلطاتهم؛ لأن الغلب فى ميدان لكلام. ؛ والسبق فى حلية البيان لهمء فآراؤهم فوق الاراءء لأنهم يستطيعون أن يلحنوا بحجتهم» ويسبقوا إلى غاياتهم؛ وفى ذلك نشر لسلطانهم» ورفعة لهم. فالخطابة طريق للمجد الشخصى "كما أنها طريق النففع العام .
والحق أن اللخطابة مظهر اجتماعى للمجتمع الراقى ميا برقى الجماعة؛ وتخبو بضعفها. ولقد قال ابن سينا فى فائدتها: إن صناعة الخطابة عظيمة التفع جداً؛ وذلك لأن الأحكام
الصادقة قيما هو عدل وسحسين أفضل نفعاآ وأعم على الناس من أضذادها فائدة؛ أن نوع صادقة» وهذه الأحكام الصادقة تاج إلى أن تكون مقررة فى النفوس» ممكنة فى العقائدء والبرهان قليل الجدوى فى حمل الجمهور على الحق؛ فالخطابة هى المعنية بذللك. انتهى بتصرف قليل .
وقال فى الخطيب: إن الخطيب يرشد السامع إلى ما يحتاج إليه من أمور دينه ودنياه؛ ويقيم لَه مرأسيم لعقويم عيشه ؛ والااستعداد إلى معأذه .
طرق تحصيلها: يحتاج مبتغيهأ إلى زأد عظيم » وصير ومعاناة؛ واحتمال للمشاق ؛ ليصل إأى تلك الغاية السامية. وطرق تخحصيلها في الجملة ما يأتى:
: فطرة مواتية وسليقة تلائم الخطابة - ١
بأن يكون الخطيب خمالياً من العيوب الكلامية؛ من فأفأة ونحوهاء وأن تكون مخارج حروفه صسيحة:» وأن يكون فصيحاء طلق اللسان؛ ثابت الجنان» ذكى القلب. وقد يكون بعض الناس مستعدا كل الاستعداد للخطابة؛ إذ يكون قد منحه الله كل مؤهلاتها من صوت جهورىء وعقل المعى» وقلب ذكى» ونفس متوثبة؛ ولساك مبين» ونخاطر .حاضرء وبديهة مسقظظة » وفراسة مدراكةع ونظرات نافذة: ومثل هذا لا يحتا جج إل إلى التعليم والممارسة» وتئمية مداركه ليكون خطيبا مصقعاء ومدافعاً مدرها. ظ
- دراسة أصول الخطابة :
لا شك أن هذه الأصول لابد لها من عوامل أخرى؛ إذ هى وحدها لا تكفى؛ بل لا بد أن يكون معها استعداد كامنء أو رياضة ومران شديد. قال ابن سينا فى منزلة أصول الخطابة فى خصيلها: هذه الصتاعة قد يتعاطى أفعالها كل إنسان: بأن يتأمل ما يختلفون فيه من مدم أو ذم أو شكاية أو اعتذار أو مشورة؛ فمنهم من يكون تصرفه فى بعض هذه المعانى؛ ومنهم من هو متصرف فى جميعهاء ومنهم من يبعد فى ذلك بملكة حصلت له من غير أن تكون القوانين الكلية محصلة عنده؛ ومنهم من يجمع إلى الملكة الاعتيادية ملكة صناعيةء حتى تكون القوانين
محققة عنذه وهو الذى أحاط بهذا الجزء من المنطق (الخطابة) علما واكتسب الملكة بالمزاولة. والملكة الاعتيادية وحدها إن تنجح فلا عن بصيرةء فالقوانين على هذا هادية مرشدة؛ تساعد فى خصيل الخطابة بانارة السبيل ولا تكون وحدها الخطيب» بل هى مهذبة للفطرة؛ مساعدة لها. __- قراءة كلام البلغاء:
دراسته دراسة متعرف لناحى التأثيرء وأسرار البلاغة» ومتذوق للا فيها من جمال الأسلوب؛ وحسن التعبير» وجودة التفكيرء قال ابن الأثير فى المثل السائر: إن فى الاطلاع على أقوال المتقدمين من المنظوم والمنشور فوائد جمة؛ لأنه يعلم منه أغراض الناس» ونتائج أفكارهم؛ ويعرف به مقاصد كل فريق منهم وإلى أين ترامت به صنعته فى ذلك؛ فإن هذه الأشياء مما تشحذ القريحة» وتذكى الفطنئة. وإذا كان صاحب هذه الصناعة عارفا بها تصير المعانى التى ذكرت» وتعب فى استخراجها كالشء الملقى بين يديه: يأخذ منه ما أراد؛ وأيضأء فإنه إذا كان مطلعاً على المعانى المسبوق إليها قد ينقدح له من بينها معنى غريب لم يسبق إليه. ومن المعلوم أن خخواطر الناس (وإن كانت متفاوتة فى الجودة والرداءة» فإن بعضها لا يكون عاليا على بعض أو منحطا عنه إلا بشيع يسير. فقراءة اكلام البلغاء تقدم للقارئ أرسالا من المعانى والأساليب ينال منه بيسر وسهولة من غير معاناة ولا كد ذهن.
5 -- الاطلاع على كثير من العلوم التى تتصل بالجماعات:
كالاقتصاد والشرع؛ والأخعلاق, والاجتماع: وعلم النفس ء والأديان؛ فَإن الأطلاع على هذه العلوم فوق أنه ينمى فكره؛ ويوسع مداركه؛ يجعله على بصيرة فى مهمته؛ ويضع أمامه المصباح الذى يهديه إلى طرق التأثير؛ فيصيب غايته» وينال غرضه.
ه- الثروة الكثيرة من الألفاظ والأساليب:
يحفظ كثيرا من خطب من اشتهر باللسن والبيان؛ فإن الخطابة مختاج إلى تعابير كثيرة؛ تاج إلى أن يعير عن المعنى الواحد بعدة عبارات» وأساليب متغايرة ؛ لكيلا تذهب جدة المعنى » ويصيب السأم النفوس. ولا يمد الخطيب بالعبارات المتغايرة المتحدة المعنى إلا ثروة فى الالفاظ والأساليب؛ وحفظ كثير لأقوال المتقدمينء واستيلاء تام على نواحى البيان.
"-- ضبط النفس واحتمال المكاره:
إن الخطابة منصب خطيرإذ قد تعترض الخطيب زوابع من كل ناحية» وقد يقابل بالسخرية والاستهزاء» .وقد يكون الخاطبون من يتقصون عوراته» ويتسقطون هفوانه؛ و كلهم له
ا
م
رقيب ععةيد. فإذا لم يدرع الخطيب بضبط نفس وسيطرة تامة على إحساسه ومشاعره؛ لم يستطع السير إلى غاياته. وقديما قال خطيب عربى: «لقد شيبنى ارتقاء المابر» وهو قول يدل علئ مقدار ما كان يعانيه ذلك الخطيب فى الاستيلاء على نفسه حتى لا شأ ولا خيش وحتى لا يضطربء ولا تأخذه الحبسة؛ لذلك نقول: يجب أن يربى مريد الخطابة نفسه على احتمال المكاره والحلم» وضبط الإحساس» ومحاربة مظاهر الاضطراب والوجل؛ فإن الاضطراب يورث الحيرةء والحيرة من أسباب الأرتاج» والوجل يضعف أثر الخطبة فى نفوس السامعين» إذ تهون عليهم لهوان قائلها. 7ا- الارتياض والممارسة :
إن الفطرة والاطلاعء وثروة الألفاظ» والقراءة الكثيرة» والعلم بالأصول الخطابية لاتكفى فى تكوين الخطيب؛ لأن الخطابة ملكة وغادة نفسية لا تتكون دفعة واحدة. بل لابد لمريدها من المعاناة» والممارسة والمران؛ لكى ينمى مواهبه؛ إن كانت فيه فطرتهاء ولكى يطب لعيوبه إن كان فيه عيوبها. فإن وجدت فى نفسك أول الأمر نقصا خطابيا فكملهء ولا يوئسنك إعراض الناس عنك من التجاح؛ فإن كثيراً من الخطباء الممتازين كانت فيهم عيوب كلامية» فأصلحوها.
جاء فى كتاب تاريخ العحضارة فى الحديث عن ديموستين خخطيب اليوناث: إنه عندما طب على المنبر العام قوبل كلامه بالقهقهةء إذ كان صوته ضعيفاً جدأء ونفسه قصيرأً» فتوافر عدة سنين على رياضة صوته.
ويروى أنه "كان ينقطع شهورا طويلة ونصف رأسه محلوق؛ لكلا يحاول الخروج. وكان يلقى خطيا وفى فمه حصىء وهو على شاطى البحر؛ ليمرن نفسه على التغلب بصوته على جلبة الناس. ولما رجع إلى المنبر كان قد أخمضع صرته لإرادته. وقد كان يحافظ كل المحافظة على [عداد جميع خخطبه قبل إلقائها؛ ولذا صار أرقى خطيبء وأعظم مفوه فى بلاد اليونان. وكانت تلك حال كثير من خطباء العرب الممتازين؛ فقد جاء فى البيان والتبيين للجاحظ: ويقال إنهم لم يروا قط خطيبا بلديا إلا وهو فى أول تكلفه لتللك المقامات كان مستثقلا مستصلفا أيام رياضته كلها إلى أن يتوقح وتستجيب له المعانى» ويتمكن من الألفاظ- إلا شبيب بن شيبة؛ فإنه ابتدأ بحلاوة» ورشاقةء وسهولة: وعذوبة؛ فلم يزل يزداد منهاء حتى صار فى كل موقف» يبلغ بقليل الكلامء مالا يبلغه الخطباء المصاقع بكثيره. ورياضة النفس على الخطابة» تكون بأمور كثيرة» بعضها يتعلق بالإلقاء؛ وبعضها يتعلق بالأسلوب والفكرة؛ لأن
الخطابة فكرة: وأسلوبء وإلقاء محكمء ومن الرياضة التى تتعلق بالفكرة؛ أن يعود نفسه ضيط أفكارهء ووزك أرائه, وعقد صلة بينهما وبين ما يجرى فى شئوث الناسء وعامة أمورهم ؛ ليكون على أهبة القول الخطابى إن وجدت دواعيه. ومنها أن يكون كشير التأمل فى شكون الحياة؛ عميق الفكرة فيهاء كثير الدراسة لأحوالها؛ وأن يعود نفسه الاتصال بالناس» ليخلط نفوسهم بنفسهء فيحس بإحساسهم» ويكون قريبا منهم» إن وجد ما يدعو إِلى خخطابهم. ومن الرياضة التى تتعلق بالأسلوب أن يتحدث بجيد الكلام» أو يكتبه كثيرأء وأن يكون فى مرانه الخطابى محاكيا البلغاء فى أساليبهم؛ أو مقتبساً منهم» أو سائراً فى مثل دريهم. ومن الرياضة التى تتعلق بالإلقاء أن يعود نفسه إخراج الحروف من مخارجهاء وأن يقرأ كل ما يستتحسته بوت مرتفع ؛ مصوراً بصوته معانى ها يقرأً؛ بتغيير النبرات» وبرفع الصوت وخفضه: وأن يغشى الجماعات والحافل التى تكون ميادين قولء» وإذا عنت له فكرة ووجد الفرصة ساننة- فليقل غير هياب ولا وجل ولامستحى؛ فإن الاستحياء فى هذا نوع من الضعف»ء وهو يجر إلى الحبسة» وموت المواهب؛ وعليه أن يقول مرتلا ما استطاع إلى ذلك سبيلاء وإث ضعف أسلوب ارتجاله؛ أو أصابته حبسة مرة لا ييأس من أن يجيد مرتجّلاء ويتسيب سيب بلاغته مرة أخرى» بل قد يصير ذلك له عادة» وشأناً.
والقول الجملى» يجب على المريد أن يروض نفسه على الخطابة الجيدة؛ حتى تصير له شأناً. وقد قال الجاحظ فى هذا كلمة محكمة: فقد جاء فى البيان والتبيين: (وأنا أوصيكء ألا تدع التماس البيان والتبيين» إن ظننت أن لك فيهما طبيعة؛ وأنهما يناسبانك بعض المناسبة: ويشأ كلانك بعض المشا كلة» ولا تهمل طبيعتك» فيستولى الإهمال على قوة القريحة؛ ويستبد بها سوء العادةء وإن كنت ذا بيان وأحسست من نفسك بالنفوذ فى الخطابة والبلاغة؛ وبقوة المنة يوم الحفل» فلا تقصر فى التماس أعلاها فى البيان سورة» وأرفعها فى البيان متزلة)؛ وليست الرياضة فقط لطالب الخطابة» بل هى لازمة لمن شذا فيهاء وعظم أمره؛ وعد من أفصح الخطباءء فقد كان شيشرون أخطب خخطياء الرومان يتمرن على إلقاء الخطبة قبل أن يقدم على إلقائها. وكانت تلك حاله حتى قتل.
ا الب؟ى؟ٍ؟ب_؟بسبببب بيب
أصول الخطابة تكوين الخطبة مقدمة لا شك أن من يريد إلقَاء خطبة فى موضوعء يجمع العناصر أولاء ثم يرتبهاء ويضع كل عنصر فى موضعه اللائق به ثم يعبر عن ذلك وقد محخدث منه تلك الاأعمال الثلاثة فى أسرع وقت؛ وأقصر زمن» كما ترى فى الخطب الارتجالية» وفى المجاوبات» والمناقشات الخطابية. وقد مخدث بعد تروية وإمعان وتفكير وفى زمن طويل» وذلك فى الخطب التى تهيأ وتخضرء وتعد إعداداً. ومهما يكن من حال الخطيب والخطبة فتلك الأعمال الثلاثة لابد أن تكون. وقد جاء فى كتاب علم الخطابة للعالم لويس شيخوء قال ابن المعتز والشيبانى: إن البلاغة بقلاثة أمور: أن تغوص لحظة القلب فى أعماق الفكرء وتتأمل لوجوه العواقب» ومجمع بين ما غاب وما حطنر؛ ثم يعود القلب على ما أعمل الفكر؛ فيحكم سياق المعانى؛ والأدلة: ويحسن تنضيدها؛ ثم تبديه بألفاظ رشيقة مع تزيين معارضهاء واستعمال محاسنها. قال بعض الحكماء: العلوم الأدبية مطالعها من ثلاثة أوجه: قلب مفكرء وبيان مصورء ولسان معبر. ويسمى العمل الأول إيجاداً أو اختراعاء والثانى التنسيق» والثالث التعبير» وتلك هى الأركان» التى تقوم عليها الخطية» والعناصر التى تتتحد فى تكوينها.
الإيحاد
وهو [عمال الفكر لاستتباط الوسائل التى من شأنها إقناع السامع واجتذابه» وإثارة حماسته إلى ما يدعو إليه المتكلم. إن عمل الخطيب أن يقدم حقائق؛ أو ما يشبه الحقائق: ويجب أن يكون عند تقديمها بحال لا تمنع من قبول كلامه؛ بل يجب أن يكون بحال يذب الناس إليه؛ وتدفعهم إلى الإنصات لهء وتقبله بقبول حسنء وأن يجتهد فى حمل السامعين على الإذعان لما يقول» والتسليم به؛ وإثارة حماستهم له. قال ابن سينا فى الشفاء: التصديقات الصناعية التى يحتال لها بالكلام ثلائة أصناف: الأول العمود؛ والثانى حال المتكلم عند تأدية الكلام فى سمته كما يتفق أن يكون؛ء سمت صالح متخشع فاضل؛ أو سمت
ل سف
صادق ححادء أو تخلا' قف ذلك» أو يكون له لطف فى تأديته . والثالث: استدراج السامعين : ويجب أن يكون الإيجاد شاملا لكل هذه العوامل ؟ ولذا قالوا إن الإيجاد يشملهاء وسموا الأول الأدلة: والثانى الآداب الخطابية؛ والثالث إثارة الأهواء.
الأدلة
الدليل ما يتوصل به إلى بياك صحة الحكم سلب أو إيجابآء والأدلة الخطابية لا يلزم أن تكون قطعية موجبة لليقين؛ بل يصح أن تكون ظنية توجب فى ذاتها الظن؛ ولكن يما يستتخدمه الخطيب من وسائل يرفع ذلك الظن فى نفوس السامعين إلى مرتبة اليقين؟ بل يجعله فى أعلى د جاتهء ومثال الأدلة القطعية فى الخطب قول على بن أبى طالب رضى الله عنه؛ فى بيان قدرة الكائناتء بجوار قدرة الله سبحانه وتعالى : بلا قدرة منها كان ابتداء خخلقهاء وبغير امتناع منها كان فناوها؛ ولو قدرت على الامتناع دام بقاؤها.
فهذا الدليل قطعى إلزامى: ولا شبهة فيه عند أهل النظر. ومثال الأدلة الظنية قوله لعمرء عندما استشار الصحابة فى سفره على رأس الجيش لفتح فارس: مكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرزء يجمعه ويضمه» فإذا انقطع النظامء تفرق الخرز وذهبء ثم لم يجتمع يحذافيره أبداً. والعرب اليوم (وإن كانوا قليلا» فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع؛ ذكن قطباء واستدر الرحى بالعرب»: وأصلهم دونك ثار الحرب؛ فإنك إن شخصت من هله الارض» التقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها؛ حتى يكون ما تدع وراءك من العورات؛ أهم إليك بما بين يديك. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدأًء يقولوا هذا أصل العرب؛ فإذا قطعتموه استرحتم؛ فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك: وطمعهم فيك.
وترى أن كل ما اشتمل عليه هذا الكلام من أدلة ظنى؛ ولكنه مع ذلك يسوق النفس إلى الإقناع كرهاء لاطوعا.
والأدلة الخطابية سواء أكانت إلزامية أم إقناعية» تخذف فى الغالب إحدى مقدماتها؛ لأن الأساليب الخطابية تتجافى عن الأساليب المنطقية الجافة؛ إذ يقبح الأسلوب المنطقى فيها إلا إذا كانت المخطابة قضائية؛ فإن الأسلوب المنطقى قد يحسن» وقد يكون مجملا لها. وقد قال ابن سينا فى علة حذف إحدى المقدمات فى الكثير الشائع: إن الخطابة إنما تحذف الكبريات فيها؛.
١9 7,4 78[ؤ[ؤ[ؤ[)؟أ؟ى؟ى؟ بيب
لأنها لو صرح بها لزال الإقناع؛ لآن تلك الأحكام إذا حصرت بالكلية» علم كذيهاء وخختصوصا فى المشوريات منها.
والأدلة لها ينابييع تصدر عنهاء وتستتبط منهاء ويئجه إليها عند طلبهاء وتسمى (مواضع) وقد ذكرها الأقدمون من اليونان؛ ليسهل على الخطياء والمجادلين الحصول على ما يبرهنون به دعاواهم ؛ وليمتحتوا بها قضاياهم التى يسوقونها؛ وقد قال ابن سينا فيها: إن الحجج فى الشطابة تكتسب من المواضع ؛ فمن طلب الإقناع وهو لا يعلمها كان كحاطب ليل: يسعى على غير هداية؛ لا ليخل من الموجود: بل لنقصان فى الاستعداد.
الموا ضع المواضع هى المصادر التى يمكن الخطيب أن يتخذ منها ما يستدل بيه على دعواه: كالتعريف؛ فإن الخطيب يمكنه أن يتتخذ منئه فى بعض الموضوعات مصدرا لاستدلاله, فإذا كان مثلا يدعو إلى الصدق؛ يصح أن يبرهن على ضرورة الأخذ به» بتعريفهء وذكر خمواصهء ولوازمه التى من شأنها أن تبينه نافعا. وكالتشبيه؛ فإن الخطيب يستطيع أن يعقد صلة بين شئم غير مسلم به؛ وآخر مسلم به من السامعين؛ ويتتخذ من تلك المشابهة دليلا على ضرورة ما يدعو إليه وصدقهء وهكذا. وقد قسم العلماء المواضع إلى ذاتية وعرضية.
الموا ضع الذانية
فالذاتية تؤحذ من ذات الموضوعء لا من شيع خارج عنه؛ كأن يبين فوائد العلم» بذكر خواصه اللازمة له؛ وقد ذكر الفلاسفة عددا من المواضع الذاتية» نكتفى ببيان ما نراه كثير الشيوع على السنة المخطباء قديماً وحديثاً ومن ذلك:؛:
:فيرعتلا-١
تعريف الشىئع؛ يكون دليلا خطابياً؛ أو بعبارة أدق مقدما لدليل خطابى. ولذلك طرق عدة منها:
-١ أن يعرفه بخواصه التى تفيده فيما يدعو إليهء كقول على رضى الله عنه داعياً إلى الأ.عحل يهدى المتقين» واصفا لهم:
«والمتقون هم أهل الفضائل: منطقهم الصواب» ومليسهم الاقتصاد: ومشيهم التواضع؛ غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم» ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهمء نزلت أنفسهم منهم فى البلاء؛ كالتى نزلت فى الرخماء'''» ولولا الأجل الذى كتب عليهم لم تستقر أرواحهم فى أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب» وخخوفآ من العقاب؛. _
7- ومنها أن يعرفه بالاستعارات أو التشابيه أو نحوهاء كقول شبيب بن شيبة فى مدح خحليفة: «ألا إن لأمير المؤمنير: أشباها أربعة: الأسد الخاد,””'' » والبحر الزاخخر والقمر الباهر: والربيع الناضرء فأما الأسد الخادر, فأشبه منه صولته ومضاءهء وأما اليحر الزاخخر فأشبه منه جودهة وعطاءه » وأما القَمر الياهر» فأشبه منه نوره وضياءه» وأما الرييع التاضرء فأشبه مته حسته وبهاءه .
٠ ومنها أن يعرفه ببيان أنواعهء وذكر أقسامه. ومن ذلك قول على رضى الله عنه فى بيان الرزق (الرزق رزقان: رزق تطليهء ورزق يطلبكء فإن لم تأنه أناك» فلا حمل هم سنتك على هم يومك»: كفاك كل يوم على ما فيهء فإن لم تكن السنة من عمرك فإن الله تعالى سيؤتيك فى كل غد جديد ما قسم لكء وإن لم تكن السنة من عمركء فما تصنع بالهم لما ليس لك. ولن يسبققك إلى رزقك طالبء ولن يغلبك عليه غالب؛ ولن ييلىئ عنك ما قد قدر للك .
وترى مء هذا أن طرق التعريف الخطابى ليست هى الطرق المنطقية وحدهاء بل تكون . بها وبغيرهاء مما لا يقره المنطق تعريفاً مصوراً للموضوع.
والتعريف يكون موضعاً -خطابياً:
١ - عندما يرى الخطيب أن التعريف كاف لفض النزاع؛ وإنهاء الخصومة» إذ يكون تعيينا لموضع النزاع» وبذلك يسير فى طريق يجتمع فيه الخصمان؛ فلا تتشعب مسالكهماء إذ فى تشعبها توسيع لهوة الخلاف» وتطويل لمداه.
1 - وعندما يرى أنه يستطيع استتباط الدليل من نخواص الشئع؛ إذ تكون هى مناط الحكمء كما إذا ادعى أن العدل محمودء فإنه يذكر صفاته ونخواصه النافعة» ويكون ذلك دليلا
على جدارته بالتفضيل وإعلاء مكانته. (1) معنى هذه الجملة أنهم فى البلاء كما هم فى الرخاء لا يهنون ولا يحزنون لأملهم في الله؛ وطمعهم فى و ححمستة : وصيرهم وختشوعهم .
شرح الخدر: يطلق على أجمة الأسدء فأسد خادر مقيم فى أجمته.
ل _ بحب
وعندما يريد مدحاً أو ذم) لأحد من الناسء» فيذكر صفاته الحسنةء كما رأيت فى وصف شبيب بن شيبة للخليفة مادحا.
- أو يريد .حبضاً على أمرء أو تنفيراً منه» فإنه يذكر صفاته الحسنة إن أراد الأول ؛ وصفاته القبيسحة إن أراد الثانى.
- وعندما يريد إيضاح أمر أشكل فهمه على السامعين» فيعمد إلى تعاريف كاشفة: بجختذب القلوب إليه» وتوضح للسامعين ما أشكل عليهم أمره.
؟ -التجوثة :
المراد بالتجزئة أن تتجه فى الحكم إلى الجزئيات تتبعها بالحكم الذى تريدهء جزئياً جزئياً, حتى تستمخلص النتيجة التى تريدهاء ولها طريقان:
أحدهما - أن تنتيع الجزئيات» لتستنبط منها حكماً واحدآ لكليهما. وذلك مثل قول قطرى بن الفجاءة فى وصف الدنيا:
١كم واثق بها قد أفجعته: وذى طمأنينة إليها قد صرعته» وذى نخوة ققد ردته ذليلا. وكم من ذى تاج قد كبته لليدين والفم» سلطانها دولء وغيفها رنق”' '» وعذبها أجاس”', وحلوها صبرء وغذاؤها سماء "ا » وأسبايها رماءكةا ٠ وقطافها سلع”*ا ؛ حيهاأ بعرض موت» وصحيحها بعرض سقّم» ومنيعها بعرض اهتضام. مليكها مسلوب» وعزيزها مغلوب؛ وسليمها منكوب» وجامعها محروب"'' ؛ مع أن وراء ذلك سكرات الموتء وهول المطلع» والوقوف بين يدى الحاكم العدل» ليجزى الذين أساءوا بما عملواء ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى) .
ألا تراه فى ذلك قد تتبع الجزئيات» ليتخذ من حالها حكما كلياء على ما فى الدنيا؛ فإنه إلى زوال» ومن فيها إلى الموتء والوقوف بين يدى الحاكم العدل؛ ويأنها لا يصح أن تكون غاية العبادع ومطلبهم الأسمى. )١( رئق: معناها كدر. (1) أجاج: معناها مر.
(10) سمام: جمع سم
(4) الأسباب الحبال. ورمام: معناها بالية» واهية. 3 القطاى : الشمر. وسلع: مر.
1 ) امخروب: المسلوب.
وثانهها - أن تتتبع الجزئيات لشخص واحداً من بينها؛ بحكم لزيادة التنبيه. على خصائصهء وللحث على الأخخل بهء أو التنفير منهء كقول جامع المحاربى للحجاجء وقد شكا إليه ' سخط أهل العراق عليه: دأما نهم لو أحبوك لأطاعوك: على أنهم ها شتكوك لنسيكء ولا لبلدك؛ ولا لذات نفسكء فدع ما يبعدهم عنك إلى ما يقربهم إليك» والتمس العافية ممن دونك» تعطها من فوقكء وليكن إيقاعك بعد وعيدك ؛ ووعيدك بعد وعدك) » فترى من هذا أنه استقرى أحواله حالا حالاء ونفى عنها السبب فى الكراهية» ثم قصر السبب على الحكم» وأشار إليه إشارة فى قوة التصريحء ثم أخذ ينبهه إلى ما يجبء وما من شأنه إدناء القلوب النافرة.
وترى من ذلك كله أن التجزئة منهج خطابى» يعمد إليه الخطيب عندما يريد المبالغة فى إثبات الحكم: والحرص على تأكيده؛ وتقريره فى نفوس السامعين. وهى لا يعمد إليها إلا فى مقام الإطنابء ولا يتجه الخطيب إليها فى مقام الإيجازء لأن غيرها يغنى عنهاء ففى كلمة المحاربى السابقة لو كان يقصد إلى الإيجازء لقال له من أول الأمر: إن السبب فى السغط حكمكء ثم بنى عليه ما أراد» ولكنه بدأ بالنفى عن الأحوال السابقة ولحدة واحدة؛ ثم حص الحكم بالسببء فكان ذلك دالا على مزيد العناية به» وذلك من نوع الإطناب المفيد.
: -التعميم ثم التخصيص ١
هذا مقابل التجرئة؛ إذ يمتداً فيه بذكر العام» ويحكم يما يرادء ثم ينزل منه إلى المخاص. وذلك كثير على ألسنة الخطباءء يبتدئون خطبهم بقضايا كلية مسلم بهاء أو فى منزلة المسلم به» للتقرير» ثم يخصون بعد ذلك بعض الجزئيات بالذكرء وما الحكم الرائعة التى يبتدئ بها كثير من الخطباء خخطبهمء إلا من ذلك النوع؛ ولقد قال ابن سينا فى هذا: «جملة ما يقال فى ذلكء إن الخطباء قد اعتادوا أن يأنوا فى صدر خطبهم بنظر عام فى مقصدهمء لما يأنون في خطبهم» . ومن أبلغ التعميم ثم التخصيص قول النبى ع فى خطبة الوداع: وأما بعد أيها الناس» اسمعوا منى» أبين لكم» فإنى لا أدرى» لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذاء فى موقفى هذاء أيها الناس» إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام؛ إلى أن تلقوا ريكم» كحرمة يومكم هذاء نى شهركي هذاء فى بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشيهدء فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذى اثتمنه؛ وإن ربا الجاهلية موضوعء وإن أول ربا أبدأ به ربا عمى.العباس بن عبد المطلبء وإن دماء الجاهلية موضوعة: ون أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب».
20
فتراه لع يبتدئ بسحكم عامء فيسقط الربا كلهء ثم يخص ربا العباس بالإسقاط»ء ليبين للناس أنه يبتدئ بتنفيذ الأحكام على أقرب الناس إليه؛ فيكون فى ذلك أسوة حسنة» ثم يبين أن دماء الجاهلية ساقطة» وأول دم يسقطه دم من يعد هو من أوليائه؛ ليكون أول الآخمذين بحكم الدين. وفى هذا ترى الاتتقال من العام إلى الخاص على أبلغ وجه.
ومن الابتداء بقضايا كلية مسلم بهاء لتكون تمهيداً للمطلوب قول الأحنف بن قيس فى وفادته لعمر بن الخطاب: (يا أمير المؤمنين: إن مفاتيح الخير بيد الله» والحرص قائد الحرماك؛ فاتق الله فيما لا يغنى عننك يوم القيامة قيلا ولا قالاء واجعل بينك وبين رعيتك من العدل والإنصاف شيعا يكفيك وفادة الوفودء واستماحة الممتاح» .
+ -العلة والمعلول :
0 التعليل روح الاستدلال» فالعلة الباعثة على الفعلء والغاية المنشودة منهء طريق للحكم عليه بأنه خخير» أو شرء وبأنه صحيح» أو باطل» ويأنه سائخ» أو غير سائغ ؛ لذلك يعمد الخطياء إلى ذكر البواعث على الأفعال؛ والدوافع إليها؛ ليتخذوا منها سنداً فى الحكم عليها. وأخحص من يفعل ذلك امحامون» ورجال النيابة» فإنهم يتخذون من الدافع على الجريمة دليلا موجبآ لتخفيف العقوية» أو دليلا على وجوب التشديد فيهاء ويتخذون من البواعث على الإقرار» أو الإنكار دلائل موجبة أو سالبة. ومن ذلك ما جاء فى مرافعة أحد امحامين الفرنسيين فى إثبات أن الدافع لإقرار امتهم يحمل على عدم الأتحل به» فقد قال: تقولوك إنه لابد من الحكم؛ لأنه أقر؛ وتقولون إن هذا الإقرار حرء أما رأيتم كيف وصف لكم الشهود ذلك المنظر؟ ألم يظهروا لكم التأثير الذى كان المنهم فريسته؟ ألم يظهروه لكم يقاوم» ويبكىء ويقع على الأرضء ويجذب شعر رأسه؟ ألم تروا أن العذاب النفسى الذى وقع المتهم فريسته هو الذى دفعه لأن يقرء ثم مأ كاد ينهض على قدميه حتى لجأ لكل إنسان يحاول أن يسترد إقراره» فأسرع إلى محاميه, وطلب منه بكل الطرق أن يدفع به للمحاكمة؛ وصار يصييح فى كل فرصة»ء وفى كل مكات: إننى بركة» إنتى بركم... افرضوا ياحضرات المحلفين» أن نظام التعذيب. كان لايزال قائماً: وجاء كم المتهم وأثر الحديد فى يديه» وقد أفلت من قسوة معذبيه» فهل كنتم تقولون له أنت مذنب؛ لأنك اعترفت: إنه يمول لكم: لقد رأيت دمى يتساقط ؛ وسمعت عظامى تتحطم» فغلبنى الألم. وقال الطبيب إن الموت قاب قوسين أو أدنى» فغلبتى الخوف» فأقررت» ولكتى برئ؛ أكان منكم أنتم الذين مخاكموتناء أو تسم الذين تنهمونتا- أكان منكم من يقول له: لقد
لك
أقررت وأنا أحكم عليك بإقرارك ؟ لا لاء ليس فيكم هذا الشخص. ففى هذا الدفاع القيم؛ ثرى أن ذلك المدره المجيد قد اتخذ علة الإقرار» والداعى إليه حجة على يطلانه» ودليلا على أن
وقد يتجه الخطيب إلى المعلومات والآثار؛ للدلالة على أن الفعل لا يصح أن يقع؛ وإن وقع» فهو محل للوم؛ يجب الإقلاع عنهء وأحذ الأهبة لمقاومة من هم واقعوث فيهء أو من يدعول إليه» ويحثوك عليه .
ومن ذلك -خحطبة ديموستين التى بين لليونان فيها أثار فتح فيليب المقدونى لبلادهم؛ وهى التضييق على الحرية؛ وموت الديمقراطية اليونانية.
وقد قال فى تلك الخطبة: إن أخشى ما يخشاه فيلبس» وأمقت ما يمقته» هو حريتناء هو نظامنا الديمقراطى؛ فلكى يقضى على هذه الحرية» وهذا النظامء يهبئ جميع شراكه؛ ويدبر جميع تدابيره؛ أو ليس يجرى على مبدأ واحد فى كل أعماله هذه؟ إنه يعرف تمام المعرفة؛ أنه لو أخضع بلاد الإغريق كافة» وعمها بفتوحه؛ فإنه يظل غير أمن» مادامت ديمقراطيتكم صحيحةء لم تمس ؛ وهو يعرف أنه إذا أصابته هريمة من تلك الهرائم التى تقدرها الأقدار لبتى إنسان» فإن جميع الأمم التى قرنها عنوة إلى نيره تسارع إلى الانضواء إليكم... أفى العالم أمة مقهورة محتاج إلى رد حريتها إليها؟. هاكم أثينا. وإنما ذكر التضييق على الحرية» وضياع الديمقراطية وحدهما؛ لأنهما أعز شئ عند اليونان: فذكرهم بهما؛ ليسحفز همتهم إلى مقاومة فيليب» ومحاربته. فترى من هذا أنه استخدم الاثار فى الاستدلال على وجوب المقاومة؛ ورد
له يف > ”م
الأعداء وترى كيف استخدم المعلول فى الاستدلال على المطلوب.
ه-المقابلة :
بين شيكين؛ ليبين الحق فيهما؛ فإن الأشياء تتميز بأضدادها وتعرف بنظائرها. وهى معين للاستدلال الخطابى»؛ وشوق ذلك تعطى الكلام حلاوة: ورونشاء ويتخدذ الخطباء منها
([حداهما) أن يذكر الخطيب الشىء ومقابله؛ ويذكر صفاتهما؛ ومن ذلك يتبين الحسن منهما كما قال الإمام على رضى الله عنه للأشعث بن قيس فى فضل الصبر 9إن صبرت جرى عليك القدر» وأنت مأجورء وإن جرعت جرى عليك القدرء وأنت موزورة .
0000
(ثانيتهما) أن يبرهن على يطلان المقابل؛ فيثبت المطلوب كما فعل الإمام على رضى الله عنه عندما ناقشه الخوارج؟؛ واعترضوا عليه بإباحة أموال أهل الجمل دون النساء والذرية؛ ققد قال: إنما أبحت لكم أموالهم بدلا عما كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومى عليهم؛ والنساء والذرية لم يقاتلوناء وكان لهم حكم الإسلام بحكم دار الإسلام» ولم يكن منهم ردة عن الإسلام؛ ولا يجوز استرقاق من لم يكفر. وبعد لو أبحت لكم النساء أيكم يأخحذ عائشة فى سهمه؟. فخجل القوم. فترى من هذا كيف أفحمهم ذلك الخطيب العظيم؛ إذ أبطل لهم دعواهم سبى النساء بتلك الحجة البالغة؛ وهى أن السبى لو كان -حقا. لكان من الحق مسبى عائشة أم المؤمنين» ومثل ذلك لا يعقل من موّمن. وإذا بطل هذاء ثبتت صححة ما فعل» وهو منع.سبى النساء والذرية.
ولا يعمد الخطيب فى إثبات دعواه بإبطال نقيضها- إلا إذا كان إبطال النقيض أسهل عليةع وأيسر من إثيات الدعوى, فين أول الأمر. وفى الوق أن تلك كلها أسلحة لذيه » يستعمل منهأ مأايرأه أسهل , وأدنى إلى الإقناع: وأقرب إلى الإجابة؛ وأحرى بالتأثير: وامتلا'ك ناصية القول.
- التشابه 9 بسر نيا الأمثال:
() يعمد الخطباء إلى تقريب الأمور التى يدعون إليها من نفوس الجماهير؛ ليأخذوها قضية مسلمة» لا يناقشون فيهاء ولا ينظرون إليها نظرة فاحصة كاشفة؛ ويتخذون لذلك طريقاء من سلكه وصل إلى غرضهء وهو عقد صلة بين ما يريدون وأمر معروفء ويسمى ذلك التشابه أو المشابهة أو الدمثيل»: وهو أن يقيس الأمر الذى يدعو إليه على أمر معروف عندهم؛ مقبول لديهم؛ فيقبلوا الجديد تقبول القديم؛ وينسحب شرف القديم شرفا للحديث؛ أو يعمد إلى الموازنة بين الحال التى يدعو جماعته إليهاء والحال التى هى فى مكان المسلم بهاعند جماعات أخرى ؛ كما فعل المغفور له قمصطفى كامل» فى بعض خطبه الحماسية إذ قال: القوا أيها السادة بأنظاركم قليلا إلى الأم الحرة» دوا كل فرد فيها يدافم عن وطنهء ويذود عن حوض بلاده- أكثر من دفاعه عن أبيه وأمه؛ بل هو يرضاهما ضحية للوطن» ويرضى نفسه قبلهما قربانا يقدمها لإعلاء شأن بلادهء ويعد الموت لأجل الوطن حياة؛ دونها الحياة البشرية, ووجوداً دونه كل وجودء فلم لا يكون المصرى على هذا الطراز» ووطنه أجمل الأوطان؛ وأحقها بمثل هذه المحبة الشريفة الطاهرة.
ييل
ومن أبلغ أنواع التشابه الخطابى قول أبى عبيدة عامر بن الجراح؛ ينذر أهل الشام عند فتح بلادهم: لا يغرنكم عظم مدينتكم» وتشييد بنيانكم» وكثرة زادكم؛ وهول أجسامكم؛ فإننا نزلنا بلادآ أختصب من بلادكمء وفتحنا أمصاراً ممصرة» ومدائن أحرؤ من مدينتكمء وخخرج علينا أعلاج'' موفورة أقواتهم؛ مدرعون؛ مترسوث» فصلد مجمهمء وذهب أمامنا ريحهم؛ ورددناهم على الأعقاب» لا يلوى أولهم على آخرهم .
(ب) وقد يتجه الخطيب إلى التشبيه البيانى المعروفء لا لتحسين لكلاء وتزيينه» بل للاستدلال الخطابىء وتقريب المعانى التى يريدهاء وسوق ذلك سوق البرهان؛ وذلك يكون عندما ينقدح الرأى فى النفس ويستولى عليها استيلاء تامً؛ ويرى صاحبه أن النفوس تفهم بالتشبيه ما حاك فى الفؤاد؛ وجال فى القلب» واستولى على النفس.
ومن أبلغ ذلك ما جاء على ألسنة بعض الصحابة؛ رضى الله تعالى عنهم؛ عندما استفتاهم الفاروق عمر رضى الله عنه فيما يستحقه الجد من التركة مع الإخخوة.
وقد قال زيد بن ثابت فى تأييد رأيه من أن الإخموة أولى”' ': لو أن شبجرة تشعب من أصلها غصنء ثم تشعب فى ذلك الغصن خوطان” " ؛ ا الغصن يجمع الخوطين دون الأصل » ؛ ويغذوهما؛ ألا ترى يأأمير المؤمنين: أن أحد الخوطين أقرب إلى أنحيهء منه إلى الأصل .
(ج) وقد يتجه بعض الخطباء إلى ضرب الأمثال؛ ليقربوا إلى الناس ما يريدون من الأمورء فيشبهون حال جماعتهم أو حالهم بحال مفروضة لجامع يجمعهماء كما فعل عير رضى الله عنه فى إحدى خخطبه فى الحث على الأمر بالمعروف والتهى عن المدكر, ٠ إذ قال :
أيها الئاس أتقوا الله فى سريرتكم وعلانيتكم؛ وأمروا بالمعروف» وانهوا عن المنكر؛ ولا تكونوا مثل قوم كانوا فى سفينة؛ فأقبل أحدهم على موضعه يخرقه؛ فنظر إليه أصحابه؛ فمنعوه: فقال هو موضعى ولى أن أحكم فيهء فإن أخذ على يده سلم؛ وسلمواء وإن نر كوه هلك وهلكوا معه. وهذا مثل ضربته لكمء رحمنا الله» وإياكم.
وقد يقول قائل: أين هذا من الاستدلال وسوق البراهين ؟ ونقول فى الإجابة عن هذا: إن ذلك المثل قد تضمن أبلغ أنواع الاحتجاج؛ فهو قد بين لهم بطريقة قربية من نفوسهم'
00 العلج : الرجل من العجم غير المسلمين, (؟) أعلام الموقعين لابن القيم.
١ -الدين:
إذ هو أكثر الأمور سيطرة على القلوب» خصوصاً قلوب العامة: فإنه لهم المرشد الأمين؛ والمعزى لمن برحت بهم الآلام؛ والمسلى لمن نزلت بهم الهمومء والمهذب أن لا معلم له؛ والمربى للوجدانء والموقظ للضمائرء والمتدينون لا يخضعون لشيع كما يخضعون لدينهم: ولا يصدعون إلا بحكمه:؛ فإذا أيد حطيب فى جماعة متدينة قضاياه بالدين؛ وربط بينها وبين دينها صلةء ووثق عرا الألفة بين ما يدعو إليه وبين ذلك الدين أجابت نداءهء ولبته فى -حماسة وقوة وشعور دافق وحمية» وخطباء العرب فى صدر الإسلامء كاتوا يحلون خطبهم بشئع من القرآن الكريم» والحديث الشريف لتكون لهم الحجة البالغة؛ إذ كانوا يخاطيون قوما كل مجدهم جاء من الدين الإسلامى الحكيم؛ ولأن القرآن الكريم فى منزلة من البلاغة دونها أى كلام؛ والحديث الشريف فى المنزلة الكاملة لبلاغة البشرء وسيجيع إليك ذلك واضحا فى تاريخ الخطاية .
وقد عد الاستشهاد بالدين من المواضع الخارجة؛ لأنه ليس من ذات الموضوع ولا مشتقا من مخحصائصه: ولكن جاء من شئع مارج عنه؛ وهو يفيد اليقين والجزم» وإن كان من شئ ارج عن الموضوعء لأن مسائل الدين فى مكانة من اليقين» لاتعدلها مكانةء فإذا استشهد به استشهادا صادقاء حلت دعوى الخطيب فى القلبء فلا تنتزع منه» لأنها تصير جزءا من أوامر الدين» فتكسب منه تقديساً.
؟ العادات:
كل جماعة من التاس لها عادات تسودها وتسيطر عليهاء وهى متمكنة من نفوسهاء ومستولية عليهاء وقد قال العلامة باسكال فى سيطرة العادات على نفوس الناس» وقوة ما يشتق متها من أدلة: ماذا تكون مبادئنا الفطرية» إذا لم تصدر عن العادة» فالعادة هى طبيعة ثانية تقوض أركان الأولى ومنها نأخذ أشد أدلتنا قوة» وأكثرها فيضاء وهى التى تعين وجهة النفس دون أن يفكر الإنسان؛ وبها يصبح الإنسان تصرانياء أو وثنياء أو تركياء أو محترفاء أو جنديا.. إلخء ثم بها تستعين النفس وقتما تعثر على مكان الحقيقة.
وقال العلامة جوستاف لوبون: لو أن قدرة خخارجة جعلت الإنسان أو الشعب يهرب من تأثير عاداته, لأصاب القالج حياته فجأةء لأن العادة هى التى تملى علينا كل يوم ما يجب أن تقوله» وتفحله» ونفكر فيه.
ال يسبب مب
وإذا كان لعادات الأم هذه القوة؛ وذلك السلطان على القلوب؛ فيجب أن يعتمد عليها الخطيب فى مقام التأثير؛ بأن يقرب ما يدعو إليهء مما يألفون من عادات؛ وما اصطلحوا عليه من عرف؛ ليسكنوا إلى الأمر» ويعخضعوا له؛ ويطمكتوا إليه؛ لأن إقبال الناس يكون شديداً على الأمور التى تكون من ججعنس مأ يألفون.
وقل كان الأحدف بن قيس وهو من أبلغ البلغاء » والخطباء المسودين » من يجيئوك إلى قلوب العامة من ناحية عاداتهم وما يألفونء قيل له: بم سدت؟ قال: لو أن الناس كرهوا الماء م سر بته . ومعلى هلأ أنه يحترم العرف»: ويعرف سلطانه ؛ فهو يتخذه طريقا لسيادته » ولتأثير بيأئه .
ومن الخطباء الذين كانوا يلجأون إلى العادات أحيانا فى التأثير المغفور له سعد زغلول «بأشأ)» ؛ وعرث ذلك خطبته فى الأزهر الشري» إذ جاع فيها:
جثفت أليوم لأؤدى فى هذا المكان الشريف فرض صلاة الجمعة؛ ولأقدم وأجيات الاحثرام لمكان نشأت فيه؛ وكات له فضل كبير فى النهضة الحاضرة: تلقيت فيه مبداً الاستقلال؛ لأن طريقته فى التعليم تربى ملكة الاستقلال فى النفوس؛ فالتلميذ يختار شيخه والأستاذ يتأهل للتدريس بشهادة التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول كل نابغ فيه.
أ ترأه فى هذا حل يستد رج سأمعيه بتقشريب مأ يرهى ليه (وهو نشر فكرة الاستقلال) نمأ الضوهع وما يعر فونه ؛ وما اعتادوه.
لآثار سلف الأمة قوة فى نفوس الأحياء منها؛ وسلطان كبير فى قلوبهم؛ وقد كان المشركوث؛ لا يجدون أمرا يخذونه تكأة مخالفة التبى #؛ إلا أنهم يتبعون الآباء؛ إذ كانوا يقولون كما حكى الله سبحانه وتعالى عنهم: #بل نتبع ما ألفينا عليه آباءناه. وما كان هؤلاء البلغاء الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم قوم ختصمون:؛ يعمدون إلى ذلك الاحتجاجء إلا ل يعرفونه من تأثير آراء السلف فى الخلفء ولو كان الأولون على ضلالء لا يعقلون شيئاء ولا يهتدون.
وأقوى الأفكار أثراً فى النفوس: ما حاء متصلا بآلار السله » مؤتلفا معها.
قال العلامة جوستاف لوبون: تقدم علم ثر كيب الأجسامء من يوم أن بين علم التكوين مقدار تأثير الماضى فى تطور الكاثئنات؛ وسيتقدم علم التاريخ أيضا حيئما يتتشر هذا؛ لأن انتشاره
لم يعم؛ بدليل أن كثيرا من أقطاب السياسة لا يزالون على أفكار أهل القرن الماضى؛ ممن كانوا يتخيلون أنه يتيسر للأمة أن تنخلع عن ماضيهاء وتنشيع نفسها من جديد غير مستهدية فى ذلك إلا بنور العقل وحدهء وفانهم أن الأمة جسم منظم» أوجده الماضىء فهى كغيرها من الأجسام: لا تستطيع الاثتقال من طور إلى طورء إلا بتراكم أثار الوراثة فيها على مهل.
ولذا يحسن أن يقرب الخطيب بين فكرته؛ وبين ما أثر عن سلف الجماعة التى يمخاطبها ما استطاع إلى ذلك مبيلاء وما دام سلف تلك الجماعة لم يشتهروا بباطل؛ ولم يعرفوا بسوء.
ومن أحسن الخطياء الذين سلكوا ذلك المسلك الحسن البصرىء فقد كان فى خطبه يتجه فى تأييد أفكاره إلى ما كان عليه الصحابة رضوان الله تعالى عنهم.
ومن -حطيه فى ذلك قوله: أيها الناس» إن لله عبادا قلوبهم محزونة» وشرورهم مأمونة؛ وأنفسهم عفيفة؛ وحوائجهم خفيفة: صبروا الأيام القلائل؛ لما رجوه فى الدهور الأطاول؛ أما اللبل فقائمون على أقدامهم يتضرعون إلى ربهم» ويسعون فى فكاك رقابهم: مخرى من الخشية دموعهم: وتخفق من الخوف قلوبهمء وأما النهار فحلماء أنقياء أخفياء؛ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعففء تخالهم من الخشية مرضى وما بهم من مرض!؛ ولكنهم خصصوا بذ كر الثار وأهوالها. لهم والله كانوا فيما أحل لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم؛ وكانوا أبصر يقلوبهم لدينهم منكم لدنياكم بأبصاركمء ولهم كانوا لحسناتهم أن ترد عليهم أخوف نكم أن تعذبوا على سيئاتكم . أولنك -حزب اللهء ألا إن حزب الله هم المفلحون.
5 - أقوال الأئمة ومن اشتهروا بالحكمة:
وذلك ياب واسع من الاستدلال» يتجه إليه الخطيب ليحلى به خطيته؛ فَإِن لكلام الحكماء المشهورين» والأئمة المعروفين روعة وهزة فى النفس» وهى ثمرات جاربهم؛ ومخزون أفكارهم؛ وهى فى منزلة المسلم بها؛ وكثير من الخطباء قديما وحديثا يبتدئون خطبهم بحكمة مشهورة) أو قول حكيم عرف بالعلم؛ والفكر الناضج ؛ ويجملون خطيهم بذلك النوع من الاستدلال.
ومن ذلك قول الحسن البصرى فى دععوة المسلمين إلى التتازر والتناصح» والأمر بالمعروضى» والتهى عن المنكر: ظ
السام مرأة أخيه المسلم ؛ يمصره عيبه» ويغفرله ذل » قد كان من قبلكم من السلف الصالح يلقى الرجل الرجل ؛ ٠ فيقول يا أخى ما كل ذنولى أبصرء ولا كل عيوبى أعرفء فإذا
ته سد
حم الله امرأ أهدى إلينا مساوينا.
ومن أبلغ الكلام اللخطابى المشتمل على ذلك النوع من الاستدلال؟ وإن لم يجئ فى خطية: قول المسعودى فى سحب الأوطات:
إن من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة» وإلى مسقط الرأس تواقة. وقد ذ كرت العلماء: أن من عل" مة وفاء المرع؛ ودوام عهده» -حيييه إلى إحوانه؛ وشوقه إلى أوطانه, وبكائه على ما مضى من زممأنه .
قال ابن الزبير: ليس الناس يشيع من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم. وقال بعض حكماء لآأن غذاءاكة منهما وغذاؤهما هبك ) وقال أخصروك: أولى اليلداث بلد رصعت ماءهء وطعمت غذاء+.
وقال آخر: ميلك إلى موضمم مولدك من كرم محتدك. وقال بقراط: يداوى كل عليل بعقاقير أرضه ؛ لأن الطبيعة تتطلع بهوائها؛ وتنزع بغذائها.
وقال أفلاطون: غذاء الطبيعة من أنفع أدويتها. وقال جالينوس: يتروح العليل بنسيم أرضه يقول بعض الأعراب يصف وطنه.
وكناألفتهاء ولم تك مألفا وقد يؤلف الشئ الذى ليس بالحسن
كما تؤلف الأرض التى لم يطب بها هواء ولا ماءء ولكتهما وطسسن
©-الشهادات والمواثيق: ظ
وهى الركن الركين للاستدلال فى الخطابة القضائية؛ فإن الشهادات باب واسع للتقاضىء وهى طريق القرائن» والوسائل لمعرفة الأحوال. وفى بعض القضايا تكون هى نقطة
الحوار» وسبب الخلاف» وتباعد مطارح الأنظارء هذا يعمل على تزييفهاء وذاك يعمل على تأبيدها.
لل لل ؤس
وأما العهود فقد قال فيها ابن سينا: إنها شريعة المتعاهدين ؛ فكلاهما مأخحوذ بهاء مقيد بالسير فى سبيلهاء مفعم إذا قدمت إليه؛ أو ذكر بها؛ إذ فيها فصل الخطاب؛ ولذا إذا اتخذها أحد الخصمين دليلاء وكان صادقاء لحن بالحجةء ووصل إلى الغايةء وثال المطلوب.
والشهادات والموائيق من المواضع العرضية؛ لأنها لم تشتق من خصائص الموضوع وذانه بل هى أمور تخارجة عيية ؛ مؤيدة له مثبتة لمصدق الحكمء وإن لم تكن مر ذات ا موضوع: وليست علة لوجوده: ولا نخاصة هن نخوأصه .
ومن الخطب العامة التى كانت الشهادة ركتهاء خطبة زياد بن أبيه عندما شهد الشهود بنسبيه من أبى سقيات فقد قال : هذا أمر لم أشهد أوله ولا علم لى بأنجرمء دقل قال أمير المؤمنين ما بلغكم وشهد الشهود ما سمعتم؛ فالحمد الله الذى رفع منا ما وضع الناس» وحفظ منا ماضيعوا. وأما عبيد فإنما هو والد مبرور وربيب مشكور.
5"-القوانين:
وهى الحجة الأولى فى الخطب القضائية؛ إذ كلا المتنازعين يجتهد فى أن يتخذ من القانون حجة لدعواه؛ أو طريقا للخلاص من ورطة الاتهام. وبريد كلاهما أن يفسره تفسيرأً يتفق مع غرضه ومقصذده؛ ومصلحة من صب نفسه مذافعا عنه. والخطبي التى كان القانون محور الاستدلال فيهاء والحجة المنشودة والغاية المقصودة كثيرة» وكل مرافعات النياية واغحامين
وكانت القوانين من المواضع العرضية لأنها ليست وصفا ملازما للموضوعء ولا خخاصة له ولا علة لو سحوده» ولكنها أمر ختارج خلينيك حا كم عليه؛ عمرتب على الفعل أثارا حسنة» أو أثاراً سيئة لمن أوقعه. ومن أبلغ الخطب القضائية التى اشتملت على الاستدلال القانونى مرافعة نائب عام فرنسى فى إثبات الجريمة على رجل متهم بقتل نفسين إذ قال: إنتى أمام هاتين الجثتين» أما هذين الجرحين الناغرين» أشعر بالنفور والاشمعزاز يمالآن نفسى» ويخيل إلى أنى أرى -حول تلك الدار الحزينة بجوار ذلك الزوج الذى يدعو زوجه؛ وتلك الطفلة التى تنادى أمهاء فل" جيب » مذيتة بأسرها فى حزن شامل ,عام : وأرى ذلك المشهد الرهيب الذى تبعه أهل البلد جميعا يشاركون أسرة الفقيدين فى حزنهاء ولكن لاء لا إنى أشيح بوجهى عن هذا المنظر الممزن» وأنحلو إلى نفسى أسائلهاء ورائدى مهمتنا المشتركة المقدسة» وأوجه قبعة خطيرة؛
ل اس
فلا أشعر بأقل شلك أو تردد» وأسمع صوت ضميرىء يقول لى: إن هذا الرجل مذنب» مذنب أمام اللهء ومذنب أمام الناس» ومذنب لاعذر له. وهذه الجرائم الخطيرة تقتضى عقوبة زاججرة رادعة» فالعدالة تقتضيها والقانوت ينص عليهاء ومصلحة المجتمع تدعو إليهاء وبقدر ما أنا مؤمن بأنى أؤدى واجبى -حين أطلب منكم تطبيق تلك العقوبة الكبرى» أوقن بأنكم تؤدون واجبكم: حين تنطقون بها.
هذه المواضع العرضية بين يدى الخطيب يتجه إليهاء إن لم يجده فى مهمته المواضع الذانية» أو وججد هذه أقرب مسلكا من تلكء» وأهدى سبيلا وأكثر تأليفا. وقد يجمع بين الطريقين إن اقتضى المقام» وساعدت الأحوال » وتهيأت الأسباب.
وعتد الاقتصار على العرضية؛ يجب أن يختار أحراها بإظهار المطلوب» وأقربها إلى أفهام الجمهور. (إن كان يخاطب الجمهور) »؛ وأحسنها وقعا فى النفوس. ويجب عليه الابتعاد عماأ يستغلق على العقول إدراكه؛ أو يصعب فهمه. إلا إذا كان يخاطب قوماء تغنيهم الإشارة عن العبارة» والتلويح عن التصريح؛ فلا مانع من أن يخاطب بالدقيق العميق؛ ليكون فى ذلك متعة فكرية لهم. والله ولى التوفيق.
الآذاب الخطابية
الآأداب الخطابية هى التى يجب أن يتحلى بها الخطيب عند إلقاء الخطبة» وما يجب أن يتخذه فى سياسة السامعين» وملاحظة أحوالهم. وهى على ذلك قسمان: قسم يتعلق بحاله هو عند الخطية؛ وقسم يتعلق بالسامعين» وما يجب أن يطب له بما أوتى من عقل أريب.
داب التخطبيب الخا صة به:
يجب أن يظهر فى الخطيب عند الخطبة ثلائة مظاهر:
-١ سداد الرأي.
؟ - صدق اللهجة.
؟'- التودد للسامعين.
١ - فأما سداد الرأى» فيكون بدراسته دراسة تامة للموضوع الذى يخطب فيه؛ فإن الرأى المحكم لا يكون إلا بدراسة عميقة؛ وإحاطة تامة» واطلاع واسع» وعلم غزير» وفكر قويم. وليس معنى ذلك أنه لا يخطب إلا إذا كان محضراء مهيئا للكلام» يل المراد ألا يتكلم إلا فى موضوع سبقت له دراسته؛ والاحاطة به» حتى يكون كلامه مسددا؛ سواء أكان يلقى الخطبة بعد تهيئة» أم يلقى الكلام ارجالا من غير سابقة محضير؛ فإن المرتجل لا يحسن ارتتجاله فى كل الأحوال» بل لا يحسن إلا إذا ألقى كلاما قيما فيه أراء محكمة؛ ولا يتم له ذلك؛ إلا إذا كانت له سابقة اطلاع على ذلك الموضوع أو ماله به علاقة تمكنه من أن يدلى فيه برأى قيم له شأن؛ فعلى الخطيب ألا يخوض فى حديث ليس له به علم؛ حتى لا يشط؛ فيبدى رأيا فطيرا؛ والرأى الفطير مبتسر لا ينال الحق من كل نواحيهء وقد يكون مع الحق على طرفى نقيض. وما يساعد على تكوين الرأى الناضج بعد الدراسة التامة. سلامة الفكر من هم قاطعء وغم شاغل ؛ لأن من شغل بالهم لا يخلص له رأى ولا فكرء وقد قال الغزالى: إن من عارضت فكره شوائب الهموءءلا يسلم له رأىء ولا يستقيم له خاطرء وكان كسرى إذا دهمه أمر بعث إلى مرازيته؛ فاستشارهيء فإذا قصروا بالرأى؛ ضرب قهارمته» وقال: أبطأتم بأرزاقهم ؛ فأخطكوا فى آرائهم. وقال بشر بن المعتمر فى وصاياه للخطيب: خخذ من نفسك ساعة نشاطكء وفراغ
يي
بالك وإجابتها إياك؛ فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهراً؛ وأشرف -حسبآء وأحسن فى الأسماع: وأحلى فى الصبدور» وأسلم من فاحش الخطأء وأجلب لكل عين وغرةء من لفظ شريف» ومعنى بديع. فصفاء الذهن وصحره لهما أثرهماء فى إحكام الرأى: وإجادة اللفظ.
من هذا علمت فى الجملة» كيف يتهميا للخطيب رأى سديد فى الموضوع الذى يخطب فيه. ثم اعلم أن سداد الرأى دعامة الخطب الأولى؛ لكى يثق الجمهور بفكره؛ ويتعجه إلى رأيه. ويرى بعض”'' علماء الاجتماع أن سداد الرأى» وقربه من المحق» ليسا شرطا فى تأثير الخطيب؛ بل يزعم ذلك القائل: أن قواد الجماعات؛ وخطباءها يجب أن تغلب عاطفتهم عقولهم؛ وأنهم ليسوا إلا مسحورين بفكرة قريبة من الحق» أو نائية عنه» وقد تكون معادية له. ولو سلمنا ذلك القول لكان على الخطيب أن يدرس الفكرة التى يدعو إليها وأن يحيط بها خبراء وأن تكون الجماعة واثقة به» مطمغنة إليه» معتقدة أن ما يقول هو الحق المبين» وإن كان فى الواقع باطلاء فالغاية المنشودة ألا يكون كلامه فى ذاته حقا؛ بل أن يظهر كذلك فى نظر السامعين » والمظاهر التى ترى الناس أن الأمر حق كثيرة منها:
-١ أن يورد الأمر فى صيغة جلية واضحة قربية من أفهامهم؛ مصورة لهم بصور تثير خيالهم؛ وتوضح لهم المبهم.
-١ وأن يورد الأدلة التى يراها موجسدة للجزم فى نفوسهم؛ وإن لم توجد الجزم فى ذاتها. ْ
-٠ وأن يجتهد فى استدراك ما عساه يرد عليه من اعتراض قبل إيراده كما قال النائب العمومى في مرافعته فى قضية مقتل بطرس «باشا» غالى؛ وقد توقع أن الدفاع سيطعن فى تقرير الأطباء: لم يكن من قصدى أن أطيل الكلام فى الجريمة من حيث ثبوت أركانها؛ فإن المتهم سجل على نفسه بإقراره سواء فى التحقيق؛ أم أمام قاضى الإحالة أنه قتل المرحوم بطرس «باشا» عمذا بعد سبق إصرار على القتل والترصد له؛ ولكن الدفاع أسمعنا فى الجلسة الماضية ثلاثة وثلاثين شاهداء سمعت شهادتهم؛ وفكرت فيهاء فألفيتها نتحوم من بعيد -حول نققط يريد الدفاع أن يدرأ بها عن المتهم مسثولية القتل من جهة خاصة:» وتحفظ بها الجناية من جهة عامة؟ فكان لابد لنا من الكلام عن هاتين المسألتين» وإن كنا لا نرى هذه الطريقة التى يسلكها الدفاع: )١( زعيم هذا الرأى فى العصور الحديثئة جوستاف لوبون قال فى كتابه روح الاجتماع :اليس القواد غالبا من
أهل الرأى والحصانة بل هم من أهل السمل والإقدام؛ وهم قليلو التبصر على أنهم ليس فى قدرتهم أن
يكونوا بصراء» .
سبي
إلا بعيدة جدا فى التأدية إلى هذه الغاية. إذا نظرنا نظرة عامة إلى أقوال الأطباء الذين جاء بهم الدفاع؛ ليتوصل بشهادتهم إلى إثبات أن الجائى غير مسثول عن نتيجة جتايته (وهى القتل) لا يسعنا غير القول بأننا لا يمكئنا أن مجمعل لها من الأثر ما يعارض شهادة أطباء الاتهام؛ نحن لا نريد بذلك أن نعرض بكفاءة فريق وتفوق الفريق الآخر عليه فيهاء ولا سيما ما يقال» من أن هتاك أسبابا بعشت إلى هذا الخلف بين الفريقين: حتى فى الأشياء المحسوسة؛ فنحن مجل كلا الفريقين؛ ونحترم لكل فريق رأيه من الوجهة العلمية. ؟- صدق اللهحة:
وهو أن يظهر الخطيب مخلصاً فيما يدعو إليهء حريصاً على الحقيقة فيما يعمل» فإنه إن ظهر كذلكء وثق الناس بهء وصدقوه فيما يدعو إليهء وأحسوا بأنه شريف جب إجابئه لشرفه وشرف ما يدعو إليه» ومن أجل أن يكون الإخلاص باديآء يجب أن يكون من حاله ما يطابق مقاله» فلا يتجافى عمله عن قوله» يل يكون أكثر الناس أخذاً بقولهء كما فعل طارق بن زياد عندما دعا جيشه إلى الإقدام على القتال ولو كان فيه الموت» إذ جاء فى خطبته: (وإِن اتتهاز الفرصة فيه لممكنة إن سمحتم لأنفسكم بالموت» وإنى لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة» ولا حملتكو على خطة أرخص متاع فيها النفوسء إلا وأنا أبدأ بنفسيء واعلموا أنكم إن صيرتم على الأشق قليلا» استمتعتم بالأرقه الألذ طويلا .
وما يظهر الحرص على الحقيقة: والائتجاه إليهاء ألا يسرف فى مدح ولا ذم ولا فى وعدء ولا وعيد» فإن الإسراف مظنة الكذبء والاعتدال مظنة الصمدق» ومن أطلق لسانه بالوعد أو الوعيدء تخلف عمله عن قوله؛ واستثقل العمل؛ حيث سهل عليه القول. وبما يظهر استقامة العمل الابتعاد عن هجر القول. وقد قال الماوردى فى آداب المتكلم: «أن يتجافى هجر القول» ومستقبح الكلامء وليعدل إلى الكناية عما يستقبح صربحه» ويستهجن فصيحه؛ ليبلغ الغرض ولسانه نزهء وأدبه مصوث. وإن نزاهة اللسان تدل فى عرف الجماهير على نزاهة القلب؛ واستقامة العمل. لذلك يجب على الخطيب ألا يكون فاحشا فى تعبيره؛ ولا متعجها إلى الألفاظ الماجنة فى خخطبه لأنه إن فعل ذلك» دل به على عدم استقامة عمله؛ وذلك يمنع صدق لهجته؛ وتصديقه فى خطيته .
ومن أمثل الخطب الواضح فيها صدق اللهجة خطية عمر بن عبد العزيز التى قال فيها: أيها الناس الحقوا ببلادكم؛ فإنى أنساكم عندى وأذكركم ببلادكمء ألا وإنى استعملت عليكم
واي
رجالاء لا أقول هم خخياركمء ألا فمن ظلمه إمامه مظلمة؛ فلا إذن له على”'' . ومن لا يظلمه فلا أريئه. ألا وإنى منعت نفسى وأهل بيتى هذا المال» فإن ضئنت به عنكم إنى إذن لضنين.
والله لولا أن أنعش ستةء أو أسير بحق» ما أحببت أن أعيش فواقا"''».
؟- التودد من السأمعين: ويكون بالتواضع لهم» وأن يكون ممن يألفون؛ ويؤلفون؛ فلا يكون جافيا خخشنا قاسياء وأن يمد م الجماعة التى يخاطبهاء ويذكرها بأحسن صفاتها. وقد قال ابن سينا؛ من رححم كان أدنى إلى التصديق» ومن أحب كان أحلق بأن يميل إلى معاونة المحبوب» ومن مدح أو أعجب بنفسه؛ كان ميله إلى مادحه الذى أعجبه بتفسه وتصديقه إياه أكثر» ومن أغضب على إنسان كان أحرى أن يكذبه» ومن تمكنت منه القسوة كان أجدر ألا يذعن للرحمة. ويجب على الخطيب فى تودده للجماهير أن يبين لهم أنه يسعى لمصلحتهم وأنه يؤثرهم على نفسه» وأن يظهر أنه لا غرض له شخصىء فإن الغرض إذا ظهر من اللخطيب» جعل الربية تتطرق إلى قوله. ومن الخطب التى اجتهد الخطيب فيها فى التودد» ونفى الغرض الشخصى عن نفسه؛ خطبة يزيد بن الوليد بن عبد الملك التى قال فيها: أيها الناس والله ما حرجت أشراء ولا بطراء ولا حرصا على الدنيا؛ ولا رغبة فى الملك؛ وما بى إطراء نفسى وإنى لظلوم لهاء ولقد خسرت إن لم يرحمنى ربى» ولكنى حرجت غضبا لله ودينه» وداعيا إلى الله وسئة نبيه» لما هدمت معالم الهدىء وأطفئ نور التقوىء وظهر الجبار العئيد المستحل لكل حرمة؛ والراكب لكل بدعة؛ مع أنه وألله ما كان يؤمن بيوم الحسابء ولا يصدق بالثواب والعقابء وإنه لابن عمى فى النسبء وكفئى فى الحسبء فلما رأيت ذلك استخرت الله فى أمره وسألته ألا يكلنى إلى 4 -*ءدت إلى ذلك من أجابتى من أهل ولايتى: حتى أراح الله منه العباد» وطهر منه حول الله وقوته؛ لاا بحولى وقوتى . )١( معنى ١ ء الجملة والتى تليها أن من ظلم يدل عليه من غير إذن. ومن لم يظلم لا يصح أن يراه لأنه لايفه به إلا للمظلوم. (؟) الفوان هنا الزمن بين فتحة اليد وقبضتهاء والمراد ما أحبيت أن أعيش زمنا يسيرا قدر فواق.
ب
أداب الخطيب مع السامعين:
صناعة الخطيب من شأنها الاتصال بتفوس من يخاطبهمء والقرب من قلوبهم؛ والناس مختلفون: مشارب وعاداتء وأخلاقا وستاء ومهنة ومرتبة» ولكل طائفة من الناس أحوال؛ تقتضى نوعا من الخطابء لا تقتضيه أحوال الجماعة الأخرى؛ وعلى الخطيب أن يلبس لكل حال لبوسهاء ويعالج كل طائفة بأنجع دواء لها؛ ليستقيم له الطريق» ويصل إلى غرضه؛ فالشباب يثير حماستهم ويوقظ قلوبهمء ويدفع إلى إقناعهم كلام لا يثير عاطفة الشيوخ؛ لأن المناسب لهؤلاء نوع غيره» فعلى الخطيب أن يققصد إلى النوع الذى يوافق جماعته شيوخاء أو شبابا.
والأغنياء يرضى كبرياءهم نوع من الكلام؛ لا يقتضيه مقام الخطبة لمن ليسوا كذلك؛ والعلماء يجتذبهم الثناء الحسن» وطيب الأحدرثة؛ والتوقير والتعظيمء وأن يكون الكلام الذى يلقى عليهم أقرب إلى العمق والدقة ليسترعى انتباههمء فعلى الخطيب أن يعرف ذلك؛ ليصل إلى موضع التأثير فى قلوبهم. والشخص الشديد التدين يرضيه السمت والوقار من الخطيب؛ فعلى هذا ألا يظهر بين يديه إلا وقورأ ظاهر التمسك بالدين وروحه؛ لكى ينال تقديرهء ويجتذب نفسه. ومسخاطبة الرؤساء تقتضى جملا بالحياء ورزانة وهدوءا وابتعاداً عن مظاهر التملق المزرى؛ لكيلا ييتذل» كما تقتضى ابتعاداً عن أى مظهر من مظاهر التعالى: وأحذاً بالتلطف وسحسن المدخل» وألا يعترض صراحة بل تلميحا إن كان ما يقتضى الاعتراضء كما لا يصح له أن يقر على قبيح بل ينبه فى رفق وفى تؤدة وحذر. وهكذا لكل جماعة نوع من الخطاب؛: وعلى الخطيب أن يجوئع إليها من ناحيته؛ لتكون معه فيما يدعو إليه.
وقد قال الفارابى فى إحدى رسائله: إن أنفع الطرق التى يسلكها الخطيب تأمل أحوال الناس» وأعمالهم وتصرفاتهمء ما شهدهاء وما غاب عنهاء ما سمعهء أو تنامى إليه منها؛ وأن يمعن بالنظر فيهاء ويميز محاسنها ومساوئهاء ويبين النافع والضار لهم منهاء ثم ليجتهد فى التمسك بمحاسنها؛ وحض الناس على طلبهاء لينالوا من منافعها.
ويقول أيضاً: إن الخطيب لا ينجو فى جميع متصرفاته من أن يلقى الجمهور مائلا إلى أمر محمودء أو آخر مذموم؛ وله فى كل واحد من الأمرين فأئذة : وموصع رياضة للتصرف» وظلو أن يحاول دفع السامعين إلى ذلك الأمر المحمود الذى يلقاه؛ إن وجد السبيل إلى الدفع إِلْيه؛ وينبههم على فضيلته,: ويوجب عليهم التمسك به؛ متى وجد فرصة ة لذلك. وإذا تلقاه الأمر
ؤم _ااااا؟____؟ٍب حبحب
الللموم» فليجتهد فى التحذير منه؛ والتجنيب عنه» وإن لم يجد إلى ذلك سبيلا؛ فلينيههم على الاعتبار بمن تالهم مضار مثلها. فقد ظهر أن للخطيب فى جميع أحواله جلها ودقهاء خخيرها وشرهاء موضع الرياضة لنفسه وإرشاد الجمهور. وإذا تيقن ذلكء فينبغى أن يقدم على سياسة الأحوال بقلب قوىء» ونية صادقة» وصدر واسعء وثقة أن ما يأنيه من ذلك وإن قل» يجدى عليه
فعلى الخطيب أن يدرس الجماعة دراسة عميقة متغلغلة؛ وأن يعرف ححالها معرفة اشير الدقيق النظرء وأن يكون كلامه على صورة ملائمة لأخخلاقهاء ومألوفهاء وإن كان ما يدعو إليه بتنافى مع طبيعة الجماعة التى يخاطبهاء اجتهد فى التأليف بينهما؛ فإن سددت خطاه فيما أرادء فهو ممن أوتوا الحكمة وفصل اللخطاب.
صفات الخطيب
وذ قد بينا لك ما يجب أن يدرع به الخطيب عند ملاقاة الجماهيرء وما يجب أن يلاقيهم به» وجب أن نذ كر لك صفات الخطيب الكامل» أو القريب منه» التى رسخت فى المتكلمين, والتى ههمى مناط القدرة على كل مأ يوضع فى عئق الخطيب من تكاليف البيان» وهأ هى ذه.
'-.قوة الملاحظة:
ليدرك أحوال السامعين عند إلقاء خطبته أهم مقبلوت عليم؟ فيسترسل فى قوله» ويستمر فى نهجهء أم هم معرضون عنه؟ فيتتجه إلى ناحية أخرىء يراها أقرب إلى قلوبهم؛ وأدنى إلى مواطن التأثير فيهم. فيجب أن تكون نظرات الخطيب إلى سامعيه نظرات فاحصة كاشفة؛ يقرأ من الوججوه تحطرات القلوب» ومن اللمحات ما تكته نفوسهم نحو قوله؛ ليجدد من نشاطهم» ويذهب بفتورهم؛ ولتتصل روحه بأرواحهم؛ ونفسه بنفوسهم.
؟- حضو ر البديهة:
لعسعفه بالعلاج المطلوب إن وجد من القوم إعراضاء والدواء الشافى إن وجد منهب
مسألة؛ فإذا لم تققدم البديهة الحاضرة كلاما قيما يسد به الخلة, ويدفع به الزلةء ضاعت الخطبة» وآأثارها.
يرزىا أن عتبة ا أبى سفيان بعد أن ألقى -حطبة بمكةء صاح باه أعرابى؛ فقال: أيها الخليقةء فقالءلا بهء ولم تبعدء فقال: ياأحاهء فقال: سمعت» فقل. فقال: تالله إن خسنوا وقد أسأنا تخير هن أن تسيكوا وقد ألحسثا: فإن كان الإإحسان لكم دونئا» فمأ أحقكم باستتمأمه؛ وإ إليكم بالخعولة: قل كثره العيال»؛ ووطقه الزمان» وبه فمرع وقية جر وعنلهة شكر. فقأل عتبة: أستغفر الله منكم؛ وأستعينه عليكم» قد أمرنا لك بغناك؛ فليت إسراعنا إليك يقوم بإبطائنا عنك.
فانظر إلى الجواب المسدد الذى هيأته البديهة الحاضرة:ء ولولا المسارعة به لذهب أثر الخطبة؛ ومهابة الخطيب.
»- طلاقة اللسان:
اللسان أداة الخطيب الأولى: فلايد أن تكون الأداة سليمة كاملة» ليعستى له استعمالها على أكمل وجه وأتمهط وزلاقة اللسان» وذربه عنوان الفصاحة» وطريق البلاغةء وقد بالغ الناس ونحن وإن كنا لا نوافق صاحب هذا القول» نعد طلاقة اللسان من ألزم صفات الخطيب» وأشدها أثراً فى انتصاره فى ميادين القول.
#- رباطة الجأش:
يجب أن يقف الخطيب مطمكن النفس» غير مضطرب ولا وجلء وإلا لم يستطع ملا" حفلة السبامعين » وأثر كلامه فيهمم رهم إن أحسوا بضعقه وأضطرابه؛ صغر فى نظرهم » وهات هو واكلامه فى أعيتهم : فلا يستطيع إثارة حمأستهم» ويذهب كلامةه شبأء منشوراء وألااضطراب يورتان الحيسة والحصرء وهما سبب أ راج و ,
5 القدرة على مراعاة مقتضى الحال:
مراعاة مقتضى الحال لب الخطاية؛ وروحهاء فلكل مقام مقال: ولكل جماعة من الناس
سس
لسان تخاطب بهء فالجماعة الثائرة الهائجة تمخاطب بعبارات هادئة» لتكون بردا وسلاما على القلوب. والجماعة الخنسة الفاترة» تخاطب بعبارات مثيرة للحمية؛ء موقظة للهموء حافزة للعزائم» والجماعة التى شطت وركبت رأسهاء تخاطب بعيارات فيها قوة العزم ونور الحق» فيها إرعادة المنذرء ويقظة المنقذء واعتزامة الأيد القوى؛ وفيها روح الرحمة؛ وحسن الإيثار» ليجتمع الترهيب مع الترغيب: ومع سيف النقمة» ريحان الرحمةء لذلك وجب أن يكون الخطيب قادرا على إدراك الجماعة وما تقتضيه» والإتيان بالأسلوب الذى يلاثمه. هذه الصفات الخمس لا يعد الخطيب خنتطيباً إذا لم تكن فيه كاملة» أما الصفات الآتية فتتفاوت فيها أقدار الخطباء بمقدار ما ينالون منها. وها هى ذه؛ -١ قوة العاطفة:
لا يؤثر إلا المنأثر» ولا يثير الحماسة فى قلوب السامعين إلا من امتلةٌ حماسة فيما يدعو إليهء واعتقاداً يصدقهء لأن ما يخرج من القلب يدخخل القلوب من غير استئذان: وكما أن الماء الذى علا سطحه؛ ينساب فى انجرى المنخفض» كذلك ذو العاطفة العالية» واللحماسة الشديدة؛ هو الذى ينحدر من فيه الشعور ألفاظاء والعواطف عبارات وأساليب؛ تلهب الحس وتوقظ النفس» وتثير الحمية» وتحفز الهمة؛ فلابد أن تكون -حماسة الخطيب أقوى من حماسة سامعيه, ليفيض عليهم » وبروى غلتهمء وإلا أحسوا بفتور نفسهء فضاع أثر قوله.
؟- النفوذ وقوة الشخصية:
هى هية من الله سبحانه وتعالى» يهبها بعض الناس» ترى كل من يلقاه يحس بقوة
روحه» وعظم نفسهء فتستمد كلماته من نفسه قوةء نظراته شعاع ينفذ إلى القلوب» وصوته يهز النفس هزات روحية جعلها تلقف عباراته» فتنطبع فيها مكبرة. وإذا وهب الله خخطيبا تلك الرورحء قاد الجماهير» وساقها بعصا موسىء فلا تشرد منه شاردة» ولا يتخلف عبن قافلة المجماعة السائرة إلى الأمام بهديه متخلف» فهى كما ترى صفة للنوع الكامل من الخطباء؛ وقد أتى لله بعض خطباء العرب أشطراً من هذه القوة» كأكثم بن صيفى فى الجاهلية» وأبى بكرء وعمر بن الخطابء وعلى بن أبى طالبء» والحسن البصرى فى الإسلام؛ وناهيك بما كان عليه النبى له من قوة الروح» فذلَكَ نور النبوة» وعبقة قدسية» وقبس ربانى.
؟- أن يكون ثقة:
إذا اشتهر الخطيب بسوء أو بنقيض ما يدعو إليه كان من حاله لسان يئاقض مقاله:
ا____بب اق نس
فيضعف تأثيره؛ ولا يصل إلى قلوب الناس تفكيره؛ ويشك السامعون فى قولهء ويرتابون فى صدقه» ولا يذهب بروح الخطبة شئع أكثر من الارتياب فى نية الخطيب» والتشككك فى طويته؛ فالريب معول يهدم أثر البيان هدماء وينقض ما يغزل الخطيب بقوة أنكاناء والخطيب الذى لم يمنح الثقة» عليه عملان مرتقاهما صعب: عليه أن يجتهد فى جلب الثقة؛ ودون ذلك خرط القتادء وعليه بعد ذلك أن يسوق كلامه فى صورة محببة مثيرة» وذلك فى قدرته إن تمكن من الأول. »-التجمل فى الشارة والملابس:
قال أستاذنا الشيخ محمد المهدى بلل الله ثراه: هذا وإن لم يكن من الصفات التى تقوم عليها الخطابة أمر نج العناية بهء لأنه مطمح الأنظار» والنظر يفعل فى القلب كما يفسعل الكلام فى السمعء فهو من هذه الناحية لا ينقص اعتباره عن اعتبار الصفات الأصلية» ألا ترى أن معاوية لما رأي النخار مرتديا عباءة رثة أنكر مكانه وهيعته حتى اضطر النخار إلى أن يقول: إن العباءة لا تكلمك إنما يكلمك من فيها.
سعة الاطلاع:
قال أستاذنا المهدى رحمه الله: إن الخطابة ليس لها موضوع خاص تبحث عنه وهو بمعزل عن غيره؛ بل ترتبط بكل شئع من شمون الناس فى دينهم ودنياهم. ومسالك القول فيها متشعبة؛ كتشعب مسالك الكتابة» فكما يكون الكاتب ملما بكل صثئف من صنوف المعارف» كذلك يكون الخطيب.
والواقع أن الخطيب سواء أكان اجتماعياء أم سياسياء أم دينياء أم شورياء يجب أن يكون ملما بكل ما له صلة بالجماعة التى يخاطبهاء ليعرف نواحى التأثير والمواطن التى يطرق حسها من تاحيتهاء فالخطيب الدينى يجب أن يكون ملما بالاجتماع والاقتصاد والسياسة والشرائع ؛ ليستطيع أن يصل إلى قلوب السامعين» بربط صلاحهم الدنيوى فى كل نواحيه بصلاح دينهم وقلوبهم.
والخطيب الاجتماعى يجب أن يكون عليما بدين الجماعة التى يخاطبهاء لكيلا يصدر عنه ما ينافيه» فتنفر مه القلوب» وهو يعمل على استدنائها.
وهكذا كل خطيب يجب أن يكون ملما بكل ماله صلة بالجماعات» وطرق التأثير فيها والابتعاد عما ينفرهاء لثلاً يجعل قلوبها عنه متجافية.
لابب
العيوب البيانية
وإذ قد بينا صفات الخطيب» يجب أن نبين العيوب التى تتصل بالبيان» لكى يعمد مريد الخطابة إلى معالجتهاء إن كانت فيهء وكانت المعالجة فى استطاعته.
وهذهة العيوب ثلاثة أقسام :
القسم الأول: يتعلق ببيا المراد: والوصول إلى الغرض»؛ وهو ما كان منسوٌه عدم السير الإشارات» أو التقص فى إثارة حماسة السامعين» وكون الصوت عند الإلقاء جاء مطرداً على وتيرة وأسحدة» من غير أن يكون مصورآ للمعانى تمأم التصوير» وكالسرعة الزائدة؛ وهذه كلها يكفى فى الابتعاد عنها المعرفة التامة بأصول هذا العلم» وحمل النفس على الأمحذ يهاء والاسترشاد بهديهاء والمران والممارسة.
القسم الثانى : عيوب النطق : وى كثيرة. وأكثرها شيوعا: اللئغة» والتمتمة: والفافأة:
ولتتكلم على كل منهاء ثم نذكر بعض الطرق لمعالجتهاء إن كان ذلك فى الإمكان.
أما اللئغة فهى تعذر النطق بحرفء والنطق بحرف آخر بدله. وقد بينم الحاحظ الحروف التى دخحلتها اللثغة فضل بيات. وهذا ماكتبه بتصرف واختصار قليلين:
الحروف التى تدخلها اللثغة أربعة أحرف: القافء والسين» واللام» والراء. فأما التى على الشين المعجمة قذلك شئ لا يصوره الخطء لأنه ليس من الحروف المعروفة» وإنما هو مخرج من الخارج واخارج ل خصى ؛ ول يوشقف عليها... واللنغه التى تعر ص للسين تكون ثأءء كما يقولون بشرة: إذا أوادوا يسرة. ويائم الله إذا أرادوا باسم الله. وأما اللشخة التى تعرض للقاف فإن صاحبها يجعل القاف طاء: فإذا أراد أن يقول: قلت. قال: طلت. وإذا أراد أن يقول: قال لى. قال: طال لى.
اعتللت: اعتييت» وبدل جمل جمى .
وأما اللشخة التى تقع فى الراءء فإن عددها يضعف على عدد لثغة اللام؛ لأن الذى يعرض لها أربعة أحرف: فمنهم من إذا أراد أن يقول: عمرء قال عمى» فيجعل الراء ياء» ومنهم من إذا أراد أن يقول: عمرو قال: عمغ: فيقلب الراء غيناء ومنهم من إذا أراد أن يقول: عمرو قال: عمذ فيجعل الراء ذالاء وإذا أنشد قول الشاعر:
وأستبدثت هرة وأحدة إنما العاجز من لا يسثيدك قال: واستبدت مذة وأسحدة إنما العاجرز من لا يستبد ومنهم من يجعل الراء ظاء وأما اللئغة التى كانت تعرض لواصل بن عطاء,» وسليمات بن يزيل العدوى الشاعر فى الراء» فليس إلى تصويرها سبيل. هذا ما يقال فى اللفغة بالإجمال. وأما التمتمة فهى التتعتع فى التاء؛ ويقال لمن كانت فيه هذه الحال تمتام. والفأفأة هى التتعتع فى الفاء؛ ويسمى من كان فيه هذا العيب فأقاء قال الشاعر: لست بفأفاء ولا تمتام ولا كثير الهجر فى المنام سمى ألفى. وقد قال الشاعر: كأن فيه لففا إذا نطق من طول محبيس وهم وأرق وقد قال بعض الياحثين إن منشأ هذا العيب فى بعض الأحوال أن الألفاظ بسبب سعة الخيلة تسبق القصد: فالمتكلم يستحمل اللفظ ثم يتركه إلى سواه قبل أن يتم تكونه. وأما الحبسة فهى ثقل النطق على اللسان؛ من غير أن يتردد فى -حروف بعينها كالفأفاء:
هذه العيوب كلها قد تكون ناشكة بسبب عارض جثمانى أصاب الجسمء كاللثغة التى شديد لللأعصاب» كتلك الحال التى وصفها الشاعر فى اللفف الذى منشرٌه الهم والأرق
والتحبيس. وعلاجها فى هذه الحال يكون أولا بعلاج ذلك العارض والطب له بما عند الأطباء من ذواء. وإدا لم تكن هذه العيوب مما يتناوله علم الأطياء فبعضها يتعذر التخلص منه كاللثغة الفاحشة التى تكونت في الصغر؛ ونمتها العادة» وصلبت بكبر السن» فإن المعالجة حيتئذ تكون فوق الإمكانء وأعظم من مستطاع الإنسانء وإن كان فى قدرة الخطيب القادر المالك لعنان القول سترهاء كما فعل ديموستين فى لثغته؛ فقد كان يسعى إلى سترها بوضع حصى فى فمه عند الكلام؛ ليكون مخرج الراء على حقيقته؛ وكما فعل واصل ين عطاءء فقد حذف الراء من كلامه حذفا تأمأ لما تعذر عليه الإقلاع عن لثغته. ْ وقد قال الجاحظ فى شأنه : وا علم واصل بن عطاء أنه الشغ فاحش اللشغ» وأن محخرج ذلك منه شنيع» وأنه إذ كان داعية مقالة» ورئيس نحلة» وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء المثل» وأنه لابد له من مقارعة الأبطال» ومن الخطب الطوال» وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة؛ وإلئ رتيب ورياضة» وإلى تمام الآلة؛ وإحكام الصنعة؛ وإلى سهولة ارج وجهارة المنطق» وتكميل الحروف؛ وإقامة الوزن» وأن حاجة المنطق إلى الحلاوة والطلاوة كحاجته إلى الجلالة: والفخامة؛ وأن ذلك من أكبر ما تستمال به القلوب» وتنشنى إليه الأعباق؛ وتزين به المعانى. وعلم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البياك التام» واللسات المدمكن؛ والقوة المتصرفةء كتحو ما أعطى الله نبيه موسى_من التوفيق والتسديد مع لباس التقوى؛ وطباع النبوة؛ رام أبو حذيفة''' إسقاط الراء من “كلامه؛ وإخحراجها من حروف منطقه؛ فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه» ويناضله ويساجله؛ ويتأتى لستره والزاحة من هجنته؛ حتى انتظم له ما حاول وانسق له ما أمل» ولولا استتفاضة هذا الخبرء وظهور هذه الحالء حتى جار لغرابته مثلاء ولظرافته معلما؛ لا اسعجزنا الإقرار بهء والتأكيد له؛ ولست أعنى خحظيه الغفوظة ورسائله الخلدةء لأن ذلك يحتمل الصنعة؛ وإنما عنيت محاجة الخصوم؛ ومناضلة الأكفاءء ومفاوضة الإخوان. فاللثغة التى تكونت بمضى الزمن» ولم تعالج قبل استقرار العادات من المتعذر الإقلاع عنها إقلاعا تام" ؛ وإذا كان ذلك كذلك فليجتهد فى سترها بالإقلال من الألفاظ التى تظهر عيب لسانه . () كنية واصل بن عطاء. (1) يقول الجاحظ فى لثخة الراء التى تقلبها غينا: وأما التى على الغين فهى أيسرهن. ويقال إن صاحبها لو جهد نفسه جهده وأخحذ لسانه وتكلف مسخرج الراء على حقها والإفصاح بها لم يكن بعيدا أن يجيب الطبيعة.
