دصساز لأا ع١ ٠.1‏ لضي هرح ات 2/7 سياه

٠٠‏ 11 ا له

ألد ا السغود يذ [لنشر و التو بع

جحي صو كفرط ١‏ لطعم الثاسم

١-هم ‏ ملام

الإدارة الغدادية عمارة الجرهرة الدور الثاني شقة رقم 10و15 تليفون 547847511174014 صنل ب : 5١14#‏ يرقيا: نشر دار الليماتية, شارع الاربعين تليقون 07419816 سانا : الشارع العام , عمارة المتهور والعدلي صاب.: 88م تليفون #زوم"” يرققا: نثر دار الدمام.

: حي السلامة بالبرقاوية أمام مسجد الحلواني تليقون 55496,

2 :لاا -_-

مو لواف

الحمد لله رب | العالين . والصلاة والسلام 3 سيد بالهدى ودين ٠‏ الحق بشيراً ونذيراً وعلى آله وصحيه أجمعين .

البحوث الإسلامية أن أكتب في موضوع ( المجتمع الإإنسانيٍ في ظل الإسلام ) على أن يكون من ضمن موضوعات مؤره الجامع لممثلي علماء الإسلام في كل البلاد الإسلامية وقد قبلت ذلك الواجب .. وا موضوع مترامى الأطراف م* متسع الحوانب إن اتجهنا إلى التفصيل بدل الإحمال , فإن كل جد جزء من أحكام الشرع التي جاء بها القران والسنة فيه علاج لأدواء الإنسانية الإاجتماعية » وتوجيه المحتمعات نحو الخرء وفيه غذاء طيب لنمائه .

فيه بيان لخواص الإسلام . وما يكون فيه الاساس لمشاكل

ك

العصر الحاضرء متوخين بيان الكليات من غير تعرضص للجزئيات إلا إذا كان في بيانها توضيح كلي أو إشارة إلى تطبيق عملي .

وقد اخترنا الموضوعات الآتية للقول .

-١‏ تمهيد يبين صلاحية الإسلام للتطبيق في كل الأزمان .

؟ - بيان العقيدة الإسلامية بإيجاز» وبيان ما فيها من 57 تطه, للعقول والنفوس من أوهام فاسدة , وما فيها من غذاء روحى ». واستقامة عشلية .

*“- الوحدة الإنسانية في القران والسنة .

4 - الشريعة الإإسلامية وحلبها للمصالح الإنسانية العالية ودفعها للمفاسد .

ه ‏ تكوين المجتمع الفاضل في الإسلام :

5 - وساطة الشريعة الإسلامية بين الروحانية والمادية . والدولية .

8- الأصل العام للحكم في الإسلام بإيجاز .

4 الحريات 5 الإإسلام .

ا

هذه هي العناصر التي نتصدى لذكرها منوهين عند ذكر كل عنصر منها بالركن الذي يسده في بناء الجماعة الإنسانية , لله الذي هدانا لهذا وما كنا لمبتدى لولا أن هدانا الله» .

محمد أبو زهره

5

تبسر

» يموج العالم اليوم في فتن من الظلمات المتراكمة‎ ١ وقد اشتدت الاحن بين رؤساء الدول ء والمحن تنزل‎ بالشعوب » وحق الحياة قد صار نسياً منسياً » إذا كان بين‎ دولتين متحاربتين » فكل ما في الأخرى المحاربة مباح من غير‎ قيد يقيد الإباحة ومن غير سلطان لضمير إنساني يمنع » بل‎ السلطان للهوى المتبع . والشح المطاع . فا حرب إن قامت لا‎ تقتصر على الدول . بل تكون الشعوب فريستها » والشعوب‎ لا ناقة مهم فيها ولا حمل وإما يساقون إلى الموت سوقاً من غير‎ . رحمة من رحيم . ولا عفو من كريم ولا ضمير خلقي سليم‎ إنما هو قانون الغابة فوق كل القوانين‎

وإن وضعت الحرب أوزارها. يقول المنتصر : « ويل للمغلوب » . فتتأزم النفوس . ويتحفز المغلوب ليدافع ويناضل ويأخذ الأهبة . ويتنافس المنتصرون فيا بينهم ٠‏ فكل يريد أن تكون الفريسة له وأن تكون المغانم له منفردا ,

83

ويحسون في| بينهم بالحرب التي يسذونها باردة . وهي ذريعة الحرب الساخنة . وقد انصرف العقل البشري إلى ابتداع الآلات المدمرة التى لا تنقي ولا تذر . وصار عمل ابن الأرض أن يخسف الأرض ومن عليها . ولو أنه مكن لكل دولة عندها معدات الدمار أن تلقى ما في جعبتها لفنى العالم » ولقامت قيامته .

وإنه لا يبقي الأرض عامرة ضمير إنساني يرغب في بقائها » ولا يبقى الضعفاء عائشين في وسط الأقوياء , إلا خوف كل واحد من الآخرين . وامتلاك كل الات دمار عمياء تلقى حيث أراد ملقيها.ء وقديما قال العرب القتل أنفى للقتل . ونجاريهم اليوم فتقول القنابل النووية تنفي حربها . لأنها كادت تكون ذخيرة لكل الأقوياء .

؟ - وإن المشاكل التي تقوم في العالم . سواء أكانت في الاقتصاد أم في الاجتماع أم في السياسة سببها يرجع إلى ذلك التناحر الإنساني على حب الغلب والرغبة في الانفراد بغلات الأرض وخيراتها » وأن تكون ثمرات الكد واللغوب عند كل الشعوب في يد دولة » أو عدد قليل لا يتجاوز عدده البضع من الدول . وما المجاعات التي تظهر في الجماعات الإنسانية إلا كان السبب فيها تلك المغالبات الإنسانية .

وما كانت المعاهدات التى تنقض ». أو تبرم على نية النقض إلا بسبب هذا التناحر الاحمق لتكون دولة اكثر أرضاً

وأربى ثمرات من أخرى . فكان الباعث على نقضهم العهود الي أبرموها هو ما ذكره الله تعالى من أسباب عدم الوفاء بالعهد . إذ قال سبحانه : #تتخذون ايمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة . إئما يبلوكم الله به . وليبينن لكم ' يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون* . ( النحل 7).

ومبذه الإشارة يتبين أن مشاكل العصر الحديث لا سبب ها إلا فقد الضمير الإنساني العام » وإحساس كل قوى من الدول أن الضعفاء فرائس له وأن الحرب تكون بإيادة الضعفاء . أو بتجويعهم . أو ببقائهم في أدنى معيشة. ويرئعون هم برافه النعم وفاكه النعيم .

وإِنَا لا نكر أن جماعات إنسانية تستنكر ذلك الظلم الصارخ » وتمقت ذلك الطمع السائد الذي ترمي بسببه الأقوات في البحار ليغلو ثمنها » أو ليتحكموا فيمن ينازعونهم . السياسة » ويضنون بسبب الانانية المردية على الأمم التي يسموهها نامية بألات الحرث والزرع والسقى لكيلا تستطيع إستغلال ينابيع الثروة في أرضها . حتى تبقى بكراً إلى أن يستمكنوا منها » وتكون خيراتها لهم » ويتحكموا في العالم بها .

وإذا كانت المشاكل القائمة في العالم اليوم » والتي أطت منها الأرض وحق لا أن تئط سببها فقد الضمير الإنساني . فإن العلاج هو تهذيب ذلك الضمير » ومهم| يستعن الناس بأقوال الحكاء والفلاسفة وبقوانين الأخلاق التى سنوها فلن يجدي

١١

ذلك شيئاً , لأن الاخلاق لا تصلح بالعلم » فإن العلم ينمي الادراك والفكر . والادراك يكون فِ الخير والشرء. الادراك الإبادة 4 ويحخترع أسباب دفع البلاء 2 ومحاربة كل ذاع ,

وإذا هذب العلم بعض العلماء . فلن يذب كل أهل الأرض . بل لن بهذب كل أهل العلم جميعاً . فإن أولئك الذين يديرون دفة السياسة في العالم أكثرهم أو كلهم من ذوي الادراك وإلتعلم ويندر فيهم الجهلاء بل أن منهم من تخصصوا في بعض فروع العلم . ومنهم من كانوا قبل الإنغمار في معترك السياسة من أساتذة الجامعات . ولكنهم إذا انغمروا في السياسة غلبتهم العصبية الوطنية . التى تشبه العصبية الجاهلية عند العرب . وإن كان ثمة من فرق بينهم فهو أن المروءة العربية كانت تمنعهم من أن يقتلوا أعداءهم بالجوع والعري . ك) تفعل اليوم العصبية الوطنية في هذا الزمان .

وإنه مع هذه العصبية الوطنية المردية نجد التعصب للجنس واللون ء ويحسب البيض أن السود خدم ولا يمكن أن يكونوا إلا خدماً واتباعاً لهم بل يذهب بهم فرط التعصب إلى أن يمنعوهم من أداء واجبهم الديني . وهم يلتقون معهم في ذلك . فهم يحرقون كنائسهم . ومجرمونهم من موارد العلم .

ولا سبيل لحل تلك العقد التي يعقدها الإنسان في هذا الزمان إلا بدين مسيطر قوي . لا يقتصر اتباعه على المعابد

١؟‎

يعتكفون فيها. ولا تقتصر أوامره على العبادات المفروضة بنظمها » بل تشمل أوامره كل ما يعمل الإنسان من خير ومن شر ء في عامة نهاره . وأطراف ليله , لا ينظم فقط العلاقة بين العبد وربه . بل ينظم العلاقات بين الناس . على أنها الطريق لإرضاء الله سبحانه وتعالى فالمتدين هذا يرى أوامره ف متجره ومزرعته ومصنعه ومكتبه ومجلسه الذي يجلسه استرواحا واستجماماً . وإذا كان قائداً في الحروب يرى أوامره تناديه ألا تقتل إلآ من يقاتلك. ولا تخرب عامراء ولا تقطع شجراء ولا تقلع زرعاً . ولا تفسد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين , ونقول ليست الشعوب معتدية إنما المعتدي هو حاكمها » ونجد أوامر الدين تقول للسياسي . لا ترهق الشعوب من أمرها عسراً فليست عدوك . ولا خصومة بينك وبيهه) .

إذا سيطر ذلك النوع. من الدين على النفوس . فإن المشاكل تحل . بل إنه لا تعقد مشاكل قط لأن هذا الدين ينم عقّدها .

ولا بد أن يكون هذا الدين ينظر إلى الإنسانية كلها على أنها أمة واحدة لا فرق بين جنس وجنس ولون ولون » بل الكل خلق الله » والكل عباد الله وجميعهم لآدم . وادم من تراب .

لا بد أن يستند ذلك الدين إلى خالق الخلق . لا إلى حجر قد نحت ولا إلى خشب يسند » ولكن يسند إلى خالق الكون . ومنشىء الأرض ومن عليها . والسموات وما فوقها ,

والسماء وما فيها من بروج . ولا بد أن يكون ذلك الدين متوائ) مع الفطرة الإنسانية لا يحارمها ولا يعاندها. ولكن بهذبها ويوجهها إلى الخير. فإذا كان في الإنسان حب الغلب والسلطان وجهه لإقامة العدل ودفع الظلم . وإذا كان في الإنسان حب المال حبا حما , فإنه يوجهه إلى استخراج خيرات الأرض ». والإنفاق على من حرموا ذلك المال وإشعار من يملكونه بأنهم مستخلفون فيه . وأنهم مسئولون عنه كا يسأل الإنسان عن كل نعمة أنعم مها عليه. في أي الأمور استخدمها . استخدمها في| ينفع أم استخدمها فيا يضر فكل مسئول عما يتمكن منه » والله سبحانه هو القاهر فوق عباده ‏ لا نجد تلك الخواص إلا في الإسلام فهو الدين الذي طهر العقول من وثنية اليونان والرومان والعرب . وهو الذي طهر العقول من أوهام المجوسية بكل أنواعها .

وهو الذي جعل الناس أمامه سواء . وهو دين يتفق مع الفطرة الإنسانية لا يصادمها . كا قال تعالى في القران الحكيم تخاطباً نبيه الأمين : © فأقم وجهك للدين حنيفاً . فطرة الله التي فطر الناس عليها . لا تبديل لخلق الله » ذلك الدين القيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون * . ( الروم 7).,

استغفروا لأعدائكم فالإسلام يقول : « اعدلوا مع أعدائكم » وأن العدل مع العدو والولي يمكن للطاقة النفسية أن تتحمله ,

١

ويقول سبحانه :#إدفع بالتى هي أحسن274 فالعدو الظالم مسيىء في كل الأحوال . يدفع ظلمه » ويُتقى شره » ولكن يكون الدفع ابتداء بالرفق واللين » فإن لم يجديا »فحمل السيف فالدفع بالسيف يكون رحمة بالناس لأنه كف الظالم عن ظلمه . وذلك رحمة بالعباد ٠»‏ ودفع للفساد . والإسلام كقانون الأخلاق يحكم على الأفعال . وعلى القلوب التي في الصدور . لا يخرج عن حكمه شيء يحكم على أفعال الإنسان كلها » فليس فيه أن الدين في المسجد . بل الدين في كل أعمال الحياة » ولكنه يفترق عن قانون الأخلاق بأن أوامره الهية. الحاكم فيها هو الحاكم على الضمائر الذي يعلم ما تسره وما تعلنه » فالمومن به يعتقد أن الله تعالى مراقبه في كل ما يعمل وهو محري بعمله في الدنيا » وفي الآخرة ؛ إن خيرا فخير ‏ وإن شرا فشرء ٠‏ فهو في علاقة الناس بعضهم ببعض منظم لما. وني علاقة الدول بعضها ببعضهم تنظيم كامل تولاه القرآن الكريم بالذكر, وتولته السنة بالبيان والعمل وتولاه الصحابة من بعد الرسول بالعمل مستضيئين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله 25 . مهتدين مبديه » ولعل مبادىء الإسلام في العلاقة الدولية أول تنظيم دولي في العالى . قد سار مسار التطبيق . ولم يقتصر على تقرير المبادىء . وإذا كانت العلاقة الدولية في العصر الحاضر تقوم على أساس المعاهدات . والاتفاقات . وجلها بين الأقوياء . وهي في كثير من الأحيان يقصد بها تقرير مصير الضعفاء من (1)"الآية 95 سورة المؤمنون .

١0

غير إرادتهم » وكثير منها قوامه بسط النفوذ فى في السلم فإنه من المؤ كد أن العلاقات الدولية في الإسلام تقوم على العدل . وكل إتفاق يكون على غير العدل لا يكون لازماً ولا مقبولاً . ولا مأخوذاً به في الإسلام . لأن الظلم في كل صورة منهى عنه في الإسلام . فالله تعالى يقول : #إإن الله يأمر بالعدل والإحسإن وإيتاء ذي القربى . وينبى عن الفحشاء والمنكر والبغي . يعظكم لعلكم تذكر ون # ويحكي محمد بده عن ربه فيقول في حديث قدسى ١‏ إن الله تعالى يقول : يا عبادي إني كتبت العدل على نفسي فلا تظالموا » .

فكل معاهدة أو اتفاق يعقد مبنياً على ظلم ببسط النفوذ على الضعفاء أو بإرهاقهم . ٠‏ أو بتقسيم أرضهم أو لو يكون باطلاً بحكم الإسلام. لأنه مني على أمر محرم . والنبي كله يقول: «كل صلح جائز إلا صلحا أحل حرام أو حرم حلالا».

سامية هو في ذاته دين العقل . ف من أمر جاء به إلا كان موافقا للعقل يدركه » ويصدقه . ويذعن له ما دام غير معتكر مبوى غالب أو شهوات مسيطرة . فعقيدته وهى الوحدانية لله تعالى فق داته وف صفاته , وخلقه وإبداعه - أمر هو حكم العقل واضحة غير معقدة . يصل إليها العقل إذا خلا من الأ وهام :

ال

ولم يرتكس في الوثنية أو المادية » كما جرى على ألسنة بعض الذين لا يدركون حقائق هذا الوجود . إذ قال قائلهم أنه قد ارتفع إلى الفضاء . ولم يجد الله هنالك . فدل بهذا على ضعف في العقل والفكر إذ حسب أن الله تعالى من المادة التي لاا يؤمن إلا عهاء وإنه متربع في السماء. وذلك من سيطرة المادية اللجوج .

وإن كل ما في الإسلام من مبادىء . سواء أكانت مبادىء تتعلق بالعقيدة أم كانت مبادىء تتعلق بالأخلاق أو التنظيم الإنساني » يتفق تمام الاتفاق مع العقل . حتى أن إعرابيا سثئل لماذا أمنت بمحمد ؟ فقال ما رأيت محمدا يقول في أمر افعل والعقل يقول لا تفعل » وما رأيت محمدا يقول في أمر لا تفعل . والعقل يقول افعل .

وإن النظم التى سنها الإسلام لا تزال برونقها وصفائها أعدل من كل ما اهتدى إليه العقل البشري من نظم سوا أكان ذلك في نظام الحكم أم في نظام المعاملات المالية أم في نظام الأسرة أم كان في الزواجر الاجتماعية من حدود وقصاص وتعزير .

وإن القانون الروماني الذي يعده علماء القانون في أوربا أعظم تراث قانوني وصل إلى الخلف عن سلفهم لو وزث با جاء به محمد عن ربه لكانت الموازنة منتهية بأن نظم الإسلام هي القوانين العادلة حما وصدقا ء وقد وازنا بعض الموازنة في

1١و‎

غير هذا المقام. وبينا عدل الإسلام وحمايته للحرية الشخصية . والحرية الإجتماعية والسياسية ويكفي أن يعلم الباحث أن قانون الرومان يجعل المرأة أمة . والإسلام يجعلها حرة في بيت أبيها وحرة في بيت الزوجية ويعطيها من الحقوق مثل ما عليها من واجب . فيقول تعالت كلماته : «#وهن مثل الذي عليهن بالمعروف . وللرجال عليهن درجة» وإن القانون الروماني يفتح باب الرق على مصراعيه . ويجعل الرق يكون حيث يخرج الرجل غير الروماني من بلده . فإذا لقيه أي روماني استرقه فيقر الرق بالنخاسة . ولا يجعل للرقيق أي حق من الحقوق الإجتماعية بل الإنسانية .

فالإسلام دين الحرية الشخصية . والحرية الفكرية . والحريةالدينية »فهو يضيق سبب الرق . ويفتح باب العتق على مصراعيه . ويفتح الباب للآراء ما دامت لا تدعو إلى الإنحراف . وعمر بن الخطاب يقول لاحد ولاته وقد ضرب ابنه فتى قبطيا : «منذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا 9 . والإسهلام يمنع الإكراه على الدين . ويجعل الناس جميعا على سواء في ظل المحبة والود والرحمة الإنسانية العامة .

وهذا يكون هو الدين الوحيد الذي يصلح لحكم الإنسانية وفيه علاج ادوائها . ووقف الأشرار الذين يريدون لها الويل والثبور وعظائم الأمور وهو شفاء الصدور. وإنا نرجو بعون الله تعالى وتوفيقه أن نفتح نافذة ليطل الناس منها على الإسلام .

14

ه- يدهش التتبع المستقصى لعقول البشر إذ جد ظاهرتين متباعدتين :

الظاهرة الأولى : - نفاذ الفكر البشري إلى تعرف أسرار الكون » ومعرفة نواميسها 3 واستخدامها لحاحة الناس ٠:‏ حتى صار اين الأرض يسخر ما في الكون من فضاء وساء لارادته 5 وقد كان الشاعر العربي محمد عبد المطلب يقول :

وقد كان ذلك الذي تتساءل عنه ذلك الشاعر العربي في سنة ٠197ء‏ حقيقة ثابتة لا يستفهم عنها. ولكن تقرا أخبارها المتواترة المستفيضة » فقد وصل ابن الأرض إلى القسر

الظاهرة الثانية : إن هذا العقل الذي ينفذ ببصره إلى

لع للق لحكل خراء بنصت سجر + ويعيرة ا + ١‏ جيل . وخلطوها بالوثنية خلطاً جعل العما لا يفهمها ولا يدراة الحقيقة فيها أوما يشبه الحقيقة . حتى أنه لا يستطيع تصورها . فضلا عن التصديق با. والإذعان ها إن عرضت على العقل ليحكم فيها . ولكن مع ذلك يخضعون . كما بخضع عبدة الأحجار لما : لقد أثار ذلك عجب الباحثين والكاتبين الذين يدرسون النفس البشرية » وحاولوا أن يوجدوا مبرراً لتصديق تلك تلك العقول المفكرة النافلة ف تفكيرهأ هله الأوهام 3 ولقد قال بعضهم بعضهم أن كل دين لا يخلوا من أوهام . وأنه يهب الخضوع ها ولو فكر ما تدين وقال كاتب اخر أن للعقل منطقا وللدين منطقاً : وإ منطق العقل سحث عن الدليل يعتمد على البرهان . ولذلك وجدنا خرافات وأوهاماً كثيرة » سيطرت على الناس . حتى صاروا غير متفكرين في ناحية . ومتفكرين أشد 1 التفكر وأقواه فِ ناءحية أخحرى 3 والذين غلبت عليهم أحكام العقل وأرادوا تطبيقها على دينهم انتهوا إلى الالحاد . والخروج عن الدين 3 وخلع رلفته .

؟؟

ك- والغريب أن أكثز البشرية خاضعود هذه الأوهام للناس أن مهدموه » لأنه , يقم على دعائم قابلة للاستدلال » وكانت الثورات التي تقوم تتجه أول ما تتجه إلى الدين . فالثورة الفرنسية جعلت دينها العقل . والثورة الروسية هدمت الإيهان هدماً . والدين عزاء الأرواح . فهو لا بد منه للشعوب ٠‏ لأنه عزَاؤ ها 3 ولأنه غذاء أرواحها 3 والطريق لاستقبال الحياة برجاء من غير يأس ». وبإقبال من غير نفور وبرضى واطمئنان منغير إزعاج واضطراب فهل من دين يجمع

إنه الإسلام ٠‏ فهو الدين الجامع للمبادىء الإإنسانية العالية 3 ويموم على أساس العقل 2 والبعدذ عن الأوهام وعن يصلح أن يكون نتيجة لأقوى المقدمات المنطقية وليس فيه إلا ما يجاني الأخيلة الوثنية بكل صورها . ولا يمكن أن يحكم بحكم في العقيدة أو في العمل إلا وجدت العقل يحكم بسلامته . وفيه صلاح للمجتمع . وإ اختلفت الأنظار . فالنظر السليم هو الذي يراه . العقيدة الإسلامية :

تقوم العقيدة الإسلامية على ثلاث دعائم 3 كلها

رن

صحتها . وليس فيها مجال لوهم ولا خرافة » هي الوحدانية والإيمان بالغيب والرسل أجمعين . فأولى هذه الدعائم ‏ الإيمان بواحد أحد هو الفرد الصمد ليس كمثله شيء وهو السميع البصيرءهو منزه عن مشاببهة الحوادث . لأنه غيرها » ولا تتحقق هذه المغايرة إلا إذا كان من غير جنسها . وهو خالقها ومبدعها والشيء لا يخلق بعضه فهو ليس جسم من الأجسام . لأنه خالق الأجسام . وليس عرضا من الأعراض لأنه خالقها , وخالق كل شيء وهو فوق كل شيء » وليس له مكان يحده , لأن المكان هو الذي يحد الأجسام . وليس مركباً من أجزاء كا تتركب 2 فهو واحد في ذاته . وواحد في صفاته » قد اختص وحده بالإنشاء والتكوين . فهو بديع السموات والأرض . ليس بوالد ولا ولد . وهو قد خلق الأسباب والمسبيات ونظم الكون . بحكمته . وسيره بإرادته » وأبدع نواميسه بقدرته .

وهو وحده المستحق للعبادة . وليس في خلقه ما يحل هو فيه لأنه ليس جسم يحل في غيره . وإن الاعتقاد بالوحدانية على ذلك النحو المبسوط في المصادر الإسلامية. والذي شرحنا بعضه في العام الماضي في بحث العقيدة - هو الذي يبعد النفس عن الخرافات وعن الأوهام » والفلاسفة الالهيون قد وصلوا إلى بعض مما يقرره الإسلام . وما يقرره غيره من الآديان السماوية قبل أن يعترمها التحريف والتبديل . ولكنهم لم يستطيعوا تصوير صفاته سبحانه . فإن ذلك لا بد له من موقف . أو على الأقل من هاد هدي ويرشد . ثم يدرك

مي

العقل بمصباحه الأعلام الدالة » والصوى القائمة .

وإن الاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى هو الحاكم وحده , وهو الغالب على كل شيء القاهر فوق عباده يربي العزة في قلب المؤمنين » فلا يذلون لمخلوق ». لأنه مثلهم . ولا يخضعون إلا للواحد الأحدء الذي يتساوى عنلذهة ا جميع » فلا غالب ولا مغلوب ء ولا قاهر . ولاه مقهور . بل السلطان كله للواحد القهار .

وقد جربت قوة عقيدة الوحدانية في الماضي . فأوجدت من العبيد أحراراً في أنفسهم , يتحملون الأذى في سبيل إيمانهم شاعرين يأن السمو للعقل وحده . وفي الخضوع لله وحذه » فاستصغروا مُلاكهم » لأن أولئك كانوا يسجدون للأحجار. ويعبدون أوثانا ينحتونها بأيديهم . أما العبيد فإن خضعت رقاهم أله نخضع أرواحهم ء وقد اتصلوا بالله سبحانه . وأولئك قد انقطعوا عنه » ولذلك استهانوا بعذاب أبدانهم في سبيل ما استر وحوه من الادراك والسمو بأرواحهم .

وإننا نجد العالم في ويلات نفسية من تحكم الأقوياء في الضعفاء ومن سيطرة المادة . وغلبة الشقاء » ولا بد من تربية إحساس قوي في النفوس لكي تسمو على غلبة المادة , وجحس المستضعفون في الأرض أنهم أعزة بعزة الله تعالى » وبأنهم أقرب إلى الله » وأنهم أشداء على الذين يؤذونهم رحماء بينهم يبتغون من الله تعالى فضله .

"0

ولا يكون ذلك الإحساس إلا بإيمان قوي بأن الله تعالى مالك المللك دو الحلال والاكرام 3 وأنه وحده القاهر فوق عباده » فالإيمان بالواحد الأحد فوق أنه ينقي القلوب ويطهرها » وينزه العقول . ويبعدها عن الأوهام الفاسدة . يربي في الجماعات الإنسانية العزة بعزته » ويبعد عنهم المسكنة للباطل وأهله .

إن شرور الإنسانية الآن تحتاج إلى قلوب مؤمنة بالله وحده لا تذل ولا تخنع ولا تستسلم لظلم ولا يكشف تلك الشرور إلا إيعمان من الشعوب ببطلان التحكم والعذاب الذي تعانيه » ولا يربي الشعوب إلا إيمان صادق وتدين صحيح يدرك المتدين حقيقة من يعبده من غير تعثر في الفهم . ولا إلتواء في

إذا كانت الثورات الإنسانية تقوم على الشعوب 3 فإن الدين الصحيح لا يكون إلا إذا سرقن" إلى الشعوب 3 وحمل الحكام على التزام جادة الإنسانية وعدم الخروج على أحكامها .

- وقد يقول قائل أن المسلمين قد سيطرت عليهم الأرض والغلبة لغيرهم . فلو كانت عقيدة الإسلام مبعدة عن الأوهام لأبعدتهم 3 ولو كانت مبعدة عن الذل لأبعدتهم .

والجواب عن ذلك بالتسليم بأصل الإعتراض . من حيث حال المسلمين . ولكن ليس ذلك إلا لأنهم ابتعدوا عن

ا

الإسلام ومبادئه . فحقت عليهم هذه الحال التي هم عليها , فهم لا يصورون حقيقة الإسلام لأنهم جانبوها . وكل مبدأ مقرر ثابت يؤخذ من مصادره . ولا يؤخدذ من حال معتنقيه ‏ فالمسيحيون الذين يستمرئون دماء البشرية لا يصورون دعوة المسيح عليه السلام إلى السلام والعفو والصفح وهل المسيحيون الذين يقولون : « ويل للمغلوب » هم الذين يتبعون قول المسيح فيا يروى « استغفروا لأعدائكم » .

وهكذا فمن يريد أن يعرف الإسلام 'يعرفه من أصوله . ومما قرره العلماء أهل الخبرة فيه . ولقد يضل عن معرفته من يأخذ حقيقته من العامة » بل عليه أن يأخذه أيضا من حال المسلمين في عصره الأول .

وإن الإسلام باق خالد إلى يوم القيامة » سجل في سجل خالد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وقد توقع عليه السلام أن يحدث ما بين المسلمين ما يحدث . فنبههم إلى ما ينبغي الرجوع إليه . فقال عليه السلام « تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله تعالى وسنتي » .

وإن المبدأ السليم كثيراً ما يعتريه من ركام الزمان . وما يغبر به من أحداث وأحوال إجتماعية . حتى يكون من يغسل صفحته من ذلك الغبار المتراكم الذي يتكائف . وذلك يكون بمصلح يرد الأمور إلى أصلها » ويجلو الصفحة , ولذلك قال النبي يك فيا رواه الإمام أحمد : « إن الله يبعث هذه الأمة على

يف

رأمر. كل مائة سنة رجا يجدد لها أمر دينها » وتجديد أمر الدين ليس بتلقيح ما فيه من أحكام بممادة من غيره » فإن ذلك هو الفهم السقيم . لأنه يؤدي إلى التغيير والتبذيل » وليس إلى التجديد . ورده إلى أصله » وإنما التجديد هو إزالة ما يعلق به من أوهام وخرافات هي الغبار الذي يعلو سطحه . ويظنه الناس منه » وما هو مله .

والإسلام من بين الأديان ف.ه تلك القوة الحيوية التي تجعل المتفكرين فيه يجدون ما يضمن سلامة مبادئه , ونجدون الطريق الصحيح لما يبقيه سلياً خالياً وذلك لأن كتابه محفوظ

من التغيير والتبديل إلى يوم القيامة . ىا قال الله تعالى : #إنا نحن نزلنا الذكر . وإنا له الحافظون*# والسنة النبوية قد دونت بعد أن تميز الخبيث من الطيب . وبعد الموازنات الدقيقة ‏ والدراسة العميقة للرجال بحيث يعرف الصحيح بمراتبه من المرويات » والله بكل شيء محيط .

4 وإن الإسلام في سبيل تنقية القلوب من كل ما يفتح الباب لخواطر قد تدفع إلى الوقوع في أوهام . كانت معجزته الكبرى التي تحدى بها مخالفيه » والتي كان فيها البرهان الساطع على صحة الرسالة المحمدية هي من نوع العلم الباقي الخالد, لا من نوع الوقائع التي تقع ثم لا يعلم بها إلا الذين رأوها فكانت معجزة القران الكريم » الذي لا تبلى جدته إلى اليوم .

لقد جرى على يدي محمد يف خوارق للعادات مادية »

"4

مثل الإسراء والمعراج » ومثل حنين الجذع له » ومثل تخييم الغار بالعنكبوت عليه وبيض الحمام حوله » وغير ذلك من الخوارق المادية » مما يعرفه كل قارىء لسيرته » ومما يثبت بالأحاديث الصحيحة . ولكنه عليه السلام تحدى بالقرآن وحده ء وقال سبحانه مطالباً تخالفيه « قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين» . وبين سبحانه أنه لا يمكن لأحد من البشر أن يأتي بمثله » فقد قال سبحانه #قل لثن اجتمعت الإنس والجن على أن يأنوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله . ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا» . وهو ليس بمعجز للعرب وحدهم » بل هو معجز لكل من له لسان ينطق . فبلاغته لا يمكن أن يصل إليها أي أديب في لغته ء ولا يمكن أن تترجم معاني القران في أي لغة من لغات العالى المتمدين مه) تكن خصوبتها ومهما تكن بلاغة كاتبيها وخطبائها بمثل بلاغة القران في اللغة العربية . فهو بهذا الاعتبار معجز ببلاغته مهما تختلف اللغات .

ومعجز أيضاً بما اشتمل عليه من أحكام تشريعية لم تكن معروفة في عصره فنظام الميراث الذي اشتمل على بيان أحكامه لا يمكن أن يدعي قانوني أن هناك نظاماً أمثل منه » أو قريبا منه في عدالته » والقانونيون في فرنسا وانجلترا وأمريكا الذين تيأ هم أن يعرفوه قرو نه أمثل الام على اا 2 ونظامه في الولاية

على النفس وعلى المال » وعلى حقوق امرأة لم يكن معروفاً في

>

عصره . كا أن نظامه في الحرية والعدالة الاجتماعية » والتكافل بين البشر ٠‏ كل هذا لم يسبق به . وما أظن أن نظاماً قد لحقه في ذلك السبق . وكل ذلك كان على يدي أمي ٠»‏ وفي بلد أمي ليس به معهد يدرس . ولا جامعة تحقق . وفوق ذلك الإشارات القرآنية التي ذكرت حقائق كونية لم تكن معروفة في عصر نزول القران » ونطق بها القران الكريم الذي نزل على لسان ذلك الأمي .

٠‏ ولماذا كانت مععجزة محمد التي اثبتت رسالته من ذلك النوع العقلي الذي يخاطب العقول . ويثير الفكر السليم ‏ ويوجهه إلى الحقائق العلمية والتشريعية ولم تكن من الخوارق التي تحدث وتنقضي كعصا موسى وكإبراء عيسى عليه السلام للأكمه والابرص . وإحياء الموق بإذن الله تعالى . ونجيب عن ذلك بأن القرآن ذابّه خارق للعادة , ولكن من نوع آخر . إذ هو من النوع الذي يبقى مشتملاً على معنى الاعجاز إلى يوم القيامة وكانت معجزة محمد كذلك لأن شريعته للناس كافة . لا لحيل دون جيل . وباقية خالدة . فكان لا بد أن تكون الحجة المثبتة لهذه الرسالة باقية خالدة الى يوم الدين .

وفوق ذلك فإنه يخاطب العقول » وحيث كان العمل للعقول بعدت الأوهام . وكان كذلك لأنه يبقى خالداً مزيلاً للأوهام والخرافات فيكون دائما المقياس الصحيح الثابت الذي يميز به الناس . بين ما هو لصيق في الاعتقاد دخيل عليه » وبين لب .الاعتقاد ومعناه .

فالعقيدة الإسلامية في ذاتها بعيدة عن الأوهام والخرافات . وهي مطهرة النفوس من ارجاسها وكانت معجزتها حامية لما من أن تغشى عقول معتنقيها تلك الأوهام , إذ مصدرها قائم ثابت يرجع إليه دائما . وهو يدعو إلى التفكير في السموات والأرض . وما فيهما .

وقد استدل القران على الوحدانية بالعلم والنظر. لا بالفرض والوهم فترى فيه الآيات الكثيرة التي تدعو إلى النظر “في المخلوقات . وما فيها من أسرار تدل على وجود الله تعالى . وأنه واحد أحد . وأنه لايشبهه شيء مما خلق ء اقرأ قوله : «إقل انظروا ماذا في السموات والأرض * واقرأ قوله تعالى في الاستدلال على وحدانيته #أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من الساء ماء . فأنبتنا به حدائق ذات ببجة . ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله . بل هم قوم يعدلون » أمن جعل الأرض قرارا » وجعل خلاها أغبارا » وجعل لما رواسي . وجعل بين البحرين حاجزا إإله مع الله. بل أكثرهم لا يعلمون . أمن يجيب المضطر إذا دعاه » ويكشف السوء . ويجعلكم خلفاء الأرض ٠»‏ إإله مع الله قليلاً ما تذكرون . أمن يبديكم في ظلمات البر والبحر . ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يششركون . أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ‏ ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين» . ( .)"48-6١‏

أحن

الا ترى في ذلك الاستدلال على الوحدانية ما يوجه الابصار والعقول إلى أسرار الكون وما فيه من دلائل عليها وهو بهذا الاسلوب التوجيهي الرائع بهذب العقول ويدعوها إلى النظر والتفكير .

واقرأ قوله تعالى : #ومن اياته خلق السموات والأرض وما بث فيههما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير» وإنك لترى في هذه الآية فوق دلالتها على الوحدانية » وإن هذا الخلق والتكوين هو الدلالة على الوهية الله تعالى وحده وإنه لا منشىء * سواه هي أيضاً توجه الأنظار إلى أمرين جليلين يبحث العلماء اليوم في وجودهما ويسعون إلى معرفتههما :

الأول هو وجود أحياء في غير الأرض فالآية تشير إلى هذا » وتوضح أن فيها دابة تحيا وقوت وتأكل وتعيش » وفيها الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي كا قال سبحانه وتعالى في اية أخرى : وجعلنا من الماء كل شيء حي *. ( الآنبياء. 3 ) .

الأمر الثاني - جواز أن يجتمع الأحياء في السموات والأرض » وإن ذلك بقدرة الله تعالى وإرادته وأن العلماء اليوم يسعون في الالتقاء بالاحياء من أهل السماء .

١‏ - وإن القرآن الكريم فوق ما فيه من توجيه العقول لمعرفة الله تعالى » والاستدلال على وحدانيته ووضع مادة الاستدلال بين أيديهم ‏ فيه دعوة إلى النظر المستمر في. الأشياء وني الأحياء . وإلى أصل الكون ودراسته .

5

اقرأ قوله تعال : «أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت . وإلى الساء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت . فذكر إنما أنت مذكر » لست عليهم بمسيطر * ٠.‏ الغاشية ١1/‏ 78 ) .

وهكذا نجد القرآان الكريم يسوق الادلة » ويبعث العقول على النظر مستقلة غير مأسورة بتقليد » أو إتباع من غير دليل وأشد ما كان يعترض به المشركون على النبي كله أنه يجيء بما يخالف ما كان عليه آباؤهم . وأشد ما كان ينعاه القرآن عليهم هو الاتباع من غير تفكير مستقيم . اقرأ قوله تعالى : «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله , قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا , اوْلْوْ كان اباؤهم لا يعقلون شيئا ولا بتدون» .

5ه- والقول المجمل في هذا المقام إن القران حجة الإسلام الكبرى حارب الأوهام لأنه دعا العقول إلى النظر في الكون وتعرف أسراره وعجائبه ودعا إلى تحكيم العقل في كل ما يدرس من قضايا » سواء أكانت كونية أم كانت تشريعية ودعا إلى اتباع الحق . وما حكمت به شرائع الله على أهل الأرض من غير عوجاء . ولا لوجاء » ولا ابحراف ولا تحريف .

وإنه إذ دعا إلى النظر العقلٍ في كل ما يتعلق بالكون ونواميسه فقد وضع الأساس لمحاربة الأوهام والأخيلة الفاسدة . حيث) كانت .

وإن الأوهام تعشش دائاً في عش التقليد من غير

2

تفكير» وقد حاربه القران. وبذلك هدم البناء الذي تقوم الأوهام عليه يه والخايا التي تعشش شك فيها فقتل مواليد الأوهام في مهدها . وأمات بذورها في خبئها .

الإيمان بالغيب :

وك الإيهان بالغيب هو الدعامة الثانية من. دعائم العقيدة الإسلامية . والإيمان بالغيب هو الدعامة في كل دين لأن فيصل التفرقة بين المتدين وغير المتدين هو الإيمان بالغيب » وإن وراء المادة قوى أخرى غيرها » فمن لم يؤمن بالغيب فقد جحد . ومن يؤمن بالغيب . فقد تدين . ولذلك لا يوجد دين سماوي ليس فيه الإيمان بالغيب . أي بما وراء المادة من قوى غيرها . ولا يمكن أن يكون إيمان بالله تعالى من غير إيمان بالغيب » ولذلك يقول الله تعالى في أوصاف المؤمنين : #الذين يؤمنون بالغيب . ويقيمون الصلاة وما رزقناهم ينفقون . والذين يؤمنئون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * والإيمان بالغيب هوالإيمان بالله منشى ء هذ الكون وما فيه ومن فيه . وإن الله سبحانه وتعالى قد غيبت عنا ذاته العلية المقدسة . ولكنا علمناه بما خلق » واذركنا حقيقته بما أنشأ وكون من غير تكييف فهو معلوم بصفاته تعالى الله علواً كبيرا » فالمؤمن الصادق الإيمان يعلم الله تعالى كأنه يراه ويؤمن بأنه أقرب اليه من حبل الوريد » وأنه مطلع عليه فيه يعلنه . وفيها يسره . بل أنه يعلم السرء وما هو أخفى منه ,

ْ؟

وكلما انصرف المؤمن إلى العبادة كان أقوى إدراكاً لمعاني الألوهية وأعلم ٠»‏ ولذلك ورد في الحديث الصحيح : « اعبد الله كأنك تراه » فإن لم تكن تراه فأنه يراك » .

والإيمان بالغيب يقتضي الإيمان بالملائكة » وهي الأرواح المطهرة » والإيمان بكل المخلوقات المغيبة من حسنا ء» والإيمان بأن هذه الحياة المادية الدنيوية هى الحياة الفانية » وإن من بعدها الحياة الباقية » وهى الآخرة ١‏ وإن الإيمان بالحياة الآخرة هو لب التدين » فمن لم يؤمن بها يظن أن هذه الحياة التي يحياها هى كل شىء , والمتدين يعتقد أن هناك حياة أخرى يجازي فيها المحسن بإحسانه » والمسيء بإساءته » والصابرود على شقاء هذا الوجود المادي حيث يجد السعادة هنالك في هذه الحياة الخالدة » وقد حكى الله سبحانه وتعالى شعور المشركين من العرب في زعمهم أن هذه الحياة التي يحيونها هي وحدها الحياة . فقال سبحانه : «وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا موت ونحيا . وما يبلكنا إلا الدهر , وما لهم بذلك من علم ان هم إلا يظنون* (٠.‏ الحائية 765 ) .

وإغبم بذلك يفقدون العزاء النفسي إذ يحس الشقي بأنه لا منجاة له مما هو فيه , ولا عزاء له فيها يتزل به » ولا رجاء لخير يناله من بعد » ولذلك قال الله تعالى : #إقد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على مافرطنا فيها. وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم

>"

ألا ساءما يزرون . وما الحياة الدنيا إلا لعب وهو . وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون 4 ( الأنعام ١‏ 7”17-8) .

وإن الإيمان بالبعث والنشور والحساب والعقاب والثواب من شأنه أن يعلو بالإنسان عن مرتبة الحيوان . ولا يجعل حياته عقيمة لا تنتج . ويدفع عنه القلق النفسي . وإن لم يسعد في الحاضرة رجاء السعادة في القابل . والمؤمن يتربى فيه الوجدان والإحساس بالتبعة . إذا آمن بالآخرة فلا يكون همل ويسعد, مهما يكن في هذه الدنيا من هوان مادي . فترده النفس الروحية برجاء ما عند الله وتجعله في عزة » وبعد عن الذلة واطمئنات إلى المستقبل . ولقد كان العبيد والفقراء يقاومون السادة والأغنياء ويرضون بالعذاب - ولا يبالونه لأنهم مؤمنون بما عنده سبحانه في اليوم الآخر .

إن الإيمان باليوم الآخر ذخيرة إنسانية . وعتاد المقاومة لشدائد هذه الحياة ولأوائها » ومن حرمها فقد حرم خير زاد يعلو به الإنسان ويقاوم أحداث الزمان . الإيمان بالوحي والرسالة :

5 - من الإيمان بالغيب الإيمان بالوحي الإلهي . وبأن يتصل خالق هذا الوجود بواحد ختاره من البشر ويكون رسوله إلى خلقه يرشد الناس إلى الحق وإلى الطريق المستقيم الذي لا يضل من يسلكه ٠»‏ وإن ذلك الإتصال إما بالإلهام الروحي .

لضن

وإما أن يكلمه تعالى من وراء الحجاب . وإما يملك يرسله ‏ وكا قال تعالى : «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياء أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً . فيوحي بإذنه ما يشاء» (الشورى )©*١‏

وإن هذه هى الطرق الثلاث التي تثبت اتصال الله تعالى بخلقه | ليكون مي يرسله بشيراً ونذيرا يجب الإجان بهء لأنه يقوم الدليل عليه بالمعجزات التي تنبت تلك الرسالة الإلمية إلى الخلق . فكانت معجرة موسى عليه السلام تلك العصا الي تحدى مها فرعون » مع آيات كثيرة تثبت أنه كان يتكلم عن الله . قد أجراها الله تعالى على يديه مثل فلق البحر اثنا عشر فرقاً كل فرق كالطود العظيم ومثل انبثاق الماء اثنتي عشرة عينا

من الحجرء إذ ضريبته العصا. وكانت معجزة المسيح عليه السلام إبراء الأكمه والأبرص » وإحياء الموتى بإذن الله وغيرها وقد ساق أولعتك هذه الخوارق للعادات للدلالة على أنهم مخاطبون يخاطبهم الله تعالى » وكانت معجزة النبي يل هي القران » وقد بينا لماذا لم تكن معجزته عليه السلام ليست من نوع المادة كأسللافه من الأنبياء » ولقد قال عل : « ما من نبي إلا أوق ما مثله آمن عليه البشر ؛ وإِغما كان الذي أوتيته وحيا أوحي به إلى » وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً بوم القيامة ) أي كان ما أوتيه النبي عليه السلام كلاماً باقيا خالداً إلى يوم القيامة » ولخلوده كان النبي عليه السلام يرجو أن يكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة .

يذن

1١‏ وإن الرسالة الإهية التي تنزل من الله على بعض خلقه ليكون بشيراً ونذيراً لهم . ينزها الله سبحانه وتعالى دليادً على الرسالة و ولذلك يجب الإيمان بالرسالة في كل دين سماوي .6 وهي واحدة في لبها , وإن كانت قد اختلفت في التفريع أحياناً » وذلك لاختلاف الأزمان » ولذلك قال الله تعالى : #إشرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً . والذي أوحينا إليك . وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أتيموا الدين » ولا تتفرقوا فيه . كبر على المشركين ما تدعوهم إليه » الله يجتبي إليه من يشاء , ويبدي إليه من ينيب4 ( الشورى .)١‏

فهذه الآية تشت أن الرسالة الالهية في لبها واحدة ء واختلافها في بعض قليل هو اختلاف في جزئيات لا تؤثر في تلك الوحدة الكلية » ولكل زمان نبيه كما قال تعالى : 8 و! من أمة إلاخلا فيها نذير * ( فاطر 55 ) .

وكانت الرسالات الآهية تعين الإنسان على مقاومة ما أودع نفسه من غرائز قد تجره إلى الفساد » يسيطر عليها ويجعلها دائاً في طريق السداد.» ولأن الله خلق الإنسان ء وفيه نزعة الخيرء ونزعة الشر ى) قال سبحانه : #ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها4 فكان لا بد من حكم يقوي نزعة الخير ويكونٍ ذلك الحكم من خالق الأنفس . فكان ذلك الحكم تكليفاً وتوجيهاً وإرشاداً .

وإن الآخرة ما دامت دار بقاء بعد حساب . ولا حساب

م

من غير تكليف فكان لا بد من التكليف والمطالبة ليكون الحساب على أساس الاستجابة لذلك التكليف . كط قال تعالى : #وإن من أمة إلا خلا فيها نذير» كا قال سبحانه : #وما كنا معذيين » حتى نبعث رسولا © (الإسراء 88) .

. وإن الإسلام هو آخر الأديان السماوية نزولاً‎ ومحمد يليه اخر لبنة في صرح النبوة » والرسالة الآلهية » ولذلك‎ كانت رسالته خاتم الرسائل . وكانت للناس كافة » وكانت‎ . جامعة لكل الرسائل‎

والقران الكريم هو سجل النبوات السابقة. وهو الذي بين معجزات الرسل الذين تعرض لذكر قصصهم وم يقص أخبار الجميع . إنما قص أخبار النبيين الذين جاءوا في بلاد العرب وما جاورها . وقد قال تعالى #منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك4 وكان الاقتصار على ذكر الذين كانوا في البلاد العربية » ومن جاورهم لتكون العبرة في قصصهم قريبة إلى عقولهم . 'وقد قال تعالى في آخر سورة يوسف : «إلقد كان في قصصهم عبرة لأولي الالباب . وما كان حديثا يفترى . ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء . وهدى ورحمة لقوم يؤمنون © ( يوسف .)١١١‏

وكانت أخبار هؤلاء النبيين مبينة لدعوتهم » ومدى استجابة أقوامهم لهذه الدعوة » والجهاد الذي يبذله كل نبى في دعوته » ومثابرته عليها » ومعارضته الشرك للوحدانية .

9

وكل أولئك الانبياء دعوا إلى عبادة الله تعالى وحده , وهدم الأوثان ؛فنوح الأب الثاني للبشرية ما دعا إلا إلى وحدانية الله تعالى » وإبراهيم حاطم الأوثان دعا إليها . وإسماعيل دعا إليها 3 وناضل فرعون ووقف صد جبروته وطغيانه لحمله على الخضوع لما وقد انقذ بنى إسرائيل من عبوديته ليحررهم 2 ويكونوا دعاة الوحدانية في ذلك الزمان الذي عمته الوثنية .

وجاء النبيون من بعده مبذه الدعاية الخالصة لله تعالى ‏ ثم جاء عيسى عليه السلام داعياً لها . وكانت الوحدانية في دعوته هي الصوت القوي الذي ينادي بأن الله واحد أحد فرد صمد ليس بوالد ولا ولد . وإن الذين قالوا منهم في أول المسيحية بأن المسيح ولد الله قالوا أنها أبوة نعمة » وهو ولد نعمة ليس ولد ألوهية حتى جاء مجمع نيقية الذي انعقد تحت سلطان قسطنطين عندما أراد الدخول في النصرانية » فأعلن ذلك المؤتمر ألوهية المسيح . تعالى الله سبحانه وتعالى عن الشريك وعن الولد ىا قال تعالى : #بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم . ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه . وهو على كل شىء وكيل , لا تدركه الأبصار , وهويدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير» (الأنعام 00-٠١ ١‏ .

وكان المؤتمر مصطنعاً وم يكن ممثلا لكل المسيحيين » لأن الذين حضروه "١8‏ ثمانية عشرة وثلثمائة اختارهم قسطنطين من بين ألفين أو يزيدون .

ولذلك كان الخلاف بعد ذلك فى مؤتمرات عدة. وكانت المغالبات بين الوحدذانية وغيرها » حتى اختفت الدعوات إلى الوحدانية بين ربوع الذين اعتنقوا مبدأ التثليث بعد أن حالت المسيحية وتغيرت .

وببذا يتبين أن الوحدانية هي لب الأديان السماوية . وهي جوهرها .

الإيمان بالرسل أجمعين :

والإسلام لأنه جامع للرسالات كلها . مشتمل على غايتها ولبها . كان الإيمان بالرسل السابقين جزءا من العقيدة الإسلامية » وقد صرح القران الكريم بذلك فقد قال تعالى : #ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن لبر م من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين . . .# إلى اخر الآية » وقد قال تعالى مخاطباً المؤمنين : #قولوا آم بلله وما أنزل إلينا . وما أنزل إلى إبراهيم ' وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ١‏ لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . فإن امنوا بمثل ما امنتم به. فقد

لحك

اهتدوا . وإن تولوا فإنما هم في شقاق . فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم * ( البقرة ١5‏ - لا١).‏

فالإسلام إذن هو الدين الجامع » وهو آخر أدوار الرسالة الإلهية . وهو الجامع بينها . وهو آخر النطوات في كمال الدين السماوي . ولذلك قال الله تعالى في آخر آية نزلت من القرآن الكريم : #اليوم أكملت لكم دينكم . وأقمت عليكم نعمتى ٠»‏ ورضيت لكم الإسلام دينا» . ( سورة المائدة # ) .

فالإسلام يطوي في عقيدته الخالصة كل عقيدة صحيحة في الأديان كلها » وتعجبني كلمة أذكرها في هذا المقام لقسيس دخل الإسلام فقيل له كيف تخرج من المسيحية وتدخل في الإسلام ء فقال هدانا الله وإياه » ما خرجت من المسيحية , ولكني أدركت أصوطا. وسرت فيها إلى أقصى مداهاء فالإسلام امتداد لكل الأديان السماوية الصحيحة . إذ انتهت” إليه وبه .

وفقنا الله لإدراك الإسلام على حقيقته 3 والله بكل شىء

عليم .

23

- تبين مما ذكرنا في الكلام السابق إن الإسلام هو دين الوحدانيةالإلمية »دعا إلى عبادة الواحدالأحد ٠‏ فليس بمسلم من اشرك غير الله في عبادة أو اعتقد أن لله شبيهاً . أو اعتقد أن الله تعالى متصف بما يتصف به العباد من خواص جسمانية , فكل ما هو من صفات الحوادث فالله تعالى منزه عنه » لأنه

وكا كان الإسلام كذلك في العقيدة التي طهر بها العقول من الأوهام هو دين الوحدة الإنسانية الجامعة » فالناس جميعا سواء بالنسبة للأحكام الإسلامية 3 وهو يقرر الوحدة بأصل التكوين فيقول سبحانه وتعالى : #وما كان الناس إلا أمة فيا فيه يختلفون» ويقول سبحانه : #كان الناس أمة واحدة , فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . وأنزل معهم الكتاب

بالحقليحكم بين الناس في] اختلفوا فيه . وما اختلف فيه إلا

م6

الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بيهم . فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله بدي من يشاء الى صراط مستقيم فكان الاتحاد في أصل التكوين من حيث اتحاد الغرائز والاتجاهات الإنسانية سببا في الاختلاف . لأن الأحاد يتنازعون استجابة لغرائز كل واحد منهم . إذ انه حيث استجاب كل واحد لغرائزه » تصطدم ارادته مع إرادة الآخر الذي استجاب هو أيضا لغرائزه » فيكون التناحر » حيث تصطدم الشهوات وتتنازع الإرادات . وكل يحب لنفسه الاستيلاء على أكبر قدر من المطالب والوصول إلى اقصى ما بحب من الغايات . ولذلك كان لا بد من فاصل يرسم الحدود. ويقيد الغايات لتتلاقى في خط مستقيم من غير انحراف ولا تقاطع . بل يكون لكل واحد خط مواز لخط اخيه . وكل الخطوط تنتهيى إلى خدمة الجماعة الإنسانية وبذلك تتحد الغايات والأهداف . وكانها النبيرات تنتهي عند مصب واحد .

وإن ذلك الحد الفاصل هو الكتاب المنزل من عند الله تعالى الذي يبين رسالته إلى خلقه » ولذلك جاء كل رسول من رسل الله تعالى بكتاب يبين الحق ومهدي إليه » وقد قال سبحانه في ذلك : # لقد أرسلنا رسلنا بالبينات » وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس . وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب . إن الله قوي عزيز»# ( الحديد ه؟ ) .

١

وإذا كانت الغرائز المتحدة في النفوس قد فرقت . فإن الأرض قد فرقت أيضاً . واختلفت الإنسانية بسبب توزع الأرض و«الألوان والألسنة » ى| اختلفت أنواع الاستغلال للأرض باختلاف طبيعتها » وذلك من ايات الله تعالى في هذا الكون . ولذلك قال تعالى : #ومن اياته خلق السماوات والأرض واختلاف السنتكم وألوائكم إن في ذلك لآيات للعالمين»* ( الروم ؟١؟‏ ) .

وقد كان ذلك الاختلاف في الألوان والألسنة مؤدياً لأمرين » أحدهما صعوبة التفاهم بين الناس بسبب اختلاف الألسنة . وثانيهها ‏ وهو الخطير الذي اشتد بسببه الظلم في هذه الأرض . وذلك الأمر هو احتقار طائفة من الناس لأخرى » بسبب العنصرية المفرقة وتعالي عنصر على آخر » وإما بسبب الألوان فكان التناحر الشديد , وكان الظلم الكبير .

89 ولقد جاء الإسلام فجمع الإنسانية حول القران الكريم » وفيه خلاصة كل الأديان السماوية » فدعا الناس حميعا دعوة عامة للخضوع لخالق الناس وعبادته وحده , ولذلك خاطب الناس أحمعين . فقال تعالى : #يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون» وقال تعالى : ظ يا أبها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فامنوا خيرا لكم # وقال تعالى : # يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم . وأنزلنا إليكم نورا مبينا 4 وقال

اا

سبحانه : أ يا أعها الناس إني رسول الله إليكم جميعا # وقال تعالت كلمته : # يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى و رحمة للمؤمئين # ( يونس لاه ) .

وهكذا نجد النصوص القرانية الكثيرة تخاطب الإنسانية بأحكام الإسلام .. لا فرق بين أبيض وأسودء ولا أحمر الإسلامية .

ولقد قرر المفسرون أن كل نص قراني ابتدأ النداء فيه , يا أيها الناس, يكون الخطاب فيه للناس جميعاً . غير مختص بقبيل دون قبيل . لأن العنوان فيه للإنسانية كلها . فكل من يتصف بها داخل في الخطاب . ولقد قال النبى وك عندما صدع بأمر ربه » وخاطب قومه بدعوته : ١‏ إن لرسول الله إليكم خاصة . وإلى الناس كافة . وإني لنذير لكم بين يدي عذاب شديد » .

ولقد قسم النبي يق الناس بالنسبة لتلقي علم النبوة إلى ثلاثة أقسام . طائفة تلقت علم النبوة وانتفعت به » وطائفة تلقته ولم تنتفع بهء ولكنها نقلته إلى من انتفع به » وطائفة أهملته ولم تنتقع به , ولم تنقله لمن ينتفع به » فقد قال عليه السلام : « إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب ارضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت

م1

الكل والععشب الكثير » وكان منها أجادب أمسكت الماء . فتفع الله بها الناس . فشربوا منبا » وسقوا وزرعوا » وأصاب طائفة منه أخرى إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى , ونفعه ما بعثني الله تعالى به فعلم وعلم . ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) .

وإذا كان الناس لا يرون المسلمين قد انتفعوا بالهدى الإسلامي الذي يربي العزة والقوة . والرشاد والعلو. فإن أكثرهم من الطائفة الثانية الى حفظت العلم القراني والنبوي . وتنقله الآن للاخلاف في كل بقاع الأرض » فالمسلمون لا ينتفعون . ولكنه قائم بينهم لمن أراد ورده المورود .

فهم حاملون للإسلام يسيرون به للناس ليروه . ونرجو أن يتتفعوا مهديه » وأن يعودوا كما بدءوا يتلقون علمه ويعملون به .

جاء الإسلام بالتكليف العام للبشرية » وإذا كانت بعض الرسالات السابقة أقليمية » كرسالة لوط مثلا » فإن رسالة محمد عليه السلام عامة لا تختص بمكان . ولا بقوم » كى| قال تعالى : #وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيراه ذلك لأنها تلائم كل الناس . إذ هي مشتقة من الفطرة الإنسانية . وجاءت لتوجيهها نحو الخير . من غير اعنات طا .

وإذا كانت الرسالة المحمدية لما ذلك العموم 2 فإنها

1

لإصلاح الجميع . ولقد عاملت الأجناس كلها. وعممت فيهم أحكامها » فليست هناك أحكام للبيض . وأخرى للسود. ولا أحكام لشرق الأرض . وأخرى لغربها .

ولقد سوى بين الناس في المعاملة » فلا يعامل ذو لون بمعاملة . ويعامل اللون الآخر بغيرها بل المعاملة واحدة ولقد بين الله سبحانه وتعالى أن أصل التكوين الإنساني واحد . وإن الطبيعة الإنسانية واحدة » فيجب أن تكون المعاملة الإنسانية واحدة . والتكليف واحداً » وإلا كانت تفرقة من غير مسوغ . لأن مقتضى المنطق الإسلامي إنه ما ثبت لأحد المثلين يثبت للآخر . ْ

وإذا توزعت الأرض الناس . فإنهم يتلاقوك على الاتحاد. كما ابتدءوا به يقول الله تعالى : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة » وخلق منا زوجها وبث منبما رجالا كثيرا ونساء » واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيباً 4 ( النساء ١‏ ) .

ولا يصح لهذا أن يحقر إنسان للونه , ولا لإقليمه » ولا لأنه غير متحضر بل أنه لا يحقر الإنسان أخاه الإنسان أبداً 2 وإن التفاوت بين الناس . إثما هو بالفضيلة وعدم الاعتداء » وبالعمل الصالح . ولقد كان النبي كلِةِ يقول : « إن الله لا ينظر إلى صوركم . ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » ويقول عليه السلام : « كلم لآدم » وادم من تراب . لا فضل لعربي

على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى» . وسمع النبي يله رجلا يقول لآخر يا , بن السوداء » معيراً له بسواده فغضب عليه السلام وقال : « لقد طف الكيل » لقد طف الكيل , لقد طف الكيل ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى ) .

ولقد جعل القرآن الكريم اختلاف الناس شعوباً وقبائل للتعارف والتعاون . لا للتباغض «التنازع ولذلك قال سبحانه : 8يا أيها الناس نا خلقناكم من ذكر وأنثى . وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم . إن الله عليم خبير» ( الحجرات ١‏ ) .

فاختلاف الشعوب في الأرض له غاية جليلة أرادها الله سبحانه وتعالى وهي التعارف وهذا التعارف له ظواهر, الأولى : اللقاء على مودة وتراحم في أمن وسلام » لا في حرب وخخصام ء والثانية : التعاون على أن ينتفع الإنسان بكل خيرات الأرض . بحيث ينتفع أهل كل إقليم بما في الإقليم الآخر من خير. ويمده بما عنده من فائض أرضه في مقابل أن ينتفع هو بما عنده . فإذا كانت الأرض مختلفة فيها تنتج فالإنتاج كله للإنسانية كلها » فتكون تفرقة الأقاليم ليكون الإستغلال كاملا : تستغل الأرض في كل أجزائها مها تتباعد وتتفرق .

الثالثة من الظواهر تكريم الإنسان في هذه الأرض » فلا

05

يوجد تعارف إذا كان إقليم يحتقر إقلي) » لأن ذلك يكون تناكراً . ولا يكون تعارفاً . ولا بد أن يحترم أهل الأرض حرية أهلها . فلا يكون تعارف إذا ١‏ تحترم الحرية لأنه إذا كان أساس العلاقات الارهاق النفسي . وعدم إحترام الحرية الشخصية - لا يكون ذلك تعارفاً بل يكون استعباداً أ واسترقاقا , أو استعماراً . بلغة ذلك العصر .

فأهل كل بلد يدير إدارته بالطريق التي يراها . ويعتنقون من العقائد ما شاءوا من غير حريجة دينية » ولا إرهاق نفسى . بل إن الإسلام ذهب به فرط احترامه للحرية إلى حماية العقيدة الدينية لمخالفيه من أن يعتدي عليها . وقاعدته الفقهية المقررة «وأمرنا أن نتركهم وما يديئون » .

'١‏ ولقد حث القران الكريم على الضرب في الأرض في سبيل هذا التعارف . فالأرض كلها للانسان يعمرهاء والضرب في الأرض يعرف الإنسان بأخيه الإنسان » وفي اللقاء مع الأقطار المتنائية يستروح ريح الاخوة الشاملة ٠‏ ويجد عمال ما دامت عنده قوة هذا العمل ولا يترك نفسه راكداً في أرض واحدة تذبل فيها قواه فيكون كالماء الآسن يفسده العطن . أو يبدده الحر والهواء » ولقد قال تعالى : في ذلك : #هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا . فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه» واعتبر من سعى في الأرض لطلب الرزق مثوبا على فعله . فقد قال سبحانه : #ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً

يدن

كثيراً وسعة , ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحي|ا» .

ومن هذين النصين يتبين أن القران يدعو إلى الهجرة لطلب الرزق الحلال . فإن الأخوة الإنسانية » يجب أن تفتح بمن فيها وجب على القادرين أن يهاجروا إلى أرض أخرى يجدون فيها سعة من الرزق . ومسترادا لقواهم العاملة يتسع لنشاطهم » والأرض كلها أرض الإنسان , وخيراتها كلها للانسان , ينال منبا كل عامل بمقدار طاقته والثمرات للناس . فرادى وجماعات :

ولعل أعظم ثروة في هذا الوجود هو الإنسان نفسه . لأنه قوة القوى المنتجة في هذه الأرض ء فإذا فاضت هذه القوة العظيمة في إقليم انتقلت إلى إقليم اخرء ومن أراد أن يمنع ازدياد هذه القوة فإن مثله كمثل من يزداد عنلذه الطعام 3 فيلقيه تبادل القوى البشرية كمثل التعاون في الأموال على السواء .

وإن التعارف لا يكون كاملا إلا إذا أزيلت ما يحب من الأرض . ولا يمكن أن يكون ثمة تعارف كالتعارف الذي دعا إليه القران الكريم إلا إذا محيت التفرقة العنصرية حو تاماً . فلا تفرقة باجنس ولا بالعنصر . ولا باللغة .

0

والناس يتفاضلون في| بينهم بالاعمال لا بالانساب . كما قال محمد يِه مخاطبا عشيرته بني هاشم «يا معشر بني هاشم لا يجي الناس بالأعمال 2 وتجيئون باللانساب 0

ولذلك حارب محمد يِِ العصبية الجاهلية » قال : «ليس منا من دعا إلى عصبية » وأعتبرها من نعرة أهل الجاهلية . وبلغه أن بعض أصحابه عير اخر بأبيه . فقال له عليه السلام لائاً مهذياً « إنك امرؤ فيك جاهلية » .

ولقد فرق محمد بين العصبية الجاهلية » والوطنية العادلة المتعاونة . فقد سئل عليه السلام من رجل « أمن العصبية أن بحب الرجل قومه » فقال عليه السلام مفرقا بين المحبة والتعصب الجنسي : «ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه » إنما العصبية أن يعين قومه على الظلم » فالوطنية الصادقة التي لا تمنع المحبة للغير ولا تدفع إلى الظلم أمر محمود . وبذلك أقر الإسلام الوطنية بشرط إلا يكون فيها إعانة على الظلم » ومن الظلم أن تغلق الأبواب دون طالب الرزق » ولقد شدد النبي يبت في الغبي عن الإعانة على الظلم . وقال عليه السلام : « مثل الذي يعين قومه على الظلم مثل البعير المتردي في الركي 2 فهو ينزع بذنبه ) :

أي أن الذي يعين قومة على الظلم كمثل بعير يحمل

حملا . فيتردى في هاوية من الأرض ». فينزع بذنبه يريد رفع

62

نفسه ليحمل حمله . فلا يستطيع أن يرتفع ولا أن ينقل الحمل الذي يحمله .

وإن المثل صادق كل الصدق . فإن القادة الذين يتظاهرون بحب أوطانهم أو يحبونها من غير بصر بنتائج أفعاللهم يلقون بالأوطان في هاوية الحروب . فتكون النيران التي تلتهم الإنسانية » لا يسلم منها غالب ويبهلك مغلوب . وقد استمر العام بسيب ذلك بتلظى في أنون من ثيرائ الحروب » حت إذ اطفأ الله نارا من نيرانها أجج ابن الأرض أخرى . وذلك كله سببه النصرة الظالمة للأقوام والتعصب المردي للأوطان .

+7 _ ولقد ذكرنا إن الظاهرة الثانية من ظواهر التعارف الإنساني التعاون » ويصح أن نشير هنا بكلمة موجزة عن عمل النبي يه في التعاون وإستجابته لأمر الله تعالى » فقد قال تعالى : #وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الثم والعدوان# (١‏ المائدة ؟ ) .

فالتعاون ضروري بين الناس جميعاً » وقد ذكرنا إشارة إلى التعاون المادي الإقليمي . بأن يفيض أهل كل إقليم على الآخر بالزائد عن حاجته من الطعام وما يحتاج إليه الإنسان . بل أشرنا إلى أنه من التعاون أن يفيض أهل كل إقليم بما عندهم من أغلى الثروات وهو القوى الإنسانية العاملة التي تستخرج من الأرض كنوزها وتعمل بالصناعات على تحويله إلى ما يفيد الإنسانية كلها .

600

ونقول هنا إن النبي كَلْةِ كان وهو يعمل على إنشاء المدينة الفاضلة التي كانت الصورة المثالية التي يحلم بها الفلاسفة أمثال أفلاطون ولم يجدوها . ولم يستطيعوا هم تحقيقها .

إن النبي يي رأى المسلمين من قبائل شتى . والعصبية ها بقايا في نفوس بعضهم فألف بينهم بعقد شرعي . سمي في التاريخ الإسلامي بالإخاء » فجعل كل رجل أخا لرجل يشاطره ماله وعيشه من غير أن تزول الملكية » بل هو بمقتضى الأخوة الإسلامية يعطي أخاه طيبة نفسه » راضياً مرضياً , فاخى بين المهاجرين والأنصار . واخى بين والأنصار بعضهم مع بعض . واخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض .

ولم يقف التعاون بين المسلمين . بل تجاوزه إلى غير المسلمين . فعقد مع اليهود حلفا أساسه التعاون على الخير. وحماية الفضيلة 2( ودفع الأذى 2( وحماية المدينة من كل اعتداء ؟ ذلك بالمواثيق ويلاحظ أن الميناق كان نتيجة إلى إقامة الحق كان أبلغ . لأنه لا يكتفى فيه بدفع الشر . بل الإتجاه فيه إلى جلب الخيرء ولكن اليهود نقضوا ما أبرموا .

وكان عليه السلام يعقد المعاهدات مع القبائل العربية العصبية الجاهلية .

امك

4 - وإن الإسلام لا يكتفي بمحو أسباب التفرق والنزاع بين الناس . بل يدعو إلى التسامح العام » وإلى الرحمة العامة » وإِنْ التسامح هو الذي يداوي القلوب المكلومة ء ويمتذب النفوس النافرة » وأبلغ ما يكون التسامح عقب الحروب . فلا يقول الإسلام « ويل للمغلوب . بل يقول تساعاً معه ورفقاً » . والله تعالى يأمر نبيه في معاملة مخالفيه بالصفح » فيقول سبحانه : : #فاصفح الصفح الجميل # والنبي يهُ ضرب أحسن الأمثال في الصفح الجميل مع قريش التي أخرجته . والتي اذته » وهمت بقتله » ثم حاربته وقتلت أحبابه وصفوة من أصحابه. فقد قال لحم بعد أن انتصر عليهم , وقد جمع الملا منهم « ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخ كريم » وابن أخ كريم فقال النبي السمح الكريم : « أقول لكم ما قاله أخي يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم . وهو أرحم الراحمين إذهبوا فأنتم الطلقاء » .

ويحث الإسلام على معالحة الأحن والبغضاء . بالسماحة والعفو. ولذلك يقول سبحانه : #خذ العفو . وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» . ويقول سبحانه في دفع البغضاء بالمودة والمحبة : #إدفع بالتى هي أحسن . فإدا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» ( فصلت 4") .

وهكذا نجد القرآن يحرض على معالحة القلوب بالمحبة والمودة والرفق من غير إندفاع . ويقول عليه السلام « من يحرم

لاه

الرفق يحرم الخير كله » وكان عليه السلام إذا بعث فى بعض أمره يقول لمن بعتهم : : « بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا) .

2065" وقد حث الإسلام على ال ر حمة . وال حمة 5 الإسلام ليست هي الشفقة أو الرأفة . إنما الرحمة هي أولا على الرحمة في كثير من أقواله . فهو عليه السلام يقول : من في السماء » . ويقول عليه السلام : « لا تنزع الرحمة إلاا من

شقي ) . رسول الله من ذكر الرحمة . وأننا نتراحم فيهما بيننا . فقال عليه السلام : (إنما أريد الرحمة يالكافة » أي الرحمة بالإنسانية عامة .

ولقد بلغه أن قريشاً أصابتها أزمة جائحة . وكان بينه وبين زعمائها خلاف أدى إلى حرب . فلا علم عليه السلام إبان ذاك خمسمائة دينار ليشتري بها قمحاً » ويوزعها على فقراء مكة .

ولأن الاعتبار في الرحمة الإسلامية هو ملاحظة الكافة كانت العقوبة الزاجرة لمن يعتدي . لأن رحمة الكافة توجب

64

عقابه . حتى لا يستشري شره » ويعم أذاه . ولذلك يقول عليه السلام : لا يْرحُم من لا يحم الناس ) . وفي رواية أخرى ومن لا يُرحم لا يُرحم ) .

وقد يقول قائل لماذا شرع الإسلام الحرب وفيها تذهب النفوس . وتشتجر السيوف . ويكون الحتوف . ونقول إنها شرعت لاجل الرحمة بالكافة » فإن الله 1 خلق الناس جميعاً اخياراً » بل كان فيهم الفجار والأبرار احادا وجماعات فردع الآحاد بالعقوبات وردع الجماعات بالحرب وقد قال تعالى : «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ء ولكن الله ذو فضل على العالمين *( البقرة ١6 ١‏ ) . فالحرب قامت في الإسلام لدفع الفساد . ولم يكن قط من وسائلها الإفساد .

08

5 - لعموم الرسالة. المحمدية كان كل ما اشتملت عليه السنة النبوية » وما جاء في القرآن الكريم عاما يخاطب به الناس أجمعون . لا فرق بين عرب وغير عرب ولا بين جنس وجنس ولا لون ولون . بل الجميع سواء أمام هذا القانون الإنساني المشتق من الفطرة الإنسانية الذي جاء لعلاج أسقامها » وتوجيه النزوع فيها إلى الخير الإنساني العام .

لا يختص بزمان دون زمان » بل هو لعمومالأزمنة » وقد قامت هذه الشريعة على أسس ثلاثة :

الأساس الأول العدالة : فهي ميزتها وخلاصتها . وإذا كان لكل دين شعار يعلن حقيقته . فشعار الإسلام العدالة . ولذلك قال الله تعالى في بيان ما يأمر به : ط إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينبى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون * ولقد أرسل أكثم أبن صيفي حكيم العرب عندما بلغته دعوة النبيى 85 .

ركد

وترددت أصداؤ ها في البلاد العربية أرسل بنيه يستقصون الخبر له فلا حضروا يسألون النبي تلا عليهم هذه الآية التي تلوناها . فقال أكثم عندما بلغه بنوه ذلك أن هذا إن لم يكن دينا فهو في أخلاق الناس أمر حسن « وقد قال علاء الإسلام إن هذه الآية أجمع اية لمعاني الإسلام التقت فيها كل خواصه وسنتكلم عن العدالة في باب خاص إن شاء الله تعالى » . الأساس الثاني - الفضيلة الإنسانية : تقوم الشريعة الإسلامية على الفضيلة الإنسانية » فهي وإن كانت قانونا يطبقه القضاء . ومقياسا ضابطا يفصل بين الحقوق والواجبات العملية هي أيضاً دين يتدين به والأخلاق الفاضلة والشرائع المحكمة صنوان . يجتمعان. ولكن قد ينفرد بالتطبيق أحدهما ‏ فالشريعة الفاضلة لا يكون فيها حكم يخالف الفضيلة الإنسانية » ولكن كل الفضائل لا تكون صالحة لأن تدخحل تحت سلطان قانون زاجر. فالفضيلة تحرم الغيبة والنميمة والكذب والنفاق . والمخاتلة والمخادعة . ولكن لا يمكن وضع عقوبات دنيوية لها يطبقها القضاء . لأا لا تقع تحت سلطان الاثبات الدنيوي . فيبقى العقاب عليه اخرويا وفي الجملة ما لا يجري عليه الإثبات من الرذائل لا يوضع له أحكام في القضاء ولكن يكون المرتكب انا أمام الله تعالى ولذلك يجري على ألسنة الفقهاء المسلمين تلك الكلمة : « هذا ممنوع ديانة وقضاء وذلك منوع ديانة فقط » . وهو الذي لا يمكن اثباته , وهذا يتفق مع أقوال فلاسفة العلم القانونٍ والخلقي . وقد قال

56

بنتام في كتابه أصول الشرائع :

« الاخلاق علم غايته تنظم أعمال الإنسان للوصول إلى الدرجة الممكنة من السعادة وهذه الغاية هي التي ينبغي » أن تكون لعلم القانون لكن هذان العلمان يختلفان في عموم الموضوع وخصوصه. فالأعمال كلها بعمومها وخصوصها تدخل في دائرة علم الاخلاق . فهو مرشد ء يأل بيد المرء في جميع أحوال الحياة » وكل علاقات المرء مع غيره » وليس هذا من الممكنات في علم القانون . وإن كان ممكنا وجب الإيتعاد عنه لأنه لا يجوز أن يكون للقانون سلطة مثمرة في سير الأفراد الشخصي . فعلم الاخلاق يقضي على الإنسان بفعل كل ما فيه منفعة للأمة » ولكن كثير من الأعمال النافعة للأمة لا يمكن أن يأمر مها القانون » بل هناك أعمال ضارة لا يجب على علم القانون أن يمنعها وإن منعتها الاخلاق ء» وفي الجملة أن مركز العلمين واحد . ولكن محيط أحدهما أكبر من محيط الآخرء والسبب في هذا الاختلاف بين العلمين أمران :

الأمر الأول : أن علم القانون لا يمكن أن يؤثر مباشرة في سير الأفراد الشخصي إلا بالعقوبة . ومعلوم أن العقوبة ضرر لا يجوز الحكم بإيقاعه إلا إذا نتج من ايقاعه خير أكبر منه» وإذا نظرنا إلى كثير من التصرفات الشخصية رأينا أن العقوبة عليها تنتج ضرراً أكبر من الفعل الذي حكم من أجله على مرتكبه . لأن تنفيذ القوانين في مثل هذه ال حال يستلزم استعمال وسائل من شأنها الإزعاج وإلقاء الرعب في النفوس ء

50

وهو ضرر أشد مما جاء القانون لإجتنابه » .

الأمر الثاني أن علم القانون محفوف دائ)ً بالخوف من إصابة بريء في الوقت الذي يراد فيه معاقبة الجاني » وهو في المعاقبة على السيرة الشخصية يصل إلى درجة الخطر من الوقوع في ذلك . ومنشأ هذا الخطر هو ما ينشأ من الصعوبة في تعرف الجرائم النفسية وتوضيحها والوقوف على كنهها . فمثلا القسوة وكفران النعمة والخيانة » وما شابهها من القبائح مرذولة عند الناس لكن لا تقع تحت سلطان القانون لتعذر الوقوف عليها تهاماً كالسرقة والقتل وشهادة الزور وغير ذلك .

ونجد ذلك الفيلسوف الحكيم يمس الجانب الخلقي الذي بخضع للعقاب الدنيوي والجانب الخلقي الذي لا يمكن إخضاعه للعقاب الدنيوي » وأن وضع العقاب الدنيوي في القسم الثان ضرره أكبر من نفعه . لأن وسائل الإثبات تزعج النفوس . فيحدث ضرر منها يفوق ضرر الجحريمة » ثم يقول :

« إقامة الدليل على مثل هذه الأعمال من أصعب الأمور . ولا يمكن الحصول-. عل الاثبات . إلا باتخاذ الوشاة » وإستعمال السعاية وتكثير عدد الرقباء . والالتجاء إلى التجسس في ذاته قبح ضار . . » إذ يخاف على نفسه البريء والجاني معاً . وكذلك كل من يتصل بهء فيصير البقاء في المجتمع خطراً ‏ لهذا الذعر 0 ولسريان النميمة » فيركن الناس إلى العزلة » وتقل الثقة بيمهم . ويكون القانون قد

16

حاول اجتناب الرذيلة فأق بأرذل منها)("2 .

7 -.وإن كل حكم شرعي . سواء أكان يطبق قضاء أم لا يطبق هو من الفضيلة الإنسانية ىا قررنا » وقد وضح النظر ذلك الفيلسوف . ولكن تفترق الشريعة عن علم الاخلاق في أمرين : الإجتماعي إلا إذا اقترن به ما يربيه » وعلم الاخلاق فلسفة ولذلك نرى كثيرين من الفلاسفة يقررون في احكامهم ما لا يفعلونه .

أما الشريعة الإسلامية, فإنها باعتبارها دينا يخضع الضمير أن أعماله تحت رقابة الله تعالى الذي لا تخفى عليه بالهار والليل . وما يخفيه ‏ إذا علم ذلك فإنه يخضع لقانون البلاد . فإن العقلاء والعلماء لا يرون التفرقة إلا عملا همجيا لا يليق بأمة متحضرة ولكن الأكثرين عند العمل لا تتفق

)١(‏ من كتاب أصول الشرائع لبنتام ترجمة المرحوم أحمد فتحي زغلول (باشا) ج ١‏ ص86ه ووه .

5/

مشاعرهم مع إزالة 0 ولو كان هناك دين مسيطر عل القلوب ١‏ لكان القول متفقا تفقاً مع العمل . لأن صوت الضمير لمندين قوي , ولا يمكن أن يكرن العمل متجانياً عن العلم .

الأمر الثاني الذي يختلف فيه حكم الشريعة عن علم الأخلاق إن علم الأخلاق ليس لمخالفته جزاء إلا ما يقع في دائرة القانون الذي ينفذه القضاء . أما الشريعة فإن الجحزاء الأخروي ثابت قائم » وهو ني قلب المؤمن الصادق والإيمان أقوى زجراً من سيطرة القانون » وكثير من المؤمنين الصادقين إذا ارتكبوا أمراً قد خفي كانوا يذهبون إلى النبي يل يقولون له ما فعلوا ويطلبون أن يطهرهم بالعقوبة , ليلقوا رهم وقد كفروا عن سيئاتهم .

وقد يقول قائل : إن الشريعة الاسلامية قد عاقبت على ما يقع من الأفعال الشخصية كالزن وشرب الخمر وهذا يخالف ما نقلت عن الفيلسوف بنتام » من أن تتبع السيرة الشخصية ليس من شأن النظم التي يطبقها القضاء لأن ضرر التتبع أشد من ضرر الارتكاب .

ونقول في الإجابة عن ذلك السؤال.» أن الإسلام في تطبيقه القضائي ما سوع لأحد التتبع والتجسس على الناس ١‏ فقد قال تعالى : «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن . إن بعض الظن أثم . ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا . أبحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه» وقال عليه

54

السلام 0 إياكم والفطن ١‏ فإن الطنٍ أكذبٍ الحديثء ولا

ولكن الإسلام يغاقب على الجرائم الشخصية أو على السيرة الشخصية على حد تعبير بنتام إذا اعلتها صاحبها . وكشف أمره فيهاء فإن العقوبة حينئذ تكون على الإعلان والارتكاب . ويكون في الاعلان تحريض على الرذيلة ودعوة إليها . ومن حق النظام العام الفاضل أن تتبع هذه الجرائم في مواقعها » حتى لا تغري أحداً بهاء وقد قال كه : «أبها الناس من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات » فاستتر فهو في ستر الله تعالى » ومن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد ») '

وإذن فلا تجسس ولا تتبع للعورات » حيث يكون ضرر الوسيلة أكبر من ضرر الارتكاب . بل أن العقاب كان حيث الإعلان » وتحقق الاثبات . وهو الرادع الزاجر الدافع لهذه الآثام » ولذلك سمي العقاب في هذه الحال حداً » واعتبر حقاً لله تعالى أي حقاً للنظام العام .

8 والشريعة الإسلامية لإنها قائمة على الفضيلة ومشتقة من الفطرة الإنسانية كانت في نظم المعاملات . ونظم الاخلاق عامة لا مخص إقليأ دون إقليم » وليست للعرب وحدهم 2 ولكنهبا للناس أجمعين 2 لأن الأساس الخلقي الفاضل الذي قامت عليه يعم العالم كله ٠»‏ ولا يخص جنساً أو

34

لوناً , أو أرضاً معينة فهى تحقق الوحدة القانونية » ى) هى جامعة لمعاني الفضيلة .

ولا يقصد بالوحدة التشريعية التي تدعو إليها الشريعة الوحدة التي تجمع الكليات والجزئيات » بل نقصد الوحدة التي تشمل الكليات التى لا تختلف فيها عقول الناس . ولا يختلف فيها معنى العدالة كالحدؤد والقصاص وفيا عدا أحكام الحدود والقصاص والربا والزكاة والعبادات التِى جاء بها القرآن والسنة تكون الكليات الجامعة وهى كلها تدخل في دائرة العدالة والفضيلة . وهما ثابتان في كل الأرض . وكذلك المساواة, والكرامة والإنسانية والحرية المضبوطة بأحكام العقل . والمصلحة الإجتماعية » المانعة من الإنطلاق والفوضى الفكرية وهكذا . فكل هذه قواعد وكليات يجب تطبيقها في كل الأرض » حيث يسكن الإنسان . ولكن التطبيق يختلف . فقد يكون الإجرام في مكان بطريقة يختلف عن الإقليم الآخرء ويختلف الحزاء غير المنصوص عليه . فتختلف جزئيات العقاب من غير مخالفة للنص الأصلي . أو الكلي » ولا يصح أن يكون أمر من الأمور موصوفا بالإجرام في إقليم . ولا يتحقق فيه ذلك الوصف في إقليم آخر. وقد تختلف طريقة الردع ما دام لا يوجد نص على طريقة معينة » كا لا يصح أن يعتبر فعل من الأفعال جريمة في أفريقيا : أو عند الزنوج » ولا يعتبر جريمة في أوربا » أو عند البيض فمدلول المعنى الإجرامي واحد .

١

والفضائل والرذائل لا تختلف باختلاف الأقاليم » ولا باختلاف الألوان . لأن قانون الخير والشر واحد في هذه الأرض . والشريعة الإسلامية قامت على أساس من المقياس الخلقي الذي يعم حكمه بالخير والشر على الأفعال وعللى الأشخاص . الأساس الثالث ‏ المصلحة في الشريعة الاسلامية :

8 - إن الاستقرار أثبت أن الأحكام كلها في الشريعة الإسلامية تقوم على المصلحة الإنسانية » وذلك هو الأساس الثالث الذي تقوم عليه الأحكام الشرعية .

فيا من أمر شرعه الإسلام بالكتاب أو السنة إلا كانت المصلحة ثابتة . حتى أن بعض الباحثين المحققين من كتاب الفقه في الماضي يقررون أن الأحكام التكليفية في الشريعة ترتبط بالمصلحة إرتباطاً وثيقاً » ومراتب التكليف تختلف باختلاف ما فيها من مصالح , فالأمر المطلوب طلباً حتمياً » يكون كذلك لتيقن المصلحة فيه ويختلق اللزوم الحتمي » باختلاف قوة المصلحة » ف] تكون فيه المصلحة أقوى يكون مقدماً على ما دونه قوة فيها » وما لا تكون فيه المصلحة مؤكدة يكون الطلب فيه ثابتاً من غير لزوم وهو المقدرات الشرعية » وما يكون فيه الضرر مؤكداً يكون حرم » ويختلف التحريم قوة وضعفا باختلاف قوة الضرر . ف) يكون أقوى ضررا يكون أشد تحرياً . وما لا يكون فيه الضرر مؤكداً يكون مكروهاً » من غير

ذا

الحكم بالتحريم وما لا يثبت رجحان الضرر على النفع فيه يكون المكلف مخيراً”2 .

و إن كل حكم تصدى القران لبيانه أوالسنة لتوضيحه مشتمل على مصالح العباد. وإن اختفت على بعض الناس. فإن ذلك لا يمنع وجودهال. فخفاء الأمر لا يستلزم عدم وجوده. )| يدعي بعض الناس في هذه الأيام أن المصلحة في إباحة الفائدة وقل جاراهم بعض المتفقهين . ٠‏ فزعم زعا باطاا إنها ليست داخلة في عموم الربا المحرم بالنص القرأني والذي اعتبر من أكل الربا قد اذن بحرب من الله ورسوله وما ذلك إلا لعدم الفهم السليم للمقاصد العامة للشريعة الإسلامية .

ولقد ظن بعض الناس أنه لا مصلحة في جلد الزاني أو جلد القاذف أو جلد شارب الخمر. والواقع أن المصلحة ابتة » فإنه ما شاعت الفاحشة في قوم إلا فرقت جمعهم . وأماتت نسلهم . وما ترامى الناس بها إلا شاع فعلها بينهم فإن القول يسهل الفعل .

ومع أن الخمر أضرارها واضحة بينة يتكلم في مصلحتها وفي منع تحريمها ناس . فصاروا في ذلك أقل إدراكاً من بعض الحاهليين الذين كانوا يحرمون الخمر على أنفسهم » وقال )21 راجع ف هذا قواعد الأحكام 5 مصالح الأنام لعز الدين بن عبد

السلام ج ١‏ ص 4 .

فى

أحدهم » وقد قدمت الخمر إليه ليشربها » فقال لا اذ ضلالي

بيدي .

وما السبب في كلام بعض المفكرين في هذه المحرمات . ذلك هو تأثرهم بماثم المدنية الحاضرة التى تبيح هذه الموبقات , والتقليد هم » فكانت هله الحال يبمثابة الغيم الذي يحجب ضوء الشمس . وإنها غواش تعتري الفكر بسبب التأثر وقد أصاب تفكيرهم رق موضوعي نرجو أن يتحرروا منه وأن يعملوا على نشر المبادىء الإسلامية التي يكون في الأخذ بها رفع العالم من الخبائثت التى حرمها الله تعالى لينالوا الطييات الى أباحها 2 فإن ما حرمه خحبيث تدرك الفطرة الإنسانية حنثه 2 وأي إنسان يجعل الصاحي المدرك كالمخمور الغافل ؟ ولكن تشوه العقول أحياناً فلا تدرك . كا لا يرى ذو الرمد ضوء الشمس . المصالح الي اعتبرتها الشريعة :

وإن المصالح التى يقررها الإسلام أساساً للتشريع . والتي تشتمل عليها الشريعة في نصوصها وني كلياتما ترجع إلى المحافظة على خمسة أمورء هى المحافظة على النفس . وعلى الدين . وعلى النسل وعل العقالى ٠‏ وعلى المال » وقد قال الغزالي في هذه المصالمح في كتابه المسمتصفى ما

رف

نصه : « إن جلب المنفعة ٠»‏ ودفع المضار مقاصد الحق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم . لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع . ومقصود الشرع من الخلق خمسة » وهو ان يحفظ عليهم ديتهم وانفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم . فكل ما يتضمن حفط هذه الأصول الخمسة . فهو مصلحة . وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة . ودفعها لمصلحة . وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات . فهي أقوى المراتب في المصالح . ومثاله قضاء الشرع بقتل الكافر المضل . وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته » فإن هذا يفوت على الخلق دينهم » وقضاؤه بإيجاب القصاص . إذ به حفظ النفوس . واننجاب ححد الشرب . إذ به حفظ العقول التى هي ملاك التكليف وإيجاب حد الزن » إذ به حفظ النسب والأنساب . وإيجاب زجر الغصاب والسراق . إذ به يحصل حفظ الأموال التى هي معايش الناس وهم مضطرون إليها . وتحريم تفويت هله الأمور الخمسة والزجر عنها يستحيل ألا تشتمل عليه ملة من الملل » وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق . ولذا لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر والقتل

والزنى والسرقة وشرب المسكر )20 . وإن هذه الاصول الكمسة تعد المحافظة عليها من

الشرائع » سواء أكانت شرائع يضعها البشر ء أم كانت شرائع )١(‏ المستصفى ج ١‏ ص 788-787 .

خب”>2”

نازلة من عند الله سبحانه وتعالى » وهي كأصول الأخلاق لا تختلف فيها البيئات » ولا تنكرها العقول . إلا إذا أصيبت وإنها قد تنكر جزئيات لها في التطبيق في موضع معين . ولكن لا يمكن ذو عقل أن ينكر الكليات المتعلقة با .