الإإا اتب 00
ولا نطالبه بما أخذ به واصل نفسهء فإن ذلك فوق طاقة إنسان غير ممتاز؛ ولك لا نكلفه شططا إذا طالبناه بأن يتجنبها فى الخطب التى يكتبها قبل إلقائها.
وإن اللغة العربية من أغزر اللغات ألفاظاء وأكثرها مترادفاء وبعيد أن ترى معنى ليس له عدد من الألفاظ يدل عليه دلالات .خطابية.
هذا ويجب على المصاب بلثغة فاحشة أن يجتهد أيضاً فى تخفيفهاء فإن ذلك فى قادرته, وإن كان عاجرا عن محوها محواً تامأ والرياضة تسهل الصعبء وجعل البعيد فى قدرة المتناول.
أما ما عدا اللشغ من العيوب السابقة؛ فللإرادة دخل عظيم فى معالجته؛ وليس من شك فى أن الرياضة البيانية: تفيد أكبر فائدة» وخصوصا إذا لوحظ أن أكثر هذه العيوب» سببه السرغة فى الكلام؛ وعدم التروى والتدقيق» والخجل فى الصغرء والكبر قد زادها رسوخا وقوة؛ فعلى المتكلم الذى يروض نفسه أن يباعد الحياء فى المقامات البيانية» فإن فيها عجزا وضعاها لا يليقان» ولا يستحسنان:؛ وأن يأحذ نفسه بالتأنى؛ والتوقف» والتغبت عند القول» وأن يقضسد إلى كل كلمة قصداً خاصاً:» كأنها المراد من بيانه» والغاية المقصودة من كلامه؛ وإذا اعترأه عيبه؛ سكت حتى تعود إرادته مسيطرة سيطرة تامة» ثم ينطق بالكلمة ثانية. وإذا أخحذ نفسه بتلك المزاولة حينا بعد حين» وكرر تلك الممارسة وقنآ بعد آخحرء وواتته طبيعته؛ وأعانته الفطرة القويمة؛ انتصر على هذه العيوب.
فالتأنق فى النطق يفيد فى هذه العيوب عموماء واللفف خخصوصاً؛ فإن المتكلم إذا أخذ نفسه بهء وحملها عليه» كان النصر من نصيبه حتما.
يحكى أن مطربا كان به لفف أنحذ نفسه بمعالجته بالتأنى والترويةء حتى صار لا يظهر فى تغريدهء ولكن إذا تخدث أو تكلم ظهر واضحاء لأنه إذا حدث لم نكم إرادته » لعدم الحاجة إلى ذلك» فتنساب نفسه ويظهر عيبه» وإذا غنى -حكمت إرادته فأخحفى عيبه» واستمرت الحال كذلكء حتى كان الإخفاء عادته فى غناه دون حنيفهء فالرياضة هى العماد فى درء هذه العيوب» والإرادة هى السلاح الوحيد الذى يقيم به حربا عوانا عليهاء نتيجتها الفوز حتماء ما لم يفل ذلك السلاح» أو يلقى فى غمده.
القسم الغالث - العيوب الصوتية:
كأن تكون رنات الصوت مزعجة أو لا تكون من الأوة بحيث تسترعى الانتباه» أو يكون بالخطيب ضيق تنفس» بحيث لا يستطيع أن يقول كلاماً مفيداً» من غير أن يقطع النفس بيانه؛
ويفسد عليه استرساله. وهذه العيوب بعضها يعالج بالمران» وبعضها يستعان عليه بالطب مع المران .
وقد كان قدماء اليونان يعنون عناية خخاصة بتربية الصوت ويجعلونها فنا قائما بذاته؛ له أساتذة قد تحصصوا لدراسته؛ يربون الشبيبة على السيطرة على أصواتهمء والغلب عليها ليجعلوا رناتها ملائمة للمقامات البيانية الختلقة» وليجعلوا من المران دواء للعيوب الصوتية. وأدل شئع على أن المران له الأثر الواضح فى معالجة تلك العيوب حال ديموستين» فقد كان ضعيف الصوت: فلما أراد أن يكون خخطيباً راض نفسه: فأخذ يقوى رئتيه وصوته بالصياح» وهو يصعد الجبال الوعرة أو على ساحل البحر محاولا أن يكون صوته أعلى من صخب الأمواج» وقد كان له ما أراد بعلك اغحاولات.
وسنتكلم على الصوت كلاما أوسع من هذا عنذ الكلام على الإلقاء.
إثارة الأهواء والميول مقدمة فى الإقناع اتخطابى
مرمى الإقناع الخطابى ليس هو الإلزام والإفحام فقطء بل مرماه حمل المخاطب على الإذعان والتسليم وإثارة عاطفتهء وجعله يتعصب للفكرة التى يدعو إليها الخطيب» ويتقدم لفدائها بالنفس والنفيس عند الاقتضاءء ولا يكون ذلك بالدلائل المنطقفية» تساق جافة, ولا بالبراهين العقلية تقدم عارية» بل بذلك» وبإثارة العاطفةء ومخاطبة الوجدان. وإن الخطيب قد يستغنى عن الدلائل العقلية؛ ولا يمكنه فى أية حال الاستغناء عن المثيرات العاطفية: بل إن أكثر ما يعتمد عليه الخطيب فى حمل السامعين على المراد منهم مخاطبة وجدانهم, والتأثير فى عواطفهم .
جاء فى كتاب الآراء والمعتقدات: مع قلة اطلاعنا على سنن المنطق العاطفى: فإن الاستقراء يدلنا على بضع قواعد يستعملها أعاظم الخطباء فى أغلب الأوقات؛ إذ أنهم بدل أن يقضوا أوقاتهم فى تنظيم الأدلة ؛ وتنميق البراهين التى إن أقنعت لا تؤثر فى السامعين» يحركون بالتدريج ساكن هؤلاء السامعين بضروب المؤثرات التى يتفننون فى تنويعها لعلمهم أن ما يوجده أجل الغمخرضات من تأثير لا يلبسث أن يهن» وينفد. وهم باستدراج لبق: وكلمات ساحرة وصوت عذب يكونون جوا عاطفيا ملائما لقبول استنباطاتهم. وترى من هذا أن الخطيب الذى يخاطب الجماهير لا يسول فى خخطبه على المنطق بمقدار ما يعول على خلق جو عاطفى مهيا لقبول ما يقدم له من أراء.
١ - وإن أكثر علماء الاجتماع يذهبون إلى أن الجماعة تقبل الدلائل العاطفية الوجدانية» ولاتملهاء ولا تقبل البراهين العقلية بل تسأمها؛ إذ أن الذى يظل الجماعة المتحدة المشاعر والأهواء هو العاطفة: لا العقل: ولو كان آحادها من ذوى الفكر الصائبء والعقل الناضج؛ فإن هؤلاء إذا انضووا حت لواء الجماعة؛ غلب عليهم روحها العام؛ وسرت إليهم عاطفتهاء واستولت عليهم مشاعرها. ولقد قال بعض الباحثين فى أحوال الجماعات إن الخطيب إذا .نخاطب العاطفة أرضى ثمانين فى المائة من السامعين» وأثار اهتمامهم.
وقال جوستاف لوبون فى كتابه روح الاجتماع: إن البراهين والأدلة لا تأخل من نفوس الجماعات: ولهذا كان الخطباء الذين يعرفوث كيف تتأثر إنما يخاطبون شعورهاء دون العقل»
لأنه لا سلطان لقواعد المنطق عليهاء فلأجل إقناع الجماعة» ينبغى الوقوف أولا على المشاعر القائمة بها؛ والتظاهر بموافقتها فيهاء ثم يحاول الخطيب تعديلها بموازنات صغيرة عادية, تشخص أمامها صوراً مؤثرة. وينبغى أن يكون قادراً على الرجوع القهقرى؛ متى وجد المقتضى؛ وأن يتفرس فى كل لحظة أثر كلامه فى نوس السامعين حتى يغير منه كلما مسث الحاجة: وهذه الضرورة التى نلجئ الخطيب إلى سرعة تغيير الكلام بحسب الأثر الحاصل فى نفس السامع هى التى تدلنا على ضعف الخطابة بالكلام المحضر من قبل» لأن الخطيب يتبع هذه الحالة سلسلة أفكاره لاحركة فكر سامعيهء فلا يكون لكلامه أقل تأثير فيهم. أما المناطقة فلّنهم تعودوا الاقتناع بالأدلة المسلسلة الدامغة» لايمكنهم الخروج عن عاداتهم هذه إذا خاطبوا الجماعات» لذلك يدهشهم على الدوام عدم تأثير استدلالهم.
من هذا السياق تعرف مقدار العاطفة فى التاثير الخطابى» وأنها قطب الرحى فى الإقناع الذى يصبو إليه الخطيب» ويجعله هدفه الذى يصوب إليه سهامه.
وإذا كان ذلك كان من الواجب أن يجعل الخطيب الركن الركين فى خطيته العمل على إثارة الأهواء والميول» وكان من اللازم علينا ونحن نبحث فى أصول الخطابة أن نقدم لريدها طرائق للوصول إلى عاطفة الجماهيرء ومخاطباتهاء وتهيئتها لما يريد من غرض» وها نحن أولاء أخذون فى بيان ما يتيسر الأشحل به منهأ.
قواعد عامة لإثارة الأهواء والصول
إن طرق الاتصال بقلوب الجمهور من السامعين كثيرة متشعبة» وكثير من الخطباء يسلكها بركانة نفسه» وقوة قريحته وحسن استعداده وصدق إحساسه وقوة فراستهء فلا يحتاج إلى تبيين مبين» ولا تذكير مذكرء ولكن ذكرها يفيد الشادىء وينير السبل أمام الاستعداد القوى, ويجعله على بينة من أمره ,
وهذه الطرق مع تشعبهاء ترجع إلى أمور أعظمها أثراً؛ وأوضحها مظهراً:
-١ ا #اعتقاد بصحة ما يدعو إليه:
يجب أن يكون الخطيب شديد الثقة بقوله» فلا يكوث مضطربا خائر النفس غير قوى الإيمان وإلا سرى ذلك الضعف إلى سامعيهء فإنه لا يؤثر إلا المتأثرء وما كان من القلب يصل إلى القلوب.
تكلم رجل عند الحسن البصرى بمواعظ جمة:» ومعان تدعو إلى الرقة» فلم ير الحسن قد رق» فقال الحسن: إما أن يكون بنا شرء أو بك. يشير إلى أن النفس المطمعنة الوائقة بما تقول المأعنة لهء لابد أن يصل كلامها إلى شغاف القلوب» ما لم يكن انخاطب فى قلبه شر يمنعه من السماعء وإجابة داعى الحقء والاطمئنان إلى قول القائل.
ويقول بعض علماء الاجتماع إن إيمان الخطيب كحبال الجاذبية التى جختذب إليه الجمهورء وتوئق عرا التأثير بينهماء فأى شك أو ضعف فى إيمانه يقطع تلك الحبال؛ فينفض الجمهور من حوله. وقد قال العلامة جوستاق لوبوك فى كتابه روح الاجتماع فى وصف قائد الجماعة وخخطيبها: إنه يكون مسحوراً بالفكرة التى صار يدعو إليهاء حتى استولت على نفسه استيلاء لا يرى معه إلا ما كان منهاء وأن كل ما خالفها وهم باطل؛ كما جرى للزعيم (روبسبيير؛ أسكرته أفكار روسوء فقام يدعو إليهاء وقال بعد بيان أن ضعاف الإيمان تأثيرهم سريع الزوال؛ أما أصحاب المعتقدات الصحيحة الذين تمكنوا من نفوس الجماعات» وحركوها؛ هثل (بطرس الراهب» » (ولوثر) » و (سافونا رول» » ورجال الثورة الفرنسية» وغيرهم؛ فإنهم لم يتمكنوا من خخلب العقول» واجتذاب الأرواح : إلا بعد أن سكروا بخمر المذهب الذى اعتقدوه؛ وبذلك توصلوا إلى توليد تلك القوة الهائلة فى النفوس» وهى التصديق الذى يجعل المرء عبداً لخياله. فترى م هذا كيف كانت قوة اعتقاد الخطيب من أسباب إثارة عواطف السامعين لقوله.
وفى الحق أن قوة الاعتقاد تكسب الكلام حرارة؛ والصوت رنات مؤثرة» والألفاظ قوة؛ والمعانى روحاء ومجعل من الملامح والنظرات نوراً يشع شعاعاًء يصور ما فى القلب من إيمان قوى» وإخلاص عظيم» وكل هذا يخلق جوأ عاطفياً حول الخطيب؛ يجعل كلامه متصلا بالوجداك.
؟- المشاركة الو جدانية:
قال مكدوجل فى بيانها: إنها الحالة الانفعالية أو الوجدانية التى تكون عند الإنسان إذا وججد إنسانا أخر متأثراً» فتجعله يشعر بنفس شعورهء كما لو انتقل هذا الشعور بطريق العدوى 7
فيجب أن يحس الخطيب بإحساس الجماعة؛ ويشعر بشعورهاء يغضب لما يغضبهاء ويفرح لما يفرحهاء ويحزث لما يحزنهاء ويسر لما يسرهاء آلامها آلامهء ومصائبها مصائبه؛ ليكون
0 م 2012 من كتاب فى علم النفس للاساتدة حامد عبد القادرء ومسحمد عطيه الابراشى» ومحمل مظهر سعيد.
ا الاتصال الروحى أداة تأثير فيهاء ويستخدمه فى استفزاز مشاعرها أو تهدئة ثاثرتهاء وليملى عليها ما يريد من آراءء إذ أن ذلك الإحساس المشترك بينهما يجعله قادراً على إثارة ميولهاء وإصاية أهوائها''' ودفعها لما يرمى. وإذا رأى الجماعة متحمسة لأمر يراه باطلاء لا يفجوها بالمخالفة, ولا يصدمها بالمعارضة:؛ لأن ذلك يبعد عواطفها عن عواطفه» وميولها عن ميوله» بل يسايرهاء حتى تلوح له الفرصةءويرى أنه قد استدرجهم إلى ما يبغى» فيهجم بفكرته: وذلك ليكون الحبل بينه وبينها نمدودأء ولا تتقطع الأسباب» فيذهب التأثير.
ذكر الدكتور جوستاف لوبون حادثة رأها فى أثناء الحرب السبعينية فقال: رأيت ذات يوم أناسا يسوقون أحد قواد الجيش العظام إلى سراى اللوفرء حيث مقر الحكومة؛ والناس أكداس من حوله» يزمجرون؛ ويتميزون غيظاء وهم يتهمونه بأنه كان يأحذ رسم أحد المعاقل» ليبيعه للبروسيين» فلما وصلوا به رج أحد أعضاء اللحكومة» وكان خطيباً ذائع الصيت» ليخطب فى الناس» وهم ينادوث: الموت؛ الموت عاجلا. وكنت أنتظر منه أن يبرهن لهم على فساد التهمة: بقوله :
إن الفريق المتهم هو أحد المهندسين الذين أقاموا الحصوثء وإث رسومها تباع فى المدينة عند جميع باعة الكتب» غير أنى بهت» إذ سمعته على نقيض ما ظننت يقول» وهو يتقدم نحو الجموم ؛ سيأخذ منه العدل أحذاً لارحمة فيه» فاتر كوا -حكومة الدفاع عن الأمةع تنم التحقيق الذى بدأتموهء وسنزجه فى السجن حتى حين.
قال هذاء فرأيت الثورة قد سكنت» وتفرق الجمع» ولم يمض ربع ساعة حتى كان الفريق فى داره» ولو أنه خاطبهم بما جال بخاطرى من الأدلة المنطقية التى اعتقدتها دامغة مزقوه إربا. فانظر إلى الخطيب اللبق كيف أدرك أن مصادمة الجماعة قد تذهب بحياة قائد عظيم من قواد الدولةء فلم يفعل» وأظهر الموافقةء فتم له ما أراد.
وما يصح الاستشهاد به فى هذا المقامء لأنه صورة واضحة لاستتخدام المشاركة الوجدانية وسيلة لتنفيف المراد تصوبر شكسبير لجماعة من الرومانيين فى موقفهم من مقتل بوليوس قيصرء فلننقل لك بعض ذلك الفصل ''» وهو ما جاء على لسان أنتونيو فى رثاء يوليوس قيصر مع )١( لعل هذا هو السر فى أن الذين يعيشون أرستقراطيين ليس منهم خخطياء إلا نادرا. (1) من تعريب رواية يوليوس قيصر للستلا محمد حمدى «بلكه .
الثناء على بروتس قاتله فقد قال: أيها الرومان؛ بنى وطنىء أعيرونى أسماعكمء فإنى ما جثتكم للتمدح بقيصر ومناقبه؛ ولكن لأواريه لحده وأهيل عليه التراب» فقد جرينا على أن ما يعمل الإنسان من شر يخلفه؛ وما يعمل من خير يرمس معه» فى غمار الررم» ولفيف الرفاتء وهذا شأن قيصر معنا اليوم؛ نتناسى متاقبه؛ ونعدد معايبه.
قال لكم بروتاس» وهو رجل الشرف الصميم: إن قيصر فيه طمعء فإذا كان كذلك؛ كات ذنبه يوجب الأسى والأسفء كما كان جزاؤه أدعى للحزن والشجن. إنى أقف بينكم الآن فى جنازة قيصر بإذن من بروتاس؛ وهو رجل النبل والفضل» وبإذن زملائى الآخرين» وكلهم. . مثله أجلاء فضلاءء ولكن قد كان لى فى قيصر صديق حميمء وبر كريمء لم أعهد فيه الطمع الذى يرميه به بروتاس رجل الفضل والشرف.
أناكم قيصر بالأسرى مكبلين: فملأت دياتهم المال؛ فهل كان فى عمله هذا ما ينبئ عن طمع .
كان قيصر ييكى شفقة ورحمة كلما ذرفت الفقراء دموع الفاقة والإملاق» وعهدى يذى الطمع أشن طبعاًء وأغلظ كبداء ولكن بروتاس يقول إنه ذو طمع» وبروتاس» كما تعلموك رجل الفضل والشرف. ألم تروأ أنى قد عرضت عليه التاج ثلاث هرات فى لوب ركال» فكات يرفضه فى كل مرةء فهل كان هذا الطمع فيه؟. ومع ذلك فإن بروتاس يقول. إنه ذو طمع» وبروتاس رجل الفضل والشرف.
لا أريك أيها السادة أن أدحض دليل بروتاس » ولا أن أقارعه المحجة بالحجة: وإئما أقول ما أعرفه من الحق الصراح. لقد كنتم كلكم تخبون قيصر حب جمأء فهل كان ذلك من غير داع وبلا مسوغء إذن ما الذى يمنعكم الآن أن تقيموا عليه شعار الحداد. ياللعدالة» لقد أويت إلى قلوب الوحوش الضارية؛ فغادرت الإنسان جباراً عتيآء فاقد الرشد والصواب. عفواء سادتى ؛ إن قلبى مدرج مع قيصر فى أكفانه» فأمهلونى حتى برتد إلى .
أحد السامعين : الظاهر أن فى كلامه شيثا من الحق.
آخر : إنك إذا نظرت فى الأمر بلا مخيزء ونجدت قيصر مظلوما.
ثالث : أجل» وإنن لأخشى "أن يعقبه شر خلف .
رابع : الاحظتم هذه العبارة: إنه لم يأخخذ التاجء فكفى بهذه دليلا على أنه لم يكن
الثانى : مسكيئن أنتونى» إن عينيه تتقدان من البكاء. ' الغالث : ليس فى روما أختلص من أنتوتى.
الرابع : ها هو ذا قد عاد للكلام.
أنتوئى: بالأمس كانت كلمة يفوه بها قيصر تقيم العالم وتقعدهء أما الآن فها هو ذا طريح الثرى؛ لا يأبه به أحقر حقير,
ثم يستمر فى كلامهء ولا ينتسهى من خختطبته إلا وقد مخفزت الجماعة للانتقام من
وترى من هذا كيف استطاع الخطيب بمشاركته للجماعة فى وجدانها ظاهراً أن يصل إلى غرضهء ولذا تقول إن الخطيب ينقاد ليقود: ويطيع ليطاعء ويأحذ ليعطىء يساير إرادة اللجماعة: ليملى إرادته عليهاء وكل ذلك بالمشاركة الوجدانية؛ فليرعها الخطيب حق رعايتهاء يهاجمها فيما تألف دفعة واحدة» يل يمهد لما يرى» وبربط بين ما يدعو وإحساسها. وقد رأيت كيف استدرج أنتونيو الجماعةء وأملى عليها إرادته من طريق موافقتها فى شعورها وهواهاء وقد
نقلها من النقيض إلى النقيض . *- النفود:
لنفوذ الخطيب الأثر الفعال فى ريك الميول؛ وإيقاظ المشاعرء فهو عامل عظيم من عوامل إثارة الأهواءء بل ربما كان أقربها مجاحاء وأدناها إلى الإجابة» وقد عرفت شيثاً من ذلك فى صفات الخطيب الكاملء والآن نوضم ما أجملنا هنالك فتقول:
إن النفوذ يجعل صاحبه متحكما فى أهواء ومشاعر من يخاطبه. وقد قال فيه جوستاف لوبون: يمكن أن يقال: أن النفوذ سلطة» أو عمل أو فكرة يستولى بها على العقول» وتلك السلطة النفسية تعطل ملكة النقدء فتملا النفس دهشة واحتراماء ويمكن تفسير الشعور الذى يحدث منه كما هو الشأن فى كل شعورء إلا أنه لابد أن يكون من جنس الاجتذاب الذى يحدث فى نفس الشخص النائم توما مغناطيسيا.
والنفوذ نوعان: نفوذ شخصى طبعى» ونفوذ كسبى» والأول يكو هبة يهبها الله بعض الأشخاص» فيؤثرون بأنفسهم» من غير أى أمر نخارجى يعرض لهوء ومن ذلك ما آناه الله العظماء الممتازين: كعمر بن الخطابء وأبى بكر الصديق؛ ونابليون. والنفوذ الكسبى ما جاء من سمعة -حسنة» أو اشتهار بنبل» أو شجاعة؛ أو منصبء أو لقبء أو حل بوسام؛ أو ثروة فى بعض الأحيان؛ ولا شلك أن بعض هذه الأنواع فى استطاعة مريد الخطابة أن يكون من أعلهاء وبعضها من الواجب عليه أن يكون متحلياً بهاء فيجب أن يكون الخطيب من ذوى السمعة الحسنة ليس فى ماضيه ما يشين.
ولقد كان ميرابو الخطيب المشهور فى الثورة الفرنسية مع ما أوتى من نفوذ شخصىء وشهرة بالبيان» يرى ماضيه السييع فى شبابه حجر عثرة يمنعه أن يصل إلى التمام فى قيادة الجموع: ولذا كان يقول: وبل للماضى .
والنفوذ الشخصى الطبعى أقوى عملا» وأشد تأثيراء فمن أناه الله ذلك النفوذء ملك من النفوس» والمشاعر والأهواءء ما يجعله يقول فيطاع من غير أى اعتراضء بل من غير تفكير فيه ؛
يحكى أن بعض أعداء نابليون ذهب للقاثه. فقال لصاحبهء وهو ذاهب إليه: أيها الصديق» إن لذلك الرجل الشيطان فى نفسى تأثيراً لست أدركهء حتى إنك لترانى إذا اقتربت مئه تأخحذنى الرعشة»ء كالطفل الصغيرء ويخيل إلى أنه قادر على إدخالى فى سو الخياط؛ وإحراقى بالنار. ويجب على من لم يوت ذلك النفوذ أن يسعى فى كسب نفوذء أيا كان؛ من طريق شريفء فإن النفوذ له أثر فى كل مقامء وقد وصف (ديكوب») وكان من النواب الفرنسيين ومن علماء النفسء الخطيب النيابى المجهول الذى لا نفوذ له فقال؛ إذا استوى على متبر الخطابة» أخرج من محفظته أوراقاء فنشرها أمامه على الترتيب» وشرع يخطب مطمئتاء وهو يفتاخر فى نامسه بأنه سيبسث عشيلتهع لتسكين روح سأمعيه ؛ لأنه وزك أدلته» وحررها وأعد شيكاً كثيراً من الإحصاءات والحججء وأيقن أن الحق فى جانبه؛ وأن معارضه لا يغبت أمام الحقيقة الناصعة التى يأتى بها. وهكذا يبدأ معتمداً على صواب رأيهء واصفا إخوانه» لاعتقاده أنهم لا يطلبون إلا الحق.
الناضمةء من دَللف الاضطراب» ويتساء :2 لم ا يسود السكون؟ وما السببف فى هذا الانصراف
العام؟ وما الذى يدور على ألسنة أولئك الذين يتحدثون فيما بينهم؟ وما السبب القوى الذى يحمل ذاك على ترك مجلسه؟ يتساءل الخطيب هكذاء والحيرة تعلو جبهتهء فيفرك حاجبيه؛ ويمسك عن الكلام» ويشجعه الرئيسء فيعود بصوت مرتفع» فيزيد الأعضاء فى عدم الإإصغاء إليه؛ فيجهرء ويهتز» فتزداد الجلبة حواليه» ويعود لا يسمع نفسهء فيمسك عن الكلام مرة أخرى ثم يخشى أن يدعو سكوته إلى أصوات الأققال» فيرجع إلى خطايته بما فيه من قوة؛ وهناك تعلو الجلبة: ويختلط الحابل بالنابل ثما لا يقدر على وصفه الواصفوك. [
فانظر إلى الخطيب الذى لا نفوذ له» وليست له سمعة جاذبة للنفوس كيف يلقى الصعويبات وقك يذللهاء وقد يرتك دونها تسعأسفا: وظطو سير ٠
>- اللذة والألم:
() اللذات والألام هى المسيرة للإنسان فى هذه المحياةء فهو يعمل إجابة لداعى اللذة؛ ويمتنع توقيآ للآلام. وهما فى الحقيقة العنصران ا محركان للعالم الإنسانى سلباً وإيجاباء غير أن اللذائذ تختلف ياختلاف الأشخاصء فإنسان لذته حسية عاجلة» وأنخر لذته فى المعنويات» أو فى الحسيات الأجلة؛ فالمتفنن» والعالم» والخترعء والشاعرء والكاتب؛: كل الأفعال؛ أولتك متدفعون بقوى اللذات المعنوية التى يجدونها فيما يقومون به من عملء وإن اللذة التى وجدها نيوتن عندما كشف الستار عن قانون الجاذبية لا تعدلها فى نظره لذة» واللذة التى وجدها أينشتاين فى كشف قانون النسبية» لا تعدلها أيضاً فى نظره أية لذة حسيةء ولذة الصوفى التى يجدها فى فنائه فى الذات العلية؛ هى كل الوجود فى زعمه. وإن كثيراً من الناس يؤدون الفرائض» ويطيعون الديان رغبة فى ثوابه» وأنقاء لعقابه» وقليل من المؤمنين من يطع الله لأنه يجد لذة فى الطلاعة, لا طمعا فى جنةء ولا خحوفا من نار.
والخطيب اللبق هو من يعرف هذه الحقيقة؛ فيخاطب التاس بما يثير لذاتهم» وما يرون فى الأخحذ به انقاء لألام متوقعة» فهو يلوح بالمنفعة التى يراها مطلبا لهم؛ ويبين لهم أن الآلام فى نقيض ما يدعو [لِيه.
أنظر إلى طارة: بن زباد فى خطبته المشهورةء ققد حرق السفن» ثم حفهم على القستال مبينا لهم أن لاقوت لهم إلا ما أخعذوه من عدوهم بسيوفهم؛ وأنهم قد ساروا كالأيدام على مأدبة اللشام؛ وقد كان الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو الخطيب
العظيم يقول: إن للقلوب شهواتء وإقبالا وإدباراً فأتوها من قبل شهواتهاء وإقبالهاء فإن القلب إذا أكره عمى.
ولقد عرف هذه الحقيقة أوئلك الذين كانوا يحركون المسيحيين فى الحروب الصليبية فما كانوا يكتفون بإثارة الروح الدينية؛ بل كانوا يقولون فى الأرض المقدسة: إنها تفيض لبنا وعسلا .
(ب) إن الرغبة نتيجة اللذة؛ فالإنسان يرغب فيما يجد فيه اللذة» ويرهب ما يجد فيه الألمء ويظهر أن الرغبات' الإنسانية هى المتحكمة فى الآراء والمعتقدات. ولقد قال الفيلسوف سبينوزا: نرى الأشياء مليحة برغبتنا لا ببصيرتناء وإذا كان ذلك كذلكء؛ فعلى الخطيب أن يتعرف رغبات الجماعة التى يخاطبهاء ثم يعقد صلة بينها وبين ما يدعو إليه» ويبين أنهما من مشرب واحد» ومن طريق واحدة» وإن فى دراسة رغباتها تعرفا للذاتها والامها؛ فليدرسها؛ ليعرف من أى جانب يطرق حسهاء وليعرف لذاتها وآلامها؛ فيصل إلى وجدانها. وإن رغبة الأمة أو الجماعة من الناس هى التى تشكل مثلها العليا؛ فالمثل العليا للأمة عنوان الرغيات» ومن طريقها يستطيع الدارس لأمة معرفة رغباتها؛ فإذا رأيت أمة مثلها العليا فى طلب استقلالهاء والمحافظة على كيانهاء فاعرف أن رغبتها فى ذلك الاتجاهء وأن تلك الرغبة مظهر لآلام الاعتداءء ولذة الحياة الحرة المستقلة» وإذا رأيت أمة مثلها العليا فى حب السلام والدفاع عن المظلوم» فاعلم أن رغبتها فى تلك الناحية» وأن لذتها فى نفع بنى الإنسان, وآلامها فى آلامهم. 0
ومن أجود الخطب التى استتخدمت فيها الام الأمة؛ ورغباتهاء ومثلها العلها فى إثارة ميولها إلى ما يريد الخطيب» خخطبة الرئيس ولسن رئيس الجمهورية الأمريكية فى مجلم الشيوخ» يدعره إلى الموافقة على دخول أمريكا فى الحرب العالمية: فقد جاء فيها: إن هذه الحرب هى ضد جميع الأم» لقد أغرقت مراكب أمريكية» وأعدمت نفوس كثيرة من الأمريكيين ؛ بطرق تأكدت لدينا فظاعتها؛ فكان لها وقع مخيفء ولكنا رأينا أن نفس تلك الطرق تستعمل لإغراق مراكبء وإبادة نفوس من أم أخرى كثيرة من المحايدين: والأصدقاءء يدون فرق» كأنما هذه الحرب قد شهرت ضد جميع الناس على السواءء فما دام الأمر“كذلكء وجب على كل أمة أن تقد نه لتقف بها ذلك الا وت لتى يجب علي نختارها الآن ضرورية جدأًء ولا تقبل التأخير.
ا 00
وجاء فيها: إن واجبى الذى أتممته الآن أيها السادة لهو واجب محزث» وصعب جداً. إن من المحتمل أن يكون أمامنا عدة أشهرء لنقوم فى أثنائها بتجارب صعبة» وتقديم ضحايا عظيمة» إنه لأمر شديد الخطورة» أن نقود شعبنا العظيم المسالم إلى -حرب هى أفظع الحروب؛ وأشدها هولاء يقف فيها التمدين نفسه فى كفة الميزان» غير أن الحق فوق السلمء والحق الذى ندافع عنه هو المحافظة على أقرب الأشياء إلى قلوبناء المحافظة الديمقراطية؛ على الشعوب المهضومة الحقوق؛ ليتمكنوا من الاشتراك فى حكم أنفسهمء هو المحافظة على حقوق وحرية الأم الصغيرة؛ وهو امحافظة على توطيد أركان حق عام: أساسه اتاد الأم الحرة» اتحاداً يضمن الطمأنينة لجميع الأم» ويجعل الغالم كله حراً.
إننا أمام واجب كهذا لا نضن بحياتنا ومالناء بل نقدم أنفسنا وما نملك» وسيرى العالم أنه قد جاء اليوم الذى سنحت فيه لأمريكا الفرصة؛ لكى تنفق قوتهاء وتسفك دماء أبنائهاء فى سبيل المبادئ التى كانت سبب وجودهاء والسلام الذى صانته طول حياتها.
انظر إلى الخطيب كيف أثار النقمة بذكر آلام الاعتداء على السفن الأمريكية» ثم كيف ذكر الجماعة برغبتها فى السلام ونصرته» وكيف نبهها إلى مثلها الأعلى» وهو توطيد أركان الح العام؛ وجعل أساسه الحاد الأم الحرة الحاداً يضمن الطمأنينة لجميع الأم» ثم اتخذ سس تلك المواعد دعائم لدعوته : وهو الدحول فى تلك المحرب »؛ ومعاوئة من زعمهم مظلومين ؛ معتدى عليهم .
والخطباء الذين يستخدمون آمال الأمة؛ وأمانيهاء فى إثارة أهؤاء السامغين إلى رغبتهم وكثير ما همء إنما يستخدمون اللذات؛ والرغبات: والمثل 'العليا؛ لأن أمل الأمة ليس شيك غير
والقول الجملى: إن اللذائذء والألام؛ والرغبات؛ والآمال: والمثل العلياء أمور تنبع من معين واحدء وكلها يستطيع الخطيب استخدامه فى إثارة أهؤاع الجماعة وفيؤلها إليه.
5 الغرائز:
1 إذا اجتمع غلدد من الناس متحدة مشأعرهم؛ كانت لهم وحدة فكرية اتجمعهم) وى فى كل وأحد منهم بفدو مشترك ؛ ا تفاوت ينهم فيهأ) وتللك الوحدة المسامعة التى ا يتفاضلون فيها مصدرها الغرائز؛ ولذأ قال علماء الاجتساعغ: إن الرعهم الذي متك لو بيه
ا 5-00
الكثرة فى الأمة لا يخاطب الذكاء بل يخاطب الغرائز؛ لأنها الوحدة الجامعةء والقدر المشتراك فى اللجميع: وقد عرف بعض علماء النفس الغريزة بأنها ميل فطرى فى النفس يدفع الإنسان أن يسلك مسلكا نخاصاً: أو لتصد, عنه حراكات مؤتلفة» تؤدى إلى غاية معينة؛ وإن لم يشعر بها الإنسان نفسهء وهذه الحركات ليست نتيجة خبرة أو تعلم» ويتصل بها انفعال نفسى» يكون واضحاً بارزاً فى كثير من الأحيان.
فالغريزة سلوك فطرى» يكون من غير خبرة سابقة» ويرمى إلى ما فيه مصلحة الشخص
000 والجنس 2 .
والغرائز كثيرة» ولها أقسام عدة؛ وليس هذا المقام مقام نفصيلها وبيانهاء فلذلك علم قائم بنفسهء هو علم النفس: ويهمنا فى هذا المقام أن نقول: إن منها غريزة الهرب» وغريزة المقاتلة و تسيا الخسام. والأبوة والأمومةء والاستغاثة, والاستطلاع: والسيطرة» وححبا الظلهورء والثناء؛ والاجتماع: والضحك» وغيرها.
ويمكن للخطيب أن يتخذ من يعض هذه الغرائز سلاحا فى ميدانه يشير به الأهواء والسواطشن نحو قوله؛ فغريزة المقائلة"'' يستطيع أن يستخدمها الخطيب فى استفزاز الجماهيرء إذ يحشهم على قتال أعدائهم؛ كما فعل الإمام على رضى الله عنهء عندما دعا جيشه إلى قتعال مخالفيه:ء بعد أن قتلوا عامله على الأنبارء فقد خطب خطبة كلها إثارة لعلك الغريزة» وجاء فى تلك الخطبة؛ هذا أو غامد قد بلغت خحيله الأنبار» وقتل حسان البكرى؛ وأزال خيلكم عن مسالحها ''» وقثل منكم رجالا صالحين؛ وقد بلغنى أن . 83 1 زه
الرجل منهم كان يدخل على المرأة الممسلمةء والأخرى المماهدة7 ةن فينزرع حججلها ١
. من كتاب أصول علم النفس للأستاذ أمين مرسى قنديل )١(
(؟) قال الأستاذ قتديل فى كتابه أصول علم النفس فى هذه الغريزة «هى التى تدفع الأفراد والقبائل إلئ الكففاح والاستماتة فى اللحرب لأحقر الأسباب وأنفههاء ولا تزال كذلك فعالة قوية فيهم, ظاهرة كل التلهور فى الأطفال وفى الكبار أيضا على الرغم من تغير أشكالهاء ومظاهرهاء مخت تأثير الرقى الاجتماعى ؛ والعقل المدرب والوازع القانونى والخوف» ولكن أثرها مع ذلك لا يزال يبدو واضحا فى الجماعات أكثر منه فى الأفراد. فقد يشير حفيظة الأمة وغضبها سبب ماء فتندفع جميعا طالبة غسل الدم بالدم. ففى أحضان هذه الغريزة الراسخة فى النفوس نشأت الجماعات المتحضرة اليوم.
(9) المسالح جمع مسلحة بالفتعم. وهى الثغر حيث يتوقع مجع العدو.
(؟) المماهدة الذمية.
(6) الحجل بكسر الحاء وسكون الجيم الخلخال.
-5 ريه ل 0 211111001
وقلبه 017 ورعائها” , ثم أنصرفوا وافريه 27 مانال رجاه منهم كل 240 ولا أريق لهم دم فلو أن رجلا مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوماء بل كان عتدى جديراً. . .فوا عجبا من جد هؤلاء فى باطلهمء وفشلكم عن حقكمء فقبحا لكم حين صرتم غرضا"”' برمى ء يغار عليكم» ولا تغيرون» وتغزون ولا تغزون: ويعصى الله وترضوت. . فانظر إلى الإإمام على كرم الله وجهه كيف أثار غريزة الغضب والمقاتلة فيهم؛ يذ كر إباحة اللحمى؛ وانتهاك الحرمات» وقتل النساء والذرية» وببيان أنه لا يرضى بهذه الحال إلا من يرضى بالمنزل الهون. ركل هذه إثارة لتلك الغريزة على أبلغ وجه يستطيعه بليغ. ظ وقد يربط المتكلم فكرته بهذه الغريزة إذا كانت متغلغلة بقوة فى نفس الجماعة التى يخاطبها كما قال النبى عه فى الحث على الصبر والتؤدة: والحلم: «ليس الشديد بالصاعزة") إنما الشديد من يملك نفسه عتد الغضب» وكقول أبى بكر رضى الله عنه فى رجوعه من [حدى الغزوات: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. يريد رضى الله عنه جهاد النفس بمنعها من السوءء فكان هذا وذاك ربطا لتلك المعانى النفسية العالية السامية بغريزة المقائلة» تلك الغريزة المتغلغلة فى التفس العربية والتى لا تعدل بها شيعا سواها. وبذلك الربط تستفيد تلك المعانى قوة وجلاء. ظ
[ وعريزة حب الثناء يستطيع الخطيب أن يستخدمها فى إثارة الأهواء لما يدعو إليه بأن يبين أن الشرف وامجد والسلطان فيه كما فعل المغفور له سعد «ياشاء زغلول فى حفل الطلبة لتحيته سنة 1171 إذ جاء فى خطبته فيهم:
أنوجه والخشوع يملاً جوارحى إلى ذلك الأرواح الطاهرة» أرواح أولعك الأبطال الذين نادوا بالحق, والحق منكر؛ فاضت أرواحهم وألسنتهم تردد ذلك النداءء فاضت» وقد شرفونا بإقدامهم» وألزموا الكل باحترام مصر وأسمهاء وبيضوا وجوهناء والآن فليناموا هادئين؛ فقد أنبلج فجر الاستقلال مضمخاً بدمائهم؛ وخلفوا من بعدهم من يستحق ذلك الفداءء بيض الله 07 القلب بضم القاف السوار. 0 الراك جمع رحثة بفتح الراء وهى القرط. (0) وافرين أى تأمين. 0 الكلم الجرح. (6) الغرض ما يتصبء فيرمى بالسهام وتحوها. () الصرعة القوى الذى بعص رخ غيره
بر دمته أجداثهي : وأسكنهم جنات العلا وأرضى عن أعمالنا أرواحهم ؛ وأراحهم بتحققيق أمالنا. لله در الشبيبة ما فعلت؛ فإنها قد فتحت ماضمت صدورها من كنوز الفتوة» وملأت قلب البلاد عزة وحماسةغ وملت رء وسها حكمة) وملت محركاتها نظام تلك الشبيبة التى هى عماد الحركة الحاضرة؛ ومبعث أنوارها الساطعة:؛ أشكرها شكراً جزيلاء وأرتاح جداً؛ لأن المستقبل سيكون بيدهأ؛ وهى يد مأهرة .
فانظر إلى ذلك الخطيب القادر كيف جاد بعقود الثناء للشبيبة التى يخاطبهاء وأشار إلى أن المستقبل سيكون لهاء وكل ذلك إغراء أى إغراء لهم بأن يستمروا على نهج الاستقلال الذى يدعو إليه.
وهكذا يستطيع الخطيب القارئ للنفوس المسيطر على البياك سيطرة تامة أن يتخدذ من الغرائز التى تناسب موضوعه طريقا لإثارة أهواء السامعين لما يدعو إليهء وجذيهم لفكرته» وضم الشارد لحماعبه.
-١ يواعث الانتباة:
كل الأمور التى تبعث الانتباه القسرى؛ وتخذب السامعين إلى الخطيبء؛ والإنصات لكلامه؛ وتوجههم إلى فكرته, مر شأنها أن تبعت ميولهم إليه ؛ وتلفتهم عماأ سوأه ) وهذه أمور
(]) الجدةءوالشرابة »والتغيير:
لكى يثير نشاطهم فإن الجدة تكسب الفكرة طلاوة» وتعطيها رونقا وبهجة:؛ والتغيبر يدفع عن النفس السأم؛ ويجعل نشاطها دائماً مستمراء والكلام يكتسب تلك الجدة بالإإكثار من ضرب الأمثال الغريبة الشائقة التى تثير نخيالهمء والتشبيهات البديعة التى توقظ أفهامهم» ومن الخطب التى تشتعمل على ذلك حطبة بسمارك فى جعل السيادة الدستورية لبروسياء إذ حاء فيه :
أيها السادة إذا لم ترضوا الروح البروسية فى هذا الدستور؛ فإنى أعتقد أنه سيبقى حبرا على ورقء وإذا أنتم حاولتم أن تسوموا البروسيين الإذعان لهذا الدستور» فإنكم ستجدون منهم ما وحجدة الأقدمون من جواد الإسكندر بو كيفالوس الذى كان يحمل مولاه» ويسير به جريًا مبتهجاء بينما هو يقذف الفارس الذى يتطاول إلى امتطاء صهوته؛ ويلقيه على الرغام ؛ يتمرع بلذهبه 2 وشرؤه) وسائر -حليه وملا'بسه». ولكن يعريدى, الأن اعتقادى الراسخ بأنْ الوفت لن يطول
حتى تنظر الأحزاب الختلفة إلى هذا الدستورء كما نظر الطبيبان فى أسطورة لافونتين إلى جثة ال مريض الذى كانا يعوداته إذ يقول أحدهما: لقد مات» ولقد تنبأت بذلك مذ رأيته.
ويقول الآخر: لو أنه استمع إلى نصيحتى» مامات.
ومن الجدة أن ينوع الخطيب أسلوبه: فأحيانا يأتى بكلامه فى صورة استفهام؛ وأخرى
فى صورة تقريرء والثالشة فى صورة طلبء وهكذاء وأن يغير فى الصوت» فلا يصح الاستمرار طويلا على وتيرة واحدة؛ء إذ الصوت النمطى المطرد» يزيل الانتباه» فيجب التغيير فى الصوت» ليكون فيه تنشيطء وإثارة للاهتمام؛ وإيقاظ للغافلين. وفى كل ذلك إثارة للميول والأهواء.
(ب) العكراروالتو كيد:
إن للتكرار والتوكيد أثر أ كبيراً فى إثارة الأهواء والميول» وإذا امتعماهما الخطيب بمهارة . ودقة -جذب السامعين إلى رأيه وأخذهم إلى ناحيته. .
جاء فى كتاب الأراء والمعتقدات لجوستاف لوبوت: إن التوكيد والتكرار عاملان قويان فى تكوين الأراء وانتشارهاء وإليهما تستند التربية فى كثير من المسائل» وبهما يستعين رجال السياسة والزعماء كل يوم فى خطبهم؛ ولا يحتاج التوكيد إلى دليل عقلى يدعمه؛ وإنما يقتضى أن يكون وجيزا حماسياء ذا وقع فى النفس.
وقال فى كتاب روح الاجعماع: للتكرار تأثير كبير فى عقول المستنيرين»وتأثير أكبر فى عقول الجماعاتء من باب أولى؛ والسبب فى ذلك كون المكررء ينطيع فى مجاويف الملكات اللاشعورية التى تختمر.فيها أسباب أفعال الإنسان» فإذا انقضى شطر من الزمن» نسى الواحد منا التكرار» وانتهى بتصديق المكرر» وهذا هو السر فى تير الإعلانات العجيب» يقرأ الواحد مائة مرة أن أحسن الحلوى من صنع فلان» فيخيل إليه من التكرار أنه سمع ذلك من مصادر شتى: وينتهى باعتقاد صحة الخير.
وإذا كان التكرار منبها للمشاعر صارفها إلى الخطيب؛ فيجب أن يتجه إليه؛ ما لم يجد أن المقام يحعاج إلى الإيجاز؛ فيعمد إلى التوكيد.
فالتكرار أولى فى مقام الإطنابء والتوكيد أولى فى مقام الإيجاز» ويجب أن يلاحظ :فى التكرار أن يكون بعبارات وأساليب مختلفة: وأن يكون النظر فيه إلى المعنى من جوانب متعددة: وقد رأيت التكرار البليغ المفيد فى خطبة الإمام على رضى الله عنه عندما قتل عامله على الأنبار التى سيقت إليك.
سس )سس
وقد اتار جوستاف لوبون مغلا للتوكيد والتكرار منشورا يظهر أنه اشتراكى نشر فى إحدى صحف أورويا وقد جاء فيه: من ينتج القمح الذى نحتاج إليه؟ هو الفلاح. ومن يزرع الشعير والحبوب كلها؟ ومن يربى المواشى والأنعام؟ هو الفلاح. ومن يرعى الضأن للحصول على أصوافها؟ هو الفلاح. ومن ينتج الخمر والتبيذ؟ هو الفلاح. ومن يطعم الطرائد؟ هو الفلاح. ولكن من يأكل أطيب الخيزء وأطرى اللحوم؛ ومن يلبس أفخر الثياب؛ ومن يشرب خممر بوردوء والشمبانيا؟ ومن يتتفع بالطريدة؟ هو ابن الطبقة العليا المثرية؛ ومن يتسلى ويستريح كما يريد؟ ومن يتمتع بأطايب النعم؛ ومن يسيح للنزهة؛ ومن يتفي فى الصيفء ويتدفاً فى الشتاء؟ هو ابن الطبقة العليا المثرية. ومن يأكل طعاما غير شهى» ومن يندر شربه للخمر» ومن يشتغل بدون انقطاعء ومن يكابد حرارة الصيف وصبارة الشتاء؛ ومن هو شديد البؤس كثير الشقاء؟ هو الفلاح. فترى من هذا كيف كرر ونوع فى التكرار وكيف كان متحريا فى كلامه المكرر إثارة الأهواء والميول.
إثارة الأهواء نحو المراد مباشرة ما سبق كان أموراً كلية تستخدم فى كل غرض خطابى؛ وهى فى هذا أشبه بالنظريات العامة وهتاك أمور جزئية. وهى ماايتعلق بالمراد من الخطية مبأشرة هر غير وساطة, وهله تختلف باخعتلاف أغراض الخطيبء ولكل بواعث تختص به؛ ولذا نبين بعض الأغراض بالإجمال وطرق الإثارة ونحوهاء وما لا نقوله يقاس على ما نقوله.
(أ) البغض والمحبة: فإذا كان غرض الخطيب تأليف القلوب» وجمعها على محبة زعيمء أو الالتفاف حول قائلغ سين لهم.
١ - ما نحلى به من السجاياء وما امتاز به من المواهب.
1- وحسن مآثره» وسابق خدماته, لمن يدعوهم إليه.
1- وإلاصه لهم» وتواضعه ولين جانيه.
4- وما يرجى لهم من خميرفى الالتفاف حوله: ونصرته؛ وكل هذا يثير محبتهم؛ ويقربه من قلوبهم» ويدنيه من نفوسهم.
ل ا
وإذا كان الغرض التبغيض فى شخصء وإبعاد الناس من حوله» يبين لهم ما طبع عليه من قبيح الخصال فى لفظ نزيه؛ وعبارات رائقة لاتخدش الناموس الاجتماعى» ولا إقذاع فيها؛ ومين أعماله السيكة» وماضيه السييع؛ وححبث طويته» وعدم إخلاصه للجماعةء وما فى الالتفاف حوله من عقبى سيئة» وإعزاز للباطل» وإذلال الحق .
ومن الخطب المشتملة على إثارة أنحبة لقوم؛ والبغضاء لآخرين» خخطية أبى -حمزة الشارى فى مكة المكرمة عندما دنخلها. وستجيء إليك كاملة فى الجزء التاريخى”!' .
(ب) الرغبة والنفور من أمر:
إذا كان غرض الخطيب إثارة الرغبة فى أمر من الأمور:
-١ بين منافعه وثمرته التى تعود على الجماعة من الأخل به.
1- وصوره لهم صورة آخذة بنياط القلوب» مستولية على الألباب والأفهام؛ فيثير خيالهم نحوهء وفى إثارة الخيال إثارة للرغية فى الحصول.
- وذكر لهم أنه قريب المتناول: ليس بعيداً عن أيديهم؛ بل هو فى طاقتهم؛ وفى مشناول قدرتهم.
4- وبين أن الاحذين به فى أسمى المرائب الإنسانية.
وإذا كان الغرض تنفيرهم من أمر:
١ -- بين المضار الناجمة عرءه ملا'بسته.
؟-- وصوره لهم فى صورة تنفر منها النفس» وتتقزز.
-- وحقرهء؛ وحقر الأخذين به؛ وبين أنهم صغار الناس» وأنهم فى المرتبة الدون: والمكان الهوك.
ومن أبلغ الترغيب والتنفير ما جاء فى خطبة الزعيم مصطفى كامل «باشا؛ عن الاحتلال الأجنبى» والدعوة لمقاومته:
كل احتلال أجنبى هو عار على الوطن وبتيه» والعار واجب أن يزول» ولست أقصد بهذا الكلام أن أسألكم باسم الوطن إعلان ثورة دموية ضد محتل البلادء كلاء ثم كلا؛ إن أقل
)١( هى فى البيان والتبيين أيضاً.
الناس إدراكا لمصلحة مصر يعلم أنها منافية لكل ثورة» وإنما أسألكم أن تعملوا بكل الوسائل السلمية على استرداد الحموق المسلوبة منكوء وأن تعملوا لأن تحكم البلاد بأبناء البلاد؛ نعمء إنى أعلم أن الاحتلال قوى السلطة» عظيم الرهبة» شديد العقابء وأن العمل ضده موجب الاحتلال الشرفء والفخارء فياذوى النفوس الأبية» وياذوى الضمائر الحية؛ اطلبوا الشرف»؛ ولو مع الفقرء امدموا الوطن» ولو أسقطت على رءوسكم الصواعق؛ كونوا مع مصرء إن سعيدة فسعذاءء وإ تعيسة 1 فتعساءء قولوا لعدوها فى وسجهه: أنت عدو لناء ولصديقها: أنتِ صديق لنا. لا مخبوا من يرميها بنبال الموت؛ بل امنعوه عنها إن قدرتم» ثم ردوها فى صدر راميها إن استطعتم .
(ج) الفرح والحزن:
إذا أراد الخطيب إثارة دواعى الفرح فى نفوس الخاطبينء والإسهام معهم فى أفراحهم. ثمرات» وما يكوث له عليهم من العاقبة الحسنى .
-١ وبين أنه فى ذانه بعيد المنال» غير ميسور الحصول» وأنه لا يؤخذ إلا بشق الأنفس.
لاس وأشار إلى شغف الناس يطلبه؛ وأنه الرغيبة المحبوية: والغاية المنشودة» والأمل المطلوب.
| ومن أمثل | خط المشتعملة على مظاهر الفرح والسرور خخطبة المغفور له سعد «باشا
زغلول عندما أقام أعضاء مجلس الشيوخ قبل أول انعقاد حفل تكريم لهء فقد جاء فيها بعد أن شكر لهم تكريمهم:
وبعد» فإنى أهنكم من كل قلبى بالثقة التى اكتسبتموها من البلاد.
وأعد نفسى سعيدأ بأنى أول وزير مصرى لحكومة دستورية» تستمد قوتها من إرادة الشعب» وتستئد فى بقائها على ثقة نوابه.
. ساتتصيهم هذه المبادئ أفذة المفعول فيئأ: ويصبم أمر الكل للكل» ويشعر كل هصسرى أن حياته ع وعحريتكه ع وشرفهء ومالهء وولده: كل ذلك نحث حماية القانوك: وأن على القانون حارسا قويا أمينا من البرلمان» وأن البرلان حت حراسة آمة يقظة» والكل فى ذمة الله وعنايته.
)١( لم يصح الوصف من تعس على تعيس وتعيسة.
اإ ساي ل اأ؟بٍب؟بسح ب
بعد يوم واححد جد الوزارة نفسها مسئولة أمام نواب البلاد؛ وأن عليها أن تبرر أعمالها العامة أمامكم» كما تبررها أمام ضمائرها الخاصة:ء وتشعر من جهة أخرى بخفة ثقل المسكولية الملقاة عليها؛ لوجود قوة بجانبهاء تقاسمها هذه المسكولية: كما تشاطرها النظر فى إدارة أمور البلأد.
بعد يوم واحد يحل الحترام الحكومة محل الخوف» ويشتد القرب متها يعد البعد عنها؛ إذ يستيقن الكل أنها ليست إلا قسما من الأمة تخصص لخدمتها العامة» حسب القانون والمبادئ الديمقراطية» وأن لكل واحد فيهأ حصة مباشرة:؛ أو بالواسطة فيبذل الكل جهودهم فى
معاونتها على ايام 1 بمهمتها ١ ١ لمخطيرة . وإذا أراد الخطيب أن يثير عوامل الأسى والشجن فى نفوس سامعيه» وأن يظهر ما فى
-١ ذكر امحنة» وأثارها فى النفس» وآلام وقعها.
1- ذكر وقعها فى نفسه خاصة:» وما ناله يسبيها من الام.
1- يسط القول فيما أتى الله المفقود من مزاياء وصفات اخختض بها.
ومن أبلغ الخطب التى تثير الحزن فى النفس» وتبين منزلة المفقود خطبة الإمام على بن أبى طالب فى رثاء أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنهماء وها هى ذى كما جاءوت فى كتاب إعجاز القرآن لأبى بكر الباقلانى :
رحمك الله أبا بكر كنت إلف رسول الله له وأنسه وثقته؛ وموضع سرهء كنت أول القوم إسلاماء وأخملصهم إيماناء وأشدهم يقيناء وأخموفهم للهء وأعظمهم غناء فى دين اللّه؛ رأحوطهم على رسول اللهء وآمنهم على أصحابهء أحسنهم صحبة وأكثرهم مناقب» وأفضلهم سوابق؛ وأرفعهم درججة؛ وأقربهم وسيلة؛ وأقربهم برسول الله لله سننا وهدياء ورحمة وفضلاء وأشرفهم متزلة» وأكرمهم عليه وأوثقهم عندهء جزاك الله عن الإسلام وعن رسوله خخيراء كنت عنده بمئزلة السمع والبصر. صدقت رسول الله كه حين كذبه الناأس..... واسيته حين بخلواء وقمت لله عند المكاره حين عنه قعدواء وصحبته فى الشدة أكرم الصحبة» وكنت ثانى أثنين وصاحبه فى الغار» ورفيقه فى الهجرة» وخليفته فى دين اللهء وألفته أحسن المخلافة -حين ارتد الناس» فنهضت حين وهن أصحابك وبرزت حين استكانواء وقويت حين ضعفواء وقمت
00-0
بالأمر حين فشلوا ونطقت -حين تبعبعوا'' ء مضيت بنور الله إذ وقفواء واتبعوك فهدواء ركنت أصوبهم منطقاء وأطولهم صمتاء وأبلغهم قولاء وأكثرهم رأياء واشجعهم نفساء وأعرفهم بالأمورء وأشرفهم عملاء كنت للدين يعسوبا'"' أولا حين نفر عنه الناسء وأخخراً حين أقبلواء وكنت للمؤمنين أبا رحيماء إذ صاروا عليك عيالا فحملت ألقال ماضعفواء ورعيت ما أهملوا وحفظت ما أضاعواء شمرت إذ خنعوا'' وعلوت إذ هلعواء وصيرت إذ جزعواء وأدركت أوطار ما طلبوا. وراجعوا رشدهم برأيك فظفرواء ونالوا بلك ما لم يحتسبواء وكنت كما قال رسول الله لله : «أمن الناس فى صحبتك» وذات يدك وكنت كما قال» ضعيفا فى بدنك» قويا فى أمر الله متواضعا فى نفسكء عظيما عتد الله جليلا فى أعين الناس» كبيرا فى أنفسهم؛ لم يكن لأحد فيك مغمزهء ولا لأحد مطمعء ولا ل#لوق عندك هوادة» الضعيف الذليل عندك قوى عزيز» حتى تأذ له بحقه؛ والقوى العزير عندك ضعيف ذليل حتى تأخخذ منه الحق؛ القريب والبعيد عندك سواء؛ أقرب الناس إليك أطوعهم للهء شأنك الحق» والصدق والرفق» قولك حكمء وأمرك حزمء ورأيك علم وعزم؛ فأبلغت» وقد نهج السبيل؛ وسهل العسير؛ وأطفأت النيران؛ واعتدل بك الدين وقوى الإيمان» وظهر أمر الله ولو كره الكافرون؛ وأتعبت من بعدك [تعابا شديدا؛ وفزت فوزا مبيناء فجللت عن البكاء؛ وعظمت رزيتك» وهدت مصيبتك الأنام؛ فانا لله وإنا إليه راجعوث» رضينا عن الله قضاءه؛ وسلمنا له أمرهء فوالله لن يصاب المسلموك بعد رسول الله بمثلك أبدا. ظ
لا اتتهى من خطبته رضى الله عنه يكى الناس حتى علت أصواتهم "كما ذكر الرواة. الأمل والياس:
علمث مما سيق أن الأمل رغية مستقبلة» ولذة مرجوة؛ فمن أراد أن يثيرها:
١ - انتخه إلى بيان المزايا والشمرات؛ وصور فيها السعادة المعسولة.
1- ثم بين أنها سهلة التناول قريبة من ذى الهمة؛ دانية القطوف لبتغيها.
1- ثم ذكر أن العمل يخا يخفى المستححيل ؛ » ويكثر من الممكن» ويجعل كل شيع فى قدرة الإنسات إلا ما اختصت به الأقدار, وعلا عن مغالبة بنى الإنساك.
)١( البعبعة تتابع الكلام حتى لا يفهم: وذلك من الاضطراب. () اليعسوب الرئيس الكبير. (2 القنو م المتضو ع والذلة.
ل سس سس
5- ثم يوجه الناس فى عملهم إلى الاستعانة بالله والثقة به والاطمكنان إلى تأييده ونصرته» فإن توجيه الجماهير إلى الاستعانة بالله إحياء للروح الدينية فى نفوسهم» وفى إحيائها [حياء للامال؛ إذ التفويض مع العمل يجعل الرجاء غالباء واليأس بعيدا « إنه لا بيكس هن روح الله إلا القوم الكافرون ».
ومن أبلغ الكلمات المحيية للأمل الباعثة له قول الخطيب الشاب الزعيم مصطفى كامل «(باشأ) فى إسحدى تحخطية :
هناك فئة من المصريين لا أنكر إخحلاص رجالها للوطن العزيزء ولكن أنكر عليهم اليأس الذى يتظاهرون به فى كل وقتء وفى كل مكانء فهم ما عملوا وكلما سألتهم أجابوك؛ نحن يائسون من مستقبل الوطن»؛ معتقدون بظلمة الأيام الآتية» فبالله كيف يستطيع طبيب أن يحكم على عليل يعدم الشفاء قبل أن يفحص داءه؛ ويعطيه الدواء» على أننا نرى الكثيرين من الأطباء لا ييشسون أبدآ من شفاء المريض؛ حتى فى آخر لحظة من حياته؛ فكيف بيكس رجال من بنى مصرء من مستقبل البلاد» وهم إن كانوا قد خبروا داء مصرء فيعلم اللّهء ويعلم الناس أنهم إلى اليوم ما قدموا لها الدواء» كيف نيكس من المستقبل والمستقبل بيد اللّه وحدهء وكثيرا ما تأتى الحوادث بخلاف المنتظرء وبغير حساب؛ ألم يكن الكثير من المصريين» ومن غير المصريين فى يأس من مستقبل الدولة العلية؛ ويعتقدون أنها على مقربة من الموت؛ فها هى اليوم قد ساعدتها الحوادث التى ساقها الأعداء مؤملين البطش بهاء فظهرت بمظهر القوة والحياة: وأصبحتم
كيف نيئس من المستقيل وقد أرانا التاريخ أمآ حكمها الأجانب قرونا طويلة» ثم قامت بعد الذل والاسترقاق؛ مطالبة بحقوقهاء وأعرجت الأعداء من ديارهاء واستردت حقوقها وحريتها. هى النفوس الصغيرة التى يخلق عندها الأمل بكلمة: أو تلغراف» ثم يستولى عليها اليأس بكلمة:» أو تلغراف؛ أما النفوس العالية الكبيرة فيدوم فيها الأمل مادام الدم فى العروق: ومادامت الحياة» وأى حياة ترضاها النفوس الشريفة مع اليأس؟ أيجمع المرء فى جسم وأحد الموت والحياة» إذ اليأس موث حقيقى» وأى موت...
وقد يرى الخطيب أن الجماعة التى يخاطبها قد استولت عليها آمال بعيدة التحقق, متعسرة الوقوع أو متعذرتهء وأن فى الجرى وراء ها تركا لميدان العمل» وركضا فى ميدان الخيال» وأن الأخمذين بهذا أشبه بمن هم فى أحلام فهو مضطر إلى أن يقول لهم ما يلقى القنوط من هذه الناحية فى نفوسهم. وذلك مركب صعبء ومزلق خطرء لذا يجب أن يكون المتصدى له -حذرا يلقى اليأس» ويحتاط من إماتة النفس» والطريق لذلك:
ا07© 5
-١ أن يبين أن سبيل المجد ما كان عماياًء لا خيالياء وأن التمسك بما هم أحذون به أقرب إلى الخيال» وليحذر أن يكون فى ذلك مصادمة لإحساسهمء بل يمهد لهم بما يعتقدون به أنه مشاركهم فى أمالهم؛ وأن إحساسه من إحساسهيء ثم يعقب بعدة استثناءات حتى يستدرجهم إلى ما يريد ويأحذهم إلى ما يبغى.
؟- وقد يكون من الوسائل امجدية أن يبين اللخاطرء والمشاق التى تكنف من يبغى ذلك المطلب» ويسعى إليه .
7- وضرب الأمثال بمن جهدوا أنفسهم ولم يصلوا إلى مبتغاهم؛ ولم ينالوا متمناهم: مع انصرافهم عن العمل المجدى النافع- مفيد فى ذلك جد فائدة؛ ويوجه النفوس إلى العمل لمنتج المذمر.
ومن الكلام الجيد المفيد هذا المعنى إفادة تامة ما جاء فى خطبة لمصطفى كمال (باشأ»؛ فى الرد على بعض من يدعو للجامعة الإسلامية بزعامة تركيا: أيها السادة» إنى أفهم الجامعة الإسلامية على الصورة الآتية: إن أمتناء وحكومتنا التى نمثلها تتمنيان لجميع المسلمين الذين على ظهر الأرض كل سعادة؛ وأن حخيا كل جماعة إسلامية فى مختلف البلاد حياة مستقلةء ولعمر اللّهء إنا نشعر بسرور وسعادة من ذلك؛ فإن سعادة جميع الأم الإسلامية ورفاهية العالم الإسلامى هى فى نظرنا كسعادتناء ورفاهيتنا. إننا مرتبطوت بهذا الأمرء كما أننا نرى الأنم الإسلامية مرتبطة بناء وبسعادتنا على هذه الصورة» وهذا أمر يتجلئ كل يوم.
إنما إذا أردنا أيها السادة» أن لنمجمع هذا المجتمع الكبير فى شكل إمبراطورية مادية» فهذا خيال محضء مخالف للعلم؛ والمنطق والفنء إننا يجدر بنا ألا ننسى قط أن لكل جسم سياسى نهاية من القوة؛ لا يعدوها أبداً» كما أن هناك خطوطاً طبيعية معقولة للشكل الإنسانى الحسن؛ وكما أن الشكل الإنسانى مبنى على هذه القاعدةء فإن الجماعات التى تتألف من الناس كذلكء لا تشدذْ عنها.
أيها السادة لننعم النظر فى موقفنا قبل قرون» انظروا إلى إفريقية؛ وسورياء والعراق ومقدونيا وبلغاريا والعرب وغيرها من أقسام ممالكنا ثم وازنوا بين حالنا إذ ذاك: وحالنا اليومء هل من الممكن أن تعيش هذه الأ الختلفة الطبائع والبيئات نحت ظل إمبراطورية واحدةء هذا أمر مغاير للطبيعة والعقلء وقد كانت النتيجة ما رأيناه» إذ لابد أن يختلف الأمر فى إفريقية» وأن يختلف فى سوريةء وأن يختلف فى العراق: وأن يختلفٍ فى بلادئاء فإذا سعينا لنجعل الجميع
واحداً أخطاناء إنما نحن تتمنى أن تتشكل كل جماعة إسلامية تشكلا طبعيآً» وأن تخافظ على استقلالها وأن تعيش عيشة حرة؛ ولا شك أننا أمة تقر بأن سعادة الأم الإسلامية سعادة لناء ثم
0 إننا نحن والعالم الإ سلامى جماعة كبيرة» تلتف حول عرش المخلافة , وكلنا تل سك » ونبسجله
(ه) الغضب والخوف: فد يرق الخطيب أن اللجماعة خخنسة ترة. ويرى أن 2 الذى م ليه خطير» إلى إثارة النضب ليرقظ تلك السجايا من رقدتهاء وينيهها من غقاتها. ؛ ويتعخذ منها قوة ملعهبة تذلل الصعب» وتذيب الصم الصلاب؛ والطريق لذلك: 1- أن يذ كر الأهانة ويعظمهاء ويصورها فى صورة مذاكية للحفائظل: مليرة للهمم. ؟- وأن يذكر العار الذى يلحق الجماعة؛ إن لم تتحفز لغسل تلك الإهانة بالذود عن حماهاء والذب عن ححياضها. آت وأن يضرنب الأمعال بذ كر الأشباه والنظائرء ويجعل لهم الأحرار من الناس مكل يحتذى » وذوى الهمم الفعساع أسوة تؤتسى. ومن أقوم الخطب التى تثير الحمية»-وتدفع ذوى الإقدام إلى الإقدام خطبة الإمام على أبن أبى طالب» فى حث جنذهة على الجهاد؛ وها فى ذه: أيها الناس المجتمعة أبدانهي؛ الختلفة أهواؤهمء “كلامكم يوهى الصم الصلابء وفعلكم يطمع فيكم عدوكمء » تقضولون فى المجالس كيت وكيت» فإذا جاء القتال قلتم حيدى حبادى 7 ؟ ماعزت دعوة من دعاكم؛ ولا استراح قلب من قاساك”" أعاليل بأضاليل 7" . وسألتمونى التأخير؛ دفاع ذى الدين المطول””' هيهات:؛ لا يمنع الضيم الذليل؛ ولا يدرك الحق إلا بالجد» أى دأر يعد داركم تمنعونٌ؟ أم رع أى إمام بعذى تقاتلون ؟ المغرور واللّه من خبررتموه» ومن فازبكم فاز بالسهم الأخيب» أأصب بحت والله ١ أصدق قولكم: ولا أطمع فى )١( ألقيت هذه الخطبة قبل إخراج ج الخليفة من تركيا. (9© كلمة يقولها الهارب كأنه يسأل الحرب أن تنتحى عنه؛ ويقول ححيدى أى إتعدى ياحياد هى كلكاع مبنية على الكسر: 1) هركم (4) جمع أعلولة وأضلولة. (5) «مميغة مبالغة من المطل وهو تأخير الدين.
نصرتكمء فرق الله بينى وبيتكم, رأعقبنى بكم من هو خمير لى منكم؛ ؛ لوددت أن لى بكل عشرة منكم رجلا من بنى قراس بن غتب'! ' صرف الديتار بالدرهي» .
وقد يرى الخطيب الجماعة فى اندفاع وعصيان وثورة» ويرى أن علاجها إلقاء الرعب فى قلوبها؛ وبث الرهبة فى نفوسهاء ليستقيموا على الجادة؛ ويسلكوا السبيل» فيلقى فى ذلك ختطيا سداها ولحمتها نفث الروع فيهم وتخويفهم؛ وطريق ذلك:
-١ أن يبين لهم سوء العقبى لا هم يفعلونء وأن الطامة الكبرى فى طريقهم غير اللقويم. . ؟- وأن يمين أن فوات كثير من رغباتهم؛ وطلباتهم فى استمرارهم على غيهم؛ وأن 3 الحرمان هو النتيجة الأولى لسلوكهم.
1- وأن ينيط عقابا خخاصاء يقع بالمستمر على غيه؛ الموعث فى سيره» والموغل فى إثّمه .
وإنك لتجد فى خطب العصر الأموى» وصدر العصر العباسى شيا كثيرا مشتملا على ذلك النوع من الخطب المرعدة الميرقة» كما ترى فى خطب الحجاج بن يوسف الثقفى: وخطب زياد بن أبيهء وبعض خخطب عبد الملك بن مروان» ومعاوية بن أبى سفيان ومن ذلك خمطبة عتبة بن أبى سفيان فى أهل مصرء وقد أبلغه تململهم بحكم بنى أمية» فقد قال فيها:
يأأهل مصر إياكم أن تكونوا للسيف حصيدا فإن لله فيكم ذبيحا لعقماك: أرجو أن . يولينى نسكه» إن الله جمعكم بأمير المؤمنين بعد الفرقة» فأعطى كل ذى حق حقه؛ وكان واللّه أذكركم» إذا ذكر بخطةء وأصفحكم بعد المقدرة عن حقهء نعمة واللّه فيكم: ونعمة منه عليكم وقد بلغنا عنكم يخم قول أظهره تقدم عفو مناء فلا تصيروا إلى وحشة الباطل؛ بعد أنس الحق» بإحياء الفتئةء وإماتة السننء فأطأكم واللّه وطأة لا رفق معها؛ .حتى تنكروا منى ما كنثئم تعرفون» وتستخشنوا ما كنتم تستلينون» وأنا أستشهد عليكم الذى يعلم خائنة الأعين وما تتخفى الصدور.
وقد يكون التخويف بسوء العقبى يوم القيامة. فيذكر الخطيب السامعين بهول ذلك اليوم» وما فيه» والموت والبلى» وبأن ما فى الحياة الدنيا إلى فناءء وما فى الآخرة إلى بقاءء وأمثل الخطب فى ذلك خطب المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلمء والخلفاء الراشدين» ومن نهج نهجهمء ومن خطب النبى تله فى التذ كير بالموت خطيته التى جاء فيها:
)١( قبيلة من بكر.
دأيها الناس-كأن الموت فيها على غيرنا قد كتبء وكأن الحق فيها على غيرنا قد وجبء وكأن الذى نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون. نبوئهم أجداثهم»؛ وتأكل من ترأثهم » كأننا ممخلدون بعدذهم ؛ ونسيئا كل واعظة وأمتأ كل جحاشيحةة .
وخطبته عليه الصلاة والسلام التى جاء فيها:
دأيها الناسء إن لكم معالم؛ فانتهوا إلى معالمكمء وإن لكم نهاية» فانتهوا إلى نهايتكم: إن المؤمن بين محاقتين: بين عاجل قد مضىء لا يدرى ما الله صانع فيه» وأجل قد بقى؛ لا يدرى ما الله قأضص فيه فليأخذ العيد من نفسه لنفسهء ومن دنيأه لأخحرته؛ ومن الشبيية قبل الكبر؛ ومن الحياة قبل الموت؛ فو الذى نفس محمد بيدهء ما بعد الموت من مستعتب؟ .
(و) الرحمة:
من المقامات المخطابية: ما يكون قطبها إثارة بواعث الرحمة فى نفوس السامعين؛ واستدرار عطفهم على طائفة من الطوائف ؟ أو شخص من الأشخاص» أو مخريك شممهم لعمل إنسانى جليل؛ فيه مواساة لبنى الإنسان؛ أو مداواة لكلومهمء كإنشاء مستشفى لمرضى السكر أو للولادة؛ أو للفقراء: أو ملجاً لليئامى» أو إعانة لمنكوبى حريق» أو منكوبى سيل طاع قل طم؛ أو شفقة ذوى القلوب. فقى هذه الأحوال يتجه الخطيب إلى عاطفة الرحمة فى مخاطبيه فيثيرهاء وطريق ذلك :
. أن يصور اخمنة فى صورة تثير المشاعر, ويستدر العطف -١
؟- ويبين للناس أن من وقعت بهم هذه المصيبة ما كانوا لها متوقعين» بل جاءتهم بياتأ وهم نائموت, أو فجأتهم مرع حيث لا يشعروك.
1- ويذكر أنها إصابة المقدار؛ وكل امرئ معرض لهاء ومن يصاب بها يكون فى مثل حاجة هو 5
4- ويبين أن بنى الإنسان أو الجماعة المؤتلفة منهم جسد واحدء إذا اشتكى عضو منه ذا عى له سائر الجسد بالحمى والسهر. فى مصاف ذوى الكمال.
0
”"- ويحسن أن يعرض صورا للحادثة؛ إذا وجد فى عرضها ما يثير الرغية فى المعاونة . 7-- وليجعل الخطيب الداعى إلى الرحمة من حاله ما يناسب مقاله؛ فليجعل من ملامح و-جهه) ونغمات صوتة ؛ وحركاته: وإشاراته ما يصور عاطفته وإخلاصه فيما يدعو إليه؛ فإن لذلك أثره الواضح فى ذوى القلوب الرحيمة. 4- وليكثر من ضرب الأمثال: فإن ذلك يثير الخيال فى الناحية التى يريدها الخطيب»: وإثارة الخيال فى تلك الناحية من موقظات الشفقة؛ والعطف الإنسانى. وإثارة عواطف الرحمة قد تكون لب الدفاع فى بعض الجنايات» كما إذا كان المتهم معترفا بجنايته» ولكن دفعه إليها دافع شريف» كدفاع عن شرفه: أو عرضء أو كرامة؛ فعلى المحامى أن يصور الدافع فى صورة مثيرة للعطف عليه؛ وأن يحيط مرافعته بإطار من الحوادث التى تثير الرحمة فى نفس القضاة؛ خمصوصا إذا كانوا محلفين: كما فعل محام فرنسى فى دقأحه عن أمرأة مزقت وسجه خليلة زوجهاء إد رأتها شرعاء 86 بيتهاء فقذف جاء فى حتام كلامه: أنتم ياحضرات المحلفين» قضاتناء وواجبكم أن تسألوا أنفسكمء أقعلت ما فعلت» عامدة قاصدة؛ أم دفعها اليأس لذلك الفعل» بغير إدراك؟ لا يجوز لكم أن تقضوا بالإدانة, إلا إذا تأكد لديكم أن ال: لتهمة كانت حرة الإرادة» وكانت تستطيع أن تمتنع عن فعل ما فعلت. ولم هل ارتكبت هذه المتهمة الواقفة أمامكم فعلتها بدافع سيوء؟ أكانت تستطيع أن تقف غضبها عند حدء وتسيطر عليه؟ هذا هو لب الموضوع. فإن وجدتم أنها احدملت كل أنواع . الآلام والعذاب وأنها لجأت للتهديد والرجاء» وأنها حاربت سنة كاملة؛ فاحكموا ببراء تها. وما تصاب امرأة كهذه إلا ولله فى أمرها حكمة:؛ إنها لم تفعل فى حياتها إلا ما هو حسن ؛ ومع ذلك حرمت زوجهاأ؛ ولها الأن أربعة أشهر كاملة محرومة من ابنتها» اليس ذلك مؤماء لازوج ولا ولدء وكلما ذهبث ابنتها لزيارتها فى السجن ؛ زادت الامها الاماء تقول لها: تعالى يا أماهء لا تبقى فى هذا المسكنء إنه بارد مظلم؛ تعالى معى للمنزل» فتجيبها أمها: غداً.. غداً ياابنتى؛ سأحضر. ولكن غداً لا يحضر أبدأً؛ لك اللّه يابنبةء لقد وعدناك بأنك ستأخذين أمك مساء الأمس. حضرات المحلفين» لقد أبطأنا كثيراً» فانطقواء انطفوا سريعاً بحكمكم واللّه يتولاكم برعايته . ١
عور
لابب
الت م
هو تنظيم أجزاء الخطبة؛ وإحكام تركيبهاء وربط بعضبها ببعض» ووضع أدلتها فى شكل منتج » فالتنسيق هو فى الحقيقة بناء الخطبة» ونظام عقدهاء يجعل معانيها متساوقة؛ فيأخذ بعضها بحجز بعضء ويجعل الغرض منها واضحاًء إذ لا يذكر المعنى إلا بعد التمهيد له» فيكون قريياً مألوفاً, وواضحاً مكشوقاً. وإذا أخجل به تمأم الأحذء مع التجنب لُعيويه » والتمحرى ضحاستئه 2 صمن للمتكلم سيل الإصغاع؛ وكمال الانتيأة.
وقد ذكر العلماء للخطبة ثلاث مراحل:
الأول المقندمة» والثانية الإثبات» والثالثة الخاتمة.
وتنسيق الخطبة أن يراعى الخطيب قوانين هذه الأقسام؛ فيتيع ممدحاستهاء؛ ويجاب معاييها. وقبل بيانها نقول: إن-هذه المراحل لا تكون فى كل الخطبءبل من الخطب مالا
ومن الخطب ما لا يشتمل إلا على الإثبات والخاتمة» كبعض المرائى. وبعض اللخطب» يشتمل على تلك العناصرء ككثير من الخطب المطنبة» ومرافعات الخصوم فى الحاكم؛ وخحطب الشورى فى اججالس الشورية؛ والخطب السياسية فى المؤتمرات الدولية» وغيرها.
ظ المقدمة
هى ما يجعله الخطيب صدر خطبته -١ ليثير الفكر إليها ؟- وليعطى السامعين صورة إجمالية لها "1- وليحصر لهم معانيهء وأفكاره فى نطاق لايعدوه» ولا يتجاوزهء ويسمى الأول حسن الافتتاحء والثانى بيان المقصدء والثالث تقسيم الخطاب.
وإن من الخطب مالا يحتاج إلى ذلك كلهء فبعضها لا أقسام فيهاء فلا حاجة إلى تقسيم خخطاب» وبعضها موجزء فلا يذكر فيه إلا افتتاح صغير يناسبه؛ إذ التكرار فى هذه الحال يعيبهاء فإن من العبث التكرار مع الإيجازء وذكر المقصد أولا مجملاء ثم بيانه ثانياً تكرار لا يتفق مع الإيجاز.
ومن الخطب ما يحتاج فى مقدمته إلى كل هذه الأجزاءء كالمرافعات المطنية فى النمحااكم؛ والخطب الشورية المطنبة؛ وبعض الخطب السياسية؛ وخحطب الجدل والمناقشات» وقد حت من هذا أن ذكرها جميعا لا يكون إلا فى مقام الإطناب.
ونحن على أية حال نبين هذه الأمور» ونذكر ما يستحسن فيهاء وما يستهجن؛ ليكون علمها سلاحا فى يد الخطيب يستعمله إن الجأته ضرورة إليه؛ أو مست الحاجة» أو وجد منها ما يناسب المقام» ويحمل الخطاب.
(أ) حسن الافتتاح:
إذا أراد الخطيب أن يجعل لخطيته افتتاحاء وجب أن يعنى به تمام العتاية؛ وأن يجمله بكل وسائل التجميل المناسبة التى مجتذب الأفكار إليه وتهيوع الأسماع؛ وتتجعل النفوس تتقيله بقبول حسنء فإِن الفكرة الأولى عن شئء أو عن أمرء أو عن شخص تثبت وتقر بالنفس» ومحوها يحتاج إلى عناء شديد؛ فإن كانت حسنة صعب تهجينهاء وإن كانت سيئة صعب تزييتها. 00
والافتتاح (إن وجد) أول ما يلقى الخطيب به الجماعة» فإن وقع من نفوسهم القبول» كانت الخطبة غالبا على غراره. واستطاع أن يصل إلى قلوبهم» وإن لم يصادف قبولاا صعبت الحال. واحتاج الأمر إلى بير بأحوال النفوس» حاذق فى طرق العلاجء ووسائل الشفاء من ذلك التفار وهذا الشماس.
ا اس
قال ابن الأثير فى كتاب المثل السائر: وإنما خخصت الابتداءات بالانحتيار» لأنها أول مايطرق السمع من الكلامء فإذا كان ذلك الابتداء لاثقا بالمعنى الوارد بعده» توافرت الدواعى على استماعه» ويكفيك من هذا الباب الابتداءات الواردة فى القرآن الكريمء كالتحميدات المفتتح بها أوائل السورء وكذلك الابتداءات بالنداءء كقوله تعالى فى أول سورة البحج : اياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئع عظيم» فإن هذا الابتداء ثما يوقظ السامعين
وللخطباء مذاهب شتى فى انتتاحهمء ولا نستطيع حصر طرقها لأن أفضل مناهجها مر ججعة إلى حعسن تضرف الخطيبي»: وجودة تقكيرهء وإنا ذاكروتن بعضها على سبيل المكال ؛
1- فمن الخطباء من يفتتح خخطبته بما يشير إلى موضوعها. ويلوح بالقصد منهاء وقد كان يستحسن ذلك الجاحظ» وابن المقفع. فقد جاء فى البيان والتبيين نقلا عن ابن المقفع؛ وتعليقا عليه:
وليكن فى صدر كلامك دليل على حاجتلك»: كما أن خير أبيات الشعر البيت الذى إذا سمعت صدره؛ عرفت قافيته» كأنه يقول فرق بين صدر خطبة النكاحء وبين صدر خطبة العيذ»؛ ونحطبة الصلح» وخطية المواهب»: حتى يكون لكل شن ب ذلك صدر يدل على تر فإنه لا خير فى كلام لا يدل على معناكء ولا يشير إلى مغزاكء وإلى العمود الذى إليه قصدت: والغرض الذى إِلِيه نزعت.
ومن أبلغ الافتتاحات التى تشير إلى موضوع الخطبة افتتاح الإمام على رضى الله قال كرم الله وجهه: الحمد لله وإن أنى الذهر بالخطب الفادح, والحدث الجليل , وأشهد أن عليه وآله.
أما بعد: فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب» تورث الحيرة» وتعشب الندامة» وقد كنت أمرتكم فى هذه الحكومة أمرى؛ ونخلت لككم مخزون رأبى: لو كان يطاع لقصير أمرء
فأبيتم على إباء امخالفين الجفاة؛ والمنابذين العصاةء حتى ارئاب الناصح بتصحه؛ وضن الزئد بقدحه: فكنت وإيا كم كما قال أخو هوآزل:
7 ومن الخطياء من يبتدئ خطبته بحكمة أو مثل سائر» أو ببعض أقوال المتقدمين» أو حطبته فى تعاون الجماعة فى إصلاح حالهاء وتقويم الفاسد من أمرها بتلاوة قوله تعالى: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف؛ وينهون عن المنكرء وأولنك هم المفلحوت» : وكمول أبى العباس السفاح بالشام بعل الاستيلا'م على الملك من أل مروان :
«ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراء وأحلوا قومهم دار البواره جهنم يصلونهاء فس القرار» ٠ نكص بكم ياأعل الشام؛ آل سكرب وال مروانت» يتسكعون بكم الظلمء ويتهوروك بكم مداحض الزلق» يطئون بكم حرم اللّهء وسحرم رسوله؛ ماذا يقول زعماؤكم غداء يقولون: ربنا هلا ء أضلوناء فأتهم عذاباً ضعقا سن النار»ء إذ يقول الله عر وجل : الكل ضعقض ولكن لا تعلموث» إلخ
شتشنة أعرفها م أخِزم 2 من يلق أبطال الرجال يكلم
؟-- ومن الخطياء من يبتدئ خطبته بذكر كلام خصومه. ودلائلهم والدوافع التى دفعتهم إل رأيهم» ثم يعقب بالنقض كما ترى فى كثير من الخطب السياسية؛ وخطب الخصوم فى مجالس القضاء ومطارح الخلاف.
5-- ومن الخطباء من يفاجيع السامعين فى مفتتح كلامه بما يزعجهم كما كان يفعل الحجاج فى أيتداء خطبه . ومنها ختطبته التى أولها:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ١ متى أضع العمامة تعرفونى ه- ومن الخطياء من يفتتح خطبته ببيان أنه من الجماعة التى يخاطبهاء وأنه فى
مستواها ليقربها إليهء ويكون لكلامه فضل تأثير فيها كما قال ولسن فى افتتاحه خخطبة له فى اتخاد العمال:
لقد قدمت إليكم على أنى رئيس للولايات المتحدةء ومع ذلك أود لو وضعتم فكرة المنصب جانباء وعددتمونى رجلا من بنى الوطن جاء إلى هناء لكى يتكلم كلام المشورة والنصيحةء لا كلام السلطانء كلام رجال؛ يخاطب كل منهم الأخرء ويريد أن يكون صريحا فى وقت قد يكون أعظم حرجا مما عرفه تاريخ العالم بأسره حتى الآنء فالواجب يقضى على كل رجل فى هذا الوقت أن ينسى نفسه ومصالحه ويملاٌ نفسه بكل ما فى النظرية التى يعتئقها الوطن والعالم من نبل» ويعمل فى ميدان جديد. يترفع عن شككون الحياة العادية» ويكون -حيث
ينظر الرجال إلى أقدار الجنس البشرى.. إلخ.. إلخ.
"-- ومن الخطباع من يفتتح خخطبته بإحياء آراء قديمة للجماعة؛ يبنى عليها ما يدعوهم إليه من جديد كما فعل المصطفى كه عندما أنذر عشيرته الأقربين؛ إذ سألهم عن صدق
حديثه. فقال عل : (أرأيتم لو أخبرتكم أن خعيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم» أكنتم مصدقى؟
فقالوا: نعمء ماجربنا عليك كذبا» فالقى عليه الصلاة والسلام خخطبته.
وقد يحبى الخطيب بافتتاحه كلاما كان قد قاله» ليربط بين ما قاله أولاء وما يقوله الآنء فيكون ذلك إبناساً للمعلومات وتوثيقا لها.
/- وقد يبتدئ الخطيب خطبته؛ بالثناء على السامعين» ليهيئع نفوسهم لتلقى كلامه بالقبول» إذ لا شىء يهز أعطاف السامعين كالثناء عليهم» وذلك باب واسع يصح الدخول فيه
بشرط الاتزاك وضبط النفس .
/- والخطب الديتية يستحسن فيها أن تبدأ بالحمد لله''' وببعض الأحاديث النبوية الشريفة» أو الآيات القرآنية التى تناسب المقام الدينى الذى يتكلم فيه. وإذا لم يكن موضوع الخطبة دينياء ولم يرد أن يبدأ بما يلبسها الشعار الدينى:
فليختر من الافتتاحات ما يكون فيه جدة:» ليكون فيه إثارة للاهتمام؛ وتنشيط للأفهام:
وليجتهد فى ألا يبدو التكلف فى افتتاحه وإلا ثقل على النفس كلامهء فيصعب عليه الوصول
إلى غرضه.
(1) كان الخطباء فى صدر الإسلام وفى العصر الأموى وفى العصر العباسى ييتدئون خطيهم بالحمد لله: وتعتير الخطبة بتراء إذا لم تيدأ بذلك. وليس هذا البدء عيبا كما توهم بعض الناس: لأن هذه الخطب كانت دينية بحتة أو تنحو منحى دينيا فى جملتهاء وكان الخطباء متدينين يتيمنون بذكر اسم الله سبحانه وتعالى» وبذلك يحيطون خخطبتهم بسياج من الدين الحكيم.
ل كريس
مهما يكن من أمر الافتتاح يجب: ١ - أن يكون قصيرا موجزا لكيلا يشغل الذهن بغير المطلوب» فينصرف غن الطلب الأول إلى ما هو با محل الثانى.
؟- وألا يكون مبتذلا تمجه الأسماع.
:هذا ويلاحظ أن كثيرا من الخطباء لا يتجهوت إلى افتتاح خاص لكلامهم أي كان توعهء بل يهحجموك على المأمصد» ولا ضير فى ذلك؟ لأن الافتتاح ليس أمراً لازمآ ساذجاً .
(ب) المقصد: وذلك ليهيء الأذهان لتلقيه. ويشعرهم برفق إلى ما سيقوله. ولابد عند ذكر المقصد من ملاحظة ثلاثة أمور: أحدها - أن يذكره فى قضية عامة» لا يبنيها على مقدمات؛ لأنه لو بناها على مقدمات كان ذلك سياقا برهانياً: وهو أجدر بالائيبات مئه بالمبادئ. فمثلا إذا كان موضوعه الذى هو بصدد الكلام فيه الدعوة إلى تثبيت نظام. أو منع فوضىء قال : السلطان وازع الله فى أرضه. المنهم برئ حتى يقوم الدليل على جنايته؛ وكل شك يكون فى مصلحة المتهمء لا فى مصلحة وإذا كان يريد أن يخطب جمعاً يحفهم على إحياء القرآن الكريم بحفظه والعمل به وفى كل هذا ترى الموضوع قد ذكر فى قضية عامة.
لدم د
وثانيها - أن يكون واضحا فى الدلالة على الموضوع. لأنه إن لم يكن كذلكء لم يشمر ثمرته المرجوة» وألقى فى نفس السامع روح العبرمء وكان ذلك طريقنا لورود السأم إلى قلبه.
ولالغها - أن يلتى فى جملة تثير ميال النفس» وتهزهاء فتنشط إلى سماع ما يقال؛ وتهتز أوتار القلب بكل ما يجع به الخطيب من معان؛ وعبارات جيدة محكمة.
ومن أبلغ المدمات التى اشتملت على مقصد بليغ قول الإمام على بن أبى طالب رضبى الله تعالى عنه فى إحدى .خطيه التى يحث فيها على قتال العدو:
أما بعد: فإن الجهاد باب من أبواب الجنة» فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلة: وشمله البلاءء وألزمه الصغارء وسيم الخسفء ومنع التصفء ألا وإنى قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهاراً وسرا وإعلانا إلخ.. إلج”2 .
هذا وليس بلازم أن يذكر المقنصد دائماء بل قد يوجب المقام إهماله وذلك إذا أراد الخطيب أن يستدرج السامعين إلى ما يريد أن يأخذهم به ولو صرح لهم به لنأوا عنه. وأعرضرا بجانبهم؛ وقاطعوه» ففى مثل هذه الحالء يجب عليه أن يأخذهم فى رفق إلى ما يريد؛ من غير أن يصرح بمقصده.
ألا ترى فيما ذكرنا فى موقسف أنتونيو فى روابة يوليوس قيصرء لو صرح لهم بغرضه فى أول الأمرء وهو بيان أن قتلته ظلمة. ما استطاع أن يتم خطبته» بل ريما مزقته الجماعة كل ممزق.
لذا نقول إن المقصد ليس بلازم ذكره فى كل الأحوال» بل من الأحوال ما يجب فيها إخفاء الموضوعء؛ حتى يبلخ الخطيب غايته» من تهيثة النفوس لتلقيه» إن كانوا عنه معرضين, وله غير مذعدين» أو اضطر إلى أن يخاطبهم بغير ما يألفون.
(ج) تفسم الخطاب:
إذا كانت الخطية واسعة الأطراف» مترامية النواحى» كثيرة الشعب؛: كان على الخطيب أن يجمع أشتاتهاء ويضبط أجزاءهاء ويقسمها تقسيما جامماً لأطرافها وحواشيهاء وذلك:. ظ 0 (1) قد تقدم بعضها وأرجع إليها كاملة فى كتاب البيان والتبيين ج؟ ؛ ونهج البلاغة جا .
اضطراب ولا تهويش ولا شرود. 7-- وليف السامع على سياقها وترتيبهاء فيكون على بينة منهاء فيترقب كلى جرء فى موضعهء وذلك داع لانتباهه ويقظته وحرصه على الإدراك» والفهم بيعل السماع والالتفات. -٠ ولكيلا يضيع جزء منها فى مهب الاضطراب والطول واتساع أطراف الموضوع.
-١ ويجب على الخطيب أن يذكر الأقسام فى صدر الخطبة فى وضوح وجلاء
وإيجاز. ؟ - كمايجب أن تكون الأقسام أ رعة لكل أطراف الخطية: غير تأر كة جزءاً من
- وأن تكون فيما بينها متباينة» بحيث لا يكون قسم داخصلا فى قسم آخره حتى لا يكون اضطراب» وتهويش وتكرار من غير حاجة إليهء فيلقى فى النفس سامة وملالا.
- وأن تكون العلائق وثيقة بين الأجزاءء بحيث يكون كل جزء كالمترتب على سابقه» حتى لا تكون الخطبة مقطعة الأوصالء منفصمة العراء غير حسنة الانسجام.
ه-- وأن يشرح الأقسام بالترتيب الذى ذكره فى صدرهاء حتى لا يضطرب فكر السامع ؛ ولكيلا يليس عليه؛ ولكى يكون النظام محكماء فلا يكون تهويش: ولا خطلل.
وأكثر ما يكون التقسيم فى المرافعات القضائية» والخطب السياسية المطنبة؛ والشورية المسهية كما ذكرناء ومن المرافعات التى ذكر التقسيم الخطابى فى أولهاء مرافعة أحمد لطفى السيد «بك»» فى الدفاع عن المنهمين فى حادثة دنشواى؛ فقد قال فى مقدمة دفاعه :
بعد أن سمعت المحكمة مرافعمة زملائى: يكون مركزى حرجاء ومجالى ضيقاء وإنى لا أنحشى أن أقول الحق» وأحصر دفاعى فى ثلاث كلمات: فالكلمة الأولى عن سيب الجريمة» والكلمة الثانية عن تطبيق القانون؛ والكلمة الثالئة فى العقوبة؛ والطليات وتقدير المسثولية. ثم أخذ يشرح تلك العتاصر.
هل د
وإذا كان الخطيب فى خحطبته يرد على ختطيب أخخرء يحسن بالقدر الممكن أن يجعل الأقسام ذات اتصال بكلام الخصم وأقسام كلامهء ليتلاقى الرد مع قول الخصمء فيتضح النقض ويظهر التشنيد.
ومن أجود هما جاع فى ذلك مرافعة المرحوم أحمد لطفى ١(بك» فى الدفاع عن قاتل بطرس غالى #باشا» رئيس الوزارة المصرية الأسبق» فقّد ذكر بعد افتتاحه ما يأتى :
تطلب النيابة معاقبة المتهم بمقتضى نص المادة 194 على اعتبار الفعل المسند إليه ججريمة تأمةءع وتلسكئل 7 ذلك على :
-١ أن المتهم مسئول قانونا عن وفاة المرحوم بطرس غالى «باشاهء سواء أكانت تلك الوفاة نتيجة مباشرة للإصابات التى أحدثها فى جسم الفقيدء أم كانت نتيجة الصدمة النائجة عن العملية:
؟- وأن الإصابات المذكورة فى الواقع هى التى أحدثت الوفاة مباشرة.
والدقاع يجيب عن التهمة بما يأتى:
() أنه يجب للسعولية المتهم عن جريمة القتل التام» أن تكون إصاية المتوفى أحدئت الوفاة مباشرة .
(ب» أن طريق إثبات العلاقة السببية بين الجروح وبين الوفاة لا يقوم إلا بطريق واحد وهو الكشف الطبى الشرعى الذى يجب أن يعمل بطريق تشريح الجثة.
(ج) أنه بالرغم من ذلك» لم يشبت من الأدلة التى أقامتها النيابة أن الإصابات المذ كورةء سببت وفاة المرحوم بطرس دباشاء غالى» وأنها ما كانت نتيجة العملية؛ أو أى سبب
#0 أنه مهما كان وصف الجريمة قتلاء أو شروعاً فى قتل : فإن امتهم أيضاً غير مسثول عنهاء ويجتب تبركته منهاء لأنه وقت ارتكاب الفعل لم يكن مالكا لْمَوة الإ رادة والاخسيار؛
فتسبي عنه قتله .
لذلك يجب أن نتكلم عن كل هذه النقط : م تأخدذ فى بيانها بإطناب ونرى من هذا كيف بنى أقسا م كلامه على تفنيد كلام الخصم.
اي
الاثبات هو موضوع الخطبة وغرضهاء إذ فيه تأييد القضية التى يدعو إليها بالدليل والدليل عمود الخطية: وقطبهاء وشل كان بعص الأقدمين من الفلاسفة يرف أنه ا يسوعٌ للخطيب أن يستعمل من وسائل الإقناع سواه» كما ذكر ابن سيئأ فى الشفاع؛ ولكن الحق غير ذلك: كما علمت ف ى الإقناع الخطابى الذى بيناة. والإثبات فسمان: أحدهما شرح الأدلة التى يعتمد عليها الخطيب فيما يدعو إليه؛ الخصم يمأ بنقفض دعوأه » ويسمى تفنيذا.
التبيان
(أ) الأقيسة الخطابة والمنطقية:
فى التبيان يشرح الخطيب دعواه ويؤيدها بما يراه مثبتآ لهاء مقيما لأركانهاء مثيرا الأفهام لإدراكهاء وقد تكلمنا فيما مضى فى طرق إثارة الأهواءء ومصادر الاستدلال. ونريد أن نتكلم هتنا فى وضع الأدلة وضعاً يلائم الخطابة» ويشفق مع الغرض المنشود منهاء والمرمى المقصود.
ولا شك فى أن وضع الأدلة الخطابية يخالف وضع الأدلة المنطقية؛ بعبارة أدق نقول: إن الأقيسة الخطابية لا تنفق مع الأقيسة المنطقية من كل الوجوهء ولا تتلاقى معها فى كل النواحى :
-١ لأن الأقيسة المنطقية تتألف من قضيتين تسميان مقدمتينء ولابد أن تكون كلتاهما يقينية» بينما الأقيسة الخطابية أو الأساليب الخطابية لا تستلزم دائما ذكر المقدمتين» بل يكتفى فى كثير من الأحيان بذكر إحدى المقدمتين؛ وتطوى الثانية لفهمها من فحوى الكلام» وروح الخطاب. ولا يلزم أن تكون مقدمتا القياس الخطابى يقينيتين» بل يكتفى فى كثير من الأحيان بالظن الغالب أو العرف الشائع أو المشهور المستفيض أو من قول عرف بالحكمة والسدادء وقد ذكرنا شيئاً من ذلك فيما مضى.
ل يي ااا ببسب
1- ولآن الأقيسة المنطقية» يكتفى فى وضعها بذكر المقدمتين والتتيجة من غير أن يكسو المنطقى الكلام بأى طلاء يجعله لدى العاطفة مقبولا؛ بيتما الأقيسة الخطابية لا يكتفى فى وضعها بذلك» بل لابد من كساء من ألفاظ سهلة رشيقة» أوضخمة فخمة» وضرب الأمثال؛ والتقريب والتوضيح» بالموازنات والمقايسات.
1- وفى الجملة إن الأقيسة المنطقية مقيدة بأشكال ووجره لا تعدوهاء لكى تكون عصحة الذهن من الخطأ تامة؛ بينما الخطيب غير مقيد فى استدلاله بأشكال ووجوه» بل هو يتبع مواضع التأثير» ومخاطبة الوجداتن والعاطفة: كما يتتبع الراعى مواضع الكلاء ومنايت العشب؛ ومساقط الماء؛ ليغذى أرواحم السامعين: كما يغذى هذا أبدان ما يرعاه.
والأمثلة على ذلك كثيرة» بل كل الخطب لا يخلو من أن تشعمل على أقيسة محلاة من قيود الأشكال المنطقية. ولا نتكر أن التزام الشكل المنطقى فى بعض أجزاء الخطية قد يكون مجملا لهاء يعطيها رونق التحقيق؛ ويكون ذلك شيئا طريفا فى وسط التأثيرات الخطابية وأساليب البيان» ولكن ذلك لا يحسن إلا إذا كان الخاطيون بمن يدركون تلك المناحى» ومن يفهمون ذلك النوع من الخطابء فإن لكل قوم قدراً من المعانى» ونوعا من الكلام.
وقد قال بشر ين المعتمر فى رسالته التى دفعها لإبراهيم السكونى» وهو يعلم الصبيان الخطابة:
ينبغى للمتكلم أن يعرف أقدار المعانى» ويوازن بيتها وبين أقدار السامعين» وبين أقدار الحالات؛ فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاماء ولكل حالة من ذلك مقاماء حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعانى» ويقسم أقدار المعانىء على أقدار المقامات.
وعلى كل حال يجب ألا يكثر ذلك فى الخطبة؛ فيسودها الجفاف؛: وتذهب الطرافة: وتنبو التعابيرء وتبعد عن المألوف فى حسن الخطابء وتخرج الخطابة عن معناهاء وطبيعتهاء وعلى الخطيب إذا استعمل قياساً منطقيآ فى خطبته أن يعقب عليه بتوضيح معناه يعبارات خطابية وعيارات موشاة توضح مبهمه: وترطب جفافه.
وأكثر ما تخسن الأشكال المنطقية فى مرافعات الحامين التى تنقيد بقيود وثيقة من مواد القانونء وتخريجاته وتطبيقه؛ ولا تخسن إلا بالشروط التى أسلفناهاء ولابد أن تكون فى صدر الجرء الذى تتعلق به أو فى تحتامه .
فمثلا إذا كان المحامى يريد أن يثبت أن عقد بيع مزرعة كأن صورياء وأنه خرج مخرج الوصيةء لآن الصفقة كبيرة» ولا يعرف للمشترى مصادر مالية» تناسب الثمنء ولأنه لم يدفع الضرائب عن المزرعة. بل دفعها البائع إلى أن مات؛ء ولأنه لم يستوف أجرتها طول حياة البائع. ولأن البائع أب للمشعرى- إذا أ راد الحامى هذا الإثبات: قال فى أول الكلام فى هذا الجزء أو فى أخحره» المشترى ابن البائع» ووارث له بعد موته» وقد باعه تلك المزرعة الكبيرة بيعاً صورياً: يخرج مخرج الوصية شرعاًء وكل وصية للوارث لا تصح شرعاً إلا بإجازة الورثة؛ فهذا العقد لا يصح إلا بإجازة الورثة. ثم يأخذ فى بيان ما يراه مثبتا لهاتين المقدمتين بأقيسة قد اختلطت فيها الحقائق بالأساليب الخطابية» هذا إذا ذكر ذلك القياس أولا. وإن أراد يذكره أخخراء شرح الحقائق على النحو الذى ذكرناه: ثم عقب به؛ فيكون ثمرة للشرح الذى سبقه. ويكون له وقع حسن فى نفس القاضى ومبجلس القضاء. الأقيسة والأساليب الخطابية:
والشروط التى يجب اتباعها عند وضع الأشكال المنطقية فى الخطبة؛ إذا عرفتا ذلك» وجب أن تعرف الأوضاع الخطابية التى يسوق فيها الخطيب الأدلة على صدحة دعوأه » وبيان مرمأة.
لذا نقول: إن لذلك طرائق متشعبة: ومسالك متباينة» يشتقها الخطيب من حال الالجمافغة: ومن يخاريه المخاصة» ولذلك لا نستطيم لها إحصاء فنكتفى بل كر بعض أوضاع شاع استعمالها فى الاستدلال الخطابى.
(أ) الاستدراج:
بألا يفاجئئع السامعين بالتصريح بما يعتقده كله بل يشككهم فيما يعتقدون: وفيما يفعلون» أو يصرح لهم ببعض ما تنتجه براهينه؛ حتى إذا آنس منهم رشدأء وأدرك منهم ميلا خاطبهم بكل ما فى نفسه» وقد يكتفى ببيان ذلك القدرء إن لم تكن النفوس قد تهيأت: والعقول قد استيقطت لإدراكه كله. والاستدراج ياب خطابى واسع النطاق» وقد تصدى لشرحه بعض علماء الأدب العربى.
وننقل لك ما كتبه فيه ابن الأثير فى المثل السائر إذ جاء فيه:
هذا الباب قد استخرجته من كتاب الله تعالى: وهو من مخادعات الأقوال التى تقوم مقام مخادعات الأفعال» والكلام فيه وإن تضمن بلاغة فليس الغرض ههنا ذكر بلاغته فقطء بل الغرض ذكر ما تضمنه من النكت الدقيقة فى استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم» وإذا حقق النظر فيه» علم أن مدار البلاغة كلها عليه؛ لأنه لا انتفاع بإيراد الألفاظ المليحة الرائقة؛ والمعانى اللطيفة الدقيقة» دون أن تكون مستجابة لبلوغ غرض اغفاطب بها.
| والكلام فى مثل هذا ينبغى أن يكون قصيرا فى خلابه؛ لا قصيرا فى خطابه... وقد
ذكرت فى هذا النوع ما يتعلم منه سلوك هذا الطريق» فمن ذلك قوله تعالى :
«وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه؛ أنقتلون رجلا أن يقول ربى اللهء وقد جاء كم بالبينات من ربكم؛ وإن يك كاذياء فعليه “كذبه» وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكمء إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب».
ما أجمل مأخذ هذا الكلام وألطفه فإنه أحذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيمء فقال لا يخلو هذا الرجل من أن يكون كاذباء فكذيه يعود عليه ولا يتعداهء أو يكون صادقا يصبكم بعض الذى يعد كم إن تعرضتم لهء وفى هذا الكلام من -حسن الأدب والإنصاف» ما أذكره لك فأقول: إنما قال يصبكم بعض الذى يعدكمء وقد علم أنه نبى صادق» وأن كل ما يعدهم به لابد أن يصيبهم كله لابعضهء لأنه احتاج فى مقاولة خصوم موسى عليه السلام» أن يسلك معهم طريق الإنصاف والملاطفة فى القولء ويأنتيهم من جهة المناصحة:؛ ليكون أدعى إلى سكونهم إليهء فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله؛ وأدخل فى تصديقهم إياه؛ فقال . وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذى يعتكمء وهو كلام المخصفء وذلك أنه حين فرضه صادقاً فقد ألبت أنه صادق فى جميع ما يعد بهء لكنه أردف بقوله: يصبكم بعض الذى يعد كم؛ ليهضم بعض حقه فى ظاهر الكلام؛ فيريهم أنه ليس يكلام من أعطاه حقه وافياء فضلا عن أن يععصب له. وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل كأنه برطلهم فى صدر الكلام بما يزعمونه؛ لثلا ينفروأ منه.
وثما يجرى على هذا الأسلوب قوله تعالى :
( واذكر فى الكتاب إبراهيمء إنه "كان صديقاً نبيا * إذ قال لأبيه ياأبت: لم تعبد ما لا يسمعء ولا يبعر؛ ولا يغتى عنك شيكا * ياأبت» إنى قد جاءنى من العلم ما لم يأنك
فاتبعنى أهدك صراطاً سوياً # ياأبتء لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * ياأبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن» فتكون للشيطان وليا ».
هذا كلام يهز أعطاف السامعين: ثم أخخذ يشر الاستدراج فى هذه الأية الكريمة» وهو واضح للمتأمل اليصير.
وترى من هذا كله كيف يتخذ الاستدراج طريقاً لإثبات المدعى» وذلك بأن بيدأ الخطيب فى إلقاء الربيب فيما عليه من يخاطبهمء ثم يلقى إليهم ببعض ما تنتجه الأدلة مغضيا النظر عن النتائج الحقيقية السليمة التى تنتجها البراهين» حتى إذا اطمأن إلى أنه قد أنخذ بزمام الجماعة» يقودها إلى حيث شاءء ألقى إليهم بالتتائج كلها لبراهينه. والاستدراج كما رأيت؛ يكون فى المقامات الخطابية التى يكون الخطيب فيها متصدياً للدعوة لأمر لم تألفه الجماعة؛ أو
(ب) القصص:
قد يعمد الخطيب إلى وضع أدلته فى شكل قصصىء فيذكر حال جماعة تشابه الجماعة التى يخاطبهاء ويذكر ما يجرى بينها من مناقشات فى الموضوع الذى يتكلم فيه ويجرى الحجة على ما يدعو إليه على ألسنة الفريق الذى يدعو إلى الرشاد: وقد يذكر المعنى الذى يرمى إليه مصوراً فى قصة فرضية؛ أو حقيقية» ليكون المعنى واضحاً مكشوفاء كما كان يفعل الخطباء القصاص فى العصر الأموى.
ومن أبلغ القصص الذى كان طريقا منتجآ للاستدلال قصص الحسن البصرى» ومن أبلغه ما قاله فى بيان أن الناس متساوون؛ لا فرق بين شريف ووضيع بعد الموت. فقد قال:
قدم علينا بشر بن مروان أخو الخليفة» وأمير المصرين» وأشب الناس» فلما صرنا به إلى الجبانة فإذا نحن بأربعة سودان؛ يحملون صاحباً لهم؛ فصلوا عليه؛ ثم حملنا بشرا إلى قبره» وحملوا صاحبهم إلى قبره؛ ودفنا بشراء ودفنوا صاحبهمء ثم انصرفواء وانصرفتاء ثم التفت التفاتة فلم أعرف قبر بشر من قبر الحبشى» فلم أر شيئاً قط كان أعجب هنه ,
انظر إليه قد بين مساواة الناس بعد الموت فى ذلك القصص الواضح الذى يدفع إلى التسليم قسراء وفيه من لطف الإشارة؛ وحسن التعريض ما يزيده جمالاء ويستغتى به عن كل استدلا ل .
ومن وضع الأدلة فى وضع قصصى كل الأمثال الفرضية التى يذكر فيها قصص غير حقيقى » وخرى -حفائق على للسنة الحجوان كما نمل إان ع ف 0 الأبيض» والأسودء والأحمر» وقل ذ كرتاها قيمأ مهى فأرجع إليها. (ج) الأقيسة الإضمارية وذو الحدين والتمثيل والخلف:
قد يستعمل الخطيب تلك الأقيسة فى خخطبته لتلاؤمها مع الأغراض الخطابية» وأسلوب البيان» والحقائق التى يرمى إلى بيانها الخطييبء وتلك الأقيسة تؤدى بعض ما تؤديه الأقيسة المنطقية» ولا يضر ذكرها بعبارات البلغاء: ولا ينافى روعة الكلام.
وقد قال اين سينا فى الشفاء: الخطابة معولة على الضمير''* والتمثيل . وقال فى موضع آخر: إن المخطابة إنما ذف الكبريات فيهاء لأنها لو صرح بها لزال الإقناع.
-١ القياس الإ ضمارى:
والقياس الإضمارى شائع الاستعمال فى الخطب فإن أكثر الخطياء يعمدون فى استدلالهم إلى طى بعض المقدماتء لأنها مفهومة من فحوى الكلام» وواضحة من لحنه. البصرة. 07
إن فى طاعة الإمام عصمة لأمركم. فأعطوه طاعتكم غير ملومة» ولا مستكره بها.
وترى مه هذا أن إحدى مقدمات القياس محذوفة:» إذ لو وضع الكلام وضعاً منطقياً لقيل إن فى طاعة الإمام عصمة لأمركم وكل ما اشتمل على عصمة أمركم يجب الأخذ به إلخ إلخ. ولا تكاد مد خطبة تخلو من ذلك النوع من الحذفء إلا فى النادر القليل.
؟- والفياس ذو الحدين:
أن يفرض فى المضية فرضين» ويبين أن كلا منهما يؤدى إلى غايتهء أو يثبت نقيض ما يدعو إليه خصمه: كما قال الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه فى كتاب أرسله إلى طلحة والزبير رضى الله عتهما:
)١( يقسد بذلك القياس الإضمارى وهو ما حذقت فيه كبرى القياس.
قد علمتما أتكما ممن أرادنى وبايعنى:» فإن كنتمسا بايعتمانى طائعسين فارجما إلى اللّهء وتسويا سس قريب » وإن كنكما بأيعتمانى كارهين» فقد جعالتما لى عليكما السبيل بإظها ركما الطاعة»؛ وإسرار كما المعصية.
؟- التمتسل: أن يقيس الأمر الذى يدعو إليه على أمر مسلم به عند الجماعة فيلحقه به فى الحكم لجامع بين الأمرين» وكثيراً ما يكون ذلك فى الخطابةء خصوصاً إذا أراد الخطيب أن يقرب ها يدعو إليه من المعروف لديها المألوف عتدهاء وما جرى مجرى الاستدلال التمثيلى قول الإمام على رضى الله عنه فى شأن مبايعة المؤمنين لأبى بكر رضى الله عنهما: لكن نبيتأ كان نبى رحمة؛ عرض أياما وليالى : فقدم أبا بكر على الصلاة وهو يرانى وير مكانى . فلما توفى رسول الله عله رضيناه لأمر دنيانا؛ إِذ رصيه رسول الله 2 لأمر ديتناء ١ فسلمت عليه وبايعت؛ و سمعت؛ وأطعث 4- قياس الخلف:
وهو الذى يقصد فيه إثبات المطلوب بإبطال نقيضه كقوله تعالى: دلو كان فيهما ألهة إلا الله لفسدتاء فسبحاتن الله رب العرش عما يصفون».
وكثيراً ما يتخذ ذلك وسيلة للإثبات ولإبطال دعاوى الخصوم فى الخطب القضائية فى
ومن ذلك مرافعة بعض وكلاء النائب العمومى فى فرنسأ؛ يطالب بإعدام متهم بالقتل» ودلل على ذلك بعد إثبات القتل» بإبطال كل طلب للتخفيف. فقال:
أيجوز لى- بعد ما أظهرته لحضراتكم من الظروف المشددة؛ أن أتحدث عن الظروف الخففة» ولو جرد الرد عليهاء ظروف مخفقة أين هى؟ أين مكانها؟ إنى لا أرى فيما حولى إلا دما مهراقا؟ أتبحثون عنها فى سوايق المتهم؟ فما أسوأها من سوايق» لقد نسى ما علمه له أهله من دروس -حكيمة» ولم يصغ لنصائح والده؛ فقاده سوء الخلق لارتكاب الجرائم» أم تبحشوك عنها فى الباعث له على ارتكاب الجريمة؟ لقد قتل ليسرق» لقد أسال هذا الدم الغالى البرئ» الذى لا ترده أموال الدنيا جميعهاء ليكسب مقداراً حقيراً من المال» دراهم معدودة» أم تريدونها فى الطريقة التى ارتكب بها جريمته؟ لقد ارتكبها بطريقة وحشية تقشعر من هولها الفطرة
الإنسانية» أم فى وقفته أمام القضاءء وها هو ذا يقف لاموضع للندم فى قلبهء ولا أثر للأسف فى نفسهء يقذف فى وجه القضاء بالأكذوبة تلو الأكذوبة غير هياب» ولا وجل .
هذاء ويجب على الخطيب فى إيراد قضيته وتأييدها بدلائلهاء أن يجعل كلامه متماسكا أخذاً بعضه بحجز بعضء بحيث تكون كل فكرة ممهدة لما تليهاء منبكة عنهاء أو مشيرة إليهاء لأن الفكرة لا تعيش إلا مع أخواتهاء أو مع ما يلائمهاء فإن ذكرت من غير تمهيدء لم تستقر فى النفس» ولم تسكن فى القلبء وفوق ذلك لا يكون الكلام متسقا فى تركيبه» متساوقا فى معأنية . '
ولذلك يجب على الخطيب أن يلاحظ قانون تسلسل الأفكار ملاحظة تامة» ليستخدمه فى إثارة أفكارهم» وتهيثتها لما يريدء فإن أثار خواطرهم نحو فكرةء ألقى إليهم فيها ما يرضى نهمتهمء وما يكون إجابة لطلبهم» فيستقر فى النفسء لأنه يكون بيانا فى وقت الحاجة إليه؛ فيتمكن فى النفس أبلغ تمكنء ويثيت فيها أقوى ثبات. ظ
الجة ا
هو أن يبير: الخطيب بعللان مايدعيه الخصم
والتفنيد مقام خطير لا يناله إلا ذو البيان القوى الذى أوتى أكبر حظ من حضور البديهة» والعلم الغزير» والاستيلاء على أساليب القول؛ إذ هو جواب الخصم على ما يدعى من مذهبء وما يؤيد به دعواه من حججء وهو إزالة تأثير حجج الخصمء وأثرها فى نفوس السامعين؛ وقد قال ابن عبد ربه فى العقد الفريد: «إن الجوابات هى أصعب الكلام كله مركباء وأعزه مطلبآء وأغمضه منصباء وأضيقه مسلكاء لأن صاحيه يعمل مناجاة الفكرة؛ واستعمال القريحة, يروم فى بديهته نقض ما أبرم القائل فى رويته» فهو كمن أخذت عليه الفجاج؛ وسدت له الخارجء قد اعترض الأسنة واستهدف للمرامى لا يدرى ما يقرع فيتأهب لهء ولا ما يفجؤه من خصمه فيقرعه بمثله. ولا سيما إذا كان القائل قد أخذ بمجامع الكلام؛ فقاده بزمامه بعد أن رأى فيه» واحتفل » وجمع خواطره واجتهدء وترك الرأى يغب حتى يختمر... فلا يزال فى نسج الكلام» واستثباته؛ حتى إذا اطمأن شارده وسكن نافره» صلك به خصمه جملة واحدة» ثم قيل له: أجبء ولا تخطى» وأسرع »ولا تبطئ؛ فتراه بجواب من غير أناة ولا استعداد؛يطبق المفاصل» وينفذ المقاتل , كما يرمى الجندل بالجندل» ويقرع الحديد بالحديد؛ فيحل به عراهء
وينقض به مرآأئره؛ ويكون جوابه على أكثر كلامهء كسحابة لبدت عجاجتهء فلا شع أعضل و الجواب الحاضرء ولا أعز من الخصم الألد الذى يقرع صاحبه» ويصرع منازعه بقول كمثل النار فى الحطب الجزل» .
وللتفنيد حالن:
أحدهما : أن يتصدى لنقض براهين الخصم قبل أن يدلى بهاء وذلك بأن يفند كل ما يتصوره دليلا لخصمه؛ ويفرض كل الفروضء ثم يهدمها فرضاً فرضاء حتى لا ييقى أمر ابثاً سوى دعواهء ويعمد إلى هذا بعد أن يشبع السامعين: بدلائل إيجابية» على صدق دعواه؛ ليكون التعقيب قطعاً لطريق الإثبات على الخصوء ومهاجمة له فى صميم استدلاله.
ثانيها: أن يرد على الخصم بعد إلقاء أدلتهء بأن يبين ما فيها هن غلط وتلييس» ويبطل ما يتجه إِليه من نظر.
ومهما يكن وقت ردهء يجب أن يكون هو متنبهاً إلى كل ما يعتمد عليه خصمه من دليل» وأن يكون فى رده عليه واضحاً. معلناً أن الغرض هو الوصول إلى الحقء لا الغلب والسبق» وألا يشرد عن موضع النزاع» ولا يحيد عن الاعتصام بآداب اللياقة وحسن الأخلاق.
وأوجه الرد على الخصوم متعددة مختلفة متبايئة : منها إبطال مقدمة دليل خصمهه: ومنها إقامة الدليل على نقيض دعواه» والموازنة بين الدليلينء وإثبات أن دليله أقوم قيلاء وأسد منهجاء ومنها المنع وعدم التسليم» وبيان أن لا دليل على ما يقول؛ ومنها الاستشهاد بالثقات على ما يقول .
وأقوم أساليب الرد أن يبتدئ عند تفنيد أدلة حصمه:؛ بذكرها واضحة قوية الوضوحء ويحسن أن يضعها فى شكل قياس منطقىء لأن الأشكال المنطقية؛ يساعد وضعها على تزييف ما يراه الخصمء إن كان هناك موضع للتزييف» ثم يتتجه عند نقضه إلى الأقيسة الخطابية؛ والأشكال المنطقية معآء على النحو الذى أسلفناه فى التبيان. ظ
ومن أمثل الخطب المشتملة على تفنيد كلام الخصم فى نهوض استدلال مع الأدب الجمء والخطاب الرائق» ما جاء فى إحدى خخطب المغفور له سعد «باشا» زغلول فى الجمعية التشريعية يرد على الحكومة فيما كانت تراه فى إنشاء الجماعات التعاونية؛ فقد قال: موضوعنا الذى نتناقش فيه والذى استلفت إليه أنظار حضراتكم هو هذاء كيف تتكون شركات التعاون؟ هل تتكون بأمر من السلطة الإدارية» أو بدون أمر من هذه السلطة؟ ترى الحكومة
وجوب ألا توجد هذه الشركات إلا بأمر إدارى» وترى اللجنة أنها توجد كسائر الشركات التى لا مخعاج فى تكونهاء إلا إلى العقود» ولكن لا يكون وجودها حجة على الغيرء إلا إذا سجلت عقودهاء بطريقة خاصة» وبحسب شروط نخاصة. تقول الحكومة تأييداً لرأيها: إن الشركات فى حاجة ضرورية إلى اقتراض المال» وكل شركة محتاجة إلى اقتراضء لا يمكنها الحصول عليه بفائدة معتدلة إلا بواسطتى؛ ويلزم كون شركات التعاون فى -حاجة إلى وساطتى هذه ألا توجد إلا بإذنى» فلذا أنا أشترط وجود هذا الشرط. مقدمات غير مسلمةء ونتيجة باطلةء أما وجه بطلان المقدمة الأولى» وهى أن كل شركة فى حاجة إلى اقتراض المال» فإن الذى نعلمه أن هناك كثيراً من الشركات مكتفية برء وس أموالهاء وما تنتجه رؤوس الأموال هذه من الأرباحء بدون حاجة إلى الاقتراض» وهى مسألة بديهية» يعرفها الناس جميعاً. فلا تاج إلى دليل. وأما المقدمة الثانية وهى أن كل شركة تكون محتاجة إلى الأقتراضء لا يمكنها الحصول على المال بفائدة معتدلة: إلا من طريق الحكومة وتداخلهاء فهى مجرد دعوى من الحكومة» قد ادعتهاء ولم تقم الدليل عليهاء ولا أظنها تستطيع ذلك؛ ومع ذلك فهى تريد أن تبنى عليها أمراً مهما جداء وهو أن يكون لها حق فى أن تأذن للشركات بالوجود. ووجه بطلان هله المقدمة أن الشركة مادامت قانونية» ومادامت حالتها تدعو إلى الاطمئنان: فلا يوجد مانع يمنع المصارف من إقراضها المال بتلك الفائدة المعتدلة. ظ وأما بطلان النعيجة فلأنه لا يلزم من كون شركات التعاون مهاج إلى وساطة الحكومة فى الحصول على المال؛ ألا توجد إلا بإذنهاء لأنه لا رابطة تربط مسألة الوساطة بمسألة الإذن إذ من الوم ': الشركة موجود معنوى له حقوق» وعليه واجيات: والموجود المعتوى كالموجود الحقيقى سواء بسواءء فكما أن الشخص الحقيقى لا يحتاج فى وجوده لإذن من الحكومةء كذلك الشخص المعنوى» لا يحتاج فى وجودهء إلى هذا الإذن منهاء والحكومة لا يمكنها أن تقول: إن وجود هذه الشركات موقوف على إذنى مادامت محتاجة إلى وساطتى فى الحصول على المال. كما أنها لا يمكنها أن تقول: إن وجود هذا المولود فى الحياة متوقق على إذنىء مادام محتاجساً إلى القذاءء والكسساءء والرضاعة» والتربية. ثم يسترسل رحمه الله فى تفنيد خطابى مجيد بعد ذلك التفنيد
المنطقى المبين.
6
الخائمة
هى أخخر ما يليه الخطيب من خخطيتهء فلها الأثر الباقى الواضحء إذ هى آخر كلامه ذكرأء فكانت أعلقه بنفوسهمء وأكثره اتصالا بقلوبهي» فإن هى كان وقعها حسناً؛ انسحب ذلك على الخطبة -حسناء وإلا ساء الأثر وضاعت الغاية المنشودة» والأمل المرجوء والأمر المبغى؛: ولذلك يجب أن يكون فيها من جمال التعبير» وحسن الانسجام؛ وجودة المعنى» وإصابة الغرض» ولطف المقطع» وإحكامهء ما ييقى أحسن الآثار وأحكم الأفكار.
ويحسن أن تكون الخاتمة مشتملة على:
-١ موجز لما ألقاهء وتوضيح كامل لغايته وهرهاه.
؟- وأن تكون مثيرة للعاطفة فى الأمر الذى يريده الخطيب» فإن كان تهديداً وإنذاراً كان فيها أقواهماء وإن كان إثارة للحماسة: وحفزاً للهممء ألقى فى الخاتمة أبلغ ما يثيرهماء وإن كان يريد من -خطبته إثارة عاطفة الرحمة:» أنى بأشد ما يثيرها فى خحاتمة القول.
ومن أقوى الكلام الذى حسن اخختتاماء قول على بن أبى طالب فى كتاب أرسله إلى معاوية يرد به على تهديده إياه: وأنا مرقل نحوك فى جحفل من المهاجرين والأنصارء والتابعين لهم بإحسانء شديد زحامهمء ساطع قتامهم متسربلين سربال الموت» أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم» وقد صحبتهم ذرية بدريةء وسيوف هاشمية» قد عرفت مواقع تصالها فى أخيك ونحالك»
وجدك؛ وأهلك» وما هى من الظالمين ببعيد. ومن أبلغ الاختتام ما قاله المرحوم سعد (باشا) زغلول مختتما إحدى خطبه التى قالها إثارة لللحمية :
أيها المصريون؛ استمروا بكل همة وإقدام فى طريق استقلالكمء واحترام حقوقكم وستلاقون فيه عقبات» فذللوها بعزماتكم» وآلامآ فقاسوها بحسن احتمالكم» وستطلب منكم ضحايا فابذلوها بكرمكمء وسيقع عليكم ضغط شديد فقابلوه بهممكم العالية؛ وعزمكم الصادق» إذ كلما علت الهمم: وصدقت العزائم» هانت الخطوب؛ ودنت المنى: وجح المسعى؛ وكان النجاح عظيماء وكلما كان ثمن الاستقلال غالياً» وأكلافه باهظة؛ حرصنا عليه بعد نيله» وكان علينا بركةء وعلى البلاد نعمة وسروراً.
التعبير
تكلمنا فى الفصول السابقة فى إيجاد المعانى اللخطابية وتنسيقهاء والان نتكلم فى طرق تأديتهاء والتعبير عنهاء والدلالة عليهاء والألفاظ التى تناسبهاء والأساليب التى تليق بهاء
وما يجب أن تكوت عليه الخطبة فى مناهجهاء ومقاطعها؛ وفى الجملة نتكلم فى الإنشاء الخطابى وما يجب أن يكون عليه.
١ - قبل أن نخوض فى الموضوعء يجب أن نشير إلى مسألة كتب فيها بعض الكتاب»؛ وهى مكانة الألفاظ فى الإنشاءء فإن بعض الأدباء الذين تأثروا ببعض الآداب الأوربية» وحاولوا أن يقبسوا منها فى كتاباتهم العربية أخذوا يبثون بين النشءء أن المعول عليه فى الإنشاء المعنى ؛ لا اللفظء وأن المعتى امحكم لا يحتاج إلى اللفظ الجميل؛ لأن الجمال كله يرجع إلى المعتى: إذ هو مناط التقديرء وسبب التأثير» بل يذهب بهم فرط غلوهم إلى ادعاء أن محسين اللفظ يذهب بجلال المعنى» وأن جودة الصقل جعل على المعنى غشاء كثيفاً يمنعه من البروز والظهور؛ وقد صادفت فكرتهم هوى فى نفوس بعض الكتاب؛: فخلت كتابتهم من الديباجة العربية» بل أسفّت فى بعض الأحيان إلى الابتذال» وبرودة الألفاظء وخمروج الأسلوب على المنهج العربى» وهم يعدون طريقتهم هى الطريقة المثلى.
وفى الحق أن ذلك شططء وهضوم لكان الألفاظ فى الدلالة والتأثير» ولعله كان محاربة لشطط أخخحر فى جانب الألفاظء فإنا قد ورثنا عن عصور ضعف اللغة العربية» عناية باللفظ لا بالمعنى» حتى جعلوا المعنى با حل الثانى» واللفظ المكان الأول» فكان الإنشاء ضجيج ألفاظ وقعمعة عبارات» والمعنى تافه صغير.
1- ولسلوك الجادة المستقيمة يجب أن نعطى المعنى حقهء واللفظ حقه: وأن نعرف أن الألفاظ هى التى تظهر المعانى؛ ويتجملها وتبديها فى رواء بهى. ويعتقد جوستاف لوبون أن شطراً كبيراً من تأثير قواد الجماعاتء خطياء وكتاباء يعود إلى الألفاظ التى يثيرون بها صوراً وأمالا فى نفوس الجماعات»ء وإن كانت فى ذاتها معانيها ميهمة؛ غير محدودة ولا مضبوطة» فهو يقول: لبعض الألفاظ والجمل» سلطان لا يضعفه العقل» ولا يؤثر فيه الدليل» ألفاظ وجمل» ينطق بها المتكلم خاشعا أمام الجماعات» فلا تكاد تخرج من فيه حتى تعلو الهيبة وجوه السامعينء وتعنو الوجوه له احتراماء وكثيرون يعتقدون أن فيها قوة إلهية» ألفاظ وجمل تثير فى
النفوس صوراً لا كيف لهاء ولا انحصارء محفوفة بالإكبار والإعظامء إبهامها يزيد فى قوتها الخفية. وإذا كانت هذه الألفاظ التى تثير صوراً مبهمة» غير معروفة بالتعيين» لها ذلك الأثرء فكيف يكون الشأن للمعنى المحكم قد كسى بلفظ جميلء وألقى فى أسلوب متسجمء وعبارات تثير فى النفس أتحيلة وأمانى وأحلاما.
--١ ويظهر أن المعركة قديمة بين أنصار الألفاظء وأنصار المعانى» فإنا نرى في كتتاب الصناعتين لأبى هلال العسكرى دعوة صارخة إلى العناية بالألفاظ» بجوار العناية بالمعنى» ويرد على شن يركىا أن العبرة فى حودة الكلام إلى معائيه فقط؛ ويرىا أن تفاوت البلغاء فى البلاغة؛ ليس ايراد المعانى بل بجودة الألفاظط وحسين سيكهاء فيقول : ومن الدليل على أن مدار البلاغة على مخسين اللفظء أن الخطب الرائعة؛ والأشعار الرائقة» ما عملت لإفهام المعانى فقط؛ لأن الردئ من الألفاظ يقوم مقام الجيد منها فى الإفهامء وإنما يدل حسن الكلام؛ وإحكام صنعته؛ ورونق ألفاظهء وجودة مطالعهء وحسن مقاطعه» وبديع مبادثئه؛ وغريب مبانيه؛ على فضل قائله, وفهم منشكة , وأكبر هله الأوصاف ترجع إلى الألفاظء دول المعانى, وتوخى صوأب المعنى أحسن من تونحى هذه الأمور فى الألفاظ.
وترى أيضاً ابن الأثير يرد على من يزعم أن الألفاظ تتساوى فى الحسن مادام المعنى العسلوجء وبين لفظة السيف ولفظة الخنشليل.. فلا ينبغى أن يخاطب بخطابء ولا يجاب بجواب » بل يترك وشأنه وما مثاله فى هذا المقام إلا آكمن يسوي بين صسورة زجية سوداء مللمة السواد؛ شوهاء الخلق: ذات عين ميحجمهمرة؛ وشفة غليظة: كأنها كلوة وبين صورة رومية بيضاء مشربة بحمرة ذات حد أسيل؛ وطرف كحيلء؛ وهميسم كأئما نقلم من أقاح: وطرة كأنها ليل على صباحء فإذا كان بانساك من ساقم النظر أن يسوى بين هله الصورة وهدهء فاد يعد أن يكون بد من سهم الفكر أن يسوى بين هذه الألفاظ وهله. ولا فرق بين للألفاظ فى الأذن نغمة لذيذة» كنغمة أوتار وصوتا منكراً كصوت حمارء وأن لها فى الغم ْ أيضاً حلاوة كحلاوة العسسل»؛ ومرارة كمارة الحسظل» وهى على ذلك بجرى مجري لا غنى للمنشئع عن المعنى الحكمء لأنه عمود الكلام والمقصد الأسمىء ولا عن اللفظ لأنه
يي 0و2
بهاء القول» وزينته» غير أنه يجب أن يلاحظ المنشيع السذاجة؛ وأن يبدو التحسين طبيعياً من غير تكلف ظاهرء فيجتهد فى سين اللفظء ولكن يظهر به فى مظهر الطبعى الذى لا تعمل فيهء لأن التكلف إن ظهر ثقل على النفسء وكان الكلام مستهجناء وقد قال أبو الفسرج قدامة بين جعفر فى كتابه تقد النثر: ومن الأوصاف التى إذا كانت فى الخطيب سمى سديداء وكان العيب معها بعيداء أن يكون فى جميع ألفاظه ومعانيه جاريا على سجيته» غير مستكره لطبيعته: ولا متكلف ما ليس فى وسعهء فإن التكلف إذا ظهر فى الكلام هجنه : وقبح موقحعه: وحسبك من ذم التكلف أن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلمء بالتبرؤ منه فقال تعالى: ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ».
فتحن وإن طالبنا المنشيع خحطِيباآً أو كاتبا أن يعنى باللفظء ويعمد إلى تجميله وتحخسينهء فليس معنى ذلك أن يتكلف» ويبدو متكلفاء متشادقا متفيهقاء بل معناه أن يجعل كلامه منسجماء متأحى النيرات: لا تنبو ألفاظهء ولا تتجافى عباراته» ولا يسف فى أسلوبه إلى العامية. ١
الفرق بين الأسلوب الكتابيى والأسلوب الخطابي:
١ - لم يفرق كثيرون من النقاد الأقدمين بين الأسلوب الكتابى والأسلوب الخطابى: فقدامة يعد البلاغة فى الكتابة والخطابة واحدة؛ ولكنه يتساهل مع الخطيب المرججل» ويغفر له هنات لا يغفرها للكاتبم ويروى قول عبد اللّه بن الأهتم: إنى لست أعجب من رجل تكلم بين قومء فأخطأ فى كلامهء أو قصر عن حجته؛ لأن ذا الحجاء قد تناله الخجلة» ويدركه الحصرء ويعزب عنه القول. ولكن العجب ممن أخذ دواة وقرطاساء ولا بفكره وعقلهء كيف يعزب عته باب من أبواب الكلام يريده» أو وجه من وجوه المطالب يؤمه..
وأبو هلال العسكرى يقول: واعلم أن الرسائل والخطب متشاكلتان فى أنهما كلام لايلحقه وزن ولا تقفية. وقد يتشاكلان أيضاً من جهة الألفاظ والفواصل» فألفاظ الخطياء تشبه ألفساظ الكتتاب» فى السهولة والعذوبة» وكذا فواصل الخطب. مثل فواصل الرسالة. لافرق بينهماء إلا أن الخطبة يشافه بهاء والرسالة يكتب بهاء والرسالة تجعل خطبةء والخطبة نتجعل رسالة فى أيسر كلفة.
1 والذى نراه ويراه كثيرون من الأدباء المحدئين: وبعض المتقدمين أن للكتابة إنشاءء وللخطابة إنشاء أخخر؛ لآن الكاتب غير الخطيب. ويلاحظ فى عبارات الثانى مالا يلاحظ فى
_____ بيخ 2
عبارات الأول» فإن كلمات الخطيب يلاحظ فيها أمران لم يلاحظا فى الكتابة: أحدهما أن الكلمات تمر على لسان الخطيب قبل أن يلقيها. وثانيهما أن لها أثرا فى أذن السامعء ولجرسها وقع فى نفسه؛ فالسامع للخطيب يذوق» ويسمع ويفهم ويلاحظ النطق. أما القارئ للكاتب» فينظر إلى استقامة الأسلوب. ويفقه المعنى فقط؛ ولذلك يجب أن تكون ألفاظ المخطية سهلة النطق» لا يتعثر اللسان فى إبرازهاء ولا تتراحم -حروفها؛ فلا تتقارب مسخارجهاء ولا تتباعدء وأن تكون ذات رنين خاص يهز أوتار النفس ويثير الشعور» ويجب أن تكون مقاطع الخطية ذات وقع مؤثرء يلذ للسمع:؛ ويجمل الكلام. أما الكتابة فلا يشترط فى مقاطعها مثل ذلك الشرط» بل ريما لا يلاحظ أن يكون لها فواصل.
“1- وإن الكتابة قد تقيد بقيود المنطق» ولا تشتمل على عا يثير الشعور» ويوقظ الوجداتء كالمل كرات القانونية: وأشباههاء ولا يعد ذلك عيبا فيها؛ أما الأسلوب الخطابى؛ فإذا ذهب عنصر الشعور والوجدان منه» فقد أكبر تخصائصه: وأعظم مزاياه.
4- وإن التكرار والشفنن فى التعبير عن المعنى بعبارات وأساليب مختلفة وسيلة من وسائل التأثير الخطابى» يتجه إليه الخطيب» فيكرر القضايا الكلية مرة مقرراء ومرة مستفهماء وأخرى مستنكراء ومرة متهكماء وأخرى عاقدا بينها وبين سابق عرفانهم؛ وذلك كله من غير شك فى غير المقامات التى لا تقتضى إيجازاء أما الكتابة فإن أكثر الإطناب فيها لا يكون على هذه الشاكلة؛ بل بالتحليل» والتفصيل؛ والاستقراء» ونحو ذلك.
ه- وإن الخطيب مأخوذ فى إطنابهء وإيجازه بحال السامعين؛ من حيث قيولهم أو رفضهمء وإقبالهمء أو مللهمء فقد يشير إلى بعض العناصر إشارة ويلم بها إلامة» بينما يطنب فى العناصر الأخرى؛ ويسهب فى القول» لأن حال السامعين تقتضى ذلك. أما الكتابة؛ قيعجب أن يوفى فيها الكاتب ما يكتب» بإيجاز أو بإاطناب؛ لأن بين يديه الموضوع فقط» وليس 'كذلك الخطيب؛ إذ يلاحظ السامعين فيطتب أحيانا؛ ليرضى شهوتهم؛ وليستفز شعورهمء ويوجز» يل يشير إن اضطر إلى ذلكء فتيدو الخطبة بادى الرأى غير متناسية الأجزاءء ولا متلاثمة» ولكنها الحال هى التى اضطرته» وألجأته؛ والكاتب فى فسحة هو وقارئه.
؟- هذا مجمل صغير يشير إلى ما بين الأسلوب الخطابى» والأسلوب الكتابى» من فروق» وقد يقول قائل: إن بعض الخصائص الخطابية مجدها فى بعض الكتابات» ككتاب يرسله زعيم إلى أمتهء أو مقال صحفى يكتبه الكانب فى صحيفة يحث فيه الأمة على فعلء ويدعوها
ا ااا سيم
إليهء أو ينهاها عن أمرء ويسغضها فيهء ونحن نوافق القائل على ذلك؛ ونقول: إن الأسلوب الخطابى غالب فى الخطابة؛ والكتابى غالب فى الكتابة؛ وقد تستعير الكتابة من الخطابة أسلويهاء كما إذا كان الكانب فى مقام يشبه مقام الخطابة» كزعيم يخاطب أمته عن طريق الصحف إذا تعذر عليه خطابها عن طريق المشافهة» وقد يستعير الخطيب من الكتابة أسلوبهاء ويكون ذلك موافقا لمقتضى الحال» كيعض المحامين الذين تستغرق مرافعاتهم الدفوع القانونية؛ والبحوث الاشتراعية. فمن الكتابة ما يكون خطابة» تنقصها المشافهة»؛ ومن الخطب ما يكون كتابة ينقصها القلم.
وما دمنا فى مقام التعبير عن الخطبة دون سواها فلنتجه إلى بِيان الإنشاء الخطابى
الإنشاء الخطابى نريد فى هذا الموضوع أن نتكلم فى ألفاظ الخطبةء وأساليبها ومقاطعها؛ وما ينبغى أن يلاحظه الخطيب فى كل منها. الألفاظ:
نريد بالألفاظ الكلمات المفردة» وقبل أن نبين ألفاظ الخطبة نقول: إن بعض علماء النقد الأدبى» كعبد القاهرء أنكر أن تكون للكلمات فصاحة خاصة؛ وجعل الفصاحة والبلاغة خاصتين بالتركيب» ولا تتناولان المفردء فهو يقول فى دلائل الإعجاز: هل جد أحداً يقول هذه اللفظة فصيحة:؛ إلا وهو يعتبر مكانها من النظم؛ وحسن ملاءمة معناهاء لمعانى جاراتهاء وفضل مؤانستها لأخوانها؟ وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبولة؛ وفى خلافها قلقة ونابية ومستكرهة, إلا وغرضهم أن يعبروا بالدمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك؛ من جهة معناهماء وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم؛ وأن الأولى لم تلق الثانية فى معناهاء وأن السابقة لم تصح أن تكون لفقا للتالية فى مؤداها. وهل تشلك إذا فكرت فى قوله تعالى: ( وقيل ياأرض» ابلعى ماءك: وياسماءء أقلعى » وغيض الماء» وقضى الأمر» واسدوت على الجودى» وقيل بعداً للقوم الظالمين > فتجلى منها الإعجاز: وبهرك الذى ترى وتسمع؛ إنلك لم جد ما وجدت من المزية الظاهرة» والفضيلة القاهرةء إلا للأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض» وإن لم يعرض
بببيبيببيب ب بي
الحسن والشرف إلا حيث لاقت الأولى الثانية» والقالفة الرابعة» وهكذاء إلى أن تستقر بها إلى أخرهاء وأن الفضل نا ما بينهاء وحصل من مجموعها. ثم يسترسل فى مخليل أوجه البلاغة فى الاية الكريمة.
وأكثر علماء البلاغة والنقد على أن للألفاظ فصاحة خاصة بمفردها وقد ذكرنا لك بعض مقالة ابن الأثير فى هذا المقام آنفا؛ فارجع إليه. وبهذا الرأى نأخذء وعليه نعتمدء وعلى ذلك نذكر بعض الأوصاف اللازمة للكلمات التى تتألف منها الخطابة» ولا نتعرض لما قاله علماء البلاغة فى مقدمة علومهاء من وصف للكلمة الفصيحةء فذلك يعم الكتاية؛ والخطابةء والشعرء وإنما نتعرض لما هو من خمصائص مفردات الخطابة» وميزاتهاء ولوازمهاء وهى كثيرة منهأ:
-١ أن يكون اللفظ واضحاً مكشوفا وقريبا معروفاء من السهل إدراك معناه؛ والوصول إلى مرماهء لا يبعد عن مألوف السامعين» ولا يتناءى عن معروفهم» وإلا كان غريبا يعلو على مدار كهم؛ ومن يفهمه منهم يحس بأنه غير إنسى» ويشبه أن يكون وحشياً؛ لأنه يعيش فى غير بيئته» ويخاطب به غير أهله: وقد تكون الكلمة التى على هذه الشاكلة من العربية الصحيحة التى "كانت شائعة عند العرب» ولكنها غير شائعة عند الجماعة التى يخاطبها؛ ولهذا نستهجن مخاطبتهم بها لأن الخطية للتأثير فيهم؛ وإثارة وجدانهمء ولا يكون ذلك إلا بما هو مفهوم لهم مأنوس الاستعمال عندهم.
9-- ألا تكون الألفاظ مبتذلة أو مستفلة إلى درجة العامية. فيذهب رواء الخطبة» ويضيع جلال معانيهاء كاستعمال لفظ أتعشم فى موضع أرجو أو أمل؛ أو أطمع. وكاستعمال لفظ أفتكر فى موضع أتفكرء أو أفكرء أو أتأمل؛ أو أذكر» ونحو ذلك من الألفاظ العامية؛ أو المبتذلة القربية متهاء التى شاع استعمالها على ألسنة بعض خطيائنا خطأ؛ فعلى الخطيب أن ينتقى ألفاظ الخطية» من غير أن يغرب» فيبعد عن المفهوم المألوف» ومن غير أن ينزل فينطق بالمبتذل أو العامى. فى حضرة من يفهم الفصحى. قال بشر بن المعتمر فى وصاياه للخطيب: فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك: ولطف مداخلك واقتدارك على نفسكء أن تفهم العامة معانى الخاصةء وتكسوها الألفاظ الواسعة؛ التى تلطف عن الدهماءء؛ ولا تتجفو عن الأكفاء فأنت البليغ التام .
٠ وأن تكون فى المخطبة ألفاظ مناسبة مثيرة لخيال الجماعة» موقظة لذكريات حية فى نفوسهمء فإن كل جماعة عندها طائفة من الألفاظء إذا ذكرتء أثارت خيالات تهز النفس
0000
بالسرور والاطمتنان» أو بالسخط والغضبء كألفاظ الإخحاءء والمساواة» والحرية» والديمقراطية؛ عند الثوار فى الثورة الفرنسية؛ فإنها كانت تهزهم» كل عمل يربطه الخطيب بها يندفعوث إليه؛ ويقدمون عليهء وعلى نقيض ذلك كانت ألفاظ الاستبداد؛ ونظام الطبقاتء والباستيل» تهز النفس بالغضب وتثير فيها ذكريات مؤلمة؛ فاذا ذكر عمل مقرون يها نفروا منه» ونأوا عته» وثار سخطهم على القائم به وكذلك الشأن فى كل الجماعات. والخطيب الماهر من يقبس من هذه الألفاظ فى الخطية:» ما يكون له الأثر الكبير فيما يريد؛ ولكن يلاحظ أنه لا يحسن وجود هذه الألفاظ فى الخطبة:» إلا بشرطين: أحدهما الملاء مة التأمة بينهاء وبين ما يريدء فإذا "كان يخطب فى جماعة يحفهم على طلب الاستقلال السياسى أكثر من ذكر الألفاظ التى تثير الخيال فى هذه الناحيةء من مثل الكبرياء القومية» العزة الوطنية» الحرية السياسية:ء عار الاحتلال» ذلة الاستعياد- وإذا كان يخطب قومآ فى الحث على أداء فريضة الحجء ذكر الحرم الشريفء ومقام إبراهيم» والبقيع» وزمزم» وغير هذا من تلك الأسماء التى تثير معانى عميقة الأثرء وإذا "كان يخطب فى الحث على الصوم ذكر قرب الصائم من ربه» والتجرد من ملاذ الحياة» ومشارفة نفس الصائم للمعانى القدسية» وغير ذلك من العبارات التى تثير الوججداك؛ وتوقظ فى النفس معانى سامية» وليحذر الخطيب من أن يقحم فى خطبته ألفاظا تثير ذكريات غير ملائمة للموضوع؛ كأولتك الخطباءء الذين يقحمون كلمة الاستقلال فى أكثر الموضوعات الخطابية» لأدنى ملابسة» ولأقل علاقة.
ثانيهما : ألا تكون تلك الألفاظ قد أبلاها الاستعمال؛ وذكرها يؤدى إلى الابتذال. فإذا لاحظ الخطيب ذينك الشرطين عند الاستعمال كان الأثر بليغاً؛ وقد قال العلامة جوستاف لوبون فى بيان تأثير ذلك النوع من الألفاظء وسبيه : السر فى تأثير الألفاظ للصور التى 'تخضر فى الذهن بهاء وليس لذلك التأثير ارتباط بمعانيها الحقيقية» بل الغالب أن أشدها تأثيراً ما كان معناه غير واضح تماماء مثال ذلك كلمات: ديمقراطية» اشتراكيةء مساواة» حرية» وهكذا مما أبهم معناه ويسحتاج فى تعيينه إلى مؤلفات ضخمة: والجميع» يسلم أن لها سلطانا ينساب فى النفوس» كأنها اشتملت على حال المسائل الاجتماعية كلهاء وفيها تنمثل الأميال الباطنية على اختلافهاء والأمل فى محقيقها.
4 - أن يختار الألفاظ الجزلة فى مقامهاء والرقيقة كذلكء» ففى تحو التهديد والفخرء وإثارة الحمية؛ والحماسةء والحث على الجهاد» يختار الألفاظ الجزلة القوية» وفى نحو إظهار الأسىء والألم؛ يختار الرقيق من الألفاظ» وقد يتساءل الإنسان عن حقيقة الجزل» وحقيقة
الرقيق» فلا يجد تعريفا مميزا مصوراء لأن ذلك أمر يدركه ذو الذوق الأدبى» فى نطقه» وفى جرسهء ووقعه فى الأسماع والشعورء وقد بين ابن الأثير جزل الألفاظ ورقيقها من غير تعريف؛ فقال: لست أعنى بالجزل من الألفاظ أن يكون وحشياً متوعرء عليه عنجهية البداوة» بل أعنى بالجزل أن يكون متينا على عذوبته فى الفهمء ولذاذته فى السمع؛ ولذلك لست أعنى بالرقيق أن يكون ركيكا سفسافاء وإنما هو اللطيف الرقيق الناعم الملمس؛ وسأضرب للك مثالا للجزل من الألفاظء والرقيق فأقول: انظر إلى قوارع الألفاظ عند ذكر الحسابء والعذاب» والميزان والمسراط؛: وعند ذكر الموت» ومفارقة الدنياء وما جرى هذا المجرى» فإنك لا ترئ شيعا من وحشى الألفاظ» ولا متوعرا. ثم انظر إلى ذكر الرحمة» والرافة والمغفرة. والملاطفات فى نطاب الأنبياء؛ ونحطاب المتيبين والتائبين من العباد وما جرى هذا المجرى؛ فإنك لا ترى شيئا من ذلك ضعيف الألفاظ ولا سفسافاء فمثال الأول وهو الجزل من الألفاظ قوله تعالى: ( ونفخ فى الصورء فصعق من فى السموات ومن فى الأرضء إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخسرى» فإذا هم قسهام ينظرون #وأشرقت الأرض بتورربها؛ووضع الكتاب .وجئبالنسيين»والشهداءء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلسون * ووفيت كل نفس ماعملتء وه وأعلم بما يفعلون # وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراء حتى إذا جاء وهافتحتءأبوابهاوقال لهم خزنتهاء ألم يأنكم رسل منكم يتلون عليكم أيات ربكم » وبدلرونكم لقاء يومكم هذاء قالوابلى » ولكن حقت كلمةالعذاب على الكافرين #قيل ادخلواأيواب جهنم خالدين فيه فبعس مشوى المتكبرين * وسيق الذين انقواوبهم إلى الجنة زمراء حتى إذا جاء وهاءوفتحت أبوابها موقال لهم خزنتهاء سلام عليكم طبتم »فادخلرهاخالدين *وقالواالحمد لله الذى صدقتاوعده, وأورئنا الأرض»ء نتيوأ من الجنة حيث نشاءء فنعم أجر العاملين ». فتأمل هذه الآيات المتضمتة ذكر الحشر على تفاصيل أحواله؛ وذكر النار والجنة» وانظرء عل فيها! لفئلة إلا رهى - هاة مستعذبة» على مابها من الجزالة؛ وكذلك ورد فى قوله تعالى: 3 ولقد جكتمونا فرادى كما خلقناكمأولمرة موت ركتوماخولناكموراءظهو ركو بومانرىمعكوشفعاءكوالذدين زعمتم أنهم فيكم شركاء؛ لقد تقطع بيدكم. وضل عنكم ما كنتم تزعمون 4. وأماالمثال الشانى وهو الرقيق من الألفاظ فقوله تعالى فى مخاطبة النبى #: ( والضحى # والليل إذا سجى * ماودعلك ربك وما قلى 4 إلى آخخر السورة: وكذلك قوله تعالى فو, تريب المسألة: ذ وإذا سألك عبادى عنى» فإنى قريب» أجيب دعرة الداعء إذا دعان »؛ وهكذا ترى سبيل
يسبب
القرآن الكريم فى كلا هذين الحالين من الجزالة والرقة. ويقول بعد كلام طويل: اعلم أن الألفاظ مجرى من السمع مجرى الأشخاص من البصرهء فالألفاظ الجزلة؛ تتخيل فى السمع كأشخاص عليها مهابة ووقار» والألفاظ الرقيقة تتخيل كأشخاص ذوى دماثة ولين أخلاق؛ ولطافة مزاجء ولذا ترى ألفاظ أبى تمام كأنها رجال قد ركبوا خيولهم واستلأموا سلاحهم» وتأهبرا للطراد؛ وترى ألفاظ البحترى؛ كأنها نساء حسانٍ عليهن غلائل مصبغاتء وقد لين بأصناف الحلى » وإذا أنعمت نظرك فيما ذكرته هاهناء وجدتنى قد دللتك على الطريق وضربت لك أمثالا مناسة .
من هذا الكلام القيم نستطيع أن ننصور الألفاظ الجزلة؛ والألفاظ الرقيقة» وإن لم تحدها بتعريف جامع مانع؛ ويكفينا ذلك فى هذا المقام» وعلى الخطيب أن يضع كل نوع منها فى موضعه. فعندما يكون فى حاجة إلى قرع الحسء وإثارتهء يختار الجزلء وعندما يريد أن يمس شعور الخاطبين مسا رفيقاء لأن المقام يقتتضى ذلك» اختار رقيق الألفاظ» ولينهاء ومن ذلك خخطبة المغفور له سعد زغلول فى حفل الطلبة التى ذ كرناها.
ومن الكلام الجزل القوى قول الشعبى معتذراً عن اشتراكه فى فتنة ابن الأشعث: أجدب الجناب» وأحزن بنا المنزل. واستحلسنا الحذر واكتحلنا السهرء وأصابتنا فتئة لم نكن فيها بررة أتقياء» ولا فجرة أقوياء.
الأسلوب:
لا نتكلم هنا على الأسلوب من حيث التقديم والتأخيرء والفصل والوصلء وغير ذلك؛ ما عنيت به علوم البلاغة؛ وإنما نتكلم هنا فى الأوصاف التى هى نخاصة بالأسلوب الخطابى أو ضرورية له وهى كثيرة منها:
١ - التصرف فى فنون القول» بأن تتعاقب على المعنى أو المعانى ضروب مختلفة من التعابير» من تقريرء إلى تعجبء إلى تهكم؛ إلى نفى؛ لكى يكسب كلامه حدةء وكلا يذهب نشاط السامعين» ويعتريهم السأم والملال» وذلك لا يكون إلا فى حال تكرار المعانىء وقد بينا منزلة التكرار فى تثبيت الأفكارء وإيقاظ المشاعرء وتقرير الحقائق: وحمل النفس على الاطمئنان إل .اء فيكرر يأساليب مختلفة» واللغة العربية ثرية بالألفاظ: متشعبة الأساليب» وفيها من طرائق الحفيقة والتشبيه» والاستعارة وامجاز» ما يسد الحاجة» ويمد الخطيب بما يحتاج إليه من فنون القول» رأنواع التعبير.
00
؟- حسن التألف بين الكلمات؛ وتأخى النغمء بحيث تتحدر الكلمات على اللساك فى سر وسهولة» ويحسن وقعها فى الأسماعء فلا تكون واحدة منها نابية عن أخواتهاء أو ساكنة فى غير مستقرهاء فتكون قلقة فى النطقء وثقيلة على السمع. وقد ذكر ابن الأثير أن من نظم الكلام أن تكون كل كلمة مع أختها المشاكلة لها؛ لثلا يكون الكلام قلقَا نافرا عن مواضعه؛ وحكم ذلك -حكم العقد المنظومء فى اقتران كل لؤْلوُة منه بأختها المشاكلة لها.
تنوع الأسلوب يتنوع المقامات؛ وبتنوع أحوال السامعين؛ وبمراعاة سن الخطيب» ومنصيه: وعملهء وما يليق صدوره عنهء ومالا يليق: فلكل مقام نوع من الأساليب» فى مقام التحميس والتهديد تختار الأساليب الفخمة؛ والعبارات الضخمة:؛ وفى بعض مقامات التأبين» وإظهار الألم والأسى تختار العبارات السهلة الرقيقة المؤثرة» ولكل قوم خمطابء فالعامة تختار لهم العبارات الساذجة حتى لا تعلو على أفهامهوء ولا تسمو على مداركهمء والعلماء يخاطبون بعبارات منتقاة دقيقة محكمة؛ ويحلى الكلام ببعض الأساليب المنطقية؛ والمتدينون يستشهدهم شواهد من الدين» ويحلى الكلام بمقعبسات من الكتب النزلة؛ والذين شغفوا بآثارالأقدمين يرطب الكلام ببعض أمثالهمء وقصصهمء وحكمهمء والمأثور عنهم. ولكل خطيب عبارات تستحسن منهء فمن الخطباء من لا يجمل منهم الهزلء ولا يليق بهم إلا الجدء فلا يصح أن يكون فى كلامهم إلا ما هو مقبول منهم؛2 ومن الخطباء من يجمل خطبهم بعض المداعبات؛ فيحسن أن يكون ذلك منهم بقدر محدود؛ ليستروح به السامعون» فيستجموا نشاطهم؛ ويبعد سأمهيء وهكذا يجب على الخطيب أن يلاحظ فى أسلوبه وعباراته أحوال السامعين؛ وما يقتضيه العام وما يحسن منه؛ء ومالاً يحسن.
4- تجميل الكلام فى بعض الأحوال يسجع قليل غير بادى التكلفء قصير الفقرات؛ وقد وجد للسجع قديما وحديثا أولياء وأعداءء فقوم تعصبوا له؛ واغصرون تعصبوا عليه؛ ويمن تعصبوا للسجع ابن الأثير وأبو هلال العسكرى وغيرهما. وابن الأثير يعد من ذمه عاجزا عنه» ويقول فيما يحسن فى السجع: ينبغى أن تكو الألفاظ المسجوعة حلوة حادة طنائة رنانة لا غمة» ولا باردة» وأعنى بقولى غئة باردة» أن صاحبها يصرف نفسهء إلى السجع نفسه؛ من غير نظر إلى مفردات الألفاظ المسجوعة: وما يشترط لها من الحسنء ولا إلى تركيبهاء وما يشترط له من الحسن» وهو فى الذى يأتى من الألفاظ المسجوعة كمن ينقش أثوابا من
لي اال 0ك
الكرسفء أو ينظم عقداً من الخزف الملون» وهذا مقام تزل عنه الأقدامء ولا يستطيعه إلا الواحد من أرياب هذا الفن بعد الواحد. ومن أجل ذلك كان أربابه قليلاء فإذا صفا الكلام المسجوع من الغفاثة»ء فإن وراء ذلك مطلوباً أخرء وهو أن يكون اللفظ فيه تابعا للمعنىء لا أن يكون المعنى فيه تابعآ للفظء فإنه يجع عند ذلك كظاهر مموه على ياطن مشوهء ويكون مثله كغمد من ذهب» على نصل من خحشب.
هذا “كلام واضح قيم» ولكن بعض كتاب العصر الحاضر يستحسنون الاسترسال فى الكتابة والخطابة» والتحرر من تلك القيود اللفظية منعاً لضجة الألفاظء وإيثاراً للسذاجة فى التعبير» وابتعاداً عن كل وسائل التزيين: وهم لذلك يستهجنون السجع فى الكتابة والمخطابة معاً.
والحق عتدى أن السجع فى ذانه حسنء وقد عرف حلية فى اللغة العربية» قديمها وحديثهاء ولكل لغة مستحسنات ومتاهج: تأشول مئها روحانيتهاء وقوة تأثيرهاء ولذلك لا أرى ما يمنع من اتخاذ بعض السجع فى الخطابة بشرط ألا يظهر التكلفء وإلا ثقل» وضعف تأثيره؛ وبشرط أن يكون قليلا؛ لأنه حلية» والحلية لا ممجمل إلا إذا "كانت بقدر معلومء إذا زادت عنه ثقلت؛ وسترت المحاسن» فكانت عيبا وشينا. فالخطيب إذا أخذ من السجع ذلك القدر فى خحطبته » حسنت؛ وحصوصا إذا كانت فى قوم يؤثر ذلك النحو من الكلام كعامة مصر. فإن الكلام الموسيقى المسجوع يهز نفوسهمء واعتبر ذلك أمشالهم وحكمهمء فإنك مد السجع أبين أوصافها.
غير أنه يجب أن يلاحظ أن السجع لا يليق فى بعض الخطب كالمرافعات القانونية» فإنها لا يحسن فيها إلا الحقائق عارية» وحسبها جمالا أنها حقائق» وليكتف من وسائل التأثير بجودة التعبير» وحسن الإلقاءء وإحكام الفكرء والإتيان لى القلوب من ناحية ما يؤثر فيها.
المقاطع:
يجب أن يختار الخطيب المقاطع التى يقف عليهاء بحيث يكون وقوفه عند نهاية جزء تام من المعنى الذى يريدهء وبأن يكون المقطع ذا رنين قوى؛ يملاً النفسء» ويوجهها نحو الغرض الذى يريده الخطيبء وقد وفاه أبو هلال العسكرى فى الصتاعتين بحثا واستشهاداء فقد جاء فيه: قال الأحنف بن قيس: ما رأيت رجلا تكلم فأحسن الوقوف عند مقاطع الكلام ولا عرف حدودهء إلا عمرو بن اعاصء» كان إذا تكلم تفقد مقاطع الكلام؛ وأعطى نحق المقام» وغاص
00023223 فى استخراج المعنى بألطف مخرج؛ حتى كان يقف عند المقطع وقوفا يحول بيئه وبين تبيعته م الألفاظ. قال معاوية لعمرو بن سعيد: يأأشدق قم عند قروم العرب» فسل لسانك» وجل فى ميادين البلاغة» وليكن التفقد لمقاطع الكلام منك على بال؛ فإنى شهدت رسول الله 6 أملى على على بن أبى طالب رضى الله عنه كتتاباء وكان يتفقد مقاطع الكلام. وما أقام أبو جعفر صالحا خطيباً بحضرة شبيبء قال: يأأمير المؤمنين ما رأيت كاليوم أبين بياناء ولا أربط جناناء ولا أفصح لساناء ولا أبل ريق ولا أغمض عروقاء ولا أحسن طريقاء إلا أن الجواد عسير لم ير ض)؛ فحماته القوة على تعسف الاكام وخبطهاء وترك الطريق اللاحب» وأيم الله لو عرف فى حطبته مقاطع الكلام لكان أفصح من نطق بلسان.
من هذا كله ترى أن مقاطع الكلام كانت غرضاً يطلبه المجيدون من البلغاء والخطياء؛ لأن حسنه يجعل المعنى لدى السامع واضححاً» والرنين مؤثراً؛ والوقف جميلا. ويجمل الإلقاء
خاتمة فى الكلام فى التعبير:
قبل أن نترك الكلام فى التعبير الخطابى ومناهجه. ننقل إليك صحيفة قيمة أعطاها بشر ابن المععمر المعتزلى إبراهيم بن ممخزمة السكونى» وفيها كلام جيد فى الأسلوب الخطابى؛ والمعانى السخطابية» وها هى ذى كما رواها الجاحظ فى البيان والتبيين:
مر بشر بن المعتمرء على إبراهيم بن جبلة بن مخزمة السكونى الخطيب وهو يعلم . فتيانهم الخطابة؛ فوقف بشرء فظن إبراهيم أنه إنما وقف ليستفيدء أو ليكون رجلا من النظارة؛ فقال بشر: اضربوا عما قال صفحاء واطووا عنه كشحاء ثم دفع إليهم صحيفة من تخبيره وتنميقه, وكان فيها ذلك الكلام: خخذ من تفسسك ساعة نشاطكء وفراعٌ بالك وإجابتها إياك؛ فإن تلك الساعة أكرم جوهرأء وأشرف حسبآء وأحسن فى الأسماع؛ وأحلى فى الصدورء وأسلم من فاحش المخطأء وأجلب لكل عين وغرة» من لفظ شريفء ومعنى بديع. واعلم أن ذلك أجدى عليك ما يعطيك يومك الأطول» بالكد والمطاولة وامجاهدة؛ وبالتكلف والمعاودة» ومهما أخطأك لم يخطعك أن يكرن كلامك مقبولا قصدأء وخفيفاً على اللسان سهلاء وكما خرج من ينبوعه» ونجم من معدنهء وإياك والتوعرء فإن التوعر يسلمك إلى التعقيدء والتعقيد هو الذى يستهلك معانيك» ويشين ألفاظك» ومن أراد معنى كريماء فليلتمس له لفظأ كريماً؛ فإن حق
المعنى الشريف اللفظ الشريف» وم حقهما أن تصونهما عما يفسدهماء ويهجنهماء وعما تعود من أجله إلى أن تكون أسوأ حالا منك قبل أن تلقمس إظهارهماء وترتهن نفسك بملابستهماء وقضاء حقهماء وكن فى ثلاث منازل فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقا عذياء وفخما سهلا» ويكون معتاك ظاهراً مكشوفاء وقريبا معروفاء إما عند الخاصة» إن كنت للخاصة قصدت. وإما عند العامة إن كنت عند العامة أردتء والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معانى الخاصةء وكذلك ليس يتضع بأن يكون من معانى العامةء وإنما مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة؛ مع موافقة الحال: وما يجب لكل مقام من المقال» وكذلك اللفظ العامى والخاصىء فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانكء وبلاغة قلمكء ولطف مداخلك؛ واقتدارك على نفسكء أن تفهم العامة معسانى الخاصة:؛ وتكس وها الألفاظ المتوسطة التى لا تلطف عن الدهماء؛ ولا فو عن الأكفاءء فأنت البليغ التام.
فإن كانت المنزلة الأولى لا تواتيك» ولا تعتريك؛ ولا تسنح لك عند أول نظرك؛ وفى أول تكلفك؛ وتتجد اللفظة لم تقع موقعها ولم تصر إلى قرارهاء وإلى حقها من أماكنها المقسومة لهاء والقافية لم تخل فى مركزهاء وفى نصابها ولم تتصل بشكلهاء وكانت قلقة فى مكانهاء نافرة من موضعهاء فلا تكرهها على اغتصاب الأماكن» والنزول فى غير أوطانها؛ فإنك إذا لم تتعاط قرض الشعر الموزوث» ولم تتكلف اخختيار الكلام المنثورء لم يعبك بترك ذلك أحدء وإن أنت تكلفتهماء ولم تكن حاذقا مطبوعاء ولا محكما لسانك؛ بصيراً بما عليك أو مالك. عابك من أنت أقل عيبا منه؛ ورأى من هو دونك أنه فوقك؛ فإن ابتليت بأن تتكلف القول؛ وتتعاطى الصئعة: ولم تسممح لك الطباع فى أول وهلة» وتعصى عليك بعد إجالة الفكرة؛ فلا تعجل ولا تضجرء ودعه بياض يومكء أو سواد ليلك؛ وعاوده عند تشاطك وفراغ بالك؛ فإنك لا تعدم الإجابة والمواتاة» إن كانت هناك طبيعة» وأجريت من الصناعة على عرقه. .
فإن تمنع عليك بعد ذلك من غير حادث شغل غرضء ومن غير طول إهمالء فالمنزلة الثالئة أن تتحول من هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك» وأخفها عليك فإنك لم تشتهه ولم تنزع إليه» إلا وبينكما نسب. والشع لا يحن إلا إلى ما يشاكله: وإن كانت المشاكلة قد تكون فى طبقات؛ لأن النفوس لا جود بمكنونها إلا مع الرغبة ولا تسمعح بمخزونها مع'الرهبة؛ كما جود به مع انحبة والشهوة؛ فهكذا هذا.
ل بس
الأدام
قد شرحنا فى الفصول السابقة إيجاد الخطبة» وتنسيقها. والتعبير عنهاء وهنا نتكلم عن طرق أدائهاء والحال التى يكون عليها الخطيب عند مخاطبته الجمهورء وما يتخذه فى تهيثتها؛ فسنتكلم إذن عن طريق محضير الخطبة؛ ومواضع الارججال» وعن الوقفة الخطابية» وعن النطق الحسن الذى يليق بالخطابة» وعن الصوت؛ وعن الإشارات.
التلييئه
إن الخطيب يلقى خطبته إما بعد متحضير وإعداد؛ وإما على البديهة والارجال» ولكل مواضع ومحاسنء فالتحضير يحسن بل يكوث لازما:
١ - إذا كانت معلوماته فى الموضوع الذى هو بصدد القول فيه لا تسمح له بالقول على البداهة؛ وإن تكلم قال كلامآ مبتسراً لا يقيم حقأ ولا يخفض باطلا ولا يجذب نفساً ولا ينفر من أمر؛ فهو يدرس الموضوع من كل نواحيه؛ ويقتله بحثاً ودرساً؛ ليستطيع أن يدلى فيه بحجته فيصيب المحزء ويدرك الشأوء وينال السبق.
7- وكذلك يعمد إلى التحضير إذا كانت عنده فسحة من الوقت يستطيع فيها أن يبدى ويعيدء وأن يتثبت فيما يقولء ويختار لمعانيه أجود الألفاظ» ويتجه إلى أقرب الطرق التى يصل منها إلى لنفوس: ويهز بها أوتار القلوب هزا رفيقاء أو عنيفا كما يريد.
<٠ ويعمد إلى التحضير أيضاً إذا كان بين قوم يتسقطون هفواته» ويتتبعون سقطاته؛ يحصونها عليه إحصاءء ويحاسبونه عليها حسابا عسيرا؛ فهو يتقدم إليهم بسلاح التحقيق؛ مستنداً على متكا من الحقائق؛ فلا يسقط إن حاولوا أن يأخذوا عليه ما يسقطء ولا يعثرء ولا يزل» ولا تنزلق قدمه فى مزالق الخطرء ومداحض الزلل؛ ولذلك كان أكثر خطباء اليونان . والرومان يهيئون خخطبهم قبل إلقائهاء ولا يجرؤ واحد منهم مهما نكن ثقته بنفسه قوية» ومهما يكن صيته ذائعاء ومعروفا باللسن والبيان» على الوقوف من غير سابقة متخضيرء وإلام تام بما يقولء نخشية أن يأخذ عليه النقاد شيكاً» أو يسقط بين أيديهم سقطة تذهب برواء قوله» وحسن مذهبه؛ وما يدعو إليهء وكان المغفور له سعد زغلول ١باشاه مع قدرته على الاريجال وعظيم إلامه بما يقول» يكتب خطبهء إذا كانت رسمية أو شبه رسمية؛ حتى لا يسبق لسانه نحت تأثير الحماسةء إلى ما لا يريد أن يقيد نفسه به.
ولا يتوهمن متوهم أن فى مخضير الخطبة؛ ما يعيب مقدرتهء فإن العيب أن يقول كلاما ميتذلا لاقيمة له؛ ومعناه تافه صغيره ولتكن له أسوة حسنة فى كثير من كبار الخطباء(١ الأقدمين: واحدئين : فإن كثيرين منهم مع قدرتهم العامة على الارججال يأتحذون للموقف الأهية» ويعدون له العدةء عالمين بأن الخطيب كانجاهدء لا يخوض غمار الحرب» من غير أن يدرع بدروعهاء ويتترس بتروسها.ء ويلبس لها لأمتهاء ويتخذ لها شكتهاء وليس ذلك فى الخطيب إلا بالتحضير والتهيئة: والاستعداد للموقف من كل نواحيه: وإن الذى يتعرض للخطبة من غير سابق خحخضيرء ولاتهيعة: ولم يكن ذا إلمام سابق بالموضوع يجيع كلامه ضعيفا فى معناهء ومبتاه. بل إن ذا الاطلاع الواسعء والعلم الغزير بما يقول إن لم يراجع نفسه آنا بعد آن, ويفكر طويلا فيما يعتزم قوله وقتآ بعد أخرء يضعف أسلوبه الخطابىء وتلين عباراته» وينحدر إلى منهوى من الابتذال سحيق» وتتجه معانيه اتجاهاً سطحيأء وتفقد قوة التأثير فى المشاعر والأهواء.
طرق التحضير
وطرق التحضير كثيرة متشعية -١ فمن الخطباء من يكتفى فى مخضيره بدراسة ا موضوع دراسة تأمة» ثم جمع عتأصره فى خاطره » وترتيبهاأ بينه وبين نفسه؛ ويستحضر الألفاظ اللائقة
() جاء فى “كتاب القديم والحديث للأستاذ الباحث محمد كرد على (طالما هذب شيشرون خخطبه وتمرن على إلقاثها حتى أنه فى سن الستين قبل أن يقتل كان يمرك نفسه على الإلقاء: وكان القدماء يعلقون شأناً عظيما على الإلقاء فى المجالس العامة» حتى لقند أفرط شيشروك فى قوله أن الخطاب العام يتطلب تعبيرات لطيفة منتقاة؛ بيد أن كثيرين من خطباء اللاتين. وقدماء خطياء اليونا كانوا لا يحفلون بإعداد خطبهمء ويظهر أن هورتانسيوس وهو أستاذ شيشرون لم يكن موافقا لتلميذه على قضاياه وهورتادسيوس هذا كان على جانب من الذكاء وححسن الذاكرة بحيث كان يستطيم أن يتلو خطبه. وكانت طريقة القائد الخطيب الرومانى ( كالبا) غريبة فى بابها فكان ينقطع فى داره مع نخدامه غداة يريد أن يلقى دناعاء ويلقى عليهم مرنا نفسه فيما يريد أن يخوض عبابه؛ ويخرج من الغد فى حالة هياج نحارقة للعادة وعيناه تقدحان شرراً وهو فى أشد أحوال التحمس: يعبث ببذه فى الهرواء؛ ويذهب إلى ميدات الموروم. واعنناد بعض الشبان اللخطباء من الروماتء أن يأنوا إلى المحكمة بدفاعهم مكتوبا على الورق» وكان كلنتليان من أساتذة الخطاية عند قدماء اللاتين يرى أن يتقيد الخطباء فى إعداد ما سيعلوت» لا سيما المبتدئ» وبرى أن الارتجال لا يتأتى للمرء إلا فى أواخر عمرهء بعد أن يذوق الأمرين فى صناعة الخطابة: ويعرف -حلوها ومرهاء ولم يكن فى عهدهء وهو القرن الأول للمسيح» سوى خطيبين مرنتجلين هما بورسيوس لا ترو وكاسوس. وما عداهما كانوا ككل الناس يعدون خخطبهم قبل إلقائها... ولما جاءت الثورة . الفرنسية اضطر أرباب السياسة إلى الارجال فأخخدرا يخطيوث قومهم بدون أن يستعدواء ثم ارتقت الخطابة عددهم فى الكليات» والخماكمء والمجالس: حتى قال موريس أجام: ما من شئع يضاد الارتقاء فى الخطابة أكثر من إعدادها بالكتابة قبل الإلقاء.
الذى اندرج فى سلك الخطباءء وكثير من الأدباء يعد الخطبة التى تحضرء وتلقى على هذه الشاكلة مرخّلةء ولكنا نرى الارتتخال أن تقال الخطبة على البداهة؛ من غير أى تحضير للموقف
سابو 7 .
ويظهر أن متمضير خخطباء العرب كان على هذه الشاكلة. ومن ذلك ماجاء فى أخبار يوم السقيفة» عندما الختلف المهاجرون والأنصار رضى الله عنهم فى أمر الخلافة: فقّد قال عمر رضى الله عنه فى وصغف حاله عندما اشتد الخلاف بين الفريقين: فأردت أن أتكلم وكنت زورت كلام فى نفسى» فقال أبو بكر على رسلك ياعمرء فما ترك كلمة كنت زورتها في نفسى إلا تكلم بهاء وهذا يدل أن تزويرهم الخطبة وتتمضيرهاء إنما كان فى الجنان» وفى النفس. ويدل من جهة ثانية؛ على أن محضير الكلام فى النفس ونزويره» والاستعداد للموقف قبل الكلامء لا يعد من قبيل الارتجال: والقول على البديهةءفإن الفرق بين المرتبتين واضح جلى . :
؟- ومن الخطباء من يدرس الموضوع وبهبئ معانى الخطبة. ويرتبها ترتيباً محكماء ثم يكتب عناصرها وأجزاءها فى مذكرة يستصحبها عند الخطبة لتكون مرجعاً له وضابطاء وأيحفظ المعانى والأفكار من أن تضيع بضلال الذاكرة؛ وذلك النوع من الخطباء كثير» وفى الأخذ بهذه الطريقة مزايا كثيرة؛ لما فيها من ضبط للأفكار وجسمع للخواطرء وإحكام للمعانى» وهى كسابقتها لا يتجه إليها إلا الخطباء الذين مرنوا على القول» وعرفوا مقاتله» ومواضيع التأثير فيه؛ وأصبحت لهم طرق خاصة فى الإلقاء؛ يتجهوث إليها من غير قصدء بل بمقتضى الإلف والاعتياد. ولكن تمتاز عن سابقتها:«أ) بأنها تفيد ضعيف التاكرة؛ ولا يحتاج إليها قرى الذاكرة؛ لأنه ليس فى حاجة إلى كتابة العناصرء وضبطها فى القرطاسء إذ هى فى وعيه وختاطره. (ب) وبأنها تسن إذا كانت الخطبة طويلة جمعاً لأشتاتهاء ولكيلا يقع فى التكرار الممل. .