. ويجب أن نقر في هذا المقام أمرين ثابتين‎

أولهما - إن كليات المصالح حقائق ثابتة لا مجال للريب فيها فليس لأحد أن يقول إن المحافظة على الدين أو العقل أو النسل أو المال ليست أمراً مطلوباً تقره البدائة .

ولكن عند تطبيق هذه الكليات قد تختلف الأنظار في الفعل الواحد . أهو من قبيل هذه المصالح أم ليس من قبيلها . ويختلف الفعل باختلاف الأحوال والمقاصد . فقتل النفس بلا ريب أمر يجب عقاب فاعله في الاصل ؛ ولكن قد يكون القتل دفاعاً عن النفس . وقطع الرجل يكون أمرأ ضد المحافظة على النفس ولكن إذا كانت الرجل مثوفة » ويخشى أن يتلف الجسم كله بها يكون قطع الرجل من قبيل المحافظة على النفس . وكذلك تناول الطعام تكون فيه محافظة على النفس . ويستوي في ذلك كل طعام طيب حلال لأن في ذلك محافظة على النفس . ولكن قد يصاب الشخص بمرض يوجب عليه أن يترك بعض الأطعمة محافظة على النفس .

ولهذا يقرر كثيرون من الفقهاء أن تحقق المصالح الخمسة السابقة فيها نسبي إضافي » فلا يوجد فعل يتعين للمصلحة

عم

المؤكدة . بل إن الأفعال تتنازعها المصلحة . إلا الأصول العامة للأخلاق فإن محقق المصالح الخمسة السابقة فيها أمر مؤكد . وقد يكون الفعل ضارا بقوم » وفيه منفعة لآخرين . وقد يكون ضارا في بلد ونافعاً في بلدء وقد يكون ضارا في زمان دون زمان ء» وهكذا .

وفي هذه الحال ينظر إلى الفعل من حيث كونه ضاراً أو نافعاً » ومن حيث حكم الشريعة الغراء عليه ينظر إلى أكبر قدر من النفع . فإنها تقرر طلبه وينظر مع ذلك إلى أطول مدة من النفع . وينظر كذلك إلى المنافع المعنوية لا إلى المنافع المادية وحدها . ففي) يتعلق بحماية الدين والعقل النفع الظاهر فيها معنوي . وإن كانت النتيجة فيها نفع مادي أيضا فأن إستقامة العقول والنفوس تؤدي إلى توزيع المادة توزيعاً عادلاّ بالقسطاس المستقيم » وإلى العمل على الانتاج المثمر الذي يفيد الجماعة الإنسانية .

؟” - ولقد كان تقييد الملكية في الإسلام على أساس ذلك المبدأ الذي يقرر أن الأمر الواحد قد يعتريه وصف الضرر والنفع من حيث تحقق المصلحة المتعلقة بحماية الأموال . فإن الشرع الإسلامي اعطى الملكية الفردية » على أساس أنها في الأصل تحقق أكبر نفع . وجعلها حقاً ثابتا من قبل الشارع الحكيم وقال عليه السلام : دلا يحل مال أمريء مسلم إلا بطيب نفسه ) فأئبت حمايتها » ولكنه قيد أسباءها » وجعل

كو

الطريق لكسبها طيباً » بحيث تكون طرق كسبها فيها نفع إنساني لأكبر عدد من بني الإنسان» فجعل طريق كسبها الزراعة وإحياء موات الأرض . وفي ذلك إستخراج ينابيع الثروة وإطعام الناس وكسوتهم وجعل من طرق كسبها العمل بكل ضروبه » ويبتديء من العمل اليدوي إلى أعل درجات الأعمال العقلية » فيبتديء من نقله الأحجار. إلى مخترعى وسائل الانتقال إلى الأقمارء وجعل من أسبابها نقل الحاجات الإنسانية بالتجارة من الأقطار ليتحقق تعاون بني الإنسان الذي دعا إليه القران الكريم في قوله تعالى :يا أها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى » وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم 4 وقد تلوناها من قبل .

ولم يجعل من أسباب الملكية الكسب بالانتظارء وهو الكسب بالربا والاحتكار . لأن هذا النوع من الكسب لا يزيد المادة التي ينتفع بها ابن الأرض . بل أنه كسب يجيء بالعقم » ويؤدي إلى الأضرار الجسيمة وفوق هذا فإن هذا الكسب غير طبيعي . فالنقد لا يلد النقد. كما قرر أرسطو في الربا . واحتكار ما يلزم الناس أضرار بهم .

ومع أن الله تعالى أعطى الملكية قيدها بأسباءها المنتجة للخير العام وقيدها في إستعمالها » فقيدها بألا يؤدي إستعماها إلى الأضرار بالغير فإن أدى إلى ذلك قيدت أو سلبت ٠»‏ مع ملاحظة الموازنة بين مقدار الضرر ومقدار النفع ظ فإن كان

اب

مقدار الضرر اللاحق بالمالك أكبر تركت من غير معارضة , كمن يبني في ملكه . وإن علا بالبناء فأضر بالجار من حيث الهواء والنور ‏ فإن أزالها بحيث قطع عن جاره النور والهواء » فإنه يمنع » وإن قلله| مع بقائه| لا يمنع . لأن ضرر التقييد للمالك أشد من ضرر الاطلاق .

وإذا أدى إطلاق الملكية إلى الاحتكار الآثم قيدت أو أزيلت . وأنه في حالة الازالة يلاحظ عند النظر فيها أن يتعرف سبيلها » فإذا كان السبب في كسب الملكية حلالاً طيباً . فأنه يعوض . لأنه أدى للمجتمع خدمات في سببها . فيعوض عن هذه الأسباب وذلك بأعطائه قيمتها يوم أخذها - كما قرر ذلك مجمع البحوث في مؤتّره الأول الذي انعقد في مارس سنة 64 ..- وإك كان سبب الملكية خبيثاً ‏ فانه قد أكتسبها بالاغتصاب أو الاختلاس . ولا نفع قدمه في طريق الكسب فلا يكون تعويض . وكذلك إذا كان السبب مشتبهاً فيه . ولقد كان النبي وكيم والصحابة من بعده . يصادرون ملكية الولاة » إذا كسبوا ما زاد في أموالهم بالولاية ولم يبينوا من أين ملكوه . كذلك فعل النبي يي مع بعض ولاة الصدقات وكذلك كان يفعل عمر .

والخلاصة في هذا المقام أن مقادير الناس الخلقية والشرعية تكون بمقدار نفعهم للناس . ولذلك ورد في الأثر عن النبي كَل أنه قال : « خير الناس أنفعهم للناس »

74

الموى واللذة :

م" هذا هو الأمر الثاني الذي تجب ملاحظته عند تقرير المنافع فقد التبس على بعض الناس معن المنفعة فظنوها مرادفة للهوى واللذة » وتحقق الأغراض الشخصية وكان من"نتائج هذا الالتباس أن جاءوا إلى بعض المحرمات في الشريعة الإسلامية » فظنوا تحريمها ضرراً . وما هو إلا المنفعة الحقيقية مطوية في ثنايا التحريم فمن الناس من اعتبر الخمر نافعة ٠‏ وإن نفعها أكبر من ضررها . لآنها تزيل الهموم أو توجد إيناساً نفسياً , وكأنهم يعتبرون الفرار من الشعور بالتبعة منفعة » مع أن الإنسان ذا الخلق العالي الذي ينبغي أن يتحلى بالفضائل الي تليق بالإنسان يجب أن يتحمل التبعة » ولو أدت إلى تعب , فإن التعب في ذاته أحد المنافم لذوي النفوس الكبيرة » وخير للإنسان أن يكون نافعاً ومتألاً في سبيل هذا النفع من أن يكون أبله » أو كالحيوان لا يتحمل التبعات ويفر منها » كم| يفر الأحمق من أبيه وأمه وأخيه وبنيه , ولا يريد أن يتحمل تبعات أحد . والنتيجة أنه يريد أن يكون غير نافع » بل يكون كلا على المجتمع » وما أضر المجتمع أحد كأولئك الذين يلقون عن اعناقهم التبعات الإنسانية .

ولهذا نقرر أن المنافع ليست هي ما يوافق الأعراض والشهوات دائ) . فليست المصلحة مرادقة للذة والشهوة » فإن الشهوات والأغراض أمور شخصية وقد تتعلق بأمور لا نفع

7

فيها ولا جدوى . بل فيها الضرر الكبير » وأنها خاضعة لمجرد اللموى من غير تقدير عقلي . والحوى في أكثر أحواله يدفع إلى الفساد . إذا سيطر على النفس . وسار بها في غير طريق العقل لأنه في هذه الحال إنحراف في الفكر . وهو يؤدي إلى الجرائم في هذه الأحوال. فليس متلاقيا مع المصالح . وأنه عندما تسود الأهواء تذهب المصالح 2 وعندما تتحكم الشهوات يكون الفساد .

وإن الشهوات التى تؤدي إلى الفساد والأهواء الى تردي هي التي تتوجه إلى ما يخالف العقل والمنطق والإرادة الحرة » وإذا كانت الشهوات في مقام الذم على السنة المصلحين , فإنما ذلك يكون إذا تحكمت في العقول . وسيطرت على النفس . أما إذا كانت استيفاء الحاجات الجسم وخاضعة للإرادة على أنها أمة ذلول . وليست سيدا مطاعا » فإن ذلك هو الفطرة الإنسانية .

والإسلام م يقطع الشهوات والاهواء 2 ولكن أرادها قائمة على أن تكون خاضعة للعقل . وما يوجبه ضبط النفس . ولذلك قال عليه السلام : ولا يؤمن أحدكمء حتى يكون هواه تبعا لما جئت به » أي تكون مقاصده ومطالبه ورغباته تابعة لا يدعو إليه النبي يَكِةِ . وما يدعو إليه النبي عليه السلام مما يتفق مع أحكام العقول . ويقوي الإرادات الإنسانية .

ولعله من الخير أن نقرر أن علماء الأخلاق عند نظرهم إلى ما هو نافع وما هو ضار . قد قرروا أن الآفة الى تدخل إلى

خم

التفوس فتفسدها هي سيطرة الهوى , والمخضوع للشهوة : والخضوع للإحساس في الحكم على الأمور بأنها مصلحة أو منفعة » ولقد قال في ذلك العلامة بتنام في كتابه أصول الشرائع

«وإنا لتعجب كل العجب من قوم سخفاء العقول يريدون أن يجعلوا من إحساسهم قانونا للناس » ويدعون إنهم عن الخطأ معصومون لأن أصلهم الذي ركنوا إليه وسموه الوجدان ( أي الاحساس ) ليس عقلياً » بل العقل يأباه كل الأباء » والذي نراه أنه لا يصح مطلقاً الاعتماد على ا أو النفور . لأن المسترشد بها يخطىء في كثير من الأحوال لأنه قد يكون مبطلاً في ميله ونفوره » كما يقع من المتشددين والمتعصبين لطائفة من الطوائف , فتكون أعماهم هذه لا أساس نا لمم ملة نعم إن النفور تارة يجتمع مع المنفعة . » لكن لا يحسن جعله السبب في العمل وإن كان أحياناً حسناً في ذاته . كإقامة الدعوى على السارق أمام المحاكم , » فإنه ما يستحسن لكن لا يصح بناؤ ها على أن السارق مكروه تنفر منه النفس » فإن ذلك ما لا بحمد أثره , بل ما يعظم ضرره » إن جاء بخير مرة » فقد يجلب الشر مراراً » وإن أضمن الطرق لصحة الأعمال وجعلها للخير دائياً أن يبني على مراعاة المنفعة التي تحد السير والتي هي معقد النظام ولا خوف من المغالاة في مراعاتها لسهولة الوقوف على مقدارها وبجب أن يكون كل من الميل والنفور خاضعاً لا )

ىم

ولقد قرر هذه المعاني العلامة الشاطبي في كتابه الموافقات . وهو يسبق كلام بنتام » وقد قال في ذلك فقيه الإسلام :

) المصالح مشروعة . والمفاسد ممنوعة غير صالحة لإقامة هذه الحياة فهي تقام للمصالح لا لنيل الشهوات » ولو كانت موضوعة لذلك لم يحصل ضرر على متابعة الأهواء ولكن ذلك لا يكون » فدل على أن المصالح لا تتبع الهوى ») .

النظم في الإسلام :

5" - النظم سواء أكانت متعلقة بالمعاملات المالية » أم كانت متعلقة بالزواجر الإجتماعية كلها مبنى على ذلك الأصل الخلقى . وهو مراعاة مصلحة العباد بأكبر قدر » سواء أكانت منفعة معنوية أم كانت مادية » وسواء أكانت عاجلة أم كانت اجلة » وما دامت المنافع الآجلة معتبرة فإن الاتجاه إلى نعيم الآخرة يسهل ما يلاقيه الإنسان من متاعب في هذه الدنيا ما دام أساسها الاستمساك بالفضيلة والعمل على نفع الناس » ولو أدى ذلك إلى تقديم نفسه فداء لدفع الأضرار وحفاظا على الخير. فأولئك العظماء الذين يفقدون هناء العيش في حياتهم ليسعدوا أكبر عدد من أهل هذه الأرض ينالون متعتين أولاهما ‏ متعة فعل الخير للمجموع . لأن هذه متعة روحية لا يشعر بها إلا الأبرار النافعون . والمتعة الثانية متعة النعيم في اليوم الآخر ء. فينالون منفعة معنوية ومادية .

ولذلك كان الصديقون من أصحاب محمد يَِةِ كأبي بكر وعمر وعلي يتقدمون بأنفسهم لكل خير إنساني شاعرين بأنهم يقدمون الخير لأنفسهم ويستبقون إليه » فيسارعون فيه .

وبالنسبة للمعاملات في الإسلام قرر ست قواعد ثابتة لا تختلف العقول بالنسبة ما من حيث كونها محققة للمصلحة في شرعيتها :

- الأولى - ألنبي عن أكل أموال الناس بالباطل . فمال الغير ثابت له لا يحل أخذه بغير سبب موجب لنزع الملكية والآحاد فيها بينهم يسيرون على أساس احترام حقوق الغير .

- والثانية - ثبوت الملكية الفردية » بشرط أن يكون كسبها من طرق النفع العام وقد أشرنا إلى ذلك من قبل . وبشرط ألا يترتب عليها ضرر بالغير يكون أكبر من النفع . وفي الحال الأخيرة تنزع وتعوض » أما الكسب بطرق غير شرعية أو بطرق لا يمكن أن تأي بخير للمجموع , فأنها تتزع ولا تعوض . وقد أشرنا إلى ذلك من قبل .

- الثالثة ‏ منع الكسب بالانتظار منعاً باتا . لأن الزمن لا ينتج » بل الذي ينتج هو أمر إيجابي ينشىء ثمرات لهم » وأن الإسلام في هذا لا يلغي رأس المال الخاص . ولا يجعله يفرط في السلطان . حتى يكون له كسب من غير أن يتحمل صاحبه الخسارة .

كم

- الرابعة ‏ الإسلام في تنظيمه للمعاملات » يمنع الضرر والجهالة حتى لا يفضي التعامل إلى النزاع ء ويمنع التصرفات الى تشبه القمار » لأنه يحرمه بكل ضرويه .

الخامسة ‏ انه يوجب إنتقال الملك بالخلافةء وبالوراثة » أو الوصية بما لا يزيد على الثلث . وذلك الحفظ كيان الأسرة. لأنه قرر العدالة في مال الأسرةء فالفقير منها يعينه الغني إذا كان عاجزاً عن الكسب » ومن كان غنياً ينتقل ماله بالجبر داخل الأسرة في دائرة الثلثين .

وقد كان الإسلام في ذلك وسطا بين الذين منعوا الملك بالخلافة منعاً باتا وهم الشيوعيون . في أبتداء أمرهم وبذلك قطعوا أوصال الأسرة » وبين قوانين الذين أجازوا للمالك أن يتحكم في ملكه حيا وميتاً » حتى أجازوا له أن يتضرف فيا يملك لمن يشاء من بعده لا فرق بين قريب وبعيد » ولا غني ولا

القاعدة السادسه ‏ إن الإسلام أقام التكافل الإجتماعي على أساس معاونة العاجز على ما يمكنه من العيش الكريم ولذلك أوجب على الدولة أن تنفق على الفقراء » وسوعٌ للقضاء أن يحكم بالانفاق إذا لم تقم الدولة بواجبها فلم تسد حاجة المعوزين . الأساس ف فى الزواجر الاجتماعية :

ه“ - وضع الإسلام أساس العقوبات الإسلامية ..

م

فجعله العمل على المصلحة الإنسانية العامة وقد رأينا أن العقوبات كانت لحماية الأصول الخمسة المقيدة » وهي النفس والدين والمال والعقل والنسل . وما من عقوية مقررة في الإسلام الا كان الأساس فيها حماية مصلحة من المصالح الخمسة المعتبرة » فلم تكن العقوبة في الإسلام ببوى الحكام , ولا لشهوة أصحاب السلطان . بل كانت ليقوم ميزان العدل بين الناس على أساس من القسطاس قويم . وكانت العقوبة التي تغيت المصالح الإنسانية تقوم على دعامتين :

إحداهما: حماية المجتمع من الشرور . والآفات الي تفتك بالمجتمع » وتروع الآمنين » وتفزع الناس . وكانت هذه الحماية » ليعيش الناس في أمن واطمئنان » وكل عقوبة غليظة كان سبب غلظتها هو مقدار ما في الجريمة من فساد وترويع وافزاع للناس . أو أنها بتطبيقها تكون في ركن مستورء وظهورها يفسد المجتمع » ويقطع أواصر المودة بين احاده » ويثير الفتن بينهم . ولا يتقرر عليها عقاب إلا إذا ظهرت . فكانت لفطم النفوس عن أن ترتع في مراتعها .

الدعامة الثانية : عموم العقاب في الأحكام الشرعية » فالحدود. وهى حد الزنى وحد القذف وحد الخمر.» وحد السرقة إذا ارتكبها الأمراء أو الملوك أو الرؤ ساء تكون عليهم العقوبة كبقية الرعية لا فرق بين حاكم ومحكوم . فالإمام

الأعظم إذا ارتكب ما يوجب حد الزنى أو حد الخمر أو حد القذف يقام عليه الحد. كما يقام على سائر الناس . لأنه لا فرق بين الراعي والرعية في حدود الله تعالى ولا يوجد في حكم الإسلام من يوصف بأن ذاته مصونة لا تمس . لأن الاحكام الإسلامية تستمد من الله تعالى » وهو القاهر فوق عباده » وهو ذو السلطان الأعلى فيا يشرع وفي| ينفذ . وإذا قتل وال أو الإمام الأعظم أحدا من رعيته أو قطع عضوا من أعضائه . وجب على كل المسلمين أن يعينوه حتى يقتص ممن ظلمه واعتدى عليه » فالناس أمام شرع الله تعاللى على سواء , وكان النبي والصحابة من بعده» يتقدمون لتقتص منهم الرعايا . إن كان منهم أحد أرتكب ما يوجب القصاص .

وقد نشرح ذلك عند الكلام في الغدالة إن شاء الله تعالى .

6 2 وقد يقول قائل : إن هناك اعتراضين يعترض مما على الزواجر الإجتماعية في الإسلام :

أولهم| - إن العقوبات الإسلامية فيها قسوة شديدة , بحيث لا تتكافاً الجريمة مع ما وضع لها من عقاب فسرقة ربع مثقال من الذهب أو نحو عشرة دراهم لا يمكن أن تكون متكافئة لهذه العقوبة القاسية وهي قطع اليد » وفوق ذلك فإن العقوبة على الجرائم الشخصية كالزنى لا تتفق مع الرية الشخصية .

كم

- وثانيها - إن نظام القصاص يجعله حقاً شخصياً . بحيث يكن للمجني عليه أن يعفو , ٠‏ ع ل جل لك من

ونجيب عن الاعتراض الأول بأن التكافؤ في السرقة أو والعقوبة إنما العقوبة كانت بسبب ما أحدثه الفعل من ذعر عام في المكان الذي وقعت فيه السرقة » فكم من الناس انزعجوا وكم من الناس أقاموا الحراس . ووضعوا المغاليق . إلى ما يترتب عليها من ردع للجاني واطمئنان للناس وفيها زجر

وكذلك الأمر بالنسبة للزنى » فإن العقوبة لمنع شيوعه . لأنه ما شاع في قوم إلا عمهم الإنحلال الخلقي ودمر الله تعالى عليهم . وكتب عليهم الشقاء » بل الفناء . فكانت العقوبة لنعه حفظا للأنساب ومحافظة على النسل ليتربى تربية كريمة تكون قوة للمجتمع . وثروة إنسانية له ع لأن علم الاقتصاد الحقيقي أثبت أن أعظم دعائم الاقتصاد القوى البشرية » لمن يستطيع استخدامها .

والخمر أم الخبائث . فكانت العقوبة ليست لجريمة وقعت على أحد ولكن للأثر العام لهذه الجريمة . ولأن العقل

ام

قوة الجماعة . ومن يفقده يكون كلا على الناس . ومصدر أذى

ويلاحظ أن الحدود الإسلامية التي قررت عقويتها بنص القرآن أو السنة ومعها الإجماع لم تقرر لأن فيها جناية على أحد بعينه إنما حرمت لأجل حق المجتمع أو لأجل النظام العام الذي لا يقوم إلا على الفضيلة » فهي ليست عقوبة لمنع الاعتذاء المباشر ولكنها عقويات قررت ملع الرذائل العامة الي تفتك بالمجتمع .

ام والحدود الى ثبتت بالنص هى حد السرقة وحد الزنى » وحد شرب الخمر. وحد رمي الناس بالزنى من غير دليل قوي مثبت . وهو شهادة أربعة من الرجال يشهدون بالمعاينة للفعل وذلك لثلا تشيع الفاحشة بين الناس بالترامى بها ء فإن ذلك يؤدي إلى فعلها . فقطع السبيل عليها بعقوبة زاجرة هي الحلد ثمانين جلدة .

وحد الردة » لكيلا يدخل الناس قِ الأديان هزواً ولعب 4 أو نفاقاً ونحتلا ؛ فينحل الإيمان إنحلال وتذهب قوة الدين 4 وسيطرته 5 النفوس .

وعقونا الحرابة , ويشمل عقوبة العصابات التي تتفق وارتكاب المحرمات 2 واختطاف الرجال أو النساء

84م

الصبيان » وتكون لها قوة في داخل الدولة فتغير على المصارف وعلى مؤسسات الانتاج » وتلقي بالرعب في النفوس . ولو أن الحكومات التي تكثر فيها هذه العصابات كأمريكا اتبعت حكم الإسلام » ولوكان غليظاً في مظهره , لحميت النفوس والأموال ومنعت الأغتيالات بكل ضروما ٠‏ وبكل بواعثها ومهما يكن في هذه . العقوبة الإسلامية من غلظة تصل احياناً إلى حد القتل والصلب فإنها لا تساوي عشر معشار ما يرتكبه هؤلاء المحاربون للأمن وللناس من فظائع تضطرب فيها الأمور , وعلى الذين يذهب بهم فرط رأفتهم للآثمين أن يمنحوا البراء بعضا من هذه الرأفة فإنهم إن أعطوها برروا كل عقوبة تنزل بذلك الأثم العام مهما غلظ . لأن في هذه الغلظة رحمة بالناس وهو ينطبق على قانون المنفعة العامة وعلى قانون الفضيلة . وهما أولى بالرعاية » وقد قال عليه السلام : دمن لا يرحم لا يرحم ) وهذا هو نظام العقاب الإسلامي .

والحدود التي تكون على جرائم شخصية أحيطت بطائفة من الضمانات حتى تكون العقوبة في أضيق دائرة ممكنة ٠.‏ فأي شبهة تسقط الحد والاثيات فيها أقترن بضمانات قوية تمنع الكذب فيها. وفتح للمرتكب باب التوبة . فقرر جمهور الفقهاء أن التوبة فيها تسقط الحد .

وعبارات القرآن تفيد أن العقوبة تكون عند التكرار . وأن عقوبة السرقة التي هي قطع اليد . لو أريد تطبيقها في دائرة

84

يجمع الفقهاء على تطبيقها في هذه الدائرة ما تجاوز التطبيق واحدا في كل عشرة ة لاف سارق .

ولو أحصيت النفوس التى تزهق في سبيل السرقات باكراه لكان أضعاف هذه النسبة » ويد واحدة تقطع في مدينة عددها ثمانية ملايين تحمي ملايين الأموال وألوف الأنفس .

8 لنترك الكلام في هذا الاعتراض . ولننتقل إلى الاعتراض الثاني وهو الخاص بعقوبة القصاص . ونقول في ذلك إن الإسلام لاحظ في ذلك ناحيتبن - إحداهما ‏ عامة . فقد قرر القصاص ليكون زجراً للمعتدين لأن المعتدي إذا وضع 5 رأسه عند ارتكاب الجريمة أنه سيقع في الأمر الذي يريد أن ينزله بالمجني عليه ظلماً وعدوانا . فإن ذلك سيحمله على مراجعة نفسه وإذا راجعها تردد ثم أحجم ؛ ولذلك كان القصاص فيه حياة للجماعة لأن الله تعالى يقول : #«ولكم في القصاص حياة* أي حياة هادئة لا اعتداء فيها ولا إجرام , وقال سبحانه بعد أن ساق قصة قتل قابيل الباغي لاخية هابيل التقى لاجل الحسد في التقوى : #من أجل ذلك كتبئنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد ني الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» المائدة ؟3”5) .

والناحية الثانية - الناحية الشخصية : وهي أن من فقد ابله أو أخاه أو أباه . فقد أوذي إيذاء بليغا. وأصابه غيظ شديد لا يطفئه إلا أن يقتص من الحاني » فكان لا بد من شفاء

ع4

غيظه » ولذلك قال سبحانه وتعالى : ومن قتل مظلوماً . فقد جعلنا لوليه سلطاناً » فلا يسرف في القتل أنه كان منصوراً» ( الإسراء #) ,

فكان الإسلام يجمع بين الناحيتين جمعاً متناسقاً . لا ينسى نفس المجني عليه أو أوليائه » كما لا ينسي حق المجتمع » فشرع أمرين حفظاً لحق المجني عليه أو وليه .

أوهما : أن له طلب القصاص ويجاب إلى طلبه إذا ثبتت الحريمة , من غير نظر إلى كون القتل بسبق إصرار أو بغير إصرار . لأن شفاء الغيظ لا يكون إلا بذلك . وله أيضاً حق العفو . فقد يكون الحاني والمجني عليه ذوا صلة من رحم أو قرابة » والقصاص يؤدي إلى فقد اثنين من قرابة واحدة » وإن التمكين من القصاص ذاته يؤدي إلى شفاء الغيظ .

الأمر الثاني : أنه لا يذهب دم في الإسلام هدراً , فلا تحفظ قضايا القتل لجهل الجحاني أو لفقد أدلة الاثبات » بل إن على الدولة أن تعرف الخاني ء وتقدمه للمحاكمة مستعينة في تعرفه بولي المجني عليه وإذا لم يعرف وجهت الإيمان إلى أهل القرية أو الحي الذي وجد فيه القتيل فيحلف منهم خسون رجا عدلاً بأ: نهم ما قتلوه. . ولا يعرفون له قاتلاً فإذا أتمت هذه الإيمان كان على أهل القرية أو الحي دية المقتول أو تدفع الدولة هذه الدية . لأنه كان عليها أن تحمي الأنفس . والعجز عن

حمايتها بوجود القتل . والتقصير في عدم معرفة القاتل يجعل عليها تبعة ذلك الدم .

والدية على ما هو مقرر في الفقه الإسلامي تعويض كان مقدراً بالأبل . وهو ماثة من الأبل لا يكون فيه وليد دون السنة . فإن لم تكن أبل تقدر قيمتها بالنقود . وقيمتها الآن لا تقل عن عشرة الاف من الحنيهات لأن الحمل الآن لا يقل ثمنه عن مائة جنيه مصري .

هذا أمر لم يسبق به قانون » ولم يلحق به تشريع إلى اليوم .

وبالنسبة للناحية العامة جعل لولي الأمر في حال عفو المجنى عليه أو وليه حق العقوبة التعزيرية » بأن يقدر بعقوبة تتناسب مع الجرم الذي ارتكبه . فإذا كان القاتل تمن تعودوا ارتكاب الجرائم . يعيثون في الأرض فسادا وعفا ولي الدم اتقاء لأذاه » فإن ولي الأمر له أن يضع له من العقاب ما يناسب الجرم الذى ارتكبه وتعود ارتكابه » وقد تكون تلك العقوبة التعزيرية » القتل من قبيل السياسة الشرعية .

وإن الفقه الإسلامي بتطبيقه تطبيقاً سلياً يقوم المجتمع على أساس من الفضيلة » وحماية النفوس والاعراض والأموال والعقول .

5 هذا وأن بعض القانونيين يعيبون على الإسلام أن

4

العقوبات فيه أكثرها بدني بالضرب المبرح » وهذه العقوبات ليست إنسانية بل فيها إستهانة بالآدمية » وحط للكرامة التي أمرت الأخلاق بالمحافظة عليها . ١‏

والجواب عن ذلك ان الإسلام لاحظ في العقاب ما لاحظه في كل تشريعه » وهو ملاحظة أكبر منفعة . والموازنة بين الضرر الواقع والنفع المطلوب من حيث المقدارء وتحمل أقل الضررين . ولا شك أن العقاب كيفما كان ضرره لا بد منه» لأنه يترتب عليه نفع أكبر من الضرر الذي يلحق المعاقب . ولاحظ الإسلام في العقاب الرادع أن يكون الضرر غير وخيم العاقبة » بحيث يكون عاجلاً غير معطل للقوى ولا دافع لما هو أشد ضرراً في عاقبته , والناظر نظرة عميقة يوازن بين ضرر السجن . وضرر الضرب أيه] أوحم عاقبة » وأبهما أحسم للداء » إنه يلاحظ في الحبس

أولاً - انقطاع الجاني عن أهله وأولاده أمداً يطول أو يقصر على حسب مقدار العقوبة المقدرة له .

ثانياً - أنه يعاشر المجرمين » فتصل إليه عدواهم وعدوى الجريمة كعدوى المرض يجبيء بالمجاورة والاختلاط » فيدخل

مريضاً بجريمة واحدة . وربما كان وقوعها منه بسبب عارض »

وليس داءاً متمكناً في النفس ء ولكنه يخرج . وقد اصيبت نفسه بعذةٌ أمراض أخرى رعا حولته إلى إنسان شاذ ف

المجتمع .

٠

وثالثاً - أنه تبان فيه الكرامة وحيث فقدت الكرامة . واستمر أمداً طال أو قصر قصيراً مهيناً لا ينادي حتى باسمه فإن قلبه يفسد , ويكون مستعداً لارتكاب الكثير من الجرائم » لأن الجريمة مهانة تسهل مع المهين وتصعب على الكريم .

ورابعاً - أنه يكون قوة إنسائية معطلة ٠.‏ "

خامساً - يعاقب في أثناء السجن بعقوبات بدنية » إذا ارتكب ما يحل بلوائحه » وقليل من ينجو من هذه المخالفة وآثارها .

هذه بلا شك . أضرار السجن فوق ما فيه من تقييد الحرية » وذلك هو الأصل في هذا النوع من العقاب . أما عقوبة الضرب ». فأنها وان كانت لا تخلو من امتهان هو غير

دائم ‏ لأنه لا يتجاوز ساعة من الزمان , وسرعان ما يسترد الرجل إعتباره ؛ إذا عمل بعد ذلك عملا صالخا . ونفسه لم

وإذا ما زالت جراحه استأنف نشاطه . واستئناف النشاط يرد إليه إعتباره فور استكئنافه 4 واستمر بين أهله يرعاهم ويرعونه وفوق ذلك لا تصل إليه عدوى من أمراض خلقية أخرى .

وهذه الموازنة تبين أن العقاب البدن أقل ضرراً » وأكثر ردعاً . أما السجن فأنه أكثز ضرراً بالجان وأوخم عاقة فْ

3

المجتمع ولا شك أن عقوبة الضرب ليس فيها ضرر بالمجتمع ٠‏ وهي أخف إحتمالاً .

ويجب أن ننبه هنا إلى أن الإسلام قد أخذ بالحبس في بعض الأحوال فشرعه كعقوبة تعزيرية إذا كان فيه زجر ولم يكن فيه مآثم السجون في هذه الأيام . فأخذ به أولا ‏ في حال ما إذا كان المجرم يدعو إلى بدعة ولا سبيل لمنع الإستمرار في رعايته إلا بحبسه فإنه يحبس لمنع شره . وليس ذلك لأن الحبس ذاته عقاب بل وقاية . وأخذ به ثانيا في حال الردة بالنسبة للمرأة فإن المرأة تحبس حتى تتوب منعاً لتسرب شرها إلى غيرها » وأخذ به ثالثاً في حال ما إذا رأى ولي الأمر أن يجعله عقوبة تعزيرية .

ولقد لوحظ في الحبس في الإسلام الا يختلط المعاقبون المتهمون في جرائم مختلفة , وأغهم يمختلطون بالناس في دائرة حبسهم وقد كان الولاة يحبسون في دار الامارة » وأول من أنشأ دارا للحبس عمر بن الخظاب أنشأها بمكة .

وكثيرون من الفقهاء يرون الحبس بطريق التسوير » بأن يسور مكان واسع يوضع فيه المحبوسون . ولا توجد أسوار من الجدران » ولكن أسوار من الحراس ويكون في أرض واسعة يزاول فيه السجناء نشاطهم » ويلتقي بهم ذووهم الفينة بعد الأحرى ويكونون قوة منتجة .

وقد اقترحنا العمل بذلك المبدأ الإسلامي في مصر عدة

346

مرات . وما أخذناه إلا من الإسلام ومما اهتدى إليه فقهاؤه في ظل القران وسنة رسول الله يل » وعمل أصحابه الذين اهتدوا هديه » وقبسوا من نوره وقد أجيب القليل النادر والأمل مرجو بإجابة الأكثر إن شاء الله تعالى . الأسرة في حكم الشريعة

4 -لا نريد أن نكتب في هذا المقام تشريع الإسلام للاسرة تفصيلا . بل لا نستطيع البيان إجمالا . ولكننا نشير إلى أمور تكشف عن ملامح النظام وتشير إلى معناه من غير أن نتعرض لحزئياته .

اهتم الإسلام بالاسرة لأنها بناء المجتمع ٠‏ وادل شيء على مقدار إحترام الإإسلام للاسرة إن القران الكريم لم يتعرض لبيان الأحكام في ناحية من نواحي المجتمع . كما بين أحكام الإسرة . فقد تكلم في المقوم الأول لبنائها وهو الزواج فذكر كثيرا من أحكام الزواج » من حيث الإنشاء ومن حيث الأحكام المترتبة على العقد . فبين حقوق الزوجين والواجبات التي لكل واحد منه! قبل الآخرء فتكلم في المهر والنفقة ووضحت السنة النبوية الحزئيات فيه| بين القران » وبين أحكام إنماء الزواج والآثار المترتبة عليها والمدة التى تبقاها المطلقة , حتى تحل للأزواج كل ذلك بينه القران الكريم » وما ترك للسنة من البيان الإنشائي إلا قليلا » وما تركه توضيح في اكثره » وليس إنشاء لأحكام لم يأت بها القران الكريم .

1

والميراث قد بينه القران الكريم كاملا تقريباً » وما بينته السنة أما أن يكون توضيحا وأما أن يكون تطبيقاً وأما أن يكون بيانا لمجمل وذلك قليل » لأن القران تعرض بالتفصيل للفرائض . ولذلك قال النبي كلةِ . « إن الله فرض الفرائض . فأعطوا كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث » .

ولماذا كان بيان أحكام القران للاسرة ؟ السبب في ذلك هو عنايته بأحكامها » ولكي تكون دائمة باقية لا يرتاب في جزء منها مرتاب ولا ينحرف عن أحكامها منحرف . ولا يتأول لها متأول بغير ما انزل الله سبحانه وتعالى ولكي يبتعد الناس عن تقليد غيرهم في أمر الأسرة . ولكي تكون لاحكام الأسرة صفة الدوام والإستقرار ويطمئن كل من يخضع للحكم الإسلامي إلى أغها أحكام الله لا مناص له من الخروج عليها إلا إذا خرج عن الإسلام .

: وإن الأسرة قامت في الإسلام على أسس ثلاثة‎ - ١

الأساس الأول المودة والرحمة » وتبتدىء تلك المودة بين الزوجين وتبقى الزوجية ما بقيت تلك المودة » فقد قال تعالى : «إومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» . قال تعالى في علاقة الزوجين : هن لباس لكم وأنتم لياس لهن 4 ( البقرة 1417 ) أي أنها منه بمنزلة الشعار والدثار وهو منها كذلك .

والمودة بين سائر الأقارب من أخحوة وأنحوات واباء وأبناء

/ا34

وأمهات وبنات تقوم على المودة الواصلة . وقد أوجب الإسلام الصلة بين الأقارب فقال يَةٍ : « من أراد منكم أن ينسأ له في أثره ويبارك له في رزقه فليصل رحمه » والأسرة ف الإسلام واسعة المؤدى » فهي تشمل الزوجين والآباء والأولاد والأخحوة وأولادهم 2 والأعمام والأخوال وأولادهم ٠‏ وهكذا تشمل عموم النسب وحواشيه .

الأساس الثاني العدالة . وهي حق لكل من الزوجين على الآخر وحق للزوجة على زوجها بشكل خاص . حتى أنه قبل الزواج لا يجوز له أن يتزوج إن تأكد أنه لا يستطيع العدل مع زوجته . سواء كان ذلك الزواج هو الأول أم كان له زوجة وهذه هي الثانية أو الثالثة أو الرابعة . والمنع ديني يخضع لسلطان التدين » ولا يمخضع لسلطان القضاء لأن أساس المنع هو نعشية الظلم . وخشية الظلم أمر نفسي لا تجري عليه أحكام القضاء . ولكن يجري عليه حكم الله الذي لا تخفى عليه خافية لسماء ولا في الأرض الذي يعلم ما يسره العبد وما

الأساس الثالث - التكافل الإجتماعي في داخل الأسرة . فالفقير العاجز تكون نفقته على الغنى القادر, والضعيف يعاونه القوي . والغني إذا مات ورثه قريبه الذي يكون عليه أن ينفق عليه إذا كان فقيراً » لأن الغرم بالغنم ف) دامت النفقة واجبة له إذا احتاج يرئه الآخر إذا مات غنيا » والحقوق متقابلة .

54

ولذلك فضل من البيان قد أوضحناه في مواضعه . حقوق المرأة في الإسلام

؟ - وإن الإسلام قد اتى ببدىء لم يسبق فيه » ولعله إلى الآن لم يلحق به » وهو ما يتعلق بالمرأة لآن المرأة في الإسلام نالت حقوقا لم تنلها في الشرائع السابقة . على الإسلام خصوصاً الشرائع غير الدينية » وما نالته من هذه الحقوق ١‏ تصل المرأة الأوربية إلى الكثير منها » ونلخص ذلك فيا يل :

أ كانت المرأة هملاً في بيت الزوجية » ولم تكن لها أي شخصية قبل الزواج » فكان أبوها أو وليهالا ارادة لها بجوار إرادته » وإذا تزوجت انتقلت السلطة المطلقة من الولي إلى الزوج » فجاء الإسلام وجعل لها من الحقوق مثل ما عليها من واجبات . وكانت قبلا عليها واجبات وليس لما حقوق . كما كان الأمر بالنسبة للرقيق عند الرومان والفرس . فجاء القران وقرر تلك القضية العادلة التي تربط بين الحق والواجب برباط وثيق » لأنه يتفق مع البديبية العقلية » فقال تعالى : «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة . والله عزيز حكيم» ( البقرة 504 ) .

ب - ولم تكن المرأة ذات ولاية على نفسها ما دامت لم تتزوج » فإذا تزوجت كانت الولاية عليها لزوجها ولم تكن ها شخصية منفردة عن شخصية زوجها فجاء محمد يَكهِ » وقرر أن للمرأة ولاية على نفسها . وإذا كان للولي شأن في زوجها.

49

فليس له أن يجبرها . وا الأمر إليها أولاً وبالذات » ولذلك قال عليه السلام : « الايم أحق بنفسها من وليها » وصلته بها صلة أدبية لصيانتها ومنعها من السقوط ومعاونتها في اختيار الزوج » وإذا اختارت الكفء وم يرض هو لا يلتفت لاعتراضه بل تزوج نفسها أو يزوجها القاضي وبعد الزواج ليس للزوج ولاية عليها إلا بمقدار ما ينظمه عقد الزواج من حقوق بين الزوجين .

ج ‏ ولمرأة إذا كانت بالغة عاقلة وشيدة لما الولاية الكاملة على مالا من غير تدخل من قبل أبيها أو غيره من قرابتها » وإذا تزوجت كانت ذمتها المالية منفصلة عن ذمة زوجهاء فلها أموالا . وله أمواله كل يدير ماله من غير تدخل من الآخرء لما أن تتبرع من مالحا بما تشاء كم) يتبرع الرجل وما يكون من قيود للرجال في تصرفاتهم تكون ها أيضا مثل هذه القيود . وني الجملة المرأة والرجل على سواء بالنسبة لإدارة كل واحد منهب) ماله . ولا يكون للزوج أي قدرة على التصرف في مال زوجته إلا بتوكيل حر يكون لا الاختيار الكامل والرضا التام فيه » ويكون مبناه الثقة بلا ريب » وإ أساء الإدارة كان لها عزله في أي وقت تريد وعقد الزواج في الشريعة الإسلامية لا يقتضي ولاية مالية » ولا شركة في المال ولا وكالة إجبارية » أو بحكم العقد . لأن العقد في الإسلام لا يقتضي ذلك .

وازن بين هذا وبين القوانين الأوربية فيا يتعلق بالزواج أنها تعتبر الزوج شريكاً وولياً في مالحا » وليس لما التصرف في أي قدر من مالا إلا بأذنه ٠‏ وئيس ها أن رسع ا ف ا على ذمتها لأن ذمتها غير منفصلة عن ذمة الزوج بينما الزوج له ذلك . وأخيرا أ صدرت قوانين تخفف من ذلك ولا تمنعه ؛ واخر تعديل فرنسي 5 القانون المدني الفرنسي سوغ للمرأة أن تودع أموالها بأسمها .

وذلك الجزء الصغير وصلت المرأة إليه ف الإسلام من ضمن مبدأ عام وهو الذي أخذت منه على قلة أجزاء في تلك القوانين ن التي ادغمت حق المرأة المللي في الزوجة ولم تدغم مال الرجل ف ماها .

د والمرأة كانت في نظر النظم القديمة كالشيطان » ينظر إليها على أنها شىء مقيت حتى أنه وردت عبارات التوراة المحرفة تلك الكلمة . «المرأة أمر من الموت » .

كان ينظر إلى المرأة تلك النظرة » فلا جاء الإسلام أكرمها وبالغ في إكرامها بمقدار مبالغة العرب والرومان والفرس في مقتها . كانت المرأة المتزوجة تورث من ابن زوجها , له هو أن يزوجها من غيره إن شاء وأن يرث زواجها من أبيه إن شاء. فجاء الإسلام ومنع ذلك منعاً بان وسماه المسلمون تبعاً للقران نكاح المقت » فقد قال تعالى : #ولا تنكحوا ما نكح ابائكم من النساء انه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا» وقد قال

٠5

تعالمى : «إيا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترئوا النساء كر هاي والإسلام اعتبر المرأة الصالحة كنز ن كتور الدنيا هو السعادة كلها . فقد قال عليه السلام : « إلا أن خير ما يكنز المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته وإذا أمرها أطاعته» وكان يوصى النبى كله بالنساء دائاً , ويعتبر من أعظم الفضائل الإنسانية معاملة الرجل لامرأته معاملة حسنة . ويقول عليه السلام « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي .

ولنترك الكلمة لكاتب أوروبي هو جوستاف لوبون » فهو يقول « تعامل المرأة المسلمة باحترام عظيم » وينقل في ذلك عن مسيو دي اميسيس الذي لم يكن مناصرا للمبادىء الإسلامية في أقواله : « المرأة ةي الشرق تعامل بنبل وكرم على العموم » فلا أحد يستطيع أن يرفع يده عليها في الطريق » ولا يجرؤ جندي أن يسيء إلى أشد نساء الشعب بذاءة لسان حتى في أثناء الشغب . وفي الشرق يشمل البعل زوجته بعين رعايته » وفي الشرق بلغ الإهتمام بالأم درجة العيادة . وفي الشرق لا تجد رجلا يقدم على الإستفادة من كسب زوجته . والزوج هو الذي يدفع المهر , وإذا طلقت الزوجة في الشرق أو هجرت أعطاها الرجل نفقة لتعيش عن سعة » وإن حمل الزوج بعد الفراق على القيام بهذا الإنفاق يمنعه من إساءة معاملتها حذر مطالبتها بالفراق20 .

) حضارة العرب لحوستاف ليبون ( ترحمة عادل زعيتر‎ )١(

٠١ ؟‎

وما نقلنا هذا الكلام لنتخذ منه حجة . لأن الحقائق الإسلامية براهينها مستمدة من ذاتها . لا من أمر خارج عنها , ولكننا نقدمها لأولئك الذين يتبعون كتاب الغرب . ويقلدونهم لأهم لا يعتمدون على المنطق المجرد ولكن يعتمدون على التقليد فقط فأتينا بشهادة من يتبعونهم » ولو كان الاتباع عن غير بينة .

ولعل أبلغ كلام سيق في تقدير المرأة ما روي منسوباً إلى الرسول كَلِةِ أنه قال : « الجنة تحت أقدام الأمهات » وقد استرعت هذه الكلمة الكتاب المنصفين من الغرب فعلقوا على معناها تعليقاً يدل على تمجيدها .