"1- ومن الخطباء من يطلع على الموضوع: وبدرسه بعناية» ثم يتكلم فيه بينه وبين نفسه بصوت مرتفع فى غرفة قد انفد فيهاء أو فى مكان خلوى: أو يتكلم على بعض الناس؛ ومثل
)01 جاء فى كتاب القديم والحديث للأستاذ محمد كرد على. كان فيرير من أعظم من وجد من رجال امحاماة. كان يفكر علوبلا فيما يربد أن يلقيه ويتأمله قلم يكن من يعتمد على الكتابة.
الإ _سسبيوىب؟ىٍ؟ب؟ب يبب
ذلك النوع من الخطباء مثل المطربين؛ إذ يلحنون القطع التى هم بصدد ترتيلهاء والتغريد بها فى وسط الناسء ويتمرتون على ذلك أمداً غير قصير حتى تستقيم لهم النغمات؛ فكذلك هذا النوع من الخطباءء وقد كان كذلك «١ كالبا» الخطيب الرومانى. وكاك فرنيو وتيرس من تحطباء الفرنسيين يحدثان أصحابهما فى موضوع خخطيهما قبل إلقائها. وعندى أن هذه الطريقة يعمد إليها من يريد أن يربى فى نفسه طريقة إلقاء خاصة يمرن عليها حتى تصير له ملكةء وعادة.
5 - ومن الخطباء من يكتب الخطية» ويتحرى فى الكتابة أبلغ الأساليب التى توصله إلى غايته» وتؤدى به إلى ما يريدء ويحكم معانيهاء ويحملها كل ما يبغى من وسائل التأثير» وطرق الإقناع التى يصوبها نحو هدفه؛ ويرمى بها إلى غرضه. وبعد الكتابة يقرأ ما كتب مراراً وينقحه فى كل مرة. وبهذه القراءة التى يتحرى بها جودة الإلقاء وحسن النطق» تعلق معانى الخطبة مرتبة الترتيب التام بذاكرتهء ويحفظ كثيراً من ألفاظها وعباراتهاء وهذه الطريقة يتبعها كثير من امحامين فى القضايا ذات الشأن التى مختاج إلى مخضير كبير» وجمع لعدة نصوص قانونية» أو عبارات جاءت على ألسنة الشهودء وقد شاهدت الحامين الذين ترافعوا فى قضايا القنابل التى نظرت فى سنة 1517 أمام محكمة الجنايات المصرية بين أيديهم مرافعاتهم مكتوبة؛ ولكنهم يلقونها من غير أن يقرءوا ما كتبواء فلا يتركون صغيرة ولا كبيرة؛ ويجئى على ألسنتهم كثير من العيارات التى ساقوها فيما كتبوا.
5- ومن الخطباء من يكتبون خطبهم» ويحسنون مخبيرهاء ثم يحفظونها حفظاأً تامأ ومنهم من يتحلل أحيانا بما حفظ» إن وجد المقام يدفعه إلى غيرهء كما كان يفعل أرول دى سيشل من خطباء الثورة الفرنسية» يكتب ويحفظ خطبه: ويغير عند الإلقاء؛ ويعمل بقول فولتير: إن الألفاظ بريد الأفكار. ومنهم من يكتب ويحفظ بدون أن يغير شيعا كما كان يفعل فيكتور هوجوء فقد كان يكتب خطبه ويستظهرهاء وكثيرا ما كان يقول: لا يستطيع المرء أن يكون حطيبا إلا إذا كتب خخطبتهء وتلك الطريقة يتبعها أكثر المبتدئين فى المخطابة.
1- ومن الئاس من يكتب الخطبةء ثم يلقيها بالقراءة فى القرطاس الذى كتبها فيه وأكثر امحاضرين فى موضوعات علمية فى مصر على هذه الطريقة» ويحسن لمن يسلك ذلك المسلك سواء أكان حطيباً أم محاضراً أن يقرأ ما كتب قراءة جيدة قبل إلقائه: وعند الإلقاء يجتهد فى أن يلقى بعض المحاضرة أو الخطبة من غير المكتوب» ليكون فى ذلك مجديد فى الإلقاء» وأن يكون فى قراءته مشرفاً على السامعين بنظره وقتا بعد آخرء لتتصل روحه بأرواحهم: وليعرف أحوالهم» وذلك يتيسر له بالقراءة الجيدة المكررة قبل الإلقاء» إذ تمكنه هذه عند الإلقاء
من أن ينظر فى القرطاس عند قوله؛ وأشرف به على السامعينء وهكذا يفعل فى كل أجزاء الحاضرة أو الخطبة.
والطريقةالمثلى لطالب الخطاية:
-١ أن يبتدئ يكتابة الخطبة وحفظها وإلقائها كما حفظهء ثم يأححذ نفسه بالتغيير شيئاً فشيئاً فيما حفظ حتى إذا شدا فى الخطابة» وتقدم فى المران عليهاء كتب الخطبة؛ وعنى بأن تعلق كل معانيها بقلبه» وأكثر ألفاظها بذاكرنهء ثم يتقدم لإلقائهاء وقد تحصن بذلك التحضيرء فإذا صارت له الخطابة ملكة؛ وعد فى صفوف المخطباءء اكتفى بدراسة الموضوع فراسة وافية, ثم كتب العناصرء أو لم يكتبها إن أسعفته ذاكرة قوية» أو كانت الخطبة قصيرةء لا غناصر لهاء وألقى الخطبة مكتفياً بذلك التحضير الذى يعد أقل أنواعه كلفة؛ ولا يكثفى به إلا أعظم الخطياء قدرة.
الارتجال
-١ وإذا كنا قد أوجبنا التحضير والتهيئة؛ فليس معنى ذلك أن الخطيب لا يستاج إلى الارتجال؛ إذ القدرة على الارتجال ألزم الصفات للخطيب؛ بل لا يعد الخطيب فى نظرى فى ضف الخطباء الممتازين إلا إذا كان من القادرين عليه؛ الذين لا يفرق الإنسان بين أسلوبهم المرئجل؛ وأسلوب خخطيهم امحضرة.
إن حاجة الخطيب إلى الارتجال لواضحة؛ فقد يحضر الخطيب! ثم يرى من وجوه السأمعين ؛ وحالهم ما يحمله على اجا آخر؛ فإن لم تسعقه بديهة حاضرة؛ وخاطر سريع ؛ ومران على الارتجال طويل ضاع هو وما يدعو إليهء والتقاه الناس بالمكاء والتصدية والصفير والسخرية» والاستهزاء فى كل مكانء وقد يخطب الخطيب؛ فيعترض عليه بعض الناس فى خطبته» فإن لم تكن له بديهة حاضرة ترد الاعتراض وتقرعه بالحجة القوية؛ ذهبت الخطية وأثارها. يروى أن أبا جعفر المنصور كان يخطب مرةء فقال: انقوا اللّه. فقال رجل: أذكرك من ذكرتتنا به. فقال أبو جعفر: سمعا سمعا لمن فهم عن اللّهء وذكر بهء وأعوذ باللّه أن أذ كر به وأنساهء فتأحذتى العزة بالإثم» نقد ضللت إذَآء وما أنا من المهتدين» وما أنت؟ والتفت إلى الرجل» فتقال: واللّهء ما الله أردت بها؛ ولكن ليقال قام فمال؛ فعوقب» وأهون بها لو كانت العقوبة» وأنا أنذركم أيها الناس أختها؛ فإن الموعظة علينا نزلت وفينا نبتت. ثم رجع إلى موضعه
59 -س؟؟ب + ببح
من الخطبة» فلو لم تكن قدرة المنصور على الارتجال ما استطاع أن يأتى بذلك النوع من الكلام؛ وما استطاع حيتمذ أن ينال من المتهجم على مقام الإمرة ذلك التهمجم.
وقل 4 3 يعهشب بعص الخصوم على كلام المخطيب بالنقض: وذلك كثير فى مرافعات اعامين والنيابة فاذا لم يتقدم بكلام قيم يسك به الخلةء ويرد به الحق إلى تصابة» ويتدارك من أمرة مأ طوجتم اليةع ضاع مقصوذه) وذهب أدراج الرياح مجهودهة؛ وذلك ل يكون إل بهوة الارتجال التى تتكون بالمزاولة والمران.
؟ - وقد كان العرب أيام ازدهار الخطابة فيهم من أقوى الناس على الارجال. قال الجاحظ فى وصفهم: وكل شع للعرب فهو بديهة وارتجال» وكأنه إلهام» وليست هتاك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكر ولا استعانة: وإنما هو أن يصرف همه إلى الكلام» وإلى الرجز يوم الخصام» أو ححين أن يمتح على رأس يثرء أو يحدو ببعير» أو عند المقارعة أو المناضلةء هما هو إلا عليه الألفاظط انثيالاء ثم لا يقيده على نفسههء ولا يدرسه أحداً من ولده.. وكانوا أمييا» لا يكتبون؛ ومطبوعين لا يتكلفون؛ وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر» وهم عليه أقدر وأقهر: وكل واحد فى نفسه أنطق؛ ومكانه من البيان أرفع: وتخطبازهم أوجز» والكلام عليهم أسهل؛ وهو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى مخفظ» أو يحتاجوا إلى تدارس» وليسوا كمن حفظ علم غيره واحتذى كلام من كالن قبله؛ فم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم» والتحم بصدروهمء واتصمل ' بعقولهم من غير تكلف ولا قصد ولا تحفظ ولا طلب.
؟'- والمران على الارتجال يكون والعود أخضىئ والعادات لم تتكون؛ والنفس لم نتجمد على نحو خاص من أنحاء القول يخالفهاء ولذا قيل إن القدرة على الارتتجال لا تدكون يعد الأربعين» ويصعب أن تتكون بعد الثلانين» بل تتكون فى سن دوت هله السن .
ويتربى : 5- بسماع الخطياء المرججلين الممتازين » لأن السماع يحفز من عندنه استعداد الكلام إليهء ولأن فكر البشر يتغذى بالتقليد واحاكاة. :
-١ وبآن يأخذ نفسه من وقت لآخر بالكلام مرتخلاء ويغشى الجماعات ويتقدم إلى الغول » ليفك عقّدة لساتهء يزيل حتبسة الحياء . وبر موريس أجام أن تمرين مريل الخطابة على الارخال بأأن يتكلم كل صباح فى موضوع من الموضوعات لنفسه؛ ولو ربع صساعة» فيتمرن جرسه وصوقه. | ظ
1 ومن أمثل الطرق أن يجتهد فى ألا يخطب من ورقء وأن يعرف ملخص ما يقول بعد محضيره» فإذا دأب على ذلكء» واتته فطرة قوبة» واستعداد قويم على القول على البديهة من غير محخضير عند الاقتضاء.
4- وعلى هريد الخطابة أن يستنصح رفيقا له يدله على عيوبه» كما أن عليه أن يراقب نفسه مرأقبة تامةء ويأخخذ نفسه بالإصلاحء ولا يترك عادة لا تستحسن تثبيت وتدموه وعليه ألا يتقيك بعبارات خاصة» وإلا أثار سخرية الناس: ومكء خصومه من العبث بسمعته البيانية.
النطق
التطق الحسن هو الدعامة الأولى للإلقاء الجيد» وإذا اعترى النطق ما يفسده ضاع الإلماع فضاعت معه اللخطبة وأثرها. وفقد المخطيب ما يسمو إليه من وراع البياك» ولا سئ يذهب بالمعتى الجيد أكثر من النطق الردئئ» وكثيراً ما يفهم المعنى على غير وجهه؛ لآن النطق قلبةء ولم يصوره تصويراً صادقاً.
والتطق الجيد يحتاج إلى عناصر أربعة لابد من توافرهاء فإذا فقد أحدها ذهب أحد أركانه» فاختل بنيانه» وها هى ذى: ظ
-١ تجويد النطق:
بأن يخرج الحروف من مخارجها الصحيحة؛ فلا يتطق بالثاء سيناء ولا بالذال زاياء ولا بالجيم كما يتطق العامة وهكذا كل مخارج الحروف؛ فيجب أن يعنى الخطيب بأن يكون الحرف خخارجا من ينبوعه» صادراً عن مخرجه الذى عرف عن العربى النطق به منه. وإث العناية التشادق الذى يقع فيه بعض المتكلمين”'' أو الخطباء. فيكسو النطق تكلفا يثير سخرية السامعين ولا توعرء بل فى يسر ورفق وسهولة» لأن ذلك التشادق يوقع أولعك المتكلمين فى نقيض ما يرغبون» فينطقون بالحروف من غير مخارجها الصحيحةء كبعض الخطباء الذين يدفعهم غلوهم إلى النطق بالجيم بما يقرب من الشينء فراراً من نطق العامة؛ فيدفعهم فرارهم هذا من )١( كأولئك الذين يعلكون ألسنتهم بالقاف مفخمين النطق بها فيبدو التكلف واضحاً.
عيب العامية إلى عيب آخخر لا يقل عن الأول خحرؤجا عن جادة الفصحىء وقد قال بعض الأدباء: إن التشادق من غير أهل البادية عيب لأن أهل البادية فى الزمن الأول كان نطقهم هو الصورة الصحيحة للنطق العربى القويم. ظ '- مجانبة اللحن وتحرى عدم الوقوع فيد: يجب أن يعنى الخطيب بتصحيح الكلام الذى ينطق به وملاحظته فى مفرداته وعباراته فيلاحظ بتية الكلمات ملاحظة تامة: فلا ينطق مثلا بكلمة سوقة بفتحتين كبعض الخطباء: فيذهب ذلك بروعة القول وبهائهء ولا ينطق بغير ما توجبه قواعد النحو فى أخخر الكلمات» فإن ذلك يفسد المعنى » وقد يقلبهء وليعتير الخطيب بما روى من أن خخارجا من الخوارج قال فى قصيدة هذا البيت: ومنا يزيد والبطين وقعتنب ومنا أمير المؤمنين شبيب
/ برفع أمير المؤمنين فلما وصل البيت إلى علم عبد الملك بن مروان طلب قائله وسأله؛ أت القائل: ومنا أمير المؤمنين شبيب؟ فقال: لم أقل هكذاء ولكنى قلت: ومنا أمير المؤمنين شبيب» وفتح أمير (أى منا شبيب يأمير المؤمنين) فأعجب عبد الملك بفطنته؛ وأخلى سبيله. فانظر كيف كان اختلاف الحركة فى أخخر الكلمة قالبا للمعنى» مغيراً للمقصد؛ فالخطيب الذى يقع فيه قد يفسد المعنى» بل قد ينقلب المدلول اللفظى لكلامه؛ إلى نقيض المطلوب وعكس المراد. والنطق والخطأ لآخر الكلمات» فوق أنه قد يفسد المعنى» ويذهب بروئق الخطبة وحسن وقعهاء وجمال تأثيرهاء ولا يظنن الخطيب أن جودة المعنى وإحكامه قد يذهباكن ببعض الأخطاء؛ فإن الهنات الصغيرة إذا كشرت أحدئت تأثيراً سلبيا للخطبة؛ وأفسدت تأثير المعانى الحكمة. وإن 'جمهرة النظارة الآن فى مصر ممن لهم إلمام بقواعد النحوء ولهم قدرة على ملاحظة الأخطاءء وإن لم تكن لبعضهم قدرة على مجانيتها فى خطبهمء بل فى كتابتهم أحياناء فإن المستمع يلاحظ مالا يلاحظه الخطيبء ونظراته إلى المتكلم وكلامه نظرات فامصة كاشفة؛ وإذا أدركوا كثيراً من الأخطاء ضاع أثر الخطبة فى نفوسهم.
؟- قصوير النطق للمعاني تصويرا صادقا:
بأ يعطى كل كلمة وكل عبارة حقهاء ويظهرها بشكل تتميز به عن سواهاء فالجملة الؤكدة ينطققها بشكل يدل على التوكيد فى التغم كما دل؛ والجمل الاستفهامية ينطق بها
بشكل يتبين منه الاستفهامء والمراد منه فى طريق النطق» كما دل عليه بالأداة الدالة على الاستفهام» وسنتكلم عن هذا وافيً عند الكلام على الصوت. #- التمهل فى الإلقاء:
وهو ألزم الأمور للخطيب؛ وليس بصحيح ما يزعمه بعض الناس من أن الخطيب اللبق هو من يتدفق بيانه تدفقاء وتنحدر عبارانه فى سرعة؛ ومن غير تمهل؛ فإن ذلك فيما أرى عيب يجب التخلى عنهء والأحتراز منه:
() إذ النطق السريع المتعجل حيث جب الأناة ينتج منه تشويه المخارج» وخلط الحروف بعضها ببعض لأن عضلات الفم واللسان لا تأخذ الوقت الكافى للانتقال من لفظ إلى لفظ. '
(ب) والإسراع المفرط يجعل الخطيب يهمل الوقوف عند المقاطع الحسنة؛ والمقاطع لها حسن الأثر كما علمت فيما مضى.
(ج) والخطيب السريع فى نطقه لا يعطى السامع الفرصة الكافية لفهم ما يسمعء وتذوق ما فيه من صقل اللفظ وجودة المعنى» وحسن الخيال فإذا قرعت أذنه عبارة قبل أن يتذوق ما فى الأولى من جمالء يعروه التعب» ويسكن قلبه السأم؛ وينصرف عن الإصغاء.
(د) والتمهل فوق ذلك يجعل الصوت يسرى إلى السامعين جميعا بأيبسر مجهود متناسب مع المكاث والعددء بينما الإإسراع يجعل الكلماث محتاج إلى مجهود صوتى أكبرا ليصل الكلام إلى الآذان. ظ ظ
وقد كان النقاد الأقدمون يعدون بحق من أمارات رباطة جأش الخطيب التمهل فى النطق» فقد قال أبو هلال العسكرى فى الصناعتين: وعلامة سكون الخطيب ورباطة جأشه هدوءه فى كلامهء وتمهله فى منطقه؛ قال لمامة: كان جعفر بن يحى أنطق» قد جمع الهدوء والتمهل » والجزالة والحلاوة؛ ولو كان فى الأرض ناطق يستغنى عن الإشارة لكانه.
وقبل أن نترك الكلام فى هذا المقام نشير إلى نقطتين:
(إحداهما) أن الكلام يجب أن يسوده التمهل فى الجملة لما بيناء ولكن يصح أن يتنفاوت فى الجمل بعضها عن بعض» فالجمل الدالة على الفرح والسرور يستحسن أن ينطق بها الخطيب بسرعة نسبية» وكذلك الجمل الدالة على الغضبء ليكوث النطق مصورا للمعنى الروحى لهاتين الحالتين تمام التصوير.
(ثانيتهما) ألا يظن ظان أن التمهل معناه أن يكون النطق هادا هدوءا تاماء فتعدم الخطبة الحياة والقوة» بل يجب أن يكون فى نغمات الصوت ورناته وملامح الخطيب ونظراته؛ والتغيير الدسبى فى التمهل والسرعة:» ما يعطى الخطبة الحرارة والقوة والحياة.
الصوت
من الناس من يسمع الإنسان صوته محدثا أو قارئًا أو خطيباء فيشعر بنغماته تثير ارتياحه؛ وبرنينه يهز إحساسهء وبعمقه يصل إلى أبعد غور فى نفسه؛ وبتشكيله بأشكال مختلفة يتضح المعنى» وينكشف المبهمء ومن الناس من تسمع منه أجمل العبارات» وأجود الألفاظ الدالة على المعانى» فترى العيارات» قد فقدت جزءا كبيرا من بهجتهاء وذهب من المعانى أكثر روعتها؛ فدل ذلك على أن للأصوات أثرا كبيرا فى حسن وقع الكلام أو قبحه؛ وليس المرجع فى ذلك جمالها وقبحهاء ولكن عمقها وركوزهاء ورباضتها على تصوير المعانى» وجودة تقل الخواطر؛ فإن الألفاظ .والأصوات تنعاون فى الدلالة على المعانى النفسية» فألفاظ التألم والحزن والغم مثلا إذا سمعتها مجردة ما أثارت فى نفسك شيئاء فإذا سمعتها من متألم؛ واشترك صوت متأثر بالآلام مع اللفظء أثارت فى نفسك خواطر الأسىء ومواضع الحزن؛ وأحسست بالألم العميق تشترك فيه مع من حكى للك آلام نفسه فى تغمات صوته.
لذلك يجب على الخطيب أن بروض نفسه على تصوبر المعانى» وأن يجعل من نغفماتث صوته» وارتفاعه وانخفاضه دلالات أخرى فوق دلالة الألفاظ: وليعمل على أن يكون صوته ناقلا صادق النقل لمشاعر نفسه» وليمرنه التمرين الكافى على أن يكون حاكيا صادق الحكاية معانى الوجدانء وخواطر الجنانء وليعلم أنه لا شيع كالصوت يعطى الألفاظ قوة حياةء وأنه إذا أحسن استخدامه خلق به -جوا عاطفيا يظل السامعين؛ وبه يستولى عليهم.
وإذا "كان لنا أن توصى مريد الخطابة بشئعء فإنا نوصيه بهذين الأمرين:
أولهما - أن يجعل صوته مناسبا لسعة المكان ولعدد السامعين» فلا ينخفض حتى يصير فى أذانهم همساء ولا يعلو حتى يكون صياحاء بل يكون بين هذا وذاك؛ وبين المرقبتين متسع لفتون القول» ودرجات الكلام» وأنواعه؛ وغاياته .
وعند الابتداء ييتدئ منخفضاء ثم يعلو شيكا فشيئا؛ فإن العلو بعد الانخفاض سهل ؛ ووقعه على السامعين مقبولء أما الخفض بعد الارتفاع فلا يحسن وقعه» ولذا يجب على
الخطيب أن يوازن بين طاقته؛ وبين الزمن الذى تستغرقه خطيته؛ ولمجهود الصوتى الذى يجب بذله؛ وليجعل هذين على قدر تلكء وإلا أصابه الإعياء قبل الوصول إلى الغاية» فكان كالمنيت . لا أرضا قطعء ولا ظهرا أبقى. ظ
ثانتههما - ألا يجعل صورته نمطيا يسير على وتيرة واحدة» وبشكل واحد لا تغير فيه ولا تبديل » فإن ذلك يلقى فى نفس السامع سأمة. وملالا ؛ ووراءهما الثقور والانصرافى.
وليكن تشكيل صوته بأشكال صوتية مصورة للمعانى؛ فإن الصوت كما ذ كرنا يشترك تمختلف عن جمل الرجاء» وكما أن للأمر صيغة تدل عليه تختلف عن صيغة الخبرء فليجعل المتكلم من نغمات صوته ما يدل على ذلك التغايرء وهذا التفاوت.
وإذا كانت اللغة قد جعلت صيغ الأمر هى التى تدل على الدعاء؛ أو الالتماس» فقّد تركت للمتكلم واجب إشعار السامعين بالتغاير يينهماء فليجعل لهجة الأمر تخالف لهجة المخطاب.
وكما تختلف الجمل فى معانيها تختلف الكلمات أيضاً فى معانيهاء وكل معنى يحتاج والترددء والفرحء والضحكء والدهشة والشكوى» واليأس» كلها ذات معان مختاج إلى أصوات تناسيهاء وتساعد الألفاظ في الدلالة عليها.
هذا وكل جملة فيها كلمة ذات معنى رئيسى هو عمود الجملة:» والمقصد الذى سيقت له فمثلا قول الإمام على رضى الله عنه: أعجب ما فى الإنسان قلبه؛ وله مواد من السكمة؛ وأضداد من خلافها. كلمة قلبه هى ذات المعنى الرئيسى فيه» فعتد النطق يجب أن تعطى شعاراً صوتياً يدل على شرفهاء ويوجه الأنظار إليها.
وإن الخطيب المتصرف الجيد لا يضل فى تمبيز هذه الأصوات إذا جعل دليله ما يشعر به من هذه المعانى» وما يراه من الناس فى محادثاتهم المعتادة» فى رفع أصرائهم أو خحفضهاء فإن امحادئات المعتادة هى الحاكية الصادقة الحكاية للأمر المألوف» والذوق المعروف» فليكن فى تغييرات صوته صورة مكيرة مزينة مجملة بجيد التعابيرء لا يجرى بين الناس؛ فإنه إن فعل كان صادرا فى نغماته عن إحساسهم ومشاعرهم وذوقهم العام ..
210000:
الإشارات7") إن الإشارات هى الخاطبة الصامتة أو هى لغة التفاهم العامة؛ وهى فى كثير من الأحيان صوت الشعؤرء وعبارة الوجدان» فالغاضب يتغضن جبينه؛ ويعبس وجههء ويقبض أصابعه بدافع شعورى من غير إرادة» لهذا كان للإشارة أثر فى إثارة الانتباه والشعورء وتقوية الدلالة؛ لأن المعنى معها تدل عليه دلالتان بل ثلاث دلالات: إحداها لفظية» والثانية صوتية» والغالغة تلك الإشارات البيانية .
والاشارات البيائية بعضها شعورى اندفاعى لا يكون بالإرادةء بل بدافع الاحساس الوقتى للخطيب الذى يثيره موقفه الخطابى كتحريك الحاجبين للدهشة» أو تغضن الجبين للغضبء» أو النظر الشزر عند الاحتقار؛ وبعضها إرادى قصدى يعمد إليه الخطيب للتأثير» فالإشارة للبعيد
برفع اليد إلى أعلى بانحراف»؛ ونحو هذه من الحركات التى يعمد إليها الخطباء.
وسواء أكانت الإشارات إرادية أم شعورية» فهى ذات أثر فى تأكيد الكلام فى نفس السامع وتقويته» غير أنه يجب أن يلاحظ أن للإشارات قيودا لا تحسن إلا بها.
فيجب أن تكون ملائمة للمعنى موافقة له؛ يشعر السامعون بقوة دلالتها عليه؛ وإلا كانت حركات عابثة» لا معنى لهاء "كما يفعل بعض امحامين؛ من مسحهم جبينهم آنا بعد أن من غير أن يكون عرق» أو وضع أيديهم على منظارهم» أو خلع طرابيشهيىء فإن أمثال هذه
الحركات عابئة لا تشير إلى معنى» ولا تنيع عن إحساس نفسى قوى أو ضعيف.
ويحسن أن تسبق الإشارة القول» ممهدة له متبكة بهء فيتنبه السامعون له ويترقبونه؛ليجئع فى وقت الحاجة إليه» فيئبت فضل ثبات» فالإشارة تكون مع الفكرة مصاحبة لهاء والفكرة
سابقة على القول» فالإشارة مثلها.
ولا يصح أن تتكرر الإشارة؛ فإن فى تكرارها ما يدعو إلى السأم والملل» وما يوهن موقف
الخطيب» ويضعف تأثير قوله.
)١( جاء فى البيان والتبيين: الإشارة واللفظ شريكان؛ ونعم العون هى له ونعم الترجمان هى عنه؛ وما أكثفر ما تنوب عن اللفظء وما تغنى عن الخط... وبعد؛ فهل تعدو الإشارة أن تكوت ذات صورة معروفة وححلية موصونة على اختلاف فى طبقاتها ودلالتهاء وفى الإشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من المجوارح مرفق كبير.
9س
هذا ويلاحظ أن الخطيب القوى من تكون عباراته وانسسجام بيانه قوية فى ذاتها؛ فلا يصح الإكثار من الإشارات والحركاتء فإن ذلك يذهب بسمت الخطيب» ومهابته» وروائه عند السامعين.
وإن الذوق العام المصرى من ناحية الخطابة يشبه الذوق الإتجليزى من حيث الرغبة فى قلة الإشارات» وملاحظة السذاجة:ء وألا يكون هناك تكلف لها؛ فإن ذلك ليس مألوفا من كبار الخطباء عندناء وهم الذين يوجهون الذوق العام فى متجهاته.
الوقفة
أحسن حال للوقفة الخطابية: وليتمكنوا من رؤيته؛ فإن الرؤية تعين على حسن الاستماع.
5- وأن يكون فى وقفته مستقيم القناة» فلا انحناء ولا تفوس» وأن ييرز بنصشره إلى الأمام؛ ويعتمد على إحدى الرجلين إن كانت الخطية تستغرق زمنا طويلا؛ لكى يستطيع أن يبدل إحدى الرجلين بالأخرى ليريحها.
- ويلاحظ أن ليس من المألوف عند كبار الخطباء فى مصر الانتقال من مكان إلى مكان كالممثل» فيحسن حينهذ الوقوف فى مكان واحد لا يزايله إلا قليلاء وإلا أثار سخرية السامعين وهزءهمء فليجانب الخطيب ذلك ما استطاع إلى أمجانية سبيلا.
فنون الخطابة
قد حصر أرسطو فنون الخطابة فى ثلاثة أقسام: وهى الخطب التشبيتية؛ والخطب القضائيةء وخطب المشورة. وكان تقسيمه هذا تابعا لأوقات المعانى الخطابيةء فالخطب التثبيتية وهى التى تتعلق بالمدح أو التأبين أو التعزية وغيرها من الأمور التى تتعلق بحادث ثابت أو حال قائمة؛ زمنها الحاضرء والخطب القضائية لأنها تعلق بأبور جدئت فيما مضى؛ ويتناقش الخصمات فى بيان تبعاتهاء زمنها الماضىء إذ أكثر معانيها يُتعلق به؛ وخطب الشورى وهى
لإ ببب+بب؟©؟+بٍ)ٍبٍبببببب تتعلق يأخذ الأهبة للمستقبل» وإعداد العدة لما يكون فيه؛ كان أكثر معانيها يتعلق بالمستقبل؛ وهو زمن وقوعها. ظ والحق أن فنون اللخطابة تتبع ححاجات الأمة؛ وأحوالها وشكونها والضرورة الدافعة إِلى القول الخطابى. وقد شاعت الخطابة فى عصرنا فى فتون وموضوعات كثيرة» ولكل منها عطرائق خاصةء ومناهج بيانية امتازت بهاء وطرق للسبق فيهاء والغلب فى ميادينها. ٠ وقد حصرت على تبلين موضوعاتها فى أقسام جامعة لها وهى: ١ - الخطب السياسية. ؟- الخطب القضائية. 8- الخطب الدينية. | 4- الخطب العسكرية. ©- الحاضرات العلمية. "- تخحطب التأبين. /ا- ونحطب المدح والشكر.
الخطب السياسية
لم تزدهر الخطابة السياسية فى عصر من العصور ازدهارها فى ذلك العصرء فقد سبقت كل أنواع الخطابة» وصار التبريز فيها طريقا من طرق امجد المعبدة؛ ومنهاجاً مستقيما لمن بريد أن يتقدم إلى خدمة الأمة بإقامة حكمها على نظام عادل مستقرء ثابت الدعائم. مشيد الأركان.
١-فسيطرة الشعوب على الحكم فى أكثر البلاد المدمدينة؛ إذ قد صارت هى مصدر السلطات» وموثل الحكامء ومرجع أهل الحل والعقد؛ لا يبرمون أمراً من غير استفتائهاء ولا يحلون عهداً من غير الاستنارة برأيهاء ولا يثيرون -حرباً من غير الاستيثاق من تأييدهاء ولا يدخلونك فى عقد من غير الاستئناس بإرادتها؛ فالحرية السياسية قد سيطرت على كل شئع: وحلت فى كل نفس امحل الأول» والخطابة السياسية تنمو متخت ظل الحرية» وتستمد غذاءها وقوتها منها إذ هى لا تترعرع إلا فى جو حر طليق.
1- وكانت دور النيابة. والغلب فيهاء والعمل على قيادة النواب» ودعوتهم إلى ما يرتئيه الخطيب؛ ومحاولة السبق فيهاء والسيطرة على أفكارها؛ وتوجيهها إلى ما يرى من مصلحة تعم الجميع؛ كان كل هذا من أسباب رواج الخطابة السياسية» وسيطرتها.
-1٠ وإن مناحرات الأحزاب» ومحاولة كل حزب أن يكون لسانه أغلب» ومبادئه أكثر اتتشاراً وذيوعاً؛ وأعضاؤه أكثر عددا وأعز نفراًء وأقوى صوتاً؛ وما يتخذ فى سبيل ذلك من دعايات منظمةء كان سببا ثالثاً من أسباب سيادة الخطابة السياسية.
-- وإن اتصال الشعوب بعضها ببعض» وتقوية الأواصرء وعناية كل دولة بنشر الدعاية عن عدالة حكمهاء وأنها تسير بالقسطاس المستقيم» وأنها لا تبغى غير الخيرء وترقب العهود والموائيق؟ كل هذا جعل للخطب السياسية الناشرة للمحاسن؛ النافية للمعايبء مكاناً فى كل أمة» حتى إن ألمانيا قد جعلت وزارة خاصة بالدعاية تسيطر على طرقها؛ وتبتكر أساليبها.
- وإن نهوض الأم المغلوبة على أمرها التى قضى عليها ألا يكون أمرها بيدها ردحاً طويلا من الزمان؛ استدعى أن يكوت من بين أهل اللسن والبيان فيها من يوقظ الحمية؛ ويثير
2 2 ّْ العزائم» ويحبى الأمال؛ فوجدت نخطب سياسية دافعة إلى الحياة الحرة» بميتة لليأس» كما ترى فى خطب غاندى؛ وسعد زغلول» ومصطفى كامل» وغيرهم من أهل البيان والحمية الوطنية؛ ومن تولوا قيادة الشعوب . ولكثرة المخطب السياسية وتغلغلها فى سحيأة الشعوبء وسيطرتها على مصيرها؛ تشعبيت إلى () الخطب النيابية. (ب») الخطب الانتخابية, ( ج) نخخطب التوادى. «(د) نحطب المؤتمرات السياسية.
() الخطب النيابية: هى التى تكون فى الدور النيابية؛ وتشمل خطب الأعضاء معترضين على الحكومة: أو مؤٌيدين لهاء أو سائلين أو مستجوبين» أو مثتناقشين فيما بينهم: كما تشمل خطب الوزراء مجيبين أو معترضين» أو داعين إلى الموافقة على أمر. ٠
والخطابة النيابية مزلق خطير لا ينجمح فى اجتيازه سالما إلا أولو العزم من الخطباء؛ ولا يكفى فيه أن يكون الرجل ذا بيان ولسن وحضور بديهة ونهوض حَجة: وقذرة غلى الغلب فى الخضاء» ومقازعدة الأقسرانم فى مياذين البياك: بل لابد للنجاح فيها من عناصر كثيرة. لا ينالها إلا من كتب الله له الدجاح المؤزرء والفضل العظيمء منها؛
-١ أن يكنوث النائب فاهما لنفسية الشعبء ملما برغباته, عارفا لمطامحه وأمانيه؛ دارسا لأهوائه ومشاعره» بل لابد أن يكون فوق ذلك محسا يإحساسه شاعرا بشعوره؛ حاكيا صادق الحكاية لأماله ومطامعهء لأنه لسانه المعرب عنه» وصوته الداوى بما يرغب من ححياة: وليجعل الحكم بينه وبين إلنواب فيمبا يشجر من خلاف» وما يقوم من نزاع شعور الشعب ورغبته؛ لأنهم إن حادوا عن تلك الرغية» وجانبوها أخلوا بواجب الوكالة» وخلعوا شعار النيابة» ولذا يحسن بالنائب الاتصال بناخبيه أنا بعد آن» وكلما تهيأت الفرصة:؛ وأمكنته الأحوال؛ لكيله يبتعد بشعوره عنهم؛ ولكى يكون على إلمام تام بكل ما يعرض لهم من شكون وأحوال.
2
7- وأن يكون عليما بمشاعر النواب أنفسهم ورغباتهوء لأنهم الجماعة التى يخطب فيهاء فيدرس نفسيتهاء ليؤثر فيها من طريق ما تشتهى وتبتغى» وليصل إليها من طريق إقبالهاء ولكيلا ترفض قوله» وجعله دبر آذانها. ولا يظن ظات أنه لا يؤثر فى النواب إلا المنطق» فإنهم وإن كانوا فى الغالب من العلية المثقفة المهذبة تنطبق عليهم صفات الجماعات:؛ من أنها يرد إليها التأثير من ناحية المشاعر أكثر هما يرد إليها من ناحية المنطق» لذلك يجب على الخطيب النيابى ألا يجعل المنطق هو كل شيع فى كلامهء بل لابد أن يرطبه بما يثير المشاعر» ويهز الإحساس»: ويحفز الهمم» ولا يكون ذلك إلا إذا كان دارسا دراسة تامة لعقلية النواب ومتجهاتهم العاطفية؛ ليستدرجهم إلى ما يريد من طريق ما يألفون.
1- ودراسة العرف النيابى واللائحة الداخلية للمجلس؛ ليكون على بينة نامة؛ وعلم كامل بالنظم والقيود التى مخيط بالمناقشات» فلا يخرج عن نطاقهاء ولا يعدو دائرتها؛ فإذا سأل وزيرا علم ما للوزير من ححق التأجيل؛ وإذا أجابه عرف الحدود التى له فى التعليق» فلا يمكّن الرئيس من منعهء فيبخدش بذلك المنع عزته؛ وإذا استجوب كان عليما بماله من حق المناقشة فى الجوابء وما للأعضاء من حق الاشتراك فى المناقشة والمحاسبة؛ وفى الجملة يعلم ما للعضو من حقوق فى المناقشة:» والأسعلة والاستجوابات وغيرهاء وما أحيطت به هذه الحقوق من واجب؛ وما نيط بها من تبعات. فإنه إن أذ نفسه بعلم ذلك والعمل به؛ أحيطت مناقشاته بالإجلال: وصينت من المنع؛ وذلك من أسباب الإنصات إليه؛ وربما أدى ذلك الإنصات إلى الاقتناع . ئ
4- والإلمام الام بنظام الحكمء والخبرة العامة بأحوال الحاكمين ومعاملتهم اللمحكومين ؛ لكى يستطيع أن يؤدى عمله الذى ناب عن الجماعة فى أدائه؛ فإن انتقد تصرفا من التصرفات» انتقده عن خبرة ومعرفة» وكذلك إن أيد تصرفاء وإن حاول أحد أن بلبس الأمر عليهء كشفه بما أوتى من ذلك الإلمام. ومن الحقائق ما يضيع بين إفراط بعض النواب فى التأبيدء وإفراط الآخرين فى النقدء ولو كانت هناك معرفة تامة بأحوال الحاكمين والمحكومينء واتخذت تلك الأحوال مصدرآ للتأييد أو الاعتراض: لالتقى المتعارضان: وما تناحر الفريقان. وليعلم النائب أن عمله خطيرء وتبعاته جسيمة؛ فقد تدفعه حماسة البيان» واندفاعة الوجدان؛ إلى حمل التواب على تقرير أمرء أو انتقاد تصرفء ووراء ذلك مالا تحمد عقباهء والمسلك الحق الذى يجانئب فيه النائب الشطط» ويلتزم جادة الاعتدال» أن يعرف حال الدولة» والصلة بين حكامها ومحكوميهاء ليطب وهو على علم لما فيها من داء؛ ويصف لها عن خبرة أمجع دواء.
ال بيب
ه- التخصص فى دراسة ناحية من نواحى الحياة فى الأمةء ليعمل على دراسة طرق إصلاحها؛ فإن طرق الإصلاح متشعبة» ونواحيه متباينة» ولكل ناحية أقوام يجيدون معالجة. الإصلاح فيها والدربة التامة بوسائله وطرقه» ولا يطالب النائب بأن يكون خخبيرا بكل ما يصلح الشعب» عليما بكل النواحى» فليوجه إذن عنايته إلى ناحية وا-حدة ويعن بدراسة طرق الإصلاح فيهاء فالماهر فى الزراعة يوجه جل عنايته إلى وسائل ترقيتهاء وطرائق زيادة الغلات» والطبيب يوجه أكبر عنايته إلى دراسة الأحوال الصحية» ووسائل الوقاية من الأمراض» والقانونى يتعجه إلى الإصلاح القانونى» ويعمل على تقريب مسافة الخلف بين العدل التسبى والعدل الحقيقى؛ والاقتصادى يعنى بدراسة النظم الاقتصادية فى الأنم والحكومات» وتقديم ما يرى الأخل به يزيد الإنتاج» ويكثر من الثشمرات.
وهكذا كل يعمل فيما هبي له ويقدم فى ذلك مشروعات قوانين واقتراحات ورغيات» ويذللك تتضافر كل القوى: وتتلاقى كل عناصر الإإصلاح؛ ويتم بثيانه الكامل .
ومع اجاه النائب إلى ما تخصص فيه لا ينصرف عن الإشراف على نظام الدولة» وسير شئونهاء فإ التواب هم حراس التظام وحماتة والرقباء على كل العاملين فيه.
1 - الهدوء فى القول؛ والابتعاد عن إثارة عوامل الخصام ما استطاع إلى ذلك سبيلا: فإن الخصام يدفع "كلا المتخاصمين إلى أن يتعصب لفكرته؛ والتعصب يدفع إلى المهاترة» والمهاترة تدفع إلى الحمق والجهل؛ وإذا لم يكن بد من اختلاف» فليكن الأختلاف مظهره ومرماه طلب الحقيقة» والسعى إليهاء والإخلاص فى طليهاء وليحذر كلا اختلفين من الغضب .أن يسود مناقشتهماء فإنه إن سادهاء ذهب الحق فريستهء وإن أجوبة الغضب لا تكون مسددة, والردود التى يسردها لا تكون محكمة:» فإن الإرادة تضعف عن أن كم الشعؤرء وذلك قد يدفع إلى الشططء ووراءه الانهزام فى مساجلة الأقران.
يروى أن سائلا سأل عمرو ين عبيد المعتزلى فى حضرة واصل بن عطاء شيخ المعتزلة, فغضب عمرو. فقال له واصل : إياك وأجوبة الغضب» فإنها مندمة:؛ والشيطان يكوت معهاء وله فيها همزة: وقد أوجب الله على نبيه أن يستعيذ من همزات الشياطين» وأن يكوتوا معه بقوله: ( أعوذ بك من همزات الشياطين > وقلما شاهدت أحداً تثبت فى جوابه» وما ينطق به لسائه:
وليعلم الخطيب النائب أن الناس فى داخعل المجلس وخخارجه يتبعون كلامه بالتقريظ أو بالتزييف » فليحذر من أن يسقطء؛ ولا طريق لذللك !ل الأناة والروية ومجانبة الخضب.
/- الاجتهاد فى موادة الأعضاءء لكيلا يكون له من بينهم خصوم؛ يندفعون إلى مهاجمته بالحق وبالباطل» ورحم الله سعد زغلول إذ قال فى الجمعية التشريعية تلك الكلمة الحكيمة: إننا إذا لم تسد الصداقة أعمالنا ضعناء وضاعت آمال الأمة فينا. وموادة الأعضاء تمنعهم أن يخالفوه إلا بالحق؛ وإن تخالفوه فهو خلاف إلى اتفاقء وإن لم يكن اتفاق فهى خصومة شريفة لا يضيع فيها الحق.
/- الابتعاد عن النعرة الحزبية؛ فإن النعرة الحزبية تسد مسامع النفس أن يصل إليها الحقء ونتجعل الأحزاب الأخرى لا تنصت لقوله» ولا جيب داعيتهء وإذا لم يكن بد من الحزبية» فليضيق نطاق سلطانها فى نفسهء وليجتهد فى أن يجعل فكره فى أكثر المسائل -حرا طليقاء وكلامه لا يريد به إلا إرضاء الله والضمير والمصلحة العامة» فإن ذلك يجعل كلامه
أعلق بالقلوب» ودعوته أكثر اتصالا بالنفوس. هذه الأمور لو اتبعها الخطيب النائب فى دار الشورى» أدى مهمتهء ووصل إلى غايته؛ وكان سن المصلحين.
أما لغة الخطابة النيابيةء فيجي أن تكون من الفصحى السهلة التى لا تنزل إلى العامية؛ ولا مجعل قائلها من المنفيهقين المتشادقين» فإن ضجة الألفاظ فى المجالس النيابية تذهب بروح المعانى» ودقة الأفكار وحسن التأثير فى كثير من الأحيان: وليختر الخطيب العبارات التى جمع بين دقة الفكر وإثارة الخيال» والتأثير النفسى .
ولننقل لك تلك المناقشة النيابية التى كانت بين المرحومين عبد اللطيف «بك؛ الصوفانى» وسعد زغلول (١باشا» رئيس الوزارة المصرية» وفى مجلس النواب المصرى منة 1555 عند عرض مصروفات السودان بدون بيان تفصيلى ليزانيته؛ فقد قال الصوفانى (بك).
أنا من رأى زميلى شوقى الخطيب أبدى”1) فى احتجاجه على عدم تقديم ميزانية السودان مع ميزانية الحكومة المصرية؛ وخخصوصا وقد لاحظت فى ألناء مراجعتى لأرقام الميزانية أن هناك مبلغ 76٠, ٠٠٠ ج. م تقريبا لموظفى حكومة السودان» .
أصرات ؛ ليس هلا وقته ,
() هو الذى أثار المناقشة فى تلك المسألة.
سس
عبد اللطيف الصوفانى «بك؛ : إنى أقصد المسألة السياسية؛ لأن الميلغ المذكور ترك تفصيل إنفاقه إلى حكومة السودانء دون أن نقف على شئع من بيانه» مع أن العلاقة بينتا وبين لسودان لم بعر علمها شئ مطلقا من الوجهة الاو نوتية "كما هو معلومء أما من الوجهة العملية؛ فأذكر وقد كدت عضواأ فى مجلس شورى القوانين والجمعية التشريعية أن ميزانية السودان كانت تعرض علينا كل سنئة؛ وبها التفصيل الوافى عما يختص بمصروفات السودان وإدارته فماذا جد حتى صار الأمر المألوف لا يتبع ولا يراعى الآن! ولا نعلم سببا تعلل به ذلك» أو نررجع إليه لمعرفة هذه الخالفة؛ فإلى متى قرم نف الإشراف على السودان! ويقال لنا إن حاكم السودان هو الحاكم بأمره هناك؟. وإذا طلبت منه الحكومة بعض البيانات لا يجيب طليهاء أو سألته شيكا لا يردء مع أنه موظف مصرىء يتقاضى راتبه من الخزانة المصرية بدون أن يأخحذ قرشا واحدا من لندرهء وإذا طلبئا منه شيكا أو معلومات سكتء وكان سكوته أبلغ من الجواب. أملنا فيكم ياحضرات الوزراءء ألا تقولوا لنا ماذا نصنع ؟ فإن الأمة من ورائكمء وهذه قوة عظيمة؛ فإذا ما قلتم تقدمتء: واعلموا أن قوة الحق فوق كل قوة» وما القوة المادية إلا هباء يتلاشى أمام الحق.
فرد عليه رئيس الوزراء سعد زغلول «باشاء بكلام قيم جاء فيه؛
يأحضرات الأعضاءء: ب يجب أن نعمل يجدء تريدون منا أو بعضكم على الأقل أن نقدم ميزانية السودان؛ ونحن لم نضع له الميزانيسة؛ بل السودان هو الذى يضع ميزانيته؛ فنحن لا نستطيع أن نقدمها لأنها ليست نحت يدناء ولم نضعها! وأنا أقول إنه كان يجب أن تكون ميزانية السودان معناء وأن نكون نحن واضعيهاء بل يجب أن نكون واضعى اليد على السودان؛ ويجب أن نسعى لللك وأنا ساع له. ومعتمد على قوة الأمة؛ وعلى حقها فى هذاء ولدى الأدلة القاطعة» والحجج القوية» ولكن من أقدمها؟ ألحضرتك”' أم لمغتصبى حقوقنا؟. نحن نريد حقوقناء ونريد الوصول إليهاء وأنا أولكم وفى مقدمتكمء ماوهن عزمىء ولا ضعفت همتىء بل أريد أن أصل إلى هذا الحق بأبة طريقة كانت» وأمامى طريق مفتوح أريد سلوكه؛ لأصل إلى غايتى» فإن وصلت إليهاء فبها ونعمتء وإلا عدت إليكم.... أنت”'' لاتريد ذلك: فماذا أصنع ؟ والضرورة تقضى بتوجيه هذا السؤال؛ لأنك تقول يعدم ممخاطبة واضعى اليد على السودان؛ وفى الوقت ذاته تنطلب ميزانية السودان» إنها ليست مت يدىء والسودان كله حت )١( الخطاب للصوفانئ ١بك» وهو لا يرى جواز المفاوضة» ويريد سعد زغلول بذلك السياق أن يجذيه إليها.
(0) يخاطب الصوفانى ١بلك» .
اس
يد قوية» فماذا أصنع ؟ إما أن تتبع طريقتىء وإلا فدلنى على نخير منها. إذا تكلمت فى ميجلس النواب فأنت مسعول عما تقول» وعن الطريق التى تريد أن تتخذها لتنفيذه؛ فإن أقرك المجلس على ما تقول فكلكم مسكولون» أما أنا فمسثوليتى تكون على قدر إقرارى وموافقتى.
أنا فى مقدمتكم فى كل ما فيه خير بلادىء وعلى قدر فكرى أرى أن الطريق المفتوحة أمامى لتحقيق غرض الأمة وغايتها هى المفاوضة: فإِن كان عندك أو عند غيرك طريق لاستخلاص حقوق الأمة» فوضحه لى» وأنا أكون أول العاملين فى هذه السبيل إن كان محققاً لاغراض الامة.
إخوانى» المسألة مسألة جد لا هزل؛ وعمل لا كلام؛ نحن هنا نتحمل مسكوليه ككل أمر نقرره» فيجب علينا قبل أن نصدر قراراً يختص بهذه المسائل المهمة أن تدرسها ونفحصهاء وألا نطيع الهوى بل نستشير العقل والحكمة. فكر فى ذلك جيدآء ولا تسع لإحراجى لأن إحراجى إحراج للأّمةم لأنى أقول: وأنا صادق فيما أقول: إنى لا أريد إلا ما تريده الأمةء فإ حرجت زغلولا» فقد أحخ رجت الأمةء أنا لا أسعى فى سياسة غير سياسة الأمةع والذى يرشدنى ويدفعنى إلى ذلك هو صوت فى ضميرى؛ صرخ قبل أن يصرخ فى قلب أى إنسانء وهذا الموت ينادينى دائما أن أقوم بواجبى بدون أن يحضنى عليه حاصضٌء أو يحثنى عليه حاث؛ ولكن فى موقفى هذا يجب أن ألاحظ اعتبارات كثيرة: ليس منها الحافظة على مركزى؛ لآن لى مركزاً أعلى من المركز الرسمى» ولكن إذا لم أعمل الآن فلاعتبارات ترجع إلى رعاية مصلحة الأمة: لا إلى مصلحتى الشخصية؛ فإن كنت لم أقدم ميزانية السودان؛ فالأمر سهل؛ لأن الذى يضع ' ميزانية السودان هى حكومة السودان... دعونا من هذاء واتركونا نعمل تحن فى مراكزنا التى لاندين بها إلا للأمة» ولا نخشى إلا صرتها؛ فإن رأيتم فينا اعوجاجاء فقوموه لا بألسنتكم بل بسيوفكم. عاهدتكم وعاهدت الأمة من قبلكم: وأعاهد كم الآن ألا أحيد مطلقاً عن رعاية مصلحة الأمة على قدر استطاعتى» وليس على المرء أن يكلف إلا ما يستطيعه؛ فعليكم مادمتم وطنيين أن تساعدونى ؛ لأن فى ذلك مساعدة للأمة ووصولا بها إلى الغاية المطلوبة.
( ب) الخطب الا نتخابية :
يريد أن يكون نائباً عمن يخاطبهمء أو يتقدم بها بعض أنم.. رم مزذكيا داغياً إلى اختياره» راداً على الخصوم» ذاكراً للمناقبء مبيئاً المصلحة التى تدعو إلا ترجيح كفته؛ وتأييد دعوته.
ا__ا____ يبب
والنجاح فى هذه الخطب له طرائق مسلوكة» وشروط معروفةء محتاج إلى مهارة ولباقة» ودربة تامة بمخاطبة العوام والخواص والأوساط من الناسء ومناحى تأثيرهم» فإن هذا النوع من الخطب يلقيه الخطيب على جماهير غير متفقة فى التهذيب والتفكيرء وإنا ذاكرون لك يعض ما يجب على الخطيب الانتخابى أن يلاحظه :
-١ فهم روح الجماعة الانتخابية التى يخاطيهاء ودراسة مشاعر أهل الدائرة الانتخابية التى يتقدم للنيابة عنهاء فإن تلك الدراسة تكشف عن أمالهم ؛ وتبين الحاجات والرغبات المستكنة فى نفوسهمء فإذا تكلم المرشح أو مزكيهء ساير تلك الرغبات» أو ضرب على نغمتهاء فيكون كلامه مصوراً لأمالهم: حا كيأ لأمانيهم: ويذلك يجتذبهم إلى تأييده ويجتاز أصواتهم .
-١ أن يستخدم الخطيب الانتخابى غريزة حب الثناء» فى التقرب من نفوسهم» فيثتى عليهم غير مسرف»ء ويبين صواب نظراتهمء وأنهم فى مستوى من الإخلاص عظيمء ثم يبين أنه يؤمن بسلطان الجماعات» وأنها صاحبة الأمر والنهى. ويرى بعض العلماء أن تملق الجماعة الانتخابية من أقوى الوسائل لنيل المرشح بغيته منهم» ونحن لا نوافق على التملق لأنه مذهب لجلال النيابة» مضعف لنفوذ النائب؛ ولكننا مجيز يل نوجب على الخطيب الانتخابى والمرشح أن يكون لين الجانب سهل الملمسء وألا يكون فظاً غليظ القلب متغطرساء يثنى على الجماعة بقدر غير بادى الملق» لأن الملق إن يدا عرف النفاق» فذهب التأثير.
'- ذكر المنهج الذى يختاره ومذاهب الإصلاح التى يراهاء وليلاحظ فى منهجه أن يكوك جزء منه يتعلق بالمصلحة التى تعود على تللك الجماعة لانتخابه مباشرة» ولا نطالبه بأن يجعل مصلحة تلك الجماعة هى كل شئ فى منهاجهء لأن التائب فى القانون يكون نائبا عن لأمة كلهاء كما نصت على ذلك أكثر القوانين النظامية؛ كما لا تطالبه بخلو منهاجه من وعود تعود على تلك الجماعة بشكل خاصء فإن الناس مأخحوذون دائما بالمصالح التى تعود عليهم بالنفع القريب الدانى القطوف.
4 - وليلاحظ أيضا ألا يعد إلا بما يعتمّد أنه قدير على الوفاء بهء فلا يغالى ولا يسرف» لأنه إن فعل ظن به الكذب» وكانت وعوده مظنة الإخلاف» فيذهب التأثير» ولكن الدكتور جوستاف لوبون يقول فى كتابه روح الاجتماع :أما المنهج الذى يحرره المرشح يبيان ما ينوى من الأعمال: فيتبغى ألا يكون صريحاء حتى لا يتدخذه خصومه حجة عليه» لكن يجب أن يطيل فى المنهج الشفوى ما استطاع؛ ولا خوى عليه من الوععيد يإجراء أعظم الإصلاحات؛ فان ذلك يؤثر
بي
فى نقوس الناخحبين» وهو فى -حل منه أجلاء إذ القاعدة المطردة أن الناخب لا يببحث أبداً في: هل المتتخب جرى طبقا لتصريحاته التى كانت السبب فى أنتخايه؛ وترى من هذا أن ذلك العالم الجليل يرى أن المرشح للانتخاب لا يحاسب على ما وعدء ولكنا نرى فى التجارب الاتتخابية التى كانت فى الأمة المصرية أن النابهين من التابين يرقبون المنتخبين؛ ويلا حظون تنفيذهم لمناهجهم ووعودهم» ونلا حظ أن خصومهم لهم بالمرصادء يحاسبونهم -حساباً عسيراً على ما يقولوت: فإن رأوا منهم إخلافا ولو فى وعودهم الشفوية؛ أثاروا عليهم قالة السوء: ولا يصح أن نتوهم أن التصريحات الشفوية لاتصل إلى مسامعهم؛ لأن لهم عيونا على خصومهمء وأذانا يسترقوك السمع عنهم؛ ولهذا! نحن نرى أن الواجسب على المرشح أو مزكيه ألا يعد إلا بما يقدر على الوفاء بهء وألا يسرف فى الوعود؛ لكيلا يكون وعده مظنة الإخيلاف.
- ذكر مبادئ الحزب الذى ينتمى إليه إن كان؛ فيبين أن مبادثه هى المبادئ السامية, وأنها أقرب المبادئ إلى الإصلاحء وأن الهمة العالية تدنيها؛ والجد الوطنى فى انجاهها؛ وأن العزة الشامخة فى الأخذ بهاء والسير فى مناهجها. وعليه أن يوازن بين مبادئئ حزبه ومبادئ الأحزاب الأخرى؛ فيبين أنه أقربها إلى سمو الحق» وأدناها إلى العمل؟ وأن الطريق إليها واضم. والمهيع الموصل إليها قريب» وليكن ذكره لمبادئ تلك الأحزاب فى أدب ورفق وحذر واتزان ليكون نزيه اللسان» عفيف البيان؛ يحترم الآراء» ويقدس الأفكان فإنه لا يقنع أكثر من الاتقاد فى القول: والكلام النزيه البعيد عن البهتان» والبذاء والسب. وليعمد فى ذلك الذكر إلى الإجمال بدل التنفصيل ؛ ليكون فضل البيان» والتفصيل الكامل للمبادئ حربه ؛ لأنه المقصود؛ وتعمود الكلام.
1-- ذ كر ماضى نحخدمات المرشح: وإذا كان المرشح نفسه هو الذى تصدى لبيان سالف خدماتهء فليع_مد إلى الإيجاز فى ذكرهاء لأن ثناء الإنسان على نفسه غير مألوفء والنفوس لا تقبله إلا على ممضء ولأنه إذا جرى على لسانهء شابته شائبة من المن والأذى. وإذا كان الخطيب غيره فلا مائع من تفصيل نخدماته؛ والإطئاب فى ذللك» ولييحذر المبالغة والغلو والإسراف فى القول» فإن ذلك يجعل كلامه عرضة للتكليب»: فقوم يقولون عنه مستأجرء وأخرون منافق؛ وغيرهم متملق: وكل هذا تكذيبء وإثارة للريب فى خيره.
ولا مانع من أن يوازن بينه وبين غيره من المرشحين» وليكن ذلك فى قول خمال من الطعن والسبء وبخس الناس أشياءهمء وقرضهم فى فضائلهمء والنيل من كراماتهمء فإن ذلك يذهب بروح التأثيرء ويجعل القول المقذع يذيعء ويسيطر على الجو الانتخابى. وذلك مفسدة ومعرة إذا ظهرتا فى جو فكرى عششت فيه الرذيلة» واخختلط فيه الحق بالباطل» وضاع الحق وسط ضسجة من البهتان.
200000000
لا- عدم التوعر: على الخطيب الانتخابى أن يتجه إلى السهولة فى التعبير» فلا يتشادق ولا يغرب» بل يتجه إلى تقريب الأفكار» وتوضيح المبهمات: والإطناب فى شرح الحقوق والواجبات» ولا يكتفى باللازم عن الملزوم؛ لأنه يخاطب العامة؛ والعامة لا يدركون إلا الواضح القريب الدانى.
وعلى الخطيب الانتخابى أن يعلم أن تلك الخطب دروس سياسية قائونية للشعوب, فليجتهد فى ألا يقدم إليهم إلا الصحيح الذى لا تضليل فيه لكى يعلمهم الحقوق والواجيات النظامية» وليسهل لهم المعلومات لتكون قريبة معروفة دانية من مألوفهمء وبذلك يوجه أفكارهم: وينال تأييدهمء وينفع أمته بتهذيبهم.
هذه وصايا من أخذ بها من الخطباء الانتخابيين قارب النجاح فى مهمته؛ ونال الثقةء وفاز بالتأبيد. /!
/ ( ج) خطب النوادى واجتمعات:
تكون خطب التوادى وامجتمعات فى أكثر الأحيان ليسن حزب من الأحزاب خطة سياسية أو لتأييد فكرة من الأفكار والدعوة إليهاء والعمل على نصرتهاء أو حفز الهممء وإيقاظ العزائم» أو للدفاع عن تهم توجه للحزبء ورد كيد الخصوم فى نحورهمء وفى الغالب يكون المجتمعون فى النوادى من الخاصة أو الأوساط» وقليل أن يكونوا من العامة.
ولذا يحسن أن تكون تلك الخطب محكمة الأفكار مع الوضوح والسهولة» وأن تسرد فيها الأدلة المنطققية مع الوسائل اللخطابية» فيكوت للمنطق فيها سلطان بجوار سلطان الخطابة, وما يتخذ فيها من طرق لإثارة الأهواء.
الخصوم من بطلانء انتتقل إلى مهاجمة مبادئهم وأفكارهم والموازنة بين ما يدعو إليه ومأ يدعولع وليكن فى تلك الموازنة ع اللسانء لا ينجه إلى السب ؛ فإ الايجماه إليه عجر والأخذ به فتح لباب البهتان والتضليل» وبذلك يختفى الحق فى عثير من الباطل .
عن الأكفاءء ولا تعلو على الأؤنتّاط» ولا تتسامى عن العوام؛ فإن الخطبة ستنشر فى الغالب فى الصحفف» وتقرؤها الطيقات كلهاء وإ كان السامعون من الخواص أو من قاربهم.
ولأن الخطيب الحزبى يخاطب الأمة كلها بكلامه فى اديه وينشرها فى صحفه؛ وجب أن تكون خالية من كل ما يؤاخمذ عليه قائلها بأى نوع من أنواع المؤاخخذة» فلا إسراف فيها ولا غلوء ولا وعد بما يكون مظنة الإخلاف» وإلا نزلت بالقول والقائل» وارتدت الدعوة إلى التأبيد خخسرانا مبينا. وإن قوما يظنون أنه لاحساب على القول؛ فيسرفون فى ذكر مبادئ واسعة النطاق فى نواديهم ومجتمعاتهمء فإذا عملوا تخلى عملهم عن دعواهم؛ وقام منه دلائل لا تقبل النقض على غير ما يدعودء والناس يسمعون ثم يروك ويعاينوك؛ فيحرمون هؤلاء من ثقتهم وتأبيدهم؛ لأن من يسرف فى القولء ويضؤل عملهء لا يوثق به.
(د) حطب المؤتمرات السياسية:
هذه خطب الكبراء» والنائبين عن الحكومات فى المؤتمرات الدولية؛ ويظهر لى أن عنصر الشعور وإثارة الأهواء أقل العناصر ظهوراً فى تلك الخطبء وإن أوضح ظاهرة فيها هى الدقة في حكاية المهمة التى ناب عن حكومته فيهاء وصدق التصوير لأقصى ما تتسامح فيه دولته. وليس لنا أن نتعرض لبيان تفصيلى لما يجوز وما لا يجوز فى تلك الخطب؛ فإن ذلك من عمل أناس يجيدوث ذلك العملء ولسنا منهم فى شئ» ولنكتف من هذا بأن ننقل لك خطبة الرئيس ولسن فى مؤتمر السلام العام الذى كان منعقدا فى 50 من يناير سنة 13015 وها هى ذى :
أيها السادة» إن الطبقات امختارة من الجنس البشرى لم تعد حاكمة الجنس البشرى؛ فحظوظ البشر هى الآن فى أيدى شعوب العالم كلهء وإذا كنتم ترضون هذه الشعوب؛ فإنكم تبررون ثقتهاء وتقرون السلامء وإذا كنتم لا تعملون فى إرضائهاء فإن كل اتفاق تضعوته لا يقر السلام فى العالم؛ ولا يوطده.
ويخيل إلى أنكم تتصورون العواطف والمقاصد التى يعاضد بها مندوبو الولايات المتحدة هذا المشروع العظيم» مشروع جماعة الأمء فنحن تعده أساسا للعمل الذى أعربنا به عن مقاصدنا وغاياتنا فى هذه الحربء والذى قيلته الشعوب المشتركة أساساً للتسوية.
فإذا عدنا إلى الولايات المتحدة دون أن نبذل كل ما فى وسعنا لتحقيق هذا البرنامج» فلن نلاقى سوى السخرية التى نستحقها من بنى وطننا؛ لأنهم كتلة تتألف منها ديموقراطية عظيمة؛ فهم ينتظرون من قادتهم أن يتكلمواء ومن مثليهم أن يكونوا خخداما لهم.
فليس علينا إلا أن نعمل بالوكالة التى فى أيديناء وإننا نقبل هذه الوكالة بأعظم حماسة وسرور» وبما أن هذا هو أساس العمل كلهء فقد وقفنا عليه؛ وعلى كل ذرة منه جميع اهتمامنا.
ةا
ولا لمجسر أن نضرب صفحا عن أية مسألة كانت فى البرنامج الذى تضمنته التعليمات التى فى أيديناء ولا نتساهل فى أى جرء منهاء لأن ما ندافع عنه هو سلامة العالم» هو موقف العدالة» هو الميدأ القائم على أنتا لسنا أسيادآ للشعوبء ونحن قد جكنا إلى هنا لنحرص على أن يختار كل شعب فى العالم أسياده» وأن يتصرف فى شعونه؛ لاكما نريد نحن» بل.. كما يريد هو. وصفوة القول أننا جنا إلى هنا لنحرص على اقتلاع جذور الحرب وأسسها جميعها.
وقد انفرد بأمر هذه الأسس عصبة من الحكام المدنيين والهيئات العسكرية؛ وهذه الأسس هى الاعتداءات من الدول الكبيرة وتأليف الإمبراطوريات يقوة السلاح على الرغم من الرعاياء وجعل الجنس البشرى لعبة تتقاذفها الأيدى: فلا شع يأتى بالسلام سوى نر العالم من هذه الأمور. !ا ه.
بويا
الخطابة القضائية
الحق من الباطل» وتحرى العدالة الحقيقيةء أمور فوق قدرة البشر؛ وقد قال خير الخلق رسول اللّه محمد 22 فيما روته أم سلمة رضى الله عنها: (إنكم تختصمون إلى» فلعل بعضكم أن شيئاء فإنما أقطع له قطعة من النار) . وقد انفقت على رواية هذا الحديث كتب السنة الستة.
وقال رجل من رجال العانون وشيونحه عمل فى العاماة وفى القضاء فى الاشتراع؛ وهو المغفور له سعد زغلول: يظهر لى أن العدالة الحقيقية غير موجودة فى هذا العالم. لهذا كله الخطابى؛ كل يحاول جذب القغْساء إلى فكرته ) وإقرار دعوأه؛ وإجاية طلية؛ وقل قال بعض القضاة: لا تقولوا: إن الحقيقة تدافع عن نفسها؛ فإن ذلك يكون صدقا لو خلت النفوس مما يشيئهاء ولكن التاس بحكم.الطبع والعادة ليسوا أصفياءء أنقياء الروحء لذلك كان حتما علينا أن نفعل كما يفعل الذين يدخلون الحديد النار ليلين» فنصهر أفئدة المصغين لنا فى حرارة والمنازعات البشرية؛ وقد جاء فى كتاب المحاماة للمرحوم أحمد فتحى زغلول «باشا»: قد كان لليهود فى زمن موسى عليه السلام رجال يشتغلون أمام القضاء فيما يشبه المحاماة اليوم» وأخخص ما كانوا يعملونه حل المشكلات التى تظهر بين الأفراد من المسائل القانونية؛ وكائوا فى عملهم هذا مأجورين ممن يعملون لمصلحته؛ لأنهم فى عملهم كانوا يأخذون جعلا من بيت الما| وكان قدماء المصريين فى بعض خصورهم ييخشوك التأثير الخطابى بالسوت والإلقاء والحركات والإشارات وجمال الشارة؛ فحرموا المرافعات بغير الكتابة» خوفا على العدالة من أن تذهصب فريسة قوة التأثير. وكان لقوة تأثير المرافعات فى مجالس القضاء عند اليوئان أثر واضح فى الأحكام ؛ حتى _سنت القوانين نع الخطباء.من استخدام الوسائل لإثارة الوجدان والعواطف فيهاء وحثى عين
فى كل محكمة رجل يقاطع الخطيب أو يسكتهء؛ كلما ,أه يحاول التأثير بقوة العاطفة والألفاظ , وإثارة الإعجاب . بالقضاعء واعتمادا على وضوح القائون وصرأححة قواعده.
وكذلاك الشأن الآن فى كل البلاد المدمدينة أطلق العتان لهم» يدلون بحججهمء غير مقيدين بنحو نخاص من القول» ولا بمنهاج من التعبير» ولا بطريق من التفكير والتأثيرء فلا قيد إلا قيد النظام والقانون» وفى غير ذلك هم طلقاء من كل قيد. وقد حرصت الحكومات على أن يكون من رجالها من يشبت الجريمة» ويؤثم المجرمين» ويقدم نصوص القانون الموضحة للعقابء وهؤلاء هم رجال النيابة: فلهم مرافعات 2 القضايا التى تتعلق بالنظام العام » وعلى ذلك يكون عندنا نوعان من الخطابة القضائية؛ مرافعات التيايةء ومرافعات امحامين» ولنتكلم على ما يحسن سلوكه فى كل منهماء ليؤوٌدى إلى النجاح؛ وسيكون كلامنا بالاجمال؛ فالتفصيل لأهل الخبرة فى هذه الأعمال.
مرافعة النيابة
-١ يشبه عمل النيابة الحسبة الإسلاميةء فكما أن المحتسب يرفع الدعوى فى -حقوق الله سبحانه وتعالى» كبعض الحدودءودعاوى الوقف ونحوهاء كذلك التائب العمومى ووكلاز, يرفعون القضايا فى الأمور التى تتعلق بالنظام العام» وهى الجنايات المتصوص عليها فى القانون» ويقدم النائب الأدلة المثبتة للدعوى فى الجملة؛ فإن ظهر أن القرائن غير كافية للإدانة بعد رفع الذعوى فوض الأمر للمحكمة؛ فقلا جاء فى منشور وزارة الحقانية الصادر فى 7١ إبريل سنة 1858 : وليست النيابة إلا خصما أنيم لرفع الدعوى باسم الهيئة الاجتماعية؛ ولا يوجد فى :. النصوص القانوتية ما يسوغ لها أن تطلب براءة امتهم كما شوهد حصول ذلك فى العمل من زمن غير بعيد؛ وإذا كانت الأدلة القائمة على المتهم غير كافية لإثبات التهمة عليه لا شلك أنه . “لا يتعين عليها أن تشده.فى: طلب الحكم عليه.بالعقوبة؛ بل الواجب الذى يفرض عليها فى
< مثل هذه الظروف أن"تكل الأمر إلى الحكمة لتفصل فيه بمأ..تراه» إذ عمى الحكم دوك سواها. 1- ويلاحظ أن النيابة. ليست خخصما :من كل الوجوه فهى من ناحية أخترى لهها عمل يشبه: عمل الفضاة؛ إذ الواجب على الناتمب :أو وكيله أنبينظر إلى المتهم عند مخقيق اتهامه نظرة
غير متحيزة إلى اتهام بل يز الأدلة» ويفتحصهاء ويتعرف المجهول منها والمستور» حتى إذا اجتمعت لليه الأسياب رفع الدعوى» وعند الإدلاء بالحجج يجب أن تكون كل ججهوده متجهة إلى الأحذ بيد العدالة؛ ليضعها على ما وصل إليه من حقائق؛ فلا يحاول جاح الاتهام بكل الطرق» بل بطريق واحدةء وهى سرد الحقائقء وسوق الأدلة الناطقة بالاتهام, لأن القانون جعل النيابة قيمة على الحقوق العامة» ومعينة للقاضى على إظهار الحقيقة؛ لا على تأثيم مطلق؛ ولذا نقول إن الواجب فى مرافعة الثيابة أن يسودها سرد الحقائق وسوق الأدلة فلا يكون فيها ما يثير الوجدان والعاطفة إلا بقدر محدودء وإلا إذا توقعت أن الدفاع سيثير جواً كذلك» فإنها تتقدم بما تراه موصلا لغايتها من غير إفراط ولا تفريط.
1- وكما يجب على الخطيب القضائى الممثل للنيابة ألا يكثر ثما يشير الوجدان
والعاطفةء كذلك يجب عليه أن يلتزم الاعتدال: ولا يندفع وراء تيار من العبارات الخطابية؛ فإن الذى لا يهمه إلا التبرئة » والذى هو بطبيعة عمله ينظر النظرة المتمحيزة ؛ فهو لا يجوز من الثائب خطب النيابة إلا بقدرء بل يحسن الهدوء؛ والاجتهاد فى تصوير الجريمة؛ من غير مبالغة. ظ ب وإذاعمد إلى وصف نفسية المتهمء فليكن بعبارات مهذبة عفيفة» لا تجنى فيهاء ولا ما يشبه السب» كما فعل ممثل النيابة فى قضية القنابل التى كانت فى سنة 111735 ومنها ما جاء فى تصوير نفسية أحد المنهمين (محمد على) فقد قال إنى إذ أتقدم لحضراتكم بهذا المتهم. إنما أقدم نسيجا ليس له مثيل بين باقى المتهمين: حاولت أن أنفهم نفسيته؛ وأن أعرف حقيقة عقليته؛ فأعجزنى» حتى لقد ظئنت» وأنا أحاول ذلك أنى كرجال الرقابة عليه» راغ منى كما كان يروغ منهم .
ليست نفس هذا المتهم إلا نفساً مضطربة؛ رمى بها وسط التيارات المتباينة» علم سطحى بالقراءة» ومطالعة مبتسرة للجرائد» وضعف فى التكوين» طم على جميعه؛ أن كان للحين المقدور سكرتيرا لجماعة من جماعات العمال» فظن أنه أصبمم شيعا مذكوراء وزاد عنده أنه كان يجالس بعض من فوقه مجالسة النظير؛ ألا ترون دلائل الفخر فى قوله: أنا قوى الإرادة جدأ ولم يؤثر على أحد بطريق البلفء ألا ترون دليل الغرور فى قوله عمن كانوا يراقبونه: إنه كان يمتحن ذكاءهم.. إلخ إلخ. وترى فى هذا وصفا صادقا لنفسية المنهم مع النزاهة التامة فى التعبير.
ل سس
وإذا اعترض أحد على ممثل النيابة أو فرط من الدفاع كلام يشم منه حرج» لا يتساق فى الرد فيقع فى الحمأة ألتى وقع فيها خصمه؛ بل يرد فى رفق وهدوءء كما فعل المغفور له أحمد زكى أبو السعود باشا؛ عندما كان وكيلا للنائب العمومى» ووقف ضد محام فى مجلس تأديب» فرد المحامى برد جارح» فد قال زكى «باشاه فى مذكرة كتبها فى الرد: مثل النيابة فى محقئيقها مع المتهمين بالجرائم مثل الطبيب يعالج الأمراض» فيوفق إلى استنصال شأفتهاء ومنع أذاها عن الناس» ولكنه قد يصاب فى الوقت نفسه بشع من سمومهاء كذلك حالنا مع المتهم فى هذه القضية؛ شكاه خصومه؛ فحققنا شكواهم؛ وأظهر التحقيق إداتته؛ فرفعنا أمره إلى مجلس التأديب» سلم.خصومه من نتائج عملهء ولم تسلم النيابة من لسانه؛ ولسنا ننكر على المتهم حقه فى الدقاع: لأن حرية الدفاع من المبادئ التى نحترمهاء ونعمل لتأييدهاء ولكننا تنكر عليه تهوره فى دفاعه إلى حد الطعن فى الذثم, وتجخريح الضمائرء كتبتا مذكرتناء كما يكتب القاضى -حكمه؛ فققصرناها على رواية الوقائع؛ وبيان الأدلة» ولم نتعرض لدفاع المتهم بكلمة تؤذيه» وكنا نتتظر أن يأل بأدب النيابة فى مرافعتها فيجعل دفاعه مهذيا أثناء امحاكمة» كما كان دفاعه مهذبا أثناء التحقيق» ولكنه لم يستطع أن يضبط قلمه» فجرى فى دفاغه على أسلوب لم يألفه المترافعونء ولا تميل إليه أسماع المتأدبين.
ومن الناس من يتوهم أن إجراءات التحقيق من الأمور التى يمكن التصرف فيها تبعا للشعور والعواطفء يريدون من امحقق أن يكون لينا متساهلاء فإذا ما آنسوا منه ميلا إلى التشدد فى الواجب ظنوه قسوة وشدة؛ لأنهم لا يعرفون للواجب حدا يقفون عنده» أولئكك هم الأميون الذين يجهلون القانون؛ وهم لجهلهم معذورون؛ وهم معذورون أيضآ لأنهم إذا كرهوا عمل احقق احترموأ شخصههء وتهيبوه» فلا هم يصلون إلى ضميره بطعن» ولا هم يمسول ذمته بسوء.
لم يرد... أفندى أن يقف فى كراهته للتحقيق عند الحد الذى يصل إليه عامة الناس فى شعورهم» فسمح لنفسه بالطعن فى عمل امحقق؛ ليتسع أمامه مجال القول بالظنون» بعد أن ضاق فى وجهه مجال القول الصحيح وقعدت به همته عن مناقشة الدليل فزعم أنى مخاملت عليه؛ ومعنى هذا التحامل أنى هضمت شيئا من حقه؛ فراجعت أعمالى فألفيتها تنطبق على القانون .ن كل وجه. وراجعت الذاكرة فوجدتنى لا أعرف شخصه؛ ولا أذكر أنى صافحته فى حياتى قبل أن أشتغل معه بالتمحقّيق . زعم أنى عخاملت عليه وهو أعلم الناس بفساد هذا الزعم؛ فرأيت أن أقول كلمتى لا لأبرئ نفسى فهى أكبر من أن تتأثر بطعن لا يؤيده دليل» وإنما أقولها ليعلم الناس أن... أفندى أساء إلى النيابة بقدر ما أحسنت هى إليه فى المعاملة.
رأيت منذ شرعت فى التحيقق أن أسمح للخصمين يأن يأخذ كلاهما من حرية القول حقه فيها؛ فلا أذكر أنى وقفت فى وجه أحدهما لكلمة أراد أن يثبتها أو سؤال طلب أن يوجه إلى شاهد أو عمل من الإجراءات التى يسمح بها القانون ولم تكن سلطة التحقيق إلا فيصلا بين الحق والباطل: وضمان مساواة بين الدعوى والدفاع كى لا يتغلب قوى على ضعيف. ارتاح... أفندى إلى التحقيق فدافع عن نفسه هادئا مطمئناء وقد دفعه اطمثنانه إلى الاعتراف بوقائع يعاقب عليها القانون» وما كان التحقيق ليكشف أمرها لولا اعترافه؛ وثق فاطمأن فاعترف» فكيقف يتفق هذا الاطمئنان مع التحامل الذى يدعيه!؟ هذا حقه فى الدقفاع قد استوفاه» وتلك أعمالى فى التحقيق ذكرتها فى الرد؛ وأبنت وجه الصواب فيهاء لا أقول إنى معصومء ولا أقول إنى ملك» وإنما أقول: إنى لم أعمل فى التحقيق عملا لا يرتاح إليه ضميرى ؛ تعمدت إظهار الحق بوسائل مشروعة:» وأعتقد أنى وصلت إليهء فإن كان فى ذلك ما يغضب المتهم فأنا أول من يلتمس له عذرا؛ لأن فى الحق قضاء على حياته الأدبية» وإنما لا ألتمس له العذر فى طعن لا يستند فيه إلى سبب صحيح؛ ولا يقصد به إلا التجريح وهو يعلم أنى لم أعمل إلا ما قضى واجبى به وأنى كنت به رؤوفا.
هذه مرافعتى لم أذكر فيها كلمة أعتقد أنها غير صحيحةء وقد ذكرت فيها شيئا من أعمال... أفندى فى قضية واحدة ليقاس عليها عمله فى القضايا الأخرى فاحكمرا بعمله على أخلاقه فإنما على الأخلاق محكمون” ''. ظ
وهذا مثل قيم للرد اللاذع على مجريح الدفاع من غير إسفاف؛ بل بتسام واعتتصام يسلطات الواجب والحق.
5- هذا ويلاحظ مثل النيابة أن كل تطويل فى غير التحليل والتفصيل عند الحاجة إليهما إضاعة لوقت القضاء ولوقته فى غير طائل» وكل إيجاز فيه نقص وعدم توضيح وإيهام إخلال بالواجب المنوط به والعدالة التى تعده من رعاتها وحماتها؛ والعاملين عليهاء والداعين إليهاء فليتحر الوضوح والشرح» وسرد الوقائع من غير حشوء والاقتصار على المطلوب: وعدم الإسراف فى الألفاظ من غير إخلال.
- وعبارة النيابة تستحسن فيها السهولة والانسجام والاسترسال مع عدم تكلف التحسين :.وإلا ضاعت: الحقيقة وسط ضجة من الألفاظء وسيل من التعابير» وعليه مع ذلك ألا يفوته أمران :
)١( من كتاب المرافعة للأستاذ الجداوى.
يحب
(أحدهما) أن يتجه إلى الألفاظ الفخشهة الرنانة إن كان يتكلم فى سلطة القانون وقوة سلطانه , ليلفى 82 ردغ السامعين مهابة القانون فيكرموا خحطة الطاعة, ويخاف العصاة صولة العقاب.
(وثانيهما) أن يلاحظ قوة رجال الدفاعء فإن وجدهم من أهل البيان واللسن» وممن يحاول التأثير بالكلام شهر عليهم مثل سلاحهم من غير أن ينسى أن عمله الدفاع عن الحق فى ذألةة وه ليس كغيره يتحيز ويسير وراء مصلحة من يتحيز له؛ فإن كان له أن يتحيزء فللمسجتمع والحق والقانوك» لا لغيرهما.
هر افعات المحامين
المحامى هو العليم بالقانون الذى يستطيع أن يثبت حق ذى الحق ويدفع باطل الممتدى الحريات حفطلا للجماعة؛ وتثبيتاً للمصالح.
ولستا نتكلم هنا عن مرافعات المحامين من كل وجوهها؛ فتثبت مالهم من حقوق قائوئية فى حق الدفاع؛ وما عليهم من واجباتء وما قيدوا به من حدود؛ ليؤدوا واجباتهم على الوجه الأكمل ولانبين مراتب الأدلة» ومواضع قوتهاء وما يجب أتخاذه منها فى القضايا الختلفة, لا تتكلم فى هذا ولا فى ذاكء فهما من شأن رجال القانون والمشترعينء وذوى الدراية: من احامين» وأهل الخيرة من الققضاة.
وإنما نقتصر فى كلامنا على ما يتعلق بأداء المرافعات» وطرق مخضيرها فى الجملة؛ وما يحسن فى لغتهاء وما لا يحسنء ومابيراعيه امحامى من مققتضياتء وما ينتهزه من فرض» وغير ذلك ثما هو ب الخطابة القضائية» وفى الأخذ به لمجاح امحامى» والوصبول إلى غايته» إن كال قد اعتمد على أدلة قوية دامغة» وفى الجملة كلامنا هنا فى شكل المرافعات الخطابى.
وقبل أن نخوض فى بيان هذا يجب أن نذكر ما يتحلى به المحامى؛ ليكون أقدر على النجاح فى مهنعه:
١ الرغبة الصادقة فى إنصاف المظلوم إن وجده؛ فإن تلك المهنة الشريفة ليست مرتزقا يتخل للعيش فقطء يل هى عمل شريف من قبيل الإصلاح الاجتماعى قبل كل شئ» ومن
3
هذه الناحية تكتسب الحاماة شرفهاء وينال المحامى ممسجدهاء وإلا نهى مهنة ككل | المهن لا فرق بينها وبين الصناعات المادية التى تفيد الناس فى نواءحيها.
قال الأستاذ الغرابلى 9باشاة فى محاضرة ألقاها على المحامين الذبن هم نحت التحرين سئة ١971 :
امحامى هو قبل كل شئ نصير المظلوم» ثم هو بعد ذلك الرجل القانونى الذى يستطيع أن ينتصر لذلك المظلوم انتصارا مفيداء وعلى هذا الأساس يجب أن يفهم الئاس وظيفة النحامى, فمن وجد فى نفسه ميلا فطريا لنصرة المظلوم» ومحاربة لباطل » فليسلك سبيل انحاماة إذا أرادء ومن لم يحس فى نفسه بهذا الميل الغريزى» فإنى أنصحه أن يبتعد عن المحاماة» وأن يشق له فى الحياة طريقا أخخر.
وقال فى ابحاماة وطلب المال: ومتى كان جمع المال غاية» فما أشقى الحاماة بهذه الغاية, بل ما أشقى العدالة بمحاماة تكون وسيلة لجمع المال؛ لأن كل وظيفة من وظائف العدالة تفسدء وتنقلب إلى خطر محققء إذا كان صاحبها طالب عيش قبل كل شئى؛ إذ أن الوظيفة تكون فى هذه الحالة سمخرة لخدمة الشخص» وليس الشخص هو المسخر لخدمة الوظيفة:؛ فيالها من جريمة شنيعة» جريمة أولئك الذين يستخدمون وظائف العدل لإشباع بطونهم.
وقد نظرت القوانين إلى المحاماة نظرتها إلى الناصر للمظلوم؛ ولذا جعلت على انخامى فريضة واجبة الأداء وهى التقدم للدفاع عمن ليس لهم محام يدافع عنهم: أو يثيت حقوقهم متتى ندبه الْقَضاءِ لذلك» وإلا استحق العقاب.
؟- الإلمام التام بأحوال الجماعاتء وطوائف الأمة؛ وعرف كل طائفة» ليستطيع أن يتخذ من عرفهاء وما يجرى بين الناس فى عامة أحوالهم دلائل تشبت ما يقول» وتقطع على الخصم طريق الانتصارء فعليه أن يعرف حال الزراع وما يجرى يينهمء وما هم عليه من أخلاق وعادات ومعاملات»ء وعليه أن يعرف حال التجار وعرفهم فى مبادلاتهم وما يصفقون به فى الأسواق؟ ويسيرون عليه فى الأعمال؛ وهكذا فى كل الطوائفء فإن أقضية الناس منتصلة كل الاتصال بأحوالهم وشئونهم :؛ ويمحدث لهم من الأقضية بقدر ما يحدث بينهم من شكولٌ
"- قوة الانتباه واليقظة التامةء وحسن المراقبة لما يبجرئ فى مجلس القضاءء ويقال من
شهود و حصوم ووكلاءء لكى يستطيع أن يعرف المقتل» فيضرب الضربة القاصمة للخصم.
0249 اس؟أ)بأب؟ب؟بب_سسحح ٍبٍصٍيٍٍٍٍحححبب ب
وقد قال الأستاذ إبراهيم الهلباوى فى ذلك: لصم أ اد ملا حظة امكمة: ألم تسمة أن الله عليه نيقي فى اهار هل القرمر فى لحظتها. ثم التعبير عنها والاستفادة متها.
- أن يكوت متصفا بصفات الخطيب التى لا يعد المتكلم فى صفوف الخطياء بدونهاء وقد بيناهاء وذلك لأن المرافعة خحطابة لها طابع -خاص.
5-- وقد أوجب الأستاذ محمد على علوية (باشأ» :
() أن يكون المحامى على شيئع غير قليل من أدب اللغة» ليجد فيه بغيته متى أعوزته المحاجة إليه.
(ب) وأن يكون ملما بقواعد علم النفس والاجتماع.
(ج) وأن يكون ثابت الجنان يملك زمام نفسه عند المفاجآت» فلا يسد عليه اتفعاله مسالك التفكير.
وقد علمت ما سبق ضرورة هذه الأمور للخطبة؛ ليستطيع بالأول أن يكون ذا ثروة لغوية يصرف بها فنون القول؛ ويسلك بها من طرائق البيان أقربها توصيلا؛ وليعرف بالثانى كيف يثير الوجدان اأهواء فى الناحية التى يريدها؛ ولكيلا تطيش -حجته إذا أخذته الرهبة» واستولت على
- 5- الهدوء عم رجاب الغضب» والاجتهاد فى ضبط نفسهع وعدم مسأيرتهأ فى
والمهاترة نوع من الحمق والجه.س كما ذكرنا؛ ولأن النحامى إذا استرسل فى غضبه» ضاعت . حجته» وضل محجتهءرووسجد. الخصم الطريق إلئ الغلب» وكثيرا ما يقير الخصم الأريب خخصمه الغضوب ؟ ليقتنص ١مته#اليحتجة» بويستحل منه القضية» ويتركه يحرق الأرمء ويعض بنان الندمء فليعتصم انخامى #بالهدوء فى السابجلاتهغ .ليستطيع أن يسلكد السهام: وظو ابت الجناك» فلا ييتعد عن الهدف.
هذه بعض ما يتحلى به الحامى من صفات» وما يكمل نفسه به من تهذيب» وقد أن لنا أن نبين طرق إعداده المرافعة» وطرق الإدلاء بهاء ولغة المرافعات.
. إعداد المرافعات:
إن إعناد المرافعات يجب أن يتناول الدرجات التى بها يصل المحامى إلى غايته» وتلك . الدرجات ثلاث:
ش أولاها : جمع عناصر الْقَضِيةغ واستسخلااص الأدلة.
ثانيها : إعداد العذة للرد على ما عساه يجي على ألسنة الخصمم ووكلائهم من أدلة.
نالفها : التفكير فى الأسلوب الذئ يتجه إليه؛ والمسلك الذى يسلكه ليصل إلى إحساس القاضى ويمس به وجدانه.
0 أما جمع العنا صر والأدلة فيكون:
-١ بدراسة أوراق القضية واستيعاب أجزائهاء واستقرائها استقراء تاماء بعد الاستيئاق من أنها كاملة لم ينقص منها شع حتى إذا أتمها قراءة» ولم يغادر منها صغيرة ولا كبيرة إلا غاص فى فهمها وأستبطان ماحوته.
*- رتب ما أخذه منهاء ووضعه فى وضع مسلسل متماسك الأجزاء.
#- ثم يستنبط منه ما يراه مؤيدا لما يريد» وإذا رأى فى هذا الكفاية اقتصر عليه؛ وإلا ايجه إلى القانون: يستنطق 'مواده» ويغوص فى قواعده؛ حتى يصل إلى ما يرأه مؤيدا لهء مثبتا لما يريد موكلهء ولو على سبيل الرجحان لا اليقين.
وهنا يثار بحصث هو: هل يجب على الحامى ألا يتقدم للمرافعة فى قضية؛ إلا إذا وجد أن ما حت يده من الأورق والأحداث ينبت أن مو كله على حق هبين؟ أم يصح أن يتقدم للدفاع» ولو اعتقد البطللان؟ يرى بعض كبار المحامين» وبعضص أولتك الذين أخذهم سلطان الحق والفضيلة والغيرة على تلك المهنة الشريفة أنه لا يصح للمحامى أن يقف إلا إذا كان مؤمنا نمام الإيمان بحق وكيله فيما وكله فيه وإلا كان فى عمله تلبيش على القضاءء وعرقلة للعدالة, وسعى فى نصرة الباطل. ظ
نحن نوافق صاحب هذا القول فى القضايا المدنية والشرعية التى لا شبهة فيهاء والتى يلوخ فيها خقى الخصم واضححا مكشوفاء فعلى انحامى أن ينصح لموكله بالصلح؛ ويبين له جلية الأمرء ليحسم الخلاف؛ ويعلمه الناس ثقة لا ريب فى ذمتهء وإن كان الأمر:موضع نظرء وأن
ه05 ---ب-بب؟؟ٍبسسسببببببببببب
الح فيها قد التبس بالباطل» ولم يتضح له جانب منهماء تقدم وأثيت بمأ يراه موصلا ؛ غير أنه لا يصح له أن يسلك من الوسائل الموصلة: إلا ما يعتقد كل الاعتقاد أنه حق يؤيده القانون: ومن غير تلبيس ولا تضليل. ْ
أما القضايا الجنائية فإن انحامى يجب عليه أن يدافعء ولو أن المتهم جانء لأن الواجب أحد أمرين: إما نفى الجريمة إن لم تكن الأدلة عليها قائمة بيقين؛ وفى هذه الحال يكون دفاعه عن برئ بمقتضى القانون.
إذ المتهم برئ ما لم يقم الدليل القاطع على جريمته؛ فلا شئ فى الدفاع حيتكذ.
وإما تصوير الحال التى وقعت فيها الجريمة استدراراً للعطف وإثارة للرحمة:» وليس انحامى فى هذه الحال إلا رسول المتهم يصور حاله» وينطق بجنانه» ويعرصّه مجلس القضاء. وإن نظرة عاجلة إلى امجرمين ترينا أن كل مجرم منهم لابد أن يحيط جريمته بأحوال نفسية شاذة تخقف من حدة الجنايةء وتلطف من شدة وقعهاء اللهم إلا العتاة القساة الذين يتخذون الإجرام مرتزقا من غير اضطرارء فامحامى يبين كل ما يصم أن يكون دفاعا. ولقد لاحظت القوانين ذلك: فأوجيبت أن يكو لكل متهم فى جناية سحام يداقع عنهء فالنيابة قد تقدم الرجل إلى المحاكمة؛ ويده مخضبة بالدماء: ومديته تنطف دماء أو صدى الرصاصة التى ألهب يها رأس المقتول يدوى فى الاذان, ومع ذلك تندب له المحكمة من يدافع عنه ؛ إذ يجوز أن يكون مما أحاط بالجناية ودفع إليهاء ما يخفف من شرة هذه الجريمة؛ وما دامت النيابة تتراقع ضدهء فليكن من امحامين من يدافع عنه.
ولذا نقول إنه فى إعداد المرافعة إذا لم يوصله بحثه فى القانون وحوادث القضية وأوراقها إلى ما يقبت الدعوى بيقين» فليكتف بالرجحان:ء فإن لم يكن رجحان ولا شبهة» فليرفض الدفاع فى القضية المدنية والشرعيةء وليقدم فى الققضية الجنائية؛ وعلى امحامى فى هذه الحال أن يشعر بشعور المتهم» ويحس يأ -حسأسه ؛ ليستطيع أن يدافع عته بحرارة» وليثقل وسجدانه إلى الحكمة.
قال بعض البلغاء فى وصف محام قدير وسر مقدرته أنه يتعمق فى درس الدعوىء ويلج إلى قلب القضية» فينظر بعين المتهم» وبحس بأعصابه؛ فيغضب غضبه؛ ويصيح صياحه, كأنه يطلب الرحمة لنفسه؛ ويترجم عن يأس المسكين بيأسه: يأخحل شبكة الاتهامء ويلقيها على نفسه بافتخارء ثم يقطعها تقطيعاء كأنه من مصارعى الرومان.
لل ا 98س
وأما إعداد الردود على ما عساه يكوت دليلا ؛ فيكون بأن يتخيل نفسه فى موقف خصمه؛ ثم ينظر فى القضية بنظره؛ ويجمع الأدلة التى تصلح لهء ثم يعود عليها بالهدم لبئة لبنة» وبذلك يغشى مجلس القضاء: ومعه كل الأسلحة, فليقدر شهادات الشهودء ثم يستعد للرد عليهم؛ وليعرف أقوال الخصومء وليلتمس من ثناياها ما يهدم مطالبهم؛ وليحذر أن يكون السب مما يعده من الذائثرء فإنه سلاح ذو -حدينء وربما كان ضرره أكبر من نفعه. ويظهر أن بعض الئاس يتخذ من الحامى والخسومة ذريغة للئيل من كرامة خصمه:؛ فليحذر امحامى أن ” يطوع لهذا الصنف من الناس وأن يكو سيقة فى يدهء ولا يصح أن يعبأ برضاه أو سخطهء فإنه إن جعل رضاه مقياسا لجودة المرافعة: نزل بها من عليائها.
وقد جاء فى كتاب المحاماة لأحمد فتحى زغلول «باشاء أن مونتسيكو أوصى المحامين من هله الناععية قائلا:
أهها النمحامون؛ إن فيكم غيرة على .حقوق موكليكم؛ ونحن نمتدح ذلك منكم؛ لكن غيرئكم تكون جريمة إذا أنستكم ما يجب عليكم نحو خصومكم, نعم أنا أعرف أن وأاجب الدفاع يقتضى ذكر سيئات حصومكم التى طوتها الأيام, إلا أن فى ذلك ضررا لا يخفى, ولحن لا نسمح لكم بذلك إلا إذا قامت الضرورة على أنكم كنتم إليه ملجثين.
خذوا عنا هذه الحكمة:؛ واذكروها على الدوام؛ لا تقولوا الحق إذا لم يكن له من أثر غير الإضرار بفضاكم وكرامتكم: فُمًا أشد تعس اللسن إذا كان فى أكل لحم الغير ميتاء ولعلنا لا لتألم من أمرء ولا يكدر صفونا أكثر من جاوز بعض الألسنة حد الكمال فى المقال.
إن الذى تطسحك منه الناس لا يفرحناء ولكنا نبكى دائما على أولئك التاعسين الذين يشان شرفهمء وتنتهك حرماتهم بقوارص المطاعن والكلام.
أيليق أن يلحق الخزى؛ ويركب العار كل من اقترب من رحاب هذا المجلس المقدسة؟ ياللأسف! هل يخشى البعض أن تظهر العدالة خالية من كل عيب»؛ بعيدة عن الرذائل والمساوئخ؟ وأى عمل يساء به الخصوم أكثر من انتحابهم وحرقتهم إذا خرجوا من الخصومة كاسبين'» وقد جعلت حدة القول مذاق العدل مرأء ناشدتكم الذمة؛ ما الذى جيب به قوما يقولون لنا: أيها القضاة؛ إننا أنينا للمثول بين أيديكم: فكان حظنا أن رمينا بالنقائص» وألبسنا جلابيب اللخازى» ولقد اتكشفت لكم جراحتاء فلم تضمدوهاء وجلستم لتنصفونا من إساءات أصابتئا بعيداً عنكمء فنالنا من الإساءات أمامكم ما هو أعظمء وأشد وقعاء فلم تنفوهوا ببنت
شفة: وأنتم الذين كنا نراكم فى ممجلس .قضائكم متلائكة الأرض؟فسكتم كأنكم أصبنام من الخشب أو الحجارة لا تنطقون؛ تقولون إنكم وليتم القضاء لتحفظوا علينا أموالناء وإن شرفنا أعر علينا من كل مالء ولتحفظوا أرواحناء نعم وإن الشرف .أعز على النفوس منهاء فإن لم تستطيعوا أن تردوا جماح خطيب أخقته حدتهء فدلونا على مجلسن قضاء أعدل منكمء وأحفظ لحقوقناء وما يدرينا أتكم لم تقتسموا تلك اللذة البريرية إلتى طلبها خبصومناء ولم تفرحوا بما نالنا من اليأس! وما تولانا من الأضرار! وإن سكوتكم الذى نعده ضعفا منكم هو فى الحقيقة إثم قد ارتكبتموه عمدا وانتيارا.
أيها الحامونء ليس لنا طاقة على احتمال مثل هذا التعب والتعنيف» ولا نريد أن يقال إتكم كنتم فى ترك الواجب عليكم أسرع منا فى أدائه.. ل
وكما لا يصح أن يجعل الرد على الخصوم سيا وشتماء لما ذكره ذلك القاضى الحكيم؛ كذلك لا يصح أن يجعل الرد على شهادات الشهود بتجريح ذم الأخيار. فإن ذلك فوق أنه طعن فى الذم بالباطل» وتلبيس على القضاءء وعمل لا يليق بشرف المهنة؛ ولا يأدب الخطابة؛ هو منع لفضلاء القوم من أن يؤدوا الشهادةء وحمل لهم على أن يكتدموهاء وفى ذلك ضياع للحقوق: وإهدار للدماءء وعرقلة للعدالة فى كل نواحيها.
وقد قال روس» كما جاء فى كتاب الحاماة :
٠ ومن الأسف أن يمضهم عندما يعجز عن تفنيد الشبهادة وبيان سقوطها يرجع على الشاهد بما يحط من قدره؛ ويسقط من اعتباره » فيصليه نارا حامية» وقودها التخيلات الوهمية: والشبهات التى لا دليل عليهاء وينسون أنهم بذلك يلحقون الضرر برجل من الأأخيار أدى واجبه» ليخدموا رجلا من الأشرار خرج على القانون بجريمته: وإنهم يمتهنو الفصاحة والعقل باستعمالهما فى خدمة الأثيم ضد المستقيم؛ حتى يتسنى لهم أن يقولوا لقذ تجينا جرم بقوة البيانت وفصاحة المنطق وذلاقة اللسان» لكن ذلك مجد .لا يستقر زمنا طويلا فى الأذهان.
وأما ترتهب المراقعة: فيكون بأن يبدا بحص زقائعقا مسلسلة: ثم يستتبط من الحوادث ةلت اها مؤي مطليه كاحت القازة الت محمد عليها فى تقر ما ير وليلاحظ عند ترتيب المرافعة الأمور الأقية:» 2٠7 .
1 - أن داقر الأمة ل تتقدم بها عند ذكرلأخلة: ته نمل ذلك سيق إل ذهن القناضى عدالة مطلبه» والفكرة الأولى عن شئ شديدة القبات» قارة : فى النفس أبلغ قرارء ولزالتها من :النفس تاج إلى مجهوذ قوئ» وذهن المعى. 7 ظ
ل
1-- أن يسهل على القاضى الاستنباط» فيذكر له الحوادث فى صورة ناطقة بما يربد؛ ليسبقه القاضى إلى إدراك ما يريد أن يستنبطء حتى. إذا ذكر له ما يستنبطه تمكن فى نفس القاضى فضل تمكن» ويجئىع.فى الصورة موافقا لتفكير القاضى؛ وقد استثاره هو فى نفسه بحسن تصويرهء فيجتذب بهذا ميله إليه.
7- أن يكون. على إلام تام بنفسية القناضى وأسلوب تفكيره» وما يستهويه من الآراء وها يستثيره من الأفكار والمعانى؟ ليستطيع أن يعد فى مرافعته ما يشبع رغبته الفكرية» وليجعل كلامه صورة للا فى ثنايا نفسهء فيسكن فى قرارتهاء إذ يجد ما يلائمه؛ وبعيش مع ما يوائمه؛ ليستطع أن يميش فى الجو الى يعي فيه القانى؛ نيكون ينما فهم متحد فى كل ما يقدم من أدلة واستنباطات. .
طرق الإدلاء بالمرافعة:
إلقاء المزافعة هو زوحهاء وهو عمادهاء وإليه يغود جزء كبير من مجاحها؛ إذ بغير حسن الإلقاء وجئودة الإدلاء لا يكون للتحضير قيمة؛ ولا للإعداد أثرء ومثل المحامى الذى يجيد الإعدادء ولا يجيد الإدلاء 'كمثل "كمثل المعلم الذى يجيد ضير الدروس» ولا يحسن إلقاءها.
وليكون الإلقاء جيدا لابد من مراعاة أمور حق الرعاية؛ منها
() ألا يلقى مذكرات كتبها ودونهاء بل لابد أن يلقى مشافهة لكى بستطيع أن يشرف بنظراته؛ فيدرك كل ما يحيط بقولهء من إقبال أو إعراض» من تنبه أو انصراف» ولكى يستطيع أن يشرك فى التصويز حركاته ونظرانه. والجنمود على ألفاظ مكتوبة قد يحبس الذهن عن التصرف الغام: فى فون القسول على -خسب المقام» ولهذا يقول الخبراء: إن أقل المرافعات تأثيرا ما كان مكتوبا؛ لأنها لا يستفيد فيه الامى من الجو الذى يسود مجلس القضاءء ولا يعخذ منه قوقله. | 2 ا ا 000
(ب) وأ لاح د القاضى فى «إقباك أوإعراضه؛ د وفى نظرانه وإشاراته؛ لكي يسير فى طريق .واحدء وفى متجه.واحدء فإن لاحنظ منه إقبالا فئ نقطة أشبع فيها القول» وإن لاحظ مئه: إعراضا فى ناجية لا يصارحه بالمخالفة فى.وجهة. النظر لأن المصارحة بالخالفة مخاصمة» والخاضمة. تباعد ما بِين المتتأقشين» وتوسع الهزة ما بين: المتخاطبين؛ وما وقفى أمامه ليخاصمهء بل.ليجاونه فى إظهار المجق» وليستدنيه إلى وجهة نظره. ولا يترك الأمر الذى أعرض عنه مرضاة لمء فقد يكون فى ذلك ضياع للحقء وإخلال بواجب الدفاع».بل يعمد إلى الزفق والأناة»
ويترك مؤقتا التصريح فيما اعترضه فيه؛ ثم يأحذ فى شرح أمور مسلم بها من الجميع تثبت صحة ما اعتزم قوله؛ ثم يهجم به فلا يجد إعراضاء وعليه ألا يظهر منه فى أثناء ذلك ما يدل على أنه فهم إعراض القاضى عندما أعرضء لأن القاضى إذا فهم أن الخصم علم إعراضهء ثم ميله إلى التسليمء ربما قاوم نزعة التسليم؛ لأنه بشر يهمه أن ينصر فكرته؛ إن ظهرت للناس.
(ج) أن يلاحظ وقت القاضى» فلا يطئب إلا إذا وجد متتسعا من الوقت» ولم يغن الإيجاز عن الإطناب» لأن الإطناب حيث أغنى الإيجاز تطويل ممل» وإسراف فى القول من غير حاجة داعية إليه» والإطناب حيث يضيق صدر القاضى بالسماع»؛ وحيث لا يتسع الوقت له تكليف بما لا يطاق» فليوازن المحامى بين وقت القاضى» ومصلحة القضية:» والقول اللازم: وبذلك ينال السداد وحسن الاستماع والانتياه والوصول إلى الغاية المطلوبة» والضالة المنشودة.
6 إعطاء المرافعة حيأة وقوة بتغيير النبرات» يرافع الصوت حتييبك يلزم الرفع ؛ ويخفضص ف يستدر عطف القضاة عليه» ويسرع أو ييطىئع فى القول» حسب مقتضيات الأحوال؛ فيسرع فى مواقف الحماسة؛ ويتأنى فى مواقف الروية» وكأنه فى هذه الحال يسير على قمة جبل مخته الهاوية» فيقدر للرجل قبل الخطو موضعها.
وإعطاء المرافعة حياة وقوة يخلق فى مجلس القضاء جوا فكريا عاطفيا يساعد على توسجيه القضاء إلى مأ يريد.
وإن المرافعة القوية ارذح ملقيهاء و«حسرع تصريفهع وقوة دلائله وظهور استتباطه تصع ش رءوس القضاة صورا فكرية صادقة النقل لحق من يدافع عنه؛ إن كان الحق هو العماد.
لغة المرافعة: 1
ألفاظ الخطيب وأساليبه» يجب أن تكو ن ملائمة كل الملاءمة للذوق العام الذى يسيطر على البيئة التى يخطب فيهاء ولعرف الجماعة التى يخاطب أجد أشخاصهاء وقد بينا ذلك فيما سلف من القولء وهنا نقول إن لغة المرافعة يجب أن تكون ملائمة للذوق اللغوى الذى يسود أهل القانون؛ وأساليب تخاطبهم ؛ والألفاظ الشائعة بينهم. ولغتهم فى الحقيقة قريبة من الفصحى» وأعلى من العامية؛ وهم فى ذلك ككل المثقفين بثقافة أديبة تهذيبية اجتماعية فى مصرء فعلى انحامى إِذنْ أن يتحرى فى مرافعاته أن تكون بلغة مرسلة لا تكلف فيها ولا نخسي ولا سجعء ولا ما يشبه السجعء تسودها السهولة بحيث تكون قريبة من لغة أوائكك المخاصة
حالين :
إحداهما : إذا أراد أن يأتى بملحة تفكهة للسامعين.
ثانيتهما : إذا لم يستطع تصوير فكرته تماما إلا بالعامية؛ أو أراد أن ينقل عبارة شاهدء ليناقشهاء فإن العامية تباح فى هذه الحال اضطرارا.
وقد يلجأ المحامى إلى العبارات الفخمة القوية الرنانة فى بعض القضايا الجنائية: ليهز إحساس السامعين والقضاةء كما إذا أراد أن يصور حماسة المتهم فى الدفاع عن نفسه أو عرضه مثلاء فإنه يتكلم بعبارات قوية تقرع الحسء ليكون فى ذلك ناقلا لقوة حماسة مو كله واندفاعه فيما يفعل .
ويجب على امحامى فى دفاعه أن يغير أساليب القول ويصرفهاء فمرة يقول مستفهماء وأخخرى متعدجبا ) وثالثة قصصيا: ورابعة مستنكراء وهكذا ينوع عباراته ؛ ليكتسب كلامه جلة .
وعليه أن يسوق كلامه فى صورة مشوقة» يبتدىئ بعبارات مشيرة لاهتمام السامعين ؛ موعزة لأفكارهم» حتى إذا تمت تهيئة الأذهان دفع إليهم بكل ما يريد وهكذا فى كل أجزاء دفاعهء حتى يتم له النصر. والله المستعان.
خطب الوعظ الدينى
تمهيد في يبان وجوبه وحاجة الناس إليه
-١ الوعظ الدينى هو الأمر بالمعروف فى الدين؛ والنهى عن المنكر فيه» وقد أجمعت عليه الشرائع ؛ واتنفقت على وجحوبك الأديان» فعليه قد قامست الدعوة إليهاء وعن ينبوعه تغذت النفوس البشرية غذاءها الروحى ؛ ومن ضوثه اقتبست نورانيتهاء وقد قال فى وصفه الغزالى :
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو القطب الأعظم فى الدين» وهو المهم الذى ابتعث الله له النبيينٌ أجمعين ) ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله ؛ لتعطلت النيوة؛ واضمحلت الديانة: وقهت الفترة» وفشت الضلالة» وشاعت الجهالة: واستشرى الفساد؛ واتسع الخرق» وخخربت اليلادء وهلك العياد» ولم يشعروأ بالهلاك إلا وم التناد.
والأدلة على لزوم الأمر بالمعروف» والنهى عن المذكر- كثيرة فى الشريعة الإسلامية؛ حتى لقد عدت بحق شريعة التواصى بالحقء والتناهى عن المنكر؛ فقد قال تعالى: ( والعصر * إنالإنسنان لغى مسر # إلا الذي نآمتواوع_ملواالصالحات هوتواصوابالحقءوتو اصوا بالممروف» وينهوت عن المنكرء وأولعك هم المفلحوت 6. وقال تعالت كلماته: ( كنتم خيرأمة أرجت للتاس تأمرون بالمعروف» وتنهوث عن المدكرء وتؤمتون بالله 4
وقد روى أن النبى ع قال: وما أعمال الير عند الجهاد فى سبيل اللّه؛ إلا كتفثة فى بحر لجىء وما جميع أعمال الير والجهاد فى سبيل اللّه عند الأمر بالمعروف والنهى عن المذكر- إلا كتفثة فى بحر لجى» .
وقال 2 : وأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) .
-١ والأخبار متضافرة بما كان عليه سلف هذه الأمة من القيام بذلك الحق؛ لايهابون فى ذلك سلطان ذى سلطان؛ ولا تأخذهم رأفة فى دين اللّهء ولا هوادة فى إقامة حقنه؛ والأخذ بناصر ديتهء كل شئع هين فى سبيل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ وكل عذاب سهل مساغ إذا كان من كلمة حق قالوها؛ لا يمنعهم من أن يصدموا بها أقوى الحكام عتواء وأشدهم قسوة؛ وأبعدهم فى الأذى منالا؛ وما أنخبار وعاظ التابعين مع الحجاج وأشباهه من
حكام بنى أمية بعيدبة عن الأذهان؛ كانوا لا يتخذون فيما يفعلون تقية» ولا يرضون فى دينهم بالدئية.
يروى أن الحجاج جمع بعض علماء العراق» وفيهم الحسن البصرى والشعبئء وأخحذ يحادثهم فذكر على بن أبى طالب رضى الله عنه فنال منه؛ وجاراه من معه تققربا لهء وأمنا من شره» إلا الحسن البصرىء فصمت على مضض وعض على إيهامه؛ إذ غلى مرجل غضبه؛ فالتفت إليه الحجاج وقال: يأأيا سعيدء مالى أراك ساكتاً! قال: ما عسيت أن أقول؟ قال: أخبرتى عن رأيك فى أبى تراب. قال: سمعت الله جل ذكره يقول: وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول من ينقلب على عقسبيه, وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى اللّه» وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحهم 4؛ فعلى من هدى الله من أهل الإيمان؛ فأقؤل: ابن عم النبى ه؛ وختنه على ابنتهء وأحب الناس إليه؛ وصاحب سوابق مباركات؛ سبقت له من الله لن تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحظرها عليه؛ ولا يحول بينه وبيتها. وأقول: إن كانت لعلى هناة فالله حسيه. والله ما أجد فيه قولا أعدل من هذا. فيسر وجه الحجاجء وتغيرء وقام عن السرير مغضباء فدخل بيتا خلفهء وخخرج الجمع؛ فقال عامر الشعبى: أغضبت الأمير» وأوغرت صدره؛ فقال: إليك عنى ياعامرء يقول الناس: عامر الشعبى عالم أهل الكوقة» أنيت شيطانا من شياطين الإنس تكلمه بهواه؛ وتقاربه فى رأيه؛ ويحك ياعامر» هلا اتقيت إن مكلت» فصدقت؛ أو سكت؛ فسلمت.
قال الشعبى: يأأبا سعيدء قد قلتهاء وأنا أعلم ما فيها. قال الحسن: فذاك أعظم فى الحجة عليك» وأشد فى التبعة. ْ
وبعث الحجاج إلى الحسن. فلما دخل عليه؛ قال: أنت الذى تقول: قاتلهم اللّه؛ قتلوا عباد الله على الدينار والدرهم! قال: نعم. قال: ما حملك على هذا؟ قال: ما أخحذه الله على العلماء من الموائبق ليبيننه للناس ولا يكتمونه. قال: ياحسن؛ أمسك عليك لسانك» وياك أن يبلغنى عنك ما أكره؛ فأفرق بين رأسك وجسدك.
هكذا تكون قوة الإيمات» وهكذا يكون الأخذ بتلك الشريعة المستقيمة؛ والفريضة المحكمة» فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكرء تلك الفريضة التى لو أخخذنا يها كما أخذ ذلك السلف الصالحء لارتبط حاضر الأمة بماضيهاء ولاتصلت نفوس الحاضرين بنفوس السابقين بتلك الأمراس النورانية.
-1١ وقد ذكر الأستتاذ الإمام الشيخ محمل عبده أن للأمر بالمعروف والنهى عن المتكر ثلاث مراتب:
فالمرتية الأولى -- دعوة هذه الأمة سائر الأم إلى الخير؛ ليشاركوهم فيما هم عليه من النور والهدى» وقد أوجب الله ذلك على المؤمنين» فقال تعالى فى وصفهم: ١ الذين إن مكناهم فى الأأرض أقاموا الصلاة» وآنوا الزكاةء وأمروا بالمعروف» ونهوا عن المنكر >.
والمرتية الثانية - دعوة المسلمين بعضهم بعضا إلى الخير» وتأمرهم فيما بينهم بال معروف: وتنأهيهم عن ال منكر ببيان طرق الخير» وتطبيق ذلك على أحوال الأمء وضرب الأمغالء ويوم بهذه وسابقتها العارفون بأسرار الشريعة» وهم الذين قال تعالى فيهم. « فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة » ليتفقهوا فى الدين » ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذروت ».
والمرئية الفالثة - تكون بين أحاد الأمة علماء وجهلاء بالتواصى على الحقء والتناههى عن المنكرء كل بمأ يعرفه: فاذا رأى أحل المسلمين مسلما يتردى فى موبقة هو يعلمهاء ولو لم يكن من الخاصة تصدى لتنصحه وإرشاده . وبياك مأ أمره به الدينء ومأ ينهاه عنة فى هل| المقام .
5-- وقبل أن نترك هذا نشير إلى أمر جدير بالنظر؛ فقند اعترض يعض الذين ضعفت عزائمهم؛ وأرادوا أن يسكنوا ويطمئنوا» فلا يقوموا بذلك التكليف العظيم-- بقوله تعالى: ( يأأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ». ولا جيب هؤلاء بغير المأثور عن صاحب السنة الشريفة الذى بين للئاس ما نزل إليهم :
فقد روى أن أبا تعلبة الخشنى سأل رسول الله مله عن معنى قوله تعالى: ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم > فقال: يأأبا ثعلبة؛ مر بالمعروف وانه عن المنكرء فإذا رأيت شعحا مطاعاء وهوى متبعاء ودنيا مؤثرةء وإعجاب كل ذى رأى برأيه ؛ فعليك بنفسك» ودع عنك العوام؛ إن من ورأتكم فتنا كقطع الليل المظلم» للمتمسك فيها بمثل ما أنتم عليه أجر خمسين منكم ) قول: بل منهم يارسول الله. قال: لاء بل منكم؛ لأنكم يدون على الخير أعواناء ولا يبجدون
' وان . ه, هذه الكلمات الموجزة علمت مقدار عناية الدين الإسلامى بالأمر بالممروف وأ هى ٠ 02 .ولا غراية فى أن يعنى به ذلك الدين السمحء فإنه بناء الأم: وحفاظ
اللجمأت ١ .ها من التردى فى مهاوى الضلال والفساد: ومأ الرأى العام الذى تعترف له
الأم بالسلطان وتجعله مقياس الرقى فيهاء ودليل التقدم أو علامة التأخرء إلا وليد الإرشادات: وثمرة التواصى بالخير؛ والتناهى عن الشرء وإن شعور كل امرئ بأن عليه من الجماعة من له كالرقيب العتيدء يحصى عليه سيثانه ويعد له حستاته؛ يدفعه إلى الكمال» ويسير به فى طريق الرقى . |
وإذا كان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر له هذه القوة» ولو كان معتقده العقل» وما يراه الناس -حسناء فكيفب يكون الشأن لو كات ذلك مت سلطان الدين؛ وإجابة لندائه؛ ودعوة إليه ؟
"- إن الجماعات لا تصلح إلا بالدين؛ ولا يقوم لها شأن بغير هدايته؛ ولا تستقر إلا بقوته؛ لأن الأديان تهذب العالمء والجاهل: وذا العقل القوى» وصاحب العقل الضعيف»؛ فهدايتها عامة شاملة لا تخص فريقاً دون فريق» بل إن الجماعات مهما تكن ثقافتها ومعارفها تخضع للدين» وتستولى على مشاعرها آياته.
قال العلامة جوستاف لوبو فى كتابه (الآراء والمعتقدات) : وإذا نظرنا إلى المنطق الدينى من خلال جميع عناصر الحياة الاجتماعية. فإنئا نراه ذا تأثير فى الفنون؛ والآداب والسياسة... ولا تزال البقاع التى ارتادها العلم محدودة... ولا شك فى أن سيطرة التفكير الدينى على البشر
ستمثد زمنا طويلا. | ه. نعم سثكمتل سيطرة الدين إلى يوم الدين , لأنه سلواث الجماعات» وعراء البائسين وخزة المغلوبين.
إن الدين هو الذى يربى الوجدان الفاضلء ويهذب الضمير؛ ويوقظ شعور الإنسان بالفضيلة» فإرشاده يمس مواطن الإحساس فى النفوس ويؤثر فيها أبلغ تأثير» ويصل إلى الأعماق فى الهداية والصلاح.
/ا- والدين الإسلامى فى عمومه فى الأحكام يشبه قانون الأخلاق من حيث إنه يحكدم على كل أفعال الإنسان الإرادية بالخير أو الشر؛ فكذلك يحكم الإسلام على كل الأفعال بالقبول عند الله أو عدم القبول» وكما أن الأخلاق تنوط الأحكام بالأغراض والمقاصدء 'كذلك الدين ينوطها بالنيات» ففى الحديث الصحيح «إنما الأعمال بالنيات» وفى الأثر «ألبر ما حاك فى النفس» فاستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك» .
ولما كان للإسلام هذا العموم فى الأحكام كان صالحا لإرشاد الناس فى كل أمورهمء وكان للواعظه الإسلامى من النفع بمقدار ما يستطيع أن يقدمه من إصلاح فى بناء الحياة الاجتماعية عند المسلمينء ولقد لاحظت الحكومة ذلك؛ فطلبت إلى الوعاظ فى المساجد أن يخطبوأ فى بعض أمور اقتصادية أو زراعية أو صحية» ومن أمثلة ذلك أن وزارة الأوقاف أمرت خطباء المشاجد أن يخطيوا فى الوقاية من السلء» وأرسلت إليهم نص الخطبة» ومما جاء فيهاأ: عباد اللهء كم لله علينا من نعمة» وكم فيما شرعه من حكمة؛ فعلينا أن نشكر للّه نعمتهء ونعمل ما نرجو به رحمته؛ لئن شكرتم لأزيدنكم؛ ولئن كفرتم إن عذابى لشديدء خلق الله الداء» وخلق معه الدواء؛ وقدر به الشفاءء فمن يرجو من الله شفاء علتهء فليتبع ما أرشد إليه فى كتابه» وليعمل بنصائح أهل الذكرء فقد قال تعالى فى كتابه المكنون: 3 فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلموت 4. وإن من أشد الأمراض فتكا بالإنسات مرض السل القتال؛ وقانا اللّه شرهء وخحفف عن المصابين ضره. وإن على المصاب واجيين: واجبا لنفسه؛ وواجبا لغيره؛ فإذا قام بواجبه نحو نفسه» وواجبه نحو أبناء جنسهء فرج الله كربته» وأذهب علته... يجب على المريض بهذا الداء أن يمتنع عن بلع بلغمه؛ فإن فى ذلك إضراراً بياطنه» وخخطراً على باقى أعضاء جسمهء. ويجب عليه ألا يشرب لبنآ قبل غليه» فربما كان فيه من جرائيم المرض ما يزيد علتهء ويضعف علاجه. ويجب عليه أن يتخذ لنومه غرفة نخاصة به؛ فإن هذا أرجى لشفائه؛ وأبعد عن أذى غيره» ويجب أن تكون الغرفة الخاصة به تتخللها الشمس والهواء؛ فإن فى -حرارة الشمس وتجدد الهواء عونا على قتل جرائيم المرضء وتطهير الغرفة من آفاته. ويجب أن تتعهد الغرفة بالتنظيف والتطهير؛ فإن فيهما وقاية من المضاعفات» وتخفيفا لويلات الآلام. : هذه واجبات المريض نحو نفسه» فعليه أن يقوم بهاء ولا يهمل واحدة منها؛ فَإن الله سبحانه وتعالى: نهانا أن نلقى يأيدينا إلى التهلكة» وأمرنا أن نقى أنفسنا من الأمراض» وندفع . شرورها وئتلافى أضرارهاء ة فمن أهمل فى واجبه فإنما إثمه على نفسه. َ . وأما واجسب المريض نحو الناس فألا يعرضهم لأذاه» وألا يكون سببا فى إصابتهم بمثل ما أصيب بهء فإن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده... فالله الله فى صحتكم؛ قلا تهملوهاء وفى صحة الناس فاحفظوهاء وفى نصائح الأطباء الصادقين فنفذوهاء وفى كل حسنة قافعلوهاء وفى كل سيئة فاتركوها... روئ مسلم فى صحيحه عن. رسول اللّه 5 قال: : «لكل داء دواء فاذا أصيب دواء الداء برأ يإذن الله عرز وجل» . وفى مسند أحمد عن أسامة بن شريك قال كنت عند النبى لل :
وجاءت الأعراب فقالوا: أنتداوى يارسول الله فقال: نعم ياعباد اللّه؛ تتداووا فإن الله عز وجل لم يصع داء إل وضع له شفاء غير داء واحدء فقالوا: م هو يارسول الله ؟ قال: الهرم .
ألا ترى أن منشيع هذه الخطبة بين أن التداوى والوقاية من السل غمييران مقيولات . مطلوبان فى الشرع الإسلامى؛ وبنى على ذلك -حث السامعين على العتاية بهذين الأمرين؛ وبين بعض طرق الوقاية وضرورة الأخذ بأهل الخبرة من الأطباء الثقات. وإذا كان الإسلام له ذلك الشأن فى الإصلاحء فالوعظ الدينى الذى يدعو إلى الفلاح يحت ظلاله ينال الفوز والسبق» والجماعة التى تأنحذ بهديه تنال السعادة والسلام.
ولقد سبقتنا أمة قامت على أساس هديه؛ ومدنية شمخت على دعائم وعظهء فقد كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم يتخذون من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما يدعوان إليه وسائل إلى الإصلاح؛ فكونوا دولة أخذت ملك كسرى؛ وهزت عرش قيصر.
الوعاظ والمر شدؤن:
ذكرنا المراتب التى بينها الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده» وقلنا إن المرتبتين الأوليين (وهما دعوة غير المسلمين إلى الإسللام؛ وإرشاد عامة المسلمين) لا يقوم بهما إلا العالمون بأسرار الشريعة» الفاهمون لراميهاء المدركون لغاياتهاء وهؤلاء هم الوعاظ المرشدون المشار إليهم فى قوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير وبأمرون بالمعروف؛ وينهون عن المنكر» وأولعك هم المفلحوت 4. رعملهم شريف عظيم»ء لأن الذى يقوم به سين شرع الله للئاس: ويصلح به دنياهم وأخخرتهم» ويربى وجدائهم؛ ويهذب نفوسهمء ويرشدهم إلى طريق الفوزء والخروج من آلام هذه الحياةء ولشرف ذلك العمل أشار الأستاذ الشيخ محمد عبده في تفسير الآية السابقة إلى أن الأمة تختار مرشديهاء وتراقبهم» فقال رحمه الله: لاطب بهذا جماعة المؤمنين كافة» فهم المكلفون أن ينتخبوا منهم أمة تقوم بهذه الفريضة؛ فهنا فريضتان: إحداهما على جميع المسلمينء والثانية على الأمة التى يختارونها للدعوة... والمراد بكون المؤمتين كافة مخاطبين بتكوين هذه الأمة لهذا العمل» هو أن يكون لكل شخص منهم إرادة وعمل فى إيجادهاء وإسعادغاء ومراقبة سيرها بحسب الاستطاعة» حتى إذا رأوا منها خطأء أو اتحرافاء أرجعوها إلى الصواب. وقد كان المسلمون فى الصدر الأول ولاسيما فى زمن أبى بكر وعمر على هذا المنهج من المراقبة للقائمين بالأعمال العامةء حتى كان الصعلوك من رعاة الإبل يأمر مثل عنمر بن الخطاب (وهو أمير الممنين) وينهاه فيما يرى أنه الصواب؛ ولا بدع فالخلفاء
على نزاهتهم وفضلهم ليسوا بمعصومين. وقد صرح عمر بن الخطاب بخطثه؛ ورجع عن رايه مرارا.
والصفات التى يجب توافرها فى المرشدين الداعين إلى دين الله كثيرة» إذ هى صفات الكاملين يفيضون بفضلهم على من هم دونهم؛ والكمال البشرى بعيد المدى؛ مترامى الغايات: كل يسعى منه إلى شأوء ويصوب سهمه نحو هدف من غير أن يبلغ الغاية» ويصل إلى النهاية.
ولتذكر لك بعض المشهور ثما يجب على الواعظ التحلى به؛
١ - يجب أن يكون الواعظ فيه صفات الخطيب» وقد ذكرناها موضحة فارجع إليها.
1-- ويجب أن يكون على حظ عظيم من الشجاعة المعنوية» يصرح برأيه» وبالحق الذى يراه فى الدين واجب الرعاية؛ لا يهمه فى ذلك إغضاب أو إرضاء أحد من البشرء فما وقف نفسه للإغضاب أو الإرضاءء بل وقف نفسه للإصلاح والهداية» ولا يهمه الأذى من امخلوق» مادام يعمل لإرضاء الخالق. قال الغزالى فى الإحياء: أوصى بعض السلف بنيه» فقال: إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف» فليوطن نفسه على الصبرء وليثق بالثواب من اللّهء فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مس الأذىء فإذن من آداب الحسبة توطين النفس على الصبر؛ ولذا قرن الله تعالى الصبر بالأمر بالمعروف حاكيا عن لقمان: (يابنى» أقم الصلاة؛ وأمر بالمعروف» وانه عن المنكرء واصبر على ما أصابك ».
وليس معنى ذلك أن يجافى الواعظ الناس ويخاشنهمء فإن الموعظة الحستة والحكمة هما طريق الدعاية الإسلامية الأولى» فقد قال تبارك وتعالى: # ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة 4 فليأخذهم بالرفق فى القول» ولكن لا يسايرهم فيما لا يرضاه الدين» بل يصدع بالحق» ولا يرجو لغيره وقارأء فإن لان ففى سبيلهء وإذا اشتد فحيث دعا داعيه إلى الشدةء يلين لينال حق اللّه؛ ويشتد لينصر كلمة اللّه.
<٠ والورع والددين الظاهر والعفة عما فى يد الناس صفات يجب أن يتحلى الواعظ بها؛ لأنه قدوة؛ ويتخذ الناس منه أسوة» ولأن إخلاص الخطيب من أسباب التأثير» كما أسلفنا. والئاس إن رأوا فى الواعظ رجلا يتخلى عمله عن قوله» وأنه يقول ما لا يفعل» ظنوا فيه الظنون» ولم يعتقدرا أن قوله صادر عن قلبه؛ فلا يكون له تأثير, ويذهب كلامه هباء منثورا. فمن تصدى للوعظ والإرشاد يجب أن يتسربل بسربال التقوى» وعليه أن يجتهد فى ألا يكون فى ظاهره ما يخالف الدين بأى نوع من الخالفة» فإن منصبه خطيرء وعمله جليلء والعيون إليه
شاخصة:؛ ولأعماله كاشفة:؛ فإن كأن منه معصية فليعمل على سترها ماسترها اللّه» وليعلم أن من المجاهرة أن يعمل عملا ستره الله عليه فيقول عملت كيت وكيتء يكشف ستر الله وقد قال الغزالى فى إحدى رسائله: أما الوعظ فلست له أهلاء لأن الوعظ زكاة نصاب الاتعاظ, ومن لانصاب له كيف يخرج الزكاة؛ وفاقد النور كيف يستئير به غيره» ومتى يستقيم الظل والعود أعوج. وقد أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم عليه السلام: عظ نفسك» فإن اتعظت. فعظ الناس» وإلا فاستسحى منى. وقال نبينا تله تركت فيكم واعظين: ناطق وصامت. فالناطق هو القرآن الكريمء والصامت هو الموت» وفيهما كفاية لكل متعظء ومن لا يتعظ بهما فكيف يعظ غيره» ولقد وعظت بهما نفسى فصدقت وقبلت قولا وعقلاء وأبت وتمردت تحقيقا وفعلا... ومن هذا ترى أنه يشترط لجواز الوعظ الاتعاظء ولكن نراه فى الاحمياء يوجب الأمر بالمسروف» والنهى عن المنكر على المرتكبين؛ ويقيم على ذلك الدلائل القاطعة. ومنها ما رواه عن سعيد بن جبير وهو قوله: إن لم يأمر بالمعروف» ولم ينه عن المنكرء إلا من لا يكون فيه شئ لم يأمر به أحدء والتوفيق بين هذين النصين أن نقول إنه أراد بالأول من قام للدعاية» ونصب نفسه للوعظء وأراد بالشانى الأمر بالمعروف والنهى الواجب على الكافة, لا على الخاصة؛ وهو المرتبة الثالثة فى المراتب التى ذكرها الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده؛ وأيضاً فنحن ما اشترطنا فى الواعظ ألا تكون منه معاص قطء يل اشترطنا التدين الصادقء وألا يكون فى ظاهره ما ينافى الدين من نفاق ظاهرء أو كذب صراحء أو عمل ينقيض ما يدعو إليه أو مجاهرة ببعض المعاصى» بل يكون متدينا لا يصر على معصية» وفيه سمت الصالحينء وصفاء المتقين» وصدق المؤمنين .
5- العلم التام بكل ما يساعده فى مهمتهء ويعين فى الوصول إلى غايته» ونيل بغيته. وقد أحصى الأستاذ الإمام فى تفسير قوله تعالى : «ولتكن منكم أمة... الأية) المعارف التى يجب على الواعظ الإلمام بهاء فكان منها:
(أ) العلم بالقبرآن الكريء والسنة النبوية الشريفة:
وكذلك العلم بسيرة التبى عله والخلفاء الراشدين رضى الله عنهم وسلف الأمةء والعلم بالقدر الكافى من الأأحكام.
(ب) العلم بحال من توجه إليهم الدعوة فى شئونهم:
والتعرف على استعداداتهم وطبائع بلادهم: وأخلاقهمء أو ما يعبر عنه فى عرف العصر
بحالهم الاجتماعية:؛ وقد روى أن من أسباب ارتضاء الصحابة بخلافة أبى بكر كونه أنسب العرب» ومعئى هذا أنه كان أعلمهم بأحوال قبائل العرب وبطونهاء وتاريخ “كل قبيلة» وسابق أيامها وأخلاقهاء كالشجاعة؛ والجبن والأمانة والخيانة» ومكانها من الضعف والقوة؛ والغنى والفقر؛ وما كان من إقدامه مع لينه وسهولة خخلقه - التى يعرفها له كل أحد حتى الإفرغ- على حرب الردة» إلا لهذا العلم الذى كان به على بصيرة» فلم يهب ولم يخف» وقد ماف عمرء وأحجم على شلته المعروفة على الكافرين والمنافقين.
(ج) العلم بمناشئ الأمم والتاريخ:
ليعرف الفساد فى العقائد» والأخلاق» والعادات؛ فيبنى الدعوة على أصل صحيحء . ويعرف كيف تنهض الحجةء ويبلغ الكلام غايته من التأثير؛ وكيف يمكن نقل هؤلاء المدعوين من حال إلى حال» ولهذا كان القرآن الكريم مملوءا بعبر للع
(د) علم النفس: ظ
يعرف الواعظ -خحواص العقل البشرى: ومناحى تفكيره» والغرائز التى أودعتها النفس الإنسانية» والميول التى "كمنت فى أطوائهاء وبهذه المعرفة يستطيع أن يثير الأهواء والمنازع إلى ما يدعو إليه». ويبتعث الميول من مراقدهاء ويوججهها إلى الغاية التى يريدهاء والمقصد الأسمى الذى يبتغيهء وفيما ذكرنا فى مبحث (إثارة الأهواء والميول» ما يعطيك صورة واضحة لحاجة الواعظ إلى الإلمام بالعلوم النفسية. وقد قال الأستاذ الإمام فى درس التفسير: لا تظنوا أن الصحابة لم يكن عددهم شئ من هذا العلمء إذ لم يكونوا يدرسونه فى الكتب» ويتلقونه عن المعلمين» فإنكم إذا قرأتم التاريخ» وعرفتم كيف كانوا يتجادلون» أمكتكم أن تعرقوا مكانهم من عنه .
(ه) علم الأخلاق: 2
وهو العلم الذى يبحث عن الفضائل: ' والمكل لأعلى فى الننلوك؛ فهو يعطى صورة صحيحة للفضائل وما يفيد النأس»؛ وما لا يفيدء وصلة الفضيلة بالعرف» وهو فى الجملة يعين المندين علئ فهم شئ كثير من أسرار الدين» وما جاء فيه من واجبات وتكاليف» فالعلم به يعرف الدارس كثيراً من حكم الشرع الإسلامى» فهو دراسات عقلية؛ يجد فيها المتبصر تعليلا صحيدحا لكثير من مبادئ ذلك الدين الحكيم» والواعظ فى حاجة إلى مثل هذه الدراسات»: ليقرب الشريعة من معروف الناس ومألوة فهم ومعقولهمء وما هو حسن فى نظر المفكرين. (1) من نسي ر الأستاة الشيخ رشيد را المشتمل على ما قاله الأستاذ الإمام فى دروس التفسير نقلناه بإيجاز
وتصرف قليل. “2
3
(و) علم الاجتماع:
هو علم الجماعات» يعطيك صورة لتكوينها وتفكيرها وطرق التأثير فيهاء ولا شك أن الواعظ يتصدى لقيادة جماعة إلى فكرة يدعو إليهاء فلابد أن يكون عالما بنفسية الجماعات: وسلعطانت العادات» وكيفف يتغلب عليهاء ويمزق أغشية الجمودء إن كانت الجماعة حامدة على باطل ء وكيف ينهنه من حدتهاء ويكفكف من غربهاء إن كانت مندفعةٍ متهورة وراء غاية باطلة .
وقد وضحنا فى صدر هذا الكتاب حاجة الخطابة إلى علمى النفس والاجتماع والاتصال الوثيق بينهماء والوعظ شعبة من شعب الخطابة» بل هو أحوجها إلى هذين العلمين.
(ز) العلم بلغات الأمم التى يعظها ويرشدهاء وذلك بدهى ى لمستيع مخاطيتها بما يصلحهاء فإنه ١ يتيسر لَه ذلك بغير لغتها.
وقد ورد فى صحيح البخارى أن النبى أمر بعض الصحابة بتعلم اللغة العبرانية لأجل خاصة بدراسة الكون وما فيه من أيات دالة على قوة الخالق وعظيم قدرتهء وجليل تكوينه» وححسن تذبيرة.
وقد دعانا القرآن الكريم أن ننظر فى ملكوت السموات والأرضء» وفى أنفسناء وفى الآفاق؛ وجعل ذلك من طرق الوصول إلى إدراك صفاته عز وجل»؛ فعلى الواعظ أن يسلك ماسلك الققرآن الكريمء فيوجه أنظار التاس إلى الكون وما فيه من أيات تدل على الوحدانية؛ وسلطان الله القاهر. ولا يستطيع أن يوجه الناس ذلك التوجيه إذا لم يكن على علم ببعض ما
فى الكون من أسرار وجلائل. ظ
(ح) الحلىء وسسعة الصدرء والتوا ضع؛ والصبر على الأذى:
فإن الجماعات التى استشرى فيها الفساد كالمريضء والواعظ لها كالطييب» وكما أن الجماعات التى أنهكها الشر» قد يدفعها تغلغله فى أحشائهاء وتمكنه من كيانها إلى أن ننال طبيب الأرواح بيعض الأذى» وتتقلم إليه ببعض السوءء فعلى الواعظ أن يلاحظ هذا. وإذا
كانت القلوب عنه معرضة؛ والنفوس جامحة: والأهواء متحكمة:» وناله من -حدة السوء بعض الأذى- فليعلم أن المهمة لديه شاقة» ويستعد مجهود عظيم يبذله؛ وليداو كلوم النفوس بالهدوء وسعة الصدر والصير ولين الجانب وخفض الجناح؛ فإن تلك الصفات رقية النفوس الشرسة؛ وبلسم الجراح الناغرة؛ وليعلم أنه ما وقف ليخاصمهم فيخصمهم؛ ولكن ليداوى فسادهم؛ فيلؤلف القلوب والنفوس الشاردة بتلك الصفات: وقد قال تعالى فى وصف التبى 82 : 3 ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفشضوا من ححمولك 4 فالرفق واللين والصفح قوام الدعوة للّهء والإرشاد إلى صالح الأعمال؛ ولذلك أمر سبحانه وتعالى بالعفو بجوار أمره بالأمر بالمعروف, فقال تعالى : « نخد العفوء وأمر بالعرفء وأعرض عن الجاهلين >.
وعظ المأمون واعظء وعنف له فى القول؛ فال له: يارجل ارفق؛ فد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر منى» وأمره بالرفق؛ فقال تعالى: ( فقولا له قولا لينا؛ لعله يتذكر أو يخشى 4 وروى أبو أمامة أن غلاما شابا أتى النبى مله فققال: يانبى اللهء أتأذن لى فى إلزنى ؟ فصاح الناس بهء فقال النبى عل قربوهء ادن منى؛ فدنا حتى جلس بين يديه عله فقال النبى ل: أتخبه لأمك؟ قال: لاء جعلنى الله فداك. قال: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم. أتخبه لابنتك؟ قال: لاء جعلنى الله فداك ؟ قال: كذلك التاس لا يحبونه لبناتهم. قال عل : أمحبه لأخحتك؟ (وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة؛ وهو يقول: لاء جعلنى الله فداك وهو عَلله يقول. كذلك الئاس لا يحبونه) ثم وضع رسول الله عله يده على صدرهء وقال: اللهم طهر - قليه » وأغفر ذنيه» وحصن فرجه.
انظر إلى ذلك الهدى النبوى الحكيمء وإلى تلك الموعظة الحسنة تصيب شغاف القلوب فتسيرها بسيرهاء وتهديهاء ولنا فى رسول الله لله أسوة ححسنة.
أقسام الوعظل إن خطب الوعظ الدينى تتشعب إلى شعب» وليكون المتصدى للوعظ على بيئة من أمر العمل الذى تصدى لهء ولينال النجاح فيه- يجب أن نذ كر تلك الشعب» ونبين طرق التجاح فى كل شعبة» فنقول: إن شعب الخطابة الوعظية أربع: نطب انجادلة فى الدفاع غن الإسلام والدعوة إليه وخطب التعليم. الدينى للعامة؛ وخطب تشبيت الإيماتث فى النفوس, وتحطب إصلاح العيوب, والدهى عن المنكرات. ظ ظ
لل يس 03
(أ) خطب الدعوة إلى الإسلام أو الدفاع عنه:
لا يتصدى لهذا النوع من الوعظ إلا ذو العقل الأريبء الخبير بشقون الجماعات وأحوال الأم» الملم إلماما تاما بالملل والنحل والأديان القديمة؛ ليستطيع الموازنة بين صحيح العقائد وسقيمهاء وحقها وباطلها؛ فإذا دعا أو جادل كان على بينة من أمره.
ويجب أن يكون فوق ذلك مرئا على الجدل؛ قوى الحجة: ناهض الدليل؛ لاا تعروه حبسة فكرية» ولا يأخذه استهواء الخصوم ومغرياتهم» ويكون من يحسن إصابة المقاتل» وخرى مواضع الضعف فى نخصمهء يأنيه منها فيصيب امحزء وفصل الخطاب.
وعند دعاية قوم إلى الإسلام يبين لهم من مباديه ما يكون أحب لقلوبهم؛ وأدنى لألوفهم: وأقرب إلى ما تقره عاداتهم؛ وما هو عندهم فى مرتبة التقديس؛ فإنه إن فعل ذلك ربط الإسلام بجليل أعمالهم؛ فيتجهون إليه طالبين» ويبحثون عنه متعرفين» والإسلام غنى بالمبادئئ التى تألفها الجماعات ويخبها؛ إذ هو دين الفطرة التى فطر الناس عليهاء ففيه مبادئ الحرية على أكمل ما تطلبه الجماعات الصالحة» وفيه مبادئ الشورى» وفيه مبادئ المساواة بشكل لم تسبق به شريعة» ولم تطمح الجماعات الإنسائية إلى أكمل منه وفيه مبادئ التعاون بين الأحاد والطوائف والأم؛ وفيه مبادئ السلامء وفيه مبادئ الرحمة والعطف الإنسانى؛ وكل جماعة ترضى ذلك وتألفه؛ فليقبس الداعى إلى لاملا قسة من طال النور يتخذ منها مصباح دعوته» ليستضيء به فى ديجور الضلال.
وإذا أنس الذاعى من يدعوهم إلفا ورغبة فى التعرف بعد ذلك؛ هجم عليهم بحقائق الإسلام كما بينها التبى له؛ وعرفهم أسرارها وحكمها وصلاحهاء وتاريخ خ الذين أقاموها؛ وكيف كانوا أعلام الأنام» وهداتهم إلى صلاح بشرى قويم.
وإذا اعترض معترض على الإسلام فهاجمه فى إحدى شرائعه أر مبادئه» وأراد الواعظ ليود عله - صم انق فى أذكلهوأيست ها الى ين م ف كلا من مال إليه.
وعليه أن يوازن. بين الإسلام ولس غيرة من الأديات وخخصوصا دين الشخص الذى يلعوه أو يناقشه» وليكن ذكر الواعظ لدين غيره من غير سب ولا لمعن » حتى لا يحنق خصمهء فيندفع فى الطعن فى الإسلام؛ ؛ وتنتقل المجادلة من مناقشة عقلية إلى مسابة للأديان» وليعتبر
2054 يبب
بقوله تعالى: 9 ولا تسبوا الذين هدعون من دون اللّه؛ قيسبوا الله عدوا بغير علم 4: وبيقوله تعالى : ( ولا تجادئوا أهل الكتاب إلا يالتى هى أحسن ».
ولنختتم الكلام فى هذا النوع من الوعظ بكتاب أرسله النبى عه إلى النجاشى ملك الحبشة يدعوه إلى الإسلام فقد قال فيه عليه الصلاة والسلام: ١بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى النجاشى ملك الحبشة. أسلم تسلمء فإنى أحمد إلييك الله الذى لا إله ألقالها إلى مريم البتول”'*؛ الطيبة: الخصينة فحملت بعيسى ؛ فخلقه الله من وواحه ونشخه » كما خلق آدم نبلمة. وإنى أدعوك إلى الله وححله ا شرياك له والموالاة على طاعته , وأن تتبعنى ) وتؤمن بالذى ججاءلى » فاإنى رسول اللّهء وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عر وجل . وقد بلغت حث له على الإسلام» فلئتقله لك لتعرف كيف كان ذلك السلف الصالح يدعو إلى الدين؛ قال رضى الله عنه: يأأصحمة"'' إن على القول؛ وعليك الاستماع: إنك كأنك فى الرقة عليناء وكأنا فى الثقة بك- منكء لأنا لم نظن بك خميرا قط إلا نلناه ولم نخفك على شئع قط إلا أمناه, وقد أخذنا الحجة عليك من فيك.
الإنمجيل بيننا وبينك شاهد لا يردء وقاض لا يجورء وفى ذلك الموقع الحزء وإصابة المفصل.. وإلا فأنت فى هذا النبى الأمى كاليهود فى عيسى ابن مريم» وقد فرق النبى عله رسله إلى الناسء فرجاك لما لم يرجهم» وأمتك على ما خخافهم عليه بخير سالفء وأجر ينتظر. فقال النجاشى: أشهد بالله أنه النبى الأمى الذى ينتظره أهل الكتاب» وأن بشارة موسى براكب الحمار- كبشارة عيسى براكب الجملء وأن العيان ليس بأشفى من الخبر. ثم كتب إلى النبى
خطب التعليم الدينى للعامة: هذا النوع من الخطب دروس دينية يلقنيها الواعظ على العامة» يعرفهم فيها أصول
( اليتول معناها العابذة. (؟) أصحمة اسم التجاشى.
أسأ لقيام الجماعة الإسلامية الفاضلةء وهذه الدروس إما بيان عقائدء وإما بيان الأحكام والفضائل .
وعليه فى بيال العقائد وإثباتها:
() أن يبتعد كل الابتعاد عن الشروح الفلسفية» فإنها تسمو على مدارك العامة؛ وتعلو على أفهامهي: وقد تدفعهم إلى الضلالة؛ لعدم فهمهم.
(ب» وأن ييتعد عن مواضع الخلاف ما استطاع إلى ذلك سبيلاء فإن ذكر الخلاف مضلة للأفهامء محير للألياب؛ مبعد لها عن الهداية.
( ج) وليعول كل التعويل على الكتاب؛ فليبين لهم أوصاف الله كما ذكرها القرآن الكريم لا يعدوه» ولا يتجاوزه» وليذكر أوصاف النبيين كما وصف الله الأنبياء» وليجعل السمع لا العقل هو الورد لمعرفة العقائد» لأن فيه النمير العذب للسقائق الدينية؛ وأصول الاعتقادء ولنا أسوة حسنة فى السلف الصالحء فقد كانوا يعرفون عقائدهم من كتاب الله سببحانه وتعالى» وثما يبينه لهم رسول الله له من غير أن يتعرضوا لمناقشضات فلسفية لا تصلح لغير دارسى الفلسفة؛ ومن تمرسوا بدراسة العلوم العقلية» ومن يجادلون فى الأديان للدفاع عنها.
وإذا كان الواعظ يعلم الناس أحكام ديتهم وفضائلهء فعليه أن يعمد إلى توضيح ذلك كل التوضيح وإن اضطر إلى القيام يبعض حركات يقوم بها- أداها لأجل التوضيح وليتصور الحكم تصورا دقيا من غير النباس؛ ولا إيهام؛ وليختر من الأحكام العلمية للدروسه ما يكون العامة مظنة الجهل به» ليكمل يذلك علمهم بالدين وتفاصيل أحكامه؛ فليبين لهم مناسك المحجء لأن أكثر الناس على غير علي بهاء وليبين لهم أحكام الزكاةء فإنه يندر من العامة من يعرق حقيقة أحكامها مع فرضيتها عليهم: ومخاطبتهم بهاء وليعلم المرشد أن علم أولتك بها عهد فى عنقه هو مسئول عنه يوم محاسبة الديان؛ وليبين لهم الأحكام يحكمهاء ليعرفوا فضل الشريعة وأسرارهاء ومراميها من أقرب طريق؛ وأتجح سبيل.
وليذكر مع الأحكام الأحاديث الواردة فيهاء والآيات الشارعة لهاء من غير أن يتعرض للاختلاف فى تفسيرها والمنازعات فى تأويلهاء فإن ذلك لا تصلل إليه أفهام العامة» فليذكر الآيات والأحاديث إحياء لهاء وتقوية للأحكام» وإقراراً لها فى النفوس» من غير أن يثير حولها مشارات الخلاف»؛ وعثير النزاع. ولقد كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يبينون للعامة أححكام الدين بالقرآن الكريمء والحديث النبوى الشريف» ويقربونها من أنهامهم ومداركهم من غير أى نخلاف» وبهذا فليسترشد المرشدوك. ظ
(ج) خطب تثبيت الإيمان وتقويته:
هذا النوع من الخطب يتجه إليه الخطيب»؛ ليقوى برد اليقين فى قلوب المؤمنين» ويثيت دعائم الإيمان فى قلوب المهتدين» ويلقى فى نفوسهم الحماسة لدينهم؛ ليستمسكوا بعروته؛ ويجيبوا دعوته. وليجعل الخطيب قوام خخطبته أحد الأمور الثلاثة الآتية أو جميعها وها هى ذه.
-١ فضائل الإسلام:
فيبين لهم فضائله. وكيف كان طريق امجد والعلو فى الدنيا والأخرى؛ وبين لهم أنه عصمة للجماعات» وحفاظ لوحدتهاء وأنه مربى الوجدانء وموقظ الضمائرء وأنه العاطف على .المسكين وابن السبيل* والداعى إلى الإخاء والحرية والمساواة» وأنه المشتمل على الشرائع التى تكون من يأخذون بها جماعة فاضلة؛ أسست على تقوى من اللّه ورضوان.
؟-الكتاب :
فيشرح يعض أيات الكتاب الحكيم المبينة حقيقة الإيمان الذاكرة أوصاف المؤمنين: وما يكون لهم يوم القيامة من منزلة؛ ومالهم فى الدنيا من مكان؛ وقد كان النبى 2 يجعل أحيانا خطبته كلها قراناء ومن ذلك ماروى فى صحيح مسلى عن أم هشام بنت -حارثة: قالت: ما أمدت (ق وإلقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله , يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا طب الناس ,
فالقران بما حف من جلال؛ وبما اشتمل عليه من إعجاز وبلاغة» وبما له من حلاوة, وما عليه من طلاوة يهز الإحساس» ويقوى الإيمان وفيه هدى للمتقين.
أخبار المؤمنين الذين صبرواء وصابرواء وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأننسهم, وله يجعلوا لغير الله على قلوبهم سلطاناً؛ لا يخشون فى الحق لومة لاثم» ولا يجعلون لرضا العبد أو غضبه مقاما بجوار رضا الله أو سخطه؛ أحلاس عيادة» وأهل جلاد وجهاد فى سبيل مأ يعتقدون .
والتاريخ الإسلامى حصب بهذه النفوس؛ فقد كان من رجاله عدد عظيم جاهد وجالد فى سبيل الله» ولم يعرف لغير الله عليه من سلطان؛ وعلى رأس هؤلاء أبو بكرء وعمرء وعثماك؛ وعلى» وطلحة» والزيير وعبد الرحمن بن عوف» وغير هؤلاء من علية الصحابة. وخلف من بعدهم ججمع من التابعين حاكوا نهجهم» وساروأ سيرهم» ومن هؤلاء. سعيد بن المسيب ؛ والحسن اليصرى» وسعيد بن جبير» وعطاء بن أبى رباح» وكل هؤلاء ممن آثروا الباقية
لل 93
على الفانية, والحق على الباطل. وذكر هؤلاء وبلائهم فى سبيل اللّه؛ وصبرهم على الأذى فى سبيل مأ يعتفدول- فيه طب القلوب» يرد شارد النفوس» ويشوى ضعيقي الإيما: وإ فى قصص أخحبارهم عفة المتعظين» وعبرة للمعتبرين. ونورا للمستبصرين؛ وهم فى حياتهم وأخحلاقهم ودينهم قدوة لأهل التقى واليقين ؛ فليكثر الواعظ من أخخبارهم فإن أخبارهم حيأة القلوب وطب النقوس»ء ودواء لأمراضهاء وما يعروها من غشاوات مادية؛ وإن لهيب إيمانهم
وما كان قصص القرآن الكريم للنبيين ؛ وصبسرهم وبلاهم إلا ل فيه من بث روح الإيمان» والصبر على البأساء والضراء فى نفوس قارئيه .
وترى من هذا أنا نبيح للواعظ القصص ولكن مع إقرارنا للقصص فى مقام الواعظ نرى أنه يجب أن يكون الواعظ القاص صادقاً متحرياً صادق الأخبار والمقبول منها؛ ويجب أن يخرج الأخبار تخريجا صحيسا؛ فلا يستتبط منها غير ما تنبيع عنه. ولا يستنيئها بغير ما تتبوع.
خطب الا صلاح ومحارية المنكرات:
فى هذه الخطب يتجه الواعظ إلى إصلاح العيوب الشائعة الضارة بامجتمعء الهادمة لبناء الأخلاق فيهء فقوام هذه الخطب محاربة المدكرات» ومقاومة الفجور ومنع الفواحش من أن تشيع . فى الذين آمنوا. ومن أجل أن يصل الخطيب إلى غايته لابد:
(أ) أن يجعل الخطبة متصدية لعيب وإحد لا تعدوه؛ لأنه لو تعرض لعدة عيوب لضعف التأثير» وما استطاع أن يصل إلى مرماه. ولذا يؤخذ على بعض خطباء المساجد أنهم فى كل خطية م خطبهم ينهوت عن المحاصى جملة واحدة» أو يحصونها إحصاع : ويكررون فى كل جمعة- والعاصى فى غيه يعمه؛ وهو علهم وعن وعظهم لاه» ولو .نخصصوا خطيهم بدل أن يعمموأ لأجدى كلامهم؛ ولأفاد وعظهم ؛ ولوصلوا إلى بعص م يريدوك»؛ أو نصبوا له. وأعظمها فيه نكراء يأحذ فى نهى الناس عنه حتى إذا اطمأن إلى نفورهم منهء وإبعادهم اله بخطبه إجخاها أخر» وهكذا حتى يثمر غرسه أينع الثمرات.
بمرتكبهع الحائقة به ال موبقة له ؛ ثم بين لهم مشارة باجتمع؛ ويصور لهم حال جماعة مر
ال سس
الناس فشا فيها هذا المدكر كيف تكون؛ ويستعين على ذلك بضرب الأمثال ومقايسة الأشباه والنظائر» ثم يصور لهم حال المجتمع وقد انتهى عن هذه المأئمة» ونفى عن نفسه أوضار ذلك المنكرء ويذكر فى هذا المقام حال السلف الصالح؛ وما كانوا عليه من إصلاحء وما تالوه من حظ عظيم فى الدنيا والأخيرة بسبب الايتعاد عن ذلك المنكرء وأشباهه.
وبعد هذا البيان السابق يتجه إلى "كتاب الله سبحانه يبين ما فيه من دلالة على قبح ذلك المنكرء والآيات الواردة فى الترهيب منهء والترغيب فى نقيضه: وبمثل ذلك يستعين بحديث رسول الله عل والمأثور عنه» ويبين هديه عليه الصلاة والسلام؛ فخير الهدى محمد تله.
الإنشاء الدينى
فى الخطب الجدلية التى تشتمل على دعوة إلى الهداية المحمدية يتحرى الخطيب أن يتكلم بلغة من يدعوهم؛ ليستطيع أن يضع أفكاره فى الألفاظ التى تدل عليها دلالة محكمة من غير احتمال لغيرها؛ ولتكن عباراته واضحة القصد بينة المقصد؛ لا التباس ولا غموض ولا إيهام» ولتكن بأسلوب رائق جذاب؛ شفاف عن معاينة» وألفاظ تثير الخيال و#تذب النفس.
وفى الخطب التعليمية يتحرى الخطيب أن تكون عبارته واضحة الصور فى أذهان الناس من غير أى تنميق أو تخسين: فمقصده الأول أن تنتقل معانيه إلى أخيلتهم؛ فيتصوروها كما تصورها هوء وإن اضطر فى سبيل ذلك إلى أن يكون درسه كله بالعامية فليفعل؛ لأن الغرض من هذا النوع من الخطب التفهيم لا التأثيرء وتوضيح الفكرة لا تزيينها.
وفى نطب تثبيت القلوب تختار الألفاظ القوية الرنانة التى تثير فى النفس معانى قدسية روحية » وتذهب بها فى مجال المعنويات وتتجرد بها عن قيود الجسماتيات» وتخلق بها فى سماء الحقيقة» فعلى الخطيب أن يختار ذلك النوع من الألفاظ» وفى مواعظ النبى #؛ ومواعظ السلف الصالح من ذلك الشئ الكثير. .
وفى خطب النهى عن العيوب وطلب الإقلاع عنها ينوع الخطيب عباراته» فتارة يختار الألغاظ القوية التى تهز الحس هزاً عنيفآ إن أراد تخذيرهم بالترهيب من سوء العقبى» وتارة يختار الألفاظ السههلة الليئة الرقيقة إن أ راد اججتذابهم إلى السير فيما فيه -حسن المآل» وطورا يشرح بلغة لا تكلق فيهاء وكأنها حديث معتاد إذا أراد أن يأعمذ بأيديهم ؛ ويضعها على الحقائق مجردة من غير إنذار» ولا تبشير. ْ
والله الهادى إلى سواء السبيل.
١ 8
الخطب العسكرية
هى الخطب التى يلقيها القائد على جنده ليثبت قلوبهى» ويلقى الحماسة فى نفوسهم» ويدفعهم فيها إلى حياة شريفة أو إلى موت عطر الذكر.
ولهذا النوع من الخطب أثر عظيم فى الحروب؛ فهو الذى يقوى روح اللجتد المعنوية؛ والقوة المعئوية لها الأثر العظيم فى الانتتصارات» كذلك يحدثنا التاريخ» وبذلك تنطق الحوادث الآأن. فما كانت النصرة فى الماضى بالذخيرة والعدد؛ ولكن بالتأبيد والتثبيت وقوة الروح؛ وعظم الثقة بها وبالله. ظ
قال بطل الحروب تابليون: إن نسية القوة المعنوية إلى القوة المادية فى الاتصار كنسبة ١ ١ء وقال قائد ألمانى محننك: لا تزال القوة المعئوية هى العامل الحاسم فى الحروب فى العصر الحاضر كما كانت فى الغابر» ولا ريب فى أن الخطب العسكرية لها الأثر الواضح فى تقوية الروح المعنوية .
2( بيان شرف الغرض الذى من أجله يحاربوت؛ ويتقدمون إلى مواطن الردى» حيث تخضب الأرض بالدماء؛ فإن كانت الحرب دفاعا عن وطن فى خخطر يبين ما فى السكوث من ذلة وعار ودمار. وإن كان يدافع عن عقيدة بين ما فى الخذلان من نشر للفسادء وما فى الانتصار من إقامة للحق والفضيلة. ظ ١
(ب) وبيان الأثر الحسن لمن يتقدم لهذا البلاء بثبات جأش» وقوة جنان؛؟ فإما انتصار وعزة وفخار وشرف عظيمء وإما موت وذكر عطر بالثناء؛ إذ يكون له من جهاده لسان صدق فى
الصالحين. (ج) وبيان أنه لا يأمر بالقتال» ويمتع بدمه؛ بل إنه يتقدمهم يوم اللقاء والزحف ليكون له منهم القدوة الحسنة .
ويجب أن تكون الخطبة بصوت جهورى رزين» قوى-النبرات» وعبارتها حماسية نارية تلهب الإحساس بالحمية والرغبة فى اللقاء. وألفاظها تثير الآمال» وتسمو بالخيال إلى مواطن
الشرف والكبرياء فى الجندية. وليتحر الخطيب الإيجاز؛ فإن الألفاظ الموجزة متحفظء وتطبع فى
انف »وق أ أو بكر رض ال عه يدبن فى فيان عند رسله على رأس جيش أن
من أل الخطن المسكية خطة لمم على بن أى طالب رض الع فى جنا قبيل موقعة صفين وقد جاء فيها:
اعلموا أنكم بعين اللهء ومع ابن عم رسول الله مله؛ فعاودوا الكرء واستحيوا من الفر؛ فإنه عار فى الأعقاب, ونار يوم الحساب. وطيبوا عن أنفسكم نفسأء وامشوا إلى الموت مشيا سيلا , ' وعليكم بهذا السواد الأعظمء والرواق المطنب”"' فاضربوا ثبجه”"“ ء فإن الشيطان كامن فى كسره”'؛ قد قدم للوثبة يداء وأخر للتكوص رجلا؛ فصمدا صمداا»؛ حتى ينجلى لكم عمود الحق» وأنتم.الأعلون: والله معكمء ولن يتركم '' أعمالكم؛ .
1 لقي الج السهل ول أذ يسينا ل لوت بيات راطما
لد الرواق ككتاب وغراب الفسطاط ؛ والمطنب المشدود بالحيال. والسواد الأعظم جثد الشام والرواق فسطاط معاوية ,
(؟) السبج الوسط .
() الكسر اراد به هنا الجانب .
(6) الصمد. القصد.
٠: ) يتركم: ينقصكم.
حلب لفن
المحا ضرات العلمية العامة
قد رأت الجامعات فى اليلاد الراقية أن تمد جماهير المتعلمين بالبحوث العلمية تنويراً لأذهانهم: وتثقيفا لهمء وترقية للرأى العام ونشرأ للعقافة فى رلوغ البلاد. ذيرىق بعص الذين تهمهم مصالح بلادهم ونشر الأفكار الناضجة بين أهليها أن يتقدموا بالبحوث العلمية يلقونها على الملا من المثقفين: ولذا تكثر المحاضرات العامة فى البلاد المتمدينة.
وهذا النوع من المحاضرات تقرب فيه المسائل العلمية» وتسهل فيه الأفكار» وجتذب الأسماع؛ ولذا يعد من أنواع الخطابة؛ وإن لم تكن بحوثه من الموضوعات الخطابية.
ويلاحظ فى الخطب العلمية ألا تفقد صيغتها العلمية. ولا روحها الفكرية» ولذا يعجب أن يقل الخطيب فيها ما شير الغضب أو الحزن أو الحماسة؛ فما وقف ليثير أشجانهم أو أفراحهم؛ ولا يحفز هممهمء؛ اويلهب حماستهم. ولكن وقف لينمى عقولهم, ويمدها بخلاصة لما وصل إليه الفكر البشرى فى ا موضوع الذى يطرقه.
وليس معنى ذلك أن يخلى كلامه وإلقاءه من الطرق الخطابية؛ بل معتاه ألا تسيطر المظاهر الخطابية على الحقائق العلمية؛ فتطمسها أَوَ تبعثرها وسط الجو الخطابى؛ فعليه أن يتخذ سن الخطابيات ما يساعد على تثبيت المعلومات فى الرءوس: وإثارة الانتباه؛ وإيقاظط الشوق إلى ما يقول؛ فالخطابيات هنا وسيلة لاغاية؛ وأمة للحقيقة لا سيدة لها. علوم تلك البحوث؛ لأن المحاضرة تلقى على الجماهير المتعلمة إلى حدء وقيهم الفاهم للمصطلحات» وغير العارف لهاء فإلقاء المحاضرة بالعبارات العلمية الجافة الغامضة على غير أهلها موجد لسأمهمء ذاهب برغبتهم. فيجب الانجاه إلى العبارات اللألوفة وتسهيل الأفكارء وتقريبها من المعروف» وضرب الأمثال والمقايسات بين ما يعرفون وما يريد أن يعرفوه. هو شائع بينهم من الأفكار والاراء؛ وما هو بصمدد إلقائه عايهم؛ ليجذب نفوسهم؛ وليثير تفكيرهو إلى ما يريد قوله: ولا ينى فى ألناء محاضرته عن أن يقرب كل فكرة إلى ما يعرفون
4 ا
ما استطاع إلى ذلك سبيلاء وما أمكنته الفرصةء وبمقدار ما تواتيه الحقائق العلمية فى هذا المقام . ْ
إلقاء المحا ضرة:
يستحسن بعض امحاضرين أن يلقى محاضرته من قرطاسء لكيلا تذهب الحقائق العلمية فى تيار الحماسة الإلقائية إن اعتمد على الخطابة من غير قرطاس؛ ولكى يكوك التعبير عن الحقائق دقيقا محكما. وقد وافق موريس أدم مع تشديده فى الارشجَال على كتابة الحاضرات وإلقائها؛ لأن الاريجال فى الخطب السياسية أو ما شابهها.
ويرى بعض المحاضرين أن أحسن إلقاء للمحاضرة الإلقاء من غير قرطاس؛ ليستطيع المحاضر الإشراف على السامعين؛ فيتبع حركات أفكارهم» ويستطيع بهذا الإشراف اجتذايهم: ولأن الإلقاء من ورق من شأنه أن يوحى بالملال والسأم.
ونحن نرى إذا عول الجاضر على الإلقاء من الورق أن يتركه وقتاً بعد أخرء ويعتمد على ذاكرته» ليستطيع الإشراف على السامعينء وليتصل بهم روحياء وليمنع سأمهم؛ وعند القراءة يجب ألا يجعل كل نظراته فيما يقرأء بل يكون بعضها فيما يقرأ؛ وبعضها يتسجه به إلى النامعين» فيبذأ بأول الجملة ونظره فى القرطاس» ويتتهى منها ونظره إلى السامعين» وهكذا فى كل -جملة»ء وبذلك يجمع بين الحستيين من كلتا الطريقتين.
وننبه هنا إلى أن الحركات والإشارات يجب أن تكون قليلة جداً فى المحاضرات العلمية. وبعض الحاضرين لا يعتمد مطلقاً على الحركات فى محاضرته. ومع ذلك ييلغ بها حد الكمال فى الإلقاء والاجعذاب.
10
خطب التأبين ظ
الخطب التى تقال فى مناقب الرجال عند وفاتهم وفاء لهم على ما أسدوا من جميل وحسن صنيع» وحثا للسامعين على اقتفاء أثارهم. عزاء للمكلوسين بهم» أو مشاركة فى الحزن لهم» أو للإشادة بذكرهم؛ لأن فى إظهار مناقبهم فخرا للرائين» أو إظهار الألم والأسى.
وخطب التأبين قسمان: قسم مخليلى تدرس فيه نفس الرجل» وأتخلاقه وأعماله وآثاره العقلية أو غير العقلية. وهذا من قبل المحاضرات العلمية فله خواصها ومظاهرها. وقسم لمجرد الثناء والمدحء وذكر المناقبء ولواعج الألم. وأحسن مسالكه:
() أن يبدأ الخطيب خخطبته بتلاوة آية من القرآن الكريم أو حديث نبوى شريف أر بيت شعر أو حكمة تشير إلى زوال هذه الدنياء وأن ما فيها إلى فناءء لا إلى دوام وقرار.
(ب) ثم يبين ألم الفقد الذى نال الناس بموت ذلك العظيمء والرزية التى عمتء ولم تخص» والكارثة التى شملت الجميع لفقده حتى إذا أثار فى هذا شجون العيون.
(ج) انجه إلى مناقب المتوفى فذكرها ثم إلى آثاره التى خلفها فى أمته فبينها؛ مع الأيادى التى قدمها للأجيال.
(د) ثم يبين الذكر الحسن الذى أعقبه» واللسان العطر الذى يتحدث به الناس عنه.
(ه) ثم يتتقل من هذا إلى حث السامعين على اقتفاء أثره؛ والسير على منهاجه: والعمل بمثل ما عملء وبهذا يختتم قوله.
وألفاظ الخطابة التأبينية تكون من الألفاظ السهلة لا الألفاظ الفخمة؛ والأساليب العذبة من غير لين ولا ضعف هى أحسن الأساليب لخطب التأبين: لأن الرثاء حديث النفس بالألم والحزت. ْ
وينجب أن يكون فى نبرات الصوت ونغماته ما يشعر بالحزن العميق؛ وينبئ عن الألم
الدفين.
ومن أجود الخطب التأبينية ما قاله على بن أَبى طالب فى رثاء أبى بكر الصديق رضى الله عنهء وقد تقدم فى بيان إثارة الأهواء والميول.
الاي _ حبحب
خطب المدح والشكر
خطب المدح قسمان: قسم تاريخى تقريرى؛ كمدح عظماء الرجال فى حياتهم لا للزلفى إليهم والتقرب منهم بل دراسة لأحوالهمء وبيانا لصغاتهمء وتقريراً لمذاهبهم؛ وهذه إما علمية تخليلية إذا كان الغرض منها البحث والتحليل» ورد الأمور إلى أسبابهاء والمقدمات إلى تنائجهاء وإما سياسية إذا ,كانت للدعوة لمذهب العظيم السياسى. والأولى تلحق بامحاضرات العلمية؛ فلها طرائقها ومسالكهاء والثانية تلحق بالخطب. السياسية؛ فلها خواصها وطرق النجاح
والقسم الثانى من قسمى المدح يكون بذكر المناقب والصفات إعلاء لشأن الممدوح وتشريفاً له لا بتفاء منفعة منهع أو لأظهار شعور ه تمحوه: وما يكنه له من إجلال وا-حترام .
ويسلك الخطيب المادح مر الطرق مأ يراه أقرب لوصف ملو جه وصفاً حقيقيا: فإن أثقل أنواع المدح ما كان الكذب فيه ظاهرا.
فعليه أن يبين بصدق:
١ - سجاياه وأخلاقه وصفاته التى رفعته وأحلته فى تللك المنزلة السامية.
؟- ثم يبين أياديه البيضاء على الجماعة التى يعيش فيهاء وفضله عليها إن كان له عليها فضلء وعليه إن كانت له عليه أياد. ظ
31- ولا مانع من أن يذ كر شرفه النسبى وفضل أسرتهء ونيلها وكرمهاء وما اشتهرت به من صفات سامية جليلة القدر إذا كان يمن لهم شرف نسبى» فإن كان ممن سودتهم نفوسهم العصامية فليكتف بالإطناب فى صفائه الشخصية وأخلاقه وعلومه وسجاياه.
وخحطب الشكر يسلك فيها نفس المسلكء ويزاد عليه أن يطنب فى ذكر النعمة التى أسداها الممدوح إلى الشخص» وطريقة إسدائهاء ووقته» وتصدر تلك الخطب عادة يذكر نعم الممدوح وفضله عليه .
والله ولى الدعم» وولى التوفيق.
الالال ااا ||| ااا 1 1 الام | ااالا] ل اللا 0 ا 0
#ادك 3
ل 02
لل
3
ذا ١! اما
!!!1 ةااة!!!)!!!!!!! ب
١ 0000 تاريخ الخطابة العربية روود
له
فى عصور ازدهارها
و ]| كار لا الاسام لا اعبار اكور لا
لسر
0 7
1 هط ١ 1
1١0 ا * ل ١ 7
يل
لا
0
007
0 , اا || |١١١١|
يبي !ل
الخطابة فى العصر الجاهلى الحاجة إليها
كل ظاهرة فى الأمة ترجع إلى عاملين: عنصرهاء والبيئة التى أظلتهاء ولذلك يجب أن نلم إلمامة موجزة فى هذا المقام بمزاج العربى وبيعته؛ لنعرف هل فيهما ما يدعو إلى الخطابة والبيات ؟
البلاد العربية أكثرها صحراء جرداءء يندر فيها النبات والماء» وتكشر الجبال والوهاد والرمال ورمضارها؛ ولذلك كان سكان هذه الصحراء فى شظف من العيشء وقلة من الزاد واكتفوا من الحياة بالكفافء ورضوا بالقناعة. واطمأنوا إلى الخشونة مع العزة» ولعدم المواصلات فى الصحراءء وتقطع أسباب الاتصال؛ لم تكن عند سكانها جامعة جمعهم نحت حكم دولة واحدة» بل كانت كل قبيلة كأنها أمة وحدهاء تخضع لزعيمهاء وتقدم له الطاعة؛ وله فيها الكلمة النافذة؛ وما كان احتيارهم زعيما لهم إلا تنفيذا لقانون الاتتخاب الطبعىء إذ يرأس القبيلة أقواها عقلاء أو أشدها فى الهيجاء بطشاء أو أكثرها تمرساً بتجارب الحياة» وفتوتها. وعلاقة القبيلة بمن سواها من تنازع على مواقع المطرء ومواطن الكلاًء أو احتكاك صغير قد يرث عداوة» ويخضب الأرض بالدماء .
وأطراف البلاد العربية؛ كالحيرة واليمن» والجزء المسكون بقبائل عربية من الشام فيها حصب عظيمء ولذا تكونت بها حكومات؛ ولكن هذه الحكومات قبيل الإسلام كانت واقعة تخت سلطان فارس والروم؛ , ولابد أن نتعصور أن الخضوع للأجنبى ليس من طبع امربى» ولا يلائم فطرته» لذلك كان أولئك العرب الواقعون تحت سلطان الأجنبى فى تململ» راغبين فى الانسلاخ من سلطانه .
ومكة المكرمة وما حولها للخصب القليل بهاء ونا كان يفد به الحجيج عليها من خيرات وثمارء ولوقوعها فى الطريق الموصل بين اليمن والشامء واتخار قريشء لهذا كله كان بها ثروة» وسلطان» وشبه حكومة» الرياسة بفيها لأكبر بيت فى قريش» وكان بمكة المكرمة دار
ندوة يجتمع فيها زعماء العرب؛ وأقيالهم من كل نواحى البلاد.
هذه إلامة موجزة ة أشد الإيجاز لبيئة العرب وأحوالها- أما العربى فعصبى حاد يثور لأتفه
الأسباب» ويحطل السيف عند أول نداءء إذا استولت على رأسه فكرة نفذهاء من غير تدبر
2100
للعواقبء أبى لا يرضى ضيماء ولا يسكن إلى ذل» جواد كريم» يؤثر على نقسهء ولو كان به خصاصة وفقرء يرعى حرمة الجوارء ويفى بعهده؛ قال فيه بعض الفرخحجة: إنه نبيل بفطرته: وقد مكنته صحراؤه» وضعف السلطان فيهاء من أن يعيش عيشة فروسية» اعتماده فى الحماية على سيفهء لا على حكومة حّميه: ولا دولة ترعاه» وقد كان فيه بعض المساوئع؛ سبيها له جهله وأميته» أو فقره» وإدقاعه: كقتل الأولادء خخشية الإملاق» والحاجة.
هذا هو العربى) وتلك حياته وبيغته؛ وهى لعمرى حافزة إلى الخطابة مستثيرة البيان الرائع .
فالتنازع المستمرء والحروب الدائمة الناشبة بين سكان الصحراءء» تستدعى بياناً يثير روح الحارب أكثر من قول -حافزء وعبارات تهز أوتار القلوب.
انظر إلى كلمة هانيع بن قبيصة قبيل موقعة ذى قار.
يأمعشر بكر هالك معذور نخير من ناج فرورء إِنْ الحذر لا ينجى من القدرء وإن الصبر من أسباب الظفر» المنية خير مرخ الدئية» واستقبال الموت خير من أستدياره.؛ والطعن فى خر النحور أكرم مته فى الأدبار والظهورء يأآل بكر قاتلواء فما من المنايا بد.
انظر إلى هذه الكلمة كيف دفعت العرب إلى لقاء جنود فارسية وكان لهم عليها الغلب!.
وكثيراً ما كان يعقب حروب العرب التى كانت تقع فيما بينهم صلح تقوم به إحدى القبائل التى لم يكن لها فى الخصومة ناقة ولا جملء أو أحد الأشخاص ذوى النفوذ» والعقل الراجحء كما فعل هرم بن سناك؛ والحارث بن ععوف عندما أصلحا ذات البين بين عبس وذبيان؛ بعد أن كادوا يتفانون. ومجالس الصاح تبين فيها أضرار الحرب؛ ووشائج القريى بين القبيلتين المتنازعتين؛ إن كاتت؛ وذلك لا يكون إلا بالخطابة» أداة الترغيب فى النافع؛ والترهيب من الضار الويع. وتعصب كل عربى لقبيلته يجعله يفتخر بصفات أبطالها من شدة يطش»ء وقوة بأس» وثبات فى الهيجاء؛ وصبر على اللأواء» ووفاء للعهندء ورعاية للجوار» و[كرام للضيفء وذلك تارة يكون بشعر قوى» وأخرى يكون يكلام خطابى مبين.