ه ‏ أثبت الإسلام للمرأة ميراثاً من أبيها اوزوجها وأخيها . ولم يكن لما شيء من الميراث في النظم القديمة إلا في بعض الأحوال ومن المؤكد أنها لم يكن لا ميراث كزوجة . وننقل إلى القارىء كلمة عن كتاب الفرنجة » فقد قال جوستاف لوبون في ذلك : «١‏ ومبادىء الميراث التي ينص عليها القران على جانب عظيم من العدل والإنصاف » ويقول : « ويظهر من مقابلتى بينها وبين الحقوق الفرنسية والانجليزية أن الشريعة منحت الزوجات حقوقاً في الميراث لا نجد مثلها في قوانينا )200 .

وبذلك الكلام يتبين أن الزوجة أعطيت حق الميراث في

. الكتاب المذكور صفحة 4ل/ا”‎ )١(

٠١

الشريعة الإسلامية منذ نحو أربعة عشر قرناً » ولم تعط ذلك الحق إلى الآن في بعض القوانين الأوروبية .

ومع ذلك يتبجح بعض الكتاب من الشرق والغرب بأن المرأة مظلومة في الإسلام منقوصة الحقوق . وهذا ما يشهد به بعض كتابهم . وإن كان ذلك الكاتب على هذا يتوهم أن القران اتبع في تشريعه ما كان عند العرب . فهل كانت المرأة ترث عند العرب قبل الإسلام وهل كان نظام الطلاق والزواح والمحرمات في الإسلام ىا كان عند العرب .

و- تعدد الزوجات هذا حق أعطى للزوج ول تعطه المرأة بالبداهة ومع ذلك نعتبر فائدته تعود على المرأة أكثر ما تعود على الرجل » وذلك لسببين :

أولما ‏ أن العرب كانوا يعددون الزوجات إلى غير عدد محدود » والتوراة الي بأيدينا تبيح التعدد إلى غبر عدد محدود أيضاً , ونذكر أن بعض النبيين عددوا لغير عدد» وبعضص المفسرين للتوراة حددوا العدد بثمانية عشر امرأة . ولقد جاء الإسلام فحدد العدد بأربع وأشترط العدالة والقدرة على الانفاق . ونمو شرط في كل زواج ولو كان واحداً وهو شرط ديني يأثم من يخالفه » ولا يبطل الزواج بتخلفه » وليس للقضاء دخل فيه » ولا شك أن تنقيص العدد إلى أربع فيه فائدة للمرأة بدل الإنطلاق . وإنعدم تدخل القضاء ذاته وترك

٠١

الأمر لحرية العاقدين واختيارهما ورضاهما ‏ وجعل الأمر بالنسبة للشرطين العدالة والقدرة على الانفاق ‏ للندين فيه إحترام لإرادة المرأة ٠»‏ وعدم اعتبارها قاصراً ترعاها القوانين بذلا أن ترعى هي نفسها بوزد الأمور ع وحسن اختيارها وتقديرها للمصلحة .

وفوق ذلك قد يكون التزوج إقالة لما من عثرة سقطت فيها م الرجل الذي نتز وجه وله زوجة أخرى 8 وكان الزواج منه رفعا ها من كبوة ورداً لاعتبارها .

السبب الثاني أن الزواج المتعدد فيه مصلحة للمرأة على وجه عام » وإن كان فيه إدخال الألم على الزوجة الأولى » ولا شك أن ذلك مضرة . ولكن بالموازنة بين الضرر الذي يلحق يتبين أن ضرر المنع أشد من ضرر الإباحة » وقد بينا أن القياس للأحكام الشرعية هو أن تكون لأكبر نفع . ولدفع أكبر ضرر .

لقد ثبت بالعرف ومجرى الأمور أن المرأة لا تقدم على الزواج من رجل متزوج إلا إذا كانت مضطرة » أما لأنه إستهواها واستهوته ولا مناص لما من الاتصال » أما بالخلال أو ا حرام 3 ولا شك أن حلالاً معيباً أولى من حرام مؤكد. وأن زواجأً : تصان * فيه المرأة وتشت لما ' كل حقوق الزوجة ولأولادها لأولادها نسباً ولا ميراثاً .

ولو منع الزواج الرسمي لكثر الزواج من غير توثيق . وادى إلى ضياع الحقوق للنساء والأولاد ,

وقد يكون إقدام المرأة على الزواج إذا لم يتقدم لما أحد فأما أن تنحرف . وأما أن تموت أنوثتها » وتضطرب أعصاءها . إلا أن تكون من ذوات الإرادات الخارقة » وكلاهما ضرر شديد بالمرأة . 1

وقد ثبت أنه في البلاد التي يمنع فيها حق التعدد تكثر الخلائل أو إتخاذ الأخدان وخير للمرأة أن تكون حليلة بدل أن

ولنترك الكلمة لحوستاف لوبون فهو يقول : « إن مبداً تعدد الزوجات ليس خاصاً بالإسلام . فقد عرفه اليهود والفرس والعرب وغيرهم من أمم الشرق قبل ظهور محمد . وم

تر الأمم التي انتحلت الإسلام فيه جديداً .... ولا نعتقد مع

ذلك وجود ديانة قوية تستطيع أن تحول الطبائع » فتملع مثل ذلك المدأ الذي هو وليد جو الشرقيين وعروقهم وني الغرب حيث الحو والمزاج أقل هيمنة لم يكن مبداً الاقتصار على زوجة واحدة ني غير القوانين لا في الطبائع حيث يندر . .. ولاأرى سببا يجعل مبدأ تعدد الزوجات الشرعي عند الشرقيين ادنى مرتبة من مبدأ تعد الزوجات السري عند الأوربيين . مع أنني أبصر بالعكس ما يجعله أسمى منه ؛ ومهذا ندرك مغزى تعجب الشرقيين الذين يزوروك مدننا الكبيرة من إحتجاجنا عليهم

لل

ونظرهم شزرا إلى هذا الاحتجاج(" .

وقد ثبت أن الخيانة الزوجية في الأمم القائلة بالاقتصار على زوجة واحدة تزيد باضطراد » فقد دلت الإحصاءات الرسمية التي نشرت على أن عدد قضايا الزنى في فرنسا سنة مما أصبح تسعة أمثال ما كان عليه سنة 2014595 .

هذه حقائق ثابتة » ومنذ بضع سنين قرر كبير الاساقفة في إنجلترا أنه لا سبيل لصد تيار الانحلال الإجتماعي إلا بإباحة تعدد الزوجات في القوانين الانجليزية » وقد أدرك بثاقب نظره أنه ليس في المسيحية نص ينع تعدد الزوحات ولكنه من تقاليد الكنيسة » وليس من نصوص الأناجيل ولا رسائل الرسل .

- الطلاق : لعل القارىء الحليل يعجب من أن حق الطلاق الذي أعطيه الزوج كسب المرأة حقوقاً » ونزيل هذا العجب فنقول إن الطلاق قبل الإسلام عند العرب كان يتخذ مضارة للمرأة » فكان الرجل يطلق بأي عددء وإذا طلق , فأنه بمجرد أن تقارب عدتها الإنتهاء لتتروج زوجاً يبادر بمراجعتها . ويمسكها ضراراً بهاء ويستمر على هذا الحال ويكررها مضارة » ولعضلها عن الزواج . فجاء الإسلام وجعل الطلاق لا يتجاوز ثلاثاً , ولا يحلها بعدها إلا بعد أن

)١(‏ حضارة العرب صفحة 48١‏ ترحمة الاستاذ المرحوم عادل زعيتر (؟) هامش الكتاب المذكور صفحة 485 .

١١و‎

تتزوج غيره . ليخرجها من ربقته . ويفتح الها باب الزواج الذي كان يحاول إغلاقه وعضلها عنه .

وإن الطلاق الذي أبيح فْ الإسلام أحيط بضمانات قوية تجعل الرجل لا يقدم عليه إلا إذا إستحكمت النفرة ولنشر إلى هذا بكلمات يسيرة توضح :

إن الزواج لا يبقى إلا حيث تكون الرحمة والمودة . كا بين القران ذلك . ولكن سبحان مقلب القلوب . فقد تتحول المحبة إلى بغض والمودة إلى منابذة ومنافرة » فإذا إستحكمت النفرة ةلم يكن سبيل للبقاء » ولا مصلحة لاحدهما في أن تبقى تلك العلاقة .التي تنافرت فيها القلوب . فكان الفراق أمرا لا بل مله ولا سبيل لأن يكون أمام القضاء ١‏ لأنه ليس من مصلحة الزوجة أن تذكر أسباب النفور منها أمام القضاء ولا شك أنه إذا اتفقا على الفراق كان ذلك أمرا مقبولاً لأن العقد الذي يعقد بالتراضي يلغى بالتراضي على فسخه .

وإذا لم يكن تراض فإِن الحل يكون بيد الزوج ١‏ وتترتب عليه مغارم مالية فا أنفق في سبيل هذا الزواج كبير عادة » وما يعقب الطلاق كبير أيضاً ء وهذه المغارم بلا شك كوابح مادية عه من الإنطلاق إلا إذا كان متهورا ولا مصلحة لها في معاشرته .

والإسلام فيك الطلاق فٍ حدود نفسية مع هذه القيود المادية » فجعل الطلاق ثلاثاً . لا يقع دفعة واحدة . والواحدة

٠١4

بالتسبة للمدخول بها تكون رجعية » له أن يراجعها في أثناء العدة لأنه عسى أن يكون قد نطق بكلمة الطلاق في نوبة غضب جامح من غير تروء فإذا راجعها تحسب عليه طلقة ويكون هذا إنذاراً . فإذا طلقها ثانية » كان له مراجعتها في أثناء العدة فإذا راجعها يكون هذا إنذاراً ثانياً » فإن كانت الثالثة كانت البتة .

وإن لم يراجعها في أثناء العدة كان ذلك دليلاً على الإصرار الكامل .

وقيدت السنة الطلاق تقييداً نفسياً آخرء فقررت أنه لا يكون في حال الحيض . ولا في طهر جامعها فيه » ولا في الحيض قبله . وأن تكون واحدة .

والمحققون من العلاء قرروا أن الطلاق في غير ما بينه ابي كل منهاجاً للسنة لا يقع ء فقد قرر الإمامية والزيدية وابن تيميه وابن القيم والشوكاني وغيرهم ذلك . وأخذوا ذلك من السنة النبوية » ومن أقوال كثيرين من الصحابة .

والمرأة عند إنشاء عقد الزواج تستطيع أن تحمي نفسها من الطلاق وآثاره بأن تجعل مؤخر المهر كبيراً » أو تجعل المهر كله مؤخراً وإن لم يقبل فذلك دليل على سوء نيته » وإن قبلت مع ذلك تكون راضية بالطلاق إبتداء ولا بد أن تحزم هي وأولياؤٌ ها الأمر عند إنشاء العقد والمرأة تملك طلب الطلاق من القاضي إذا كان أذى أو نفور .

ل

هذا وقد بينا نسبة الطلاق في بحث قدمناه في العام الماضي . التعاون ف داخل الأسرة

ود - تقوم العلاقة الزوجية ف الإسلام على المودة والرحمة ثم تقوم على التعاون الشامل للأسرة كلها والتعاون بين الزوجين قائم على أساس أن كلا من الرجل والمرأة يقوم بم توجبه عليه الفطرة الإنسانية . فالمرأة تقوم بالرضاعة والحضانة ورعاية شئون البيت وحاجاته » والرجل يقوم بالكفاح خارج المنزل الإحضار ما يلزم الأسرة من مال وللدفاع عنها 3 ولقد قال النبي مَكةٍ في ذلك 0 الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته 2 والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها» .

ولذلك يجب على الرجل أن يقدم مهرا عند الزواج , لتستطيع المرأة أن تعد نفسها ما يكون للزفاف من ثياب وعطور وغير ذلك مما تحتاج إليه المرأة عند الدخول في اللحياة الزوجية الحديدة .

وليس عليها بمقتضى الأحكام الإسلامية أن تعد متاع بما يستطيع في دائرة طاقته المالية » وتعارف الناس على أن تعد المرأة متاع البيت . لا يثبت الوجوب عليها .

وعلى الزوج نفقة زوجته . ولو كانت غنية ذات أموال ,

١٠٠

وذلك نظام التوزيع الاجتماعي . فماها لنفسها , والنفقة أثر من آثار الزوجية الصحيحة تثبت للزوجة ولو اشترطت ألا ينفق عليها يكون الشرط باطلاً . لأنه نفى لوجوب ما أوجبه الشرع . أو كما يقول الفقهاء فيه منافاة لمقتضى العقد .

ولو كانت المرأة غنية وزوجها فقير لا تسقط النفقة عنه » ولكن ينفق بمقدار طاقته . حتى لا تكون الأحكام ضد الفطرة الإنسانية .

وإذا كانت القوانين الأوروبية تبني نظم الزواج فيها على إدغام إرادة المرأة في الرجل . فالإسلام يبقىي شخصية المرأة كاملة » ولكن يفرض التعاون بينها ويلزم كلا بما عليه من واجبات مشتقة من العدالة » ومن الفطرة الإنسانية وإن تبرعت المرأة بالمعاونة المالية لزوجها فبطيب نفسها » وإن تركت مهرها أو بعضه . فإن ذلك يكون بطيب نفسها . وقد قال تعالى في ذلك #إوأتوا النساء صدقاتهن نحلة . ٠»‏ فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً» ( النساء 4 ) .

وقد قرر بعض الفقهاء من التابعين أنها إن تركت مهرها متبرعة ثم طلقها فلها أن تسترد ما تبرعت به .

والتعاون لا يكون بين الزوجين فقط . بل يكون بين كل الأقارب . وقد أمر النبي يِه بالصلة بين الأقارب . وقد وضعت الأحكام الإسلامية نظاماً سلياً للتعاون . وجعلته إجباراً إن لم ينفذ اختياراً . ويظهر ذلك في أمرين :

١ذك‎

أوه) : 5 نققة الأقارب 3 فاوجبت على القريب الغنى الميراث سيراً مستقيي] مطرداً . فمن يرث الفقير العاجز إذا مات عن مال تب عليه نفقته إذا عجز عن الاق عل ا 0 المسلمين ذلك تنظياً حكياً عادلاً : وقرروا أن إختللاف اليد بالنسبة لنفقة الأولاد على ابائهم وأمهاتهم لا يمنعها. وكذلك نفقة الأباء والامهات على أولادهم لا يمنع اختلاف الدين من وجوببا » فإذا كانت الأم فقيرة » وهي مسيحية . والابن مسلم وهو غني فإن النفقة على الابن المسلم 2( وكذلك الأب إذا كان فقيراً وله ابن مسلم غني . فإن نفقته تكون واجبة عليه . » لأن الشريعة الإسلامية تعمل على وصل 0 4 ولو اختلف على الشرك . وكذلك قال تعالى : «إوإن جاهداك على أن تشرك بيما ليس لك به علم فلا تطعهم! وصاحبههما في الدنيا معروفاً #4 ( لقمان ١‏ ) ومن المصاحبة بالمعروف ألا يتركه) جائعين وهو شبوان . تكلم فيه بكلمة مويجزة + الميراث :

5 - الميراث مظهر من مظاهر التعاون في داخل الأسرة

١١ >

وكل أحكامه التى فصلتها كتب الفقه الإسلامي تتجه إلى التعاون في داخل الأسرة . وهو جزء مهم من أحكام الإسلام تولى القران الكريم بيانه » وحث النبي يلد على تعلمه وتعليمه » ولذا قال يل : « تعلموا الفراقض وعلموها الناس »

وقد أجمع علاء القانون المنصفون الذين درسوا الشريعة الإسلامية دراسة متعرف لما لإدراك مغزاها إن نظام الميراث في الإسلام أعدل نظام للتوريث ولا يوجد في قوانين العالم ما يماثله في العدالة أو يقاربه وإليك ما كتبه لبون في هذا : « ومبادىء الميراث التي نص عليها القران الكريم على جانب عظيم من العدل والإنصاف , ويمكن القارىء أن يدرك ذلك من الآيات التي انقلها منه » ولم يبين فيا نقل جميع الأحوال التي عالجها المفسرون في| بعد . وإن أشير فيه بدرجة الكفاية إلى أحكامها العامة ثم قال : « ويظهر لي من المقابلة بينها وبين الحقوق الفرنسية والانجليزية أن الشريعة الإسلامية منحت الزوجات . . حقوقاً في المواريث لا تجد مثلها في « قوانينا » .

وإن الميراث في الإسلام تقريب للقرابة » ووصل للمودة . ولوحظ فيه المبادىء الآتية :

المبدأ الأول : أن يكون توزيع الميراث إجبارياً بين الورثة بحكم القرآن في الثلثين من التركة . إن الخلافة الإختيارية في المال لا تكون في أكثر من الثلث . ويلاحظ في هذه الوصية التي

١١ 1*

اجيزت للوارث أن يكون سببها وباعثها أمراً لا تستنكره الأخلاق ولا الفضائل » بل تكون في دائرة المعروف ٠»‏ بمواساة من تربطه صلة مودة وصداقة أو معاونة في العمل الفاضل . أو مشاركة في تجارة أو لاحدى جهات البرء أو لتدارك ما فاته من واجبات مالية كالزكاة والكفارات .

ويلاحظ أنه يجب عليه في هذا الجزء الاختياري الذي جعل له حق التصرف فيه أن يوصي بقدر من المال لأقاربه الضعفاء ء الذين لا يرثون وهم في حاجة . وقد قرر ذلك كثيرون من التابعين » وأخذوه من قوله تعالى : # كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين * ( البقرة ١8٠‏ ) .

طالب القران عند قسمة الميراث بإعطاء من يحضر من ذوي القرابة والفقراء فقال تعالى : #وإذا حضر القسمة أولو القربىٍ واليتامى والمساكين فار زقوهم منه . وقولوا لهم قولاً معر وفاً» ( النساء 8) .

المبدأ الثاني : أن الميراث الذي يوزع إجباراً » وهو الثلثان على الأقل يلاحظ في توزيعه أن يكون التوزيع على الأقرب فالأقرب لأن الميراث خلافة في الملكية والخلافة يلاحظ فيها أن تكون امتداداً لشخصية المالك . والأولوية فيها بقرب القرابة » ولأنه لا يمكن التوزيع على كل ذوي القرابة » لأهم كثيرون » وقد يصلون الائة عداً أو يزيدون » وربما يكون

١,

لميراث صغيراً لا يقبل التوزيع عليهم . ولو كان كبيراً لا ينال الواحد إلا فتاتا لا يمكن استغلاله فلا بد من الاقتصار على البعض . وأعدل طريق للترجيح هو قرب القرابة » فهو مقياس ضابط لا يجري فيه التشاح .

وأنه مع هذا الذي قررناه تتجه الشريعة في الميراث إلى التوزيع بدل التجميع » فيندر أن ينفرد وارث بالميراث فالأولاد هم أكثر الأقارب حظاً ف الميراث ٠»‏ ومع ذلك لا ينفردون بالتركة بل يشاركهم الأب أو الجد والأم أو الجدة والزوج أو الزوجة و إن كن أناثا يشاركهن الأخوة والأخوات وكل ذلك لنع نجمع المال في وارث واحد ولأن هناك إشتراكاً في قرب القرابة الذي هو الاساس .

اليدأ الثغالث : ملاحظة الحاجة » فكلا كانت الحاجة أشد كان مقدار الأرث أكبر وذلك هو السبب في أن نصيب الأولاد كان أكبر من نصيب الأبوين » مع أنهم في درجة واحدة من القرابة » ولأن حاجة الأولاد أشد كان نصيبهم أكبر إذ هم في الغالب صغار ضعاف . وهم يستقبلون الحياة والأبوان يستدبرانها فحاجتهم| ليست كحاجة الأولاد . وفوق ذلك ما يرئه الأبوان يكون من بعلهما لأولادهما الصلبيين . ولا يأخذ أولاد المتوفي الموروث شيئاً » فكان هذا التفاوت في المقدار عدلاً . وفيه حسن توريع .

وملاحظة الأشد حاجة في الميراث هو الذي جعل نصيب

ل

الذكر ضعف الأنثى وذلك لأن مقتضى التعاون في الأسرة جعل التكليفات المالية الخاصة بالأسرة على الزوج . وعلى الأب . فهو الذي يطالب بنفقة الزوجة وأولادها منه فكانت حاجته إلى الملل بلا ريب أشد . وكان اعطاؤه أكثر هو الأرشد . والاعطاء في الميراث على قدر الحاجة هو الاعدل . جعل مقدار التوزيع على مقدار التكليف هو النظامٍ ل السليم ء وتسوية المرأة في هذه الجال لا يعد عدلاء لأن الحقوق لا بد أن تكون في النظام العادل متكافئة مع الواجبات .

المبدأ الرابع : أن قرابة الأم يكون لما حظ في الميراث . ولم يكن لقرابة الأم ميراث عند العرب وعند غيرهم فالأخوال : والعمات وأولاد الأم لم يكن لهم إستحقاق في الميراث » وجعل هم الحق وفي أكثر الأحوال كان ميرائهم متأخراً عن قرابة الأب لتطبيق مبدأ تقديم الأقرب فالأقرب . ولكن الأخوة والأخوات لأم يكونون في مرتبة الأشقاء والأب بل في كثير من الأحوال يأخحذون ولا يأخذ الأخوة لأب شيعا لأن أولاد الأم هم نصيب مفروض والأخوة لآب يرثون بالتعصيب . ولميراث بالتعصيب يكون بعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم .

هذه نظرات لائحة في نظام الإرث في الإسلام » ولعل القارىء الكريم لو قرأه تفصيلا لعلم مقدار العدالة في هذا النظام » ولعل تفصيلاته في القران وتوزيعاته العادلة التي جاء

١

مها من غير سابق لما . فوق أنه كان من أمي نشأ بين قوم أميين »من أقوى الأدلة على إات رسالة محمد . وأنه كان يتكلم بوحى من الله » ومن أقوى الأدلة التى تثبت أن القران من عند الله العلي الكريم . ْ

وإنك لو وازنت بين أي جزء من أجزاء الشريعة . والقانون الروماني الذي تم تكوينه في نحو ثلاثة عشر قرناً ‏ لرأيت العدالة والحرية والمساواة في أحكام الشريعة » ولرأيت التنظيم السليم في الشريعة ورأيت غير ذلك في قانون الرومان ء وهذا دليل على أن محمدا ما كان ينطق عن الموى . إن هورإلا وحي يوحى .

١١7

5 - المجتمع في الإسلام مجتمع معنوي . أي أن العلاقات الإجتماعية فيه تبنى على الروابط الأدبية من تواد وتراحم لا على أساس من العلاقات المادية فقط » ولذلك يقول له : « مثل المؤْ منين في توادهم وتراحمهم ؛ كمثل الحسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » ولا شك أن العلاقات المعنوية التي تقوم على المودة والرحمة هي التي قوم عليها بنيان الجماعات الإنسانية » وهي الروابط التي تربط احاد الناس ببعضهم ه ومثل المجتمع الملدي الذي يبنى على الاقتصاد أو على الإجتماع قْ مكان كمثل الاحجار المتراصة التي يجاور بعضها بعضا من غير ارتباط وثيق بين اجزائها » وإنه مها يكن د من ا . لا يمكن أن يكون متلاحماً متصلاً » وأنه يغبار لأقل عاصفة تثور , ولا يستمر مجتمعاً إلا إذا كان مهندس البناء قواماً عليه يتتبع ثغراته » فيسارع بسد ما يظهر منها بعمل مادي أيضا قد تكون قوة غالبة على الإرادات الإنسانية الحرة .

١5

أما المجتمع المعنوي فإنه يقوم على أساس من العلاقات الروحية الرابطة بين أجزائه » وهو متماسك غير قابل لأن تتداعى لبناته » لأنه مترابط الأجزاء بما لا يقبل الانقطاع ما دام يغذى بالروح وبالدين » وقد يكون غير منسق اقتصادياً أو هندسياً ٠‏ ولكنه قوي متين » والاعوجاج المهندسي لا يكون دليل الضعف دائيا .

بل قد يكون الاعوجاج الذي يبدو بادى الرأي من أسباب قوة الجسم وقد يكون التنسيق المصطنع الذي يعني بالمظهر دون المخبر دليل الضعف وليس بدليل القوة .

ولذلك كان كل نظام وضعه الإسلام بالقرآن أو السنة النبوية ‏ الأساس فيه يقوم على التوجيه الديني الذي يغذي نفوس الآحاد لتجتمع ٠»‏ ونفوس الجماعات لتأتلف ٠»‏ ونفوس الحكام ليعدلوا في دولتهم وليعدلوا مع غيرهم وليعاملوهم بالمثل في دائرة التقوى والفضيلة , وليكونوا في كل تصرفاتهم ملاحظين المعاني الإنسانية مع كل إنسان من غير نظر إلى اختلاف الأجناس والشعوب والقبائل والألوان .

45- وقد عمل الإسلام على إقامة ذلك المجتمع الفاضل ني كل الأرض . لأنه دين عام يخاطب الإنسانية كلها . كما بينا فيا أسلفنا من قول . |

وكان من ذلك محاربته للأوهام ومحاربته للاخيلة الفاسدة

١7 ؟‎

التي تضع حجراً وتتخيل أنه إله يعبد » أو حل فيه إله يعبد . كما كانت دعوته إلى الوحدة الإنسانية العامة من الذرائع لإيجاد مجتمع فاضل . وكان منبها دعوته العامة للإنسانية ثم كانت شريعته العادلة .

بيد أنه لا بد من تربية للنفوس . وتربية الجماعات ليتكون من ذلك الإجتماع الإنساني مجتمع متآلف متحاب غير متنافر ولا متباغعض .

وإن التربية الروحية تقوم على تربية الضمير ليكون صاحبه مؤتلفاً مع الجماعة ملتقياً معها يؤثرها على نفسه . ولو كانت به خصاصة ويحب الناس لله ويكون مستجيباً لقوله عليه السلام : «لا يؤمن أحدكم . حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله » ويكون ممن قال فيهم النبي يَِةِ إن لله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الانبياء والشهداء للكانهم من الله تعالى يوم القيامة » قيل ومن يا رسول الله ؟ قال قوم تحابوا بروح من الله على غير أرحام تربطهم ولا أموال يتعاطونما والله إنهم لنور وانهم لعلى نور. لا يحزنون إذا حزن الناس ولا يخافون إذا خاف الناس : 8 ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين امنوا وكانوا يتقون هم البشرى في الحياة الدنيا وني الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم * .

وإن ذلك المجتمع الفاضل له بد له من أمرين أحدهما » لتربية الضمير والثاني لحماية هذا المجتمع :

١

العيادة :

/ا؛ - والعبادات كانت لتربية الضمير الإنساني ليأتلف المؤمن مع غيره » ويرتبط به ارتباطاً روحياً : وقد روي أن النبى يله قال : « المؤمن مألف فلا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف » فيا كانت العبادات لحاجة الله تعالى إليها » ولا لمجرد التقرب إليه سبحانه » حتى يكون ذات التقرب ولو بظاهر من القول غرضاً مقصودا » إنما كانت العبادات لتربية الضمير الديني اللوام عند مقارفة معصية أو مقاربتها » وللإحساس بالإطمئنان إذا كان متذكراً الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى : «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب #* ( الرعد 58 ) .

فالصلاة لا تكون محمودة إلا إذا هذبت النفس الإنسانية وطهرتها » ونقت الضمير من أدران الحقد والحسد والإيذاء » وجعلت صاحبها ربانياً لا يعمل إلا لله تعالى » ويحب خلق الله تعالى فلا يبغض ولا يحسد ويعمل لإصلاح الناس . ولا يظهر منه ما يضر الجماعة أو يفسد المجتمع » ولذلك جعل الله تعالى غاية الصلاة وخاصتها أن تؤدي إلى منع الفساد في الجماعة , وقال تعالى : #إن الصلاة تغبى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر * وهي تربي روح الإخاء والمساواة . فصلاة الجماعة يجلس فيها الأمير بجوار السوقة والشريف بجوار الضعيف . والغنيى بجوار الفقير ويلتقي الناس أمام الله تعالى وحده الذي

١

يستوي عنذه الناس أجمعون . وهم نحسون وهم 2 الحضرة الروحية بأن الله تعالى يعلم سرهم وجهرهم . وما يخفون وما يبدون وأنه حاسبهم على مقتضى حكمته .

وكانت الصلاة في الأوقات الخمسة المتفرقة في النهار بصلاة الفجر . ويستحضر الله وعظمته ء فيشوق النور في قلبه ويقدم على العمل بقلب سليم ويتعامل مع الناس بتلك النفس الطاهرة » حتى إذا أخذ القلب يصدأ أو تعتريه الغفلة عن ذكر الله تعالى كانت صلاة الظهيرة ثم صلاة الأصيل ثم كانت صلاة المغرب فالعشاء ويختم يومه بذكر الله تعالى كما ابتدأه به .

والصلاة لا تكون محمودة وتعد عبادة إلا إذا كان فيها تذكير بالله تعالى فإن سها عنه لا تكون صلاة مقبولة » بل يذم صاحبها . ولذلك قال تعالى : #فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون # ( الماعون -5). وترى الصلاة التي يذم صاحمها يلازمها أمران :

أولمما - السهو عن ذكر الله تعالى . وبذلك تفقد الصلاة خاصتها 3 وركتها القلبي 3 وجوهرها الذاي . الجماعة التى هو منها. فلا يعاونهم في حياتهم » ولا يمد يد

١6

الواصلة . ولا إمداد ذي الحاجة بحاجته . فلا يطعم المسكين

هذه هي الصلاة . وهي عمود الإسلام وهي عمود كل دين سماوي من قبل . والصوم هذب النفس كالصلاة ولكنه لا يتكرر في كل يوم خمس مرات ٠‏ بل يكون شهراً في كل عام وهو شهر الرياضة الروحية . والتجرد من اللذات والشهوات طول خبار ذلك الشهر وطرفاً من الليل .

وإن الصوم يذب النفس ويربي الضمير الإجتماعي من وجوه كثيرة فهو أو يقوى الإرادة الإنسانية ويجعلها مسيطرة على لذاتها وشهواتها واللذات والشهوات إذا سيطرت قِطعت ما بين الأحاد من علاقات . وكان التنازع بذل التعاون . فالسيطرة عليها سيطرة على أقوى سبب من أسباب التناحر والتباغض والتحاسد .

والصوم ثانيا تجريد روحي 2 يعلو به الإنسان عن أسباب الحياة المادية ويتجه إلى الله تعالى » ويكون كالملائكة في طهارتهم بيد أنه يصل إلى مكانتهم بالمجاهدة » ومعاندة الغرائز الإنسانية والسبطرة عليها . ولذلك يجعل عمله أقوى أثرا أعظم تقرياً ف تاق . ؛ لأن ما يججيء بجهاد يكون أبلغ تقرباً سمى النبي كَليِ جهاد الشهوات الجهاد الأكبر فقد روي

أن ن الرسول يلو قال عند رجوعه من غزوة غزاها في سبيل الله

أطال

ورجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبرء وهو جهاد الشهوات ») .

والصوم ثالثاً فيه بث روح الرحمة والعطف على الضعيف والمسكين والقرب من الضعفاء في مشاعرهم وإحساسهم كا فيه العلو الروحي إلى الملائكة في علاهم . ذلك أنه يشعر بالجوع فيحس بالام الجائعين . ولا يدرك الام الضعفاء إلا من يحس بإحساسهم » وإذا أدرك الامهم أمدهم بالعون وائتلف معهم وقد حث النبي يه على معاونة الضعفاء وخصوصاً في رمضان . فقد قال عليه السلام : « إبغوي في ضعفائكم . إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم » . ولقد روي أن النبي يَكةِ كان أجود ما يكون في رمضان . فإذا جاءت العشرة الأخيرة كان أجود من الريح المرسلة .

8 وهكذا نجد الصوم فيه تربية للضمير وائتلاف روحي وتعاون اجتماعي والزكاة فيها معان اجتماعية أوضح لأنها تعاون مادي وروحي . فهي من ناحية فريضة شرعية تجبى كما تجبى الضرائب . وهي من ناحية عبادة روحية يتقرب بها العبد إلى الله تعالى » ويستحق باعطائها مختاراً محتسباً النية راجياً مها أن تكون غتاً له ؛ لا أن تكون غرماً عليه » إذا نوى العبادة عند إعطائها , أما إذا أخذت كرهاً » وجبيت قسراً ى)

تحبى الضرائب واعتبرها صاحبها مغرماً يؤخذ منه . ول يعتبرها مغناً من الطاعات يغنمه » فإن لا ثواب له » لأن الثواب يكون على مقدار النية .

١ /

والزكاة حق الضعفاء في مال الأغنياء » وهي حق الله تعالى للجهاد في سبيله » والنظرة الأولى لمصارفها تريك ما فيها من معاني التعاون التي تكون خير مجتمع فاضل . فهي تكون للفقراء والمساكين لكيلا يكون في المجتمع ضعيف لا يعيش عيشة تجعل منه قوة صا حة إن كان فيه قوة » وهي تعطى من الدولة لا من الآحاد . حتى لا يكون في ذلك إذلال للآخذ , إذ أن الدولة هي التي تجمعها . وهي التي تنفقها في مصارفها . وكذلك كان يفعل محمد يَكلِّ . ويفعله صحابته الصديقون من بعله .

وهي تصرف لتحرير الرقاب » بأن يعانوا على سداد ما التزم به بعض العبيد في سبيل عتقهم . وبأن تشترى عبيد من مالها ويعتقوا » ويصرف منها على كل من انقطع به السبيل » ولا يجد مأوى يأوي إليه » ولو كان له مال في أرضه التي غادرها » ويصرف منها على الدعوة إلى الإسلام بالحسنى والدفاع عنه بالقول . والمجادلة بالتي هي أحسن وتصرف في الجهاد في سبيل الله تعالى أي في حالة الجند وإمدادهم بما يحتاجون إليه من مون وذخيرة » وتصرف في سداد الدين عن المدينين إذا كانوا قد استدانوا في غير فساد ولم يكن في تصرفهم سرف ولا إفساد ما داموا قد عجزوا عن السداد وصاروا في عسرة وتعذر معها السداد » وكذلك تصرف في سداد دين من استدانوا في سبيل صلح أو إصلاح بين الناس . ولو كان السداد لا يتعذر عليهم ليعانوا في المكارم التي أرادوها » فإن

١74

هذا الدين ي: ينمي المكارم وقد روي عن النبي 25 عله أنه قال : 00 إغا بعت لأهم مكارم الأخلاق 0 .

وهكذا نجد الزكاة تتجه إلى إنجاد مجتمع فاضل متعاون أدبياً ومادياً وتتجه أيضاً إلى حماية المجتمع من الآفات الداخلية . والاعتداء الخارجى ؛ فإن معالجة الضعف حماية للمجتمع من داخله ٠‏ وجمع لكل عناصر القوة فيه»وجزء متها يصرف لتقوية الحند وإمداده بالمؤنة والسلاح .

وهناك غير الزكاة الصدقات النثورة التى توجب على كل مسلم أن يسد حاجة من يكون في حاجة عاجلة ٠‏ فمن يعلم حال فقير يجب عليه أن يعاونه إذا كانت لا تصل إليه معونة الدولة » أو كان متعففاً لا يحب أن يمد يده ولو إلى الحكام فإنه تجب معاونته بطريقة لا ترمض نفسه . ولا يكون فيها غضاضة عليه . كأن يعطيه على سبيل الإهداء . ويتقبل منه المهدية التي لا تجهده . أو يعطيه ديناً ولا يطلب منه السداد . وأهل الفضل

يفتح الله لهم سبيل الخير من غير من ولا أذى . ويأخذون بقوله تعالى : «إيا أبها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى»* والصدقة المنثورة تطفىء نيران القلوب وتطفىء الذنوب . فقد قال عليه السلام : « الصدقة تطفىء المعصية كا يطفىء الماء النار ) .

وهناك فوق ذلك الكفارات التي تكفر الذنوب . فهي | أيضاً تقوية وتهذيب للمجتمع . ففيها عتق الرقاب وفيها إطعام

11"

المساكين وكسوتهم 3 والكفارات واجب دبي لا جمعه ولي الأمر بل يؤديه المتدين تكفيراً لذنوبه ورفعاً لخطاياه 8

ومع كل هذا صدقة الفطر وصدقة الااضحية 3 فإنبا لسد حاجة الفقير والمحتاح في عيدين عظيمين من أعياد المسلمين وهما بعد أداء فريضة دينية » فيكون العيد فرحة لأدائها على الوجه الكامل . ويجب أن يشترك في هذه الفرحة الأغنياء والفقراء بسد حاجياتهم في هذه الأيام المشرقة » ولقد

الاك واج - هو العبادة الاجتماعية التى تكون بالمال والبدن . فالصوم والصلاة عبادات للبدن يقوم با الناس أحمعون ما داموا متدينين يؤدون ما يطلبه الله سبحانه وتعالى منهم . وما دامت فيهم قدرة بدنية على الأداء أما الزكاة فهي عبادة الأغنياء يؤدون ما عليهم من حقوق للمجتمع خصوصا فقراءه وكذلك الصدقات المنثورة والكفارات .

أما الحج . فإنه عبادة تجمع بين البدن والمال . فلا نجب إلا حيث الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية بالقدرة على

والحج لمذا المعنى وهو الجمع بين عبادة البدن وعمادة المال كان فيه المعنيان وكان فيه تعاون أعظم وأكمل وفيه تهذيب روحي أوضح وإن لم يكن أقوى . فهو من الناحية الروحية يذهب المسلمون من كل فج عميق إلى بيت الله

١

تعالى ؟؛ ويشعرون بأنهم ضيوفه » فيلتقون على مائدته الروحية على تقوى من الله تعالى ورضوان . وهم يشعرون أنهم في المناسك أقرب إلى الله تعالى منهم في أي مكان آخر. وإن كانوا دائ في ) قرب منه إذا أحسئوا الدعاء والضراعة . كما قال تعالى : «وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني» وهم يشاهدون آثار أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام , فيشعرون بوحدة العبادة في الرسالات كلها ويشعرون بالوحدة الإنسانية » لا بين أهل هذا الحيل والأجيال القابلة فقط. بل يشعرون بهذه الوحدة الإنسانية والروحية بين الحاضرين والماضيين . فلا يكون نزاع بسبب الماضي . كما تكون مودة ورحمة في الحاضر .

والناس أمام الله تعالى وف أرضه المقدسة وحرمه الآمن يشعرون بالمساواة المطلقة أمامه من غير تفرقة بين الأقاليم والأجناس . إذ يلبسون جميعاً لباساً واحداً غير مخيط » حتى لا يختلف الشكل . والناس يختلفون في أشكال ثيامم من حيث خياطتها وحياكتها . فإذا كانت جميعها من نوع واحد ليس هو أعلاها ولا أوسطها بل من أدناها وهو القطن ومن غير اختلاف في الشكل ء فأن الجميع يشعرون بأنهم سواء وأخهم أمة واحدة مها تختلف أقاليمهم .

ومن الناحية الروحية أيضاً في الحج تكبير الله تعالى حيث| حلوا وحيث) سافروا وحيثا تغيرت مهم الأماكن من مرتفع إلى منخفض أو من منخفض إلى مرتفع .

١

وفي الحملة الحج ذكر دائم لله تعالى في أيام ادائه وهو لأدوائها وهو الذى تقربه النفوس المالعة ,

ومن الناحية المادية يلتقى المسلمون على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأقاليمهم في حرم الله تعالى الآمن . ويتعرف أهل كل إقليم ما عند أهل الإقليم الآخر من خير يفيض عن حاجتهم . وذلك فوق أن التعرف نفسه فيه أنس روحى أدبي . وبهذا التعارف الأقليمى . يتحقق قوله تعالى : فإيا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم 4 ففي الحج تعارف فعلي والتقاء روحي وسبيل للتعاون المادي على تراحم وتواد من غير منافسة ولا منازعة . لأن الزاد المادي فيها يقترن بزاد من التقوى كا قال تعالى : #إوتزودوا فإن خير الزاد التقوى# .

١ه‏ هذه إشارات إلى العيادات وننتهي منها إلى

الأولى - أن العبادات في الإسلام تتجه إلى تربية الوجدان الديني الذي يجعل المؤمن بالإسلام مؤتلفا مع غيره . ليتكون من هذا الإئتلاف مجتمع إنساني متواد متحاب . والمودة والمحبة إذا سكنتا في القلب لا تختصان بأهل دين دون دين آاخرء بل تكون للجميع » وسنتكلم في ذلك إن شاء الله تعالى في موضع خاص بها لبيان العلاقة الإنسانية العامة في الإسلام . وأنه إن

تضييل

سادت مبادئه العالم كانت معها المودة والمحبة والوئام بين الناس جميعاً لا فرق بين مسلم وغير مسلم . وإن من يحاول الإفساد فيه يناله عقاب الجماعة لتحمي نفسها منه وتعيش في سلام .

الثانية ‏ أن العبادات في الإسلام ليست غايتها مجرد التقوى السلبية » بل أن العبادات في الإسلام تتجه إلى النفع الإنساني في العالم وإلى إيجاد مجتمع متحاب غير متباغض ولا متنازع » وإنها إذا لم تؤد إلى هذه الغاية العالية لا تكون عبادة محسوبة لصاحبها مرضية من الله تعالى » بل تكون محسوبة عليه ولا تنتج خيراً له بل تننج وبالا عليه » لأنه لم بخلص النية لله تعالى وامارة الإخلاص لله فيها أن تكون مطهرة لقلبه قاضية على الشر فيه » مؤلفة بينه وبين الناس . ومن الشرك الخفي المراءاة في العبادة . فقد قال عليه السلام : « من صلى يرائي فقد أشرك . ومن صام يرائي فقد أشرك . ومن تصدق يرائي فقد أشرك » .

العمل عبادة : - وليست العبادات في الإسلام مقصورة على الصلاة

والصوم والزكاة والحج » فإن كل عمل يقصل به وجه الله تعالى والقيام بحق الناس استجابة لطلب الله تعالى بإصلاح الأرض ومنع الإفساد فيها يعد عبادة » فالعامل الذي بخلص في عمله ويقوم بواجبه مرضاة لله سبحانه وتعالى واستجابة لأمره يعد في عبادة مستمرة » ومن يعمل عمل ينتفع منه الناس يقدم

تور

صدقة يثاب عليها وقد قال مَل : « من زرع زرعا أو غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة كتب له به صدقة » .

ولقد روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رأى رجلا يتحامل على الناس فسأل عنه فقيل هذا عابدنا فقال عليه السلام ومن يؤ كله ؟ قالوا كلنا يؤكله . فقال عليه السلام

وقد روي أن رجلا مثل هذا الرجل دخل على عمر بن الخطاب . فسأل ىا سأل رسول الله يك فقالوا له أخوه فقال عمر رضي الله عنه أخوه أعبد منه .

والسعي على العيال والقيام على شئونهم ورعايتهم من أفضل العبادات المكفرة للذنوب . ولذلك نسب إلى النبي نه أنه قال : «من الذنوب ما لا يكفر إلا السعى على العيال » .

وبذلك يتبين أمران :

أوهم| ‏ أن العبادات في الإسلام ليست ترداً عن الدنياء ولكنها في العمل لشئون الدنيا أيضاً بسد حاجات الناس , ومد يد المعونة اليهم وطلب المرضاة من رب العالمين خالق الناس .

ثانيهه| ‏ أن العامل إذا لاحظ أنه يقوم بخدمة اجتماعية للناس ( وأنه يؤذيهم إن امتنع وم يعمل وأنه إن أراد أن يعمل

؟,

لإرضاء الله تعالى بنفع عباده يعلو إلى مستوى تسمو فيه نفسه عن أن يكون خخادما لأحد من الناس ٠»‏ بل خادم للكافة يقوم في حدود عمله بقدر طاقته ويشعر أنه ما دام يعمل فهو يعبد الله تعالى » وأنه إن ترك عمله ينقص من حاجات الناس بمقدار الترك .

وأن هذا بلا ريب يربط الآحاد بمجتمعهم ربطأً وثيقاً . الرأي العام الفاضل

*ه ‏ إن العبادات غذاء الأرواح » وبها يتقوى الضمير الإجتماعي ويعلو ولكنه يكون كالبذرة الصالحة لا تحيا حياة طيبة إلا في تربة تغذيها وفي جو ينميها » فإن لم يكن واحد من هذين الأمرين ذبلت ولا تنبت نباتاً حسنا . والجو الصالح لتنمية ما تبذره العبادة في النفس والتربة الصالحة للأنبات بالنسبة للضمير هو الرأي العام الفاضل . فإذا كان الرأي العام ليس -فاضلا لا يكون للوجدان الديني الذي تربيه العبادة تمرته الطيبة » وإذا كانت العبادات تغذي الرأي العام بأحاد تربت وجداناتهم » فأن الرأي العام هو الذي يحمي أصحاب الوجدان الطيب من الأشرار . لأنه لا يمكن أن يكون الناس جميعاً أخياراً » فأن ذلك مجافاة للفطرة الإنسانية التي خلق الله تعالى الناس عليها .

فالرأي العام يقوي الوجدان الفاضل . ويوجد رقابة نفسية ورقابة تجعل كل شرير ينطوي على نفسه فلا يظهر شره ,

وكل خير يجد الشجاعة فيظهر . وأنه لا ينمي تهذيب الآحاد إلا رأي عام فاضل يعمل على نصرة الفضيلة وإخفاء الرذائل حتى تذبل في مكامنها . ولا يفسد الجماعة إلا الرأي العام الفاسد الذي يتقاصر عن حماية الفضيلة ويترك الرذائل رافعة رأسها .

ولذلك عمل الإسلام على تكوين رأي فاضل يقوم لمعوج ويسير بالمجتمع في خط مستقيم لا عوج فيه .

4 - وأول أمر أتجه إليه الإسلام في تكوين رأي عام فاضل هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فأوجب على الأمة مجتمعة على وجه الواجب الكفائي أن يكون من بينها من يتولى الإرشاد العام ليمتنع الأشرار عن شرورهم ويسير الخير في مجراه . فتكون الجماعة في فضيلة ظاهرة .

وإن الإرشاد العام فرض كفائي كا رأيت . ولكن هناك فرض عيني على كل فرد رأى شراً أن يمنعه ما لم يكن في عمله إفساد للنظام أو جعل الأمور فوضى لا ضابط للا . ».فمن رأى رجلا يؤذي آخر عليه أن يمنعه ما دام في طاقته ومن رأى آخر يعمل عملا فاضحا عليه أن يقطع عليه السبيل لإتمامه عملا بقول النبي كَلْةِ : « من راى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فيلسانه فإن ١‏ يستطع فبقلبه » والحال الأخيرة تكون عندما يسود الرأي العام الفساد .

ولقد جاءت النصوص بالأمر بالمعروف والنبي عن المنكر . فقد قال تعالى : #ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير

فت

ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون * ( ال عمران .)١١84‏

وذكر القرآن أن الأمر بالمعروف والنبي عن المنكر خاصة الأمة الإسلامية ومناط خيرها , قال تعالى : « كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتغهون عن المنكر وتؤمنون بالله» ( آل عمران .)١١١‏

وإن الئاس إذا كان فيهم اللوم على الشر وتشجيع الخير كانت أمة فاضلة . فإنها إذا تناهت عن المنكر يختفي » وإذ وقع رافعا رأسه ولا يوجد من ينكره , لأن الشر الذي يظهر على السطح هو الذي يغري الناس به » وإن الأمة كلها تعتبر ذم القران الكريم بني إسرائيل . لأنهم أفسدوا مجتمعهم بترك الآثمين يرتعون ف إثمهم من غير أن ينبوهم . ولذلك قال سبحانه وتعالى : «لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم . ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه . ليئس ما كانوا يفعلون» .

وإن الآثمين إذا تركوا من غير رأي عام مهذب لاثم هدموا بناء المجتمع فإذا لم يأخذ الفضلاء على أيديهم سقطت الأمة. وتغيرت حاها , واضطربت أمورها وتقطعت الصلات التي تربطها : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما

1١ال‎

بأنفسهم»* ولقد ضرب النبي كَِةِ مثلاً لمن يتركون الأشرار يرتعون من مراتع الشر ولا ينبوهم فقال عليه السلام : « مثل المدهن 5 حدود الله (أي الذي لا يقيم الحق ولا يخفض الباطل ملقاً أو تهاوناً ) مثل قوم أستهموا في سفينة فصار بعضهم في أسفلها وبعضهم في أعلاها . ؛ فكان الذي في اسفلها يمر بالماء على الذي في أعلاها ٠‏ فتأذوا به فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة » فأتوه » فقالوا مالك ؟ قال : ( تأذيتم ولا بد لي من الماء » فإن أخذوا على يديه أنجوه . ونجوا بأنفسهم . وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم ») .

وإن هذا لمثل النبوي الكريم ينبيء عن حال الجماعة إذا لم تتعاون على دفع الشرء فإنها هالكة لا محالة وأن عدم التعاون على دفع الشر يفرق أمر الجماعة . ويجعلها متنابذة متدابرة لا تجتمع قلوبها . ويكون التنافر بين احادها ولقد قال عليه السلام : « لتأمرن بالمعروف ولتهون عن المنكر. ولتأخحذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً » وليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم تدعون فلا يستجاب لكم » .

هه - في سبيل أن يتكون رأي عام فاضل حث الاسلام على الحياء . لأن الحياء هو أساس الائتلاف بين الآحاد . إذ أنه بحمل المرء على ألا يظهر منه إلا ما يقبله الناس . ولا ينفر منه الذوق السليم . فهو الذي توجد به اللياقة الاجتماعية التي يظهر فيها الخير ويختفي الشر . ولذلك حث عليه النبي وله

١4

الذي يمنعه من الانطلاق وراء هواه ؛ فلا يكبحه خلق ولا عقل . ولذلك يقول عليه السلام : « إن هما توارئه الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شكئت » أي أن الحياء هو القيد الخلقى المانع » فإذأ انحل انحل معه الخلق والإرادة إنطلقت الغرائز الإنسانية معلنة شرها » لا يستثر منها ما ينبغي إستتاره » بل تظهر كل اثارها وإذا ساد الحياء انضبطت النفس بقيود خلقية واستتر فيها نزوع الشر واستتاره جعل الظلام يقتله » أو لا ينمو ويزيد .

وحيث انضبطت النفوس بالحياء لم يكن منها إلا ما يليق وينبغي » وبذلك تقوى العلاقات الإإجتماعية بين الناس ويكون التألف والتحاب . ولذلك يقول عليه السلام : « لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء ا الدفاع عن الحق في موطن يجب الدفاع عنه . وهذا أمر محمود فيظهر كل ما يشرف ظهوره ولا شك أن قول الحق ما يشرف الإنسان ظهوره وترك قول الحق في موضعه يعد استخذاء ولا يعد حياء » والفرق الضابط بين الحبن والحياء أن الحبن يخفي

عي

ما يجب إعلانه » والحياء يخفي ما لا يسوغ إعلانه .

والحياء لا يتعارض مع الحرية . لأن الحرية ليست إنطلاقاً من القيود الخلقية إنما الحرية الحق لا تتصور إلا مقيدة با لا يضر الناس . ولا يفرق جمعهم ولم يكن مشتملاً على توجيه إلى الفضيلة . والحياء لا يعارض هذه الحرية . إنما يعارض الانطلاق غير المقيد بشكائم خلقية . والحرية الحقيقية تقيد الإنطلاق ولا يتلاقيان .

5 وإن الإسلام حريص على أن يكون المجتمع نظيفاً لا يظهر فيه الخبث . بل يستتر فيه عن الأنظار » ولذلك حث على ألا تعلن الرذائل بل تختفي وتعلن الفضائل ولا تختفي . فلا تكشف أستار الحريمة على الناس . ولا تظهر إلا ومعها عقوبتها . لأن إعلانها يحردة عن العقاب يفسد الحو الإجتماعي لأن ظهور الشر يغري الناس باتباعه فالرذيلة إذا أعلنت من غير عقوبتها كان ذلك تنبيها وتعلياً للأشرار » وكثيراً ما نجد جرعة وفعت 2 وهي_ حاكية لجريمة أعلنت فكانت الثانية تبعاً للأولل . وكثيراً ما يصرح الاغرار بأن ما ارتكبوا تعلموه من صحيفة نشرته أو إذاعة مرئية أو غير مرئية أعلنته .

ولذلك حث الإسلام على عدم إعلان الجريمة غير مقترنة بعقوبتها » واعتبر الإعلان جرية . فمن أعلن جريته فقد ارتكب جريتين : جريمة الفعل وجرية الإعلان » ومن أعلن جريمة غيره فقد شارك في اثمها بمقدار ما أرتكب من إعلان .

١.

ولقد ص محمد مبذه الحقيقة 3 وقال : ) أمها الناس من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فاستثر فهو في ستر من الله ومن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد ») .

ولقد قال عليه السلام : « إن من أبعد الناس عن الله

منازل يوم القيامة المجاهرين قيل ومن هم يا رسول الله قال

ذلك الذي يعمل عملا بالليل قد ستره الله تعالى عليه فيصبح يقول فعلت كذا وكذا يكشف ستثر الله » .

/اه ‏ ومن هذا يتبين أن واجب المؤمنين أن يتضافروا لإيجاد مجتمع فاضل . ولا يسكت مؤمن عن الدعوة إلى الفضيلة في دائرة إستطاعته من غير فتنة ولا نفض للصلات بين الجماعة . ولقد نبى النبي المؤمن عن أن يقف على الحياد في لعركة بين الخير والشر قي دا ئرة الجماعة التى يعيش فيها » بل عليه أن يكون عنصراً إيابياً عامل » فقد قال عليه السلام : ولا يكن أحدكم أمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤا أسأت . بل وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس تحسنوا وإن أساءوا فتجنبوا الإساءة » ولماذا كان الإسلام حريصاً هذا الحرص على تكوين رأي عام فاضل : ذلك لأن الرأي الفاضق تخبو فيه الرذائل وتعلن فيه الفضائل . ولإن الناس يرهبون قوة الرأي العام 5 وهو يردع أكثر مما تردع السيوف » وإن رأيت الشر قد تفشى قوماً حتى ساد جموعهم وصرت تصف هذه الجماعة بالشر ‏ فأعلم أن ذلك ليس معناه أن كل واحد من

١5

هذه الجماعة شرير لا خير فيه وأن الخير أنعدم فيها » بل معناه أن الجماعة سادها الشرء وسيطر عليها دعاته. 'وأهل الدعارة 4 ولو ضخمت أسماؤ هم وعظمت ألقابهم 3 فعظم الأسماء والألقاب لا يمحو وصف الشر 2 وكلا عظمت أسماء الأشرار زادت سطوتهم في وصف الرأي العام بالشر ء وإن كان الأكثرون أخياراً 2 ولكنهم انطووا في لحة الجماعة 3 فلا تسمع لهم صوتاً لأنهم يتسوا من الإستجابة » أو ضعفوا عن حمل العبء . وهذا إن كان ينقص قوة الخير فيهم لا يمحوها. فهم يوجد الأقوياء في دين الله الذين يعملون على التغيير .

واقرأ الآن الصحف السيارة في العالم » واستمع إلى الإذاعات التي تقطع أجواز الفضاء . فإنك لا تجد صوتا قوياً كله تقوم تبه > حي قال كيد جولة قبل قوسا دوي لما إن لم يتفق على منع التسلح » .

ولكنه لن يتفق لأن الرأي العام العالمي فاسد . قد سيطر عليه كبراء يتحدثون بلسان الوحوش قُْ الغابة » حى أنهم يمكضغون كلية الإنسانية مضغاً عندما يريدول شرا 3 والمذابح البشرية تدورء وجميعهم ينظرون إليها نظرة الفرح 0 أو الخائف المستيئس . وتنفق ألوف الألوف كل يوم من ء حدوى إلا أن قال نحت سياسة ثلك الدولة أو هزمت تلك الآأمة الضعيفة .

١ع"‎

فهل رأيت قادة الفكر من حملة الأقلام » أو من ذوي الألسنة أو من الفلاسفة والحكاء » قد تحركوا لذلك الخطر الداهم الذي لا يبقي ولا يذر إن سار إلى غايته » وإنتهى إلى مايته » هل رأيت رجال الدين قاموا في معابد تلك الدول التي تسلح نفسها بالآلات المدمرة » والبي تتخذها تجارة لا تبور, وأخذوا يبينون لمن يقصدونها بغية ذلك على الناس وأن الدين يدعو إلى السلام إلا أن يكون إعتداء بالفعل » أو إستعداداً للاعتداء .

إننا نجد أحياناً أصواتاً تسمع في خفوت تدعو إلى السلام » ولكن لا تلبث أن تذهب في وسط عجيج الأسلحة وليب النيران » ومثلها كنسيم عليل لا يلبث أن يذهب في وسط ذلك الأجيج الشديد من النيران .

يا سيدي يا رسول الله » لو كنت اليوم بيننا لدوى صوتك الكريم في العالمين يدعو الناس إلى الرحمة » وإلى الإمتناع عن الظلم والسير في طريق الظالمين ومعاونتهم , ولسمع العالم كله قولك عن ربك : «يا عبادي إن كتبت العدل على نفسي فلا تظلموا ) ولسمعك الناس وأنت تقول : ومن مشى مع ظالم فقد سعى إلى النار» ولكنك مضيت إلى ربك » وتركت في اتباعك المحجة البيضاء . فهل قاموا يما يجب عليهم . اللهم اهدهم إلى سواء الصراط .

١

م - يقول الله تعالى : يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون . وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وني هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس . فأقيموا الصلاة واتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير» (الحج /الا ) .

هذه اية من اي الكتاب الكريم الحكيم تصور لنا موقف الإسلام من الحياة » فالعبادة مقترنة بفعل الخيرء لأنه غايتها وثمرتها » وليست العبادة في ذاتها فرضا مقصوداً لذاته يقتصر عليه . حتى لا تتحول إلى أشكال وصور لا تمس القلوب ولكنها غاية وراءها غاية لا تتحقق إلا بها . وقد بين أن الإسلام هو شريعة النبيين من لدن إبراهيم يم إلى أن جاء محمد ظَلِِ وبينت أن الإسلام من الفطرة الإنسانية التي لا تعيش معها في ضيق

١ا/‎

وحرج بل تعيش معها عيشة ليست ضككاً . وليست إسرافاً وترفا .

كانت الشريعة الإسلامية وسطا كما قال تعالى : «وكذلك جعلناكم أمة وسطا 4 والوسطية تتقارب مع معنى المثالية لذلك فسر العلماء معنى كلمة أوسطهم الواردة في قوله تعالى : #إقال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون» ( القلم /؟) بمعنى أمثلهم وأعدلهم قولاً وأصدقهم .

وقد فسر كذلك بعض المفسرين قوله تعالى : # وكذلك جعلناكم أمة وسطا * ( البقرة ١4‏ ) أي أمة مثالية لو اتبعت شريعة الله سبحانه وتعابللى وقامت بحقها .

ولقد فسر كثيرون معنى الوسطية بأنها وسط بين الروحانية والمادية وأنها لم تهبمل مطالب الجسم بجوار عنايتها بالروح وتبديب النفس وتربية الوجدان . ونقول إن كلا التفسيرين سليم ء وهما متلاقيان غير متضادين » ولا مفترقين .2 فهي مثالية لهذا المعنى الجامع بين المادة والروح » وهي شريعة الفطرة لا تعاندها ولا تقاومها . وهي شريعة الروح ترفع الإنسان إلى المعارج العليا وتهذب النفس . فلا تنحط إلى سفساف المادة , وهي تعطي الجسم حقه وحظه . ولا تميت الغرائز بل تهذبها . ولا تقتل شهوات النفس بل توجهها إلى الطريق المثمر المنتج وتبعدها عن الطريق الوىء المهلك ولقد قال على بن أبي طالب : ( إن للقلوب شهوات وإقبالا وأدبارا فأتوها من قبل

١4

شهواتها وإقبالها فإن القلب إذا أكره عمى »

8 وهذا حمعت الشريعة بين غذاء الروح وغذاء الجسم ء » بين رفعة النفس إلى المحل الأرفع الذي هبطت منه كا قال ابن سينا : هبطت إليك من المحل الأرفع

ورقاء ذات تعزز ونمقنع ولقد قال الله سبحانه وتعالى في) جاء على لسان قوم قارون الذي طغى باله وبغى عليهم : #وابتغ في) أتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين * ولقد قال تعالى : # من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة» أي أن ما عند الله تعالى » وما شرعه لعباده فيه صلاح الدنيا والآخرة وكذلك كانت شريعة الإسلام ليست فيها عبادة المجرد تطهير الروح » وإكث كان تطهير الروح في ذاته أمراً حسناً : ولكنه غاية من الغايات وليس هو الغاية القصوى . وقد أشرنا إلى بعض من ذلك فتطهير الروح غاية ووسيلة » هو غاية لأن القرب من الله في ذاته أمر حسن مطلوب . وهو وسيلة لإصلاح الجماعة الإنسانية وتطهيرها من أرجاس الأهواء والشهوات وتحكم الشر الذي ينطق أهله باسم إبليس في هذه الأرض . ولذلك كان لا بد من العناية فيها بأمر الجسم والروح .

هع

فالآيات الكثيرة التي تدعو إلى العناية بالجسم غذاء ولباساً واسترواحاً ٠‏ كثيرة واردة في فى القران الكريم » ومن ذلك قوله تعالى : «إيا بني ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله النتى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وآن تقولوا على الله ما لا تعلمون » وقال سبحانه وتعالى : « يأيها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم . ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * ( المائدة لالم ) .

ولقد قال عليه السلام : « كلوا واشربوا والبسوا في غير سرف ولا مخيلة » ولقد كان النبي ككْةِ ينبى عن الكبر . وأكثر من النبي عنه . فتوهم بعض الناس أن من الكبر العناية بالثوب في مظهره . فقالوا يا رسول الله : « إن الرجل يحب أن يكون ملبسه حسناً ونعله حسناً . أفهذا من الكبر فقال عليه السلام : ( إن الله حميل يحب الحمال. الكبر بطر النعمة وغمط الناس » وبهذا يبين النبي يِه أن العناية بالجسم غذاء ولباساً أمر حسن في ذاته . إلا إذا ترتب عليه بغي وفساد وغمط للناس . فإنه يحرم لذلك لا لذاته » بل على التحقيق المحرم هو البغي والاعتداء وغمط الناس حقوقهم .

لل

ليس في الإسلام إذن عبادة فيها تعذيب الجسم لتطهير الروح » وليس فيه عبادة تتضمن معنى الانقطاع عن الدنيا فليس فيه رهبانية ولقد قال عليه السلام : ١‏ لا رهبانية في الإسلام » فليس فيه ناس يعتكفون في الصوامع ويختصون بهذه العبادة ويأخذون أنفسهم بها . لأن عبادات الإسلام يخاطب بها الجميع ولا يختص فريق من الناس بنوع منها لأن الجميع مخاطبون بكل عبادة ولا يتصور أن تطلب الرهبانية من كل الناس . وإلا تعطلت الحياة . وفسد أمر الناس . وتعطلت أسباب الرزق .

وإذا كان بعض الناس يريدون أن يقدموا أنفسهم فداء لأمتهم لا يدفنون أنفسهم في الأديرة أحياء ولكن يقومون بعمل نافع للمجتمع يكون فيه ذود عن حقوقهم وحماية فعلية . ولذلك جعل النبي كَلْةِ الرهبانية في الإسلام هي في الجهاد . وروي عنه أنه قال عليه السلام : ( رهمانية أمتي في الجهاد ) فالمجاهد يقطع نفسه عن الحياة لعمل نافع للجميع » ولكنه عمل إيجابي لدفع الشر في الأرض . فهو لدفع الاعتداء ولإعلان كلمة الحق . وليسود العدل ويترك المجاهد أهله وأولاده ويسد الثغور ويرابط في سبيل الله تعالى وذلك بلا ريب عمل إيجابي .

وإذا كان الراهب ينقطع عن المال ويتركه . فالمجاهد يقدمه لتستعين به الأمة في إقامة العدل ودفع الظلم ومن الجحهاد

١6١

الدعوة بالقول وإعطاء المال ولقد قال عليه السلام : « جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم » ولا شك أن الجهاد في سبيل رفع الحق وهدم الباطل ودفع الاعتداء الذي م تشرع الحروب في الإسلام إلا لأجله أمر نافع على أن يكون دفاعاً عن الحق فعلاء ؛ لا قولا يشقشق به الساسة حين يسترون باطلهم بإسم الحق . ولا يريدون إلا الباطل » وإننا لو وازنا بين فائدة ذلك الدفاع الذي يمنع شرور الإنسانية والفساد في الأرض وبين الاعتكاف في الصوامع للعبادة المجردة . لتبين أن الجهاد أجدى وأنفع للانسانية » وان تقوى العابد لنفسه وجهاد المجاهد للناس + سئل الإمام أحد عن رجل يريد أن ينضوي محت

جيش المسلمين . وأمامه قائدان أحدههما ضعيف تقى تقي » والآخر قوي ليس بتقي ٠‏ فقال الرجل مع أبيما أعمل » فقال الإمام التقي الورع أعمل مع القويى » لأن التقي تقواه لنفسه »2 وضعفه على المسلمين . والآخر فسقه على نفسه . وقوته

وإنه يجب أن نقرر أن الجهاد الذي سماه النبى مَل رهبائية أمته : أجدى من رهبانية العكوف على العبادة والانقطاع عن الحياة » أو الموت القانوني . كما يسميه القانونيون الذين توجد في بلادهم الرهبانية .

١‏ ولأن الإسلام حرص على تهذيب النفس من غير إهمال الجسم كانت العبادة فيه ليس فيها تعذيب للجسم لتقوية

05

الروح » أو تمبذيب النفس ٠‏ .إنما الذي إشتمل عليه هو تقوية الإرادة الإنسانية لتحكم الشهوات . فيقوى الجسم والروح معا ويسير في طريق الخير » والسعادة الحقيقية في هذه الأرض .

وكان كل ما فيه من تكليفات في حدود الطاقة الإنسانية » وما فيه من مشقات يلاحظ أنه يكون في حدود هذه الطاقة البشرية التي يمكن الإستمرار عليها .

ولقد يسوغ لنا أن نقسم المشقات التي تشتمل عليها التكليفات الشرعية إلى قسمين :

أولما : مشقات يمكن احتمالها والاستمرار عليها . وهذه يمكن التكليف فيها وتكون الموْ اخذة على التقصير كالصوم فإن فيه مشقة » ولكن يمكن إحتماها والإستمرار عليها » ولكن بشرط ألا يزيد عن الطاقة . ولذلك يجب آلا يكون فيه إرهاق . ولهذا ممى عن صوم الوصال بأن يصوم يومين متتاليين من غير أن يتخلل بينه| أفطار . ونبى عن صوم الدهرء بأن يستمر في صوم دائم .

وفي الحقيقة أن كل تكليف فيه نوع من المشقة . ولكنها محتملة حتى الصلاة ولذلك قال تعالى : # واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين * وأدنى ما في التكليفات من مشقات رياضة النفس على ترك الممنوع والأخذ بالمشروع ‏ أذ كل ممنوع متبوع .ولذلك ورد في الحديث الشريف :( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات . وإن أسباب العصيان

١0

دائ) اتباع المهموى والشهوة . والسير معهما إلى غايتهما » وأسباب الطاعات فطم النفس فتكون الشهوات خاضعة لماء ولا تخضع لما الإرادة الإنسانية , بل تقفا حيث يقضي العقل والمنفعة الحقيقية . وأن هذا بلا شك في ذاته مشقة على النفس التي تسيطر عليها الشهوات . ولو كانت كل التكليفات أمراً سهلا خالياً من المشقة ما وجد مخالفون ولا عصاة » ولو كانت التكليفات تسير مع الأهواء جنباً جنب ما وجد إعتداء ولا ظلم . ولكن الله تعالى اختبر الإنسان فجعل فيه داعي الطاعة وداعي المعصية ينبعثان من بين جنبيه .

ثانيهما ‏ المشقات التي لا يمكن الإستمرار عليها ولا تحتمل إلا ببذل أقصى الطاقة . وتلك قد يؤدي التكليف فيها الى تلف النفس أو المال أو العجز الكل .

وإن هذا القسم يجوز التكليف فيه إذا كان يؤدي إلى نفع إنساني يتكافاً مع المشقة التى تحتمل في سبيله . ولا يكون التكليف به دائما . كالصلاة والصوم والزكاة وغيرها من التكليفات . ومن ذلك الحج فأنه ليس كل إنسان قادرا عليه ولذلك لا يجب إلا على المستطيع ؛ وهو العبادة الوحيدة التي نص فيها على أشتراط الاستطاعة فقد قال الله تعالى : #ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا4 ولقد قال النبي كه : « بي الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله . وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة . وإيتاء الزكاة » وصوم رمضان .

١

وحج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا » ولما فيه من هذه المشقة كانت فريضته على المستيطع وحده وكانت مرة واحدة في العمر كله .

ومن أوضح التكليفات الشديدة التي لا يطيقها 3 الناس الجهاد في سبيل الله تعالى لرفع الحقى ودفع الاعتداء عن أهل الحى . فهذا مشقة شديدة ليس كل الناس ارا عليه » 2 وليس كل الناس بمستطيع الدوام عليها .

ولذلك كان الجهاد فرض كفاية . لأنه لا بد منه ولا يستطيع الناس الاستغناء عنه » فكان على الأمة مجتمعة أن تعد المجاهدين . باختيارهم وتزويدهم بالثقافة العسكرية والعتاد والعدة .

وكذلك الصبر على النطق بكلمة الحق عند الظالين » وهو موضع ثواب لمن يقوم به وقد يؤدي إلى الموت ظل) فهو مشقة فوق الإحتمال ولذلك أعتبر منزلتها يوم القيامة كمنزلة الشهداء أو أعلى طبقاتهم » وقال يل : « أفضل الجهاد كلمة حق لسلطان جائر » وقال عليه السلام : « سيد الشهداء حمزة ابن عبد المطلب ورجل قال كلمة حق أمام سلطان جائر فقتله » .

وإن العلماء متفقون على أن تحمل المشقات في سبيل الدفاع عن الحق ولو كان فيه بذل أقصى الطاقة أمر محمود ويثاب المرء عليه . ولذلك قال الله تعالى فٍ ثواب المجاهدين

1١06

#إذلك بأمهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيلٍ الله . ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا

إلا كتب هم به عمل صالح * ( التوبة ١١‏ ) .

5 وإنه يمكننا أن نقرر أن التكليفات التي تكون فيها مشقات تكون غير دائمة . كالحج فإنه لا يشرع إلا مرة واحدة في العمر. أو تكون هذه المشقات الشديدة التي تكون فوق' المعتاد تفرض في الصور التي يكون فيها نفع عام . بحيث تكون المنفعة التي تترتب عليها أكبر من الضرر الذي ينال من يقوم مهباء» وعلى ذلك تكون في إحدى أحوال ثلاث :

أولما : في الفروض الكفائية التي لا يصح إهمالها . بل يكون في تحققها في الأمة مصلحة وحفظ لكيانها ولسيادة الفضيلة فيها ء فإنها ان لم تكن إنحلت الأمة وفشلت وذهبت ريحها كالأمر بالمعروف والنبي عن المنكر فأنه واجب على من عينته الأمة أو تعين هو لأدائه . ولو أدى ذلك إلى تلف نفسه .

انيها ‏ في الأحوال التي يتوقف نفع عام على القيام بها كالتعرض للأحداث الكونية في سبيل القيام بعمل نافع لخدمة الإنسانية » ولو أدى ذلك إلى بذل النفس والنفيس في سبيل تحقيق ذلك النفع كأولشك الذين يجازفون بأنفسهم في سبيل تحقيق نفع للإنسانية .

ثالثها ‏ في الأحوال التي يكون فيها محافظة على حقوق

١05

الغير من العباد أو على حقوق الله تعالى » فمن أكره ليقتل إنساناً ٠‏ أو ليرتكب جريمة حد من الحدود وتعرضت نفسه للتلف . فإن الصبر في هذه الحال يكون موضع ثواب وأن كانت المشقة شديدة وإحتمالها صعبا .

ويلاحظ في هذه الصور وأشباهها أن العمل الذي يكون مشقة لا يستحسن لذاته . إنما يستحسن لا فيه من نفع أكبر ودفع ضرر أشد .

ويستخلص من هذا أن المشقة الشديدة في ذاتها ليست أمراً يتعبد به لأن تعذيب الجسم لتطهير الروح ليس من مقاصد الإسلام . إنما الذي يتفق مع مقاصد الإسلام هو أن تكون المشقة غير المعتادة لدفع ضرر أو لحلب نفع . وبذلك تكون محققة لقصد من مقاصد الإسلام .

5 والشريعة الإسلامية لحرصها على ألا تكون العبادة فيها بعيدة عن معنى المشقة المجهدة كانت تتجه إلى اليسر من الأمور دائياً » وكان يله يحث على التيسير ويملع التشديد . ولقد قال عليه السلام : « بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا » ولقد قالت عائشة رضى الله عنها في وصف أعماله عليه السلام : وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكون اثما » ولقد نذر بعض الصحابة أن يصوم يوما في الشمس ليجمع بين عطش الصوم واجهاد الحرور . وراه عليه السلام , فمنعه من أن يستمر في الشمس وأمره أن يتم الصوم في الظل ‏

١ /ا6‎

لأن الصوم في الشمس لغير مقصد شرعي إلا المشقة فيه عصيان لأوامر الله ورسوله . والنبي عليه السلام يقول : « من نذر أن يطيع الله فليطعه . ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه » .

راقد روي أن بعض الصحابة أخذ على نفسه أن نصوم المبار ويقوم الليل » وأخذ بعضهم على نفسه أن يعتزل النساء » فبلغ النبي كَل ذلك . فوقف بينهم وقال : «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا أما والله إني لاخشاكم لله واتقاكم له ولكني أصوم وأفطر . وأصلي وأرقد 2 وأتروج النساء فمن

ولقد أقر النبي كَكةِ كلمة سلمان الفارسي عندما قال لأخيه في مواخاة النبى يل أبي الدرداء : « إن لربيك عليك حقا , ولنفسك عليك حقا . ولأهلك عليك حقا . فاعط كل ذى حق حقه ) .

وقد كان النبي عليه السلام حريصاً على ألا يكلف المؤمنون أنفسهم من العبادات إلا ما يطيقون . ويقول : « عليكم من الأعمال بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا » ويقول عليه السلام : « لن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبهولكن سددوا وقاربوا » وروي أنه عليه السلام قال : « إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهرا أبقى » .

وإن العبادة طاعة مستمرة . والإسلام يريد استمرار

١04

العبادة » ولذلك دعا إلى التيسير فيها. لأن اليسير يمكن الإستمرار عليه فكان يؤثر العبادة الدائمة السهلة على العبادة الشاقة البي لا تمكن المداومة عليها , ولذلك قال عليه السلام : و أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل » وقال : « إن الله يحب الديمة من الأعمال » .

وإن دوام العبادات السهلة يجعل المرء في إحساس دائم برقابة الله تعالى ولذلك كانت العبادة المستمرة السهلة أحب » لأنها توجد ذكراً دائ) لله ولا تقطع العابد عن عبادة الله تعالى بالعمل في الحياة . لأن العمل في الحياة ذاته عبادة . فيجمع مبذا بين عبادتين .

4" - وإنه في سبيل تيسير العبادات لوحظت حال الضعف . فقد تكون العبادة في ذاتها ليس فيها مشقة فوق الاعتياد . ولكن قد يكون الشخص في حال يصعب معها أداو ها . وتكون بالنسبة له مشقة فوق المعتادة فمثلاً الوضوء ليست فيه مشقة مطلقاً وهو مطلوب ولكن قد يكون الشخص مريضاً يضره الماء فيباح له التيمم وقد يكون الماء باردا بردا شديداً . يضر الجسم إن استعمل في الاغتسال فإنه يكون تيمم على أن الاغصال في ذاه لا مشقة فيه . فإذا لم يجد ما يدقء الماء به يكون التيمم :

وقد رخصت الرخص لتسهيل التكليفات الشرعية . وجعلها في سبيل الطاقة فرخص للمريض أن يفطر » وعليه

١8

عدة من أيام أخر. ورخص للمسافر أن يفطر وعليه عدة من أيام أخر , والمسافر يقصر الصلاة فيصل الصلوات ذات اربع الركعات اثنتين » ومن يكون في حاجة وحرج يباح له بعض المحظورات التي يكون حظرها ليس لذاتها كرؤية عور المرأة . فإنها تباح الحاجة كمرض وعلاج يحتاج إلى رؤ يتها .

وأبيحت المحرمات للضرورة . ولو كان تحريمها لذاتها . كأكل الميتة والخنزير وشرب الخمر إذا لم يدفع غائلة الموت إلا بالأكل أو الشرب . وفي هذه الحال يجب الأخذ يموجب الرخصة . مالم يكن في ذلك اعتداء على حق الغير .

وقد كان بعض الناس يتحمل المشقة غير المعتادة » ولا يأخذ بالرخصة كمريض يشق عليه الصوم » ولكنه يتحمل التعب المجهد ولو أضر ذلك بجسمه أو ابطأ شفاء مرضه » فنبى النبى كه عن ذلك . وقال : « إن الله بحب أن تؤق رخصه كرا يحب أن تؤى عزائمه » أي أن الله تعالى بحب أن يقبل الناس التيسير الذي قدم هم عندما تشق العبادة المعتادة ‏ كما نحب أن تؤتى العبادة الأصلية إذا لم تكن تلك الأحوال العارضة . ش

4" - وخلاصة القول إن وسطية الإسلام في علوها , واستمدادها من الفطرة وكونها عنيت بالروح والمادة . ولم تهمل واحدة منها تبدو في أمور ثلاثة :

أولها ‏ في أنها منئعت التجرد للعمادة 5 الصوامع والمعايد

١٠٠

والانقطاع عن الناس من غير عجز منعاً باتاً » لأن العبادات مع شرفها وقوة الروحانية هي لإصلاح الجماعة الإنسانية وتهذيب النفس وتربية الضمير ولا تتحقق بها تلك المقاصد إذا كانت العبادة تقطع العابد عن الناس . وأن العمل لنفع الناس في ذاته عبادة إذا قصد به وجه الله تعالى وأريدت مرضاته وإن العبادة في العمل لا تقل قيمة عن العبادة في المعبد » وإن كانت الأخيرة هى السبيل للأولى » فلا يكون عابداً بأعماله إلا إذا تربت نفسه بذكر الله تعالى بالصلاة في المعبد . وثانيها - أن العبادات لا تكون بمشقة مجهلة تملم الإستمرار» بل بمشقة معتادة يحتمل العابد فيها الإستمرار والمداومة والعبادات الشاقة لا تكون إلا في أحوال محدودة , ولا تكون فيها صفة الإستمرار والدوام » كالحج على ما بينا ولا يسوغ الإسلام تحمل المشاق المجهدة إلا لمنفعة مؤ كدة للناس , بحيث تكون ضرر المشقة دون إضرار الجماعة إذا لم يقم المكلف بذلك العمل الشاق ومن ذلك الجهاد في سبيل الحق في الداخل بالأمر بالمعروف والغبي عن المنكر وكلمة الحق من غير أن يخحشى لومة لائم . ومنها الجهاد الخارجي لمنع الإعتداء في الأرض . وإنصاف المظلومين وحماية الضعفاء من الشعوب كما أشرنا من قبل . ثالثها - أن تعذيب الجسم في ذاته معصية . وأن محالفة الفطرة من غير تهذيب روحي معصية . فترك سنة الفطرة

١ك‎

فٍ الزواج منبى عنه » والتعذيب في العبادة منهى عنه وأن القصد سلامة الروح وهداية النفس وليس القصد تعذيب الجسم . وأن التيسير في العبادة يقرب إلى الله أكثر من قصد وما كان ذلك كله إلا لأن الإسلام دين الحياة » يريدها نقية طاهرة منتجة ومثمرة» وفيها نفع الانسان لأخية الانسان . وتحقيق لتسخيرر الله تعالى الأكوان للانسان .

١ك‎

5 إل سمة الإسلام العدالة . وهى ميزات الاجتماع في الإسلام » وهي التي يقوم بها بناء الجماعة , وكل تنسيق اجتماعي لا يقوم على العدالة منهار مهم| تكن قوة التنظيم فيه » لأن العدالة هي الدعامة وهي النظام الحقيقي . وهي التنسيق السليم لكل بناء » ولذلك كانت أجمع آية لمعاني القران الكريم هي قوله تعالى ©#إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينبى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون22074 والله تعالى يعتبر العدالة بين الناس أقرب القربات إليه » وإن الؤمن مطالب بأن يقيمها لله تعاى مي كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شتان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله . إن الله خبير بما تعلمون294 .

94٠ سورة النحل الأية‎ )١(

(؟) سورة المائدة الآية 4 .

١10

والعدالة ذات شعبتين ابتداء . الشعبة الأولى العدالة النفسية بأن يقدر كل إنسان لنفسه من الحقوق بممقدار ما يقدره لغيره على ألا يزيد على الناس في حق . وقد يفرض على نفسه الزيادة فى الواجب . وهذه العدالة النفسية هي الي توجد الاتصال المستمر . وهي الي تقوى بناء الجماعة » وهي تنفد ديناً من غير قهر ولا حكم مسبطر . بل يكون الحكم من ذات الضمير . وهذه قد نصت عليها أقوال النبى كةٍ . فقد قال : (أحب لاخيك ما تحب لننسك » وقال عليه السلام : « عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به » .

فهذا الأدب الديني الذي يحبب في العدالة هو أقوى مؤثر في تقوية الروابط الإنسانية ‏ وقد كان بعض فلاسفة الألمان يجعل الفارق بين العمل الذي يكون خيراً . والآخر الذي يكون شراً ٠‏ هو أن يعتبر الفعل قد صدر من الجميع . فإن انتهى إلى صلاح الجماعة كان خيرا . وإلا فهو الشر .

ومحمد يلْةْ قرب ولم يباعد , فجعل المقياس من قلب الفاعل . أيحب أن يفعل به ما يفعله مع غيره . فإن ارتضى ذلك كان خيراً وإلا كان شرا .

وإن مقام هذه ه العدالة التنظيم الظاهر . 3 ولكنه لد ينغذ كامالٌ إلا إذا كان قائاً على أساس من العدالة النفسية عند د الحاكم

اكد

يطبقه أولاً على نفسه وأسرته . ولقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . كان إذا سن نظاماً ودعا الناس إليه دعا ال الخطاب وقال لهم : «لقد عزمت على الناس أمراً والله لا أرى له مخالفاً من آل الخطاب إلا ضاعفت له العقاب »

والشعبة الثانية أقسام ثلاثة : عدالة قانونية . وعدالة إجتماعية . وعذالة دولية . العدالة القانونية

7" يقصد بالعدالة القانونية أن يكون القافون واحداً لا يكون قانون للأشراف واخر لغيرهم . أو يكون قانون للبيض واخر للملونين بل يكون الجميع خاضعين لقانون واحد » وأن يكون تطبيقه ملاحظاً فيه المساواة في في الحكم لا فرق في التطبيق بين غنى وفقير. ولا أبيض وأسود . ولا جنس وجنس . ولا دين ودين » ولا جاهل ومتعلم » بل الجميع أمام القانون سواء فلا تفاضل بين الئاس في التطبيق للقانون , لأن التفاضل لا يكون في مخالفة القانون وإئما التفاضل بالفضائل . ولعل أصدق تصوير للمبدأ الإسلامي في التطبيق القانوني قول سعد زغلول وهو عالم أزهري قبل أن يكون سياسياً ( إننا نتفاضل في بيننا » ولكتنا أمام القانون سواء » فإن هذا تلخيص جيد للمبدأ الإسلامي في تطبيق العدالة ‏ وقد كان محمد #يٍِ حريصاً على أن ينفذ حكم الإسلام فيه قبل أن ينفذه في غيره » وقد كان مرة يقسم الغنائم » فجاء رجل

وألب عليه ع فضربه بعود في يده فأظهر الرجل الألم فطلب إليه الرسول أن يقتص منه فعفا الرجل . وكان عليه السلام حريصاً على أن ينفذه على الناس كافة .

ويروى في ذلك أن قريشاً أمتهم لمرأة المخزومية التي سرقت . وقد اعتزم النبي كَكِةٍ أن يقطع يدها لتكرار السرقة منها . ولأن حد الله تعالى يجب أن يقام . فوسّطوا أسامة بن زيد ٠‏ حب رسول الله يفة. ليشفع في ذلك فغضب رسول الله تعالى عليه السلام . وقال له لامأ « أتشفع في حد من حدود الله » ثم وقف خطيباً وقال : « ما بال أقوام يتشفعون في حد من حدود الله . إنما أهلك الذين قبلكم إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه . وإذا سرق الضعيف قطعوه . وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ») .

ولقد كان الصحابة من بعده ينفذون العدالة بين الناس على سواء ء كما نسب إلى النبي كِةِ : أنه قال : « الناس سواسية كأسنان المشط » ولقد قال في ذلك أبو بكر خليفة رسول الله تعالى رضي الله عنه : «القوي منكم ضعيف . حتى اخذ الحق منه . والضعيف قوى حتى اخذ الحق له ) .

وعمر بن الخطاب العبقري الذي لم يفر أحد في الإسلام فريه كان شديداً على نفسه وعلى أهله وعل ولاته في تتفيذ

1514

طاف مع النساء . وكان قد اعتزم عمر عزمة جعل فيها للنساء زمناً لا يطوف فيه الرجال » فيقول الرجل : والله ما علمت لك فقال : ١‏ فاعف عني ا فقال الأعرابي ولا أعفو حتى يأت عمر ليلته معتكرا . فلما راه الأعرابيى في اليوم التالي وجد أثر الآلام على وجهه. فقال لعلى هذا مما كان بالأمس . فقال الإمام العادل : نعم . فقال الرجل الآن عفوت عنك .

وروى التاريخ عنه خبراً هو مثل عال من العدالة الإسلامية الذي يعد مصباحا للعدالة الإنسانية في ذاتها وذلك أن أميراً من أمراء الغساسنة الذين كانوا قبل الإسلام كان يطوف بالبيت . فوطيىء إزاره شاب من فزارة فلطمه الغساني لطمة جدعت أنفه . فذهب الشاب إلى الإمام عمر وشكا إليه فقال عمر للغساني : له القصاص أو يعفو عنك . فقال : كيف وأنا أمير . وهو سوقة . فقال عمر لقد سوى بينكى) الإسلام . فلا تفضل إلا بالتقوى . فأخذ الأمير يسترضى الشاب الأعرابي » فلم يرض إلا بأن يلطمه ىا لطمه . وعلم أن عمر لا محالة سيمكن الأعرابي من القصاص . ففر إلى الروم مرتدا عن الإسلام . وما أهم ذلك عمر فإنه خير للإسلام أن يخرج منه من لم يعمر الإيمان بالعدل قلوبهم من أن يقر ظام) أو يأخذ بالهوادة ظالماً » فالظلم بنفر القلوب ويبعد أهل الحق . والعدل

153

يقرب ذوي القلوب الطاهرة التي تتجه إلى الحق تبتغيه » وهؤلاء مهما يكن 0 أوفر خيرا وأعظم آثرا .

الخصوم 5 المجلس والنظر والإشارة والإقبال ( ولقد قال ف وإشارتك وإقبالك . حتى لا ييأس ضعيف من عدلك ». ولا يطمع قوي في حيفك ) .

8- - وإن الإسلام لم يسو فقط في العقوبة بين الشريف والضعيف . بل نظر نظرة أخرى لم يسبق إليها نظام ولم يلحق به إلى الآن فيها غيره وذلك أنه بالنسبة للعقوبة قرر أن ا جريمة تكبر بكبر الجرم , وتصعر بصغره » والعقوبة تتبع 5 الجرهة صغرا وكير ٠‏ وتكبر هي الأخرى بكبر الجرم . وتصقر بصعره . عصورهم , ولكنا أل من مبداً عام قوره القران الكريم . وطبقه الفقهاء في موضع النص . ولكن لم يصلوا فيه إلى أقصى

وذلك المبدأ هو ما قرره القران الكريم في عقوبة العبيد من عقوبة الحر . فإذا زنى العبد جلد حمسين جلدة وإذا زنى الحر جلد مائة جلدة . وإذا شرب العبد خمرا جلد أربعين .

١

ويجلذ الحر ثمانين » وإذا رمى العبد امرأة بالزنا ولم يأت بأربعة شهود يشتون دعواه . فإنه يجلد أربعين جلدة . بينا يجلد الحر في هذه الحال ثمانين جلدة .

وإن هذا النص معقول المعنى : وليس نصاً لا يبحث عن علته أو حكمته ولكن له علة تلتمس . ويقاس عليها غيرها وتلك العلة حال الضعف عند الرقيق وحال الامتهان فحال ضعفه وامتهانه تسهل ارتكاب الحريمة عليه » والحريمة مهانة , وحيث كانت المهانة كانت معها سهولة الجريمة . وهي تسهل على المهين وتصعب على الكريم . فكانت الجريمة تسير مع الصغر والكبر سيراً طردياً ولا تسير سيراً عكسياً . وكان حقاً أن يسير ذلك المبدأ المعقول المعنى في كل الضعفاء بالنسبة للأقوياء ومن يشغلون مراكز إجتماعية في الجماعات . ولكن الفقهاء لم يسيروا في الخط إلى أقصى مداه . أو بالتحقيق لم يسر أكثرهم فيه إلى أقصى المدى . ومهما يكن من أقوال بعض الفقهاء والمفسرين للشريعة فإن منطق القران ومناط الحكم يوجب الرأفة بالضعيف والتشديد على الكبير » لأنه فوق ما سبق - في ارتكاب الكبير ما يحرض من دونه من الناس على ارتكاب ما يرتكب فإذا علم أن الكبير يرتكب الفحشاء سهلت على من دونه واقتدوا به وشاعت الفاحشة في الذين امنوا » أما الضعيف فإنه لا يقلده أحد وينال ازدراء الناس بما يرتكب .

وإن ذلك المبدأ سمو في التنظيم القانوني لم يسم إليه إلى

١الك‎

الآن قانون في الأرض » وإن أكثر القوانين وإن كان يسير على أساس المساواة القانونية عند التطبيق نراه يتجه إلى تصغير جرائم الكبراء وتكبير جرائم الضعفاء

وقد يقول قائل إن ذلك التطبيق المخالف عرف في الإسلام بدليل أن أكثر الفقهاء لم يسيروا في المبدأ الذي قرره القران إلى أقصى مداه . ونقول ني ذلك أنه في عهد الراشدين الذين كانوا يطبقون المبدأ القراني تطبيقا سلي) كان المبدأ يسير إلى أقصى المدى . فلم ينظر عمر ولا من قبله أو بعده من الراشدين إلى تكبير جريمة الصغير وتصغير جريمة الكبيرء. ولم يقبلوا أن يعفوا ذوي المروءات والميئات من العقاب . أو يصغروا! العقاب عليهم . ولكن وجد ذلك عندما تغلغلت في العقلية الإسلامية أفكار رومانية وفارسية . والأمر في القضية أمر دين فكلما قوى الدين في النفوس علت مبادثه .