والعرب مع تفرقهم» وانقسامهم: وتوزعهم فى الصحراءء وتمزقهم فيها كل بمزق» كانوا أمة واحدة؛ قال فيهم الجاحظ : العرب كلهم شئ واحد؛ لأن الدار والجزيرة واحدة؛ والألاق والشيم واحدة؛ وبينهم من التصاهر والتشايكء والاتفاق فى الأخلاق: وفى الأعراق: ومن جهة الخثولة المرددةء والعمومة المشتبكة» ثم المناسبة التى بنيت على غريزة التربةء وطباع الهواء والماءء فهم فى ذلك شيع واحد فى الطبيعة» واللغة والهمة والشمائل» قالوا: والشاكلة من جهة الاتفاق والطبيعة والعادة بما كانت أبلغ وأوغل من المشاكلة من جهة الررحم. وقد كان العرب يشعرون بهذه الوحدة الطبعية؛ ويحنون إلى تقويتها بجمع كلمتهم؛ وقد قوى تلك الرغبة فيهم محاولة الفرس إذلالهم؛ ومحاولة الحبشة قبل الإسلام الاستيلاء على الكعبة» موطن تقديسهم؛ وطمع الأجانب فيهم ؟ لذلك استدعت الحال أن يكوك بينهم خطباء» يدعوث إلى هذه الوحدة الجامعة .
وإذا علمت أن العرب كانت لهم دار ندوةٌ يجتمعون فيها ويتشاورون ويساجلون ويقررون ما يرونه صالحاًء ولهم أسواق هى شبيهة بالمتتديات الأدبية» كانت منابر عامة تروج فيها بضاعة الكلام البليغ» وتزجى فيها غيرها.
كانت فى العرب مساوئ كما أسلفناء وكانت بالغة الحد الأعلى من الشناعة وقد نعاها القرآن الكريم عليهمء وكان بعضهم يستنكرها منهم قبيل الإسلام؛ لذلك تصدى هؤلاء للدعوة بخطب رائعة إلى الفضيلة» والحث عليهاء ونبذ العادات السيئة» والخرافات الباطلة؛ وربما كان أظهر هؤلاء الدعاة أكثم بن صيفىء وقس بن ساعدة الإيادى.
وقد كانت قوة إحساس العربى؛ وشدة حميته» واندفاعه؛ ومعيشته فى الصحراء صافية السماءء ومن أعظم الدواعى للخطابة» والايجاه إليها؛ فإن قوة العاطفة تدفع ذا البيان إلى تبيانها؛ قال الأستاذ كركوس فى كتابه (فن التكلم فى الجمهور) : تصور راعياً يسوق نعمه فى الخلاء؛ قد حيته ابتسامة الفجرء وهو يفتح للشمس قصره الذهبى؛ أو ناجاه الشفق الوردى» وهو يخلع على الكون رداء السكونء وانظر أى أثر يكون لهذا المشهد فى نفسهء فقد يقف صامتا جامداً مأحوذا بروعته وجلاله» أو يتناول مزمارهء وينفخ فيه زاهراً وطربآء وإذا كان خطيبا يرفع رأسه وعينه ويدعو إليه قوى الوجود الخفية؛ باحثا عنها فى الريح العاصفة» أو الموجة الثائرة» أو الخصن المائل مع الهواء» أو المسخرة الصماء. ومن هذا ترى كيف تكون قوة العاطفةء مع المنظر الطبعى الذى يهر النفس البشرية» وبأعحذ بلب: العاقل» دافعة إلى البيان الرائع إن تهيأت أسبابه؛ وقد جعل الله للعربى من أميته سبيلا لفصاحته.
وفى الجملة إن حياة العربى فى الصحراء كانت حياة فروسية» وقوة شكيمة»ء دفعته إلى البيان دفعاً. قال الأستاذ المؤرخ جورجى زيدان فى الجزء الأول من تاريخ آداب اللغة العربية فى بيان تأثير الخطابة فى ذوى الفروسية: ويغلب تأثيرها فى أبناء عصور الفروسية» وأصحاب التفوس الأبية طلاب الاستقلال والحرية... ولذلك تشابهت جاهلية العرب» وجاهلية اليونات من هذا الوجه؛ لأن كليهما أهل شعر وخطابة» وأهل إباء واستقلالء: ولذلك أيضاً كانت اللخطابة رائجة عند الرومان» مع تأخر الشعر عندهمء أما العرب فقد قضى عليهم الإقليم بالحرية والحماسة: وهم ذوو نوس -حساسة مثل سائر أهل الخيال الشعرىء فأصبح للبلاغة وقع شديد فى نفوسهم ؛ فالعيارة البليغة تقيمهم وتقعدهم؛ بما تثيره فى خواطرهم من النخوة.
مو ضوعات الخطابة كانت موضوعات اللخطابة أثراً للدوافع التى دفعت إليهاء وثمرة لهاء ولكن يجب أن نقول: إن العرب قد أثر عنهم القول فى موضوعات دفعت إليها العوامل السابقة» وموضوعات أخرى قد ساد لديهم القول فيهاء ومهما يكن من الأمر» فالموضوعات التى تعرضوا للقول فيها منها. -١ إثارة الحمية» وإيقاظ الحماسة» وتثبيت القلوب: وقد ضرينا لك مثلا نخطبة هانىء بن قبيصة فى موقعة ذى قار.؛ وفى الواقع أن العرب قد قالوا فى هذا أبلغ كلامهم: وأصدق عبارات دالة على قوة شكيمتهم وإقبالهم على الموت بنفس قوية» وبأس وحمية:» وطبعى أن يكون الحث على القتال» والحض على اللقاء؛ أعظم أغراض القول فى أمة تعمد القبيلة فيها إلى السيف فى الذود عن حياضهاء والدفاع عن شرفهاء ولا حاكم يردع المعتدى» ويزجر الطاغى» بل طبعى أن يكون البأس فخار العريى؛ والشجاعة شرفه؛ وأن يكون كل قول خطابى يتعلق بالشجاعة والقتال أروع بيانهم؛ لأن البدوى أخحص صفاته البأسء والقوة والبطش؛ فلا غرابة فى أن تكون أعظم موضوعات بلاغته. << "الصلح: كثير ما كانت الحرب تنتهى بالصلح بين المتحاربين كما أسلفناء ينهض به ذوو الرأى والحزمء فيحسمون الداء» ويقضون على العداوة التى كانت بين المقاتلين» ومن أعظم الخطياء؛ الذين امتازوا بالقول فى هذا المقام أكثم بن صيفى» فكثيرا ما كانت ترد على لسانه فى خطبه
لل ااا 9د
التى تشبه الدر المنشور مضار الحرب» ومساويها الوبيكة» ونفع الصلحء وعواقبه المريئة؛ وقد يغلظ فريق القول مع أخخرء فتوشلك نيران الحرب أن تتأجج» فيدخل أحد الناس للصلحء ويقول من الخطب ما يتاسب المقامء كما وقع بين سبيع بن الحارث وميثم بن مثوب أمام مرئد الخير من الخاصمة (الامالى جب!ا ص ؟45. ؟- المفاخرة والمنافرة: وقد يتحدث رجلان فى أمر صغير أو كبير؛ فيتلاحيان» ويشتد فخر كل منهما على صاحبه؛ فيتحاكمان إلى شخص أو جماعة؛ ركل يتقدم بفخره؛ ومكان شرفه؛ فيدلى به على ممع من ذويه: ومن ارتضاه حكماء وتسمى هذه منافرة» وقد كانت كثيرة لدى العرب» ومن ذلك منافرة علقمة بن علاثة» وعامر بن الطفيل حنادثا ثم تهاجياء ثم تنافرا على مائة من الإبل» يعطيها للحكم أيهما نفر عليه صاحبه» وكانت منافرتهما إلى هرم بن قطبة» فألقى كل منهما من بليغ القول ما رأى فيه فخارا له على ملا من قوميهماء وفى المنافرات كهذه المنافرة ميدان متسع للخطابة» والبيان الرائع . 4- الدعوة إلى الفضيلة ونبذ الخرافات: .. وقد كان هذا من ميادين القول؛ إذ وجد من العرب مصلحون حكماء: رأوا ما عليه أقوامهمء من انحدار فى بعض الشرورء وامتلاء رؤوسهم بالخرافات والأوهام الصادرة عن الجهل الموبق؛ وقد "كانت دعواتهم مد نفوسا مصيخة وقلوبا صاغية؛ ومن هؤلاء قس بن ساعدة؛ وجمع من خخطباء عبد القيس وإبادء وأكثم بن صيفى» وكعب بن لؤى جد النبى 2 ؛ ومكان هذه الدعوة الأسواق التى كانت تعد منتديات العرب الأدبية كما ذكرنا. د الدعوة إلى الوحدة العربية: وكثيرا ما كان ذلك فى دار الندوة» وفى وفود العرب على رؤساء القبائل» وزعمائهاء والملوك من العرب» وربما كان يقع منها شئع فى الأسواق التى كانت فرصة اجتماع تتلافى فيه القلوب المتنافرة» وقد اشتدت الدعوة إلى الوحدة العربية قبيل البعث النبوىء عندما اشتد طمع الأجنبى فيهمء وهاجمهم فى موضع تقديسهمء كما ذكرنا. وانظر إلى خخطبة عبد المطلب جد النبى مله أمام سيف بن ذى يزن؛ عندما ذهب إليه فى وفد من قريش» بعد أن أجلى الحبشة عن بلاد بالعرب» انظر إلى هذه الخطبة تر فيها دعوة جريئة إلى الوحدة العربية» جاءت فى ثنايا المدح والثناء!.
يسبب
1- الرثاء والعزاء:
العربى حساس كما قلناء وقد يدفعه ألم الفقد» فينطق لسانه ببيان محامد من فقدهء وموضع الالام فى نفسهء والرثاء ميدان واسع للقول البليغ» يكشف فيه اللسان عن ألم اللوعة؛ وحزها فى النفس» إذ ينفتق بما انفطر به القلبء وانشقت المرائرء وقد يجوع العزاء بالسلوان» وتصغير الدنياء والامهاء كما قال أكثم بن صيفى معزيا عمرو بن هند فى أخيه:
أيها الملك؛ إن أهل هذه الدنيا سفرء لا يحلون عقد الترحالء إلا فى غيرهاء وقد أتاك ما ليس بمردود عنك؛ ورحل عنك ماليس براجع إليك؛ وأقام معك من سيظعن عنك؛ ويدعك. إن الدنيا ثلاثة أيام: فأمس عظة» وشاهد عدل» فجعك بنفسهء وأبقى لك وعليك حكمه؛ واليوم غنيمة؛ وصديق أناك؛ ولم تأتهء طالت عليك غيبته» وستسرع عنك ررحلته» وغدا ا تدرى من أهله» وسيأتيك إن وجدء فما أحسن الشكر للمنعم؛ والتسليم للقادر» وقد مضست لنا أصول نحن فروعهاء فما بقاء الفروع بعد أصولها؟ واعلم أنه أعظم من المصيبة سوء الخلف منهاء وخحير من الخير معطيه؛ وشر من الشر فاعله.
لا- الو صايا:
قد يشارف العظيم فى قومه على الموت» فيحس بالمئية: فيوصى بنيه وعشيرته» يما يجب أن يكونوا عليه» وقد يرى زعيم القبيلة أن ا موت يدب فى جسمه دبيباء فيجمع قومهء وخاصته: ويلقى إليهم بما يكون كعهد بينه وبينهم» وقد حفظت الآداب العربية للعصر الجاهلى كثيراً من الخطب فى الوصايا بلغت قمه البيان» من ذلك وصية ذى الأصبع العدوانى لابنهء وأوس ابن حارثة » ووصية أكثم بن صيفى لقومه.
4- خطب الزواج:
تعود الأشراف عند زواج ذويهمء أن يتقدم ولى الزوج إلى وليها بيخطبة» يطلب فيها يد موليته؛ ويبين مزايا الزوج» وبرد عليه وليها بخطبة كذلكء ويسمى هذا النوع من الخطب خطب الأملاك» ومن ذلك نخطبة أبى طالب عندما تقدم يطلب يد السيدة خخديجة بنت خويلد للنبى جل . ظ
مرتبة العرب فى الخطابة
يعد كثير من الأدباء العرب فى المرتبة الأولى من البيات» والمنزلة السامية فى الخطابة» وقد
ذكر ذلك أبو حيان فى مقابساته؛ إذ قال حاكياً عن أبى سليمان: سمعته يقول نزلت الحكمة
ل
على رعوس الروم» وألسن العرب وقلوب الفرسء وأيدى الصين,إ:وقال: الحرف”'' الذى يدعى فى العربية وينسب إلى الأدب موروث من العرب» وذلك أن أرضها ذات جدبء؛ والخصب فيها عارض» وهم من أجل ذلك أصحاب فقرء وضرء وريما دفعوا إلى وصال”'2 وطى”" ؛ وكل من تشبه فى كلامهم وطريقتهمء وعبارتهم؛ ارتضع ما هو غالب عليهم.. ألا ترى أن الشبع غريب عندهم ؛ والرعب مذموم منهم» وهذه هى الحال التى فرقت بين الحاضرة والبادية؛ وقد زادتهم جزيرتهم شرأء لكنهم عوضوا الفطنة العجيبة؛ والبيان الرائع؛ والتصرف المفيد» والاقتدار الظاهر؛ لأن أجسامهم نقيت من الفضولء ووصلوا ببحدة الذهن إلى كل معنى معقول: وصار المنطق الذى بان به غيرهم بالاستخراج مركوزاً فى أنفسهم» من غير دلالة» بأسماء موضوعة؛ وصفات متميزة؛ بل فشا فيهم كالإلقاء والوحى ؛ لسرعة الذهن» وجودة القريحة,
أ ونرى من هذا أنه يثيت للعرب أن الحكمة جرت على السنتهم: وأنهم موصوقول ببحدة الذهن» والبديهة الحاضرة» وأن المعنى الجيد يسارع إلى خواطرهم كالوحى» والإشارة السريعة, لجودة قريحتهم؛ وكل تلك الصفات تضعهم فى المرتبة الأولى من الخطابة»
وقد ادعى مثل هذه الدعوىء وزاد عليها أن العرب لا يساميهم فى منزلتهم الخطابية أمة من الأم» الجاحظ) إذ يقول فى البيان والتبيين؛ وجملة القول: إنا لا نعرف الخطب إلا للعرب والفرسء» وأما الهندء فإنما لهم معان مدوئة» وكتب مجلدة: لا تضاف إلى رجل معروف: ولا إلى عالم موصوفء وإنما هى كتب متوارئة» وأداب على وجه الدهر سائرة مذكورة؛ ولليونان فلسفة؛ وصناعة منطقء وكاك صاحب المنطق نفسه بكي اللسان» غير موصوف بالبيان: مع علمه بتمييز الكلام» وتفصيله ومعانيه وبخصائصه؛ وهم يزعمون أن جالينوس كان أنطق الناس» ولم يذ كروه بالخطابة؛ ولا بهذا الجنس من البلاغة. وفى الفرس خطباء إلا أن كل كلام للفرس» وكل معنى للعجمء فإنما هو عن طول فكرة وعن اجتهاد وخلوة وعن مشاورة؛ وعن معاونة؛ وعن طول التفكير» ودراسة الكتب وحكاية الثانى علم الأول» وزيادة الثالث فى علم الثانى؛ حتى اجتمعت ثمار تلك الفكر عند أخرهم؛ وكل شئ للحرب؛ فإنما هو بديهة؛ وارتجال» وكأنه إلهام» وليست هناك معاناة» ولا مكابدةء ولا [جالة فكرة؛ ولا استعانة وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام» وإلى رجز يوم الخصامء أو حين يمتح على رأس بثر» أو يحدو )1١ الحرف: الميل عن الكسب وقلة المال. (؟) الوصال: أن يصل نهاره بليله جائعا. () الطى: المبيت جائعا.
د
ببعير» أو عند المقارعة والمناضلة؛ أو عند صراع» أو فى حرب» فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذاهبء وإلى العمود الذى إليه يقصدء فتأتيه المعانى أرسالاء وتنثال عليه الألفاظ اتثيالا: ثم لا يقيده على نفسهء ولا يدرسه أحداً من ولدهء إلخ.. إلخ.
وملخص ذلك الكلام أنه يدعى: أن العرب فى المرتبة الأولى فى البيان وأن الأم اليونانية والفارسية والهندية دوتهم بلاغة وفصاحة. ونحن نوافقه فى الأولى: ونناقشه فى الثأنية؛ إذ كيف ساغ له أن يوازن بين خطباء العرب» وغيرهم من الأم»ء مع عدم توافر الأسبابء والمهيئات التى تمكنه من الحكي الصادق؛ إن من الصعب الموازنة بين فصاحة لغة وأرى» والموازنة فى المقدرة المخطابية بين أمم مختلفة.
جاء فى مقابسات أبى حيان: قلت لأبى سليمان: فهل بلاغة أحسن من بلاغة العرب؟ فقال: هذا لا يبين إلا بأن تكلم بجميع اللغات على مهارة» وحذقء تم نضع القسطاس على واحدة» واحدة» حتى نأتى على آخرها وأقصاهاء ثم نحكم حكماً بريئاً من الهوى والتقليد والعصبية والمين» وهذا ما لا يطمع فيه إلا ذو عاهة.
فهل وازن الجاحظ هذه الموازنة؟ وهل أوتى علماً باللغات» واحدة واحندة ثم حكم حكما بريثاً من الهوىء والتقليد؟ إن الجاحظ قد اندفع وراء العصبية» والخصومة الشعوبية؛ فادعى دعواه هذه؛ وكانت اندفاعاته بعيدة عن الحق كل اليعدء عندما أتكر خخطب اليونان: وادعى أن لا بلاغة ولا خطابة عندهمء إن التاريخ يحفظ لهم عصراً ازدهرت فيه المخطابة» حتى كان لها معلموثء ومريون» وكان الشباب اليوتانى يرى الخطابة مطمحاء وأملا يسعى إليه: ليكون له نصيب من الرأى فى إدارة شفون بلاده؛ هذا العصر هو عصر بي ركليس؛ وما سباه ووالاهء وكانت أغراض القول واسعة» وفرصه كثيرة؛ ففى المنتديات الأدبية» وفى المجامع» وفى المشاورات السياسية كان القول البليغ هدفهم» كل يشد له قوسه؛ ويرمى إليه سهمه؛ء وكانت الدعاوى والرد عليها فى المحاكم ميادين قول مترامية الأرجاء: وكانت المخطابة فيها غرضاً مقصوداًء واستمرت اللخطابة فى اليونان» ما استمرت فيهم الحرية السياسية» حتى استولى عليهم فيليب» وكان أبلغ خطيائهم ديموستين» وجاء الرومان؛ فحبيت الخطابة» وكان سيد خخطبائهم
5 ظ ّ
سيشرول .
ويجب أن ننصف الحقيقة فنقول: إن خخطباء اليونان والرومان لم تكن أكثر خطبهم ارتتجالية» بل كانت تعد إعداداء فالخطيب الأثينى مهما تبلغ ثقتة بنفسهء لا يجرؤ على الوقوف
موقف الخطيبء قبل أن ينظر نظرة عميقة فيما سيلقيه قبل إلقائهء خشية النقد المر الصادر عن سامعين ذوىي أفهام ثأقبة ونظرات فاحصة كاشضة» وكان شيشروك الرومانى يهذب خخطيه ويتمرن على إلقائهاء قبل التقدم لإلقائها على الجماهيرء حتى أنه فى سن الستين قبل أن
ولا يمنع هذا من أن يكون يبنهم مرتجلون؛ ولكن كانوا أقل عدداً. أما خخطباء العرب فقد كانوا لأميتهم: ولتعويلهم فى بيانهم على اللسان وسحذة مرججلين » تخضيرهم فيما بص
وكانوا أميين لا يكتبون» ومطبوعين لا يتكلفون» وكان الكلام الجيد عندهم أظهر.
وفى الحق أن الخطيب العربى يعد فى الطبقنة الأولى بين خخطباء الأمء وأن المخطابة العربية فى العصر الجاهلى كانت ححية ناهضة؛ لتوافر الدواعى إليهاء ووجود ذوى اللسن والبيان: وأولنك, كانوا كثيرين » ونصوصاً فى قبيلتى عبد القيس وإياد.
اي
ألفاظ الخطابة وأساليبها ومعانيها
الألفاظ:
أل ما يلاحفله القارئ للمأثور من خطب العرب فى الجاهلية على ألفاظها:
-١ قوة وجزالة حتى تصل أحيانا إلى الخشونة» ولعل السبب فى ذلك:
() قوة نفوسهمء وشدة بأسهم؛ واندفاعهم فى حماسة؛ فإن الكلمات صورة حية لنفس قائلهاء مجيش صدورهم بالبأس؛ فتندفع لسنتهم بكلمات؛ هى صورة لتلك القلوب القوية الجريئة .
(ب) ومعيشتهم فى الصحراء ببأسائهاء ولأوائها وشدتهاء فأصبحوا لا يرون إلا ما فيها من جبال وأكام ووهاد» فيكون كل ما يصدر عنهم مناسبا لتلك المناظر» مأخوذا من تلك المشاهد. 0
(ج) ومناسبة تلك الكلمات الجاسية الشديدة؛ للموضوعات التى قيلت فيهاء فأكثرها قيل فى دعوة إلى قتال» أو فى مفاخرة بنزال» أو فى وصف يوم كريهة» ونحو ذلك.
وأنسب الكلام لهذه ال موضوعات ما كان شديداً) قوى الأسرء فخما ضخماأ؛ ليقرع الحس» ومدفع التفوس إلى حيث ترتخص الأرواح .
؟- وقد كان فى كلماتهم الحوشية الغريية؛ ولعل هذه "كانت من لغة حمير التى طغت عليها لغة قريش» حتى أخذت فى الاندثار» وبقى فى الخطب والشعر منها كلمات نابية؛ لأنها تعيش فى غير بيئتهاء متفردة عن أخواتها.
-٠* وتتجد فى خطبهم سوق الحقيقة قائمة» وسوق امجانة كاسدة» فألفاظهم إلا قليلا ممتعملة فيما وضعتث له وذلك لإحاطتهم الكاملة بلغتهمء وعلمهم علما صِحيهدا بمدلولاات الألفاظء ووجه دلالتها عليهاء وقلة حاجتهم إلى استعمال لفظ فى مدلول أخخر؛ لعدم وجود طوائف من المعانى ليس فى العربية ما يدل عليهاء وهذا لا يمنع أن يكون فى كلامهم الكنايات الرائعة» والأمثال: السائرة» والتشبيهات المحكمة؛ فإن ذلك كان عندهم» ولكن لم يكن كثيرا فى خطيهم؟ لإرسالهم القول ارحجالا من غير محضير وتهيثة.
848 7
المعانى: معانى الخطب الجاهلية:
١ - فطرية تنشأ عن اللمحة العارضةء والفكرة الطارئة؛ وعفو الخاطر من غير كد للفكرء ولا تعمق فى النظر؛ لأنهم لم يكونوا أهل علوم يسودهم التفكير المنظمء والتقسيم المستقرى» والتقبع لكل أشتات الموضوع؛ ليجمع شملها فى خطبة» ويضم متفرقها فى بيان.
1- ولذلك جاءت خطبهم غير متماسكة الأجزاء؛ وغير مسلسلة الأفكارء لا يأخذ المعنى بحجز الآخر فى فكر رتيب؛ لتستوفى الموضوع كله وأصدق الخطب التى تدل على هذه الحال فيهمء خطب أكثم بن صيفى» فإنها حكم منتثرة» بل هى در منثور غير منتظم في
عفد .
ولكن إذا امد الغرض فى الخطبة» جاء التماسسك فى الجملة فى أجزائهاء وكثيرا ما تكون الخطب التى على هذه الشاكلة موجزة كل الإيجاز» كخطبة أبى طالب فى زواج النبى 2 من السيذة خديجة رصى الله عتها.
؟٠- وقد كان عدم تماسنك أفكارهم من دواعى كثرة الحكم والأمثال فى خطبهم»
حتى لقد رأيت أن أكثم كما بيناء كانت خطبه كلها حكماء وقد يستشهد بعضهم بحكمة عالية لغيره» أو بمثل سائر يضربه» ليقايس بين حال من يخاطبهم؛ وحال من قيل المثل فيهم.
4 - وأخحص ما تمتاز به المعانى الخطابية عند العرب صدقهاء وعدم وجود الإغراق والمبالغة فيهاء وذلك لا فيهم من صراحة؛ وحب للصدق وللحقيقة.
- وقد ترى فى نصائحهم ووصاياهم معانى اجتماعية؛ وخلقية عالية» ولكيبها فى جملتها ليست مبنية على دراسة وبحث: بل هى صورة لتجارب الحياة» جع على الألسنة من غير كد للذهن» ولا تعمق فى الدرس» كما أسلفنا.
الأسلوب:
١ - أول ما تلقاه فى المأثور من الخطب العربية أنك لا تجد الخطب قد لوجظ فيها
لجسيرع الافتتاح» وتنسيق الموضوع, وجزلته » ثم جسن اختتامه ؛ فإن ذلك ف شأن لخبليب الذى يحبر -خطبته وبزور كلامه: وبهيؤه. ويعده؛ ولم يكن أكثر خطباء الجاهلية كذلكُ!؛ بى كانوا
! 0"
لله بحب
يرتجلون الكلام ا رجالا » لذلك لم تكن خطبهم منسقة مجزأة» بل كانت فى الجملة غير متماسكة؛ لعدم تماسك معانيها كما يبناه.
+ وأسلويهم الكلامى ي' تكلف قيكه : ولا صتاعة لعدم عنايتهم بتهيكة القول» ولذلك نئل" من كل المحسنات اللفظية؛ كالجناس والتورية؛ ومأ إلى ذلك نمأ نص عليه فى علم البديع .
كانوا أحيانا يسجعون فى خطيهم» كما ترى فى سجع الكهان؛ وأحيانا يأنون يجمل مزدوجةء كما ترى فى خخطب الوقد العربى لدى كسرى»؛ وأحيانا يرسلون القول أرسالا؛ ولكن أيها كان أكثرء وأشيع» الكلام المرسلء أم المسجع والمزدوج؟ لقد اخحتلف الأدباء فى الإجاية عن هذ! السؤال؛ قفريق يقول إن السجع والازدواج كانا أكثر شيوعا على ألستة الخطباء من الأرسال؛ لأن المروى من خخطب الجاهلية أكثره مسجوع أو مزدوجء وإنك لتقرأ ما رواه الأمالى. والعقد الفريد» وغيرهما من كتب الأدب منسوباً إلى العصر الجاهلى؛ فترى أن أوضح ما يظهر فى ديباجته السيجع والازدواجء ولا يطعن فى هذا بالشك فى صحة النسبة» أو بالرواية بالمعنى ؛ لأن من يقول قولا على لسان غيرهء ولو كاذياء يجتهد فى أن يكون كلامه صورة قريبة مما يجرى على ألسنة من ينحلهم قوله: فالرواة الذين نحلوا الجاهليين تلك الخطب لابد أن يأتوا بكلامهم على التحو الذى يعرفه التاس عن العصر الجاهلى» فإذا أتوا بذلك الكلام مسجوعاء فهو يدل على أن الناس فى عصر الرواة ما كانوا يعرفون عن خطب العربء إلا أن أكثرها مسج وغ » وحسيك هذا دليلا على شيوع السجع عند الجاهليين.
ويرى أحرون أن الأرسال هو الأكثر شيوعا على ألسنة الخطباء؛ لأنه هو الذى يتفق مع الارتجال» والقول على البديهة اللذين عرفا فى العرب» ولأنه هو الذى يساوق الفطرة» ولأن أكثر كلام النبى عله الذى ثبتت صحتهء وأكثر خطب الصحابة التى لا مجال للطعن فى صدقها مرسل قليل السجع» والازدواجء وأكثر أولئك أدرك العصر الجاهلى» فلو كان السجع طريقاً خطابياً معروفا مألوفا لهم؛ ما خالفوه» ولا تعرف أن من أوامر الشرع ما يدعوهم إلى الخالفة؛ والابتعاد عن أمر معروف عند الجاهليين أنه من طرائق التأثير البيانى» ولأنه قد تواتر عن العرب أن الكهان كان لهم كلام متمايز بديباجتهء يخالف المألوف للعرب» وامتاز ذلك الكلام بالسجع الما زموفلو كان السجع أمراً شائعاً يشمل الجزء الأكبر من طب الخطباء» ما امتاز كلام الكهاد عن سواهء وما صار له لوك يغاير بقية الكلام؛ ولآنه قد جاء فى البياك والتبيين للجاحظ: قبل لعبد الصمد بن الفضل بن عيسى الرقاشى: لم تؤثر السجع على المنثور» وتلزم
نفسك القوافىء وإقامة الوزنء؟ قال: إن كلامى لو كنت لا أمل فيه إلا سماع الشاهدء لقل خلافى عليكء ولكنى أريد الغائب» والحاضرء والراهن» والغابر؛ فالحفظ إليه أسرع؛ والاذان لسماعه أنشط» وهو أحق بالتقييدء وبقلة التفلت؛ وما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون؟ فلم يحفظ من المنثور عشره؛ ولا ضاع من الموزون عشره.
وهذا الكلام يدل على أن أكثر الخطب الجاهلية؛ لم يكن سجعاًء وإلا ما ضاع أكثرهاء ولم يبق إلا أقل من العشرء ويردون على الفريق الأول فى استدلاله بكثرة السجع فى المروى على أنه للكثرة فى الخطب- بأن الخطب المسجوعة هى التى رويت» مع قلتها بالإضافة إلى غير المسجوعء وذلك لنفاستهاء وسهولة حفظهاء وقوة علوقها بالنفسء وثباتها فيهاء لما فيها من التزام قافية ووزن» وهما يسهلان اللفظ. وأنت ترى أن كلا له وجهة؛ ونحن إلى الثانى أميل .
الإيجاز والإطناب:
وقبل أن نختم الكلام فى الأساليب العربية نتكلم على الإيجاز والإطناب فى خطبهم» فنقول: لم جد فى المأثور عن العرب خخطية طويلة» بل كلها موجز؛ ولعل الذى بين أبدينا جزء مر خعطبة طويلةء علق بالقلوبء وذهب أكثرها فى ضلال نسيان الراوى؛ أو هو الخطب القصار حفظها الرواة؛ لقصرهاء وعجزوا عن ضبط الطوال لطولها؛ وذلك لأن أخبار العلماء والأدباء والرواة تدلنا على أن العرب كانت لهم خطب طوال» وأخرى قصارء ولكل حال تقتضيه فى نظرهمء ففى خطب النكاح مثلا يطيل الخاطبء ويقصر المجيب» وفى خخطب الصلح كانوا يطيلوت» قال الجاحظ: ووالسنة فى خخطبة النكاح أن يطيل الخاطب. ويقصر المجيبء ألا ترى إلى قيس بن خارجة بن سنان لما ضرب بصفيحة سيفه مؤخرة راحلتى الحاملين فى شأن حمالة!' داحس”'' والغبراء. وقال: مالى فيها أيها العشمتان"'' قالا: بل عندك؛ قال: عندى قرى كل نازل» ورضا كل ساخخط؛ وخطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغربء أمر فيها بالتواصل» وأنهى فيها عن التقاطع. قالوا: فخطب يوما إلى الليل. فما أعاد فيها كلمة ولا معنى» فقيل لأبى يعقوب: هلا اكتفى بالأمر بالتواصل» عن النهى عن التقاطعء أو ليس الأمر بالصلة هو النهى عن القطيعة. قال: أو علمت أن الكتاية والتعزيض لا يعملان فى العقول عمل الإفصاح والتكشف؟ ويظهر أنهم كانوا يطيلون القول فى المفاخرات: لأن الإنسان إذا مال إلى
)١( الحمالة الدية. (؟) داحس والغبراء. فرسان كائتا سيباً فى حرب طاحنة. (0') العشمتان واحدها عشمة وهى الطمع. والشئ اليابس.
الشئع أكثر من ذكره؛ والفخر بالحسب والنسبء وشريف الخصال من صفات العرب التى امتازوا بها .
وقد كانوا فى إطالتهم؛ وإيجازهم بلغاءء أقوالهم محكمة:؛ وقد قال الجاحظ فى وصف الطوال منها: «ومن الطوال ما يكون مستوياً فى الجودة؛ ومشاكلا فى استواء الصنعة؛ ومنها ذوات الفقر الحساتن والنتف الجياد. وقال فى وصف العرب بشكل عام: ولم أجد فى خطب السلف الطيبء والأعراب الأقحاح ألفاظا مسخوطة:؛ ولا معانى مدخحولة؛ ولا طبعا رديآ» ولا قولا
الخطيب الحجاهلى وعاداته
١ - الخطيب العربى زعيم القبيلة» أو بطلهاء أو حكيمهاء أو قاضيهاء أو رجل من أحادهاء ولكن يمتاز بميزة ليست فى دهمائهاء مجعله فى منزلة تسمح له بأن يدعو فيجاب؛ وأن يرشد؛ فيسترشدوا به» ولذا كان الخطيب العربى من أسد العرب رأاً؛ وأحكمهم نظرا وأبعدهم مدى؛ فرجاحة الفكر أولى مميزات الخطيب العربى فى قومه, فأكثم بن صيفى أحكم تميم» وقس بن ساعدة من أقوى أهل الفكر عند العرب» وكعب بن لؤى كان شيخ كنانة فى عصره؛ء وعبد المطلب بن هاشم كان زعيم قريش» وأنبلهاء وأسدها فكرأء وكل أولئك خطباء.
؟ -الوالخطيب العربى يخطب قوما اشتهروا بالفصاحة واللسن؛ وسلامة الفطرة» فلا يؤثر فيهمء ولا ينال من قلوبهمء إلا إذا كان يعلوهم فصاحة» ويسبقهم لسنا وبياناء فلا يكون فيه بالأولى عيب من العيوب البيانية التى لا تتفق مع فصاحة اللسان» وجودة النطق] فلا يكون فيه عى» ولا حصرء ولا فأفأة, ولا تمتمة»ولا شئع من عيوب النطق والبيان» وكذلك كان الخطيب العربى فصيح العبارة» طلق اللساث؛ واضح اللهجة جيد الإلقاء.
؟ ,كان الخطيب فى الجاهلية يدعو العرب أحيانا إلى خوض غمرات الموت» والسبح فى لجج من الدماء؛ فلا يصح أن تتنافى حاله مع ما يدعو إِلْيه؛ لابد أن يكون -جرئ القلباقوى النفسء رابط الجأش لا تعروه رعدة؛ ولا اضطراب فى موقفه» وإلا ضعف تأثيره؛ وذهب كلامه هباء» وكذلك كان خطيب الجاهلية» شجاع جرئة: ثابت الجنات» رابط الجأش» لا اضطراب؛ ولا وجل ولا خحوف.
و م كان خطيب الجاهلية جهير الصوت مرتفعه. وكانوا يستحسنون .ذلك فى الجملة»؛ ولذلك قالوا فى وصف الخطيب امجيد: خطيب مصقعء من الصقع وهو رفع الصوت. ١
وحضور البديهة من أخخص أوصاف الخطيب العربى؛ لأن أكثر خطبه مرتجل» والارمجال عدته» وذخيرته بديهة حاضرة تسعفه بما يريد فى أوجز مدة.
لم يكن الخطيب العربى منفراً فى شكله؛ بل كان أقرب إلى الجمالء والجمال من مظاهره فى نظرهم سلامة الأسنان والفم؛ وقوة الجشمان» واستقامة القئاة» فيكون كالرمح لا انحناء فيهء وبياض الوجه. ْ
. ولذا قال الشاعر مادحا خخطباء قبيلته. خطباء حين يقوم قائلنا بيض الوجوه مصاقع لسن
والخطيب الجاهلى ذو مهابة» وسمت ووقار وشرف» ويزة حسنة» وحسب ونسب» وفى
الجملة فيه أكثر أوصاف الخطيب الكامل. ,ومن عادات العرب فى المخطابة : (ج) وأخذهم الخصدة؟ ١ بأيديهم ؛ ومن ذلك قول الشاعر. ربكاد يزيل الأرض وقع خخطابهم إذا وصلوا أيمانهم باللفاصر
خطب السلم» والقسى فى خخطب الحرب» إشعارا بما ينوى قوله» وليكون لسان حاله متفقا مع مقاله فى الدعوة إلى القثل والقتال.
/لاد) ومن عاداتهم أيضاً رفع أيديهم : ووضعهاء وتأدية كثير من أغراضهم بحر كاتهاء إن كان ثمة داع لذلك, ولم تزهب تلك الحر كات بهيبة الخطيب ووقاره ورزأنته.
وقد انتقلت عادات كثير ة من عادات الجاهلية فى الخطابة إلى الإسلام.
)١( شوء يشبه الحصا.
لل ل
من المأثور من خطب العرب فى الجاهلية كثرة الخطباء فى الجاهلية» وقلة المروي من الخطب
. خطباء الجاهلية كثيرون؛ من أقدمهم كعب بن لؤى (الجد السابع لرسول الله عله , كان يخطب العرب عامةء ويحض على البر كنانة خاصة» ولما ماث أكبروا موتهء وأرخوا به حتى عام الفيل» ومنهم ذو الأصبع العدوانى» وسمى بذلك؟؛ لأن حية نهشت إيهام رجله؛ فقطعته؛ ومنهم أبو عمار الطائى خطيب مذحجء وقد بلغ التعمان بن المنذر حسن حديثه؛ فحمله إلية وكان النعمان شديد العربدة» قتالا للندماء؛ فقتله فى مجلس شراب لهء ومنهم التعمان هذا وخطباؤه عند كسرى: أكثم بن صيفى» وحاجب بن زرارة التميميان؛ والحارث بن عبادة؛ وقيس بن مسعود البكريان؛ وخالد بن جعفرء وعلقمة بن علاثة» وعامر بن الطفيل العامريون» وعمرو بن الشريد السلمى: وعمرو بن معد يكرب الزبيدى» والحارث بن ظالم المرىء و كلهم يشار إليه بالبئاك فى العرب»؛ ومنهم عبد المطلب بن هاشم جد النبى 6ك وأبو طالب عمه؛ وقس بن ساعدة الإيادى خخطيب عكاظ؛ وداعى العرب إلى التوحيد؛ ومنهم عطارد بن جاجب ان زرارة» وقد أدرك النبى عل؛ وخطب بين يديه.
وبعض القبائل اشتهر بكثرة الخطياءء كإياد» وعبد القيس» قال الجاحظ: وشأن عبد القيس عجيبء وذلك أنهم بعد محاربة إياد تفرقوا فرقتين: فغرقة وقعت بعمان» وفيهم خخطباء العرب» وفرقة وقعت بالبحرين» وشق اليحرين وهم من أشعر قبائل العرب» ولم يكونوا كذلك . حين كانوا فى سرة البادية» وفى معدن الفصاحة؛ وهذا عجيب!.
وإذا كان خخطباء الجاهلية كثيرين كما رأيت؛ فلابد أن تكون خطيهم كثيرة» ولكن المأثور من الخطب قليل» لا يتناسب مغ تللك الكثرة.
جاء فى صبح الأعشى: قال صاحب الريحان والريمان: إن ما تكلمت به العرب من أهل المدر والوبر» من جيد المتثورء ومزدوج الكلام؛ أكثر ما تكلمت به من الموزون» إلا أنه لم يحفظ من المنشور عشره؛ ولا ضاع من الموزون عشره؛ لأن الخطيب إنما كان يخطب في المقام الذى يقوم فيه فى مشافهة الملوك أو الإصلاح بين العشائر: أو خخطبة النكاح؛ فإذا انقضى المقام ئ حفظه من حفظهء ونسيه من نسيه بخلاف الشعرء فإنه لا يضيع منه بيت واحد.
قال؛ ولولا أن خطبة قس بن ساعدة كان سندها مما يتنافسه الأنام» وهو أن النبى عله هو الذى رواها عنه» فأطار ذكرهاء ما تميزت عن سواها؛ .
وناذا "كان حظ الخطب النسيان: وحظ الشعر الحفظ ؟ يعلل ذلك القلقشتدى؛ بشيوع قول الشسعر فى الحواضر والبوادى» وبين الخاصة والعامة؛ وسهولة حفظه: وكون الخطب لا تكون إلا من عظماء الفصحاءء واختصاصها بالمواقف العظيمة التى ربما لا يحضرها دهماء العرب» فقّد كان يقوم بها فى الجاهلية سادات العرب ورؤساؤهم: ممن فاز بقدح الفضل» وسبق إلى ذرا الجمدء ويخصون ذلك بالمواقف الكرام؛ والمشاهد العظام والمجالس الكريمة» والمقامات الحفيلة» وما يلقى على العامة تتبادله الألسنة» ويشيع؛ أما ما يلقى على الخاصة فغير شائع؛ ولا معروف؛ ولا متناقله الرواة» ولكن إذا كان هذا يصلح علة لنسيان ما كان يلقى على الخاصة فما علة نسيان ما كان يلقى فى الأسواق والمجامع العامة؛ وما كان يلقيه زعيم القبيلة على القبيلة "كلها صغيرها وكبيرها؟ يظهر أن العلة لهذا؛
(أ) أمية العرب» ولو كان العرب يكتبون على الرقوق» أو ينقشون على الأحجار كالأم ذوات الحضارات؛ لوجدنا أثارهم ناطقة بخطبهم ومحاوراتهم التى تشتمل على القول البليغ: والبيان الرائع» الأعهذ بالألياب.
(ب) وكون الشعر سهل الحفظ والنشر صعبه؛ إذ الوزن فى الأول جعل الآذان تنشط لشماعه والقلوب تميل إلى -حفظه.
ومهما يكن من الأمر فما بقى يعطينا صورة للخطابة فى الجاهلية وإن لم تكن كاملة؛ وبين لنا حالهاء وإن لم يكن البيان شافيا وافياً.
نماذج من خطب الجاهليين
-١ كلمة قبيصة بن نعيم حين قدم على امرئ القيس امرؤٌ القيس فى [كرامهم:؛ واحتجب عنهم ثلاث ليال» ثم خرج إليهم؛ فنهض قبيصة:؛ وقال: إنك فى امحل والقدر والمعرفة بتصرف الدهر؛ وما محدثه أيامه» وتتنقل به أحواله» بحيث لا مختاج إلى تبصير واعظ» ولا تذكرة مجرب» وذلك من سؤدد منصبكء وشرف أعراقك؛ وكرم أصلك فى العرب» ميحتل يحتمل ما حمل عليه 2 إقالة العثرة؛ والرجوع عن الهفوة: ول تتجاوز الهمم إلى غاية؛ إلا رجعت إليك؛ فوجدت عندك من فضيلة الرأى» وبفسيرة الفهمء وكرم عمب رزيته نزارأ واليمن» ولم تخصص, به كنئلة دونما للشرف البارع؛ كان لخجر التاج والعمة فوق الجبين الكريم, وإخخاء الحمدء وطيب الشيوء ولو كان يفدى هالك بالألفس الباقية بعدهء لا بخلت كرائمنا على مثله ببذل ذلك» ولكن مضى به سبيل لا يرجع أنخراه على أولاه؛ ولا يلحق أقصاه أدناه » فأحمد الحالات فى ذلك أن تعرفب الواجب عليك فى إسعدى خلال ثلاث : إما أن اخخترت من بنى أسد أشرفها بيتاء وأعلاها فى بناء المكرمات صوتا فقدناه إليك بنسعه”'', يذهب مع شفرات حسامك بباقى قصرته''" فيقال رجل امتحن بهالك عزيز» فلم يستل الحسبةء فكان ذلك فداء رجعت به القضب إلى أجفانهاء لم يردد تسليط الإحن على البرآء. وإما أن وادعتنا إلى أن تضع الحوامل؛ فتسدل الأزرء وتعقد الخمر فوق الرايات.
جواب امرئ القفيس:
فبكى امرؤ القيس» ثم رفع طرفه إليهمء وقال: لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر فى دم ؛ وأنى أن أعتاض به جملا أو ناقة؛؟ فأكتسب به سبة الأبد» وفت العضد! وأما النظرة فقد
)١( النسع بكسر التوث سير من الجلد تشد به الرجال. (؟) القصرة الباقى بعد الانتحال أو أصل العنق.
6595م ؟٠؟+؟أ؟ب؟ب؟ب؟©ب؟++ح ب
أوجبتها الأجنة فى بطون أمهاتها ولن أكون لعطبها سبباء وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك حمل من القلوب حنقاء وفوق الأسنة علقا. إذا جالت الحرب فى مأزق تصافح فيها المنايا النفوسا
وصية زهير بن جناب الكلبى بنيه أوصى زهير بن جناب الكلبى بنيه فقال: يابنى إنى قد كبرت سنى» وبلغت حرسا؟'' من دهرى؛ فأحكمتنى التجارب» والأمور مجخربة واختبار؛ فاحفظوا عنى ما أقول» وعوه: إياكم والخور عند المصائب» والتوا كل عدل النوائب؛ فإن ذلك داعية للغم» وشماتة للعدو وسوع ظَن بالرب » وإيا كم أن تكونوأ بالأحداث مغترين » ولها أمنين: ومنها ساخرين ؛ فأته ما سخر قوم قطء إلا ابتلوأ؛ ولكن توقعوها؛) فإ الانسات فى الدنيا عرض » تعأوره الرماة؛ فمقصر دونه ومعجاوز للوضعه: وواقم عن يمينه وشماله: ثم لايد أن يضببه .
و صية ذى الأصبع العدوانى
لا احتضر ذو الأصبع العدوانى : دعا ابنه أسيداء وقال له: يابنى» إن أباك قل فنى» وهو جى» وعاش حتى سكم العيش» وإنى موصيك بما إن حفظته: بلغت فى قومك ما بلغته؛ فاحفظ عنى: ألن جانبك لقومك يحبوك: وتواضع لهم يرفعوك» وابسط لهم وجهك يطيعوك: ولا تستأئر عليهم بشئ يسودوك: وأكرم صغارهم كما تكرم كيارهم يكرمك كيارهم» ويكبر على مودتلك صغارهم» واسمح بمالك» واحم حريمك» وأعزز جارك» رأعن من استعان بكء وأكرم ضيفكء وأسرع النهضة فى الصريخ» فإن لك أجلا لا يعدوك» وصن وجهك عن مسألة أحد شيئاء فيذلك يتم سؤددك.
خطبة لمرئد الخير فى الصلح جاء فى الأمالى بسنده: كان مرئد الخير بن ينكف بن معد يكرب بن مضحى قيلاء وكات حديا على عشيرته» محيا لصلاحهم»: وكان سبيع بن الحارث» وميثم بن مثوب بن ذى )١( الحرس الزمن والدهر. .
رعين » تنازعا الشرف» حتى تشاحناء وخيف أن يقع بين حييهما شرء فيتفانى جذماهم!!؟ فبعث إليهما مرئد» فأحضرهما ليصاح بينهماء فقال لهمائإن التخبط”'' وامتطاء الهجاب”'' واستحقاب”*' اللجاج سيقفكما على شفا هوة؛ فى توردها بوار الأصيلة"*' وانقطاع الوسيلة؛ فتلافيا أمركما قبل اتتكاث لمهدء وانحلال العقل» وتشت- بعتت الألفة, وتباين السهمة"'' وأندما فى فسحة رافهة» وقدم واطدة؛ والمودة مثرية”"' والبقيا معرضة”"» فقد عرفتم ما من كان قبلكم
من العربء ممن ععصى التصيحء وخخالف الرشيدء وأصغى إلى التقاطع؛ ورأيتم ما آلت إليه عواقب سوع سعيهم؛ وكيف كان صيور"' أمورهم» فتلافوا القرحة قبل تفاقم الدأى”' '', واستفحال الداءء وإعواز الدواء: فإنه إذا سفكت الدماء» استحكمت الشحناءء وإذا استحكمت
الشحناء تقضبت!' ١ عرا الإبقاءء وشمل البلاء.
خطبة عبد المطلب بين يدى ذى نواس
ذهب وفد من قريش إلى ذئ نواس بعد أن ظفر بالحبشة» وأجلاهم عن بلاده؛ فلما مثلوا بي يديه» قال عبد المطلب: إن الله أيها الملك, أحلك محلا رفيعاء صعبا منيعاء باذخا شامخاء وأنبتك منبتا طابت أرومته؛ وعزت جرئومته» وتبل أصله» وبسق فرعه» فى أكرم معدل » وأطيب موطن:ء فأنت أبيت اللعن رأس للعرب» وربيعها الذى به تخصبء وملكها الذى به تنقاد» وعمودها الذى عليه العمادء ومعقلها الذى يلجا إليه العيادء سلفك خير سلفء وأنت لنا بعدهم خير خلف» ولن يهلك من أنت خلفه. نحن أيها الملك أهل حرم اللّه وذمته؛ وسدئة بيته» أشخصنا إليك الذى أبهجنا بكشفك الكرب الذى فدحناء فنحن وفد التهثة؛ لا وقد اللصيلدة
)١( الجذم الأصل. (؟) التتخبط ركوب الرجل رأسه فى الشر. (") الهجاج اللجاجة فى الشر. (4) استحقاب اللجاج حمل ححقيبته» والمراد من هذا اعتزام الخصومة والشر.
(6) الأصيلة الأصل. << (5) السهمة القرابة. (10) مثرية هنا معناها متصلة.
(40) معرضة معناها ممكنة (4) الأمر الذى يرجع إليه والحراد هنا العاقبة.
)٠١( الثأى بفتح الهمزة وسكونها الإفساد والقتل والجرح.
)١11( تقضبت معتاها تقطعست. (7؟1١) المرزئة: الرزء والمصيبة.
علد خطبة أبى طالب فى زواج النبى نيه من السيدة خديجة در ضى الله تعالى عنها»
الحمد الله الذى جعلنا من ذرية إبراهيم؛ وزرع إسماعيل؛ وجعل لنا بلدا حراماء وبيتا محجوجاء وجعلنا الحكام على الناس. وإن محمد بن عبد الله بن أخى لا يوزن به فتى من قريشء إلا رجح به بركة وفضلا وعدلا ومجدا وتبلاء وإن كان فى المال مقلا فإن المال عارية مسترجعة» وظل زائل» وله فى خديجة بنت تحويلد رغبة» ولها فيه مثل ذلك؛ وما أردتم من الصداق فعلم.
خطبة أكثم بن صيفى فى قومه عندما جاءه نبأ النبى م
روى فى مجمع الأمثال عن ابن سلام الجمحى قال: لما ظهر النبى 2 بمكة المكرمة؛ ودعا الناس إلى الإسلام؛ بعث أكثم بن صيقى ابنه حبشياء فأناه بخبروه فجمع بنى تميم» وقال: يابنى تميم» لا تخضرونى سفيها؛ فإنه من يسمع يخل أن السفيه يوهن من فوقه؛ ويشبت من دونه » لا خير فيمن لآ عمل له؛ كبرت سنى ؛ ودخلتنى زلة؛ فإن رأيتم منى -حسنا؛ فاقيلوه: وإن رأيتم منى غير ذلك» فقومونى أستقم. إن ابنى شافه هذا الرجل مشافهة وأنانى بخبره؛ وكتابه يأمر فيه بالمعروف» وينهى عن المنكرء ويأخذ فيه بمحاسن الأخلاق» ويدعو إلى توحيد الله تعالى » وخلع الأوثان: وترك الحلف بالئيران» وقد عرف ذوو الرأى منكم أن الفضل فيما يدعو إليه» وأن الرأى ترك ما ينهى عنه. إن أحق الناس بمعونة محمد (72) : ومساعدته على أمره أنتم » فإن يكن الذى يدعو إليه حقاء فهو لكم دوك الناس» وإن يكن باطلاء كنتم أححق الناس بالكف عنهء وبالستر عليه؛ وقد كان أسقف مخران يحدث بصفتهء وكان سفيان بن مجاشع يحدث به قبله» وسمى ابنه محمدا؛ فكونوا فى أمره أولاء ولا تكونوا آخراء اثتوا طائعين» قبل أن تأنوا كارهين. إن الذى يدعو إليه (محمد 2) لو لم يكن دينا لكان فى أخلاق الناس حسناء أطيعونى : واتبعوا أمرى» أسأل لكم أشياء لا تنزع منكم أبداء وأصبحتم أعز حى فى العرب: وأكثرهم عدداء وأوسعهم دارأ فإنى أرى أمر لا يجتنبه عزيز إلا ذلء ولا يلزمه ذليل إلا عر. وإن
الأول لم يداع للأخمر شيعاء وهذأ أمر له م بعله؛ من سبق إليه غمر المعالى: وأقتذى به العالى:
فقال مالك بن نويرة: قد خرف شيخكم! فقال أكثم: ويل للشءجى من الخلى» والهفى على أمر لم أشهده: ولم يسبهنى .
نصيحة الجمانة بنت قيس لجدها الربيع بن زياد
شترى قيس بن زهير درعا من مكة؛ فاغتصبها منه عمه الربيع بن زياد» فتقدمت اللجمائة بنك ؛ وقالت:
إذا كان قيس أبى: فانك يأربيع سجحدى »؛ ومأ يوشب له من ححق الأبوة علىء إلا كالذى يجب عليك من حق البنوة لى ؛ والرأى الصحيح تبعقه العنأية: وتجلى عن محضه النصيحة. إنك قد ظللمت سسا بحل در ها ؛ وأجد مكافأته إياك سوع خرزاما ثغ والمعارض متتهص ؛ والبادى أظلمء وليس قيس ممن يخوف بالوعيدء ولا يردعه التهديد؛ فلا تركنن إلى منابذته» فالحزم فى معاركتهء والحرب متلفة للعباد» ذهابة بالطارف والتلاد؛ والسلم أرخى للبالء وأبقى لأنفس الرجال . وبحق أقول: لقد صدعت بحكم؛ وما يدفع: قولى» إلا غير ذى فهم. ثم أنشأت تقول.
أبى لا يرى أن يترك الذهر درعه وجدى يرى أن يأخل الدرع من أبى
فرأى أبى رأى البخيل بماله وشيمة جدى شيمة الخائف الأبى
إ ا اس؟صإب١؟ب؟ب؟أ؟ب؟_ب؟ب؟ب؟ب؟بببسببببببببب
الخطابية فى بار الإسلام
تمهبد:
فى عصور الانقلابات الفكرية والاجتماعية؛ والسياسية تسود الخطابة» حيث يصطدم القديم والجديد؛ والمألوف: بما هو غريب بدئ؛ إذ تدهش له العقول» فتتحير بعض الألباب أمداأ طوبلا أو قصيرا وتضطرب بعض النفوس بين ما ألفت من قديم» وما عرفت من حديث» وينكر الحق بعض الذين يرون مصلحتهم العاجلة فى التمسسلك بالقديم؛ والأخمل بأهدابه: والنفوس الصافية» والقلوب الزاكية تدرك الصواب» وترحض عنها أدران الباطل» تمحص الحق وتتحلب سائفه؛ وتتجه إلى نوره؛ يشتد الاخهلاف بين أولكك وهؤلاءء كل يدلى يحجته؛ وكل يريد اجتذاب الجماعة إلى طريقه» وكل يتخذ وسائل الإغراء؛ لتسلك مهيعه؛ وذلك بلسان ذرب» وبيان رائع » وبلاغة واصلة إلى أعماق القلوب. واعتبر ذلك فى عصورنا الحديفة بالدورة الفرنسية» -حيث فكت فيها الألسنة من عقالهاء واندفعت تنطق بعيارات ملهبة» تثير الثائرة؛ وتشبع النفوس الثائرة؛ وتوقظ القلوب الحائرة. وقبلها كانت الثورة الإمجليزية التى وضع على أثرها الدستور الإمجليزى أول الدسانير الحديثة» وأقدمهاء انطلقت فيها الألسنة بخطب قوية؛ وألفاظ نارية» وكذلك كانت الثورة الأمريكية» واعتبر ذلك فى الققديم بحال اليوناك فى عصر بير كليس إذ ازدهرت الخطابة لهذا الانقلاب الفكرى والاجتماعى والسياسىء الذى توج به تاريخ ذلك العظيم. واعتبر ذلك أيضا بحال الرومان فى عصر يوليوس قيصرء إذ كانت الخطابة هى التى تلقى النخوة فى قلب الرومانىء فجعلت منه فاتحا فى الشرق والغرب» تمخفق الراية الرومانية حيث وضع قدمه؛ وحيث خخفق قلبه بالنجدة والبأس والمروءة. وإذا كان محمد 2 قد أحدث دينه الحق انقلابا سياسياء ودينياء واجتماعياء وفكريا فى العرب (بل فى كل العالم) لم ير التاريخ له نظيراًء فلابد أن تكون قد صحبته حركة بييانية خطابية» لم تعرف فى أمة من قبل» وكذلك كان:؛ بمجرد أن صدع النبى # بالحق» ودوى صوته الرهيب الكريم فى بلاد العرب؛ وانيعث ذلك النور الوضاح؛ فأضاء السهول والجبالء بمجرد أن كان هذاء يتجرد المماول من العرب للرد عليه أو الدعوة إليه» وكان وهو المصيح القرشى» ذو البيان النتبوى يجادل ويناضلء ويدافع ويصاولء وليس له إلا لسان أيده روح القدسء وحق أوحى الله سبحانه به» وإذا عرفت أن الحجة التى كان يدلى بها برانا على رسالته وحجة لدعوته من نوع الكلام؛ وإث كان من رب العالمين» وفيه المثل الكامل للبلاغة:» إذا علمت ذلك»:
0
الخطابة العربية بالدعوة الحملية.
هذا إجمال» وما سيأنى تفصيله
الحياة الإسلامية فى صدر الإسلام
لتعرف ما طرأ على الخطابة من تغير فى الدواعى والأغراض» يجب أن تعرف ما طرأ على النفس العربية من تغير فى مظاهرهاء وأحوالها الدينية» والاجتماعية» والسياسية. الأحوال الدينية:
كان العرب فى القديم يعبدوت الأوثات» ويكاد يكون لكل قبيلة إله تعبده» فلما جاء الإسلام جنمعهم على إله واحنل» هوالله سبحانه وتعالى.. 7 لا تدركه الأبصارء وهو يدرك الأبصارء وهو اللطيف الخيي»#وزبلهه مكان العادات الجاهلية؛ عادات إسلامية عالية» تزكى النفس وتطهر القلب» وبجعل من الشخص العربى الذى لا يحس إلا بشخصه وقبيلته شخصا اجتماعياء يوثق الصلة بينداوبي إبنى الإنسان. وإن شكت أن تعرف ما أودعه الإسلام. نفس العربى من فضائل اجتماعية ونفية, فاستمع إلى ما يقوله جعفر بن أبى طالب للنجاشى: ,كنا قوما أهل جاهلية» نعبد الأصنام» ونأكل لميتة» ونأنى الفوااحش» ونقطع الأرحام» ونسوع الجوار» ويأكل القوى منا الضعيفء فكنا على ذلك» حتى بعث الله إلينا رسولا مناء نعرف نسبه ٠ وصدقه وأمائته وعفافه» فدعانا إلى الله وحده لنوحدهء ونعبده؛ ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوئان: وأمرنا بصدق الحديث؛ وأداء الأمانة» وصلة الرحمء وحسن الجوارء والكف عن انحارم والدماءء ونهانا عن الفواحشء وقول الزورء وأكل مال اليتيم» وقلف الحصنة» أمرنا أن تعيد الله وحده؛ لانشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيامء فصدقناه وأمنا به» فعدا علينا قومناء فعذيوناء وفتنونا عن دينناء ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة اللّهء وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث؛ فلما قهروناء وظلموناء وضيقوا عليناء وحالوا بيننا وبين ديئناء خخرجتا.
فالإسلام كما ترى كل فضائله لتربية النفس» وتزكيتهاء وجعل العربى و كل مسلم صَالحا للائتلاف مع غيره؛ وبعد أن كانت كل فضائله فى الجاهلية شخصية؛ وجهه الإسلام
ل ا06060006060202222ا2ا002
إلى الفضائل الاجتماعية؛ ليلتكم مع سواهء وبعد أن كانت الشجاعة فى المبارزة والمناضلة للمفاخرة» صارت فى الجهاد فى سبيل الله لرفع كلمتهء وبعد أن كان الجود ليملاً المعطى ماضغيه فخراء صار فى إمداد المجاهدين» وسد حاجة المعوزين: وإعطاء السائل واحروم ابتغاء مرضاة اللّهء وحنانا وعطفا على بنى الإنساث.
تغلغل الدين فى كل شع فى هذا العصرء فصاروا لا يصدرون فى عمل إلا عنهء وكانوا كلما جد شأن؛ أخذوا حكمه من الدينء إما ينص عليه؛ وإما بتأويل يرد إليه؛ وإذا صح قول نايليوت: إن البواعث الدينية والإيثار والتقوى: هى التى يقوم عليها بناء الأم. فلن جد أدل من حال العرب على صدقهاء فإن الدولة الإسلامية العربية قامت بباعث من الدين الحكيمء وتألفت بوحى الإرثار الذى أودعه الله قلوب العرب» وحميت بالتقوى والعزيمة حتى آخخر عصر الخلفاء الراشدين .
الأحوال الاجتماعية:
قلنا إن الدين كان يسود فى كل شىئع؟ ولذا ساد فى أكثر نواحى الحياة الاجتماعية: ومالم يسده كان واقعا نحت تأثير اجتماعى تقليدىء تنتقل فيه الأتعلاق بالعدوىء لا بالفكر والإرادة؛ ومهما يكن من شيع فقّد امتازت الحياة الإسلامية الأولى: فى زمن النبى ل وأكثر زمن المخلفاء الراشديع بمظاهر اجتماعية منها:
محو العصبية أو سترها إلى حين: [جابة لقول النبى لله «ليس منا من دعا إلى عصبية؛ وليس منا من قاتل على عصبية؛ وليس منا من مات على العصبية» .
ونسستطيع أن نقول: إن العصبية الجاهلية امعفت فى عصر الخلفاء القلاثة الأولين خصوصا عصر أبى بكر وعمر رضى الله عنهما؛ فإن المسلمين كانوا سواسية كأسنان المشطء لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى: وهم جميعا أمام حكم الله سواءء لا شريف ولا وضيع فى تنفيذ الأحكام.
وجما يروى فى ذلك أن جبلة بن الأيهمء وقد كان ملكا من ملوك الغساسنة» وطوع إزاره رجل من فرزارة» فانحل» فرفع جبلة يده» وهشم أنف الفزارى؟ فشكاه هذا إلى عمر رضى الله عنه؛ ثبين له عمر أن الحكم القصاصء أو عفو الأعرابى» فقال: كيف ذلك يأأمير المؤمنين» وأنا
الفا
ملك» وهو سوقة!؟ فأجابه عمر: إن الإسلام جمعك وإياه؛ فلست تفضله بشئ إلا بالتقوى والعافية؛ ففر جبلة إلى بلاد الروم .
اختفت العصبية؛ لنهى النبى مله فى مثل الحديث السابق كما ذكرناء ولأن العرب الجهاد عن الفخر بالآباء» والتمسك بالأنساب.
اتتقال العرب من البداوة:
وتأثر الكثيرين من العرب ببعض الحضارة لما يلى :
() لاختلاطهم بغيرهم من الأمء فإن المدن العربية كانت تموج بعد الفتح الإسلامى بعناصر مختلفة من الأم الأخرى؛ فالكوفة التى بناها عمر بن الخطاب للعرب؛ ليطلوا منها على الصحراءء كانت تموج بالموالى» والمدينة المنورة كانت (لأنها قصبة الدولة) مقصد ذوى الحاجات من كل الطوائف والأم؛ والغنائم بما فيها من الأسرى؛ ما كانت توزع على المجاهدي: إلا فى المديئة المنورة» ومكة المكرمة كانت مقصد الحجيج من العرب» وغيرهم من المسلمين.
(ب) ولاستخدام العرب للرقيق» لما توزعوه فيئا وغتيمة» وقد كان العبيد والإماء من أمم ذوات حضارات قديمة» فأثر أولكك فى البيت العربى» وأدخلوا فيه عادات لم تكن عند العرب.
(ج) ولكثرة ما أفاء الله عليهم من مال ونعم: فقد ورئوا نعيم كسرى فى فارس» وقيصر فى الشام وعصر» وكانت لهم من ذلك حياة قاكهة» رققت طباعهم؛ ورطبث نفوسهم) وفى الجملة تغيرت الحياة العربية؛ وانتقلت من بداوة جافة إلى نوع من الحضارة الممتزجة بالبداأوة قد سيطر عليها الدين: وعقلها من أن تصير انهماكا في الملاذ والعبث وأغون.
الأحوال السياسية:
اجتمع العرب مخت لواء واحدء لا يسيطر عليهم إلا الدين» وذهبوا إلى الممالك؛ ندوخوهاء واستولوا عليهاء وورئوا سلطان الفرسء وسلطان الروم فى الشرقء وصاروا حكام هله الأمء يتضافروث فى إدارة شكونهاء ويتآزرون فى هدايتهاء فوحدوا أمرهمء وجمعوا أشتاتهم وجعلوا الحكم ليس مظهر العصبية» ولكن مظهرا لوحدة دينيةء فالخلافة فيه لا تمثل قبيلة» ولكن تنفذ حكم الله؛ والخليفة لا يحكم بسلطانه» ولكن بسلطان الله سيحانه؛ وهم
جميعا مسكولون عما يوافقون عليه؛ ويأثنمون إذا سكتوا عن إرشاده فيما لايوافقونه فيه من حكم.
أرسلوا -حكاما للأم المفتوحة وهداة ودعاة إلى الإسلام» وهم فى كل هذا لايصدرون إلا أسباب وحدتهم» وتلاقيهم فى جامعة الدين بعد طول افتراق» ولكن الخلافة فى أخر عصر الخلفاء الراشدين طمح إليها أقوام؛ ليسوا هم الأولى» ونافسوا ذوى الجدارة والأولوية» بل نازعوا . الخليفة الرابع بعد أن بويع» فكان من ذلك فتن وحروب وانقساماتء فوق التى انتهت بمقتل الخليفة الثالث عثماك بن عفانء» وحالت الحال؟ وتغيرت الأمور والأحوال.
دواعى الخطابة ومو ضوعاتها فى ذلك العصر
كانت دواعى الخطابة فى ذلك العصر تتفق مع ما عرض لهم» وما سادهم من -حيأة؛ وما طرأ عليهم من أحوال وشكول سياسية واجتماعية.
وكان بدهيا أن تكون أولى الدواعى للخطابة هى الدعوة المحمدية والرد عليهاء فقد جاء محمد عله بذلك الدين الجديد فى قوم» القول صناعتهمء والبلاغة جل عنايتهم؛ فناداهم بأبلغ القول» وخخاطبهم بأروع الكلام, وخطب فى مجامعهم مؤيداً رسالته» ناشراً دعايته؛ حتى ضاقت صدورهم عن سماع قوله» بعد أن عجزوا عن مجادلته ومقارعة الحجة بالحجةء فامتشقوا الحسام» وتكلموا بالسنان بدل اللسان؟؛ فالخطابة كانت الأداة الأولى للدعوة المحمدية» وكاإنت السلاح الذى يرفعه حصومه فى الرد عليهء فكانت تلك الدعوة سببا فى انتشار الخطابة» ورقع دوججة البيان.
كان النبى عله يلقى الناس فى مواسم الحجء وفى المجامع؛ وفى المنتديات؛ ويدعوهم إلى الإإسلام » ويأنى فى ذلك بأبلغ الكلام.
انظر إلى خخطبته الموجزة يوم صدع بأمر ربه» وأنذر عشيرته الأقربين» إذ قال علك؛
وإن الرائد لا يكذب أهلهء والله لو كذبت الئاس جميعا ما 'كذبئكم: ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم »؛ واللّه الذى لا إله إلا هوه إنى أرسول الله إليكم خخاصة: إلى الناى كافة» والله لتموتن كما تناموت» ولتبعثن كما تستيقظوت» ولتجزون بالا حسان إحسانا وبالشر شراء وإنها لجنة أبدا أو لنار أبداء وإنكم لأول من أنذر بين يدى عذاب شديدة.
بيان الأحكام الشرعية:
لما دخخل الناس فى هذا الدين أفواجا أفواجا كان النبى #: بين لهم أحكام دينهم: ويعرفهم ذلك الشرع الشريف؛ وذلك الهدى القويم» ويبين تفصيل ما أجمل القرآن الكريم ؛ كما قال تعالت كلماته: 7 وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم » وبوضح لهم ما أشكل عليهم فهمه؛ أو ما التبس من أمر هذا الدين» وذلك البيان كات بأقوال محكمة: فيها وحى النبوة» وقبس من نور الرحمنء وقد قال تعالى: « وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى #* علمه شديد الققوى 4. وانظر إلى خخطبته عليه الصلاة والسلام التى مطلعها:
/
ب يبب
«أيها الناسء إن لكم معالم؛ فانتهوا إلى معالمكب؛ . وخطبته مله التى مطلعها: «كأن الموت فيها على غيرنا قد كتب». ونخطيته فى حجة الوداع. انظر إلى تلك الخطبء ترى فيها الترغيب مع الترهيب؛ والموعظظة الحسنة» والإيجاز الذى وفى2 وججمع فأوعى ...|
المشاورة:
كان رسول الله عله إذا قسدم على أمر .خطير استشار أصحابه» عملا بقوله تعالى: ( وشاورهم فى الأمر » وتلك الشورى تكون بخطبة قيمة: يعرض عليهم الأمر فيهاء ويتعرف أيهم » ويأخذ بما اتفقوا عليه؛ ورجحوه؛ ليكون فى ذلك قدوة للمسلمين؛ فلا يستبد بعضهم ببعض» ولا يغالى أحدهم فى تقدير نفسه زاعما أن رأيه إلهام بالصوابء لا يأنيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه» إذ كان أولى البشر بذلك سيد البشرء ولكن الله سبحانه جعل فيه أسوة حسنةء وليكون حجة على كل من مخدثه نفسه بذلك الطغيان.
وما استثسار فيه النبى ع أصحابه مسألة فداء أسرى بدرء والخروج إلى المشركين فى غزوة أحد. وقد نهج الخلفاء الراشدون منهجه مك عاملين بقوله تعالى: ( وأمرهم شورى ينهم 4 فأبو بكر كان يستشير الصحابة فى كل أمر ذى شأنء ويتعرف رأيهم إذا التبس عليه حكم من الأحكام: وكذلك كان عمر رضى الله عنه؛ بل إنه وسع باب الشورى؛ لما جد فى زمئه من شوك وأحداث استدعت المشاورة؛ وتعرف الرأى الصائب وسط الآراء المتبادلة . وقسم
شورأه قسمين :
شورى خا صدة:
وتلك كانت تتألف من علية الصحابةء المهاجرين الأولين والأنصار السابقين» وأولنك يستشيرهم فى صغرى الأمور وكبراها.
شورى عامة:
وتتألف من أهل المدينة أجمعين : يجمعهم فى الحرم النبوى الشريف» وإذا ضاق بهم» جمعهم خارج المدينة المنورة؛ وعرض الأمر الخطيرء ورأيه فيهء وكان سكان المدينة المنورة فى هذا يشبهون سكان أثيناء إذ كان كل شخص له رأى فى إدارة شثون الدولة. وفى الشورى العامة تتبادل الخطبء ويدلى كل ذى رأى برأيه وحجته؛ ومن المسائل التى استشار فيها عمر سكان المدينة المنورةء -حروجه على رأس الجيش إلى فارس» وقد ذكر الطبرى فى ذلك خخطب الصحابة
على وطلحة وغيرهماء التى أبدوا فيها آراءهمء وأدلتهم».ومنها مسألة أرض سواد العراق» وعير هذا كثير. ممحركة للألسنة» دافعة أهل البيان إلى البيان.
الحرية الشخصية:
كفل الإسلام للعربى حريته الشخصية بل نماها فيه؛ وسلك بها الطريق القويم» الذى يجعل تلك الحرية مثمرة صالحة» ولا يجعلها داعية لتمزق الجماعة؛ وذهاب ريحها؛ وأفول لمجمهاء وقد سار الخلفاء الراشدون على سئن هذا الدين فى إحياء النخوة العربية والمحافظة عليها.
انظر إلى العربى الذى يقول لعمر بن الخطاب: واللّه لو رأينا فيك اعوجاجا لقومتاه بسيوفناء فيحمد عمر الله سبحانه أن جعل فى المسلمين من يقومه بالسيف إذا اعوج!.
وانظر إلى المرأة التى تقطع على عمر خخطبته عند مادعا إلى حد المهور تالية قوله تعالى: ( وإث أردتم استيدال زوج مكان زوج وآنيتم إحداهن قنطار فلا تأخدوامنه شيعا أتأعلوه بهتاناً وإثما مبيتا 4. فيقول أخطأ عمر وأصابت أمرأة!
انظر إلى هذين المثالين» ترى كيف كان يتمتع العربى بحرية شخصية كاملة.
ويقول يعض الأدباء: إن الخطابة تزهو وتقوى فى كل أمة تتمتع بالحرية الشخصية؛ وكل أمة غلبت على أمرهاء وفشت فيها المذلة» ضعفت الخطابة فيهاء وتخولت من الحماسة إلى الضراعةء ولذلك امتنعت الخطابة فى العبرانيين كما نقل إليناء وانصرفت قرائحهم إلى نظم المرائى والحكمة:ء وتنميق الشكوى: وتنسيق التظلم؛ لهذا نقول: إن الحرية التى سادت المسلمين فى صدر الإسلام كانت داعياً للقول البليغ» يجابهون به الخلفاء الراشدين؛ ولولاً ما فى صدورهم منهاء ما ظهر ذلك القولء وما تقدموا معترضين على الخلفاء الراشدين بخطب ممتازة.
الجهاد فى سبيل الله:
اعتدى المشركون على المسلمين: فأمر اللّهء نبيه بأن يقاتل المشركين كافة؛ كما يقاتلونه كافةء فقائلهم عليه الصلاة والسلام حتى ضار الديي كله لله سبحانهء لا سلطان لأسحد
على القلوب . ومن بعذده أبلى المسلمون الفابتوت بلا'م حسناً فى قجال المرتدين » وفى حروبهم فاحين البلاد شرفا وعربا, وكانت الخطابة ذنخيرة معهمغ يحستغفظ بها القواد دائمأ؛ ليمدوا بها الجندء إن رأوا فينهم إعياء؛ فيجعلوا من ضعفهم قوة» ومن تقهقرهم تقدما وانتصارا.
قال نابغة الحروب ابليوث فى بيانك مقذار حاجة الجيوش إلى القوة المعنوية: نسبة القوة الجسدية إلى القوة المعنوية 7 الانتصار كنسية ١ :
وقال أجل القواد الألمان فى ذلك العصر: إنه مع التقّد م القن فى العصر الحديث» نرى العتصر المعنوى رهن على أنه فى الحاضيره “كما “كان فى الغا ؛ العامل الحاسم فى الحرب. 1 فالجيش من غير روح تدفعه كالسيف من غير يد محمله؛ لا يربق دماء» ولا يدفع عادية ؛ ولا يغذى الروح إلا الخطابة! وكلما كان القائد أملك لعنان القول مع أخخذ الأهبة؛ كان أكثر انتصارا» فالجهاد فى سبيل الله فتح للخطابة بابا واسعاً.
ولاية الأصر:
كان أولياء الأمر يعنوت بإطلاع المسلمين على سياستهم» وسنة حكمهم. وينتهزون الجمع, » والأعياد: والمواسمء وخصوصاً موسم الحج ؛ فرصة لذلك يبينون فيها ما يريدونه من طاعة فى الحق» وكان كل خليفة بعد تمام بيعته؛ يتقدم لجماعة المسلمين؛ ؛ ويبين ما سيأخذهم بهء وما يدعوهم إليه؛ كذلك فعل أبو بكر وعمر وعشمان وعلئ؛ وكات الولاة والعمال يسيرون على ذلك النهج, ؛ يبينون للرعية ما سيتبعونه فى حكمهم» ويسلكونه في إرشادهم» وفى كل ذلك إحياء للخطابة ونشرهاء ورفع لعمدها. '
الدعوة إلى الوحدة:
كانت الدعوة إلى الوحدة الإسلامية غرضاً مقصودا من أغراض الخطابة» وداعياآ حافراً من دواعيهاء فد كانت الوسيلة لجمع المسلمين إذا تنافرواء بها ترجع النفوس الشاردة» وتلتهم الجراح الناغرةء وتهدأ القلوب الثائرة. وقد حدث فى عصر النبى كك ما هدد الوحدة الإسلامية: لولا هدى المصطفىء كما حدث فى توزيع الغنائم بعد حرب هوازن؛ فقد حز فى نفوس . الأنصار أن لم يأعذوا منها شيكاًء وسرت القالة منهم بذلك» فوقف عليه الصلاة والسلام حطيبا. ٠ ورد نفوسهم الشاردة إلى نور الحق الميين. وقد 'كادت تتمزق الجماعة الإسلامية بعد وفاة النبى له وتذهب ريح المسلمين باختلافهمء حتى كاد الأنصار يولون عليهم خليفة؛ والمهاجرون مثله؛ لولا حكمة أبى بكر فى خطيته» وعزمة عمر. وكانت الخطابة ٠ هى البلسم الشافى» والدواء اناجعء عندما تعيش أحلام. وتهيج تفوس .
الفتن الداخلية:
لم تستمر الوحدة الإسلامية وارفة الظلال أمدا طويلاء فقد نبتت الفتن فى عصر الخليفة الغالث» واضطريت بها مراجل القلوب» حتى أنتجت نتاجهاء وأثمرت ثمراتهاء وكانت أولاها نفس ذلك الخليفة الشهيدء ولم تذهب الفتن برأسهء بل تشنعت الإحن» واشتدت المحن من بعدهء وانقسم المسلمون فى عهد الخليفة الرابع إلى أنصار له وأنصار لخالفيه» ثم خرج من بين الصفوف بعد حرب صفين من أنكر على الفريقين خطتهماء فكان المسلمون بذلك أحزاياً ثلاثة: حزب مع أمير المؤمنين على» وحزب مع معاوية الخارج عليه وحزب خمارج على الفريقين» وكل له أنصار من الخطباء المصاقع» يؤيد فكرته؛ وينصر دعوته» وعلى سيد خطباء تلك الفترة» انفتق لسانه بالبيان الرائع» والقول السائغ» والحكمة الفائقة؛ حتى أورث الأخلاف طائفة من الخطي» هى نهج البيانء ومشرع الحكمةء ونور الحق» ووضح الحقيقة.
وإذا كانت الخطابة قد وجدت فى العصر الجاهلى حياة تناسبها لأنها وجدت العربى يحيا حياة فروسية؛ فقد وجدت فى الحياة الإسلامية لها حياة أنسبء إذ أن العرب كونوا فيها لهم دولة تستظل بظل الدين» ويد فى الإيثار والتقوى والإيمات روح وقوة وتثبيتاً. وكانت نلك الدولة تغور عليها الزوابع العاتية» والريح العاصفة» فينيرى الخطباءء للمنافحة والمدافعة؛ والمجاهدة والمصابرة» وكلما اشتدت الحومة كانت الخطب نيراناً متأججة. أو بردا وسلامأء ترد القضب إلى الأجفان» والقلوب النافرة إلى الاطمئتان.
عوامل رقى الخطابة
وجدت الخطابة فى البيثة الإسلامية عوامل رقىء وأسباب تقدم ونموء فقد كانت حياة العربى خخحصبة بالتقوى والإيثار وقوة الروح؛ أحس بأن ملك كسرى يتزلزل مخت سيفه؛ وقيصر ينكمش فراراً من قوته. وذلك للدين الذى تورد على قلبهء فإنه هو الذى أوجد تلك القوة التى تدكدك العروشء وتزلزل القلوب؛ وتجعل من ساكن الصحراء حاكما لفارس وملك الروم فى الشرق. ظ
وإذا كانت الخطابة كما أسلفناء تستمد قوتها من النفس» فلابد أن نذكر الأمور التى كانت فى تلك الحياة: وغذت النفوس غذاء نمت به الخطابة» وازدهرت» وقويت» ونهضت» وأعظم تلك الأمور شنا وأجلها فى حياة العرب خطراء وفى الخطابة أثراً.
يي ا 25
المران الكريم:
جاء القرآن الكريمء فهز النفس العربية وأصاب شغافهاء وقد تخدى أعاظم البلغاء فيهم؛ أن يأتوا بسورة منه ولو مفتراة؛ فعجزوا أن يأتوا.
وقد قال الجاحظ فى إعجازه: بعث الله محمدا #؛ فى زمنء» أكثر ما كانت العرب شاعراً وخطيباً وأحكم ما كانت لغة»؛ وأشد ما كانت عدة فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد اللهء وتصديق رسالتهء فدعاهم بالحجة؛ فلما قطع العذر وأزال الشبهة وصار الذى يمنعهم من الإأقرار الهوى والحمية:؛ دون الجهل والحيرة» حملهم على حظهم بالسيفء» قتصب لهم العحرب» ونصبوا له» وقتل من عليتهم وأعمامهم وبنى أعمامهم» وهو فى ذلك يحتج عليهم بالقرآن الكريم ويدعوهم صباحاً ومساء إلى معارضته إن كان كاذباء بسورة واحدة أو بآيات يسيرة» فكلما ازداد تحديا لهم بها وتقريعا بعجزهم عنهاء قالوا: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف» فلذلك يمكنك ما لا يمكنناء قال: فهاتوا» ولو مفتريات» فلم يرم ذلك خطيب» ولا طمع فيه شاعرء ولو تكلفه لظهر ذلك» ولو ظهر لوجد من يستجيده؛ ويحامى عليه ويكابر فيه/ ويرعم أنه قد عارض وناقض» فدل ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهمء وسهولة ذلك عليهم» وكثرة شعرائهم؛ وكثرة من هجاه منهم» وعارض الشعراء من أصحابه؛ والخطباء من أمته؛ لأن سورة واحدة» وأيات يسيرة» كانت أنقض لقوله؛ وأبلغ فى تكذيبه, وأسرخ فى تفريق أتباعه؛ من يذل النفوس» والخروج عن الأوطان» وإنفاق الأموال؛ وهذا من جليل الئدبير الذى لا يخفى على من هو دون قريش والعرب» فى الرأى والفضل يطبقات؛ ولهم القصيد العجيبء والرجز الفاخمرء والخطب الطوال البليغةء والقصار الموجزة» ولهم الأسجاع واللفظ المنشور» ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن ظهر عجز أدناهم» ومحال أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط فى الأمر الظاهرء والخطاب المكشوف البين» مع التقريع بالتقصير والتوقيف على العجزء وهم أشد الخلق أنفة» وأكثرهم مفاخرة؛ والكلام سيد أعمالهم؛ وقد احتاجوا إليه؛ والحاجة تبعث على الحيلة فى الأمر الغامضء» فكيف بالظاهر الجليل المنفعة: وكما أنه محال أن يطيقوه ثلاثا وعشرين سنة» على الغلط فى الأمر الجليل المنفعة؛ فكذلك محال أن يتركوه» وهم يعرفونه؛ ويجدون السبيل وهم يبذلون أكثر منه»”' اه بتصرف
. ١١8 منقول عن الإتفان فى علوم القرآن السيوطى جب؟ ص )١(
ا لف6 ”7
وإذا كات أثر القرآن الكريم فى منأوئيهع وضم قوم خصمول: هووما علمت من خير ودهشة وعجر بل إعجاب يخفيه الغرض ومرض النفس بالشرك والعناد» والفالفة ؛ فكيش يكون أثرة فى الاخحذين بهديه, المقتبسينْ هر نوره؟ لقد أثر الشران الكريم فيهم أبلغ تأثير» وأفادت الخطاية أعظم فائدة » وجنت منه أكبر الشمرات» وقد كانت فائدتها من ناححيتين:
إحداهما :مما ا كتسبته اللغة من القرأن الكريم :
() فقد أكسبها سعة فى المعنى؛ إذ قد أتى بمعان لم يتورد العرب من قبل مواردها؛ كانوا قوما حسييسن »> ولغتهم حكسبية ) فبحاء القران الكريم ؛ وحلرتث عمن النفوس ووصفهاء وأحسن وشاعت بينهم الأقوال فى الأمور المعنوية؛ وسمت اللغة العربية إلى مستوى ما كان يتهيأ لها بغير القرآن الكريم» وأثر القول فى الأمور المعنوية وحسن تصويرها فى الخطابة جلى لا يحئاج إلى تبيان»
(ب) وقد جاء القرآن الكريم فى لفظ سهل متين؛ خال من الألفاظ الخشنة الجافة؛ يصل إلى الأغراض من أقرب مسالكها؛ فأعجب بذلك قأركوه وسأمعوة؛ فحا كوه فى نهجة ؛ وإ لم يساموه فى قذرهع وتهذبت به اللغة أتم تهذيب؛» فسهلت عباراتهاء ورقت أساليبهاء واستأنست ألفاظهاء إذ سن لها نوعا من التعبير لم تنهجه؛ فكان فتتحا جديدا فيها بألفاظه وأساليبه؛ كما كان فتحا جحديدا فى العالم كله بهليه وتقويمه وتأدييه. وأثر ذلك فى ألفاظط
الخطابة واضح غير تخفى. 1 نيتهما:
أن الخطباء قد أخذوا ينهجون منهج القرآن الكريم فى الاستدلال؛ إذ وجدوا فيه أبلغ طرق الإقناع الخطابى» فقد اجتمع فى أدلة القرآن الكريم مالا يمكن أن يجتمع فى أدلة سواهاء إذ جد فيها استقامة المعنى» إذا قسته بمقياس المنطق؛ فتجد المقدمات قد تلاءمت مع نتائجهاء وتوافرت فيها شروط الإنتاج؛ كما تجد فيها جمال اللفظ؛ وجودة الأسلوب» ومخاطبة الإاحساسء وإثارة الرغبة. اقرأأ قوله تعالى : 9 لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتاء فسبحات الله رب العرش عما يصفون 4 عد الدقة المنطقية وجمال اللفظ؛: رمخاطبة الوجدان» قد اجتمعت مع -حسن الإيجاز! فتعالت كلمات الله سبحانه وتعالى .
للب يجججججججحححح
وجد الخطباء فى القرآن الكريم ذلك؛ فوجدوا فيه معلما لطرق الإقناع والاستدلال؛ لا يقاضيهم أجراء فتأثروا طريقته» واقتيسوا من عباراته؛ وشاع بينهم الاقتباس منه؛ حتى كان من مزايا الخطبة أن تكون مشتملة على شئ من القرآن الكريم.
قال الجاحظ : كانو! يسمون الخطبة التى لم توشح بالقران الكريم» وتزين بالصلاة على النبى عله بالشوهاء؛ ففى الحق وجد الخطياء المثل الأعلى فى الكتاب العزيز» فنهجوا نهجه فى الإقناع, وإقامة الحجةء واقتبسوا من لفظه؛ واستعانوا بروحه» فحيوأ فى بلاغتهم ونحطبهم -حياة جديدة.
الحديث النبوى الشريف:
كلام النبى يك هو الكلام الذى يلى منزلة القرآن الكريم احتراماً وإجلالاء وقد اجتمعت فيه فصاحة اللفظ وجودة المعنى وحسن الأداء» بلغ من البلاغة الذروة» ووصل من الروعة إلى القمة» هو جوامع الكلمء وفيه روائع الحكمء هو القول الفصلء لا فضول فيه ولا تزيدء أتحذ من القرآن الكريم؛ وأوحى إليه به الرحمن؛ لكلامه جلال لا مجده فى سواه؛ وتخيط به هالة روحية؛ نخس منها بشعاع النبوة» ولو أن كلامه عرض عليك منسويا لغيره لأذنكرت النسبةء ورددت الحق إلى نصابه» وقد أثار ذلك روح العجب والإعجاب فى أصحابه: حتى قال له أبو بكر رضى اللّه عنه: لقد طفت فى العرب» وسمعت فصحاءهو»؛ فما سمعت أفصح منكء فمن أدبك ؟) فقال عليه الصلاة والسلام: «أدبنى ربى؛ فأحسن تأديبى» .