وإذا قيل إنه قد ورد في ؛ بعض الآثار منسوياً إلى الرسول َيِنٍَ أنه قال : « أقيلوا ذوي المروءات من عثراتهم ) ونقول ان ذلك فيط لا يكون فيه اعتداء على الناس . وفيا لا يكون جرية في ذاته » فإنه لا مروءة لمرتكب الجحريمة . ولا مروءة لمن يعتدي على الناس . ولأن حقوق الناس لا تقبل التسامح قطعا

وعمر بن الخطاب وهو الذي نفذ المبادىء الإسلامية تنفيذاً كاماد كان يقتص من الأمراء إذا اعتدوا على الرعية , وأخباره في ذلك كثيرة ومشهورة لا يساغ لأحد في إنكارها

يفن

ويروى في ذلك أن أبا موسى الأشعري ضرب بعض رعيته أسواطاً » وشكى ذلك إلى عمر رصي الله عنه » فأرسل عمر إلى أبي موسى الأشعري . ومكانته من صحبة رسول الله يي مكانته » يقول له عزمت عليك إن كنت ضربته في ملأ من الناس . فليضربك بينهم . فلما حضر الرجل إليه سلم نفسه , فعفا الرجل .

ويروى أيضاً أن عمرو بن العاص قال لبعض ‏ العرب يا منافق. وكان ذلك في السجد. فذهب الرجل إلى عمر رضي الله عنه » قال له : « لقد نفقني الأمير, وما نافقت مذ أسلمت . قأرسل عمر إلى عمرو وقال له إن كنت نفقته في ملأ » فليضربك كذا سوطاً . فذهب الرجل إلى المسجد , وقال من منكم سمع الأمير ينفقني , قالوا كلنا سمعه فقرأ عليهم الكتاب . فقال المدهئون المنافقون : « أو تضرب الأمير. وصاحوا فيه مستنكرين الحق . فقال الرجل » ليس لأمير المؤمنين هنا طاعة » فقدم عمرو نفسه ليضربه الرجل . فقال العربي الأبي » الآن عفوت » .

للقصاص 3 ه فكيف تكون هناك مروءات تمنع القصاص أو

8 وقد بينا بالإشارة الموجزة أن الإسلام أتى في تطبيق

١و‎

العدالة القانونية بمبدأ لم يسبق به » وهو أن تطبق العقوبات على رئيس الدولة كما تطبق على احاد الرعية . ومن الحق علينا أن نوضح ما أشرنا إليه من قبل موجزا أيضا من غير تفصيل .

فنقول إن أكثر القوانين لا تفرض أن رئيس الدولة وهذه القوانين كانت إلى عهد قريب تذكر عن الملوك أن ذاتهم مصونة لا تمس . ومن المطبقين للقانون من كان يعبر عنهم بعبارات تفيد التقديس صراحة . فكان بعضهم إذا تحدث عن الملك يقول : «الذات العلية المقدسة »-

إن ذلك كله يناقفض المبادىء الإإسلامية 2 بل إن تلك العبارات التي كانت تجري على ألسنة المنافقين والمدهنين تمس العقيدة الإسلامية 83 وتدل على وهن اللاعتقاد ونقص الإيمان .

وإنه من الأمور الثابتة أن القوانين الى خلت من هذه العبارات . خصوصاً في البلاد التى زالت منها الملكية الغاشمة لا تزال التطبيقات متأثرة مها بالنسبة لرؤساء الدول الذين ارتقوأ إلى الرياسة من الشعب 4 فإن ذات رئيس الدولة ما الواقع ذاته . فقد يكون منشأ ذلك ضعف المطبقين » ورئيس الدولة ربما يريدهم أقوياء . وربما يرغب في أن يحسوا بالمساواة المطلقة بين الحاكم والمحكوم .

من

وإن الفقهاء أجمعوا على أن الجرائم التي توجب القصاص لا فرق فيها بين الراعي والرعية . ولا بين الحاكم والمحكوم . وإن ذلك ينطبق على الإمام الأعظم الذي هو رئيس الدولة الأعلى كما ينطبق على الولاة الذين يعينون من قبله . لا فرق بيغهم وبين أحد من الناس بالنسبة للتطبيق القانوني . فإذا قتلوا إنسانا بغير حق . حى عليهم القصاص وعلى القاضى أن محكم به . وإذا أخذوا مالا بالباطل حى على القاضى أن يأمر برده . وإن قيام الحاكم بشئون الدنيا لا يعفيه مما قرره الله تعالى من أحكام ثابتة .

وإذا ارتكب الخليفة الأعظم ما يوجب حدا كأن يزني أو يشرب الخمر. وجب عليه الحد . عند الجمهور الأعظم من الفقهاء ‏ ولكن قال أبو حنيفة لا يقام عليه الحد في الدنيا . لكيلا يضطرب النظام . ولعدم وجود من يقيمه عليه . '

وأما غير الخليفة الأعظم من الولاة . فإن الحدود تقام عليهم » والخليفة الأعظم الذي ولاهم هو الذي يقيمها عليهم .

وقد يقول قائل كيف يحكم القاضي على ولي الأمر الأعظم » وهو الذي ولاه . وله أن ينزع من يده الحكم عليه 5 ثم ما القوة التي ينفذ بها الحكم . وتنفيذ الأحكام في ذاته يحتاج إلى قوة منفذة .

والحواب بالنسبة للسؤال الأول أن القاضي إذا تولى لا يكون وكيلاً عن ولي الأمر بدليل أنه إذا مات أو عزل لا يعزل

١و‎

هو فالولاية ليسبت توكيلاً » ولكنها تمكين ذي الأهلية للقضاء من أن يحكم . ومن جهة أخرى هو يعمل للمسلمين ولا يعمل له هوء ينفذ شرع الله تعالى ولا ينفذ إرادته .

وجواب السؤّال الثاني أن القانون الذي يطبقه القضاء في الإسلام لا يستمد سلطانه من ولي الأمر. إنما يستمد ذلك من كتاب الله تعالى وسنة رسوله 2 5 فهاوافقهماتما يصدره ولي الأمر. فهو واجب الطاعة . لقوله تعالى : # يأيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول . وأولي الأمر منكم , فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله<(١2»*‏ وإن خانوا أحكامها فلا طاعة لهم » لقوله عليه السلام : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » ولأن طاعتهم في حدود الكتاب والسنة » فمن يحرج عنهه| معانداً لما فقد أخل بأصل الطاعة . فلا يطاع إلا دفعا للفتن والفساد . ولا بطاح في ممصم 0 الإسلامية 3 سواء أكان سلا أم كان غير سكم ( فالقانون سواء بالنسبة لكل من ينال الرعوية الإسلامية من غير المسلمين اليك | الدينية كاملة لغير المسلمية لي يزاولوا فيها شعائر ديهم » غير مقهورين ولا مستضعفين .

)١(‏ سورة النساء

١الك‎

العدالة الاجتماعية

العدالة الاجتماعية معناه تمكين كل ذي قوة من أن يعمل بمقدار طاقته. بحيث تميأ الفرص المناسبة لكي تظهر كل القوى ٠‏ وتوضع كل قوة في مرتبتها » وأن توجد الكفالة للعاجزين عن العمل لكي يعيشوا وينالوا حظهم من الحياة , ليكونوا قوة في الجماعة إن كانوا صغاراء وليأمنوا الجوع والعري إن كانوا كبارا لا يرجى أن يزول سبب عجزهم . وذلك بأن مهيا لكل من لا يجد أسباب العيش - المسكن المناسب . والكساء المناسب والغذاء الذي يدفع المخمصة والجوع .

فموجب العدالة الاجتماعية ليس التسوية المطلقة بين الناس . إثما موجبها أن يتساوى الناس في تهيثة الفرص . فيتوافر التعليم المثمر لكل الناس حتى تظهر القوى . ويوسد إلى كل إنسان ما يصلح له من عمل . ووضع كل امرىء في العمل المناسب هو التنظيم الجماعي السليم الذي يتوافر فيه إنتاج كل القوى من غير أن تهمل قوة . أو تعمل فيها دون طاقتها . أو فيها فوق طاقتها فيفسد الأمر .

١‏ - وليست العدالة الاجتماعية مقتضية لإلغاء الفقر في هذا الوجود . بل توجد بعض ما يمكن أن تتلافى به أسباب القصور في الإنتاج . وإلا تعطل القوى . وهي توجب أيضاً تخفيف الويلات النفسية والمادية فلا يحقد الفقير على الغني

١ /ا/ا‎

فيكون الخراب ء ولا يحرم الفقير من حاجات الحياة الأصلية من القوت والكساء والمأوى . ولا تضيع قوى عاملة كان يمكن

أن تعمل . وتدر على الجماعة بعملها خيرا وتدفع عن نفسها وعن الجماعة ضرأ .

وإن الفقر في ذاته لا يمكن أن يمحى ويكون كل الناس أغنياء أو لا يكون تفاوت بين الناس . ولا يزال الناس مختلفين غنى وفقراً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . لأن الأسباب في زوال التفاوت غير ممكنة . إذ لا يزول التفاوت إلا إذا اتحدت القوى . واتحدت أسباب الرزق . واتحدت الأجواء المادية والفكرية التي تظل المنتجين .

وإن الناس متفاوتون في قواهم تفاوتاً كبيراً : ولقد روي منسوباً إلى النبي يي أنه قال ؛ «الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة » فالممتازون امتيازاً مطلقاً في تفكيرهم وقواهم نادرون . وهم أعلى القمةقء ومن دونهم أوسع قليلا في حيزهم ٠‏ ثم يتسع المقدار كل) قاربنا سفح البناء الحرمي ء لأن القوى الإنسانية تأخذ شكل بناء هرمي متدرج في الارتفاع والاتساع أعلاه أضيقه مساحة وأدناه أوسعه .

وأنه لو فرض غير الأمر الطبيعي واتحدت كل القوى الإنتاجية عند كل إنسان في الجماعة . فإنه لا يمكن أن تتحد أسباب الثروة فقد يوجد عند شخص من الأسباب ما لا يوجد عند غيره . ولا يمكن توحيد الأسباب .

ا

وعلى فرضص اتحاد القوى واتحاد الأسباب . فإن امحاد الإنتاج ليس مؤكداً » كنتيجة لذلك . فقد يحدث أن توجد كارثة لهذا فلا ينجو ماله ويسلم له إنتاجه » ومثل رجال الأعمال في نتائج أعمالهم كمثل الزراع يتحدون في الزرع والسماد واتقاء الآفات . ولكن يحدث ما ليس في الحسبان بالنسبة لأحدهم . فيحدث لمن هو قريب من الغبر الجاري فيضان على أرضه يتلف زرعه وينجو منه زرع البعيد » أو يتمكن من النجاة بزرعه قبل أن يطغى عليه الماء » فيكون من نجا زرعه له زيادة من المال » ومن غرق يصيبه القليل .

الفقر والغنى لهذا حقيقتان ثابتتان » وهما من طبيعة هذا الوجود الإنساني وقد قرر الإسلام ذلك على أنه حقيقة قد قسم الله تعالمى بها الأرزاق بين الناس . فقال تعالى : #نحن قسمنا بيهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات27*

: هذا النص جزء من آيات 71. #8 سورة الزخرف هى‎ )١( وقالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم . أهم يقسمون‎ « رحمة ربك نحن قسمنا بيهم معيشتهم في الحياة الدنيا . ورفعنا بعضهم فوق‎ # بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا . ورحمة ربك خير ما يجمعون‎ » وقد فهم بعض الناس أن هذا النص يقرر وجود الطبقات بسبب الغنى والفقر‎ لقوله تعالى : ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا‎ - سخريا # وذلك القهم خطأ . لأن مؤدى ذلك أن يكون اعتراض المعترض بأن‎

1

ولكن الإسلام مع ذلك لم يجعل الناس طبقات سيب الغنى والفقرء كما رأينا من تطبيق الأحكام الإسلامية في العدالة القانونية » فقد قرر أن الفضل عند الله بالتقوى » وأن الرفعة بالعمل الصالح . ولذلك جعل العربي والأعجمي على سواء في كل شيء لا يتفاضلون إلا بالتقوى ,

وقد محا الإسلام في أحكامه الطبقية بالأنساب والأجناس وبالألوان » ولذلك نهى عن التفاخر بالعصبية » والتعيير بالعصبية ويروى في ذلك أن بعض الصحابة عير آخر بأمه , فقال له النبي عليه السلام : « أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية » وقال عليه السلام : « ليس منا من دعا إلى عصبية ») وكل ذلك لتكوين جماعة عادلة فيما بينها » وعادلة مع غيرها , ومندمجة في بني الإنسان .

ولقد كان الحكام العادلون يؤثرون الضعفاء الفضلاء السابقين إلى المكرمات بتقريبهم » ولذلك روي أنه استأذن على عمر رضى الله تعالى عنه بلال الحبشى الذي كان أصله عبدا وأبو سفيان الذي كان رأس مكة مع نفر من كبار قريش » - القران كان يجب أن ينزل على رجل غني ‏ اعتراضا مسل) وذلك باطل » لأن الآيات للرد عليه » لا لتأييده » إثما يكون المعنى مستقيا إذا كان هناك فصل :بين تقسيم المعيشة ع ودرجات الرفعة » وعلى هذا يكون المعنى أن الله سبحانه وتعالى قسم المعيشة بين الناس ورفع الدرجات بقسمة أخرى وهي المداية » وإن كان ذلك يؤدي إلى أن يسخر الأغنياء من الفقراء ىا كان يسخر المشركون من ضعفاء المؤمنين .

١م‎

فدخل الواقف على باب عمر يقول له بالباب أبو سفيان وبلال فغضب الإمام العادل المصلح التقي . لأنه قدم أبا سفيان في الذكر على بلال » وقال له قل بالباب بلال وأبو سفيان » وأذن لبلال » وم يأذن لغيره .

وفي سبيل منع الطبقات في الإإسلام منع عمر كبار قريش من أن يذهبوا إلى الأقاليم لكيلا يكونوا فيها طبقة أشراف

والعبادات الإسلامية فيها محاربة للطبقات . إن أديت على وجهها . وقد بينا ذلك في موضعه من هذا البحث . علاج الإسلام لأدواء الفقر :

أعترف الإسلام بالحقيقة الواقعة في هذا الوجود , وهي أن الناس منهم الغني الثري » ومنهم الفقير , وقد عالج الفقر . ومنع من أن يذل صاحبه . فتكون الطبقات التي تقطع والاغتصاب ُ وقطع الطرق 2 وقد يمتد الأمر إلى قلب النظام

وطرق علاج الفقر كانت على نواح كثيرة : أوها ‏ تمكين كل ذي قوة من أن يعمل بإعداد أسباب

العمل » وعبيئة الفرص لكي يعمل كل إنسان بمقدار طاقته

ا١مل١‎

سواء أكانت طاقته تعلو إلى الأعمال ذوات الشأن . أم كانت في حدود لا تتجاوزها .

فإن لم يكن ذا مقدرة على عمل كبير ذي شأن كان عليه أن يعمل بيده وقد شجع النبي كككْةٍ الناس على العمل اليدوي وقدمه وقال عليه الصلاة والسلام في ذلك : وما أكل ابن أدم طعاما خيرا من عمل يده وأن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده » . وذكر عليه السلام داوود . لأنه كان قائدا عظياً وملكا مظفراً ذا سلطان ونحت يده خزائن الدولة . وما كانت عليه غضاضة في أن يأخذ منبها ما يكفيه وأهله بالمعروف . ولكنه اثر الكسب بعمل اليد . لكيلا يتحرج أحد عن عمل اليد . ولأنه في ذاته شرف ينال الكسب الطيب .

ولقد جاء رجل إلى النبي َيدْدّ يطلب منه صدقة من بيت المال فوجده عليه السلام قوياً قادراً فلم يعطه مالا » ولكن أعطاه فأسا ليحتطب بها ويأكل من عمل يده » وروي عنه عليه السلام أنه قال : « لأن يحتطب أحدكم بفأسه خير له من أن يسأل الناس' أعطوه أو منعوه )

ولقد حث عليه السلام على العمل اليدوي ومدحه وكرمه لكيلا يكون غضاضة في العمل اليدوي . ولكيلا يحقر ذوو المواهب من يعملون بأيديهم . وليكثر العمال الذين يحملون على كواهلهم . والصناء الذين يعملون بأيدهم والذين .يراقبون الآلات الكبرى . ويقفون لإدارتها » وإن

١م‎

العمران يحتاج إلى ذلك كله . ولا يستغنى عنهم . قلو نفرت الجماعة كلها من الأعمال اليدوية ما قام عمران » ولا شيد بنيان » وما انتظمت صناعات . وإن تكريم العمل اليدوي فيه محاربة للطبقية » فلا تكون طبقة عاملة ينها الإحتقارء وأخرى غير عاملة تنال التقدير والاعتبار .

2-4 والطريقة الثانية لعلاج الفقر . أو بعبارة أخرى لتنظيم القوى العاملة في الجماعات والدول . هو تبيئة الفرص بأن يمكن كل ذي موهبة من الانتفاع بموهبته على قدر طاقته , فلقد قرر فقهاء الإسلام أن كل ما يقوم عليه العمراد من هندسة وطب وزراعة وصناعة وتجارة » وجهاد لرفع شأن كلمة الحق -واجب على الأمة مجتمعة عامة وواجب على وجه الخصوص على من كان قادراً بالفعل على واحد من هذه الأمور . فالوجوب هنا ذو شعبتين : وجوب على الكافة , ووجوب على الخاصة كالشأن فيها يسمى في الفقه بالواجب الكفائي .

أما الوجوب على الكافة » فلأنه يجب على الأمة ممثلة في ولي أمرها أن تعمل على إظهار ذوي الكفايات ٠‏ وذوي المواهب . ووضع كل كفاية في مرتبتها بما يتفق مع طاقتها , وذلك بالكشف عنهم. وتوسيد كل أمر لمن هو له أهل وتبيئة الفرصة لأن يعمل كل ذي موهبة بعد كشفها وتعرفها .

و - ولقد قرر بعض فقهاء المسلمين أن السبيل لتعرف

١م'؟‎

الطاقات المختلفة . وتهيثة الفرص لكل ذي طاقة ‏ هى أن يكون التعليم على ثلاث مراحل :

المرحلة الأولى ‏ أن يعلم كل ناشئة الأمة » ومن قطع هذه المرحلة بنبوغ فإنه ينتقل إلى المرحلة الثانية » ومن وقف عندها . ولم تسعفه مواهبه بالانتقال إلى الثانية » فإنه يقف عند أمر يحتاج إليه العمران . لأن الأمة تحتاح إلى عاملين بأيدمهم في الأرض وفي المتاجر . وفي الصناعات . وغير ذلك من الأعمال التي لا تحتاج إلى دراية فنية عالية أو متوسطة .

المرحلة الثانية - وهي تكون لنبغاء المرحلة الأول » وفيها يعلمون ما يتفق مع مواهبهم وسنهم . ومن قطع متهم هذه المرحلة بنبوغ . انتقل إلى المرحلة الثالثة » وهي الأخيرة » ومن وقف عند المرحلة الثانية وقف عند فرض كفائي محتاج إليه العمران والأمة تحتاج إلى عمال فنيين. وإلى مساعدي مهندسين . وإلى كتابيين » وحسابيين » وغير ذلك من الأعمال التي لا تحتاج إلا إلى مواهب متوسطة . ولا تحتاج إلى مواهب عالية .

العلوم ( والتعمق ف الدراسات ٠»‏ ومن هؤلاء المهندسون وقادة الحيش 2 وغير هؤلاء من النبغاء الذين يمودول الأمم ف

١8

شتى فروع الحياة فيها0') .

وتلك المرتبية الأخيرة هي 5 ذاتها درجات فليست درجة واحدة. ولكن يرقى المتخصص في درجاتها بشخصهء لا بتعليم ولا توجيه » ولكن بتسهيل أسباب الصعود في هذه الدرجات . وإنها لتعلو حتى تصل إلى درجة المخترعين الذين يغنون الحضارات والعلوم , وان هؤلاء يكونون في أعلى قمة الهرم ويمقدرا علو هذه القمة وارتفاعها تكون الحضارات ويكون التقدم العلمي ولا عبرة بكثرة مساحة القمة . إنا العبرة بعلوها .

والحضارات مدينة لهذا العدد القليل من الذين وصلوا لأعلى القمة ء» فالكهرباء والبخار » وتذليل الفضاء . والطيران فوق السحاب . واستخدام الموجات في توصيل الأصوات وارتباط العالم الآن ذلك الارتباط الوثيق » كل هذا من عمل أولتك الذين اتخذوا مجالسهم في تلك القمم العالية .

والأمة محتاجة في كيانها الاجتماعي إلى العمال اليدويين ومن يقاربهم لأنه لا توجد جماعة من غير عمل يدوي ٠»‏ بل الحياة ذاتها لاا تستغني عن العمل اليدوي . حتى حياة الذين يعيشون في الأكواخ . ولكنها لا يكن أن تكون جماعة متحضرة. إلا بالعلاء المتخصصين الذين يعالجون الحياة بكل أحواها

)١(‏ بين هذه المراحل الشاطبي في كتابه الموافقات عند الكلام على الفروض الكفائية في ج ١‏ ص ٠١5‏ إلى ١74‏ .

1486

ويسهلون أسباب الإقامة والإجتماع في هذه الأرض

5/ا - هذان طريقان في معالجحة الفق.. أحدهها تسهيل العمل » والثاني تبيئة الفرص للقوى والمواهب من أن تعمل . . وذلك بعد كشفها بالتعليم .

والثالث - هو سد العجز . بتسهيل أسباب الحياة للعاجزين عن العمل . فإذا كان الإسلام قد مكن لكل قادر من أن يعمل 4 وتكشةفف المواهب ء وعمل على تهيئة الفرص لكل ذي موهبة » فإن هناك شيوخا أفقدهم ثقل السنين من أن يعملوا » ونساء ضعفن عن أن يعملن يسبب أنوثتهن » ويتامى فقدوا العائل ومرضى بأمراض مزمنة يعوقهم المرض عن أن يكدحوا في الحياة , ولقد قال محمد و : « من ترك مالا فلورثته » ومن ترك كلا فإلي . وعلي » أي أن من يموت ويترك مالا يأخذه ورثته على حسب قسمة الله تعالى . ومن يترك عيالاً لا عائل لهم ء فإن محمداً باعتباره رئيس الدولة الإسلامية عليه أن يعوله » وكذلك يكون هذا الوجوب على كل رئيس دولة لأن ل الأمة » ولآن اليتامى هم من قوة الأمة اعداء للجماعة 2 إد يكون منهم الشذاة الذين يعادوة الناس 3 لعدم وجود الإلف بينهم فاليتيم إن ترك ضياعاً كانت قوة مخربة » وإن أحسنت تربيته » ووجد من يكلؤه ويحميه كان قوة» ولهذا أوجبت الشريعة رعاية كل ضعيف وخاصة اليتامى » ولقد قال تعالى : #ويسألونك عن اليتامى ٠‏ قل

كما

إصلاح لهم خير. وإن تخالطوهم فاخوانكم . والله يعلم المفسد من المصلحم*<2 وقال عليه السلام : « خير بيوت المسلمين بيت يكرم فيه يتيم . وشر بيوت المسلمين » بيت يقهر فيه ينيم ) .

وقد عالج الإسلام العجز بسد حاجات العاجزين بطرق كثيرة منها :

أ - إن الدولة تسد حاجاتهم من خزانتها العامة » وهي ما يسمى بيت المال وقد قسم الفقهاء بيت المال إلى شعب أربع - الأولى - بيت مال الخراج والجزية » وهذا للفقراء حق فيه , وخصوصاً فقراء غير المسلمين الذين يعيشون في ظل الدولة. الإسلامية فإنه تجري على العاجزين منهم أرزاق دائمة من هذا البيت . ويروى في ذلك أن الإمام عمر بن الخطاب . وجد شيخاً يتكفف الناس وهو ضرير»ء فأخحذه وأجرى عليه رزقاً مستمراً من بيت امال وقال لخازنه : إبحث عن ضرباء هذا وأجر عليهم أرزانً.

والشعبة الثالثة . بيت مال الصدقات . وهوما يجمع من الزكدات » ههذا أكثره للفقراء . ش )١(‏ 550 سورة البقرة .

١ /ام‎

التركات التي لا يعرف لها وارث » مهما تكن طبقته » ويتكون من الأموال التى لا يعرف لها مالك . وهذا كله للفقراء .

ب - إن بيت المال لا يتجه إليه إلا إذا كان الفقير العاجز قريب تككون النفقة عليه ابتداء » وذلك لأن الأساس هو التعاون . وهو يبتدىء بالتعاون في داخل الأسرة الخاصة . فإذا لم تكن الأسرة الخاصة قادرة على الإنفاق انهه الوجوب إلى الأسرة الكبرى » وهي الأمة مجتمعة . وعلى ولي الأمر , وهو كبير هذه الأسرة أن يسد عجز العاجزين

ولقد جاء النص القراني بوجوب نفقة الأقارب » فقد قال تعالى : #ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت ابائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم »؛ أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم ٠‏ أو بيوت أخوالكم . أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم . ليس عليكم جناح أن تأكلوا حميعاً أو أشتاتاً فإذا دخلتم بيوتاً » فسلموا على على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة » كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون2<4 .

. من سورة النور‎ 51١ الآية‎ )١(

1١446

ج ‏ وإن من أبواب معالحة الفقراء الكفارات للذنوب » فعّد جعلت الصدقة كفارة للذنوب . وجاء النص بكفارات لذنوب معينة كالحنث في الإيمان » ونحوه وجاء نص عام يبين أن الصدقات تكفر كل ذنب فقال عليه السلام : « الصدقة تطفىء المعصية, كما يطفىء الماء النار » وقد أشرنا إلى ذلك من قبل . ويلاحظ أن الانفاق على العاجز من بيت المال يفرض أرزاق تجري على العاجزين . ونفقات الأقارب ينفذهما القضاء بحيث إذا امتنع ولي الأمر عن إعطاء العاجز حقه . فإن له أن يلجأ إلى القضاء ليلزم ولي الأمر بالانفاق وكذلك الآمر بالنسبة لنفقات الأقارب فيا بينهم » فإن القضاء ء يلزم جبراً » إن لم ينفذها طوعاً .

أما الكفارات والصدقات المنثورة فإن المتصدق هو الذي يتولاها 4 وهى واجب عليه ديانة وليست داخلة 5 سلطان القضاء . الا إذا أمكن إثبات إهمال الكفارات .

اا هذه ملامح من العدالة الإجتماعية في الإسلام » ولو أنها نفذت على وجهها ء وقام الولاة بحقها ما انحرف 0

دين | الإنسانية العام الخالد 2 الذي كرم الإنسان 3 وطب

١48

لأدوائه وأنزل شرعه ليصلح في الأرض . ويدفع الفساد » لأن

العدالة الدولية

تقوم العلاقة بين المسلمين وغيرهم على أساس المودة . بل ان الإسلام يفرض أن العلاقات الإنسانية كلها على أساس من المودة الواصلة . والرحمة الكالئة » ولذلك قال تعالى : #لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين . وم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم . وتقسطوا إليهم . إن الله يحب المقسطين . إنما ينباكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين . وأخر جوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولاهم فأولئك هم الظالمون74" .

فالمودة هى أساس العلاقات الإنسانية » ولا تفترق في ذلك العلاقات بين الآحاد فرادى ء. وبين الجماعات . وبين الدول . فالقانون الفاضل يفرض أن المعاملة لا تختلف في علاقات الجماعات والدول عن علاقات الأحاد بعضهم مع بعض . فإذا كان أمر من الأمور مباحا في علاقات الآحاد أو منوعاً فهو يأخذ هذا الحكم ذاته بالنسبة لعلاقات الجماعات والدول . والفضيلة واحدة . لا تتجزأ . وليس لما معياران أحدهما للآحاد. والآخر للجماعات إنما اختلف المعيار,

)1 الآيتان م 8 من سوره الممتحنة 8

١

عندما كان التحكم في الدول والجماعة . بتحكم القوي في الضعيف .2 وأصبح أهل كل إقليم يعرفون الفضيلة في إقليمهم . ويبررود إن لأنفسهم التحلل منها في معاملة غيرهم . وجاء في أقوال بعض الحكاء ما يبرر ذلك . حتى لقد كان الحكيم أرسطو يبرر كل ما ارتكبه اسكندر المقدوني في عدوانه ويفتح له باب إيجاد الفرقة بين مخالفيه . ليتفرقوا وبأكل بعضهم بعضاً مطرحاً كل المقررات التي يقررها في كتاب الأخلاق . لأنه فرض أنه لما يكون بين اليونان لا فيم| بينهم وبين عيرهم . وكان مبدأ اليهود الذي نعاه القران عليهم . فقد قال تعالى : اومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومغهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائ] . ذلك بأ: نهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل . ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون : بلى من أوفى بعهده واتقى ٠‏ فإن الله يحب المتقين . إن الذين يشتر يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمناً قليلآ ‏ أولئنك لا خلاق هم في الآخرة . ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة » ولا يزكيهم . وهم عذاب أليم 274 . وإن التوراة قد جاءت بتحريم الربا. ولكن اليهود حرفوه تحريفاً يدل على مقدار عدم تمسكهم بالعدالة » أو الفضيلة بالنسبة لغيرهم . فقيدوا تحريم الربا بأنه ما يكون بين الإسرائيليين » وجاء نصهم المحرف هكذا: «أخحاك

(1) الآيات من ه87 لالا من سورة آل عمران .

١85١

الإسرائيلي لا تقرض بالربا » أي بان التحريم بينهم بعضهم مع بعض . ومباح مع غيرهم . ولذلك ملئوا العالم بالربا, وجعلوه أساسا للتعامل بين الناس . عندما ملكوا دفة الاقتصاد العالمي . وإنه لا سعادة هذا العالم إلا عندما تهن أيديهم عن الاستمساك به . أو تقطع أيديهم عن التحكم .

4 ولأن الأصلاء في العلاقات بين الجماعة هي التواد والتراحم . والتعاون على استغلال ينابيع الخير في الأرض في شرقها وغربها وقاصيها ودانيها . كان الأصل في العلاقات العامة بين الناس دولاً وجماعات واحادا هو السلم . والنزاع لا يكون إلا لأمر عارض . ولذلك دعا الإسلام المؤمنين إلى السلم عامة فقال تعالى : # يأيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة . ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * ”'2 وأنه إذا نشبت الحروب يدخلون في السلام عند أول دعوة إليه . ولذا قال سبحانه : #إوإن جنحوا للسلم فاجنح ا وتوكل على الله 7 .

واعتبر الذين يدخلون معه في القتال الذين يعتدون عليه أو على أتباعه أو على الضعفاء من أهل الأرض هم المحاربين وحدهم . والذين لا يدخلون في الحرب أو يقفون محايدين لا ينضمون إلى أحد مسالمين . ولو لم يكونوا مع المسلمين .

. سورة البقرة‎ 5*8 )١( 5 فخ سورة الأتفال‎

دحل

والقوا إليكم السلم . فا جعل الله لكم عليهم سبيلا 4 7)

ونمى عن قتال كل من يلقي السلام 2 ولو كان يدين بغير الإسلام دين الحق . فقال تعالى : #إولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا . فعند الله مغانم كثيرة . كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا»ك (2 .

وقد فرض القتال على المؤمنين على أنه ضرورة ملزمة بالقتال إلا لرد الاعتداء على الحرية الدينية . وما كان للدين الصحيح أن يأخذ طريقه إلى قلوب الناس إلا بالحرية » ومنع الفتنة في الدين » ولذلك جاء النص بالقتال حتى تمنع الفتنة في الدين 2 وإيذاء المتدينين 2 ولذلك قال سبحانه : 0 وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة » ويكون الدين لله . فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين 7" فا كان الإذن بالقتال إلا لحماية العقيذة الإسلامية » وتأمين الدعوة إليها من غير إكراه ولا إغراء ولا فتنة فكان الإذن بالقتال لهذه الغاية وهى حماية الأديان . ولذلك كان الإذن بالقتال لدفع الإعتداء أيا كانت صورته . فقد قال

(1) الآية 4٠‏ سورة النساء .

(؟) الآية 44 سورة النساء .

(9) الآية ١97‏ سورة البقرة .

١5

سبحانه : #أذن للذين يقاتلون بأهم ظلموا . وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير خق إلا أن يقولوا رينا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً . ولينصرن الله من ينصره . إن الله لقوي عزيز»”" والذين يدعون أن القتال في الإسلام كان لحمل الناس على اعتناقه بالسيف قد أعظموا الفرية على الحقيقة وعلى الناس . فإنه يصرح بمنع الإكراه في الدين كا قال تعالى : «لا إكراه في الدين » قد تبين الرشد من الغي2'”4. ويقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه : «أفأنت تكره الناس . حتى يكونوا مؤمنين 74" .

هذا وإكد تلك البقايا النامية من غير المسلمين الذين يعيشول مع المسلمين من أقدم العصور في الإسلام ( لايؤ رق صفو حياتهم ظلم أو اضطهاد . بل إنها أخوة إنسانية باقية . وموده واصلة لد يقطعها إلا إفساد الممسدين 3 وإغراء والعشرة الودودة تصلها 3 والطبيعة الشرعية المنيرة 3 تكشف دخل المفسدين .

0) الآيتان 86 . 40٠‏ من سورة الحج .

(5) الآية 5١65‏ من سورة البقرة . (59) 14 من سورة يونس .

م - وإذا كانت العدالة شعار الإسلام . فإن الحرب التى تفرض عليه تكون حرباً من جانبه عادلة فاضلة تكون العدالة باعثها » وتكون الحرية أساسها وتظلها العدالة في الميدان » فإذا قامت الحرب سبب عادل » لا تكون بتقدير الساسة الذين يزين هم سوء عملهم فيرونه حسناً . إِغا تقدير العدالة يجب أن يكون مستمدا من القران وقد رسم الحدود . وسن المناهج . ولم يترك الإنسان سدى . ولم يجعل أمور الناس فرطاً من غير ضابط يضبطهم , ولا حاكم يحكمهم ويمنع الشر 5 هذه الأرض .

ولعل التاريخ لم ير منتصراً يعدل من نفسه كالمسلمين إذا نفذوا أحكام. القران وأحكام السنة » وإنه يروى في هذا أن أهل صغد22 شكوا إلى الحاكم المؤمن العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن القائد الإسلامي قتيبة بن مسلم قد دخل ديارهم من غير أن يخيرهم بين الدخول في الإسلام أو العهد . أو القتال . بل قاتلهم من غير هذا التخيبر» والعهد الذي كان موضع التخيير مع غيره هو الذي قد يسمى في هذه الأيام ميثاق عدم الاعتداء » وإن أوغل في الاتصال ء ويتضمن منع ظلم الحكام لرعاياهم ولو اشترط ترك يد الحكام في ذلك لكان الشرط باطلا » لإن الظلم حرام كيفما كانت صوره .

. صغد إقليم في سمرقند‎ )١(

1566

هذه هي الشكوى » فأرسل الحاكم العادل الذي ينفذ أحكام الله تعالى إلى القاضي ليجلس ويستمع إلى شكوى أهل سمرقند ء فإن تبين له أن قتيبة دخل ديارهم من غير تخيير, أمره أن يعود بجنده إلى ثكنااتهم ويخرج من الأرض التي فتحوها . ثم يخيرهم بين الأمور الثلاثة السابقة » وقد درس القاضي الموضوع . فتبين صدق الشكوى ٠.‏ فأمر الجند أن يخرجوا من الديار الي دخلوها ويعودوا إلى معسكراتهم ٠‏ ثم يخير الناس بين عهد عادل . أو دخول في الإسلام أو القتال .

١‏ والعدالة مع غير المسلمين مطلوبة في السلم وفي الحرب . أما ني السلم فبالعدل بين الرعايا غير المسلمين الذين يستظلون بالراية الإسلامية » والذين يجيئون من رعايا الدول الأخرى مستأمنين لتجارة . أو سياحة . أو نحو ذلك من الأسباب الإإنسانية التي لا يكون فيها تجسس أو نحو ذلك .

وإن معاملة غير المسلمين الذين يتمتعون بالرعوية في الدولة الإسلامية لهم حقوق . وعليهم كل ما على المسلمين من واجبات 2 والقاعدة الفقهية المقررة هى : « لهم ما لناء وعليهم ما علينا» فلا يفرض عليهم أمر لا يفرض على المسلمين إلا بعض التكليفات المالية » وهي تفرض عليهم في مقابل ما يفرض على المسلمين من واجبات مالية دينية من الإجتماعي . فإنها لا تفرض عليهم حتى لا يكون ثمة تدخل

للد

في الحرية الدينية على أي إسم كان ذلك التدخل » ولذلك كانت الجزية من قبيل العدالة للاشتراك في التكافل الإجتماعي من غير تدخل في الحرية » وقد أراد التغلبيون أن تعتبر صدقة , فجعلها الحاكم العادل أمير الموْ منين الإمام عمر. صدقة ) وإن العقوبات المقررة بين المسلمين هى أيضاً المقررة بين أهل الذمة » وسيكون لذلك بيان عند الكلام على الحرية في الإسلام » والذي نقوله هنا هو أن العدالة مع غير المسلمين الذين يسمون أهل الذمة تكون بالعدل الحقيقي من أي أذى بغير الحق . ولذلك قال عليه السلام : « من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة » ومن خاصمته خصمته ) .

9 - وبالتسبة للأجنبى الذي يجىء إلى الديار الإسلامية » فإنه يعامل بالرعاية القويمة . والسماحة التي تتفق مع أحكام دين جاء من قبل الله تعالى لنشر العدل بين الناس

ولذلك إذا عقدوا عقد أمان . أو ما يسمونه بلغة العصر عقد إقامة لمدة معلومة مع إنتمائهم لدولتهم فإن ذلك العقد يصون أموالهم وأنفسهم » ولو كانت دولتهم تقاتل المسلمين . لأن القتال إذا دارت رحاه لا يكون بين المسلمين والشعوب » ولكن يكون بين المسلمين. والحكام الذين يعتدون » فالشعوب لا تعتدي . وإنما يعتدي الحكام الظالمون . ولا تحمل الشعوب أوزار حكامها فإنه من المقرر في العدالة الإسلامية ألا تزر وازرة وزر أخرى » ولكل امرىء ما كسب من خير أو شر .

١ةاب‎

ولذلك أوجبت العدالة الإسلامية صيانة مال المستأمن وصيانة نفسه فأموالهم مصونة . وأرواحهم لا يعتدذى عليها . وكل حق للمسلم يثبت لحم ما داموا مستمسكين بشروط عقد الأمان لم ينحرفوا عنها . وهم أن يباشروا نشاطهم من غير أي قيد إلا ما يقيدون به أنفسهم من شروط عند عقد الأمان ء وما تقيد به الشريعة الإسلامية ‏ كل من يكون تحت ا

: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما 0

وإن ماله الذي اكتسبه في الديار الإسلامية يكون له ويستمر على ذمته » ولوغادرها » بل إنه يستمر على ذلك وإن ذهب وعاد إلى بلده ٠»‏ وانضم إلى الحيش الذي يقاتل المسلمين . لأن العدل لإسدسا يوجب ذلك . واقرأ ما كتبه ابن قدامة في كتاب المغني : «إذا دخل عربي دار الإسلام بأمان ء فأودع ماله مسلا أو ذمياً أ و أقرضه إياه » ثم عاد إل دار الحرب نظرنا » فإن دخل ( أي إلى دار الحرب ) تاجراً أو رسولا أو متنزهاً أو الحاجة يقضيها ثم يعود إلى دار الإسلام فهو على أمانه في نفسه وماله لأنه لم بخرج بذلك عن نية الإقامة في دار الإسلام ٠‏ قفأشبه الذمي لذلك»وإن دخل (أي دار الحرب ) مستوطنا بطل الأمان في نفسه . وبقى في ماله . لأنه بدخوله دار الإسلام بأمان ثبت الأمان في ماله . فإذا بطل

١54

الأمان في نفسه بدخوله دار الحرب بقي في ماله » لاختصاص البطلان بنفسه . فيختص البطلان به » .

أي أن ماله يبقى على ملكه , ولا يصح أن يمس ء وإلا كان ذلك أكلا لمال الناس بالباطل . داخلا في الغبي العام : علا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» ( البقرة 184 ) .

وإن الفقهاء ساروا في نظرية تطبيق بقاء المال في ذمته بحق الأمان فيه إلى أقصى مداه » وقرروا أنه لو مات المستأمن في دار الإسلام وجب أن يرسل ماله لورثته ولو كانوا في الميدان يقاتلون المسلمين » وأنه لو مات في دار الحرب أو قتل في المعركة الدائرة بين دولته وبين المسلمين أرسل ماله لورثته » لأن ملكيته ماله لا تذهب عنه » وتجب على الدولة الإسلامية أن ترسل المال إلى ورثته كاملاً غير منقوص ولا يكول المال إلى المسلمين إلا إذا لم يعلم له وارث . لا في دار الحرب ولا في دار الإسلام » باعتبار أن ذلك المال لا وارث له » وذلك هو الحكم في أموال المسلمين أنفسهم إذ أن كل مال لا يعلم له وارث يثول إلى بيت مال المسلمين .

وإن عدالة الإسلام في معاملة غير المسلمين ذهبت إلى أقصى حدودها حتى لقد قدموا حقه في ماله على حق المسلم في نفسه ء فقرروا أنه إذا جاء عبد مبعوثاً من حربي للاتجار بالوكالة عن الحربي في ماله » فأسلم العبد . فإن ملكيته عليه لا تكون مستقرة » لأنه إذا أسلم عبد مملوك لغير مسلم وجب على المالك

ل

أن يبيعه وهنا لا سلطان للمالك عليه حتى يبيعه , وفي هذه الخال يبيعه الحاكم الإسلامي بالنيابة عن الحربي . ويضم ثمنه إلى ماله فإذا كان العبد قد أسلم ولم تعد الملكية للحربي مقررة عليه » فإن ماليته لا تذهب ولا يضيع حق الحربي » وترى من هذا أنه أوثر حق الحربي في ماله على حق المسلم في إسلامه , مع أن إسلام ذلك العبد فيه قوة للمسلمين » وتحرير رقبته يزيد عدد الأحرار من المسلمين » وتزداد بذلك قوتهم .

وإن الفقهاء لا يسمحون بمصادرة مال المستأمن ولو كان يحارب المسلمين إلا في حال واحدة . وهى إذا كان يحارب المسلمين في الميدان فاسترق بمقتضى قانون المعاملة بالمثل , فإنه بالاسترقاق يكون غير أهل للامتلاك إذ أن ذمته المالية تذهب . وعلى ذلك يكون ماله فيئا للمسلمين .

8 - وإن من دخل دار المسلمين بأمان تطبق عليه النظم الإسلامية المالية بالاتفاق ؛ فيحرم عليه من المعاملات ما يحرم على المسلمين . ويحل له من المعاملات ما يحل للمسلمين على سواء . فلا يحل له الربا . ولا العقود التي تشتمل على غرر أو جهالة .

وبالنسبة للعقوبات من الحدود والقصاص . والعقوبات التعزيرية فإن الجزاء الذي يطبق على المسلم إذا ارتكب مثل هذا الفعل الذي وقع منه يطبق عليه فإذا قتل مسلا أو ذميا

ه .5"

الحدود . كالزنى والقذف والسرقة أقيم عليه الحد عند الجمهور الأعظم من الفقهاء لعموم العدالة وذلك لأن هذه الحدود الشرعية لحماية الفضيلة من هذه الجرائم » والعقوبة عليها من حق المجتمع أي من حقوق الله تعالى وما كان الأمان الذي اعطيه بمسوغ له انتهاك حمى الفضيلة والافساد في المجتمع الإسلامي . وإن الإسلام يعد احترام الفضيلة أساساأً لكل العلاقات الإنسانية » ولا شك أن الاعتداء على الفضيلة تحريض على الرذيلة وينبغي أن ينزل به العقاب الذي ينزل بالمسلم إذا ارتكب مثل ذلك لأن التسوية في العقوبة إذا اتحدت الجريمة هو قانون العدالة المستقيم » وغيره هو العوج الذي لا يقيم عدلاً . ولا يصلح خلقا .

14 - هذه صور من عدالة الإسلام مع الذين يقيمون بين ربوعه من أهل الديانات الأخرى , وهي تفرضٍ أن العدالة حق طبيعي للانسان يستمده بمقتضى كونه إنساناً لذ بمقتضى أنه مسلم ١‏ وينظر فيه إلى الحق الإنساني العام من غير نظر إلى لون أو جنس أو دين » فهي حق على الحاكم المسلم , وليست منحة منه . وأنه لا أثر لغير الحق الإنساني العام . فلا أثر لمحبة أو عداوة . ولا ولاء ولا بغض . ولذلك يقول الله تعالى : ولا يجرمنكم شتآن قوم على ألا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى *(2 فأقرب الأخلاق إلى الله تعالى العدالة .

. الآية م من سورة المائدة‎ )١(

لحي

وإذا كانت عدالة الإسلام واضحة في داخل الدولة

وقد قررنا أن الأصل في العلاقات هي السلم . والحرب أمر عارض للضرورة يقدر بقدرها وهي تشبه العمل الجراحي . الذي يحتاج إليه الجسم . لإذهاب عضو مئوف . يخشى أن يفسد الجسم كله » كذلك الحرب تكون لعلاج جزء مئوف من جسم الإنسانية يحاول الإفساد فيها بالاعتداء ولذلك كان الدفع الذمي لا بد منه » ولذلك قال تعالى : # ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض . ولكن الله ذو فضل على العالمين 23084 .