وقد قال الجاحظ فى وصف كلامه 2 : هو الكلام الذى قل عدد -حروفه» وكثر عدد معانيه؛ وجل عن الصنعة» ونزه عن التكلف» وكان كما قال الله تبارك وتعالى: «قل (يامحمد) وما أنا من المتكلفين» فكيف وقد عاب التشديق؛ وجانب أصحاب التقعير؛ استعمل المبسوط فى موضع البسطهء والمقصور فى موضع القصرء وهجر الغريب الوحشى» ورغب عن الهجين السوقى؛ فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة» ولم يتكلم إلا بكلام حف بالعصمة» وشيد بالتأييد ويسر بالتوفيقء وهذا الكلام الذى ألقى اللّه المحبة عليه وغشاه بالقبول: وجمع له بين المهابة والحلاوة» وبين -حسن الإفهامء وقلة عدد الكلام. وهو مع استغنائه عن [عادته؛ وقلة حاجة السامع إلى معاودته» لم تسقط له كلمة:» ولا زلت له قدم؛ ولا بارت له حجة:» ولم يقم له خصمء ولا أفحمه خطيبء بل يبذ الخطب الطوال بالكلام القصيرء ولا يلتدتمس إسكات
ب
الخصم إلا بما يعرفه الخصم ولا يحتج إلا بالصدقء ولا يطلب الفلس' '' إلا بالحق؛ ولا يستعين بالخلابة'' ولا يستعمل المواربة» ولا يهمز ولا يلمز”" ولا يبطوع ولا يعجلء ولا يسهب ولا يحصر. ثم لم يسمع الناس بكلام أعم نفعاء ولا أحسن لفظأء ولا أعدل وزناء ولا أجمل مذهباء ولا أكرم مطلباً» ولا أحسن موقعاء ولا أسهل مخرجاء ولا أفصح عن معناهء ولا أبين عن فحواه من كلامه عكه. ثم قال بعد ذلك: ولعل بعض من لم يتسع فى العلم؛ ولم يعرف مقادير الكلام؛ يظن أنا تكلفنا له من الامتداح والتشريف ومن التزيين والتجويد؛ ما ليس عنده ولا يبلغ قدره. كلا! والذى حرم التزيد على العلماءء وقبح التكلف عتد الحكماء: ويه ب!2) الكذابين عند الفقهاءء لا يظن هذا إلا من ضل سعيه.
وقد كان للحديث أثران فى الخطابة:
أحدهما: من ناحية تأَثيره فى اللغة؛
() لأن الحديث أضاف إلى اللغة ثروة من المعاتى» وثروة من الأساليب» التى كانت تعد من النبى َلك ابتداعاً وابتكارا مثل قوله: «حمى الوطيس»» ومثل قوله عليه الصلاة والسلام (المضعف أمير الركي» » وقوله: دمات حتف أنفهة, وقوله:ذهدنة على دخحن» » وقوله: دلا ينتطح فيه غنزان» وقوله عليه الصلاة والسلام المن ساق إيلا بعنفء وعليها نساء: «رويدك رفقا بالقوارير) .
(ب) ولأن الحديث هذب اللغة تهذيباً قربياً من تهذيب القرآن الكريم إذ سهل ألفاظهاء ورقق أساليبها وذهب بالحوشى منهاء فكان لكل هذا أثره فى الخطابة؛ لأنها شعبة الأدب الأولى فى ذلك العصرء بل أعظم شعبه وأظهر مظاهره.
ثانيهما:
أن كثيرا من الخطباء كان يرطب لسانه فى خطبه بشع ما أثر عن الرسول ه» تيمناً بقوله» واسترواحا للسامعين وليكسبوا كلامهم روعةء وليستشهدوا بكلام الرسول عله على صحة ما يدعوث؛ وإذا علمت أن أكثر الخطب فى ذلك العصرء كانت تدور على مبادئ الدين قوامهاء علمت مقدار عنايتهم برواية أحاديث رسول الله #هء والاستشهاد بها فى خطبهم؛ فإن
)١( الفلج: الظفر والفوز. (؟) المخلابة: الخديعة فى القول. (9) يلمز: معناه يغتاب. (4) بهرج. معناه أهمل ,
ئهة بيي لللللل -000
الحديث إذا صح عندهم كان فيه فصل الخطاب» واعتقدوا أن الخطيب بروايته يصيب محر الصواب .
الحضارة:
أخذت الحضارة تغزو نفوس أولثك البدوء ولكنها لم تستول عليها استيلاء تاما كما علمت: فاجتمعت فيهم شوة البدوى ولحوته وبعض دماثة الحضرى ورفته» وقل علميت أسباب ذلك فيما ييتاه من شرح أحوالهم الاجتماعية وبقى أن تعرف أثر ذلك فى خطبهم.
أكسيتهم تلك الحضارة؛ سهولة فى التعبير لم تكن فيهم؛ إذ هذيت من طباعهم؛ وقللت من جفوتهم وخشونتهم: فلانت من غير ضعف «ابتذال عباراتهم: كما | كسبتهم سعة الخيال» وغزارة فى المعاتى وعرفانا تأما بما تقتضيه الأحوال؛ وقد أكسبهم اخختلاطهم بالأم: وضم ذوو الذ كاء الفطرى والفراسة؛ معرفة اكثيرة يأحوال النفوس فاستخدموا كل ذلك فى خطيهم» وبدت غزيرة المعانى متنوعة الموضوعاتء وافية فيما يقصد إليه الخطيب من غرض»؛ وما يمسحةه إليه من هدقف ومرهى .
كان تكوين الحكومة الإسلامية عاملا عظيما من عوامل اتساع موضوعات الخطابة: فقد كانت هى أداة أتصال الحاكمين با محكومين» بها اتصل الخلفاء بالشعب فى خطيهم العامة» وبها اتصل الولاة فى الأقاليم بمن يحكمونهم؛ يبين هؤلاء وأولئنك ما يريدون أن يكون المحكومون عليه من طاعة فى الحق وإرشاد للحاكم من غير تمرد أو عصيان.
الوعظ الدينى:
كان الوعظ الدينى له الشأن الأول: لأن الدين كان أساس وحدتهم» وجامع كلمتهم؛ ومكون دولتهم؛ ولذلك كان له الاعتبار الأول وقد حث الإسلام على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكرء وجعله قوام هذه الأمة؛ ومناط عزهاء وطريق ارتقائهاء قال تعالى: ( كنتم خير أمة أخمرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المتكر 4. وقد كانت الخطبة فرضاً فى الجمعة لذلك الغرض» فكان للخطابة من ذلك المبدأ الدينى السأمى ؛ هبد أ التواصى بالحق»؛ والتناهى عن الشر» رقى أى رفى» وسمو عظيم ! إذ جعلت من شعائر الدين ومظاهره القويمة.
الألفاظ والأساليب والمعانى (1) الألفاظ:
صفت ألفاظ الخطابة؛ وسهلت» ورقت وعذبت؛ وذلك لتسأثرهم بالقرآن الكريم؛ واقتفائهم طريقه: وسلوكهم سبيله؛ إذ رأوه المثل الأعلى للكلام؛ فحاكوه» وإن لم يتساموا إليه: ولأن فوسهم هذبتء وألان الإسلام من جفوتها ونهنه من شدتهاء وبدلها مكان القسوة رحمة:ء ومكان العنف رفقأء حتى إن الرجل الذى كان يمد ابحهء فلا ينشق قلبه لها بعطف؛ أأصبح بالإسلام يسمع كلمة الحق» فتتحدر عبرته؛ وتذوب نفسه .حسرات؛ وإذا رقت النفس وسهلتء لا يصدر عنها إلا العذب السهل من الألفاظ؛ فإن الكلمات صورة نحية للنفس التى بيش بهاء ولأن الله سبحانه أورثهم ملك كسرى وقيصرء فجاءتهم الغنائم : وأصيحوا فا كهين فى نعيم» بعد أن كانوا فى شظف من العيش» وخشونة من الحياة. ولقد قال تليغة رسول الله عله متنبعآ بما يكون: والله لتألمن النوم على الصوف الأذربى» كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان. وقد كان أن نال العرب من تعيم الحياة أشطراء بعد أن ذاقوا من الشقوة أبؤْسا. وتلك الحال التى تنبأ بها ذلك الإمام العظيمء لم تكم فى ذلك العصرء وإن أخذت خخطواتها فيه.
وإذا كان العربى قد ذاق هذا النعيمء ورأى مناظر الترف» وعاش فى مشاهده: فلابد أن تلين ألفاظه؛ وتسهل عباراته, لأن الألفاظ صورة لما يألفه القائل؛ ويعرفه المتكلم.
؟- ولقد ذهب من الألفاظ الغريب الحوشى لاجتماع العرب على لغة واحدة هى لغة قريش» وذهاب اللغات الأخرى» فلم يبق منها إلا النادر من الألفاظ والأساليب؛ ولأن الخطابة كان عمادها فى الإسلام المألوف المكشوف؛ لأن الغاية كانتء إما إفهام السئن والأحكام والشرائع؛ وإما الحث على الجهادء وإما المشاورة وإبداء الرأى والنصيحة للإمام؛ وكل هذا يقتضى الوضوح والسهولة.
وكانوا بمقتضى تعاليم الإسلام أبعد الناس عن الإغراب والتوعرء والتفيهق والتشادق» فتقد قال عليه الصلاة والسلامء «أبغضكم إلى الثرئارون المتفيهقون»؛ لذلك كان المسلمون يميلون إلى التكلم فى خطبهم بكلام يشيه الكلام العادى فى سهولته؛ وعدم تكلفه؛ لولا انسجام فى التعبيرء ولولا التحميد والبسملة ولثناء على البى مله؛ وغير ذلك من الأمور التى اختصت بها الخطبة. كما سنبين إن شاء الله تعالى. ظ
ا اه
المعانى:
إن المعانى الخطابية سلكت مسلكا يتفق مع الحياة الإسلامية فى مظاهرها التى سبق بيانها؛ إذ أن تلك الحياة هى التى وجهت اللخطابة وجهتهاء وهى التى استوحت الخطابة منها معانيها.
وقد كانت المعانى دينيةء فخطيهم فى الحروب» دعوة إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى؛ وإعلاء لكلمته؛ ورفع لدينه ونشر لدعوته» وخطبهم فى الشورى صورة لفهمهم الدين» كل يدلى بالرأى وبربط دعواه بالمبادئ الدينية. وخطبهم فى الاجتماع والألفة أدلتهم فيها القران الكريم والسنة» والمبادئ الإسلامية المعروفة من الدين بالضرورة. وهكذا كل أغراضهم المخطابية؛ الدين فيها قطب الرحىء وعليه يدور كلامهم» وفيه يختلفوت» وبه يتفقون؛ وذلك لأن الدين قد تغلغل فى كل مظاهر حياتهم» كما أسلفنا لك» وكان هو المسيطر على ضمائرهمء والقانون الخلقى الذى إليه يحتكمونء والشرع الذى على مقتضاه يسيرون؛ ولأن كتاب الله وسنة رسولهء كانا يتبوع المعرفة الذى إليه يردون؛ وعنه يصدرون:؛ فلم يكن لهم علم إلا علم الكتاب ولا معرفة إلا من سنة رسول الله 2 وهديهء فلا عجب إذا صارت معانى الخطابة كلها دينية خالصة.
وقد كان الخطباء يسلكون فى الاستدلال الخطابى الطريق المنطقى» والطريق الوجدانى؛ وذلك لتأثرهم طريق القرآن الكريم فى الاستدلال وأخلهم من معانيه» ونيلهم من هديه؛ إذ كان المثال الذى يستذونه» والمنار الذى يهتدوك به.
واقرأ خطبة أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى سقديفة بنى ساعدة:؛ تر فيها الدليل المنطقى» قد التقى مع الدليل الوجدانى» وأحكمت الأواصر بينهماء من غير أن يطغى.أحدهما على الآخخرء واقرأ خطب الفاروق عمر رضى اللّه عنه فى شوراه؛ وتحطب من يوافقونه» أو يردون عليهء تر الحقائق المنطقية؛ قد صيغت فى قالب دينى يثير الوجدان» ويوقظ العاطفة؛ ويلهب الحمية! وهكذا فى كل أغراضهم البيانية» لأن حماسة الدين مجتمع مع الحقيقة» فتمدها بحرارة الايمان ويقظة الوجدان: وقوة الإ-حساس
وكانت المعانى لما سبق قوية التأثير فيمن يخاطبون؛ إذ توافرت فيها شروطه. وتكاملت أسبابه» وهما الدقة فى الفكر والاستنباطء وإثارة العاطفةء وإنهاض العزيمة.
"17
وكانت المعانى مسلسلة متصلة الأجزاء؛ محكمة الأواصره ولم تكن منتقرةء كما كانت فى العصر الجاهلى؛ ولعل السبب فى ذلك اجتهادهم فى صوغ كلامهم صياغة استدلالية, لينتج النتائج الى يريدونهاء واتساع معلوماتهم بسبب ذلك الدين الجديدء ووحدة الغرض الذى جعلوه هدفا لكلامهم؛ يصوبونه إليه ؛ لينالوهء وإنك لترى ذلك الإحكام؛ وهذا التماسك واضحاً فى أكثر خطب ذلك العصرء وخصوصاً خخطب الإمام على رضى الله عنهء واقرا خطبته عندها استشار الفاروق عمر الصحابة فى غزوه فارس بنفسه تر التماسك بين أجزاء القول. وأخذ بعضه ببحجز بعضء واضحا كل الوضوح!
وعدم المبالغة والإغراق واضح كل الوضوح فى الخطابة الإسلامية؛ ذلك لأن الخطياء الإسلاميين من العرب الذين امتازوا بالصراحة والصدقء وهما صفتان تتنافيان مع المبالغة والإغراق» ثم هم قد امتازوا باستقامة الفكرء وسلامة النفسء والإغراق ليس إلا مظهراً للشطط الفكرى؛ ومجاوزة حد الاعتدال البيانى» وهو من نوع التفيهق الذى نهى عنه الدين» ولهذا باعدوه» واوا عته؛ لأنه لا يتفق مع الهدى القويم» والسنن المستقيم.
الأسلوب:
إن الأسلوب السخطابى فى العصر الإسلامى بلغ من الإحكام مبلغا سما عن أن يحاكيه فيه عصر من عصور اللغةء أو ينهد إليه خطباء أى زمن سابق أو لاحق لذلك العصر.
وأول ما يلاحظه القارئ لخطب ذلك العصر أن الخطية صارت مجرأة ومقسمة: كل قسم يلحق سابقه» تبتدئ بمقدمة فيها يحمد الخطيب الله سبحانه وتعالى» ويثنى عليه بما هو أهلهء ويصلى على النبى علء ثم يهجم على الموضوعء فيقدم ما يراه دليلا لدعواهء وبرهانا ما يراهء وبعد أن يتم القول فيه ويوفى على الغرض يتوجه إِلى اللّه سبحانه وتعالى» يدعوه أن يوفقه إلى الرشاد ويلهمه السداد. ولبعض الخطباء صيغة دعاء يختم بها قوله. قال ابن عبد ربه: كان آخر كلام أبى بكر الذى إذا تكلم به عرف أنه قد فرغ من خخطبته: اللهم اجعل خير زمابى آخخره» وخير عملى نخواتمه» وخير أيامي يوم ألقاك.
وكان آخر كلام عمر الذى إذا تكلم به عرف أنه فرغ من خطبته: اللهم لا تدعنى فى غمرة؛ ولا مجعلنى من الغافلين.
وقد أكثر الخطباء من الاقتباس من القرآن الكريمء والاستشهاد بهء والاستدلال بالمأثور عن النبى علله؛ يعمدون إلى الحديثء فينهلون من نميره؛ ويتجهون إلى الاية القرانية ويرطبون
ا __ا_ا_ا__ا_اااا ببح
بها كلامهمء فيكون فيها فصل الخطابء وقطع كل جواب واعتراض» وإذا علمت أن كل معانيهم دينية» علمت مقدار قوة الحديث الشريف والقرآن الكريم فى استدلالهمء وفصلهم فى خصوماتهم» ففيهما فيصل التفرقة بين الحق والباطل» وصحيح الاراء وسقيمها. وفوق ذلكء» فالكتاب الكريم» والحديث النبوى الشريف»؛ فيهما من البلاغة والفصاحة والروعة واللفظ الجزل والأسلوب الرائع؛ وامحكم من المعانى ما علمتء فالتجهوا إلى الاقتباس منهما؛ ليكسبوا كلامهم طلاوة وليعطوه حلاوة» وليقبسوا من القرآن الكريم والحديث الشريف قوة فى التأثير» ورنيناً فى الآذان» ورهبة فى القلوب»؛ وجمالا فى الأنفس» وبهجة فى المشاعر وقد تعلو الآية. القرآنية بالخطبة فترفعها إلى الذروة من البيان والقمة من التأثيرء وبلوغ المقصد من أقصر طريق» وأقرب مهيعء ولذا أكشر الخطياء من الاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث النبوى الشريفء حتى صار ذلك عرفا شائعاً. وقك نقلنا أنفاً عن الجاحظ ما حكى من أن الخطية تسمى شوهاءء إذا لم يجمل بآية من كتاب الله سبحانه وتعالى . وقال فى مقام أخير: كانوا يستحسنون أن يكون فى الخطب يوم الحفل» وفى الكلام يوم الجمع؛ أى من القرآن الكريم؛ فإن ذلك ما يورث الكلام البهاء والوقار والرقة وحسن الموقع - وفوق أنهم كانوا يستشهدون ويقبسون من القرآن الكريم» والسنة النبوية الشريفة قد أخذوا يحاكونهما فى مناهجهما الكلامية؛ ويسيرون سيرهما من غير تسام إلى منزلتهما البلاغية؛ وذلك طبعى» فإن الإنسان إذا وجد أمامه مثلا كاملاء اجتهد فى محاكاته؛ وإن لم لغ مبلغهء ولثم يصل شأوه. وقد مجمل الخطب أحيانا بأبيات من الشعر تناسب المقام؛ وتتصل بالموضوع» كما فعل أبو بكر رضى الله عنه فى خطيته فى الأنصارء إذ قال: يامعشر الانصارء لو شكمتم أن تقولوا: إنا آويناكم فى ظلالناء وشاطرناكم فى أموالتا؛ ونصرنا كم بأنفسناء لقلتم؛ وإن لكم من الفضل ما لا يحصيه العددء وإن طال به الأمدء فنحن وأتتم كما قال طفيل الغنوى يشكر جعفرا: مجزى الله عنا جعفراً حين أزلقت بنا نعلنا فى الواطئين فزلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقى الذى يلون منا لملت هم أسكنونا فى ظلال بيوتهم ظلال بيوت أدفات وأظلت
عدم التكلف: وكانوا لا يعمدونت فى خطبهم إلى التحسين والتريين ؛ ولا يكاد يمتاز كثير من خطبهم عن لغة التخاطب» إلا بهذه العناية التى يقصد إليها الانسان عندما يريد اجتذاب السامعين إلى فكرة أو مذهب أو رأىء ولم يكن الذدوق العام الأدبى فى ذلك العصر ويروى أن الأحنف بن قيس وفد على عمر بن الخطاب» فتكلم بكلام خلاب ذهب فيه كل مذهبء فكان -جزاؤه عنده أن حبسه عن الرجوع إلى بلده حولا وبضعة أشهرء ثم دعاه إليه وقال: إن رسول الله كه حذرنا كل منافق صنع اللسان؛ وإنى خفتك» فاحتبستك؛ فلم
الكهان.
وقد قل السجع فى ذلك العصر؛ لأن النفس العربية الأمية كما بينا كانت تميل إلى عدم التكلف والصنعة. وزاد الخطباء ابتعادا عن السجع نهى النبى ع عن سجع الكهان؛ فقد جاء فى البيان والتبيين للجاحظ: قالوا: فقد قيل للذى قال:يارسول الله أرأيت من لا شرب ولا أكلء ولا صاح فاستهل؛ أليس مثل ذلك يطل . فقال رسول الله #: أسجع كسجع الكهان. وقد كان السبب فى نهى النبى تله عن هذا النوع من السجع فوق أنه تكلف كما ذكره الجاحظ فى قوله: إن كهان العرب كان أكثر أهل الجاهلية يتحاكمون إليهمء وكانوا يدعون الكهانة» وإن مع كل واحد منهم رئياً من الجن... قالوا فوقع النهى فى ذلك؛ لقرب عهدهم بالجاهلية ولبقيتها فيهم: وفى صدور كثير منهمء فلما زالت العلة زال التحريم.
هذا وقد رأينا فى نهج البلاغة المنسوب إلى الإمام على رضى الله عنه سجعا كثيراً فشك كثير من الأدباء فى نسبته إلى الإمام على إذ رأى الخطب ذات السجع الكثير المشتمل عليها ذلك الكتاب لا تتفق مع المعروف من عدم التكلف فى ذلك العصرء وعدم القصد إلى محسين الكلام تحسيناً متكلفا كما لا يتفق مع ما عرف عنهم من قلة السجع فى خطيهمء وعاب بعض الأدباء المتعصبين على على كرم الله وجهه ذلك السجع؛ للانتقاص من فضله؛ وقد رد ' عليهم ابن أبى الحديد فى شرحه لنهج البلاغة؛ فد جاء فيه: فأما قولهم إن السجع يدل على التكلف فإن المذموم هو التكلف الذى تظهر سماجته وثقله للسامعين. فأما التكلف المستحسن» فأى عيب فيه؛ ألا ترى أن الشعر نفسه لايد فيه من تكلف إقامة الوزن» وليس لطاعن أن يطعن
ريه اطغ
فيه بذلك.. وقد بينا أن كثيراً مره كلامه (452) مسسدجوعء وذ كرنا خطبته (خخطية الوداع) » ومن كلامه عليه الصلاة والسلام المسجوع تحبر ابن مسعودء رحمه الله تعالىء» قال: قال رسول الله عله وآله : استحيوا من الله حق الحياء؛ فقلنا إنا لنستحيى يارسول الله من الله تعالى» ققال: ليس ذلك ما أمرد بهء وإنما الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعىء والبطن وما حوى, وتذ كر اللموث والبلى» ومن أراد الآخيرة ترك زينة الحياة الدنيا.
ومن كلامه المشهور لما قدم المدينة المنورة عليه الصلاة والسلام أول قدومه إليها قال: أبها الناس أقشوا السلام؛ وأطعموا الطعام؛ وصلو! الأرحامء وصلوا بالليل والناس نيام» تدخملوا الجدة بسلام. ونحن نوافقه فى أن السجع القبيح ما كان التكلف فيه واضحاً تظهر سماجته» ولكن تخالفه فى أن كثيراً من كلام الرسول “لله كان مسجوعا؛ فإن ذلك هو القليل؛ إذ أن خطبه #ه بين أيدينا وأحاديثه قد جمعتها كتب السنة الصحيحة؛ فهل يستطيع أحد أن يدعى أن السجع يصل فى كلامه عليه الصلاة والسلام إلى عشره؛ حتى يصح أن يقال إن السجح كان كثيراء بل الأغرب والأكثر عجبا أن يقول ابن أبى الحديد إنه فى أكثر خخطيه #.
فإن الحق الذى أجمع عليه مؤرخو الآداب أن السجع قليل فى خخطب ذلك العصر: وأن تلك القلة واضحة فى خطب النبى عليه الصلاة والسلام وفى كلامهء والحكم الذى لا ترد حكومته هو الرجوع إلى ما أثر عنه عليه الصلاة والسلامء والموازنة بين مقدار المسجوح وغير المسجوعء فستجد حثما أن المسجوع قل» والكثرة غير مسجوعة.
طول التخطب وقصرها:
أكثر الخطب المروية عن هذا العصر قصير لا طويل» فية الإيجاز أظهر من الإطئاب: ولعل هذا الموجز جزء من خطبة طويلة حفظ هذا اللجزءء وتبعشر الباقى فى الأسماعء أو لعل الموجز من الخطب هو الذى استطاع أن يحفظه الراوى» لسهولة حفظه وجودته أكثر من سواه؛ لأن رواية الخطب فى هذا العصر كسابقه؛ كان المعول فيها على الرواية السماعية؛ لا على الكتابة؛ د لم تكن الكتابة قد انتشرتء ولأن الخطباء لم يعمدوا إلى كتابة خطبهم؛ ولم يعمد الناس إلى ؟تانتهاء لعدم اعتيادهم ذلك؛ ومع هذا ففى المروى خخطب طويلة كخطبة ححجة ألوداع الم اأى أن_, عله و ككثير من خحطب الإمام على رضى الله عنه التى صحت تسبتها إليهء وكبعض نعطب الشهيد المقتول عشمان رضى الله عنه عندما اندلعت نيراك الفتنة واشتدت» وكخطب الفاروق عمر رضى الله عنه فى بعض شوراهء كخطبته فى أرض سواد
ااا 0س
العراق» وكل هذا يثبت أن الخطب فى ذلك العصر فيها القصيرء وفيها الطويل؛ وقد كانوا يضعون الأمور فى موضعهاء فلا يطيلون فى غير مواضع الطول» ولا يوجزون فى غير مواضع الإيجاز» وهم فى الحقيقة أميل إلى الإيجازء أخذاً بأهداب الدين: وتمسكا بأوامرهء ولا يطيلون إلا عندما تضطرهم الحاجة إلى الإطالة؛ ويحملهم الموضوع والمقام على الإطتاب» فيطنبوت غير مختارين » لأنهم كانوا يخشون أن يكون التطويل من باب احتياز امجالس؛ والتشادق؛ والتفيهق ؛ والغرثرة المنهى عتهاء ولأن الإنسان كلما كثر لغطه كثر سقطهء فيخافون السقط لائهم ذوو القلوب التيرة» والنفوس المطمئنة.
يروى أن عمار بن ياسر تكلم يوماء فأوجرء فقيل له: لو زدتناء فقال: أمرنا رسول الله عله الشام قال: إذا وعظت جندك» فأوجر؛ فإن كثير الكلام ينسى بعضه بعضاً.
000000022225252
الخطيب فى صدر الإسلام
اتصف الخطيب الإسلامى بما اتصف به الخطيب الجاهلى من فصاحة بيان وجودة تططق» وسداد رأى» ومراعاة لمقتضى الحال: وسمت ووقارء وقوة شخصية ونفوذ وقوة نفس» وقد كمل الإسلام هذه الصفات فيهء وزاده أخرى» فالخلفاء الراشدوث؛ ومن لهم بهم شبه فى الدين والإيمانء فيهم قوة النفس وقوة الروح بمقادير لا توزن بها أقدار الجاهليين» وحسبك أن تعلم أن قوة نفس أبى بكر رضى الله عنهء ونفوذه الشخصىء وما وهبه اللّه من قوة تأثير هى التى جمعت الوحدة الإسلامية إذ شارفت التمزق» وقد كان عمر لا يسير الشيطان فى طريق يسير هو فيهء كما جاء فى الأثر؛ لمهابته؛ وقوة نفسهء وعظم روحهء حكم العرب بالهيبة والدين» وردعهم بنفسه من غير سيفء ولا ما يشبه السيف» كان إذا لاحظ على أحد أمرأ ضربه بدرته؛ فتقعل فى نفسه مالا يفعله السيف فى الجسيء والمهابة على ما بينا أعظم ما يعاون اللخطيب على اجتذاب النفوس إليه.
وقد زادوا بالإسلام علمآء إذ وجدوا فى القرآن الكريم ينبوعا علميا لا ينضبء ووجدوا فى السنة معينا فكريا لا يجفء واختلاطهم بالناس زادهم علماً بأحوال النفوس» وخصبرة بمواضع التأثير» فعلم الخطيب الصحابى أغزر من علم الخطيب الجاهلى» وفكره أوسع» ونظره أشمل وأعم ؛ وشتان بين هدى الجاهلية: وهدى الرحمن» وشتان بين عابد الأوثان: والمخاضع للدياك.
والخطيب الإسلامى قريب إلى النفوس» غير بعيد عنهاء لأن أولعك القادة والصفوة المختارة من أصدحاب النبى لله » كانوا يحبون الله ويحبهم! وكانوا أذلة على المؤمئنين أعزة على الكافرين؛ ومن أحبه الله ألقى عليه محية الناس» ومن تواضع مع المهابة وقوة النفس أحبه الناسء وهابوه؛ فيكون تأثيره فيهم أشدء وقوله أروع.
وكان الخطيب الإسلامى لتهذيب الدين لهء ومسخالطة بشاشة الإيمان لنفسه» حليما واسع الصدر؛ لا يضيق صدره بالحق حرجا؛ فلا يمتنع عن أخخد الحقيقة من أى قبيل؛ ولا يبجد غضاضة فى الرجوع إلى الحق إن وقع فى الباطل» ومن كان شأنه كذلك اتصل كلامه بالقلوب ودخخل على العواطفء لأن الئاس يققون من أنه لا ينطق إلا بما يجيش به صضدره؛ وما يراه الحق» فيصدقونه؛ إذ خلا عن شبهة التكلف والرياء» وعن تهمة الملق والنفاق.
ااا ب
كان الخطباء من أصحاب رسول الله لله وهم قد اشتهروا بحبهم للفداء؛ فدوا رسول الله © بأنفسهمء وآثروه على كل عرض من أعراض الحيأة» ورغية من رغبات النفوس» قد أحبوا الله ورسوله أكثر من أنفسهم؛ وارتخصت أرواحهم فى سبيل الله تعالى؛ وليس منهم إلا كل ندب محتسب نفسه للّه ورسوله» كانوا كذلك فى عهد النبى 6 وكانوا كذلك من بعده» ومن كان شأنه كذلك وثقت به القلوب؛ وتعلقت به النفوسء والثققة بالخطيب تسهل وصول كلامه إلى مواضع التأثير فى السامعين» فيصل كلامه إلى شغاف القلوب» ويفتح
والقول الجملى: أن الخطيب الإسلامي قد ادرع بصفات ترفعه إلى أسمى منازل خخطباء العالم فى كل العصور.
ل يسبب ب
اتخطباء والمروى من الخطب
كثر عدد الخطباء النابغين فى هذا العصر كثرة لا تعدلها كثرة فى أى عصر من عصور اللخطابة» وإمامهم سيد المتكلمين محمد ملَهء ودونه منزلة أفواج من الخطياء؛ أولهم على بن أبى طالبء ثم أبو بكرء وعمرء وعثمان؛ وعبد اللّه بن عباس» ويلى هؤلاء كثيرون منهم عمرو ابن معد يكرب الزبيدى» ومن خطباء الشيعة صعصعة بن صوحان وأبو الأسودء ومن خخطباء الخوارج عبد الله بن وهب الراسبى» ويزيد بن عاصم امحاربى وغيرهمء وقد توج هذا العصر بوجود عدد عظيم من النساء يجدن الخطبة والبيان» منهن السيدة أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها؛ وسودة بنت عمارة؛ وأم الخير بنت الحريش» والررقاء بنت عدى, وأم كلثوم بنت الإمام على رضى الله عنهماء وغيرهن كثير.
ولم يكن المروى بمقدار كثرة الخطباء» وإن كان كثيرا فى ذاته؛ وذلك لأن التعويل فى الرواية كان على السماع؛ وقد يتيعثر فى الأذان ما يعول فيه على السماعء ولا يصل إلى الأجيال» وهذه خخطبة الوداع مع الحاجة إلى روايتها؛ لما اشتملت عليه من الشرائع والأحكام: قد رويت بعدة روايات» اختلفت فيها بعض الألفاظ»؛ وإذا كان ذلك هو الشأن فى المروى عن النبى لله مع منزلة كلامه الشرعية والبلاغية» وله من الاعتبار والتقدير ما نعلم» فكيف يكون الشأن فى. كلام غيره ممن لا يتسامى إلى منزلته تكله بيانا واعتبارا.
المختار من خطب هذا العصر
لا أعطى رسول الله 2# مغائم حتين قريشاً والقبائل العربية؛ ولم يعط الأنصار شيئا؛ حزنوا فى أنفسهمء وظنوا أنهم هانوا على رسول الله علله, حتى قال قائلهم: لقى والله رسول الله قومه» فدخل سعد بن عبادة على رسول الله 2 . فال له: يارسول الله إن هذا الحى من الأنصار قد وجدوا عليك فى أنفسهم؛ لما صنعت فى هذا الفيع الذى أصبت؛ قسمت فى قومك: وأعطيت عطايا عظاما فى قبائل العرب: ولم يكن فى هذا الحى من الأنصار شئع. قال له : فأين أنت من ذلك ياسعد؟ قال: يارسول اللهء ما أنا إلا من قومى. قال: فاجمع لى قومك فى الحظيرة"''» فبخرج سعدء فجمع الأنصار فى تلك الحظيرة» فجاء رجال من المهاجرين؛ فتركهم؛ فدخلواء وجاء أحرون» فردهمء فلما اجتمعوا إليهء أناه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحى من الأنصارء فأناهم رسول الله © فحمد الله؛ وأثنى عليه بالذى هو أهله» ثم قال: يامعشر الأنصارء ما قالة''' قد بلغتنى عنكيء وموجدة وجدتموها فى أنفسكم.! ألم أنكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة"'' فأغتاكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلىء لله ولرسوله المن والفضلء فقال: ألا مخيبونى يامعشر الأنصار.! قالوا: وبماذا مجيبك يارسول الله؟ لله ورسوله المن والفضلء قال: أما واللّه لو شهتم لقلتم؛ فصدقتم؛ ولصدقتم: أنيتنا مكذباً فصدقتاكء ومخلولا فنصرناك» وطريداً فأويناكء وعائلا فأسيناك. وجدتم فى أنفسكم يأمعشر الأنصار فى لعاعة”؟؟ من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم» أفلا ترضون يامعشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة» والبعير» وترجعوا برسول الله إلى رحالكم» فوالذى نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار: ولو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا'”' لسلكت شعب الأنصارء اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار. فبكى القوم حتى أخعضلوا' ' لحاهمء وقالوا: رضينا برسول الله © قسما وحظا.
)١( أرض عليها سور. وكانت -حظيرة الأنصار بجوار مسجد الرسول 6. )7١١( القالة: حديث الشر. (1) عالة: جمع عائل وهو الكثير العيال قليل الملل. (؟) اللماعة: اليقية اليسيرة. (©) الشعب: طريق بين الجبلين. (1) أخضل لحيته: بلها.
خطبة الوداع
إن الحمد لله نحمده؛ ونستغفره؛ ونتوب إليهء ونعوذ باللّه من شرور أنفسناء ومن سييمات أعمالناء من يهد الله فلا مضل لهء ومن يضلل فلا هادى لهء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهء وأن محمدا عيده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحفكم على طاعة اللّه؛ وأستفتح بالذى هو خير.
أما بعد. أيهنا الناس» اسمعوا منى أبين لكمء فإنى لا أدرى؛ لعلى لا ألقاكم يعد عامى هذاء فى موقفى هذا. أيها التاس» إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكمء كحرمة يومكم هذاء فى شه ركم هذاء فى بلدكم هذا. ألا هل بلغت. اللهم اشهدء فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من أثتمنه عليها. وإن ربا الجاهلية موضوع"”'' وأول ربا أبدأ به ربا عمى العياس بن عبد المطلب. وإن دماء الجاهلية موضوعة: وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وإن مائر”'' الجاهلية موضوعة؛ غير السدانة» والسقاية. والعمد قود””” وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجرء وفيه مائة بعير» فمن زاد فهو من أهل
أيها الناس» إن الشيطان قد يكس أن يعبد فى أرضكم هذهء ولكنه رضى أن يطاع فيما سوى ذلكء مما تخقرون من أعمالكم. أيها الناس» إنما التسئع”؟؟ زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماء ويحرمونه عاماء ليواطئوا”' عدة ما حرم اللّهء وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السمزاش والأرضء وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب اللّه يوم خلق السموات والأرضُء منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: وواحد فردء ذو القعدة؛ وذو الحجةء وامحرم» ورجب الذى بين جمادى وشعيان. ألا هل بلغت. اللهم؛ اشهد.
)١( موضوع يعنى ساقط؛ فلا يؤدى الزائد عن رأس امال لأن الربا معناه الزيادة.
(7) المآئر جمع مأثرة ومآئر الجاهلية مفاخحرها التى تؤثر وبروى -حديثها وخبرها.
( القود: قتل النفس بالنفس .
0 النسيم: شهر كانت العرب تزيده لتفصل بين شهرى الحرم ذى الحجة وا حرم بشهر حلال. (8) ليوافقوا
اط
أيها الئاس إن لنسائكم عليكم حقاء وإن لكم عليهن حقاء لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم غي ركم» ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكمء ولا يأنين بفاحشة؛ فإن فعلن؛ فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن”'' وتهجروهن فى المضاجعء وتضربوهن ضربا غير مبرح» فإن اتتهين» وأطعنكمء فعليكم رزقهسن وكسوتهن بالمعروفء وإنما النساء عندكم عوان"'"» لا يملكن لأنفسهن شيئاء أخذتموهن بأمانة اللهء واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه؛ فاتقوا الله فى النساءء واستوصوا بهن خيراً.
أيها الناسء إنما المؤمنون إححوة؛ ولا يحل لامرئٌ مال أخميه إلا عن طيب نفس منهء ألا هل يلغت؟ اللهم اشهد. فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم أعناق بعضء فإنى قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلواء كتاب الله. ألا هل بلغت؟ اللهمء اشهد. أيها الناس إِنْ ربكم واحدء وإن أباكتم واحدء كلكم لآدم؛ وآدم من ترابء إن أكرمكم عند الله أنقاكم؛ ولي لعربى على عجمى فضل إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟. قالوا؛ نعم» قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب. أيها الناس إن اللّه قسم لكل وارث نصيبه من الميراث؛ ولا يجوز وصية فى أكثر من الغلثء والولد للفراش وللعاهر الحجرء من ادعى إلى غير أبيه؛ أو تولى غير مواليه؛ فعليه لعنة اللّه والملائكة والئاس أجمعينء لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم ورحمة الله. '
د خطبته عله فى مرض الموت
عن الفضل بن عباس قال: جاءنى رسول الله ##؛ فخرجت إليه» فوجدته موعوكا قد عصب رأسه فقال: حل بيدى يافضل » فأحمذت بيذه» «ححتى جلس على المنبر» ثم قال : ناد فى الناسء فاجتمعوا إليه؛ فقال:
أما بعد. فإنى أيها الناسء أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هوء وإنه قند دنا متى . و 77 من بين أظهركو» فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهرى؛ فليستقد منه؛ ومن ْ كنت شتمت له عرضاء فهذا عرضى فليستقد منهء ومن أنخذت له مالاء فهذا مالىء فايأخخذ منهء ولا يخش الشحناء من قبلى» فإنها ليست من شأنىء ألا وإن أحبكم إلى من أخخل منى حقا المراد بالعضل هنا المنع الشديد.
0 العوانى جمع عانية والمعنى أسيرة . ره الخفوق هنا الغياب.
ل ببس
إن كان لهء أو حللنى؛ فلقيت ربى وأنا طيب التفسء وقد أرى أن هذا غير مغن عنى» حتى
أقوم فيكم مرارا.
خطبة سعد بن عبادة شى سقيفة بنى ساعدة ييين حق الأنصار فى الخلافة
قال بعد أن حمد اللهء وأثنى عليه: يامعشر الأنصار لكم سابقة فى الدين) وفضيلة فى الإسلام ليست لقبيلة من العرب؛ إن محمدا عليه الصلاة والسلام لبث بضع عشرة سنة فى قومهء يدعوهم إلى عبادة الرحمن: وخلع الأنداد والأوثات: فما أمن من قومه: إلا رجال قليل وما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله عله ولا أن يقروا دينه» ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا بهء حتى إذا أراد يكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة؛ وخصكم بالنعمةء فرزقكم الله الإيمان به وبرسولهء والمنع له ولأصحابهء والإعزاز له ولدينهء والجهاد لأعدائه» فكنتم أشد على عدوه من غيركمء حتى استقامت العرب لأمر اللّه طوعا أو كرهاء وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا'' حتى أئخن”"' الله عز وجل لرسوله بكم الأرض» ودانت بأسيافكم له العربء وتوفاه الله وهو عنكم راض» وبككم قرير عين» استبدوا بهذا الأمر دون الناس» فإنه لكم دون الناس.
يبين حق المهاجرين
أراد عمر الكلام فقال أبو بكر: على رسلك» ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس: نحن المهاجرونء أول الناس إسلاماء وأكرمهم أحساباء وأوسظهم داراء وأحستهم وجوهاء وأكثر الناس ولادة شْ الُعرب» وأمسهم رحما برسول الله ش22 أسلمنا قبلكم » وقدمنا 2 القرآن الكريم عليكم» فقال تبارك وتعالى : ( والسابقئون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسات 4 فنحن المهاجرون؛ وأنتم الأنصار إخحواننا فى الدين» وشركازنا فى الفمع: »١( الداخر الذليل. (؟) أشخن المراد بها هنا أختضع.
وأتصارنا على العدو, أويتم» ووأسيتم ؛ فجزاكم الله خيراء فنحن الأمراء وأنتم الوزراء» ييا تدين العرب إلا لهذا الحى من قربش» فلا تنفسوا على إخواتكم ما منحهم الله من فضله.
حين أشير عليه بترك المرتدين
أيها الاس من كان يعيد محمدا فإن محمسدا قد ماتء ومن كان يعبد الله فإن الله لا يموت» أيها الناس» أن كثر أعداؤكمء وقل عددكم؛ ركب الشيطان منكم هذا المركب. واللّه ليظهرت هذا الدين على الأديان كلهاء ولو كره المشركونء قوله الحق» ووعده الصدق» بل نقذف باألحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق؛ ولكم الويل مما تصفون ١وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين».
أيها الئاس واللّه لو أفردت رن جمعكم لجاهدتهم 2 الله حق جهادهء حتى أبلغ من نفسى عذراء أو أقتل مقتلاء أيها الناس والله لو منعونى عقالا لجاهدتهم عليه» واستعنت بالله: إنه خير معيين .
خطبة عمر بن الخطاب ر ضى الله عنه
خطب عمر بعد توليه الأمر فقال: إن الله عز وجل قد ولانى أمركم؛ وقد علمت أنفع ما بحضرتكم لكمء وإنى أسأل الله أن يعيننى عليه؛ وأن يحرسنى عندهء كما حرسنى عند غيره: وأن يلهمنى العدل فى قسمكم كالذى أمرنى به. وإنى امرو مسلم وعبد ضعيفء إلا ما أعان الله عر وجلء ولن يغير الذى وليت من خلافتكم من خخلقى شيئا إن شاء اللّهء إنما العظمة لله عز وجل» وليس للعباد منها شع» فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولى , أعقل الحق من نفسى» وأتقدم وأبين لكم أمرى» فأيما رجل كانت له حاجة» أو ظلم مظلمة أو عتب علينا فى خلق» فليؤذتى» فإنما أنا رجل منكم؛ فعليكم بتقوى الله فى سركم وعلائيتكم؛ وحرماتكم وأعراضكم » وأعطوا الحق من أنفسكمء ولا يحمل بعضكم بعضا على أن تحاكموا إلى؛ فإنه ليسس بينى وبين أحد من الناس هوادة» وأنا حبيب إلى صلاحكم؛ عزيز على عنتكم:
وأنتم أناس عامتكم حضر فى بلاد اللهء وأهل بلد لا زرع فيه ولا ضرعء إلا ما جاء اللّه به إليه» وإن الله عز وجل قد وعدكم كرامة كثيرة» وأنا مسكول عن أمانتى وما أنا فيه؛ ومطلع على ما بحضرتى بنفسى إن شاء الله لا أكله إلى أحدء ولا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء وأهل النصح منكم للعامة؛ ولست أجعل أمانتى إلى أحد سواهم إن شاء اللّه.
خطبة أخرى لعمر بن الخطاب
أيها الناسء من أراد أن يسأل عن القرآن الكريم فليأت أبى بن كعبء ومن أراد أن يسأل عن الفرائض» فليأت زيد بن ثابت» ومن أراد أن يسأل عن الفقهء فليأت معاذ بن جبل» ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتتى» فإنْ الله جعلنى خازنا وقاسما. إنى بادئع بأزواج رسول الله ع فجعطيهن » ثم المهاجرين الأوليت. الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم أنا وأصحابى» ثم بالأتصار الذين تبوعوا الدار والإيمان من قبلهمء ثم من أسرع إلى الهنجرة أسرع إليه العطاء» ومن أبطأ عن الهجرة» أبطأ عنه العطاءء فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته. إنى قد بقيت فيكم بعد صاحبىء فابتليت بكمء وابتليتم بى؛ وإنى لن يحضرنى من أموركم شئع فأكله إلى غير أهل
. الجزاء والأمانةء فلئن أحسنوا لأحسنن إليهمء ولئن أساءوا لأنكلن بهم.
خطب عثمان و طلحة وعلى عندما استشار عمر المسلمين فى خروجه على رأس الجيش إلى فارس جاء فى تاريخ الطبرى وشرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد أن عمر رضى الله عنه استشا ر المسلمين ما أراد أن يخرج إلى العجم وجيوش كسرى؛ وهى مجتمعة بنهاوند. خطبة عثمان: فقام عشمان فتشهد وقال: أرى ياأمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل الشامء فيسيروا من شامهمء وتكتب إلى أهل اليمن» فيسيروا من يمنهمء ثم تسير أنت بأهل هذين الحرمين إلى
سل
المصرين البصرة والكوفة: فتلقى جمع المشر كين بجمع المسلمين, فإنك إذا سرت يمن معلكع ومن عندك»؛ تكن فى نفسك بالكائر من عدد القوم؛ وكنت أعر عا وأكثر. إنك لا تستبقى من مأ بعده: فاشهذه بتفساك ورأيك وأعوانك» ولا تغبي عنه.,
خطبة طلحة:
ثم قام طلحة فقال: أما بعد يأأمير المؤمنين: فقد أحكمتك الأمورء وعجمتك البلايا: وحنكتك الجارب» وأنت وشأنكء» وأنت ورأيك؛ لا ننبو فى يديك؛ ولا نكل أمرنا إلا إليك؛ فأمرنا تجبء وادعنا نطع» واحملنا نركبء وقدنا نقدء فإنك ولى هذا الأمرء وقد بلوت؛ وجربتء واختبرت» فلم ينكشف شيع من عواقب الأمور لك إلا عن خيار.
خطبة على: ظ
ثم قام على» فقال: أما بعدء فات هذا الأمرلم يكن نصرهء ولا حذلانه بكثرة ولا قلة؛ إنما هو دين الله الذى أظهرهء وجنده الذى أعزه وأمده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ. فنحن على موعود من الله والله منجز وعده؛ وناصر جنده. وإن مكانك منهم مكان النظام من الخرز يجمعه: ويمسكه؛ فإن انحل تفرق ما فيه» وذهبء ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا. والعرب اليوم؛ وإن كانوا قليلاء فإنهم كثير بالإسلام؛ أقم مكانك؛ واكتب إلى أهل الكوفة» فإنهم أعلام العرب ورؤٌساوهم وليشخص منهم الثلفان وليقم الثلث» واكتب إلى أهل البصرة أن يمدوهم ببعض من عندهمء ولا تشسخص الشام ولا اليمن؛ إنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم؛ سارت الروم إلى ذراريهم ؛ وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم: سارت الحبشة إلى ذراريهمء ومتى شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أقطارها وأطرافهاء حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداء قالوا هذا أمير العرب وأصلهيء فكان أشد لكلبهم عليك. وأما ما ذكرت من مسير القوم» فإن' الله أكره لمسيرهم منكء وهو أقدر على تغيير ما يكره. وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة, وإذما كنا نقاتل الصبر والنصر '".
فقال عمر: أجل هذا الرأى» وقد كنث أحب أن أتابع عليه.
)١( تقدمت هذه الخطبة فى القسدم الأول من الكتاب برواية أخرى.
خطبة عثمان بن عفان ر ضى الله عنه
حطب سيدنا عثمان ين عفان رضى الله عنه عندما عاب حكمه بعض الثاسء» وجاءوه متظلمين شاكين» فقال بعد أن حمد الله تعالى» وألنى عليه بما هو أهله.
أما بعدء أيها الناسء فوالله ما عاب من عاب متكم شيا أجهلهء وما جىت شيئاً إلا وأنا أعرفه ؛ ولكن منتنى نفسى» و كذبتنى» وضل عنى رشدى.
ولقد سمعت رسول الله عله يقول: «من زل فليتب؛ ومن أخطأ فليتب» ولا يتمادى فى الهلكة» إن من تمادى فى الجورء كان أبعد من الطريق» .
فأنا أول من اتعظء أستغفر الله ما فعلت» وأتوب إليه» فمشلى نزع وتاب» فإذا نزلت فليأننى أشرافكم: فليرونى رأيهم» فوالله لشن ردنى الحق عبداء لأستئن بسنة العبد» ولأذلن ذل العبد» ولأكونن كالمرقوق؛ إن ملك صبرء وإن عتق شكرء وما عن الله مذهب إلا إليه: فلا يعجزن عنكم خياركم أن يدنوا إلى؛ لثن أبت يمينى لتتابعنى شمالى.
فرق له الناس» وبكى بعضهم.
خطبة لعلى بن أبى طالب فى الحث على القتال
خطب على ليلة التقى جيشه بجيش معاوية فى صفينء فقال: الحمد لله الذى لا يبرم ما نقضء ولا ينقض ما أبرم» لو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة» ولا من خخلقهء ولا تنازع البشر فى شئع من أمره؛ ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله؛ وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار. حتى لفت ييننا فى هذا الموضع» ونحن من ربنا بمرأى ومسمع» ولو شاء لعجل التقمة» ولو شاء لكان مته النصر. متى يكذب الله الظالم» ويعلم المحق أين مصيره؟ ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال؛ والآخرة دار الجزاء والقرار؛ ليجزى الذين أساءوا بما عملواء ويجزى الذين أحسنوا . بالحسنىء ألا إنكم لاقوا العدو غدا إن شاء اللهء فاطلبوا الليلة القيام» وأكثروا تلاوة القرآن؛ واسألوا اللّه الصبر والنصرء وألقوهم بالجد والحزم» وكونوا صادقي" 37 . )١ قد تقدم كثير من خطب على بن أبى طالب فى القسم الأول من هذا الكتاب فاررجع إليه فهو ما يصور
الخطابة فى صدر الإسلام.
ب 5س خطبة أم الخير بنت الحريش
جاء فى العقد الفريد أن أم الخير بنت الحريش البارقية خطيت فى صفين رض جند على بن أبى طالب على قال معاويةء فقالت: أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيمء إن الله قد أوضح الحقء وأبان الدليل» ونور السبيل» ورفع العلم؛ فلم يدعكم فى عمياء مبهمة» ولا سوداء مدلهمة:» فإلى أين تريدون رحمكم اللّه؟ أفرارا عن أمير المؤمنين! أم فرارا من الزحف! أم رغبة عن الإسلام! أم ارتدادا عن الحق!. أما سمعتم الله عز وجل يقول: ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين » وتبل وأخياركم ».
ثم رفعت رأسها إلى السماء وهى تقول: اللهم؛ قد عيل الصير' '؛ وضعف إليقين؛ وانتشر الرعب» وبيدك يارب» أزمة القلوب» فاجمع الكلمة على التقوى؛ وألف القلوب على الهبدىء واردد الح إلى أهله. هلموا رمحمكم الله إلى الإمام العادل الرضى التقيء والصديق الأكبرء إنها إحن بدرية''» وأحقاد جاهلية» وضغائن أحدية؛ وثب بها معاوية حين الغفلة؛ ليدرك بها ثارات عبد شس . ثم قالت: قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهوث؛ صبرا معشر المهاجرين والأنصارء قاتلوا على بصيرة من ربكم» وثبات من دينكم» وكأنى بكم قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة فرت من قسورة لا تدرى أين يسلك بها من فجاج الأرض»”" ياعوا الأخرة بالدنياء واشتروا الضلالة بالهدى؛ وعما قليل ليصبحن نادمين حتى محل بهم الندامة» فيطلبون الإقالة» ولات -حين مناصء إنه والله من ضل عن الحق وقع فى الباطل» ومن لم يسكن الجنة ذهب إلى النارء ثم قالت: قد اجتهدت فى القول» وبالغت فى النصيحة؛ وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركائه.
)١( يقال عال الشبع فلانا غلبه فعيل الصبر معناه غلب. (1) الإحئة الحقد وجمعها إحن.
تمهيد:
هذا العصر هو ثمرة الأحداث التى حدثت فى أخمر عصر الخليفة القالثء وطول مدة الخليفة الرابعء أو إن شكت فقل إنه امتداد لبعض الحوادث التى كانت فى عصر على» أو صدى لا كان فيهاء فالدعوة إلى الأتحذ بدم عشمان كانت هى الفكرة التى نبت منها السلطان للأموية» واستمر نحو تسعين سنة وسط السيوف والرماح المشرعة» والدم المهراق؛ ولم يسكن الناس لها إلا بعد أن سفكت دماءء وهتك الحمى؛ فقل أبيحت المدينة فى عهد يزيد بن معاوية؛ وقتل الحسين قتلة فاجرة» وكان يعد ذلك ما كان من خحروج ابن الزبير» واتساع سلطانه» ثم استقامة الأمر لعبد الملك بن مروان بعد أن نحاض فى الدماء خوضاء ومرج فيها مرجاء والخوارج الذين ظهروا فى عهد على رضى الله عنه؛ تفاقم خطبهمء واشتدأمرهم فى ذلك العصرء وكانوا شوكة حادة فى جنب الدولة الأموية» تمنعها من أن تتقلب فى أعطاف النعيم الهادئ الساكنء وأن تستسيغ لذة الملك صافية من غير أن ترنق بما يكدرها. والشيعة الذين ظهروا فى أحر عصر عثمان رضى الله عنه قد انسعت مذاهبهم» وكثرت دعاويهمء» وتفرقوا فرقا ونحلا مختلفة»؛ وكانوا أحيانا يرفعون السيفء ويدفعون أحد أولاد على إلى الانتقاض فيذهب دمه على شفرات سيوف بنى أمية» كما فعلوا بزيد بن على وأحيانا يسكنون» وينشروث بين التاس أفكارا ليست من الدين فى شئ» ومنها ما ينقض مبادئ الدين» ويذهب بقوته.
وقد كات الصحابة الذين عاشوا فى ذلك العصرء ونقلوا إلى الناس صورة للسلف الصالح» أهل السبق والإيمانء كابن عباس وأنس بن مالك خمادم رسول الله تت والتتابعين الذين شافهوا علية الصحابة ونقلوا عنهم- كان هؤلاء وأولئقك رابطة انصال بين ذلك العصر وما سبقه فكان متصلا به» وإن لم يكن مثله قوة دين: وثبات يقين» وأخمذاً بالسئن القويم؛ والهدى الحكيم.
وفى هذا العصر لم يفن العرب فى غيرهم» ولم تلاشهم المدئيات والحضارات الأجنبية التى غزوهاء وحاولت بما عندها من علوم أن تغزوهم» بل كان الأمويون ذوى تعصب شديد للعرب والعربية» وكاتوا حريصين على أن يربوا أولادهم على نخشونة الباديةء وفصاحتها ولسنهاء فكانوا يرسلونهم؛ والعود أخضر إلى البادية» ليتفصحوا بيفصاحة أهلهاء ويذوقوا شيا من
خمشونتهاء ليتربوا على البأس والنجدة والهمة والنشاطء وإذا لم يفعلوا ذلك مع أحد منهم
اعتقدوا فيه النقص حتى قال عبد الملك فى ابنه الوليد: أضر بالوليد حبنا لهء فلم نوجهه إلى البادية؛ لذلك كانت الحياة العربية مع قوة الحضارة مختلطة بالبداوة.
ولئن كان التاريخ يحفظ للأمويين حفاظهم على العربية وحرصهم على توطيد سلطان العرب» جتى كان منهم الولاة والأمراء وذوو السلطانء فلن ينسى التاريخ أنهم صيروا الخلافة ملكا عضوضاء يتوارث» وأنهم غلبا سياسة القهرء وحاولوا نشر كل شيع من شأنه أن يبعد ملكهم عن منافسة المنافسينء وطمع الطامعين» ودفعهم الأمر إلى مجاوزة حد الاعتدال. وقد كان من أثر منازعة العرب لهمء ومغالبتهم إياهم؛ ومحاولة الأمويين نشر سياستهم مناحرات بالسيف؛ ومنازعات بالقول» أفادت منها الخطابة أكبر فائدة؛ وانتفعت منها أكبر النقع:
وسنفصل الأجمال فيما يلى: الحياة العريبة فى العصر الأموى الأحوال السياسية:
تطلع الأمويون للخلافة فى وقت سادت فيه الفتن» وتشنعت فيه الإحن» وركب كل امرئ رأسهء اضطربت الحال على أثر مقتل الخليفة الثالث» عثمان رضى الله عنه؛ فتسامت همة معاوية إلى ولاية أمر المؤمنينء ونازع سيف الإسلام عليا فى خلافته» وكاد على أن يضربه الضرية القاصمة فى صفين» لولا خخديعة التحكيم التى فرقت جيش علىء وأثبتت تابتة الخوارج ؛ ولا قتل على رضى الله عنه» ونزل الحسن عن الخلافة لمعاوية» واستقام له الأمر, رجعت القضب إلى أجفانهاء وبسياسة جمعت إلى الشدة اللين' وإلى الحزم الحلم» سكنت الفتن إلا قليلاء غير أنه سكون لا شئ فيه من الرضاء فالقلوب كثير منها نافر» ولكنها الرغبة والرهبة» والطمع والخوف»؛ وما أنهكت به الأمة من حروب دائبة مستمرة؛ كل هذا جعل الناس يسكنون» وإن كانت قلوب تستنكرء ولذا لم تنته خعلافة معاوية ويئول يزيد» ويتحرك الحسين وابن الزبير» حتى ظهر الخروج على هذه الدولة فى إعلان لا سر فيه؛ فخرجت المدينة المنورة ومكة المكرمة» وتخركت فتن العراق: وكثر مخروج الذين تعددت مذاهبهم؛ وتباينت أراؤهم ؛ وبكثير من الدماء؛ وكثير من الإرهاق: عادت الحال إلى نوع من الهدوءء بعد أن أبيحت المدينة» وقتل الحسين.
00033
وهكذا استمرت الدولة فى نزاع تارة يشعدء وأخرى يسكن» نخوارج يخرجون أحيانا متشقين الحسامء وأخرى يدعون بدعايتهم قولاء والخلفاء يبيحون دماءهم.
وعلويون يسكنون تارةء ويخرجون محاربين تارة أخمرى» وملوك الأمويين يدفعوك هؤلاء وأولئنك مرة بالسيفء وأخرى بالخديعة وثالثة بإلقاء بذور الشر بين تمصومهاء وفى وسط تلك الزوبعة وجد القول أذانا وقلوبا.
الأحوال الاجتماعية:
فى وسط هذا الاخحتلاف الذى ألمعنا إليه» وتخت ظل الأمويين» قامت العصبية الجاهلية اللتى سترها الإسلام ودعا إلى محوها من القلوبء واشتد التفور بين القحطانيين والحجازيين: وبين الربعيين والمضريين: وكان من بعض الخلفاء ما أضرم نيرانهاء وزادها حدة وقوة» والحقيقة أن كثيراً من -حروب هذا العصر وفتنه كانت العصبية دافعة له؛ وإن سئرت بستار مرن دعوة دينية أو نزوع إلى طاعةء أو تشيع لآل الرسول علله.
ويلاحظ أن المظاهر الاجتماعية فى ذلك العصرء قد أخذت تختلف باخحتلاف البلدان النى غلبت فيها العناصر العربية وهى الحجاز والعراق والشامء فهى فى الحجاز غيرها فى العراق وهى فى الشام غيرها فيهما. ففى المدن الججازية وجد ترف يعد أن لم يكنء وذلك لأن الدولة الأموية منعت زعماء . القبائل من الخروج إلى الأقاليم؛ حتى لا ينازعوها السلطانء وأدرت عليهم من الخمرات . مأ منعهم من التفكير فى الانتقاض عليهاء وأكثر أولنك من ذوى القلوب والعواطف ْ والعقول القوية» ولكنها ينابيع صبافية قد تسلطت على صخورء فلم تنبت ما يظل مستظلا يطعم طعاماء قإيجه بعضيهم إلى اللذائذ يشتارون عسلهاء وأنشعوا الحيطان والحدائق اده الطائف وغيرها إبين مكة المكرمة والمدينة المنورة جنات فيها متع النفوسء وانصرفوا إلى الإماء والشهوات.
أما فى العراق ففتن دائمة» وقلق مستمرء وحياة اجتماعية غير محكمة الصلات, والسبب فى ذلك أنه قد سكنه فى عصسر الخلفاء الراشدين والأموبين طوائف من أجناس مختلفة؛ فمنهم العرب وأغلبهم مضريون» ومنهم النبط» ومنهم الفرسء ومنهم أراميوتء ولكل طائفة من هؤلاء عادات وتقاليد» تستمدها من قومرجتها الأولى» وجنسيتها القديمة» وحد الإسلام دينهمء وقرب ما بين لغاتهم» ولكنه لم يجمع أهواءهم» ولم يوحد إحساسهمء ولذلك
م
| ل
بدت فى العراق أفكار مختلفة؛ وأهواء متناقضة وإإحساسات متنازعة؛ إِذ قد لمجم من هذه العناصر المتتخالفة مخلوط. غير تأم المزاج» يتوحد فى ظاهرهء ويختلف فى باطنه. ومجتمع كذلك تكثر فيه الفتن» ويشتل الاضطراب.
ويذكر ابن أبى الحديد أن لفتن العراق سببا آخرء وهو حدة ذكاء أهل العراق» فقد جماء
قال أبو عشمان الجاحظ: العلة فى عصيان أهل العراق على الأمراء: وطاعة أهل الشام؛ أن أهل العراق أهل نظرء وذوو فطن ثاققبة» ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث؛ ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدحء والترجيح بين الرجالء والتميبز بين الرؤساءء وإظهار عيوب الأمراء. وأهل الشام ذوو بلادة وتقليد وجمود على رأى واحذء لا يرددون النظره ولا يسألون عن مغيب الأحوال» وما زال العراق موصوفا أهله بقئلة الطاعة وبالشقاق على أهل الرياسة.
أما فى الشام حيث يحكم الأمويون فقد كان الترف سائداء ولكن فى احتشام فى أكثر الأحياك: ليحتفظ الخلفاء بمهابتهم؛ وليحفظوا لهم صفتهم الدينية» ولئلا تتألب عليهم العرب» وأكثرهم متدين» ففى قصور الخلفاء كل وسائل الترفء قيان وغناء؛ ولكن لا يظهرون بشئع من ذلك أمام العامة» بل كان الصدر من خلفاء بنى أمية يستمع إلى غناء المغنين من وراء -حجاب .
والشام لأنها قصبة الدولة» كان الناس يفدون عليها من كل ناحية» وهى تموج بالوفد ويتبادلون القول مع الخلفاءء وفى الحق أنها كانت ميدان المباراة فى تملق الخلفاء ومدحهم: والزلفى إليهم؛ بالخطب أحياناء وبالشعر أحياناء وفيها كانت المفاخرات» والمنافرات بين أيدى
الخلفاء, وخت سمعهم وبصرهم. الأحوال الدينية:
.عاش فى صدر هذه الدولة طائفة من أصحاب رسول الله #؛ وعاش التابعون أكشر مدتهاء وكان هؤلاء وأولئكك يدارسون الدين» ويعرفون الناس أحكامهء ويبثشون روحهء والخلفاء فى الجملة» كانوا يظهرون تمسكهم بالدين» بل حمايتهم له؛ يقولون ذلك بألستعهمء وإن ' كان منهم من يخالفهء فعبد الملك بن مروان الذى وقف يخطب مرة فقال: من قال لى ائق الله قطعت عنقهء يظهر الحمية الدينية» إذ يبلغه أن الحجاج قد شتم أنس بن مالك نخادم
0
رسول الله لله فينذر المحجاج» ويرعد ويبرق» ويشتد ويحتدء وذلك لتجرى كلمة الثناء من أنس رضى اللّه عنهء فيكون لها أثرها فى نفوس العامة والدهماء.
والناس قد استمروا على تدينهم؛ ولكن خحفث فيهم حرارة الإيمان ولم يكونوا كسلف هذه الآمة قوة دين وثبات يقين» وحلت العصبية الجاهلية فى بعض النفوس محل الدين: وانتشرت فى بعض الجهات فسوق ومفاجرء وشاع على ألسنة الشعراء تهاج مقذعة؛ وشتائم لاذعة» وأقوالهم تنتشر بين الناس» فتهزع الأخلاق: وتفسد التفوس» وتضعف روح الدينء وإذا ساغ لولى عهد المسلمين يزيد بن معاوية أن يدفع شاعرا نصرانيا ليس للإسلام فى نفسه حرمة أن يقول فى الأنصار وهم الذين أووا ونصروا:
ذهبت قريش بالمكارم كلها و«اللؤم نحت عمائم الأنصار
إذا ساغ ذلك لابن الخليفة وهو المسكول الذى يجب أن يظهر حاميا للدين» فكيف يكون شأن دهماء الناسء ومن ليس للنقد عليهم من سلطان؛ لذلك لم تقيد الألسنة بقيود الدين كما كان الشأن أولاء وكان لذلك أثره فى الخطابة كما سنبين إن شاء اللّه تعالى.
دواعى الخطابة ومو ضوعاتها
كثرت دواعى الخطابة فى صدر الدولة الأموية ووسطهاء واتسعت موضوعاتهاء وتشعبت
نواحيهاء وكان أعظم دواعيها وأوسع موضوعاتها؛ 37 الفعن. |
الفتن التى قامت فى صداها الدولة الأموية» وتأحجت نيرانهاء واشتد لهيبها بعد موت معاوية عندما تولى يزيدء فقد انقسم المسلموث إلى أحزاب: شيعة؛ وخوارج» وأمويين» وزبيربين: وكل يدعو الناس إلى فكرتهع وتأهيد دححوتةه, واشتبكت المحروب بين هذه الطوائف» فقاتل الحئسين جند يزيد» وقتل ؛ وقائل عبد الله إن الزيير حتى تم له الأمرفى الحجاز والعراق» ثم اتتقصت أطراف ملكه وشيكا. والخوارج استمروا إِلْبا على الدولة لا تسكن لهم ثائرة ولا تخمد لهم جذوة. وكان من وراء السيوف الخطب القوية» والعبارات الثبديدة الدافعة إلى الموت»: رجاء مثوبة الرحمنء أو طمعا فى السلطان؛ فالخطابة وجدت فى تلك الفتن معينا للقول» وحافزا
إليه؛ يذكر المعترضون على بنى أمية مساويهمء واجتراءهم على ذوى الحق؛ وبرمونهم بالخروج على الدين» ويذكرونهم بماضى أسلافهم فى محاربة النبى ع والسابقين. والأمويون يرمون أولكك بالبغى والخروج على الطاعة؛ وسترى ذلك واضحا فى انختار من الخطب.
الساسة:
كان الخلفاء وولاتهم فى أشد الحاجة إلى أن يبينوا للناس سياستهمء ليأخذوهم بهاء إِذ كانت نفوس امحكومين فى قلق دائم مستمرء وميل للخارجينء فكان الخلفاء وأتباعهم يبينوة, حكمهم وعدالتهء وإحسانهم للناس إن أسلسوا القيادء وأخلصواء ويرعدون ويبرقون» ويهددون وينذشرون من يسخرج أو يحيد عن الجادة» وقد كان صوت الترهيب أظهر فى البلاد التى نبتت فيها فتن: كالعراق والحجاز. وصوت الترغيب أوضح فى البلاد التى وادعت وسالمت» بل عاونت وناصرت» كالشام.
انظر إلى خخطية زياد البتراء بالبصرة؛ وخخطب اللحجاج فى العراق» وخخطبة عيد الملك يعد قتل مصعب بن الزبير» تر ذلك واضحا كل الوضوح.
الفتوح الإسلامية:
عبد الملك والوليد ابنه تم الاستيلاء على شمال أفريقية؛ والأندلس» وامتد السلطان الإسلامى سليمان بن عبد الملك حوصرت الآستانة. والحروب كما بينا تاج إلى الخطابة والبيان» وقد أسهبنا فى بيان ذلك فى العصر الإسلامى السابق» فارجع إليه.
الوفادة؛:
كثرت الوفادة على الخلفاء والأمراء فى ذلك العصر لرفع شكاة؛ أو لامتياحء أو إعلان النصرة والتأبيد» وقد يدعو الخليفة بعض الوفود إليه» ليسدى إليهم يدأ» أو يعقد حبل مودتهمء أو يستعتبهم على سابقة منهمء والوفود عادة من كبار المتكلمين امجيدين يلقون كلامهم فى لسان ميين؛ وقول حكيم» وأسلوب محكمء وإذا اعترض عليهم؛ سددوا الجواب» وأنوا بأحسن الخطاب . قال ابن عبد ربه فى الوفادة: ظ
حي 200
إنها مقامات فضلء ومشاهد حفل» يتخير لها الكلام؛ وتستعذب الألفاظ» وتستجزل يصدرون» فهو واحد يعدل قبيلة» ولسان يعرب عن ألسنة.
فالوفد يكون من أرباب البياك؛ والوفادة روحها اللسان والجنانء لذلك كانت كثرة الوفادة غىْ ذلك العصر عاملا من عوامل انتشار الخطابة : وموضوعا من موضوعاتها.
1
المدح والتهنية والعزاء:
كانت الخطابة فى هذا العصر تقال فى يعسض الموضوعات التى كان يقال فيها الشعرء فكان من الخطباء من تكون كل خطبتهم مدحا فى خليفة؛ أو تهنثة بولاية» أو تعزية لفقد عزيز كريمء وقد تكون الخطبة أحيانا مشتملة على التهتة والتعزية عندما ينولى الخلافة ابن الخليفة» فيجتهد الخطيب فى أن تكون خطبته جامعة بين تعزية للواسى فى فقّدع والمهني * بنيل أمل كان مريجخى» كما فعل كثيروت من الخطباء فى عزاء يزيد فى معأوية» وتهنقته بالملك .
الوعظ الدينى:
كانت سيطرة الدين على بعض النفوس دافعة لأن ينصرفوا إلى العبادة والنسكء» والتقوى والإرشاد» والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى» ومنهم من انصرف إلى دراسة العقائد؛ والتعمق فى بحثهاء وكون له رأيا فيهاء دعا إليه» وحث عليهء ومنهم من عكف على مناقشة الخارجين على الإسلام الهادمين لبنائه؛ والرد عليهمء فلحن بالحجة» وقدم الدئيل» ومن هؤلاء وأولئكك الحسن البصرى» وواصل بن عطاءء ومطرف بن عبد الله الخرشىء وبكر مبن عبد الله المزنى» ويزيد بن أبان الرقاشىء ومالك بن دينار. وأكثر هؤلاء قاص مجيد بليغ ذو منطق وجيز.
مجالس المياراة فى الخطابة:
كانث تعقد.مجالس للمياراة فى الخطابة؛ والسيق فيهاء وكثيرا ما كان يدعى الشخص إلى القول مفاجأة: ليختبر مقدار بيأنه » وقوة -حنائه , و-«حضصور بذيهته : ونهوضص سحيودنةه . ومن ذلك ما عقده عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والى العراق من مجلس للخطابة تبارى فيه خالد بن صفوان؛ وشبيب بن شيية» والفضا بن عيسى وواصل بن عطلء» وقد نال فى ذالك تمان قصب السبق واصل بن عطاء ٠ وقال فيه بشار مادحه يتلك المخطبة:
| ا ل
تكلفوا القول والأقوام قد حفلوا وحبروا خطيا ناهيك من خطب فقام مرنتجلا تغلى بداهته كمرجل القين'"'' لما حف باللهب وجانب الراء لم يشعر به أحد2 قبل التصفم”"' والإغراق فى الطلب وقد كانت مجالس معاوية نشتمل على شئ كثير من هذا النوع من الباراةء وما كانت خحطبة سحبان التى كانت من صلاة الظهر إلى أن قامت صلاة العصر إلا من ذلك النوع. فإنه يروى أن وفدا من خراسان: فيهم سعيد بن عثمان» قدم على معاوية» فطلب سحبان» فلم يوجد فى منزله» فاقتضب من ناحية اقتضاباء وأدخل عليه» فقال: تكلم؛ فقال: انظروا إلى عصا تقوم من أودىء قالوا: وما تصنع بهاء وأنت بحضرة أمير المؤمنين» قال: ما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربهء فضحك معاويةء وقال: هاتوا عصا فجاءوا بها إليه» فرجلها برجله؛ ولم يرضهاء وقال: هاتوا عصاىء فأخذها وتكلم من صلاة الظهر إلى أن قامت صلاة العصرء ما تنحنح؛ ولا سعل ولا توقفء ولا ابتدأ فى معنى فخرج منهء وقد بقى عليه منه شئ؛ فمازالت تلك حاله» حتى أشار معاوية» فأشار إليه سحبان أن لا تقطع علئ كلامىء فقال معاوية: الصلاة. قال: هى أمامك» ونحن فى صلاة وتحميدء ووعد ووعيد. فقال معاوية: أنت أخطب العرب» فقال سحبان: والعنجم والإنس والجن”"' . ألا ترى من ذلك القصص أن تلك الخطبة ما كان القصد منها إلا المباراة الكلامية من غير غرض منشود» ولا موضوع محدود. وقد كانت تلك المباراة من أسباب انتشار الخطابة؛ وكثرتهاء وهى تشبه المباراة الخطابية التى كانت تقوم بين فتيان أثينا فى عصر بي ركليس.
عوامل رقى الخطابة وعوامل ضعفها في ذلك العصر قال المرحوم الأستاذ محمد المهدى (بك) فى وصف الخطابة فى هذا العصر: هنا عصر سارت الشجاعة فيه وراء البيان: رملك اللسان منه ما لم يملك السيف؛ وتسابق الناس فيه إلى غاياتهم. بحسب مقالاتهم؛ وقد رأرا المثل الأعلى فى الكتاب العزيز
وريه 111000
بلاغتهم حياة جديدة. ثم قال: والعرب أقدر النا بيانء فإذا كان فى حكمة رائعة» ودين . اي س. 000 ده
مس سه سم سه به
سما بأنفسهم نصرهم الباهر, وعرتهم القديمةع وأنسابهم المصونة؛ وأيامهم المشهورة, وأمثالهم
+ ااا لم ملالا ا 5-5
المأثورة؛ ومواقعهم المشهودة» فلم يكن للواحد منهم إلا أن يتكلم» أو يكلم ولدَلَكَ كت رئى هذأ العهد خطباؤهم كثرة لم تعهد فيهم من قبل» ولا من بعد؛ وأجادوا إجادة لا نظير لها وتفئئوأ فى مجأمعهم» وجمعهم وأعيادهم ؛ وموأسم الحج » ومضاوع السقياء ومشاهد الحرب» ومنافر الجهاد؛ ومرايد الأمصارء ومحافل الملوك؛ ومجالس الموعظة» وأندية الأدب» وحاولت كل قبيلة أن يكون خطيبها أخطب؛ وكل حزب أن يكون لسانه أغلب؛ لتسابق الملوك والأمراء والنساك والزهادء ورؤساء الأحزاب والقبائلل» وكثير من دهماء الناس فى هذا الميدان» حتى انبثق نور الأذهان: وتفجرت ينابيع الحكمة؛ وفاضت بدائع البدائه فى الناس.
هذا قول حق إذا كان موضوعه صدر الدولة ووسطها. أما فى آخرها فقد ركدت ريحها قليلا حتى استيقظت قوية أمدا قصيرأ فى صذر الدولة العباسية.
والأسباب فى بلوغ الخطابة ذلك الشأو هى ما بيناه فى عوامل نهوض الخطابة فى صدر الإسلام وهو القدرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والحضارة وغيرهاء فإن تلك الأمور كان لها أثرها فى ذلك العصر كما كان لها أثرها فى سابقهء ومازالت لها قوتها وروعتها فى النفوس, وقد جدت عوامل أخرى فوق تلك زادت الخطابة رفعة ونهوضا:
فامجادلات التى كانت تقوم بين الفرق السياسية امختلفة التى ظهرت فى ذلك العصر: بعد أن غرست أصولها فى آآخر سابقه؛ خصوصا ما كان بين الخوارج وغيرهم» كانت عوامل رفعة للخطابة»فإنك جد فى تلك الخطب الجدلية روحا عالية» ودقة فى التفكيرء وسلامة فى التعبير؛ وحرصا على وزث العبارات بميزان دقيق.
اقرأ خطية أبى حمزة الشارى التى يرلمجض فيها عن الخوارج الأباضية؛ ويقذف غيرهم بأشنع التهم؛ وكذلك خطب قطرى بن الفجاءة وغيرهما ترى فكرا دقيقاء وعبارات عالية, جمعت إلى الجزالة والسلاسة روح الدين.
لسن لس لس بلس في اي
أفصح؟ قال؛ ال الحمن. -
دتواصل بن عطاء, فقد كان ادرة زمائه في حضور حضور اليه وسداه لجواب وقل كان
سس مي سل
إحكاماء وثروة فى المعانى وار
وكان الخلفاء فى صدر الدولة الأموية يحثون على الخطابة ويدعوث إليهاء ويعملون على
ترويجهاء وكانت دورهم منتديات لهاء يتبارى فيها أبلغ الخطباءء وأهل اللسن والبيان؛ وخصوصا إذا جاء وفدء وكان صغار النشء يحرصون على استماع البلغاء من الخطياء؛
ليحاكوهم؛ وينسجوا على منوالهم؛ وقد ساد التفاخر بالقدرة على الخطابة وإجادة البيانء لأن الخطية كان لها الشأن الأول عند الخلفاء والأمراء» يروى أن عبد الملك بن مروان سقطت له إحدى ثناياهء فذكر أنه لولا الخطبة والنساء ما حفل لسقوطها.
وقد دفعهم التفاخر بالخطابة» إلى أن أخذوا يزورون الكلام وبهيئونه» ويضعون فيه من ضروب التحسين الشيع الكثيرء وإذا قرأت خطب الحجاج تلمح فيها صناعة لفظية» وإن لم تكن بادية التكلف» وكذلك ترى خطب كثير من خخطياء ذلك العصر.
ومع عوامل الرقى الخطابى التى ظهرت فى ذلك العصرء وكان لها كل هذه الشمرات ظهرت بجوارها مظاهر ضعف نسبىء وإن كانت قد ااحتفت نت لألاء الرقى الذى بداء وغفلت عنها الأنظار فى وسط طب ضَجيج الرففة التى كانت للخطابة فى ذلك العصسرء ومن ذلك:
أن اللحن ابتدأ يجرى على ألسئة الخطباءء فيروى أن الحجاج كان يفتح إن فى موضع الكسرء ويروى أن الوليد بن عبد الملك كان كثير اللحن فى الخطبة؛ بل فى الصلاة حتى إنه يروى أنه كان يصلى مرة فقراً: «ياليتها كانت القاضية» ورفعها. فقال عمر بن عبد العزيز إة . بلغه ذلك.عليك) وأراحنا اللّه منك؛ وقد سرى اللحن على ألسنة كثير من الفصحاء. جاء فى البيان والتبيين :
ومن اللحانين البلغاء خخالد بن عبد الله القسرىء وخالد بن صفواك. وجاء فيه: وقد زعم روّبة أبن العجاج» وأبو عمر بن العلاء أنهما لم يريا قرويين أفصح من من الحسن والحجاج ' وغلط : الحسن فى حرفين من القرآن.
000
سين ممم سسسب ب امور ع
الضعف وإن أنحفته بللاغة 0
لوي بت
وقد عادت العصبية الجاهلية فعاد معها التفاخر بالأحساب والأنساب» وكثر ذلك فى الخطابة» كما كثر ادح الكاذبء والملق الخادع» ونفاق اللسان؛ وكل هذه عوامل من شأنها أن ترجع بمعانى الخطابة ابة القهقرى: وأن ترتد عما اكتسبته من روعة وجلال فى عصر الخلفاء الراشدين» ولذا ضعف تأثير الكلام الجيد فى القلوب.
يروى أن الحسن البصرى تكلم عنده رجل بمواعظ ججمة» ومعان تدعو إلى الرقة» فلم ير الحسن قد رق. فقال الحسن: إما أن يكون بنا شرء أو بك؛ والحقيقة أن أكثر الخطباء الأموبين فى ذلك العصر كانوا إما منافقين أو مستبدين» أو جلادين» وكل أولنك لاا تصل كلماتهم إلى أعماق القلوب لأنها لم تخرج منهاء وعامر بن قيس يقول: الكلمة إذا رجت من القلب وقعت فى القلبء وإذ؛ خرجت من اللسان لم جاوز الآأذان.
وكانت كثرة المتشادقين من أسباب ضعف تأثير الكلام فى القلوب لأن شهرة الكلام سادت» والرغبة في الحجاج واللجاجء وإن لم تكن لغرض أو إصابة هدف» قد تغلبتء إذا كثر الكلام قل التأثيرء ومن كان كثير التشديق؛ كان أشد افتقارا إلى السامع؛ من السامع إليه: لشغفه أن يذكر فى البلغاءء وقال الجاحظ فى وصف هذا النوع من المتكلمين: ومن أسف هذا الإسفافء وغلب الشيطان عليه هذا الغلبة» كانت حاله داعية إلى قول الزور» والفخر بالكذب: وصرف الرغبة إلى الناس والإفراط فى مديح من أعطاه» وذم من منعه.
ولا شلك أن هذا الصنف من المتكلمين كان كشيرا فى الأموبين وأنصارهم: ولا شك أيضاً فى أن سيادتهم للمنابرء واستيلاءهم عليها مؤد حدما إلى انصراف الئاس عن الخطبة والخطياء: وذلك مؤد حجما إلى ضعفها شيعا فشيها.
وفى آخر العصر الأموى ضعفت الدراعى إلى الخطابةء لقلة الخروج على الخلفاء علنا. والا مجاه إلى التدبير السرى» وتبييت الأمور فى -جنح الظلام, ولآن الخطب بين أيدى المخلفاء قد قلت: إذ الوفود قد قلوا» بعد أن قل الخارجوك؛» واستغنى الخلفاء عن استدناء القلوب» وقد علمت أن ذلك كات من دواعى القول والييان» ولهذا كله ضعفت اللخطابة نسبيا كما ببناء إلى أن نهضت فى صدر الدولة العباسية أمد! قصيرا كما ستبين إن شاء اللّه تعالى.
الألفاظ والأساليب والمعانى الألفاظ: كانت ألفاظ الخطابة صافية لا خشونة فيهاء ولاحو شى» مع الجزالة والقوةء كما التى لم تفسد النفس» كما بينا أنفاء فارجع إليه. المعانى:
عقر
كانت المعانى الخطابية فى ذلك العصر مختلفة باختلاف اللخطباء: فخطب الخوارج سادتها المعانى الدينية» وهى فى الجملة تشبه الخطب فى العصر الإسلامى من هذه الناحية؛ وإنك لتتقرأ ختطب قطرى بن الفجاءة أو أبى حمزة الشارى؛ فنجد مشابهة واضحة بينها وبين خطب الخلفاء الراشدين فى معانيها وروحهاء وإن كانت الثانية لقوم سلم تفكيرهم من الاندفاع» والخوارج لم تسلم خطبهم منهء ولولا ذلكء وأن فى خطب الخوارج قذفا بالكفر لكثيرين؛ لكانت هى وخخطب الأولين من المهاجرين والأنصار خرجتا من معين واحد.
وخحطباء الوعظ الدينى كالحسن البصرىء؛ والشعبى» وابن سيرين؛ وواصل بن عطاءء كانت كخطب السلف الصالح من كل الوجوهء لا من جهة المعانى فقطء غير أنها زيد فيها أمر لم يكن فى خطب السلفء وهو القصصء والوعظ به وضرب الأمثال الكثيرة؛ وسوق أخبار الماضين» ليتعظ بها السامعون لهم؛ وترى ذلك واضحا كل الوضوح فى خطب الحسن البصرى رضى الله عنه
أما معانى -خطباء الأموبين ومن لف لفهم» وسايرهم فى أعمالهم وعاونهم فى نهجهم فقد امتازت فى الجملة:
عر -١ بأنها كانت معانى تهديدية؛ يكثر فيها الإرعاد والتهديدء إذا كانت من الوالى أو
الخليفة لقوم فى نفوسهم شئع من السخط على الأموبين وحكومتهم؛ كخطبة زياد ابن أبيه فى العراق؛ وخخطب الحجاج فيهء فإن تلك الخطب تشبه الصخور التى يقَدْف يها الخطيب وجوه السامعين» وتشبه الإنذارات التى يعذر بها من يريد إيقاع عقوبة صارمة» أر إعلان حرب داهمة: ولا تعد خخطيا يقصد بها إدناء القلوب» وجمعها على الجادة والسير بها فى طريق الرشاد.
409 ب سسب
؟- وبأنها كان أكثرها فى الفخر إذا كانت من خخطياء القبائل المناصرة لهمء كقول خطيب الأزد عند عبد الملك: وقد علمت العرب أنا حى فعال» ولسنا بحى مقال» وإنا مجرى يفعلنا عن أحسن قولهمء إن السيوف لتعرف أكفناء ون الموت ليستعذب أرواحناء وقد علمت الحرب الزبون أنا تقرع جماحهاء ونحلب صراها. وإنما كثر الفخر بين هؤلاء لعودة العصبية؛ واستيلائها على نفوسهم» وبينما كثر عند هؤلاء الفخرء كثرت معانى المدح والملق والنفاق فى أتباع الخليفة» وأتباع الأمراء وبطانتهم» ومن لهم عندهم حاجة» أو يطمعون فى نيل أمل .
عر - وبأنها كانت تشتمل على السب والإقذاع أحياناء وإنك لترى ذلك واضحا فى
كثير من خطب الحجاج فى أهل العراق» فإنك ترى فيها إفحاشا فى الهجوء وإقذاعا. وكأن الهجو العنيف الذى ساد الشعر فى ذلك العصر سرى بعضه إلى الخطابة» فأخذت منه أشطراء أو تلعلهما صدرا عن ينبوع واحد» وهو التنايز الذى فرق جماعات المسلمين» فاستباح كل أعراض الباقين» ولم ترع حرمة الدين» ولا وشائج القربى: ولا صلة الأرحامء واقرأ خطبة زياد ابن أبيه التى خخطبها قبل أن يلتحق بمعاوية يرد بها على كتاب أرسله إليهء وجاء فيها: العجب من أبن أكلة الأكباد» وقاتلة أسد الله ومظهر الخلاف» ومسر النفاق» ورئيس الأأحراب» ومن أنفق ماله فى إطفاء نور اللّهء كتب إلى يرعد بى» ويبرق عن سحابة جفل ”١؟ لاماء فيهاء وعما قليل تسيرها الرياح قزع'''؛ والذى يدلنى على ضعفه تهدده قبل القدرة أفمن إشفاق على يعذرء وينذر. كيف أرهبه وبينى وبيئه ابن بدت رسول الله مله وابن عمه فى ماثة ألف من المهاجرين والأنصارء والله لو أذن لى فيهء أو ندبنى إليهء لأرينه الكواكب تهاراء ولأسعطنه ماء الخردل.
وما فى الخطبة من الهجو لا يعتبر كثيرا بالإضافة إلى الهجو الذى كثر على ألسنة خخطباء هذا العصر.
5- والمبالغة والإغراق؛ لكثرة التفاق؛ والخداع والملق والمدح؛ فإن هذه الأمور يكون صوت الصدق فيها خخحافتاء وصوت الكذب غالياء والميالغات والغلوء ترد من أبواب الكذب»: حيث تختفى الصراحة: هذا إلى أن تسابق الخطباء» فى مدح الخلفاء جعل كلا يجتهد فى المعانى » والغوص فيها ليصلوا إلى قصب السبق قبل غيرهم» وذلك يدفعهم حتما إلى الإغراق. )١( السحابة الجفل التى لا ماء فيها لأنه أريق. (7) قطع السحاب المتفرقة.
أما بعل + فإن يزيك بن معاوية: أمل تأملونه: وأجل تأمنونه؛ إن استضفتم إلى مجلمة وسعكي: وإن عم د ا أأأاد : دعس ( . : , . : افتقرتم لذات يده أغناكمء جذع قارح 0 سوب فسبق؛ وموجد فمجدء وقورع ففاز سهمه؛ فهو خلف أمير المؤمنين ولا لف مته.
سل الأسلوب:
كان الأسلوب في ذلك العصر يشبه الأسلوب فى عصر الخلفاء الراشدين فى الاقتباس من القرآن الكريم والسنة النبوية وتجميل الخطبة أحيانا ببعض أبيات الشعر» وتفسيم الخطبة إلى مقدمة تشتمل على -حمد اللّهء والثناء عليه؛ وموضوعء» ونخاتمة.
ولكن كثر فى خحطب ذلك العصر الازدواج» وهو أن تكون الخطبة مقسمة إلى فقرات متناسقةء وإن لم تكن ذات قواف متتحدة. أقرأ خطبة عبد الملك بن مروان التى خطبها بعد قتل مصعب بن الزبير فى العراق» تراها ذات فقرات متناسقة؛ وقد كان على شاكلتها كثير من طب هذا العصر.
وكثر أيضا الاجتهاد فى سين الخطب» وتجميل الكلام» وإن كانت السليقة العربية التى امتاز.بها أكثر خطباء الأموبين والخوارج؛ قد سترت ذلك التكلف» ولم تظهرهء وإنك لتلمح فى خطبة الحجاج التى قالها فى أول مقدمه إلى العراق؛ الصناعة المحكمة؛ والقصد إلى التحسير'. ولعل السبب فى كثرة سين الخطبة فى ذلك العصر أن كثيرا من الخطباء كانوا يزوروث كلامهم قبل إلقائهء ويجمعون الفكرة قبل أن يتقدموا للخطبة؛ واقرأ ذلك الخبر الذى جاء فى العقد المريد:
قيل لبعض الخلفاء: إن شبيب بن شيبة يستعمل الكلام ويستعده» فلو أمرته أن يصعد المنبر لرجوت أن يفتضحء قال: فأمر رسولا أن يأخخذ بيده إلى المسجد؛ فلم يفارقه حتى صعد المنبر.
ألا يدل ذلك الخبر على أن التهيئة قد كثرت حتى كان يتهم بها بعض انجيدين المقال؛ فإنه لا اتهام فى أمر يكون بعيد الحصول؛ غير قريب من المألوف المعروف. وريما كان من أسباب الانجاه إلى سين الكلام وتنميقه- المباريات التى كانت تقوم بين الخطياء فإن كلا
0000222222
كات يحاول السبقء والإبداع فى الأسلوب والمعانى» ليكون الأغلب والأسبق. ومن الأسياب أيضا أن الكلام صار شهوةء وصار موضع فخرء وكل ذلك يدفع الإنسان إلى التحسين. وقد دفعهم ذلك أيضاً إلى محاولة أن يضعوا أصولا للخطابة ويلقنوها الشبيبة» كما كان يفعل الأثينيونث فى عصور ازدهار الخطابة» فقد ورد فى البيان والتبيين والعقد الفريد أن إبراهيم بن جبلة بن مخرمة السكونى كان يعلم الفتيان الخطابة» ومر به بشر بن المعتمر على ما بينا فى القسم الأولء: وإبراهيم هذا كان من أصحاب عبد الملك بن مروان: وعاش إلى خخلافة المنصور العباسىء وهذا الخبر فى جملته؛ يدل على أن الخطابة كانت تلقن» وتعلم فى أخخر العصر الأموىء وابتداء العصر العباسى» وأن الناس قد ابتدأوا يفكرون فى وضع أصول لهاء حتى جاء العصر العباسى يترجمته وعلومه؛ فترجمت الأصول الخطابية اليونانية فيما ترجم فى العصر العباسى كما بينا. طول الخطب وقصرها:
خطب الخوارج فى جملتها أميل إلى الطول: الما كانت تشتمل عليه من الحجج
أ والمأخذ على حكم الأموبين» وإعلان مساويهم» فترى خطب أبى حمزة الشارى: وقطرى وغيرهما من ختطباء الخوارج فيها الطول واضحاء وقد رويت مع طولهاء ونقلتها المصادر الأدبية كالبيان والتبيين» والعقد الفريدء والأمالى: والكامل» فدل ذلك على نفاستها وجودتها.
وحطب الوعاظ والزهاد» كالشعبى وابن سيرين والحسن البصرى أميل: إلى الإيجازء أتحذا بمذهب السلف الصالحء ولنهى النبى عله عن طول الخطية؛ ولخوفهم من أن تكون الإطالة لرثرة , وتفيهمقا: وتشادقاء وكل أولئك قل نهى عنه النبى ,
وخخحطب الأمويين ومن والاهم» ومن كان على شاكلتهم فيها الطول المفرط فى الطول» وفيها المتوسطء وفيها القصير المفرط فى القصرء فترى خطبة سحبان بين يدى معاوية» عندما أحضره لقولها مفرطة فى الطول كما ذكرناء وخطب الحجاجء وزياد ابن أبيه وغيرهما. بين الطول والقصصرء وخحطب الذين أرج عليهم فى الخطبة قصيرة جداء ومن ذلك خخحطبة غخالد بن عبد الله القسرى عندما أرعٌ عليه؛ فاعتذر قائلا:
أيها اناس إن م يج أيانا' زر فيتسيب سييبه» ويعزب أحياناء فيعز طلبه» فربما طولب
إلى معاوية-- فإن هلك فهذا- وأشار إلى يزيد- فمن أبى فهذا- وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: اجلس: فإنك سيل الخطباءع.
وريما كان يدفعهم إلى ذلك التطويل المفرط» والقصر المفرط؛ قصد التفئن: وبيان البراعةء وإثبات قدرتهم على الوفاء فى الطول من غير إملال؛ وعلى الإيجاز الذى يعد الأكثرون البلاغة فيه .
وليس معنى ذلك أن تطويلهم وإيجازهم لم يكن مراعى فيه مقتضى الحال» بل إن مراعاة المقام كانت ثابتة فى كثير من أقوالهم: ولكن حرصهم على الاشتهار بالبراعة كان لا يقل عن حرصهم على ملاحظة المقام» لأن القول صار غرضا لذاته فى ذلك العصر على ما بيناه أئقاً.
المأثور من الخطب
المأثور من خطب ذلك العصر كثيرء ولكنه إذا أضيف إلى كثرة الخطباء؛ وإلى تنوع الموضوعات» واتساع أغراض القول» كان قليلاء ولعل السبب فى ذلك أن الرواية كان المعول فيها على الحافظة» والنسيان قد يتطرق إليها. قال الأستاذ المرحوم المهدى (بك) : لقد نظرت فى عدد الخطباء'الجيدين» فوجدته يربو على عدد الشعراءء ولكن ما أثر عنهم من الخطب دون ما أثر عن الشعراء»ء وسبب ذلك فيما أرى أن الأمة كانت -حديثة المهد بالكتاية» وكانت معتمدة على حافظتها.. على أن الذى وصل إليها ليس فى نفسه قليلاء وإن قل بالإضافة إلى قائليهء فإن كثيراً من الخطياء المشهورين؛ لا يحفظ له إلا خخطبة واحدة.
الخطباء
كثر عدد الخطياء فى ذلك العصر كثرة هشلهقشة؛ وتعذددت طوائفهم»: واخمتلفت نواحيهم » ومذاهيهم الفكرية» وكان لكل سحزب خحطياع » ولكل ككة من التاس متكلمون. |
ومن خطباء لأمومن معاوية» ويزيدء وعبد الملك بن مروانء 0 بن يزيذ؛ وعمر بن تح | ل تمنيت أن يسكت حخوقا من أن بسيمة 5 زياداء له كلا كلما أكثر كا جو كلاماء والحجاج بن يوسف الثقفى .
ومن الخطياء الذين نازعوا بنى أمية الخلافة عبد الله بن الْزبير ومصعب أرهء وكثيروت من أسرتهما. 0000
ومن تحضاء الخوارج قطرى دن الفجاءة, وعمرأل بن محطان: وأبو عبيدة الأباضى» وأبو -جمزة ة الشارى. |
ومن خخطياء المجالس خالد بن يزيد بن معاوية؛ وأيوب بن القرية وهو الذى قال للحجاج وقل نحافه : أقلنى عثرتى » وأسمنى ريعى ؛ فاته لايد للجواد سس كبوة ) وللسيف من نيوة » وللحليم
من هفوة». فقال له الحجاج: كلا حتى أوردك جهنم ؛ ألسث القائل : تغدوا الجدى قبل أن ومالك بن دينار» وكل هؤلاء قاص موجز.
وغير هؤلاء الذين ذ كرناهم كثيرون جداً. وقبل أن نترك هذا الموضوع لابد أن نشير إلى طائفة من الموالى أجادوا الخطابة؛ كالعرب؛ بل ريما فاقوا كشيرين من بلغاء الخطباءء ومن هؤلاء الحسن البصرى» وقد روى أن السيدة عائشة رضى الله عنها سمعته يتكلم: فقالت: من هذا الذى يتكلم بكلام الصديقين. ومنهم طارق بن زياد صاحب الخطبة المشهورة التى قالها عند غزو الأندلس» فأنه كان بربرياء ولم يكن عربيا.
تماذج من خطب هذا العصبير 1 خطبة معاوية فى أهل الكوفة بعد الصلح ياأهل الكوفة» أترانى فاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج: وقد علمت أنكم تصلون وتزكونء ونحجحجون؛ ولكننى قائلتكم لانامر عليكم وعلى رقابكمء وقل أتانى الله ذلك وأنتم كارهون . ألا إن كل مال أو دم أصيب 8 هذه الفتنة فمطلول, وكل شرط شرطتهغ: فتبحت قدمى هاتين » ولا يصلح الناس إل ثلاث : إخراج العطام عند محلهة, وإقفال اللجتود لوقتهاء وغرو العدو فى دارةء فإنه إد لم تغزوهم غزوكم.
خطبة معاوية فى المدينة المنورة
جاء فى العقد الفريد: لا قدم معاوية المديئة المنورة عام الجماعة» تلقاه رجال من قريش فقالوا: الحمد لله الذى أعز نصرك» وأعلى كعبك. فوالله ما رد عليهمء حتى صعد المتبر؛ فحمد الله وأنبى عليه ثم قال:
أما بعل » فإنى والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم: ولا مسرة بولايتى : ولكنى جالدتكم بسيفى هذا مجالدة. ولقد رضت لكم نفسى على عمل ابن أبى قحافة وأردتها على عمل عمرةء فنقرت من ذلك نفاراً شديداً وأردتها على سنيات عثماك: فأبت على» فسلكت يها طريقا لى ولكم فيه منفعة؛ مؤاكلة حسنة» ومشاربة جميلة» فإن لم جدونى خيركم» فإنى خير لكم ولاية. والله لا أحمل السيف على من لا سيف لهء وإن لم يكن منكم إلا ما يستشفى به القائل بلسانهع ققد جعلت ذلك له دبر أذنى؛ ونحت قدمى »2 وإ لم بجدونى أقوم بحقكم كل فاقبلوا منى بعضه: فإن أتاكم منى خير فاقبلوه فإن السيل إذا جاء يشرى» وإذا قل أغنى» وإياكم والفتنة: فإنها تفسد المعيشة» وتكدر النعمة.
رثاء ابن الحنفية لأخيه الحسن ظ نا مات الحسن بن على رصى الله كمه ؛ رثأه أنحوه أبن النفيةء فقال,حمك الله أب ميحهمل ع فلن تك حياتك»؛ نقد شدت وفاتك» ولتعم الروح ردح تتمهميه بدنك» ولئعم المجحسد
جسد تضمنه كفنكء ولنعم الكفن كفن تضمنه لحدك؛ وكيف لا تكون كذلكء؛ وأنت سليل الهدىء وتحامس أصحاب الكساء7 ع وتحلف أهل التقوى؛: وجدك النبى المصطفى وأبوك على المرتضى» وأمك فاطمة الزهراء» وعمك جعفر الطيار فى جنة المأوى. وغذتك أكف الحق: وربيت فى حجر الإسلام» ورضعت ثدى الإيمان» فطيت حيا وميتا. فلفن كانت الأنفس غير طيبة لفراقك» إنها غير شاكة أن قد خير لكء وأنك وأخحاك سيدا شباب أهل الجنة» فعليك أبا محمد منا السلام.
خطبة زياد بن أبيه بالبصرة
جاء فى البيان والتبيين: قال أبو الحسن المدائنى عن مسلمة بن محارب؛ وعن أبى بكر
الهذلى؛ قال: قدم زياد البصرة واليا لمعاوية بن أبى سفيان؛ وضم إليه خراسان؛ وسجستان؛ والفسق بالبصرة كثير فاش ظاهرء قالا: فخطب خخطية بتراء لم يحمد الله فيها. وقال غيرهما: بل قال: الحمد لله على أفضاله, وإحسانه : ونسأله المزيد من نعمه وإكرامهء اللهم؛ كما زدتتا نعماء فألهمنا شكرا. أما بعد: فإن الجهالة الجهلاءء والضلالة العمياء؛ والغى الموقى بأهله على النار» ما فيه سفهاوكم ويشتمل عليه حلماؤكم» من الأمور العظامء ينبت فيه الصغير؛ ولا يتحاشى عنها الكبير؛ كأنكم لم تقرءوا كتاب الله» ولم تسمعوا ما أعد اللّه من الشواب الكريم لأهل طاعتهء والعذاب الأليم لأهل معصيته» فى الزمن السرمدى الذى لا يزول: أتكونون كمن طرفت”'' عينيه الدئيا وسدت مسامعه الشهوات» واخختار الفانية على الباقية» ولا تذكرون أنكم أحدثتم فى الإسلام الحدث الذى لم تسبقوا إليه؛ من ترككم الضعيف يقهره ويؤحذ ماله!. هذه المواخير"' المنصوبة» والضعيفة المسلوبة فى النهار المبصرء والعدد غير قليل. ألم تك متكم نهاة عن دلج الليل !5 ؟ فرتم القرابة» وياعدتم الدين» تعتذرون بغير العذرء وتغضوك عن الفتلس» كل امرئ منكم يذب عن سفيههء صنيع من لا يخاف عاقبة» ولا يرجو معاداء ما أنتم (1) أصحاب الكساء هم فاطمة وعلى والحسن والحسين والنبى عله لأن النبى مه ضمهم إليه فى مرط أسود
عددما دعا نصارى مجران إلى مباهلته كما قال تعالى : قل تعالوا ندع أبتاءناء وأبناءكم...» إلخ. (؟) يقال طرف عينيه إذا أطبق أحد الجغتين على الأخخر. (6) جمع ماخحورة وهى بيت الزأنية. فارسى معرب أو غربى مشتق من ممخرت السفيئة إذا ترددت فى البحره لآن
الئاس يترددون عليه.
(4) الدلج: السير ئيلا.
بالحلماء» ولقد اتبعتم السفهاءء فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونهم؛ حتى انتهكوا حرم الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا”'' فى مكانس الريب. حرام على الطعام والشراب؛ حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقا. إتى رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صاح به أوله» لين فى غير ضعفء» وشدة فى غير عنف. وإنى أقسم بالله لذن الولى بالمولى» والمقيم بالظاعن, والمقبل بالمدير» والمطيع بالعاصىء والصحيح منكم فى نفسه بالسقيم؛ حتى يلقى الرجل منكم أخام» فيقول: اث سعدء فقد هلك سعيدء أو تستقيم قناتكم. إن كذية المنبر بلقاء مشهورة» فإذا تعلقتم على بكذية فقد حلت لكم معصيتىء فإذا سمعتموها منى» فاغتمزوها '' فى» واعلموا أن عندى أمشالها. من نقب منكم عليه؛ فأنا ضامن لما ذهب منه. فإياى ودلج الليل» فإنى لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمهء وقد أجلتكم فى ذلك بمقدار ما يأتى الخبر الكوفة؛ ويرجع إليكم؛ وإياى ودعوى الجاهلية فإنى لا أجد أحدآ دعا بها إلا قطعت لسانه. وقد أحدثتم أحداثا لم تكن» وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة» فمن غرق قوما غرقناه» ومن حرق على قوم حرقناه؛ ومن نقب على أحد نقينا على قليه» ومن نبش قبرا دفناه حيا فيه» فكفوا عنى أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم يدى ولسانى. ولا تظهر على أحد منكم ريبة بخلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه. وقد كانت بينى وبين أقوام إحن» فجعلت ذلك دبر أذنى» ونتخت قدمى» فمن كان منكم محسنا فليزدد إحساناء ومن كان منكم مسيكاً فلينزع عن إساءته» إنى والله لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضىء لم أكشف له قناعاء ولم أهتك له ستراء حتى يبدى لى صفحته»ء فإذا فعل ذلك لم أناظره» فاستأنفوا أموركم» وأعينوا على أنفسكم» فرب مبتكس بقدومنا سيسر» ومسرور بقدومنا سيبتئس . أيها الناس» إنا أصبحنا لكى ساسةء وعنكم ذادة؛ نسوسكم بسلطان الله الذى أعطاناء نذود عنكم بفع الله الذى خولناء فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحيبناء ولكم علينا العدل فيما وليناء فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لناء واعلموا أنى مهما قصرت فلن أقصر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة:؛ ولو أتانى طارقا بليل؛ ولا حابسا عطاء ولا وزقا عن إيانهء ولا مجمرا لكم بعفا. فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم فإنهم ساستكم المؤدبون لكم؛ وكهفكم الذى إليه تأوون» ومتى يصلحوا تصلحواء ولا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم ويطول له حزنكم ولا تدركوا حاجتكمء مع أنه لو استجيب لكم فيهمء لكان شرا لكم؛ (1) كنوسا جمع كانس. وهو المستتر. والكامن. )١( الاغتماز: اللعن
أسأل الله أن يعين كلا على كل» وإذا رأيتمونى أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على إذلاله؛ وأيم الله إن لى فيكم لصرعى فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاى.
خطبة عبد الله بن همام السلولى يعزى يزيد فى معاوية ويهنئه بالخلافة يأأمير الموؤمنين» آجرك الله على الرزية؛ وبارك لك فى العطية: وأعانك على الرعية؛ فلقد رزئت عظيماء وأعطيت جسيماء فاشكر الله على ما أعطيت: واصبر له على ما رزئثت» فققد فقدت خخليفة اللهه ومنحت خلافة الله؛ ففارقت جليلاء ووهبث جزيلا؛ إذ قضى معاوية نحبه» فغفر الله ذنبه؛ ووليت الرياسة» فأعطيت السياسة» فأوردك الله موارد السرورء ووفقك لصالح الأمور. وأنشد: آ
فاصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة واشكر حباء الذى بالملك أصفاكا لا رزء أصبح فى الأقوام نعلمه كما رزثت ولا عقبى كعقباكا أصبحت والى أمر الناس كلهم فأنت ترعاهم والله يرعاكا وفى معاوية الباقى لنا خحلفا إذانعيتء ولا نسمع بمنعاكا
ينهى الحسين عن الخروج إلى العراق
قال أبن عباس ينهوى اللحسين عن الخروج إلى العراق: يأبن عم إثى أتصبر: ولا أصير» وإنى أتخنوف عليك من هذا الوجه الهلاك والاستمصالء إنأهل العراق قوم غدر '*؛ فلا تقربنهم؛ أقم بهذا البلدء فإنك سيد أهل الحجازء فإن كان أهل العراق يريدونك "كما زعمواء فاكتب إليهم» فلينفوا عدوهم؛ ثم أقدم عليهم؛ فإن أبيت إلا أن تخرج. فسر إلى اليمن» فإن بها حصونا وشعابا''» وهى أرض عريضة طويلة ولأبيك بها شيعة. وأنت عن النان بعزلة» فتكتب إلى الناس» وترسل» وتبث دعاتك» فإنى أرجو أن يأنيك عند ذلك الذى مب فى عافية. ظ
ْ جمع غدور كصبور. (7) الشعاب جمع شعب وهو الطريق فى الجبل. )١(
000000 خطبة الحسين ر ضى الله عنه : وقد أحس بغدر أهل العراق ظ أيها الناس» إن رسول الله ع قال: «من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه؛ ناكثا لعهد اللهء مخالفا لسنة رسول الله عله يعمل فى عباد الله بالإئم والعدوان» فلم يغير عليه يفعل ولا قول» كان حقا على الله أن يدخخله مد خله) ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان؛ وتركوا طاعة الرحمن» وأظهروا الفسادء وعطلوا الحدودء واستتأثروا بالفئ» وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله» وأنا أحق من غيرء وقد أتتنى كتيكم» وقدمت على رسلكم ببيعكمء ألا تسلمونى ولا تخذلونى: فإن تممتم على بيعتكم: تصيبوا رشدكمء وأنا الحسين بن على» وابن فاطمة بنت رسول الله عله نفسى مع أنفسكمء وأهلى مع أهليكم؛ فلكم فى أسوة» وإن لم تفعلواء ونقضتم عهدكم؛ وخلعتم بيعتى من أعناقكمء فلعمرى ما هى لكم بنكر. لقد فعلتموها بأبى وأخى وابن عمى مسلمء والمغرور من اغتر بكمءفحظكم أخطأتم» ونصييكم ضيعتم؛ ومن نكث فإنما ينكث على نفسه» وسيغتى الله
عنكم: والسلام عليكم ورحمة الله وبر كأته: ٠. خطبة المسيب بن نجبة الفزارى يعلن التوبة عن التقصير فى نصرة الحسين حمد الله وأثنى عليه» وصلى على النبى + نم قال:
أما بعد فإنا قد أبتلينا بطول العمرء والتعرض لأنواع الفتن» فنرغب إلى ربنا ألا يجعلنا من يقول له غداء أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم الدذيرء فان. أمير اللؤمدين قال:. الممر الذى أعذر الله فيه إلى ابن أدم ستون سنةء وليس فينا رجل إلا وقد بلغهء وقد كنا مخرمين بتزكية أنفسناء وتقريظ شيعتناء حتى بلا الله أخبارنا فؤجدنا كاذبين فى موطنين من مواطن ابن ابنة نبينا علهء وقد بلغتنا قبل ذلك كتبهء وقدمت علينا رسله» وأعذر إلينا يسألنا نصرهء عوداء وبدعاء وعلانية» وسرأء فيخلنا عنه بأنفسناء حتى قتل إلى جانيتاء لا نحن نصرناه بأيديناء ولاجادلنا عنه بألمنتناء ولا قويتاه بأموالناء ولا طلينا له النصرة إلى عشائرنا» قما عذرنا
إلى ربتاء وعند لقاء نبينا : وقد قتل ولده وحبيبه وذريته ونسلهء لا واللّه لا عذر دون أن تقتلوا قائله» والموالين عليه» أو تقتلوا فى طلب ذلكء فعسى ربئا أن يرضى عنا عند ذلك» وما أنا بعد
أيها القوم؛ ولوا عليكم رجلا منكمء فإنه لابد لكم من أمير تفزعون إليه» وراية فون بها أقول قولى هذاء وأستغفر الله لى ولكم.
خطبة عبد الملك بن مروان فى العراق دحل الكوفة بعد أن قتل مصعب بن الزبير» فحمد اللهء وأثنى عليه؛ وصلى على التبى عللهء ثم قال: أيها الئاس إن الحرب صعية مرة» وإن السلم أمن ومسرة» وقد زبنتنا'' الحربء وزبناهاء فعرفتاهاء والفناهاء فنحن بنوهاء وهى أمنا. أيها الناس؛ فاستقيموا على سبيل الهدى؛ ودعوا الأهواء المردية» وحنبوا فراق جماعات المسلمين» ولا تكلفونا أعمال المهاجرين الأولين: وأنتم لا تعملون أعمالهمء ولا أظنكم تزدادون بعد الموعظة إلا شرأء ولن نزداد بعد الإعذار إليكم والحجة عليكم,» إلا عقوية؛ فمن شاء منكم أن يعود لمثلهاء فليعدء فإنما مثلى ومثلكم كما قال قيس بن رفاعة: من يصل نارى بلا ذنب ولا ترة ١ يصل بنار كريم غسير غدار أنا النذير لكم منى مجاهرة كيلا ألام على نهى (إنذار فإن عصيتم مقالى اليو فاعترفوا أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار
د خطبة الحجاج حين قتل عبد الله بن الزيبر لا قتل الحجاج عبد الله بن الزبير ارئجخت مكة المكرمة بالبكاء؛ فصعد المنبرء فقال: ألا إن ابن الزبير كان من أحبار هذه الأمة, حتى رغب فى الخلافةء ونازع فيهاء وتخلع طاعة اللّهء واستكن بحرم اللّهء ولو كان شئ مانعا للّعصاة؛ لمنع آدم حرمة الجنة» لأن الله تعالى خلقه بيدهء وأسجد له ملامكتهء وأباحه جنته؛ فلما عصاه أخرجه منها يخطيعته؛ وآدم على الله أكرم من ابن الزبير» والجنة أعظم حرمة من الكعبة.
خطبة له أخرى فى أهل العراق وأهل الشاه يلأهل الكوفة» إن الفتنة تلقح بالنجوىء وتنتج بالشكوىء ومخصد بالسيفء أما والله إن أبغضتمونى لا تضرونى» وإن أحببتمونى لا تنفعونى» وما أنا بالمستوحش لعداوتكمء ولا المستريح إلى مودتكم» زعمتم أنى ساحرء وقد قال الله تعالى: «ولا يفلح الساحر» وقد أفلحت» وزعمتم أنى أعلم الاسم الأكبرء فلم تقائلوت من يعَلم ما لا تعلمون؟ ثم التفت إلى أهل الشام فقال: لأزواجكم أطيب من المسكء ولأبناؤكم آنس بالقلب من الولدء وما أنىم إلا كما قال 8 ذبيان: إذا حاولت فى أسد فجورا فإنى لست منك ولست منى هم درعى التى استلامت فيها إلى يوم النسار وهم مجنى ثم قال: بل أنتم يأأهل الشام كما قال الله سبحانه: «ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين » إنهم لهم المنصوروت؛ وإ جندنا لهم الغالبون» .
خطبة لعمر بن عبد العزيز ر ضى الله عنه
خطب ععممر بن عبد العزيز الناس فقال: أيها الناس» لا يطولن عليكم الأمدء ولا يبعدن عليكم يوم القيامة؛ فإن من وافته منيته فقد قامت قيامته؛ ولا يسنعتب من شيعء ولا يزيد فى حسن:ء ألا لا سلامة لامرئع فى حلاف السئةء ولا طاعة مخلوق فى معصية الله؛ ألا وإنكم تعدو الهارب من ظلم إمامه عاصياء ألا وإن أولاهما بالمعصية الإمام الظالم» ألا وإنى أعالج أمراً لا يعين عليه إلا اللهء قد فنى عليه الكبير: وكبر عليه الصغيرء وأفصح عليه الأعجمى: وهاجر عليه الأعرابى» حتى حسبوه ه دينا لا يرون الحق غيره. ثم قال: إنه لتحبيب إلى أن أوفر أموالكم وأعراضكم إلا بحقهاء ولا قوة إلا بالله.
خطية قطرى بن الفجياءة
ونحببت بالعاجلة ؛ وحليت الآمال: ١ وتزينت بالغاء د تدوم نضرتهاء ولا تؤمن فجعتهاء ا غرارة
ضرارة) وحائلة زائلة, وتافلة بائدة. لا تعدو إذأ تتأهصت إلى أمنية أهل الرغبة فيهاء والرضا عنه؛ أن تكون كما قال الله عر وجل .
( كماء أنزلناه من السماءء فاختلط يه نبات الأرض » فأأصبح هشيما تلدروه الرياح ؛ وكان الله على كل شيء مقتدرا 4
مع أن أمرءا لم يكن منها فى حبرة ''؛ إلا أعقبته بعدها عبرة؛ ولم يلق من سرائها بطناء إلا منحته من ضرائها ظهراء ولم تصله منها ديمة رخخاءء إلا هطلت عليه مزنة بلاء. وحرية إذا أصبحت له منتصرة أن تمسى له خخاذلة متنكرة؛ وإن جانب منها اعذوذب واحلولى: أمر عليه جانب فأوبأء وإن لبس امرؤٌ من غضارتها ورفاهيتها نعماء أرهقته من نوائبها غماء ولم يمس امرؤ منها فى جناح أمن» إلا أصبح منها فى قوادم''' خحوف»؛ غرارة غرور ما فيها؛ فالية فان من عليهاء لا خير فى شئع من زادها إلا التقوىء من أقل منها استكثر بما يؤمنهء ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه' ''» كم وائق بها قد فجعته»وذى طمأنينة إليها قد صرعته؛ وكم من مكتال بها قد جدعته» وكم ذى أبهة قد صيرته حقيراء وذى نخرة قد ردته ذليلاء وذى تاج قد كبته *ا ليدين والنمم . سلطانها دول وعيشتها رنق””'» وعذبها أجاج' 'ء وحلوها مرء وغذازها سمام "'؛ وأسبابها زحام » وقطافها سلع “؛ حيها بعرض موت؛ وصحيحها بعرض سنقم» ومنيعها بعرض اخختضام؛ ؛ مليكها مسلوب؛ وعزيزها مغلوب» وسليمها منكوب. وجامعها '' محروب؛ مع أن وراء ذلك سكرات الموت وزفراته» وهول المطلع؛ والوقوف بين يدى الحكم العدل 3 ليجرى الذين أساءوا بما عملواء ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى 4 ألستم فى مساكن من كان قبلكم أطول منكم أعماراء وأوضح منكم أثاراء أعد عديدا» وأكثف جنوداء وأعتد عتادا!' ''؛ وأطول عماداء تعبدوها أى تعبد» وآثروها أى إيثار» وظعنوا عنها بالكره والصغار. فهل بلفكم أن الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية» وأغنت عنهم مما قد أملتهم به بل أرهقتهم بالفواد ح» وضعضعتهم بالنوائب» وعفرتهم للمناخخر؛ وأعانت عليهم ريب المنوثء وقد رأيتم تنكرها لمن دان لها وآثرهاء )١( أثر نعمه وحسن 202 (1) قوادم الطير الريش الذى فى مقدمته؛ وامراد هنا مظاهر الخوف. (') يوبقه يهلكه. (4) كبه صرعه أو رماه فى هوة. (6) رنق كدر. (5) الماء الأجاج الملح المر. (/7) السمام جمع سم.
رفي القطاف اسم لما يقطف من عنب أو نحوهء والسلع ب بفتح اللام شجر مر أو الصبر أواسم. . 03 اروب المسلوب. ( )١ العتاد ما يعتذ به شْ اليحأة من مال وسلا حم وقوة.
بإب
وأخخلد إليهاء حتى ظعنوا عنها لفراق الأبدء إلى آخر الأمدء هل زودتهم إلا الشقاء؛ وأحلتهم إلا الضئك» أو نورت لهم إلا الظلمة» وأعقبتهم إلا الندامة» أفهذه تؤثرون؛ أو على هذه تخرصوت؛ أوإليها تطمئنون» يقول الله تبارك وتعالى: من كان يريد الحياة الدتها وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيهاء وهم فيها لا ييخسون #* أولعك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا التاره وحبط ما صنعوأ فيهاء وباطل ما كانوا يعملون 4>.
فبعست الدار لمن لم يتهمها. ولم يكن فيها على وجل منهاء فاعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها لابدء فإنما هى كما تعت الله عز وجل لعب ولهو وزينة وتفاخخر بينكم وتكائر فى الأموال والأولاد» فاتعظوا فيها بالذين يبنون بكل ريع آيةء وبالذين قالوا من أشد منا قوةء وانعظوا بمن رأيتم من إخوانكمء كيف حملوا إلى قبورهم» فلا يدعون ركباناء وأنزلواء فلا يدعون ضيقاناء وجعل لهم من الضريح أكنان» ومن التراب أكفان؛ ومن الرفات جيران» فهم جيرة لا يجيبون داعياء ولا يمنعون ضيماء يزارون ولا يستزارون» حلماء قد ذهبت أضغانهم؛ وجهلاء قد مانت أحقادهم» لا يخشى فجعهمء ولا يرجى دمعهمء وهم كمن لم يكنء قال الله تعالى: ( قتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاء وكنا نحن الوارثين »» استبدلوا بظهر الأرض بطناء وبالسعة ضيقاء وبالآل غربة» وبالور ظلمةء فجاءوها حفاة عراة فرادى, وظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة إلى خلود الأبدء يقول الله تبارك وتعالى: ( كما بدأنا أول خلق تنعيدهء وعذا! عليناء إنا كنا فاعلين 4» فاحذروا ما حذ ركم الله» واتتفعوا بمواعظه: واعتصموا بحيله» عصمنا الله وإياكم بطاعتهء ورزقنا وإياكم أداء حقه.
خطبة أبى حمزة الشارى بمكة المكرمة جاء فى كتاب البيان والتبيين: دخخل أبو حمزة الخارجى مّكة المكرمة؛ وهو أحد نساك الأباضية؛ وخخطبائهم؛ واسمه يحيى الختار- فصعد المنبر متوكتا على قوس له عربيةء فحمد اللّه؛ وأثنى عليه؛ ثم قال: أيها الناس إن رسول الله عَلله كان لا يتأخرء ولا يتقدمء إلا بإذن اللّهء وأمره ووحيهء أنزل الله له كتاباء بين له فيه ما يأتى» وما يتقى» فلم يكن فى شلك من دينه؛ ولا شبهة فى أمره. ثم قبضه الله إليه» وقد علم المسلمين معالم دينهم؛ وولى أبا بكر صلاتهمء فولاه المسلمون أمر دنياهم؛ حين ولاه رسول الله عله أمر دينهمء فقاتل أهل الردة؛ وعمل بالكتاب
يبب 001
والسنةء فمضى لسبيله رضى الله عنه. ثم ولى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه» فسار بسيرة صاحبهء وعمل بالكتاب والسنة» وجبى الفيع» وفرض الأعطية» وجمع الناس فى شهر رمضانء وجلد فى الخمر ثمانين» وغزا العدو فى بلادهم؛ ومضى لسبيله رضى الله عنه» ثم ولى عشمان بن عفان: فسار ست سنين بسيرة صاحبيه؛ وكان دونهماء ثم سار فى الست الأواخر بما أحبط به الأوائل؛ ثم مضى لسبيله رضى الله عنه. ثم ولى على بن أبى طالب فلم يلغ من السحتى قصداء ولم يرفع له مناراء ثم مضى لسبيله رضى الله عنهء ثم ولى معاوية بن أبى فياك لعين رسول الْلّهء وابن لعينه» اتخذ عباد الله خمولا”'' ومال الله دولا" ' ودين الله دغلا '' ثم مضى لسييله؛ فالعنوهء لعنه الله. ثم رلى يزيد بن معاوية» يزيد الخمورء ويزيد القرود» ويزيد الفهودء الفاسق فى بطنه..... ثم اقتصهم خخليفة خليفة ذلما انتهى إلى عمر بن عبد العزيز أعرض عنهء ولم يذ كرهء ثم قال: ثم ولى يزيد بن عبد الملك الفاسق فى بطلنه ممه الذى لم يؤنس منه رشد» وقد قال تعالى فى أموال اليتامى» 7 فإِن أنستم منهم رشداء فادقعوا إليهم أموالهم 4 فأمر أمة محمد أعظم. يأكل الحرام» ويشرب الخمرء ويليس الحلة قومت يألف ديتار» قد ضريت فيها الأبشارء وهتكت فيها الأستارء وأخذت من غير حلهاء حبابة'' عن يمينه» وسلامة عن يساره تغنيانه» حتى إذا أخطذ الشراب منه كل مأحدذ قد ثوبه» ثم التفت إلى إحداهماء فقال: دألا أطيرة نعم فطر إلى لعنة اللّهء وحريق ناره» وأليم عذايه .
وأما بنو أمية ففرقة ضلالة» وبطشهم بطش جبرية» يأخذون بالظنة» ويقضون» بالهوى ويقتلون على الغضبء ويحكموث بالشفاعة» ويأخذون الفريضة من غير موضعهاء ويضعونها فى غير أهلهاء وقد بين اللّه أهلهاء فجعلهم ثمانية أصناف؛ فقال سبحانه: (إنما الصدقات للفقراء؛ والمساكين» والعاملين عليهاء والمؤلفة قلوبهمء وفى الرقاب»ء والغارمين وفى سبيل الله» وابن السبيل» . فأقبل صنف تاسع ليس منهاء فأخذها كلها تلكم الفرقة الحاكمة بغير ما أنزل الله.
وأما هذه الشيع فشيع ظاهرت بكتاب اللهء وأعلنت الفرية على اللهء لم يفارقوا الناس ببصر نافذ فى الدين» ولا بعلم نافذ فى القرآن الكريم؛ ينقموث المعصية على أهلهاء ويعملون إذا ولوا بهاء يصرون على الفتنة ولا يعرقون اللخرج منهاء جفاة عن القرآن الكريمء أتباع كهان؛ يؤملون ألا تبعث الموتى» ويعتقدون الرجعة إلى الدنياء قلدوا دينهم رجلا لا ينظر لهمء قاتلهم 17 عبيدا 020202000 019 جمع دول وهى ما بتدارل من لقال: 80) الدغل ما فيه فساد. << (4) حبابة وسلامة قينتان كان يحبهما.
ا( سس ب
الله أنى يؤفكون. ثم أقبل على أهل الحجازء فقال: يأأهل الحجازء أتعيروننى بأصحابى: وتزعمون أنهم شباب» وهل كان أصحاب رسول الله عله إلا شباباء أما والله إنى لعالم بتتابعكم فيما يضركم فى معادكمء ولولا اشتغالى يغيركم عنكم ما تركت الأخخذ فوق أيديكم؛ شياب الله مكتهلون فى شبابهم؛ غضيضة عن الشر أعينهم؛ ثقيلة عن الباطل أرجلهم» أنضاء”" عبادةء وأطلاح '' سهرء فنظر الله إليهم فى جوف الليل؛ منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن الكريمء كلما مر أحدهم بآية من ذكر الجنة بكى شوقا إليهاء وإذا مر بآية من ذكر الئار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه» وصل كلالهه' '' بكلالهمء كلال الليل بكلال النهار» قد أكلت الأرض ركبهم وأبديهم وأنوفهم وجحباههم واستقلوا ذلك فى جنب الله -حتى إذا رأوا السهام قد فوقت”*' والرماح قد أشرعت”*' » والسيوف قد انتضيت”''ء ورعدت الكتيبة بصواعق من الموت وبرقت» استخفوا بوعيد الكتيبة» لوعيد اللّهء ومضى الشباب منهم قدما''» حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسهء وتخضبت بالدماء محاسن وجههء فأسرعت إليه سباع الأرض؛ وانحطت إليه طير السماءء فكم من عين فى مناقير طالما بكى صاحبها فى جوف الليل من خوف الله؛ وكم من كف زالت عن معصمها طلما اعتمد عليها صاحبها فى جوف الليل بالسسجود لله ثم قال: (أوه أوه أوه» لم بكى ثم نزل.
خطبة للحسن البصرى خرج الحسن اليصرى يوما على أصحابه, وهم مجتمعونء فقال: واللّه لو أن رجلا منكم أدرك من أدركت من القرن الأول ورأى من رأيت من السلف الصالح, لأأصبح مهموماء وأمسى مغموماء وعلم أن المجد منكم كاللاعبء والمجتهد كالتارك» ولو كنت راضيا عن نفسى لوعظتكمء» ولكن الله يعلم أنى غير راض عنهاء ولذا أبغضتها وأبغضتكم.
() الكلال التعب.
(4) فوق السهم جعل له فوقا وهو ما يضع منه فى القوس.
ره رقعت ووججهت وجهة العدو.
(0) قن سلت. () مضى قدما معناها مضى إلى الحرب .
أيها الناس؛ إن لله عبادا قلوبهم محزونة ) وشرورهم مأمونة: وأنفسهم عفيفة, وحوائجهم تحميشة ؛ صبروا الأيام القلائل , ا رججوه فى الدهور الأطاول. أما الليل فقائمول على أقدامهم: يتضرعوك إلى رنهم» ويسعون 7 فكاك رقابهم: يجرى من العخشية دشوعهم ؛ وتخفق من الخوف قلوبهم؛ وأما النهار فحلماءم أثقياء أحفياء, يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفن» تخالهم من الخشية مرضى» وما بهم من مرضء؛ ولكتهم خخصصوا بذكر النار وأهوالها. لهم والله لدنياكم بأبصاركمء ولهم كانوا لحستاتهم أن ترد عليهم أخوف منكم أن تعذبوا على سيثاتكم: ( أولقك حزب الله ألا إن حزب اللّه هى المفلحون >.
روي ب لا ا ا لا
الخطابة فى الماثة الأولى من العصير العباسى
فتمهيك:
اشتد إيذاء الأمويين لآل البيت الأطهارء وكثر القتل الذريع فيهمء وفى أنصارهي؛ وكان ببجوار ذلك الإيذاء تعصب للعرب والعربية فأحنق ذلك الفرس وغيرهم»: فوجد آل البيت السبيل للانتقاض عليهم معبداء إذ قد مل الناس مظالمهم؛ ونفروا من حكمهم, لا شاع من قالة السوء عنهم» ثم وجد الفرس المنتقمون لجنسيتهم ميررا للخروج وهو الاتتصار لأهل البيت» بينما وجد هؤلاء فيهم نصراء لهم يعاضدونهم فى اللأواء: ويوؤازرونهم فى الشديدة؛ء فحصروا دعوتهم فيهمء لننا دبر العباسيون الأمر فى وسط فارس» وبيتوا مكرهم» وأخفوا تدييرهم حتى لاحت لهم الفرصة» فانتهزوهاء وأبعدوا الأمويين عن عرش المسلمين؛ وتولوه هم باعتيار أنهم أفرباء إلى النبى عل الأدنون؛ وورثته المستحقون للخلافة من بعدهء ولم يكد الأمر يستقر لهم» حتى انتقض عليهم أبناء على رضى الله عنهمء لأنهم أصحاب البلاءء وأهل الجلاد: والتضضال» ولأن العباسيين وصلوأ إلى الحكم على كواهلهم» وأبتزوه منهم» اشتد النضال بالكلام ويالسيف بين الفريقين المتناحرين كل يدعو الناس إلى تأيبده؛ ويبرهن على صدق دعواه بما يستطيع من بيان؛ ويدلى بما عنده من دليل. وقد شغل ذلك النضال أكثر مدة أبى جعفر المنصور» حتى تم له الاتتصار عليهم بالسيف» وأهواء كثيرين من أنصاره معهم.
وقد كان العياسيون يسيئون الظن بالعرب؛ لأنهم أنصار الأمويين» شديدى الفقة بالفرس » لأنهم أنصارهم ومقيمو دولتهم» ولذلك كان كبار القواد والزعماء والوزراء والنابهين فى الدولة منهم» وقد انتهزها الفرس لنشر سلطانهم؛ وإحياء قديم مجدهمء ونشر المقبور من أدايهم وأفكار. هم. و لذلك أخذت العادات القار. سية تصبغ الحياة الإسلامية بصبغتهاء وأحذت الأفكار الفارسية تتورد على الذهن الإسلامى» وتسيطر على البيئة الفكرية» وانتشرت بين المسلمين حكمهمء وكثير من معلوماتهمء لأنهم كانوا أقوياء بذلك السلطان وأقوياء بآمالهم فى إحياء دارس حضارتهم» وكانوا أقوياء بحضارتهم القديمة وميرائهم الفكرى الذى ورثوه عن أسلافهم .
والفكر الفارسى الذى أثر فى الحياة الإسلامية ذلك التأثير كان يحمل معه ثمرات من الفكر اليونانى» فإن الفلسفة اليونانية كانت منتشرة فى بلاد فارس قبيل الإسلام. وقد كان هذا وغيره سبيا فى كثرة العلوم الفلسفية» وانتشارها بين المسلمين» وكانت تعقدد المناظرات والمناقشات فى كل مكان؛ وكثير منها كان يعقد فى مجالس بعض الخلفاء» كالمأمون الذى كان معجيا بالفلسفة اليونانية وغيرهاء يل كان هو يعد فيلسوفا حكيما ذا رأى وسط معتلج الآراءء ومتتاحر الأفكار. وقد كانت هذه المناظرات موضوع سبق امجيدين للقول» فيها يتبارون فى البيان وروعته؛ ويتسابقوت فى المعائى وإحكامها؛ ولذلك أخذت المناظرات حل محل الخطابة على ما سنبين إن شاء الله تعالى فى عوامل انحطاط اللخطابة.
مو ضوعات الخطابة ودواعيها فى ذلك العصر
الدولتين نشأت فى وسط فتنة هوجاء» كثيرة العنف.قوية الأثرء شديدة اللجب؛ ولأن كلتيهما ما تكاد أن تستقر حتى يخرج الخارجون من كل ناحية؛ وتهدد الدولة بالدمزيق» والوحدة بالاتقسام والخلفاء الأوائل فى كلتا الدولتين» كانوا ذوى بيان ولسن» القول البليغ عدتهم صدر الدولة الأموية ووسطهاء وكانت موضوعات الخطابة شي الدولتين متقاربة» ودواعيها
ومن الدواعى للخطابة فى العصر العباسى :
الدعوة العباسية:
قامت الدعوة العباسية على إثبات حق آل البيت رضوان الله عليهم فى الخلافة؛ وانهم أولى الناس بهاء لقرابتهم من رسول الله جه ولأنهم صفرة فريش امختارة: ولأن الله سبيحأنه احتصهم يفضل ليس فى غيرهم» قامت دعوة بئى العباس على ذلك) وعلى بيان مظالم ' الأمويين: واعتسافهم, وما ارتكبوه سن مأثم فى أول عهذهم وأخخرهء وما انتهكوه من حرمأتء وما أباحوه من دم آل النبى 2 إذ قتلوا الحسين أولا قتلة فاجرة. وقتلوا أ-حفاده زيد بن على ويحبى ابنه» وقتلوا إبراهيم الإمام آخيرا.
222 ا
وذلك كله ببيان رائع: وخطب قيمة» وقول بارع؛ وبلاغة واصلة إلى أعماق النفوس» مثيرة نقمة الناس عليهي» وحافزة الأنصار على الانتقام منهمء لذلك كانت الدعوة العباسية موضوعا من موضوعات القول» وداعيا من أعظم دواعيه» واقراً خطب داوود بن على وغيره من خطباء العباسيين تر ذلك واضحا كل الوضوح.
بيان سياستهم:
لا تم الأمر لبنى العباس» كانوا يعلنون سياستهم على المنابر» ليوازن الناس بين حكمهم وحكم الأمويين» وقد كان بعضهم يحاول أن ينهج فى ذلك منهج الخلفاء الراشدين؛ يسن الخطة: ويبين أنه يقيم الحدود» وينفذ أحكام الله تعالى» ويعلن سلطانه؛ وانظر إلى قول السفاح فى بعض خحطيه: واللّه لا أعدكم إلا وفيت بالوعد والوعيدء ولأعملن اللين» حتى لا تنفع إلا الشدة» ولأغمدن السيف إلا فى إقامة حدء أو بلوغ حق؛ ولأعطينكم -حتى أرى العطية ضياعا.
وانظر أيضاً إلى قول داوود بن على: لكم ذمة الله تبارك وتعالى وذمة رسول لله وذمة العباس رحمه اللّهء أن تحكم فيكم بما أنزل اللهء وتعمل فيكم بكتاب اللّه» ونسير فى العامة منكم والخاصة بسيرة رسول الله لله.
انظر إلى هذا وذاك ترأن هذين الخطيبين يحاولان أن ينهجا فى خخطبهما منهج الخلفاء الراشدين» وإن كان العمل ينأى عن عملهمء وكذلك كانت خطب كثيرين منهم» وقد كان الخلفاء يحاولون أن يتصلوا بالعامة» ويذكروهم العهودء كلما جد أمرء أو حدث شأن من الشكوث» كما فعل أبو جعفر عند مقتل محمد بن عبد الله بن حسن الملقب بالنفس الركيةء وعند مقتل أبى مسلم الخراسانى » وترى من كل هذا أن اتصال الخلفاء بالشعبء والعمل على إعلان سياستهمء كان داعيا من دواعى الخطابة» وموضوعا من موضوعاتها.
الفدن:
قامدت الدولة 'عباسية فى وسط فتن كثيرة» ولم تنته يقيامهم» بل رأى أبئاء عمهم العلويون ١ ع اغتصبوا أمر منهم > وأبتزوه ابتزاراً دونهم. وهم الأولى لسابقتهم؛ وقديم بلاثهم ؛ وسالف جهادهم: وأن الشيعة التى ناصرت» وأقامت ملك العباسيين شيعتهم: وأن أولئك استخدموا مسجدهم؛ وبنوا عليه ما أرادواء واستبدوا به دونهم» لذلك شغلوا الدولة بخروجهم
لاا__ 0570
وتقدموا بشرفهم التليد: وحاضرهم العظيم: ودعوأ لأنفسهم. ورد عليهم المنصور يخطب فك ملأها بالأدلة التى تشبت حق العباسيين» والبراهين على صدق دعواهمء وإبطال دعاوى فشاور المهدى أهل بيته» فكانت تلك المشاورة ميذانا واسعاً للبياك الجيد» والقول المبين ؛ وقل جاءت مفصلة فى العقد الفريد» فارجع إليها.
وكانت بعد ذلك- الفتنة بين الأمين والمأموث: وفيها وجدت الخطابة مرتعا نخصيباء وترى من هذا أن الفتن التى ادلهمت فى ذلك العصرء واتسع نطاقهاء وتوالت أحدائهاء كانت كشأنها فى كل العصور عاملا من عوامل نهوض الخطابة» وموضوعا من موضوعاتها.
الوفادة:
كان يفد على الخلفاء والأمراء» وفود فى ذلك العصر كما كاك الشأن فى العصر الأموىء وإن كان ذلك أقل» وقد كانوا يتبادلون الخطبء ومن ذلك وفد أهل الشام على المنصور بعد استقامتهم إذ جاءوا إليه يعتذرون» وكانت تلقى الخطابة فى موضوع تلك الوفادات . فكانت الوفادة داعيا من دواعى الخطابة: وموضوعا من موضوعاتها.
المعجالس:
كانت الجالس تعقد ويتسابق أصحاب اللسن والبيان فى الإجادة؛ وكثيراً ما كانت تلك المجالس مكان مناقشات علمية» وكلامية ودينية وتناحر مذاهبء» تستخدم فيها كل أساليب الخطابة الرائعة»من محاولة تأثير» واجتذاب إلى فكرةء وقد كان أولو السبق فى تلك امجالس المعمتزلة أصحاب الكلام؛ إذ هم أهل السبق فى فنون البيان من بين الفرق الدبنية:وامتاز من بينهم بالإجادة والفصاحة عمرو بن عبيدء وبشر بن المعتمرء وأبو الهذيل» والنظام» وكثيراً ما كانت مبار يات هؤلاء الكلامية» فى مناقشة أصحاب المبادئ الهادمة للأديان.
الوعظ الدينى:
وقد كان الوعظ الدينى هدفا يرمى إليه الخطباء ومقصدا يقصدونه؛ وكشيراً ما كان يجرى ذلك الوعظط على ألسنة الخلفاء أنفسهم : لأا يعتقدونه فى أنفسهم من أنهم قأذة الآمة فى
دينهم» وهداتهم فى معرفة أمر ربهم» واستمع إلى قول المنصور يرد على من اعترض عليه فى خحطبته يذكره الله قائلا: أيها الإنسان أذكرك من ذكرت بهء فقد قال أبو جعفر فى كلام: وإياك وإياكم معشر الناس وأختهاء فإن الحكمة علينا نزلت وعندنا فصلت» فردوا الأمر إلى أهلهء توردوه موارده» وتصدروه مصادره. ألا ترى من هذا الرد أن خخلفاء بنى العياس يضعون أنفسهم موضع المرشدين القادة فى الدين والدنيا جميعاء ويزعمون أنهم أعلم الناس بأمور الدين» فلا عجب بعد ذللك إذا كان الوعظ الدينى قد راج على السنتهمء وقد ورد فى كثير من خحطب الرشيد» والمأمون وعظ دينى ممتاز.
ولم يكن الوعظ مقصورا على الخلفاء كما أشرناء بل كان منهم ومن غيرهمء لأنه مبدأ ذينى سام فرض فى صلاة الجمعة والحج والعيدين» وكان شريعة عامة يجب على كل مسلم ما استطاع آليه سبيلاء بمقتضى إلزام المسلمين جميعاً بالأمر بالمعروف والنهى عن المتكرء كل بما يستطيعهء ولذا كان الوعظ الدينى غرضا -خطابيا للخطابة ففى كل عصورها الإسلامية.
ألفاظ الخطابة ومعانيها وأسلوبها
كانت الخطابة فى الجملة فى ألفاظهاء وأساليبهاء ومعانيها تقارب الخطابة فى العصر الأموى: لتشابه الشمون التى دفعت الألسنة إلى البيان؛ وما بينهما من فرق سببه تياعد الزمرن: واتساع نطاق الحضارة؛ واستبحار المعارف» وكثرة العلوم» وتدوينها تلك الأمور التى امتاز بها العصر العياسى .
الألفاظ:
الألفاظ فى ذلك العصر كانت تشابه ألفاظ الخطابة فى العصر الأموى وصدر الإسلام: ولكنها قد زادت عذوبة» مع الفخامة والقوة أحياناء والسبب فى ذلك أن الحضارة قد تمكنت من النفس العربية» وتغلغلت فى ثناياها» فسهلتها وألانتهاء ولم يعد للصحراء أثر قوى فى نفوس خطبائهم؛ فكانت الألفاظ موائمة لما صدرت عنهء ومطابقة لما اقنضاها.
المعانى:
ل سج
١ -- زيادة المبالغة والتهويل: خصوصاً فيما يتعلق بمنصب الخلافة ومنرلة الخلفاء وذلك ما كانوا يذكرونه من نسبتهم إلى النبى عله وأنها مناط العزة وسبب الرفعة؛ ويبالغون فيما ينبنى على ذلك النسب من استحقاق للاستعلاو, و ن المبالغة تسود حيث تكثر صتاعة الكلام» ومحاولة إجادتهء وذلك كان قائماً عندما كان للخطابة سوق رائجة.
١ - زيادة التفنن فى المعانى والبحث عن دقيقهاء والغوص وراء عميقها: وذلك لكثرة الترجمة:ء وسيادة البحوث العلمية» فقد كات الخطياء يتالون من ثمرات الترجمة الدانية التى تخدمهم فى أغراضهم البيانية» فإذا استطاعوا أن يقبسوا مما ترجم ابن المقفع وأمثاله من حكمء قبسواء وحلوا به ختطبهم: وريما حاكى بعضهم ذلك التهج فى خطبه؛ فيدت عميقة الفكرةء محكمة المعنى» انظر إلى قول المأمون فى بعض نخطبه فى الوعظ: «واعلموا أن الدئيا ليست بدار» فاستبدلواء فإن الله عرز وجل لم يخلقكم عبقا» ولم يترككم سدى؛ وما بين أحدكم وص الجنة أو النارء إلا الموت أن ينزل بهء وإ غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة الواحدة» لجديرة بقصر المدة وإن غائباً يحدوه الجديدان الليل والنهار لجدير بسرعة الأوبة» وإن قادما يحل بالفوز أو الشقوة لُستحق لأفضل العدة؛ فاتقى عبد ريه » ونصح نفسهة) وقدم توبته ) وغلب شهوته ؛ فأ أجله مستور عتهء وأمله ادع له والشيطان موكل يك , فإنك ترى فى الكلام روح الفلسفة ودقتهاء وعمقهاء وحكمتها.
: كثرة المعانى الدينية -٠
فقّد كثرت هذه المعانى على ألسنة الخطباء؛ تخصوصا الخلفاء» لأنهم وثبوا إلى الخلافة باسم الدين» لقرابتهم من التبى الكريم» وبنهويلهم فى مظالم الأموبين؛ وتخروجهم عن جادة العدل: فطبعى أن تكون خطب الخلفاء منهم تنحو منحى دينيا إذ يؤيدون بالدين دعوتهم؛ ويدافعوث عن أعمالهم بوصلها به وبيان أنها صادرة عنه ) وواردة ليه ؛ وأقرأ خطباء صذر هله الدولة» تسو ذلك واضحاً كل الوضوح؛ ومن ذلك قول أبى جعفر المنصور فى إحدى خطبه: أيها الئاس إنما أنا سلطان اللّه فى أرضهء أسوسكم بتوفيقه وتسديدهء وتأييده» وأنا نحازنه على فيعه» وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيكته وأقسمه بإرادته» وأعطيه بإذنه» قد جعلنى الله عليكم قفلا؛ إن شاء أن يفتحنى لأعطيانكم: وقسم فيئكم؛ فتحنى» وإِن شاء أن يقغلنى أقفلتى.
وقد كانت المعانى تهديدية عنيفة فى بعض الأحيات؛ وذلك عند خخطاب قوم يتوقع الخليقة انتقاضهم»: أو لم يتحود نصرتهم ؛ بل عودوه الحرب والخصام ' كشأن أعل الشام ؛ قمى تحطاب هؤلاء أرق الخطابة الحجاجية على أتم ظهورها ووضوحها.
الأسا! سب:
وكانت الأساليب أيضاً تقارب فى جملتها أساليب الخطابة الأموية» ففيها كان الاستشهاد بالقرآن الكريم؛ والاقتياس من أيه» والاستشهاد بالشعر العربى المناسب ولكن زادت فى أمور منها: ظ
-١ المبالغة فى تنسيق/الخطبة» وإحكام تقسيمهاء حتى أن بعضهم كان يضمن مقدمته إشارة إلى موضوعهاء وذلك لأن الخطابة أخذت تصير علما له قواعد وأصولء» وعنى بعض الناس بنشر بعض أصولهاء وتعليم قواعدها. وقد ذكرنا لك أنفا ما كان بين بشر بن المعتمرء وإبراهيم بن جبلة بن مخرمة السكونى من حديثء؛ وهو يدل الدلالة كلها على أن الخطابة قد صارت قواعد تلقن» وعلما يدرس »2 ويتبع ذلك حتما أن يأحذ الخطباء أنفسهم بأن تكون خطنهم موافقة لقواعد النقد التى كانت مقاييس» وموازين لوضع الخطب فى مواضعها الأدبية.
- وكثرة الكلام ذى الفقرات القصيرة اختومة بكلمات ذات رنين قوى» تذهب أصدازه فى النفس» فتستولى عليها. وفى الحق إن الكلام الخطابى كان فيه المرسلء وكاك فيه الكلام المزدوج المقسم إلى فقرات قصيرة؛ وكان فيه السجعء ولكن المرسل كان أقلهاء والمزدوج أكثرهاء والسبب فى قلة الإرسال فى هذا العصر عن سابقه: أن إعداد القول قد كثرء وحيث . كان ذلك؛ قل الكلام المرسل» ولكثرة الخطباء من الموالى» وهؤلاء من دأبهم محاولة التحسين والتكلفى» ليعوضوا به ما نقصته سليقتهم اللغوية.
الإيجاز والإطناب
كان فى خطب هذا العصر الخطلب الطويلة: والخطملب القصيرة؛. وكان لكل مقام ما يشقتضبه : اا كات لى الطول أميل يخ رد اليسعذ الاناب. مكرررن الى
ا ل
ويحاولون بذلك أن يقبتوا المعانى فى نفوس سامعيهمء ليكون الغرس بعيد الغور» فيشمر أطيب الشمرات»ء وأدناها جنى» وهم فى ميلهم إلى الطويل من الكلام دوك قصيره يشبهوك بنى أمية؛ وينهجون نهجهم؛ وسترى نموذجا من خطبهم بنوعيها إن شاء الله.
أسباب قوة الخطابة فى ذلك العصر وأسباب ضعفها وارتفاع شأنهاء وذلك:
-١ لأن الدولة أحيطت بنطاق من الفتن والقورات والخروج على حكامهاء فكانت الحاجة ماسة إلى الخطب الرائعة؛ يدافع الخلفاء بها عن أنفسهم: ويدعون الناس إلى البقاء على تأبيدهم؛ ومقاومة خصومهمووليذبوا عن حياضهمء ويلحئوا بالحجة على مخالفيهم؛ والفتن دائما مرك الألسنةء وتدفعها إلى القولء إذ يلتبس الحق بالباطل ويكون الغلب لمن هو . أقوى بياناء وأسبق خخصاماء وقد سبق بيان ذلك كثيراً.
؟- والخلفاء فى صدر الدولة كانوا أولى الأمر والنهى؛ وقد كانوا من بنى هاشم الذين اشتهروا بالفصاحة واللسنء وقوة الحجةءسلفهم وخلفهم فى ذلك سواء: سكل سعيد بن المسيب: من أبلغ الناس؟ فقال: رسول الله يه. فقال السائل؛ إنما أعنى من دونه. فقال: معاوية وابنه؛ وإث ابن الزبير لحسن الكلام؛ ولكن ليس على كلامه ملح. فقال له الرجل: فأين أنت من على وابنه» وابن عباس وابنه؟ فقال: إنما عنيت من تقاربت أشكالهم» وتدانت أحوالهم : وكانوا كسهام الجعبة» وبنو هاشم أعلام الأنام: وحكام الإسلام.
وقد ظهرت مواهب بنى العباس الخطابية فى صدر دولتهمء وإبان سطوتهم. قال الجاحظ فى بيان مقدرتهم البيأنية :
وجماعة من ولد العباس فى عصر واحدء لم يكن لهم نظراء فى أصالة الرأى» وفى الكمال والجلالة» وفى العلم بقريش والدولة» وُرّجال الدولةء مع البيان العجيب» والغور البعيد» والنفوس الشريفة؛ والأقدار الرفيعة» وكانوا فوق الخطباءء وفوق أصحاب الأخبارء وكانوا يجلون عن هذه الأسماءء إلا أن يصف الواصف بعضهم ببعض ذلكء متهم عبد الملك بن صالجء
وسأله الرشيدء وسليمان بن جعفر وعيسى بن جعفر شاهدانء فقال !؛: كيف رأيت أرض كذا وكذا؟ فقال: مسافى”'' ريح» ومنابت”'' شيح. قال: فأرض كذا وكذا؟ قال: هضاب حمر وبراث”'' عفرء حتى أنى على جميع ما أراد. ثم قال عيسى لسليمات: «والله ما ينبغى لنا أن نرتضى لأنفسنا بالدون من الكلام؛ .
وترى من هذا كيف كانت منزلة هؤلاء من البيان» وقد كانت الخطابة قوية ناهضة: ما
كان السلطان فى الدولة للخلفاء أنفسهم.
- وقد كانت جمهرة الأمة فى صدر الدولة ممن يقيمها القول البليغ ويقعدهاء يفقهون مرامى العيارات» ومرامى الكلامء فكان من حالهم مشجع للخطباء على القول» قلما حالت الحال: وغلبت العجمة وماتت التعرة العربية أو حبتء لم يكن من القوم من يحسن الاستماع ولا من الزعماء من يجيد البيان.
وقد أخذت الخطابة فى الضعف بعد المائة الأولى من حكم العباسيين وتضافرت أمور فى إضعافهاء ومن أعظمها أثراء وأبينها شأناً:
١ - إن الدواعى إلى القول» قد ضعفتء فقدد ثبتت دعائم الدولة» وقامت أركانها وقل الخروج عليهاء إذ قضواء أو كادوا يقضون على أبناء عمهم العلويين فى الشرق» وقل حلاف العباسيين فيما بينهم» قذهب بسبب ذلك السكون اع 5 دواعى الخطابة» وإذا ضعف الداعى إلى الخطابة؛ وقلت الحاجة إليهاء ضعف أمرهاء وهان شأنها.
؟- وأن الجند وهم حماة الدولة غلبت عليهم العجمة» إذ كان العباسيون يستعينوك فى حماية دولتهم؛ بالفرس والترك وهؤلاء لا يثيرهم القول العربى البليغ» وإنما تثيرهم عصبياتهم الجنسية التى كان لها السلطات الأكبر فى ذلك العصرء إذ حلت محل العصبيات القبلية عند العرب» فذهبت بذلك الخطابة فى الجند حئا لهم على الجهادء أو إيقاظا للإيثار والتقوى فى نفوسهم؛ أو لإلقاء الحمية فى قلوبهم. فذهب من الخطاية داع. من أعلم ٠ دواعيهاء وموضوع من أكثر موضوعاتها.
17 الساقي جمع مسفى وهراسم مكان من فى يسفى بمعنى قر قرو )١( الشيم سم لبت ؛ والكلام كله كناية عن الجدب وامحل وأنٍ لا زوع إلا الشيح. 77» اباث الأرض السهلة لين وعفر جمع عفراءهى الأرض اليا الت لم تو
ل 0س
؟-- ضعف أمر العرب» وذهاب سلطانهم: وضياع نفوذهمء حتى كادوا ينحازوت إلى صحرائهم لا يعدونهاء وبضعف العربء وهم أهل الفصاحة والبيان واللسن والارتجال ضعفت النطابة : لأنهم أقدر الناس عليهاء أذ ليبس المتعرب كالعريى: ولا الكسبى كالطبعى؛ ولا الملقن كالسلقى.
4- وأن الكتابة قد حلت محل الخطابة» فققد اتسعت موضوعاتها وتعددت أغراضها حتى صار الخليفة أو الوالى أو القائد إذا أراد أن يدعو من هم تخت إمرته إلى شئ» أناب كتتابه عن شخطابه» فأرسل إليهم كتابا يقرأء ويرجع إليه آنا بعد آن؛ وبذلك استغتى عن الخطابة فى أخحص موضوعاتها.
0- وقعود الخلفاء عن الخطابة؛ وإنابة غيرهم منابهم فى الصلاة بالناس: فاستهان الناس بمواقف الخطابة تقليدا لخلفائهم: ومحاكاة لأمرائهمء والناس لملوكهم تبع؛ وقد تبع استهانة الئاس بالخطابة استهانتهم بالخطيب» وقلة احترامهم له؛ وبهذا ضعفت الرغية فى القول.
وإذا كانت الخطابة قد ركدت لهذه الأسباب» فقد خلفها فن من القول صاحيها زمناء ثم انقرد بعدها بالسلطانء وذلك الفن هو المناظرة؛ ينفق مع الخطابة فى الارتجمال» ومحاولة الغلب بالبياك» والسبق باللسات» ويخالفها فى الموضوع ؛ وقد سادت المناظرات ذلك العصرء لأن الحيأة العقلية كانت لها السيادة؛ وعظم أمر العلم فكثرت مساجلات العلماء فيما بينهم ) وصارت مجالس العلم ميدانا للمسابقة الكلامية والجدلية بين زعماء الفرق الإسلامية» وكان المتكلمون ييحرصوكت على بلاغة الكلام؛ وإيضاح البيان» والتأثير بالإقناع بعذ الإفحام.
لابح
اللخطباء
امتاز بالخطابة عدد عظيم من رجال هذا العصرء أقواهم بيانا وأشدهم تأثيراء وأقدرهم على الإدلاء بالحجة خطباء الهاشميين: عباسيين وعلويين» ومن خخطياء العباسيين داوود بن على بن عبد الله بن عباسء وعبد الله بن على» وصالح بن على» وابنه عبد الملك بين صالح؛ وسليمان بن جعفر الذى قال فيه البصيروث بالكلام من أهل مكة عندما وليها: إنه لم يرد عليهم أمير مند عقلوا الكلام: إلا وسليمان أبين منه قاعداء وأخحطب منه قائما.
ومن خخطياء العلويين محمد بن عبد الله بن حسن الملقب بالنفس الزكية؛ وأحوه إبراهيم » وجعفر الصادقء والعباس بن الحسين؛ وكان مقربا من الرشيد والمأمونء حتى قال فيه المأمون: من أراد أن يسمع لهوا بلا حرجء فليسمع كلام العباس.
ومن عرف بالخطابة من غير الهاشميين خالد بن صفوات؛ وابن عمه شبيب» والفضل أبن عيسى» وابئه عبد الصمدء وهما من الموالى: ومن الموالى أيضاً جعفر بن يحيى اليرمكى: والفضل بن سهل» وأخوه الحسن» وطاهر بن الحسينء وابنه عبد الله بن طاهرء وغير هؤلاء كثيرون.
نماذج من خطب هذا العصر خطبة داود بن على بعد ببعة أبى العباس السفاح
المحم للّه؛ شكرا شكرا شكراء الذى أهلك عدوناء وأصار إلينا ميراثنا مر تبيتأ ميحمد . أيها الناس» الآن أقشعت”' حنادس الدنياء واتكشف غطازهاء وأشرقت أرضها وسماؤهاء وطلعت الشمس من مطلعهاء ويزغ القمر من مبزغهء وأنحذ القوس باريهاء وعاد السهم إلى منزعه”"'ء ورجع الحق إلى نصابه؛ فى أهل بيت نبيكمء أهل الرأفة والرحمة بكمء والعطف
أيها الناس» إنا واللّه ما خرجنا فى طلب هذا الأمرء لنكثر لجينا ولا عقيانا ''؛ ولا نحفر نهراء ولا لبنى قصراء وإنماأ أخخر جنا الأئفة من ابعزازهي'*' حقتاء والخضب لبتى عمناً: وما كرئنا"”' من أموركمء وبهظنا””' من شكوتكم, ولقد كانت أموركم ترمضنا"' ونحن على فرشناء ويشتد علينا سوء سيرة بنى أمية فيكمء وخرقهم بكمء واستذلالهم لكم» واستثقارهم بفيككم وصدقاتكم» ومغانمكم عليكم. لكم ذمة الله تبارك وتعالى : وذمة رسوله ك: وذمةه العياس رحمه الله أن نحكم فيكم بما أنزله اللّه؛ ونعمل فيكم بكتاب الله ونسير فى العامة منكم والسخاصة بسيرة رسول الله يل. تبا تب" لبنى حرب بن أمية وبنى مروانء أثروا فى مدتهم وعصرهم العاجلة على الآجلةء والدار الفانية على الدار الباقية؛ فركبوا الآثام؛ وظلموا الأنام؛ وانتتهكوا ارم ؛ وغ ةا الجرائم ؛ وجاروأ فى سيرتهم فش العيباد؛ وسنتهم فى البلادء التى استلذوا بها تسربل الأوزار» وتجليب الآصار”*'“» ومرحوا فى أعنة المعاصى؛ وركضوا' '' فى
(5) المتزع مكان النزوع والرمى والمراد عاد الأمر إلى أهله. (17) اللجين الفضة. والعقيان الذهب.
(4) ابتراز الشيع أعذه بالقهر والغلية. (ه) كرثه الأمر إذا اشتد عليه. (7) بهظه الأمر ثقل عليه. : (1) أرمضه الأمر أوجعه والمه.
(8) تبا معناها هلاكاء فهو دعاء عليهم بالهلاك والخسار. (9) غشوا معتاها بأشروا الجرائم وارتكبوها. )٠١( الأصار جمع إصر وهو الذنب والوزر. )١١( الركض العدوء وحث الفرس ليعدو.
يسبب بحبح
عيادين الغى جهلا باستدراج اللّهء وأمنا لمكر الله فأنادم بأس الله بياتاء وهم نائمون؛ فأصبحوا أحاديثء ومزقوا كل ممزق؛ فبعدا للقوم الظالمبين . وأدالنا"" اللّه من هروان» وقد غره بالله الغرورء أرسل لعدو الله فى عنانه» حتى عثر فى فضل خطامه”' 'ء فظن عدو الله أن لن نقدر عليه؛ فنادى -حربه» وجمع مكايده؛ ورمى بكتائبهء فوجد أمامه ووراءه» وعن يمينه وشماله» من مكر الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله؛ ومحق ضلاله؛ وجعل دائرة السوء به؛ وأحيا شرفنا وعزناء ورد إليئا حقنا وإرثنا.
أيها الناسء إن أمير المؤمنين نصره الله نصرا عزيزا- إنما عاد إلى المنبر بعد الصلاة» إنه كره أن يخلف يكلام الجمعة غيره» وإنما قطع عن استتمام الكلام بعد أن اسحنفر فيه! '' شدة الوعك» وادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية» فقد أبدلكم الله بمروان عدو الرحمن» وخليفة الشيطاتء المتيع للسفلة الذين أفسدوا فى الأرض بعد صلاحهاء بإبدال الدين» وانتهاك حريم المسلمين الشاب المتكهل المتمهل» المقتدى بسلفه الأبرار الأخخيارء الذين أصلحوا فى الأرض بعد فسادها بمعالم الهدى ومناهج التقوى - فعج الناس له بالدعاوس-
ثم قال: يأأهل الكوفة» إنا واللّه مازلنا مظلومين» مقهورين على حقناء حتى أتاح الله لنا شيعتنا أهل خراسان» فأحيا بهم حقناء وأفله' *أ بهم حجتناء وأظهر بهم دولتناء وأراكم الله ماكنتم له تنتظرون» وإليه تتشوقون؛ فأظهر فيكم الخليفة من بتى هاشم» وبيض به وجوهكمء وأدالكم على أهل الشام؛ ونقل إليكم السلطان وعز الإسلام؛ ومن عليكم بإمام منحه العدالة: وأعطاه -حسن 30 فخذوا ما آناكم اللّه بشكر والزموا طاعتناء ولا تخدعوا عن نفك فإن الأمر أمركم, فإن لكل أهل بيت مصراء وإنكم مصرناء ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليقة بعد رسول الله لله إلا أمير المؤمنين على بن أبى طالبء وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد (وأشار بيده إلى أبى العباس) فاعلموا أن هذا الأمر فيناء ليس بخارج مناء والحمد لله رب العالمين على ما أبلانا وأولانا. (1) الخطام ما يوضع فى أنف البعير. (5) اسحنفر: سار فيها وأنسع . (4) الإفلاج التمكين من الظفر والغوز. (9) الإيالة حدسن السياسة مصدر ال المللك الرعية يقولها ساسها بكياسة.
لس
خطبة أبى جعفر المنصور بعد هزيمة النفس الزكية
يأأهل خراسان» أنتم شيعتنا وأنصارناء وأهل دولتناء ولو بايعتم غيرتا لم تبايعوا من هو خخير منا» وإن أهل ييتى هؤلاء ولد على بن أبى طالب تركناهم واللّه الذى لا إله إلا هو والخلافة: فلم تعرض لهم بقليل ولا كثير» فقام فيها على بن أبى طالب؛ فتلطخ ''؛ وحكم الحكمين؛ فافترقت عنه الأمة واختلقت عليه الكلمة» ثم وثبت عليه شيعته وأنصاره وأصحابه وبطانته وثقاتهء فقتتلوه. ثم قام من بعده الحسن بن على» فوالله ما كان فيها برجل؛ قد عرضت عليه الأموال فقبلهاء فدس إليه معاوية: إنى أجعلك ولى عهدى من بعدىء فخدعه فانسلخ له مما كان فيهء وسلمه إليه» فأقبل على النساء يتزوج فى كل يوم واحدةء فيطلقها غداء فلم يزل على ذلك حنى مات على فراشه. ثم قام من بعده الحسين بن على» فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة» أهل الشقاق والنفاق والإغراق فى الفتن؛ أهل هذه المدرة؟"' السوداء (وأشار إلى الكوفة) » فوالله ما هى بحرب فأحاربهاء ولا سلم فأسالمهاء فرق الله بينى ويينهاء فخذلوه وأسلموه حتى قتل. ثم قام من بعده زيد بن على» فخدعه أهل الكوفة؛ وغروه» فلما أخرجره وأظهروه» أسلموهء وقد أتى محمد بن على فناشده فى الخروج؛ وسأله ألا يقبل أقاويل أهل الكوفة» وقال له:
إنا جد فى بعض علمنا إن بعض أهل يتنا يصلب بالكوفة» وأنا أخماف أن تكون ذلك المصلوب؛ وناشده عمى داوود بن على؛ وحذره غدر أهل الكوفة؛ فلم يقبل رتم '' على خعروجه؛ فقتل وصلب بالكناسة. ثم وثب علينا بنوأمية» فأمانوا شرفنا» وأذهبوا عزناء ووالله ما كانت لهم عندنا ترة يطلبونهاء وما كان ذلك كله إلا فيهم» وبسبب خروجهمء فنفرنا من البلاد» فصرنا مرة بالطائف ومرة بالشامء ومرة بالشراة؛ حتى ابتعثكم الله لنا شيعة وأنصاراء فأحيا شرفنا وعزنا بكم أهل خخراسان» ودمغ بكم أهل الباطل» وأظهر حقنا وأصار إلينا ميراثنا عن نبيئا لله فقر الحق قراره» وأظهر مناره» وأعز أنصارهء وقطع دابر القوم الذين ظلمواء والحمد لله رب العالمين. فلما استقرت الأمور فينا على قرارهاء من فضل الله فيناء وحكمه
(١)تلوث (؟) المدرة اليلدة.
ل
العادل لناء وثيوا علينا ظلما وحسدا منهم لناء وبغيا لما فضلنا الله به عليهمء وأكرمنا به من خخلافته وميراث ثبيه عله . جهلا على وجبنا عن عدوهم ليعست الخلتان اللجهل والجبن
فإنى واللّه يأهل خخراسان؛ ما أتيت من هذا الأمر ما أتيت يجهالة؛ بلغنى عنهم بعض السقم والتعره' '؟ وقلك 3 سعسنا لهم رجالا فقلت: قم يافللان, فخذ معلكُ من المال كذاء وسحذدوت لهم منوالا يعملون عليه فخرجوا حتى أتوهم بالمدينة» فدسوا إليهم تلك الأموالء فوالله ما بقى منهم شيخ ولا شأب » ولا صغير ولا كبير» إلا بأيع بيعة استحللت بها دماءهم وأموالهم ؛ وحلت لى عند ذلك بنقضهم بيعتى» وطلبهم الفتنةغ والتماسهم الخروج على» فلا يرون أنى أتيت ذلك على غير يقين. ثم نزل» وهو يتلو على درج المنبر «وحيل بينهم وبين ما يشتهون» كما فعل بأشياعهم من قبل » إنهم كانوا فى شلك مريب».
خطبة أخرى لأبى جعفر المنصور قالها بعد قتل أبى مسلم
أيها الناس»؛ لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية:؛ ولا تسروا غش الأئمة» فإنه لم يسر أجل قط منكرةء إلا ظهرت فى آثار يدهء أو فلتات لسائه؛ وأبداها الله لإمامه لاأعزاز دينه, وإعلاء حقهء وإنا لن نبخسكم حقوقكم» ولن نبخس الدين حقه عليكم؛ إنه من تازعنا عروة هذا القميص» أجزرناه '' حبئ هذا الغمدء وإن أبا مسلم بايعنا وبايع الناس لنا على أنه من تكث بناء فقد أباح دمهء ثم نكث بناء فحكمنا عليه حكمه على غيره لناء ولم تمئعنا رعاية
الحق لهء من إقامة الحق عليه. خطبة لسليمان بن على ١ ولقد كتينا فى الزبور من بعد الذكرء أن الأرض يرثها عبادى الصالحون * إن فى هذا لبلاغا لقوم عابدين >. () التعرم الفساد والشر والفتنة.
00 أجزرناه جعائأة يجزره أى يقطعه. وبع الغمد هو السيش .
قضاع هبرم ) وقول فصل ؛ ومأ هو بالهزل. اليحمد لله الذى صدق عيدة: وأنجز وعده: وبعدا للقوم الظالمين؛ الذى اتخذوا الكعبة غرضاء والفئع إرثاء والدين هزؤاء وجعلوا القرأن عضين”'' . لقد حاق بهم ما كانوا به يستهزئون. وكأين ترى من بكر معطلة» وقصر مشيدء ذلك بما قدمت أيديهمء وأن الله ليس بظلام للعبيدء أمهلوا والله» نبذوا الكتاب وأجهدوا العترة'*» ونبدوأ السنة»؛ وأعتدوأ واستكبرواء وتحاب كل جبار عنيد» ثم أحذهمء فهل كس منهم من أحد» : 02
وتسمع لهم ركزا .
خطبة المأمون بعد أن قتل الآأمين حمد الله؛ وأثنى عليه: وصلى على نبيهء ثم قال: أيها الناس» إنى جعلت الله على نفسى إن استرعانى أموركوء أن أطيعه فيكمء ولا أسفك دما عمدا لا مله حدوده؛ وتسفكه فرائضه: ولا آذ لأحد مالا ولا أثاثاء ولا نحلة ترم علىء ولا أحكم بهواى فى غضبى ولا رضاىء إلا ما كان فى الله وله. جعلته كله لله عهدا مؤكدأء وميثاقا مشدداء أنى أفى به رغية فى زيادته إياى فى نعمتى» ورهية من مسألته إباى عن حقه وخلقه» فإن غيرت أو بدلت كنت للغير مستأهلاء وللتكال متعرضاء وأعوذ بالله من سخطهء وأرغب إليه فى المعوئة على طاعته
وأن يحول بينى وبين معصيته.
خطبة عبد الله بن طاهر خطب عبد اللّه بن طاهر وقد تهيأ لقتال الخوارج فقال: إنكم فقة الله المجاهدون عن
حقهء الذابوات عن ديتهء الذائدون عن محارمهء الداعون إلى ما أمر به من الاعتصام بحبله؛ والطاعة لولاة أمره الذين جعلهم رعاأة الدين : ونظام المسلمين, فاستئجزوا موود اللّه ونتبسرة بمجاهدة عدوه؛ وأهل معتبيته الذين شذواء وتمردوا؛ وشقوأ عصا الطاعة» وفارقوا الجماعة»؛ ومرقوا من الدين» وسعوا فى الأرض فساداء فإنه يقول تبارك وتعالى: إن تنصروا الله ينصركم» ويثبت أقدامكم) .
)١( جعلوا القرآن عضين أى جعلوه متفرقا فى الأخط به. يؤمنون يبعض الكتاب ويكفرون ببعضص.
.28 العترة الأسرة والمراد أسرة النبى )١(
() الركز الصوت الخفى.
الإ ببح
فليكن الصبر معقلكم الذى إليه تلجمئونء وعدتكم التى بها تستظهروت:فأنه الوزر المنيع الذى دلكم الله عليهء والجنة الحصينة التى أمركم الله بلباسهاء غضوا أبصاركمء وأخفتوا أصواتكم فى مصافكم» وامضوا قدما على بصائركمء فازعين إلى ذكر الله والاستعانة به كما أمركم اللهء فإنه يقول: إذا لقيتم فقة فاثبتواء واذكروا الله كثيراء لعلكم تفلحون» .
أيدكم الله بعز الصيرء ووليكم بالحياطة والنصر.
( تم بيحمد اللّه)
2 3
فهرست المو ضوعات الموضوع مققدمة الطبعة الأولى القسم الأول أصول الخطاية
على الخطابة -- تعريفه
علاقة علم الخطابة بالمنطق
علاقة علم الخطابة بعلم النفس» وعلم الاجتماع تاريخ علم الخطاية ظ
/ الخطابة - تعريفها. أقيستها. موضرعاتها. فائدتها. طريقة خصيلها أصول الخطابة -- تكوين الخطية الاداب المخطابية ك:ضفات الخطيب # العيوب البيانية إثارة الأهواء والميول؛ مقدمة فى علم الإقناع الخطابى _إثاره الأهواء نحو المراد مياشرة المقدمة الإثبات التبيان. التنفيذ التعبير لي الفرق بين الأسلوب الكتابى والأسلوب الخطابى الانشاء الخطابى خاتمة فى الكلام فى التعبير. الأداء .
ب ل سحد لس ا الم قلس
1 ون ع 5
عام
3 4 /ابلى اذى 3 /53 ه * أ ٠١ ١ 1 ١١١
يبب
طرق التحضير. 01 الارجال ه١١ النطق ١1 الصبوتث #6 الإشارات . 0 الوقفة - فنون الخطابة لف /الخطب السياسية ظ يله الطب النيابية )| الخطب الإنتسخابية ١سا خطلب النوادى والمجتمعات ١ خطب اللؤتمرات السياسية ه١١ . الخطابة القضائية ب ١ مرافعة النيابة ١ مرافعات اغحامين ؟ ١ طرق الإدلاء بالمرافع ١4 لغة المرافعة. ١ خطب الوعظ الدينى م ١ الوساظ والمرشدون /اه ١ أقسام الوعظظ فل خطب التعليم الدينى للعامة ١4 خطب الإصلاح ومححاربة المنكرات 1 ١ الحبضب العمسكرية ]| المحاضرات العلمية العامة 2-8 إلقاء احاضرة. الى نحطب التأبين 0/1 خخطب المدح والشكر 34
09س
القسم الثانى تاريخ الخطابة العريبة فى عصور ازدهارها ا إلخطابة في العصر الجاهلى - والحاجة إليها ١/1 موضوعات اللخطاية ٠م ١ مرقبة العرب فى الخطابة م١ ألفاظ الخطابة وأساليبها ومعانيها ىما الخطيب الجاهلى وعاداته ١9١ “رمن المأثور من طب العرب فى الجاهلية 5 ا_كثرة الخطباء فى الجاهلية وقلة المروى من الخطب ١ ل نماذج من خطب الجاهايين ١ الخطابة فى صدر الإسلام - تمهيد لك الحياة الإسلامية فى صدر الإسلام م6 الأحوال السياسية ا #مبيدواعي الخطابة وموضوعاتها في ذلك العصر 566 عوامل رقى الخطابة حن الألفاظ والأساليب والمعانى 1 طول الخطب وقصرها. ف (الخطيب في صدر الإسلام ظ جنا الخطياء والمروى من الخطب 1 الختار من خمطب هذا العصر علق خطبة النبى عه فى الأنصار قف تحطية الوداع ضف ١ خطبته #ه فى مرض الموت ١7 1 خطبة سعد بن عبادة فى سقيفة ينى ساعدة ٠ قدا خطية أبى بكر رضى الله عنه فى السقيفة ا يننا وأخحرى لأبى بكر رضى الله عنه ظ 55
خطبة لعمر بن الخطاب رضى الله عنه شف
لمي سس
حطب لعثمان وطلحة وعلى رضى الله عنهم رق 0 اتخحطبة أم الخير بنت الحريش . سيف باللخطابة في العصر الأموي . ظ الدعفكك الحياة العربية فى العضر الأموى و -سدردواعي المخطابة وموضوعاتها فى العصر الأموى يرد -سعوامل رقي الخطابة وعوامل ضعفها في ذلك العصر الأموى 04١ الألفاظ والأساليب والمعانى 61 طول الخطب وقصرها.” ا المأثور من الخطب - الخطباء ؟ نماذج من خطب هذا العصر م" حطبتان لمعاوية /ان ٠ رثاء ابن الحنفية لأخيه الحسن رضى الله عنهما 601 حطبة زياد ابن أبيه بالبعصسرة اح ؟ حطبة لعيد الله بن همام السلونى ٠ش مع" خطية لعبد الله بن عباس رضى الله عنه هه ؟ خطية للحسين رضى الله عنه “0 ” خطب لبعض الصحابة والتابعين كه ؟ الخطابة فى المائة الأولى من العصر العباسي الف موضوعاتها ودواعيها لين الفاظها ومعانيها الف أسباب قوة الخطابة فى ذلك العصر وأسياب ضعفها 31» الخطباء ليف نماذج من خطب هذا العصر 7/6
الفهرس الى ؟
محمد أدو زهرة العالم الجليل الذى أثترى المكتبة الفقهية بموسوعاته. والذى ستيقى ذكراه شعئة وقاءيه فى العلم والققه الإسلامى. ثلك المؤلفات الخصية الثى وهبه الله سيحاته وتعالى إياشأ اتكون مثارا يهتدى به العتماء من بعده قى دراسة ألققه الاسلامى.
١ - خاتم النبيين مُه (ثلاثة أجزاء فى مجلدين) ١ -المعجزة الكبرى - القرآن الكريم 00 ؟ - تاريخ المذاهب الاسلامية (جزعان فى مجلد واحد) ؛ - العقوية فى الفقه الإسلامى
ه - الجريمة فى الفقه الاسلامى
5 - الأحوال الشخصية
- أبو حنيفه -- حياته وعصره - أراؤه وفقهه م - مالك - حياته وعصره - أراؤه وفقهه
9 - الشافعى - حياته وعصره - آراؤه وفقهه ٠ - ابن حنبل - حياته وعصره - آراؤه وفقهه ١ -الإمام زيد؛: حياته وعصره - آراؤه وفقهه ١١ - ابن تيمية - حياته وعصره - أراؤه وفقهه 7 - أبن حزم - حياته وعصره - آراؤّه وفقهه 4 -الإهام الصادق - حياته وعصره - أراوٌه وفقهه 6 - أحكام التركات والمواريث
1 - علم أصول الفقه
١7 - محاضرات فى الوقف
4 - محاضرات فى عقد الزواج وأثاره
4 - الدعوة إلى الإسلام
٠6 - هقارنات الأديان
»>١ - محاضرات فى التصرانية
يبي
5 - تنظيم الاسلام للمجتمع
5 - فى المجتمع الإسلامى
4 - الولاية على النفس
م5 - الملكية ونظرية العقل
١ - شرح قانون الوصبية
"١ - العلاقات المدولية فى الإسلام
- التكافل الاجتماعى فى الإسلام ؟” - المجتمع الإنسانى فى ظل الإسلام 4" - الميراث عند الجعفرية
تطلب جميعها من ملتزم طيعها ونشرها وتوزيعها
مؤسسة دار الفكر الغربى الإدارة : ١١ ش جواد حستى - القافرد
صر عله 07
ل يي
دار الفكو العريس مؤسسة مصرية للطباعة والنشر والتوزيع تأسست ١١5356 ه - ١١1411 م مؤسس الدار وصاحيها : محمد محمود الخضرى الإدارة : اش جواد حسنى - القاهرة ظ ص .ب ١١٠٠١: الرمن البريدى ١١61١١ فاكس :59/ا/25.25(5315.44-5911..) - ا ل الا نشاط المؤسسة : -١ طيع ونشر وتوزيع جميم الكتب العربية فى شثى مجالات المعرفة والعلوم. .
-١ استيراد وتصدير الكتب من وإلى جميع الدول العربية والأجنبية
تطلب جميع هنشوراتنا من فروعنا يجمهورية مصر العربية الفرم الرئيسى :1 شارع جواد حسنى القاهرة ْ 1.1" فرع الدقى : /ا؟ شارع عبد العظيم راشد المتفرع من شارع محمد شافين - بالمجوزة ت1 53 :1 /االا فرع هديتة تعمر : ١4 شارع عباس العقاد - المنطقة السادسة وإدارة التسويق -هدينة نصرت 15315.45- 118439 فاكس 5119.415 وكذاك تطلب جميع منشوراتنا من الكويت من مؤسسة دار الكتاب الحديث ص , ب 7٠١6 السالمية 19/١ .؟"؟
ت :1747037154 فاكس .+"