أ والعدالة توجب على المسلمين أن يعاملوا غيرهم بمثل ما يعاملهم به غيرهم . وهذا ما يسمى في العرف الدولي المعاملة بالمثل . ولكن الإسلام لا يسير في المعاملة بالمثل إلى أقصى المدى . لأنه مقيد بالفضيلة والأخلاق السامية » فإذا كان المخالف من الدول ينتهك حرمة الفضيلة لا ينتهكها المسلمون . ولو كان ذلك في حال حرب . فإذا كان العدو يستبيح قتل الذرية والضعاف من الرجال والنساء الذين لا يستطيعون حيلة » ولا هتدون سبيلا . وإذا كان يقطع الأشجار من غير فائدة» أو كان يستبيح دماء الشعوب

. الآية ه؟ من سورة البقرة‎ )١(

٠.

وتجويعها » وضرب الآمنين في مامنهم فإن الإسلام لا يستبيح ذلك لأن المعاملة الإسلامية مقيدة بالفضيلة » والانطلاق من قيودها لا يبيح للفاضل أن ينطلق أيضاً من قيودها .

ولا يصح أن نتجاوز في أعمالنا الحدود . فالمعاملة بالمثل قيد للمسلم فوق قيد الفضيلة وقيوده أشد وأوثق من قيود غيره كا والشأن في المعاملة بين الفاضل والمفضول . ش

ب - وأنه في سبيل تحقيق العدالة الدولية أوجب الإسلام الوفاء بالعهود ولذلك قال تعالى : #واوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً 274 وأشد النكث في العهود ما يكون من رئيس الدولة الإسلامية » ولذلك يقول محمد عليه السلام : « لكل غادر لواء يوم القيامة وأعظم لواء غدرة لواء أمير عانه » ولقد بين الإسلام أن الوفاء بالعهد قوة . وأنه لا يصح أن تكون الزيادة في رقعة الدولة أو قوتما أو أسلحتها مسوغة لللكث في العهد . ولذلك قال لله تعالى : #واوفوا بعهد الله إذا عاهدتم , ولا تن تنقضوا الإيمان بعد توكيدها . وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً . إن الله يعلم ما تفعلون , ولا تكونوا كالتي نقضت غزها من بعد قوة انكاثاً تتخذون إيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة . إنما يبلوكم الله به , وليبين لكم يوم القايمة ما كنتم فيه تختلفون 74" وإن هذا النص الكريم يدل على ثلاثة أمور أشرنا إليها .

. الآبة 4 من سورة الإسراء‎ )١( . من سورة النحل‎ 95 - الآيتان‎ )5

؟ ٠‏ ؟

أولما : إن العهد الذي يوثئق هو عهد الله تعالى » فمن ينقضه . فإنما ينقض عهد الله . وهو فوق ذلك قد كفله الله تعالى .

ثانيها : إن العهد ذاته قوة وأمن واطمئنان . ولذلك شبه من ينقضه بحال الحمقاء التي تغزل غزلاً ‏ وتقوى برمه ثم تنقضه من بعد تقويته أنكاثاً أي شعراً مجزءاً أجزاء صغيرة » ثم ذكر سبحانه أن فيه زللا للقدم بعد ثبوتها . فالعهد فيه اطمئنان وبعد عن الانزعاج » وبعد عن إرهاق الانفس . وتثبيت للسلم ء والسلم في ذاته قوة. والنقض إزالة لهذه القوة , وإزالة للثبات المستمر .

ثالثها : أنه لا يصح أن تكون الرغبة في زيادة رقعة الأرض ابي تكون فيها سيادة الدولة ولا قوة السلطان الوقتي سبياً فٍ الغعدر» ولذلك ذكر أن من بواعث الغدر الممقوت أن تكون أمة هي أربى من ١‏ أي أكثز عدداً : وأوسع أرضاً وأقرى سلطاناً » .

- وإن هذا التشديد في الوفاء بالعهود هو عذالة الإسلام في العلاقات بين الناس » وهي قوام العدالة في العلاقات بين الدول وهو طريق الأمن والسلامة في هذه الأرض ٠‏ وإذا كان السلم هو الأصل في العلاقات الإنسانية وهو العدل . فإن العهود هي التي تثبته وتقويه » وأن توزيع الانتفاع بهذه الأرض طريقة العهود العادلة التي لا شطط فيها »

١غ‎

ولا مجاوزة للحد . لا يستضعف فيها ضعيف . ولا يستعلي فيها قوى . بل إنه إذا كان الواجب على الضعيف أن يوني . فالواجب على القوي إلا يتحكم ولا يستكبر ولا تأخذه العزة الاثم .

ولقد كانت عهود النبي كيه التي كان يعقدها مع الملشركين » وعقدها مع اليهود والنصارى مثلا للعهود العادلة » يعطي في العهد بمقدار ما يأخذ وتكون على قدم المساواة » بل إنه في حال قوته » وعقده مع من هو أضعف منه يعطي أكثر ما يأخذ ويشترط على نفسه مالا يقبله الخصم ٠‏ فهو في صلح الحديبية قبل أن يرد إليهم من يجيء إليه مؤمناً إذا لم يستأذن دوي قرابته , وم يقبلوا أن يردوا إليه من يجبيء خارجا على محمد ييْةِ » وقبل أن يعود من عامه هذا ولا يحج البيت مراغا لهم . ومعه جيش يستطيع أن يدخل به فاتحا مطهر البيت من أرجاس الأوثان » ولكنه قبله في سبيل الأمن والسلامة وعاد في عامه هذا وكان ذلك العهد مع ذلك سبيلاً للأمن والسلامة وانتشار الدعوة الإسلامية في ربوع البلاد العربية كلها . إذ تفرغ عليه السلام لبيان الإسلام والأحكام المقررة الثابتة إلى القيامة .

ولم يغدر النبي يَكِهِ » وسماه القرآن الكريم فتحا مبيناً : لأنه إن لم يكن فيه الاستيلاء على مكة . فقد كان فيه التفرع للدعوة » وكان فيه نشر العدالة وروح الإسلام ب بين العرب .

>”

وكان هو السبيل من بعد ذلك للاستيلاء على مكة وتطهيرها من الاوئثان . وذهاب دولتها من بلاد العرب . ويأاس الشيطان من أن يعبد فيها من بعد .

5 - والعهود لكي تكون سبيلاً للسلم الدائمة » وقيام العدالة يجب أن تبنى على العدالة والمساواة وعلى الأخوة الإنسانية , .لا على تحكم القوي في الضعيف . وتحكم العالم بوسائل الحضارة والقوة والتمكن في غيره بل تكون مبنية على

تعميم العلم والحضارة في كل بقاع الأرض » فإن الأمم التي سادتها العلوم مسئولة عن الأمم التي لم تنل حظاً كبيراً من العلم بوسائل استغلال ينابيع الثروة » لأن ذلك يزيد الأرض كلها نماء » وتماؤها للإانسانية كلها . لا لفريق من بينها » قل عدده أو كثر » ومسئولية العالم عن الجاهل ليست مسئولية لسك بل مسئولية الوجه المرشد الهادي من غير استغلال للجهل » استعباد للجاهل .

وهنا ترد اعتراضات ثلاثة :

ثانيها : إن العدالة نسبية » فقد يرى القوي أن يكون في

ثالثها : إن كل دولة متحضرة تدعى أنها دخلت أرض

ك5"

الضعيف لتعليمه وتوجيهه . حتى اختلط الحق بالباطل فا السبيل للتمييز بينهها » وتحقيق العدالة في هذه الأرض .

والجواب عن الاعتراض الأول أن الأمر بالوفاء أمر ديني العدالة كذلك وهو أمر للشعوب والحكام معا ٠‏ وهو السبيل لانقاد الأرض من ويللات المفسدين من بي الإنسان 2 وتوهم الغدر من أحد طرفي العقد لا يسوغ له أن ينقضه ء» بل يسوغ له الاحتراس إن كان الآخر لا يستمسك بدين ولا خلق . ولقد قيل للنبي يَلْةِ : « إن المشركين سينقضون العهد . فقال عليه السلام 2 وفوأ هم واستعينوا الله عليهم 0 .

ونحن نفرضص في حال سيادة الحكم الإسلامي في شعوب الأرض أن تطيعه الشعوب رغبا ويحملوا حكامهم على الطاعة رهبا ولا سبيل لانقاذ الإنسانية إلا بأن تسود الشعوب روح الإنسانية وهي روح الإسلام » ويحملوا حكامهم عليها حملا

والجواب عن الاعتراض الثاني : هو أن العدالة في هذه الأرض نسبية إذا تشابكت الحقوق والواجبات » وولم يمكن التمييز بينها » ولكن هناك نوع من العدالة إدراكه في مرتبة إدراك البدهيات التي لا يلتبس فيها الحق بالباطل وهي أن تعامل الشعوب على قدم المساواة لا فرق بين لون ولون وجنس وجنس وإقليم وإقليم » بل يكون الجميع شركاء في خيرات

ا"

الأرض كل بمقدار عمله وطاقته » فهل يختلف أحد في المساواة من غير نظر للألوان » فالبداهة تقول مقالة محمد عليه السلام : « كلكم لآدم وادم من تراب » والبداهة تقول أن التعارف بين بنى الإنسان واجب . وتقول أن التعاون في إستخراج خيرات الأرض ثمرة التعارف . والبداهة تقول . لا يتحكم ذو الخيرات . فيمنع عن غيره القوت . فالخلال بين والحرام بين .

والجواب عن الاعتراض الثالث إن الادعاء الباطل كثير » وهو ظلم في القول وظلم للحقيقة . وظلم للإنسانية ولو كانت العدالة مرعية الجانب في العلاقات الإنسانية ما وجدت تلك الدعاوى الباطلة » وإنما ينظر إلى الدعاوى التي يقوم الدليل عليها ؛ ولو أخذ الظالمون بأقوالهم » واعتبرت حجة لهم لعم الفساد وما قام للعدالة سلطان في هذه الأرض ٠»‏ وإن هذه الدعاوى باطلة يبطلها العمل » ويدحضها ما يفعل في داخل هذه البلاد وخارجها من ظلم مبين صارخ . وقد أدرك ذلك كتاب مخلصون » فنددوا يبحكامهم . ونبهوا إلى أرجاسهم , إننا ندعو إلى حكم الإسلام وحكم الدين وحكم الأخلاق لنقضي على ظلم أولئك الحكام الذين يخربون في الأرض ويعيثون فيها فسادا . والويل للإنسانية إن نفذوا خططهم . واستعملوا اسلحتهم التي لا تبقي ولا تذر. وإن الشعوب حائرة بائرة أمام هؤلاء المتجبرين ولا خلاص منهمء ولا

"١م‎

استقرار للعدالة إلا بدين يحكم قلوب الشعوب وبهودية اليوم لا تحكمها . لأنها جانبية والنصارى يتوهمون أنها تركت الدنيا وتقتصر على المعابد . فلم يبق إلا القران الكريم الذي يحكم بالعدالة بين الناس » اللهم أصلح العباد بحكمك إنك أنت أحكم الحاكمين .

7 - لا نريد أن نبسط القول في هذا الموضوع : نظام الحكم في الإسلام » سواء أكان مشتقا من أعمال الحكام الذين حكموا وسيطروا » أم كان ما استنبطه العلماء من أحكام تتعلق بالحكم وواجبات شعبه المختلفة » ووظيفة كل شعبة من الشعب . لأن ذلك موضوع يطول القول فيه» وهو علم يدرس في الدراسات العليا بكليات الحقوق » وفيه بحوث مستفيضة تصدى لا باحثون من المشتغلين بالعلم الإسلامي .

ولكنا نكتب في أصول الحكم الإسلامي , والينابيع التي تستمد منها سلطاته المختلفة » ونقصد إلى ذلك . لأن كثيرين من يعملون على تشويه الحكم الإسلامي . يتكلمون في هذا الحكم ويأخذونه من معاملة الحاكمين لرعاياهم » ويزعمون أن ذلك هو حكم الإسلام » وما هو إلا حكم الطغيان .

ولقد كان أولئك الحكام يرتكبون ما يرتكبون باسم أنهم خلفاء الإسلام » ومنهم من تطاول في القول حتى سماهم

6

خلفاء الله تعالى . كما كان يجري على لسان الحجاج بن يوسف الثقفي وأشباهه . تمن كانوا يضيفون قدسية إلى ملوكهم الذين ولوهم ٠»‏ وأرادوا تثبيت ملكهم بكل الوسائل ما حل منها وما

وكان من هؤلاء الملوك من كانوا إذا فتحوا بلداً إسلامياً فرضوا عليه الجزية | فرض سلطان الأتراك الجزية على مصر وغيرها من البلدان المفتوحة . ومع ذلك تسمى أولئكك السلاطين بأمراء المؤمنين .

وكانوا يفرضون سلطاء نهم باسم الدين ء ويلزمون الناس بطاعتهم باسم أنهم أمراء المؤمنين . متمسحين بقوله تعالى : يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم . فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول. إن كتتم تؤمئون بالله واليوم الآخر»<"2 فأخذوا بجزء من الآية , وتركوا الجزء الآخر. ومن الناس من ذهب به فرط ضلاله إلى وجوب طاعة الحاكم مطلقاً » ولو كان غير مسلم يمتص خيرات المسلمين وأدخلوه في ضمن أولياء الأمر الذين تجهب طاعتهم .

لذلك حق علينا أن نبين من هو جدير بذلك الاسم : اسم ولي أمر المسلمين 3 ولا نستمد ذلك من أعمال الحكام الذين حجاءوا بعل عصر الراشدين ولا من أقوال الذين لد يستمدون

)0 الآية 4 من سورة النساء .

غ51

أقوالهم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله يه بل نستمده من الكتاب والسنة . وننظر إلى تطبيق ذلك في عصر الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلىي رضي الله عنهم أجمعين .

وأول أمر ترى الإسلام شدد فيه هو أن يكون أمر المسلمين شورى فيا بينهم . فالخليفة يختار بالشورى وأعماله كلها تكون مقيدة بالشورى . وقد جاء النص القراني الكريم بوجوب الشورى في أساس الحكم . وفي فروعه فقد قال تعالى 5 وصف المؤْ منين الصادقين 5 إيمانهم : #والذين استحابوا لربهم ٠‏ وأقاموا الصلاةء وأمرهم شورى بيهم . وما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون» 20 .

وترى من هذا النص أن الله تعالى يوجب أن يكون في المؤمن حمس خصال هى بناء الجماعة الإسلامية » والأولى هي الطاعة لله تعالى والاستجابة إليه وحده » وعدم الاستجابة لغيره إلا من وراء الاستجابة له سبحانه » بمعنى أنه لا يطاع إلا فيا يكون فيه طاعة لله تعالى . والخصلة الثانية تطهير قلبه بالعبادات التى تطهر القلب وتبذب النفس وتربي الوجدان وذكر أوضحها في ذلك . وهى الصلاة » والخصلة الثالثة أن يكون حكم المسلمين بالشورى الجامعة » لا بالاستبداد المفرق » والخصلة الرابعة : التعاون المادي بسد حاجة المحتاجين .

. الآيتان م" . 4” من سورة الشورى‎ )١(

انا

والخصلة الخامسة ألا يخضعوا لظلم قط ؛ وأن يدفعوه حيث كان . وأنى يكون . فليس بمسلم صادق الإيمان من يرضى بالدنية في دينه » ومن يرضى بالظلم ينزل به » ولقد روينا قول النبي فَكةِ : « أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر » وهذا هو الذي أشار إليه النص الكريم بقوله تعالى : #والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون» وقد أكد طلب الانتصاف من الظلم وحمل الباغي على الحق بتأكيدات بلاغية واضحة . ولقد قال تعالى امرا نبيه بصفته الحاكم الأعلى #وشاورهم قْ الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله4 فجعل المشاورة واجبة قبل العمل . وكثيرا ما كان يرى النبي الرأي في أمر الحرب . وينبهه الى خطأ الرأي بعض أصحابه كما حدث في المنزل الذي اختاره للقتال في غزوة بدر. فنبهه بعض الصحابة إلى غيره فعدل بعد أن اقتنع .

ولقد قرر في غزوة أحد أن يبقى في المدينة » حتى إذا جاءت قريش إلى أزقتها وطرقاتها الضيقة انتصف المسلمون منهم ع وقد رأى ذلك الرأي شيوخ المدينة » ولكن شبابها . وخنصوصاً الذين لم يحضروا بدراً رأوا غيره وكانوا الكثرة » فنزل عند رأيهم ء وإن كان رأيه غيره ء لأنه يسير على نظام الشورى . ويربي الأمة عليه » ويبتدىء هو بفرض الخطأ في رأيه » ولا يفرض الصواب دائاً » وإن الفرق بين الحاكم المستبد » والحاكم الحر الذي يفرض الأمر شورى . هو أن المستبد دائم) يفرض في رأيه الصواب الذي لا يحتمل الخطأء

املك

ويتحكم فيفرض في رأي غيره الخطأ الذي لا يقبل أن يكون صائباً » هذا إذا كان مخلصاً في طلب الحق » أما إذا كان غير متخلص فإنه يجعل شهواته حكٌ]| حكاء ورغباته رأياً مفروضاً » ولا رجوع فيه .

الخاضعة للسادئء المقررة الثايتة النازلة بوحي من السماء ء كان يعمل الاستشارة دائ) ٠‏ لا على أنها تبرع يتبرع به , بل عل أنها واجب عليه بصفته حاكياً , أنه قد روي قال عليه السلام وماخاب من استخار . ولا ندم من استشار » ومعى استخار أي بحث عن خير الأمور وطلبها فالنبي يطلب ممن يقوم بعمل عام أو خاص أمرين ‏ أحدهما ‏ أن يتخير الأمور بعقل خال من غيره » فإن القرطاس لا يقرأ إلا من وجهيه » ونظره ٠‏ هو مه يكن خالياً من الحوى قد يكون جانبياً ٠‏ فيجب أن يستعين بغيره ليرى من كل الخوانب » وإذا كان ذلك أمرأ لازما بالنسبة الجماعية .

وإن الشورى فوق أنها تعريف للصواب هي تربية للآمة على الإدراك الصحيح ف عامة الأمور . وهي الي تتفق مع النظام الحر السليم » وخير للجماعات أن تخطىء في رأي تبديه وهي حرة من أن تفرض عليها اراء صائبة » فإن صوابها يكون

"1

مقترناً بارهاق نفسي . وضعط للإرادة » وذلك أشد ضرراً في تكوين الأمم .

ومع أن الحكاء قرروا أن أمثل نظام للحكم هو حكم الفرد العادل » قرروا أنهم لا يوصون به بل يوصون بحكم الشعب . لأن صلاح حكم الفرد قريب من فساده . وأخطر حكم هو حكم الفرد الفاسد . على أنا نقول أن الفرد العادل الصالح لن يرضى لنفسه ان ينفرد من غير استشارة » لأن العادل لا يفرض الصواب المطلق في فعله دائما .

4 هذا حكم النبي يه كان ينفذ الأحكام المقررة بالشورى . أما ذات المباديء التي تنفذ . فإنها بوحي من الله تعالى . ْ

ولا جاء بعد وفاته عليه السلام الراشدون من أصحابه » أقاموا دعائم الشورى . في أصل اختيار الحاكم الأعلى . وني تنظيم الأمور . ىا كان يفعل النبي ع وخصوصا الأمور التي تكون أصلا لنظام معين يريك اتباعه . ويرسم فيها منهاجاً . فإن الراشدين كانوا يستشيرون فيه .

أما اختيار الحاكم الأعلى بالشورى . فقد سلكوا له ثلاث طرق .

- أوها - الاختيار الحر من غير ارتباط بوصية من الحاكم السابق . وهذا ما كان في اختيار أبي بكر خليفة رسول الله

">14

يله فإن كبار الصحابة اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة , وتداولوا في| بيمهم فيمن يكون خليفة أيكون من المهاجرين أم يكون من الأنصارء وقد انتهى رأهم على أن يكون من قريش . لمكان قريش في العرب ولأن الحاكم الأعلى يجب أن يدين له العرب . وخصوصاً أن الإسلام بعد لا يزال جديداً فيهم ‏ والاعراب م: منهم أسلموا ٠»‏ ولما يدخل الإيمان قلوبهم ء كما قال لله تعال : «إقالت الأعراب آمنا قل ل تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا . ولما يدخل الإيمان في قلوبكم 204 ولقد بين أبو بكر في خطبته ضرورة أن يكون الإمام من قريش » وجاء في اخر خطبته لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش » وبايعه الناس على ذلك . 1

الطريقة الثانية أن يوصى الخليفة لخليفة من بعده , ومعنى ذلك أنه لا يريد أن يكون أمر المسلمئْن من بعده فوضى ء يتحيرون في اختيار رجل ٠‏ فيرشح من يراه أمثل , ومن يرى أنه شاركه في| قام به من أعمال . ولكيلا تكون الأمور فوضى من بعده . ولا يعد ذلك وليا للعهد . إثما هو اقتراح منه . كما يفعل ذلك بعض رؤساء الجمهوريات في ترشيح من يخلفهم والدعاية لهم أحياناً .

وقد فعل ذلك أبو بكر رضي الله تعالى عنه » هو الذي رشح الإمام عمر. ودعا إلى بيعته والموت يدب إليه دبيبا قٍِ

. الآية 4 من سورة الحجرات‎ )١(

حل

مرضه الذي مات فيه . وقد تمت البيعة لعمر رضى الله عنه مبذا الترشيح . وكان الانتخاب الحر هو تلك البيعة الصحيحة التي تشبه العقد بين الحاكم والمحكومء وهو يفرض على المحكوم الطاعة فيم| لاا معصية فيه لله ولرسوله. ويفرض علل الحاكم العدل . وتنفيذ أحكام القرآن والسنة » والقيام بما هو في مصلحة المسلمين . ولا شك أن هذه الطريقة لا ضرر منها ما دام اخاكم برشح من غير هوى فلا يرش قرا تاه ل رجلا لمجرد محبته » وما دام يترك الناس أحرارا في الموافقة على الترشيح بالبيعة الحرة ة التي لا يعتريها ريب. وحسب هذه الطريقة فضلا أن سلوكها جاء بعمر رضي الله عنه .

الطريقة الشالثة - أن يرشح الخليفة عدداً ليختار المرشحين منهم اختياراً سليياً من كل الوجوه ويعين لحم مدة للاختيار» حتى لا يطول الأمد. وبطول الأمد يستمر الاختلاف وقد يتفاقم .

وقد فعل ذلك الإمام عمر رضي عنه فقد رأى أن النبي يَلِْةِ تركها من غير وصية . ورأى أن أبا بكر أوصى بها , فتركها وسطأ ؛ لم يعين واحداً . بل عينها في ستة مات رسول الله ك2 وهو عنهم راض ٠»‏ وهم علي بن أبي طالب » وعثمان بن عفان » وسعد بن أبي وقاص . والزبير بن العوام , وطلحة بن عبيد الله » وعبد الرحمن بن عوف . وقد فوض ثلاثة منهم الأمر لعبد الرحمن بن عوف . واجتمع الناس في

امرض

المسجد فعرض عبد الرحمن على علي أن تكون البيعة له على العمل بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين أبي بكر وعمر مر: ن بعده فقال متعهداً أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله » ومن بعد يجتهد برأيه » ثم قال لعثمان مثل ما قال لعلي رضي الله عنها قأجاب أنه يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين من بعده . فبايع عثمان .

ولا نستطيع أن نقول أن هذه الطريقة غير سليمة » وإنها لصحيحة . وقد اختارها عمرء وهو الذي قال فيه النبي : و إن الله كتب الحق على لسان عمر وقلبه » .

ولكن هل نفذت وصية عمر تنفيذاً دقيقاً » أحسب أن التنفيذ الدقيق أن يختار كل منهم واحدا سواء أكان منفردا أو متبادلاً الرأي مع سائرهم ؛ والفكرة الي عرضها الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف كان يجب عرضها على أهل الشورى . وهم هؤلاء الستة قبل أن تعرض على عثمان وعلي في المسجد الجامع للمسلمين » وهي التزام الخليفة الجديد أن يعمل بسنة الشيخين .

وإن ذلك التطبيق الذي سلكه ذلك الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ينتهي إلى أن الأمر كأنه فوض إليه فقط . لأن الآخرين تركوا اراءهم . وانتهى الأمر بمبايعة الناس لعثمان بدل على . ومههما يكن فقد انتهى الأمر باختيار ذي النورين عثمان رضي الله عنه » فهو من السابقين

أخرض

المقربين الفائزين برضوان من الله وقضى الله بذلك أمراً كان مفعولاً .

هذه هي الطرق الثلاث التِى كان يسلكها الصحابة في اختيار الخليفة الأعظم . وكلها طرق شورية وليس منها أ يعهد الخليفة الى ابنه . لأنه في هذه الحال يلتبس ا حق بالمحبة الأبوية ٠‏ وتصير ملكاً بعد أن كانت شورى . ولذلك ورد الآثر بما يشير إلى أنها صارت ملكاً . فقد روي عن الني كل أنه قال : « الخلافة بعدي ثلاثون ثم تصير ملكا عضوضاً ) أي يعض عليه بالنواجز . وذلك هو الذي كان فإن خلافة الإمام عل كرم الله وجهه تنتهي سنة أربعين من الهجرة . أي بعد وفاة النبي كل . وهي آخر خلافة شورية . قام الحكم فيها على الشورى . وهي التي لم يكن رأي فيها لأهل الشام الذين كانوا محكومين برقل ملك الروم . وكان لهم أنس أو خضوع للملكية في كل صورها . | 4 وكانت الأمور في عهد الراشدين تسير بالشورى . فأبو بكر كان ينفذ ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله يله . لأن تنفيذ ذلك الحكم لا مجال للرأي فيه » فإن لم يكن أو كانت الأمور التنفيذية ملتبسة . فإن الشورى هي أساس حكمه فكان كلما أدلهم أمر جمع الصحابة واستشارهم .

وقد نفذ أمر الله في أهل الردة » وقد ارتد العرب ما عدا مكة والمدينة » فوقف الصديق خليفة الرسول وقفة أنقذ

5

الإسلام بها ء وكانت هي الصدمة الأولى التي صدم بها في حكمه » فصمد وصبر ء وقد قال النبي كَلْةِ : « إنما الصبر عند الصدمة الأولى » .

وقد قبل المرتدون الصلاة أولاً » وامتنعوا عن الزكاة . فكان من الصحابة وعلى رأسهم عمر من رأى أن يقبل منهم ذلك ء حتى يستقيم الأمر وتدين العرب بالطاعة للمدينة , والخلافة الكبرى » ولكن أبا بكر رضي الله عئه وهو الضعيف في بدنه القوي في إيمانه أى . وقال إِمّا سلم مخزية . وإما حرب

مجلية » وقال والله لو منعوني عقالا أعطوه للرسول لقاتلتهم عليه . ودعا الصحابة إلى هذا الرأي بقوة الإيمان والحجة. لا بقوة السلطان . كا توهم بعض الناس . فقد قال رضي الله تعالى عنه : « والله لو أفردت من جمعكم لقاتلتهم حتى أهلك مهلكا أو أنال مطلباً » وما زال بهم حتى وافقوه . واستمر في الحرب من غير تلبث . وكان الله تعالى مع المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وانتصر الإسلام على الردة .

وكان ذلك هو شأن أبي بكر ء في كل أمر من الأمور ينفذ حكم الله إن كان صريحاً » ويأخذ الرأي في طريقة تنفيذه من غير تلوم في أمر الله تعالى ونهيه . ثم يأخذ الرأي فيا لم يكن فيه نص . وهو حريص في كل ما يفعل على الاقتداء برسول الله كه » ويتوقف في كل أمر لم يجد فيه لرسول الله تعالى أمراً » كما وقفا في جمع القران قُْ مصاحف جامعة » وأخذ يستشير

رفص

الصحابة الأولين ؛ حتى وجد كثرة موافقة فشرح الله تعالى صدره فألف لحنة من كبار الحفاظ له , وجمعته .

-١‏ وفي عهد الإمام عمر اتسعت رقعة الدولة الإسلامية ٠‏ ودخل في حكم المسلمين أمم ذوات حضارات قديمة واختلطت تلك الحضارات. وكونت مزيجاً إجتماعياً ل يأتلف . فتفتحت العقول الإسلامية . واتسعت آفاقها . وأخذ عمر رضي الله تعالى عنه ينظم أمور الدولة » وهو العبقري الذي لم يفر فريه في الإسلام أحد . كما قال النبي كك »وكانت الشورى هي القوة التي يستعين بها على حكم هذه البلاد المترامية الأطراف » وقد حث الناس جميعاً على أن يرشدوه إذا أخطأ ويقوموه إذا اعوج وهو الذي يقول : « من رأى منكم في أعوجاجا فليقوهه » فقال له بعض السامعين : « والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا » فحمد الله على ذلك » وقال الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم عمر بسيفه إذا اعوج 2٠‏ ,

وكان يطلب التوجيه إلى الحق من الناس» قال له بعض الناس اتق الله يا عمرء فقال بعض الذين يدهنون إلى الحكام : أو تقول لأمير'المؤمنين : اتق الله . فقال الفاروق رضي الله عنه : ألا فلتقولوها لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها )

ولقد ابتدأ عمر بنظم الشورى . فكان له شوران

>53

الشورى الخاصة . وفيها يستشير كبار العلماء من الصحابة كعلي بن أبي طالب . وعثمان بن عفان » وزيد بن ابت ومعاذ ابن جبل . وغيرهم من كبار الصحابة وخصوصاً علماءهم كعبد الله بن مسعود وهؤلاء يستشيرهم 5 أكثر أمور الدولة وخخصوصا ما يحتاج فيها إلى فقه الشرع . وتخريج أحكامه .

والقسم الثاني من الشورى وهي الشورى العامة ع وهي التي حتاج فيها إلى تقرير مبدأ » أو يكون الأمر فيها خطيراً ومن هذا النوع تقسيم الأراضي المفتوحة بين الفاتحين » أو بقائها في أيدي أصحابها الأصليين ؛ على أن تكون محبوسة على مصالح المسلمين . وغلاتها تعود إليهم » ويد واضعي اليد يد اختصاص لا يد ملك . وكان رأي الغزاة أن تقسم بيهم قسمة ملك ومكثت المناقشة ثلاثة أيام » وانتهت بأن أقروا رأي عمر بالأجماع لما ساقه من نصوص ء وقد كتبنا ذلك في عدة مواضع .

وكان يستشيرهم فيا يتعلق بشخصه إذا اتصل بمصلحة عامة . فإنه يروى أنه لما تكائفت جيوش الفرس على الحيش الإسلامي خشي الفاروق على المسلمين » فأراد أن يخرج إلى الفرس بنفسه » فاستشار كبار الصحابة في ذلك . ولننقل لك من هذه المناقشة الطريفة مشورة على رضى الله عنه . فقد قال الإمام علي موجها الكلام إلى الإمام عمر :

» إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة‎ ١

50

وهو دين الله الذي أظهره . وجتده الذي أعده وأمده حتى بلغ ما بلغ » وطلع حيث) طلع . ونحن على موعد مع الله . والله منجز وعده . وناصر جنده » ومكان القيم من الأمر مكان النظام من الخرز جمعه ويضمه . فإذا انقطع النظام تفرق الخرزء م لم يجتمع بحذافيره أبدا . والعرب اليوم وإن كانوا قليلا هم كثيرون بالإسلام » عزيزون بالاجتماع. فكن قطبا. واستدر الرحى بالعرب . واصلهم دونك نار الحرب ء فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقصت عليك العرب من أطرافها وأقطارها » حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك . إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا هذا أصل العرب . فإذا قطعتموه استرحتم . فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك . وطمعهم فيك . . . فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين . فإن الله سبحانه وتعالى أكره لمسيرهم منك , وهو أقدر على تغيير ما يكره » وأما ما ذكرت من عددهم . فإنا لم نكن نقاتل فييا مضى بالكثرة . وإثما كنا نقاتل بالنصر والمعونة2©0 .

4 وجاء عهد ذي النورين عثمان رضي الله عنه , فكانت الشورى ها مكانتها في خلال ست سنين من خلافته , حتى كأنها إمتداد لخلافة الإمام عمر رضي الله عنهها » وكانت .من بعد ذلك أحداث جعلت ضوء الشورى مختفي في

. ج ص 58# شرح الأستاذ الإمام محمد عبده‎ ١ نبج البلاغة‎ )١(

خض

ضجتها . حتى انتهت تلك الضجات بمقتل ذلك الشهيد التقي رضي الله عنه » وأكبر أسبابها ما وقع من أغلاط بعض أهل بيته الأمويين الذي لم يراعوا حقه في شيخوخته .

وجاء عهد على رضى الله عنه » فقامت الشورى قوية . وأراد رضى الله عنه أن يعيدها عمرية » وكان أقدر الناس لو كان بعد عمر » ولكن توسط بين العهدين لين سيدنا عثمان , ثم خروج معاوية عليه . وقضاها رضي الله عنه في حروب . حتى قتل غيلة ‏ وكان آخر الراشدين عدلاً وحكماً وشورى . أهل الشورى وطريقتها :

م4 كان أهل الشورى في عهد الراشدين هم أصحاب النبي وتلاميذهم » وقد علمت أن أهل الشورى الخاصة في عهد عمر كانوا كبار الصحابة » وقد كان حريصاً رضي الله تعالى عنه على أن يبقيهم في المدينةلا يغادرونها ليستعين بهم فيا يعرض له من أمور . ولا يخرج أحد مهم من المدينة إلا إذا أراد أن يعلم أهل إقليم شئون دينهم . كما بعث بعبد الله بن مسعود إلى الكوفة » وذكر أنه آثرهم على نفسه . إذا كان يود أن يبقى بجواره لينتفع به في شوراه الخاصة .

ومنع كبار قريش من الذهاب إلى الأقاليم » حتى لا يكونوا فيها ارستقراطية ومحسبوا صنف قائم بذاته , وهو الحاكم الذي لا يفرق بين الناس قط 3 وأهل الإيمان كلهم

ل

عند الله وني الحق سواء . وكان رضي الله عنهء يقول : لآخذن بحلاقيم قريش لأمنعهم من أن يتجاوزوا الحرتين » .

هذا من أسباب انتقاض قريش .

وكانت الشورى العامة لعمر في أهل المدينة أجمعين . وان هذا يشبه نظام أثينا في عهد بيركليس . فقد كان أفراد أثينا يشتركون في سياسة الدولة ونظامها . فكان كل المؤمنين بلا استثناء يشتركون في هذه الشورى العامة . ولم يكن هناك اتتخاب . لأن عدد المؤمنين لم يكن يسمح باختيار بعضهم دون بعض ونم يكن أهل الأقاليم المفتوحة داخلين في شورى الخليفة الأكبر.ء ولكن كانوا يستشارون هم والمؤمنون في

أقاليمهم .

4 ولم يضع الإسلام نظاماً للشورى » لأن النظام يختلف باختلاف الأقاليم ؛ إنما دعا إليها باعتبارها مبدأ يجب تحققه في الحكم » لأنه أساسه . وما دامت المساواة ثابتة » وما دامت الطبقات ملغاة وكل تبيؤ له الفرص ليعمل بمقدار ما وهبه الله . فلا بد أن تكون الشورى أساس الحكم . لأن ا حكم الااستبدادي إما يكون حيث يفرض التفاوت بين الناس في الدم ؛ أو النسب . ولا شيء من ذلك في الإسلام قط

58

فتكون الشورى هي الأساس في الحكم بمقتضى منطق الإسلام » وبمقتضى نصوص القران والسنة » ويمقتضى عمل الرسول.» صلوات الله وسلامه عليه . وبمقتضى عمل الصديقين الراشدين من صحابته الكرام . وقد نفذها عليه السلام » كا نفذها صحابته من بعده. على ما يقتضيه عصرهم .

فالشورى من حيث هي مبدأ أمر به الإسلام » وأكد الآمر به, كما أمر بالعدل وأكد الأمر به » وكما أمر بالمصالح الإنسانية وأكد الأمر مها » ونبى عن المفاسد . وأكد النبي . ولم يبين الإسلام بنصوصه طرق تحقيق العدالة بين الجماعات أتكون بطريق أن يكون القضاء على درجتين أم بدرجة واحدة كما لم يببن طرق التظلم من الأحكام » وهكذا .

وإن كون الشورى تختلف طرائق تحققها باختلاف الأمم من غير إهمال لمعناها . ومن غير تحيف بفرض عدم المساواة بالنسب أو الجنس أو اللون ‏ هو ما قرره علماء الإجتماع » وما قرره الذين درسوا سياسة الجماعات دراسة عميقة » ولقد قال في ذلك جوستاف لوبون ما نصه : ومن قصر النظر أن نقف عند ثقافتنا الإإجتماعية التقليدية الخطرة » فنرى أن من الممكن تطبيق نظم لازمت أمة يتعاقب الأزمان ‏ على أمة أخرى ٠‏ ان ذلك لا يختلف كثيرا عن محاولة حمل السمك على التنفس في

5

امهواء بحجة أن جميع أنواع الحيوان العليا تتنفس في المواء . فالسمك يموت حيث تحيا ذوات الثدي20 .

الأهلية للولاية العامة

6 يشترط الكثيرون من العلاء في انختيار الخليفة الأعظم أربعة شروط :

أونها- أن تكون مبايعته بمشورة المسلمين . وقد بينا ذلك ء ولكن من هم أهل الشورى الذين يختارون ؟ وإن هذا يختلف باختلاف الأزمان . وباختلاف الأحوال وباختلاف الأقاليم . وكل ذلك تابع للمصلحة الراجحة في كل عصر, وتقدير هذه المصلحة للمسلمين أنفسهم . ولا يصح أن تفرض هذه المصلحة من غير الشعوب . فالشعوب هم الذين يعرفون مصلحتهم . إمَا بعرض ممن يتولون الأمور مؤقتا . والموافقة عليه موافقة حرة . وإما باتتخاب عام لمن يمثلونهم فيا يشبه جماعة مؤسسة لنظام الحكم . واختيار نوع الشورى . وفرض المصلحة من غير استشارة الشعوب ضد نظام الشورى . والكلمة السامية في القران الكريم : #وأمرهم شورى بينهم * هي الميزان الكامل للحكم . ولاختيار الحاكم . ومتابعة أعمال الحاكمين . ولقد قال عمر رضى الله عنه : « من اختار رجلا بغير مشورة المسلمين . فلا يبايع . ولا الذي يبايعه » .

. حضارة العرب لحوستاف لوبون . ترحمة الأستاذ عادل زعيتر‎ )١(

درف

والشرط الثاني أن تؤخذ على الحاكم المواثيق بأن يبايع على أساس أخذ العهد عليه بأن يقيم الحكم على اساس العدل وتنفيذ الشرع » ورعاية مصالح العباد في ظل القران والسنة غير مخالف لأمر جاء به الدين , وعلم منه بالضرورة .

والشرط الثالث . أن يكون غير معروف بالفسق . بل يجب أن يكون معروفاً بالأمانة والاستقامة والعدالة وأن يرجى منه الخبر» وأن يكون قوياً على اقامة الحق . وخفض الباطل لا يخشى في الله لومة لائم » وهذا شرط متفق عليه بين علماء المسلمين وجماهيرهم . وهو معلوم من الإسلام بالضرورة ء وذلك لورود النص القرآني بذلك وهو قوله تعالى : #إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به» (©2 ,

5 - ويتكلم العلاء في فروض واقعية » وهي حال ما إذا اختير على أنه عدل تقي , فظهر أنه فاسق ظالم . أو كان عدلا عند الولاية » فانقلب إلى فاسق ظالمء» لشيعة سوء أحاطت به . أو لغلبة هوى عليه » أو لضعف اعترى قلبه » وسبحان مقلب القلوب .

فرض الفقهاء ذلك الفرض . ولم يفرضوا أن هنالك نظام للشورى يلزم الظالم بالعدل . والمنحرف بالاستقامة » أو على الأقل يخفف ظلمه . ويقوم اعوجاجه ما أمكن ذلك من

بنك الآية مم من سورة النساء

أخرض

غير كسر. ولا تفريق للجماعة » أو يتولى العزل من غير فتنة يلتبس فيها الحق بالباطل » وتتفرق فيها الكلمة » ويضيع الرأى الصائب وسط الموى المتبع ؛ والشح المطاع . كما ورد عن الرسول يو .

ومهم| يكن النقص في النظام الذي يراه الفقهاء من حيث كمال الشورى التي جعلها الله تعالى قوام أمر المسلمين » ونظام الحكم فيهم . فإننا نسوق علاج الفقهاء لمثل هذه الحال » غير مقيدين به . لأنه استنباط بالرأي والرأي يخطىء ويصيب ولأنهم لم يجمعوا على أمر في ذلك ولأنا نحسب أنهم في كثير من أقوالهم كانوا متأثرين بعصورهم . وفسروا النصوص على ضوئها . أو متأثرين بأحواها .

ولقد اختلف الفقهاء في علاج ظلم الحكام إذا فسقّوا عن أمر ربهم . وأثرت عنهم أقوال ثلاثة في فسق الحاكم .

- أولم| - أنه يرد جميع أمره ويعمل على عزله » فلا يطاع في طاعة ولا معصية لأن بقاءه بغير الحق . وولايته في ذاتها ظلم . والخضوع له إقرار للظلم » وعمل على استمراره وبقائه » ورد الظلم واجب ء فلا يطاع في أي صورة .

- ثانيهما - أن يطاع في الطاعة » ويعصى في المعصية , لأن الآثار واردة بأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق . ولأن الطاعة في حال اتفاق حكمه مع أوامر الله تعالى هي طاعة الله

خرف

وللدين وليست طاعة له . ولو خالف في ذلك لكان معصية . لأنه مخالفة لأمر الله تعالى » ولأن عصيانه في كل شيء إثارة للفتن » والفتن ينزل فيها مظالم أشد وأنكى .

- الثها - أنه يختلف حال الحكام الفاسقين » فإن كان الفاسق هو الإمام الأعظم الذي تستمد منه الولايات كلها , وليس فوقه أحد إلا رب العالمين . فإنه يطاع في الطاعة ويعصى في المعصية لما ذكر في القول السابق . أما إذا كان الفاسق أحد الولاة الذين يستمدون السلطان من الحاكم الأعظم . فإنه ترد طاعته » ولا يقر بقاؤه . ويعمل على تغييره بالرجوع إلى من ولاه » والفرق بينه وبين الحاكم الأعلى أن هذا لا يمكن تغييره إلا بفتنة » أما الآخر فتغييره يكون بغير فتنة » والفتنة تنقي كيفما كانت صورتا » لأن الله تعالى يقول : # واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ه20 .

ولا شك أن الرأي الوسط هو أمثل هذه الآراء » ولكنا نرى أن الاحتياط لشطط الحكام يوجب وضع النظم المانعة منه » وليس ذلك بخروج عن أقوال الفقهاء الثلاثة التي ذكرناها ولكنه احتياط لمنع التحكم . وهو يتلاقى إلى حد كبير مع القول الثاني الذي اختاره الجمهور الأكبر من الفقهاء ولكنه

» الآراء الثلاثة مذكورة في كتاب منهاج السنة لابن تيمية ص ث7‎ )١(

الا ج والآية ©؟ من سورة الأنفال منهاج السنة ج ؟" ص 89 .

رضن

احتياط مستمد من روح القران والسنة وهو تحكيم الشورى في كل شيء . لقد كان عمر يحكم الشورى في عمله بموجب دينه وتقواه » فكان الإلزام مها من ضمير الدين » وأنه يمكن أن يوضع نظام يمكن أن تطبق الشورى فيه لا بحكم الضمير الديني فقط . بل بحكم العمل النظامي .

بيت الخلافة

40 - هل للإمامة الكبرى في الإسلام بيت خاص + أو شرط خاص بالنسبة لنسب الإمام وهو الشرط الرابع عند بعضهم ؟ قد خاض العلماء ء في ذلك خوضاً كبيراً » وتشعبت أقوالهم ؛ فمنهم من اشترط أن تكون الخلافة في بني علي سواء كانوا من أولاد فاطمة . أم لم يكونوا وأولئك هم الكيسانية , وقد انقرضوا . ومنهم من اشترط أن يكون من أولاد علي من فاطمة سواء أكانوا من أولاد الحسن أم كانوا من الحسين . وأولئك الزيدية » ومنهم من اشترط أن يكونوا من أولاد الحسين خاصة وأولئك هم الاثنا عشرية » والاسماعيلية بطوائفها المختلفة » ومنهم من اشترط أن يكونوا من بني هاشم وأولئك العباسية » والجحمهور الأكبر من العلماء على أن القرشية شرط في اختيار الخلافة الكبرى » وقد رووا في ذلك آثاراً عن النبي كك منها ما روي عن النبي كَدِةٍ أنه قال : ولا يزال هذا الآمر في قريش ما بقي من الناس اثنان » وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله يق قال : « الناس تبع لقريش في هذا الشأن

تغرف

مسلمهم تبع لمسلمهم . وكافرهم تبع لكافرهم » وقد روي أن النبي ول قال : « التاس تبع لقريش في الخير والشر » وفي الخبر عن معاوية أنه قال سمعت رسول الله وَليقول : « إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين )20 .

وإننا نرى أن الأحاديث الواردة في هذا الباب لا تدل دلالة قاطعة على أن الخلافة لا تكون إلا في قريش فحديث ١‏ لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان » غير واضح الدلالة في الخلافة . لأن الأمر ما هو؟ أهو أمر السلطان أم أمر الدين ؟ وهذا الحديث أهو إخبارعً| سيقع في المستقبل أم هو تقريره حكم شرعي ؟ وهو ألا يتولى أمر المسلمين غيرهم وما روي عن أبي هريرة في الصحيحين لا يدل أيضاً على الخلافة » بل يدل على مكانة قريش وتبعية الناس هم فِ أحوالهم ولغتهم » والناس هم العرب ». وليسوا كل المسلمين » وكذلك حديث ١‏ الناس تبع لقريش في الخير والشر . لا يدل على مكانتهم » وأما حديث معاوية فانا نقبله » لأن البخاري رواه » ونقول أنه لا يدل على حكم شرعي . وإنما يدل على أمر واقعي . وفوق ذلك ف)| هو هذا الأمر أهو السلطان أم شيء آخر؟

- وننتهي من هذا إلى أن أحاديث. اشتراط القرشية

. منهاج السنة ج 7 ص 8ه‎ )١(

صىإ آ”»>

ليس فيها دلالة واضحة على أن الخلافة لا تكون إلا في قريش ومع ذلك عارضها أمران اخران قويان :

أحدهما ‏ ما ورد من أثار على وجوب الطاعة لكل أمير غير ظالم عادل يقيم كتاب الله وسنة رسوله يليهِ » فقد روى البخاري أن رسول الله كه قال : « اسمعوا وأطيعوا. وان استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ». وروى البخاري ومسلم عن أبي ذرانه قال : « إن خليلٍ أوصاني أن أسمع وأطيع وإن ولى عبد حبشي مجدع الأنف)<(1)

فهذه الأحاديث صريحة قاطعة الدلالة في أن الطاعة واجبة وإن تولى عبد حبشي ما دام يقيم كتاب الله تعالى وما دام المسلمون قد اختاروه » وهذا يدل على عدم التقيد باشتراط القريشية أو الحاشمية أو العلوية أو غيرها .

والأمر الثاني أن كبار المسلمين من أصحاب رسول الله ِْ اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ليختاروا خليفة لرسول الله , وم يذكر أحد منهم ع أخماراً عن الرسول يكن تدل على أن القرشية شرط ولو كانت القرشية شرطاً في رواية عن النبي علد ) » ما غابت عنهم جميعاً . فأن أحاديث الآحاد الصحيحة قد تغيب عن بعض أصحاب رسول الله كله . ولكن لا تغيب عن كلهم . ولو كان ذلك معروفاً ما طالب الانصار أن تكون الأمرة فيهم . ولا أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير. ولو

طرف

كان ذلك الخبر عن النبي معروفاً لاحتج به أبو بكر الصديق , وما احتاج الى الاحتجاج بفضل المهاجرين » وما قصر اعتماده على قوله : ولا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش ») .

ومن المقررات في علم الحديث أن حديث الآحاهد لا يؤخذ به إذا كان في أمر من شأنه أن يعلم به الكافة » ولا شك أن الخلافة وما يتعلق بها من شروط أمر لا بخص طائفة » ولكنه يتعلق بالكافة » فلا بد وقد قام جدل حوله أن يعلمه ا

نه يجهله الأكثرون . وأنه ليس بين كبار الصحابة الذين 00 من يعلمه وما كان معقولاً أن يسمع معاوية وحده ذلك الخبر » ولا يعلمه أبو بكر ولا عمر ولا عثمان » ولا معاذبن جبل » ولا زيد بن ثابت . ولا سعد بن عباده » وهم الذين لازموا الرسول بعد هجرته وقبلها » ثم يعلمه معاوية الذي لم يدخل في الإسلام إلا في العام الثامن واتصل بالرسول سنتين .

ومبذا يتبين أن اشتراط القريشية لا دليل عليه » وهو يعارض البدأ الإسلامي العام من المساواة العامة بين الناس رمي الفرصة أكل دي طاقة من أن يعمل بعاقته » وقد كود أدنى الناس نسب أكفأهم لولاية أ مر المسلمين » فهل يحرم المسلمون كفايته لأنه ليس قرشياً أو ليس ذا نسب رفيع ؟ إن ذلك ليس منطق الإسلام » بل هو منطق العصبية الجاهلية التي

إيهرف

نبى عنها الإإسلام » وخصها النبي يَِةٍ بالاستنكار الشديد . الولاية بغير الشورى :

4 لا بد لتحقق معنى الخلافة الإسلامية أو بعبارة أدق معنى الإمامة الكبرى ف الإساده من الاختيار العام » والمبايعة الحرة وأنحذ المواثيق من الوالي والرعية على تنفيذ حكم الله تعالى » والطرق التي تجب لتنظيم الاختيار متروكة لجماعة: المؤمنين وقد تكون بتفكير من علمائهم . وإقرار من جماعاتهم . ولكن إذا لم يمكن تنفيذ ذلك الشرط الحوهري . فماذا يكون الحكم ؟

إنه يتعذر في كثير من الأجوال تنفيذ شرط الاختيار والمبايعة » وقد تعذر في الماضي تحقيق الاختيار الإسلامي من جاهير المسلمين . وكانت المبايعة تشبه الصورية » إذ كان الضغط والإكراه أساسها. أو على الأقل عدم تفكير الناس في أهمية الولاية » وكان التعذر سببه عدم وجود نظام مقرر ثابت » واتساع رقعة الإسلام ٠‏ - فقد كان الاختيار في عهد الراشدين سهلا . ؛ لأنه كان بحكم الواقع والمصلحة الاختيار مقصوراً على أهل المدينة فكان من السهل أن يبايعوا . وكان من السهل أن مختاروا :

والحكم في هذه الحال أقرر فيه أولاً ما قرره الفقهاء . ثم

4

أقرر بعد ذلك ما أراه. وأرجو ألا أبتعد فيه عن روح الإسلام . ومرماه في إنشاء الحكم الصالح .

أما ما قرره الفقهاء في حال تعذر الاختيار . فقد قالوأ أنه إذا تغلب متغلب على الحكم الإسلامي . وكان عدلاً أميناً مصلحاً قادراً على القيام بعبء الحكم الإسلامي . وارتضاء الناس . فإنه يكون حاى) واجب الطاعة ولا يرضى كثيرون من الفقهاء أن يسموه خليفة » بل يسمونه ملكا عادلاً .

ويقسمون لذلك الخلافة إلى قسمين خلافة نبوية » وهي التى استوفت شروط الخلافة كاملة من قرشية في نظرهم ومسّورة ومبايعة حرة لا إكراه فيها » وسميت خلافة نبوية » لأنها.هي التي جاءت مما النبوة وهي التي أمرت بها وصرح القران الكريم بوجوبها . ولأن الحاكم يكون نائبا في الحكم عن الذين يتولون الحكم بهذه الشروط خلفاء . لأنهم يخلفون رسول الله كَِهِ في تنفيذ الأحكام الشرعية . وتبليغها للناس . يقصرون الولاية على بيت من البيوت تنتقل بينهم بالوراثة أم كانت الولاية برئيس من الرؤساء يتولى بشخصه ء ولا تنتقل الولاية إلى غيره . ولا يعد من يتولى على هذا النحو. حليفة أو

89

أميراً للمؤمنين » ولكن يكون ولياً عليهم له حى الطاعة ما دام عادلا » وقد قرر حمهور الفقهاء أنه إذا تولى السلطان رجل كفء عادل . ولو بطريق التغلب لا بطريق الاختيار وجبت طاعته » ويعتبره بعض العلاء أميراً للمؤمنين إذا ارتضاه المؤمنون لعدالته » وصيانته للمؤمنين » وإن الاختيار اللاحق للخلافة يكون كالاختيار السايق من حيث المعنى والمصلحة .

» ولقد نظر ابن تيمية في تاريخ الخلافة في الإسلام‎ - ٠ فقرر أن الخلافة النبوية التى استوفت شروط الخلافة من مشورة‎ ومبايعة وعدالة وغيرها استمرت ثلاثين سنة فقط كما أشرنا من قبل‎ , وأنها بعد ذلك صارت ملكاً عضوضاً يعض عليه بالنواجذ‎ ويستشهد على ذلك بقول النبي َيِه : « الخلافة بعدي ثلاثون‎ : سنة ثم تصير ملكا عضوضاً » ويقول في ذلك رضي الله عنه‎ ) الذي في السئن خلافة بالنبوة ثلاثون , ثم تصير ملكا‎ « ويعتبر دولة بني أمية ؛ وبني العباس ملوكاً سموا أنفسهم بأسماء‎ الخلقاء . ويقول في حكم يزيد بن معاوية : « د يعتقد أهل السنة‎ أنه ملك جمهور المسلمين » وخليفتهم في زماهم وصاحب‎ السيف ) ثم يقول : « فيزيد في ولايته هو واحد من هؤلاء‎ الملوك المسلمين المستخلفين في الأرض » وأن الإسلام مع أنه‎ اشترط شروطاً للخليفة » ولم يقرر أن الملك الورائي له أصل‎ شرعي ؛ لاحظ أنه لا بد من حكوهة تقوم . ولا بد من رياسة‎ إسلامية سواء أكانت رياسة اقليمية » أم كانت رياسة إسلامية‎

عامة » وأنه إذا لم يكن الحكم المثالي ‏ كان الحكم الواقعي :

3

حتى لا تكون أمور الناس فوضى ., لا ضابط لما » وخير للناس أن يكون لهم حاكم . ولو جاء من غير طريق الشورى من ألا يكون حاكم قط .

ولذلك قرر الشافعى ومالك وأحمد أن المتغلب تجب طاعته حتى يتغير من غير فتنة ولا فساد في الأرض » ولأخهم ما دام لا ينازعهم إمامعدل أمين, فإنه لا مناص من الطاعة لهم فيا هو ليس بمعصية. ولأنهم مها تكن حاهم ينظمون الولايات ويقيمون الحدود ويحاريون أعداء المسلمين » وإذا كانوا فجاراً يقرر الفقهاء أن طاعتهم فيها لا يخالف أوامر الدين واجبة أما في المعصية فلا » ويستمر ذلك حتى يغيروا » ويسعى في تغييرهم من غير فتنة - كا أسلفنا من قول . ويقول في ذلك ابن تيمية : « والصواب الجامع في هذا الباب أن من حكم أو قسم بعدل نفذ حكمه وقسمته » وأن من أمر بمعروف أو نمى عن منكر أعين على ذلك . إذا لم تكن في ذلك مفسدة راجحة . وأنه لا بد من إقامة الجمعة والجماعة فإن أمكن توليه أمام بر لم يجز تولية فاجر . ولا مبتدع يظهر بدعته » فإن هؤلاء يجب الانكار عليهم بقدر الإمكان . ولا تجوز توليتهم فإن لم يكن إلا تولية أحد رجلين : أحدهما فيه دين وضعف عن الجهاد» والآخر فيه منفعة في الجهاد مع ذنوبه ‏ كانت تولية هذا الذي ولايته أنفع للمسلمين خيراً من تولية من ولايته أضر على المسلمين )20 .

. 35450 متباج السنة ج ص‎ )١(

55

وهذا الذي يذكره ابن تيمية هو الذي يراه جمهور فقهاء أهل السنة » وأساسه كما رأيت هو النظر لمصلحة المسلمين . فإنه إذا تعذردت ولاية من تنطبق عليه شروط الخلافة النبوية , فإنه يكتفي من يكون أصلح للمسلمين » ولول يكن براً تقياً ‏ وروي أن الامام أحمد بن حنبل سئل عن أميرين أحدهما تقي ضعيف . والآخر فاسق قوي فتحت قيادة أهما يعمل ؟ فقال رضي الله عنه : « مع الفاسق القوي . لأن فسقه على نفسه وقوته للمسلمين . وأما التقى الضعيف فتقواه لنفسه وضعفه على المسلمين » . 1

ومؤدى ذلك أن الحكام الفساق أو الذين لم يختاروا اخحتياراً حرا. يطاعون في غير المعصية . لا لأنهم موضع رضاء بل لأن الحكم في ظلهم ضرورة لحفظ الإسلام والمسلمين » والضرورات تبيح المحظورات . أي ما كان يصح أن يخضعوا لذلك الحكم غير العادل . ولكن لأن مصلحة الإسلام والمسلمين في الخضوع والضرورة توجبه خضعوا مضطرين غير مختارين .

١‏ ولكن هل يجب الخضوع المستمر لهم ولا يسعى في تغييرهم . ويعتبرون حكمهم قضاء من الله تعالى لا يقبل التغيير فلا يفكر إلا في طاعتهم . وحوهم منافقون يدهنون هم . ويفسدون الحكم معهم ؟ قرر الفقهاء أن السعي يتجه

إلى أحد أمرين :

أحدهها ‏ إصلاحهم بالحسنى وبكل الوسائل الممكنة لأن الدين النصيحة » فيجب اسداء هذه النصيحة ما أمكن ٠»‏ ولو تعرض الناصح الأمين للأذى الذي ختمل ( وإن توالى النصح إن كان لا يؤدي إلى تغيير حاله ؛ فهو يؤدي إلى تخفيف شره .

الثاني : السعى في التغيير من غير فتنة ولا فساد في الأرض ولا قتالء ولقد قال في هذا المعنى ابن تيمية : « المشهور مذهب أهل السنة أهم لا يرون الخروج على الأآئمة وقتالهم بالسيف . وإن كان فيهم ظلم . كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبى كَلِنِ . لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال. ولا فتلة . فيدفع أعظم الفسادين بالتزام الأدنى » ولا نكاد نعرف طائفة خرجت على ذي السلطان إلا كان في خروجها من الفساد اما هو أعظم من الفساد الذي أزالته . والله تعالى لم يأمر بقتال أي ظالم » وكل باغ كيفما كان . ولا أمر بقتال الباغين إبتداء , بل قال تعالى : وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بيهم . فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله . فإن فاءت . فأصلحوا بينهها بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين274 فلم يأمر بقتال الفئة الباغية ابتداء » وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله كلِةِ قال : «سيكون بعدي أمراء فتعرفون

. من سورة الحجرات‎ 9)1١(

وتنكرون » فمن عرف برىء » ومن أنكر سلم . ولكن من رضى وتابع . قالوا أفلا نقاتلهم ؟ قال : «لا ما صلوا . فقد نمى رسول الله يِه عن قتالهم مع إخباره أنهم يأتون أموراً منكرة » وني الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال لنا رسول الله كلل : انكم سترون بعدي أثرة ؛ وأمورا تنكرونها . قالوا فا تأمرنا يا رسول الله » : « قال تؤدون الحق الذي عليكم . ٠‏ وتسألون الله الذي لكم ) وقد قال عليه السلام : « من ولي عليه وال فرآه يأني شيئاً من معصية الله . فليكره ما يأي من معصية ولا ينزعن يدأ عن طاعة )29 .

- هذه هي الأسس التي يقوم عليها الحكم في الإسلام » فهو يقوم ابتداء على الشورى والعدل وطاعة الله تعاللى ورسوله » وأن يكون اختيار الحاكم اختيار حرا مبنيا على المبايعة .

وإن قوماً من الأوربيين الذين يدرسون الإسلام لا يأخذون الإسلام من مبادئه المقررة الثابتة » إنما يأخذونه من أحوال المسلمين الواقعة » ومن أخخيلة يتخيلونها » ومن أقوال

بعض الفرق التي ترفع الأئمة إلى مراتب قدسية » ويبنون على ذلك أن المسلمين يقدسون ملوكهم » وأن الإسلام م يأت بنظام للحكم صالح , وم يضع أسساً سليمة يمكن أن يقوم عليها حكم صالح . وهم في كل ذلك محطئون قد أخطيوا في

. 897 منهاج السنة ج ؟ ص‎ )١(

44ظ>

الطريق إلى الحق . وأخطئوا بالتالي في النتائج التي وصلوا إليها . وم يحاولوا أن يتعرفوا الوجهة الحق ليسلكواء ولا نفرض فيهم إلا أنهم ساروا في الطريق الذي أخطئوا في اختياره إلى أقصى مداه متنكبين طريق الصواب خطأ ابتداء وعمداً انتهاء .

والحقيقة » ما شرحناه من أن الإسلام وضع المبادىء العادلة السيليمة التي تتفق مع اله ة» ومع المبادىء المقررة فيه وهو أن الناس سواء » وأنه يجب تهيئة الفرص لكل القوى لتظهر الطاقات المختلفة المتفاوتة وتوسد لكل طائفة ما تميئها له طاقتها » ومنها الولاية وإدارة دفة الدولة . وبينا المصادر التي تشير إلى المبادىء الأصلية في الحكم ولا عيب على المبادىء إذا خولفت . وقد بينا أن تنفيذ الشورى تنفيذاً كاملا مختلف باختلاف الجماعات واختلاف البيئات .

وتبين لك مما سبق أن المسلمين عندما ارتضوا حكم الملوك أو أشباههم لم يكن ذلك إلا عن معذرة . وهو ألا يقعوا في الفتن » وتأكلهم تلك الفتن المفسدة المظلمة المتوالية » التي يسيطر فيها الهوى المتبع والشح المطاع وإذا كانت قد وردت أحاديث دالة على جواز الاستنكار القلبي . والاستسلام الظاهري . فقد وردت أحاديث أخرى موجبة للأمر بالمعروف والنبي عن المنكر بكل الطرق الممكنة . كما وردت بذلك ايات قرانية محكمة والنبي كةِ يقول : « لتأمرن بالمعروف . ولتنبون

ه'ظإ “”»>

عن المنكر . ولتأحذن على يدي الظالم ٠‏ ولتأطرنه على الحق أطراً . أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ١‏ ثم تدعون فلا يستجاب لكم » وإن الأمر بالمعروف والنبي عن المنكر هو خاصة الإسلام . وقد بينا أنهها الأساس لتكوين رأي عام فاضل . وأن الرأي العام هو الذي .بهذب الحكام الفاسدين . وهم لا يجدون حربا عليهم أقوى منه. ولا يجدون مهذباً لطغواهم أشد منه , ويجب أن يعمل المسلمون دائماً على تكوين ذلك الرأي العام الفاضل . فهو المرشد القائم المستمر. و المهذب اللائم ويجب على العلماء والمصلحين أن يتكلموا ولا يصمتوا » وكل أذى ينهم في سبيل كلمة الحق التى هي من الجهاد أو من أفضله ء كا قال النبي كَكِةٍ : « أفضل الحهاد كلمة حق أمام سلطان جائر « فليتقدم لقولما العلماء المصلحون . فإنها إن لم ترشد الحبارين وتمديهم تزلزل قواهم أمام الشعوب )

وإذا كان النبي تَكيةِ خمى عن السيف والفتنة بالقتل ٠‏ والقتال فهو لم ينه عن الأمر بالمعروف والعبي عن المنكر والاستمرار عليه » ولو أدى إلى أذى من يقوم به . والأمر فيه إلى كياسته وحسن تأديته للأمور .وليلبس لكل حال لبوسها من غير ممالأة في باطل . ولا مداهنة في شر ولا تأييد لظلم . وليذكر قول النبي يَليْةِ : « من مشى مع ظلم . فقد سعى الى النار» .

وإن القيام بحق الأمر بالمعروف والنبي عن المنكر هو

الف

السبيل للتغير المتدرج » فإن كان من بعد ذلك أمر من الأمور فإنه يكون قد جاء في ابانة » ولم يتخلف عن زمانه » وبذلك يكون الخير .

٠‏ وإذا كنا نوجه اللوم إلى الذين أخذوا حكم الإسلام من أحوال المسلمين . فإنا نوجه اللوم إلى علماء المسلمين والمصلحين فيهم » فإن توانيهم » ومداهنة الكثيرين منهم في حدود الله قد أدى إلى الحكم الظالم على الإسلام ء وكانت حال المسلمين هي المسوغة ولو ظاهرا للحكم به . السلطات الثلاث في الإسلام :

٠‏ أخذنا على أنفسنا أن تأخذ نظر الإسلام إلى الحكم من الكتاب والسنة وأفعال الراشدين الذين عاينوا عهد الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه » وقبسوا منه واتبعوه ) وهم أقدر الناس على فهمه .

وبرجوعنا للقرآن الكريم نجده حد الأصل الذي يقوم عليه الحكم » وهو يتكون من ثلاث شعب الشورى والعدالة والحكم بما أنزل الله . والرجوع إلى الكتاب والسنة , واعتبارهما المصدر للحكم في الإسلام » فقد قال تعالى :98 فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر 204 .

(1) الآية من سورة النساء .

يق

ويقول سبحانه : #وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخنوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه نه معهم 2107# والرد إلى الرسول بعد وفاته هو الرجوع إلى سنته » والرد إلى الله تعالى هو لعو إلى كتابه تعالى : إإنا أنزلنا إليك الكتاب باحق لحك بين الناس با أراك الله ولا تكن للخائنين خصياً) 0 .

ويقول سبحانه : #وأن احكم بينهم ما أنزل الله ولا

تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنؤبهم وان كثيراً من الناس لفاسقون»””© .

تلك بعض نصوص القران التي تبين مصادر الحكم العادل في الإسلام » وقد طبق النبي يل تلك الأحكام القرآنية وما كان يوحى به إليه على أكمل وجه من وجوه العدالة المسوية بين الناس . وكان عليه السلام يجمع في يده السلطات الثلاث التشريعية » والقضائية . والتنفيذية » وكل الذين يتولون واحدا منها إنما كان يستمد سلطانه منه عليه السلام فالنبي كانت منه السلطة التشريعية لأنه هو المفسر الأول للقران » وكان يوحى إليه

. الآية م من سورة النساء‎ )١(

(؟) الآية ٠١‏ من سورة النساء .

(9) الآية 49 من سورة المائدة . .

مغ >"

من عند الله » وهو بهذا الاعتبار مرجع شرعي أصلِ » فوق أنه

هو المفسر في حياته للمرجع الأول . وكان يتولى تطبيق هذه الأحكام المقررة » قضاء وتنفيذاً » فقد كان يقضي بين أصحابه فيها ينجم بيتهم من خلاف . وكان في قضائه بشرا لا يوحي إليه بذات الحكم في القضية إلا أن يكون نظر القضية يحتاج إلى سن مبدأ لم يكن من قبل .

ولقد قال يَلهِ : « إنكم تختصمون إلي » ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من الآخر فمن قضيت له بحق أخيه. فإنها أقتطع له قطعة من النار» .

وكان هو الذي يعين القضاة في الآقاليم وهو الذي يرسم لهم الحدود وهو الذي يعين الولاة » ويجعل لكل فرع من فروع الولاية رجللً خاصاً بهاء لا يتجاوز اختصاصه » فللحرب وال » وللصدقات وال ء» وكل يكون حسابه عند النبي كل .

ه١٠‏ 2 وجاء من بعده الراشدون فسلكوا مسلكه . ولكنهم لم يكن ينزل عليهم الوحي . وكانوا يبحثون عن الحكم الذي يحكمون به في كتاب الله تعالى » فإن وجدوه اهتدوا به في حكمهم ء. وطبقوه » وإن لم يجدوه تعرفوا سنة النبي كَل فيه ' فإن وجدوها حكموا بها غير خارجين عنما . وإن لم يجدوها اجتهدوا آراءهم . وكان اجتهادهم أحيانا اجتهاد تفسير » بأن يقيسوا الواقعة التِى بين أيدمهم على واقعة وجد نصها في الكتاب أو في السنة » ويلتمسوا علة الحكم في النص . فإن وجدوها تنطبق على الواقعة الجديدة طبقوه فيها » وهذه طريقة تفسيرية

"1

متبعة في شرح القوانين الوضعية » وهي تسمى القياس . وأحياناً يحكمون بمقتضى المصلحة فيها لا نص فيه على أن تكون من جنس المصالح التي أقرها الإسلام » ولا تخالف نصاً من نصوصه ويكون في الأخذ بها دفع حرج أو سد حاجة .

القضاة » يرسلون الولاة .

وعلي رضي الله عنه من بينهم لما شغلته الحروب عن أن يكون في الكوفة دائم) يقضي بين الناس عهد الى شريح القاضي التابعي . وقد استمر فيها إلى عهد معاوية . ويلاحظ أنه بين| تجتمع في قصبة الدولة السلطة القضائية والسلطة التتفيذية , فقد كانوا يفصلون السلطتين في الأقاليم » فكان الإمام عمر رضي الله عله يعين قاضي الإقليم الأول » كا يعين الوالي . وكل يستمد السلطان من الرئيس الأعلى مباشرة ولا يستمده من الوالي الذي يتولى السلطة التنفيذية . والقارىء للتاريخ الإسلامي في عهد الراشدين يرى ذلك واضحاً . فكتاب القضاء الذي يعد دستور القضاء إلى يومنا هذا كتبه الإإمام عمر إلى أبي موسى الاشعري مباشرة » وبذلك نرى أن السلطتين منفصلتان .

وإنما تجتمع السلطتان في يد أمير المؤمنين . لأنه المختار

>50

من الشعب . فاجتماعههم| في يديه إنما هو إجتماع السلطتين في يد الآأمة مصدرهما .

5 - وتننتهى من هذا إلى أن السلطات الثلاث تلتقى في يد الإمام » ولكن السلطة التشريعية مقيدة بأن تكون في ظل كتاب الله تعالى وسنة رسوله وَكة لا تخرج عنما . وتنفذ ما نص

فهو مقيد بالنص » ومقيد فيما يجتهد فيه بالرأي بالحمل على النصوص ( ومراعاة المصلحة التي اعتبرها الإسلام مصلحة من غير مصادمة للنصوص .

ويلاحظ أن الإمام في عهد الراشدين ما كان يجتهد بالرأي منفرداء بل كان يجمع علاء الصحابة ويعرض عليهم الأمرء فا يقررونه يتبعه . ويكون العرض أولاً ليعرف اوَرّد في ذلك سنة أم لم يردء فإن كانت وردت سنة اتبعها » وحكم بمقتضاها . وإن لم تكن هناك سنة اجتهد رأيه » وعرض رأيه على المجتمعين . فإن أقروه أخذ به» وإن لم يقروه رجع إلى قولهم » وإن رأى الصواب في غيره جادلهم بالتي هي أحسن ., حتى يقرروا الأمر مجتمعين من غير اختلاف » وكان عمر له شواره الخاصة يتعرف منها الرأي قبل أن يعلنه .

وبذلك يتبين أن التشريع يرجع إلى الكتاب والسنة ؛, وأن استخراج الأحكام منه| كان منوطا بالصحابة » وخصوصا

"65

علماءهم الذين يردون أحكام الحوادث إليهما . وما يكون للحاكم من رأي لا يتبع إلا إذا أقره عليه الصحابة » وكثيرا ما كان ينعقد الإجماع على الأمر .

أما السلطتان القضائية والتنفيذية » فإن الأمر فيهها إلى تطبيق الشريعة في هذا العصر :

٠07‏ -لا يمكننا أن نقرر أن حكم الإسلام كان مطبقاً كاملا إلا في عهد الراشدين بعد عهد النبى يَِةٍ . أما بعد ذلك فا كان التطبيق كاملا . لأن الحكم لم يقم على أساس من الشورى . فلم يكن اختيار الحاكم بالشورى . ولم تكن الشورى هي التي تسود أعمال الحكام » وكان هوى الحاكم هو الذي يوجه الأمور » فلم يكن اختيار الولاة إلا لهوى الرئيس الأعلى للدولة » وكان تطبيق النظم الإسلامية تبعا لهواه » فإن وافقته نفذها وإن خالفته أهملها .

والآن 2( ونحن نريك أن نجعل الإسلام دواء لأدواء العام اليوم » وحلا لمشاكله . فهل يمكن تطبيق أحكامه في نظم الحكم . وهي الأساس في العلاج . إذ لا يمكن أن يقال إن العلاج إسلامي إلا إذا كانت نظم الحكم الإسلامية أولا بين المسلمين بعضهم مع بعض . ثم تسري إلى غيرهم . ويذلك

505

ونقول في ذلك أن تنفيذ الإسلام ممكن . وإن كان يحتاج إلى علاج وتعبيد الطرق . وهو علاج النفوس . وتعبيد الطرق إلى القلوب .

إنه لا بد من أمر جامع للمسلمين . ولا يكون من الملوك والرؤ ساء الذين أدهنوا لأعداء الإسلام ولكن يكون من الشعوب الإسلامية المؤمنة » ورجالحا المؤمنين والمصلحين الذين يرجون للإسلام وقاراً , والذين يريدون أن يعود الإسلام كا بدأ نورا للعالمين » وهاديا مرشداً ٠‏ ورافعاً راية الإسلام » وعلم القران .

ولا يمكن في هذا العصر أن تتكون حكومة إسلامية واحدة » بل يكون لكل إقليم دولته وتلتقي جميعها على كلمة من الله تعالى » تنشر التعاون بين الناس . وتربط العلاقات على أسس من الوحدة الإنسانية العامة » ويكون المسلمون في] بيغهم دعاة حق . يتحد اقتصادهم وتتحد سياستهم . وتتحد أو تتقارب جيوشهم . وكل إقليم له رئيسه المختار اختيارا حرا من شعبه من غبر أن تكون موالاته لغير المسلمين ء » فلا يتولى قوماً غيرهم إلا أن يكون مع بقية الأقاليم الإسلامية على علاقة تقوم على العدل والاتحاد الإنساني والتعاون مع الدول التي ترفض ذلك . ولا تتجانف لإثم .

م - وكل كل إقليم إسلامي ينفذ حكم الشرع في داخله . وقد يقول قائل كيف يمكن سن ذلك من غير تعرض

يدف

للاضطراب ومن غير أن تصاب الأقاليم بطفرة . ونقول في ذلك :

إن القوانين القائمة في البلاد الإسلامية ليس كلها مالفا للاسلام » بل فيها المخالف لأحكامه . وفيها الموافق . فالموافق يبقى » والمخالف يبعد . فيبعد من القوانين كل النظم التي يكون فيها فائدة ربوية » وكل العقود التي يكون فيها غرر وجهالة . وقد نمي عنها في الإسلام .

وقوانين العقوبات ناقصة فإذا أضيف إليها أحكام الحدود والقصاص كانت كاملة » وذلك لأنها تعزيرات والتعزير جائز في الإسلام برأي ولي الأمر يقيد به احكام القضاة .

ونعتقد أنه في الإمكان إذا أريد التخلص من ربقة الأجنبي ني القوانين كما هو الواجب أو على الأقل هو ما ينبغي أن تؤلف لحنة من علاء المذاهب الإسلامية لاستنباط قانون إسلامى من ثنايا المدون في هذه المذاهب . بحيث يكون ملاتا لروح العصر ء ولا يكون مجافيا لها » وما يكون في العصر من أمور لم يعالحها فقهاء المسلمين , فإنه يجتهد فيها اجتهادا إجماعياً

8 2 الإسلام جاء باحترام الشخصية الإنسانية , والشخصية الإنسانية لا تكون إلا مع الحرية » حرية الاقامة وحرية الانتقال وحرية التدين » وحرية الفكر والرأي » وحرية الدولة . ولذلك كان الإسلام والتحكم نقيضين لا يجتمعان . فليس لإنسان أن يتحكم في غيره . وليس للدولة أن تتحكم في الناس . ولكن لها أن تحكم عليهم أن اشتطوا أو تجاوزوا حدودهم , وحتى العقوبات في الإسلام كانت لا تتجه إلى تقييد الحرية » لأن التقييد دائم)ا منع للحركة والحركة هي الحياة . والإسلام دين الحياة .

ولكن مأ معنى الحرية ؟ إن الحرية تفسر أحياناً بالانطلاق من القيود الإنسانية والأدبية » وحرية الدولة تفسر أحيانا بالتضييق على الآحاد , ودمجهم في الجماعة . حتى يصبحوا لا يتحركون إلا بهاء. ولا يسيرون إلا بما تريد .

لان >

أخذت من وصف ال حر . فالحر والحرية متلاقيان في المؤدى وإن كانت الحرية وصفاً . والحر موصوفاً . والحر خقاً هو الشخص الذي تتجلى فيه المعاني الإنسانية العالية ويضبط نفسه . فلا تتدلى إلى سفساف الأمور , ولا ينطلق وراء اهوائه وشهواته . ولا يكون عبداً لما . فالحر يبتدىء بالسيادة على نفسه . وإطلاق إرادته وعقله من قيود شهوته .

وإذا كان الحر هو الذي يضبط نفسه . ولا يذل ويانف من أن يضم حق نفسه . وبالتالي لا يعتدي على حق غيره » فالحر لا يمكن أن يكون معتديا ع لأنه يسيطر على أهوائه وشهواته » ولأنه يعطي غيره ما يعطيه نفسه ء ولأنه يحس بالمعاني الإنسانية التي يجب أن يلتزمها بالنسبة لغيره » فالحر حقاً

وصدقاً هو الذي يقدر الحرية في غيره كما يقدرها في نفسه .

والأمة الجرة أو الدولة يجب أن تكون فيها المعان الى تكون في الحرء. لأن الدولة شخصية معنوية تتصف في المعاملة بما يتصف به الشخص الحقيقي . فلا يمكن أن تكون دولة حرة أو أمة حرة تلك التى تفرض أن غيرها عبيد أو كالعبيد لها ء أو أن لما من الحقوق على غيرها أكثر مما لما .

٠‏ - وإذا كانت هذه معاني الحرية . وما تمتضيه من صفات في الحر » فإن الحرية لا تتصور انطلاقاً من القيود , ولا تحكاً في الناس . ولا اعتداء على العباد . بل لا تتصور الحرية

م"

إلا مقيدة غير مطلقة , وإنه لا شيء في هذا الوجود يكون مطلقاً من أي قيد .

والحرية الإنسانية للإنسان المتمدين لا تتصور إلا في مجتمع ٠‏ بل لا يتصور الإنسان إلا وهو يعيش في مجتمع سواء أكان مجتمعا بدوياً في بيداء . أم كان مجتمعا حضرياً في حاضرة . وقديما قال بعض الحكاء الإنسان مدني بالطبع . ولو قيل أنه إجتماعي بالطبع لكان كلامه أعم وأصوب .

وإذا كان لا يعيش إلا في مجتمع فالحرية معنى إجتماعي . لا توجد إلا في مجتمع يأخذ الآحاد منه ويعطون . وتأخذ الدول منه وتعطى . والعدالة هى الميزان الذي يضبط به كل عمل . والحرية خاضعة هذا الميزان فلا يمكن أن تكون في دائرة الأخلاق الفاضلة إلا إذا كانت عادلة » تعطى صاحبها بمقدار ما يطالب غيره به لا يزيد . ْ

ولذلك كان لا بد أن يقيد الحر نفسه بأن يقدر لنفسه من الحرية ما يقدره في غيره » وإذا لم يتقيد في ذات نفسه ء فإنه يجب أن تفرض عليه قيود خارجة عن نفسه من عقاب يزجره » ويمنعه من الانطلاق لأن الانطلاق من جانب هو منع للحرية

من الجانب الآخر فمن انطلق في نقده يقرض كزامات الناس » فإنه يقيد حرية القلم والقول في جانب آخرء والدولة التي تعطي نفسها حق التصرف في غيرها . إنما تقيد حرية العمل في غيرها ولو وضع للعالم نظام إسلامي يحمي الحريات لفرض على

"068

الدولة التي تنطلق فتعطل القوى في غيرها . أو تّ: تمنع القوت أو تفرض الحصار في البحار لمنع القوت عن الآمنين شير متي عقوبات زاجرة » تمنعها من الإنطلاق في طغيانها .

فتقييد حرية المنطلقين المنفلتين من قيود الحرية هو من حماية الحرية ذاتها .

وإنث كل النظم الإإجتماعية والقانونية قٍِ الإسلام تتجه إلى حماية الحريات العادلة وكذلك كل النظم الدولية التي سنها العدل . فلم يدخل الإإسلام في : فى الحرب إلا لتع الفتنة 5 الدين 4 واطلاق حرية التدين 2 وترك الدعوة الإسلامية تسمير في طريقها من غير تدخل في حرية الاعتقاد , فهو لا يكره أمام الدعوات الدينية السليمة » والناس بعد بيانه أحرار في اعتناقها » إن شاءوا. وأن الإسلام حما الحريات بكل أنواعها » وهي تتناول حرية الملك ., وحرية الاعتقاد , وحرية الفكر وحرية العمل والقول والتصرف . والحرية السياسية حرية الامتلاك :

, منح الله الأشخاص حق الامتلاك الفردي‎ ١ ومقيد في حدوده وتترتب عليه حقوق‎ ٠ ولكنه مقيد في موضوعه‎

ما

ثابتة للغير. أما تقييده في موضوعه » فلأنه ليس كل شيء قابلاً للامتلاك فمن الأشياء ما يضر امتلاكه . كالمعادن التي في الأرض . سواء أكانت سائلة أم كانت جامدة » وسواء أكانت الخامدة فلزات قابلة للطرق والسحب والانصهار بالنار أم كانت غير قابلة » ويشمل ذلك الجواهر التي تلفظها البحار أو تصطاد » فإن هذه الأنواع كلها لا تقبل الامتلاك ٠»‏ لإنما تجيء بغير جهد 0 يوجد تفاوتا

وأما من ناحية القيود» فإنه ككل حق من التقوق مقيد بألا يضر بحق الغير فإذا كانت حرية الانتفاع بالملك تؤدي إلى الاضرار بالغير ؛ فإنها تمنع حتى تكون في حدود منع الضرر ء لأن النبي كك يقول «لا ضرر ولا ضرار» .

ولولي الأمر أن يتدخل بالمنع إذا تجاوز المالك حدود التصرف العادل في ملكه . وروى في ذلك الإمام أبو جعفر الصادق محمد الباقر عن أبيه الإمام على زين العابدين أنه قال : « كان لسمرة بن جندب نخل في حائط رجل من الأنصار ( أي بستانه ) وكان يدخل هو وأهله فيؤذيه فشكا الانصاري, ذلك إلى رسول الله يلِةِ » فقال عليه السلام لصاحب النخل : « بعه . فأبى » فقال له الرسول عليه السلام فاقطعه . فأبى ) قال : « فهبه له ولك مثله في الحنة » فأبى » فالتفت إليه النبى يك . وقال : «أنت مضار) ثم التفت إلى الانصاري .

خض

وقال : « اذهب فاقطع نخله.) ونرى من هذا أن النبي د م يحترم تلك الملكية المعتدية ومنع حرية المالك إذا أدت إلى الإضرار بالغير .

وليس للمالك حرية المنع عن ملكه منعاً مطلقاً » فقد يتعلق حق الغير بالملك فلا يكون له حق المنع عنه والأساس في ذلك هو أن الحقوق مهما تكن شخصية لا يمكن أن تكون منفصلة انفصالاً كاملاً عن حقوق الناس فثمة شركة إنسانية في الأملاك » وإن كانت تختفي قضاء فإنها تظهر ديانة » بل تظهر أحياناً في القضاء » فالجيران لهم حقوق مشتركة دينا بلا ريب . وإذا إظهرت الحاجة ووضح الظلم تكون قضاء .

ومن هذه الحقوق حق مرور الماء إذا كان لا يضر صاحب الأرض ٠‏ يروى في موطأ الإمام مالك رضي الله عنه أن رجلا اسمه الضحاك ساق خليجا من العريض ( الخليج بجرى صغير ) فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى فكلم فيه عمر رضى الله عنه . فأمر أن يخل سبيله فقال : لا والله » فقال عمر :1 قنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع . تسقي أولً واخرا » وهو لا يضرك . فقالك محمد : لاء فقال عمر : « والله ليمرن ولو على بطنك فأمره عمر أن يمر به »

وأنه كلما اشتدت الحاجة عظم حق الناس في الأموال المملوكة » وضيقت حرية التصرف والانتفاع وحرية المنع والامتناع , يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال بعد

ركس

عام الرمادة : لو كانت السنة مرة أخرى لأدخلت على أهل كل بيت مثلهم » لأن الناس لا مهلكون على انصاف بطونهم » .

ويروي أبو سعيد الخدري فيقول : ١‏ كنا في سفر . فقال النبي كَكليْةِ : « من كان عنده فضل زاد » فليعديه على من لا زاد له . ومن عنده فضل ظهر فليعديه على من لا ظهر له » وأخذ يعدد أصناف الأموال حتى ظئنا أن ليس لنا من أموالنا ما يكفينا » ويلاحظ أن ذلك في السفر .

2-5 وإن من تحت يده أرض زراعية سواء أكانت ملكاً أم كانت يده يد اختصاص لا تنزع من يده إلا لمصلحة راجحة . ويعوض عنها إذا كان قد كسبها بكسب طيب لا خيث فيه .

وقد تنزع منه لأحد أمرين . أحدهما لآنها قد يؤدي استمرار يده إلى الاحتكار . كالذين كانت في أيديهم اقطاعات كبيرة ولا يتمكن الضعفاء من أن الوا من الأراضي شيئً . فكان من الحق أن يأخذوا .

والثاني أن يكون في النزع نفع عام » وقد روي أن النبي يله حمى أرضا بالمدينة ومنع ملكيتها الخاصة » وجعلها لعامة المسلمين ينتفعون بها. كما منع أرضاً أخرى يسترعي فيها خيول المسلمين .

ركض

أرضاً بالريدة » «أي منع حيازتها» وجعل كلأها لكل المسلمين ء» وجاء إليه أهلها يشكون إليه قائلين : (يا أمير المؤمنين إنها أرضنا . قاتلنا عليها في الجاهلية . وأسلمنا عليها . علام تحميها ؟ فاطرق الإمام العادل . وقال : المال مال الله » والعباد عباد الله » والله لو لا ما أحمل في سبيل الله ما حميت من الأرض شبراً في شبر .

ولقد جعل عمر هذه الأرض للفقراء ترعى فيه ماشيتهم » ومنع منها الأغنياء »وقال لواليه الذي أرسله لتنفيذ ما قرره : « اضمم جناحك على الناس » واتق دعوة المظلوم فإنها محابة » وادخل رب الصريمة ( وهي الابل القليلة ) والغنيمة ( الغنم القليلة ) وامنع نعم بن عفان وابن عوف . فإنهم| أن هلكت ماشيتههم| رجعا إلى نخل وزرع » وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاءني ببنيه يصرخ يا أمير المؤمنين » أفتاركهم أنا؟ لا أب لك . فالكلاً أيسر علي من الذهب والورق ( أي الفضة ) . وإنها لارضهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها » وأنبم ليرون أني ظلمتهم ولولا النعم التي يحمل عليها في سبيل الله ما حميت على الناس شيئا من بلادهم » .

, وننتهى من هذا إلى أن الملكية حق ثابت‎ - ١٠١ وأن حرية الامتلاك ثابتة إذا اتخذت أسبابه المشروعةء‎ وأن المالك حر فيها يملك لا يمنع من حق انتفاعه بملكيته‎ بالوسائل التي لا ضرر فيها لأحد . وإن كان الضرر منعت‎

>”

حريته في التصرف أو الانتفاع , منعاً للإضرار » فإن كل ضرر في الإسلام مدفوع. وأنه لا تنزع الملكية من يده إلا لدفع ضرر مؤكد أو يغلب على الظن وقوعه . أو لتأكد مصلحة أكبر من مصلحة المالك في الانتفاع بملكه . وفي الحالين يجب تعويضه ما دام قد كسب الملكية بسبب مشروع لا خبث فيه » وإذا لم تكن مصلحة ولا دفع ضررء. فإنه لا يجوز التعرض للمالك في حرية الملك . لقول النبي كيه : رلا بحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفسه ) .

حرية التدين :

4 احترم الإسلام حرية الاعتقاد. وقاتل من أجلها . واعتبر الفتنة في الدين أكبر من القتل.» وجعل الأساس في الاعتقاد أن يكون بالاختيار الحر الخالي من كل اكراه » أو حمل على الاعتقاد بأى وسيلة من وسائل لحمل . وأن يكون اساس الاختيار سلياً . فلا يكوناغراء » وأن يقوم بكل ما يوجبه عليه دينه طائعاً إن أراد. وعلى ذلك تتكون حرية الاعتقاد من عناصر ثلاثة :

أوها : تفكير حر غير خاضع للتقليد . أيا كان من يقلده . سواء أكان الآباء الأولين » أم الأقوياء الحاضرين .

ثانيها : منع الاكراه على عقيدة معينة بتهديد أو تعذيب أو إغراء بالمحرمات والمثبائث .

58

ثالثها : أن يكون حراً في العمل بمقتضى دينه , لا يمنعه اضطهاد من الظهور بدينه واقامة شعائره » وقد حمى الإسلام هذه العناصر الثلاثة » فدعا إلى التحرر من ربقة التقليد » ودعا إلى التفكير على أساس الدليل والبرهان وتعرف الحقائق من ايات الله تعالى الكونية في السموات والأرض ٠‏ وانك تفتح المصحف فتجد الآياث القرانية تدعو إلى التأمل الحر في السموات والأرض وما بينبها من غير أن تقيد إلا بالأدلة العقلية الادية المرشدة . ولقد منع الإسلام الإكراه في الدين . فقال تعالى : «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي * وقد تلونا ذلك . وغيره من قبل » وقد أراد أحد الأنصار أن يحمل ابنين له على الإسلام كرهاً ٠»‏ فنهاه النبي كَلِِْ عن ذلك .

وإن المسلمين الأولين كانوا حريصين كل الحرص على ألا يكرهوا أحدا . وإنه ليروى في ذلك أن عجوزاً نصرانية قابلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحاجة ما عنده . وبعد أن أداها دعاها إلى الإسلام ة فخشي عمر أن يكون في كلامه وهو الإمام القوي إكراه لهاء فقال : اللهم إني لم أكرهها ثم تلا قوله تعالى : #لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي * . غير المسلمين في ظل الإسلام :

6- إن غير المسلمين الذين يعيشون مع المسلمين قسمان : المستأمنون . وهم الذين يقيمون مع المسلمين إقامة مؤقتة غير دائمة » وقد أشرنا إلى ما ينبغي لهم من معاملة في

اكتف

أثناء كلامنا في العدالة الدولية » والقسم الثاني الذميون الذين يقيمون مع المسلمين إقامة دائمة ٠»‏ وسموا ذميين , لأنهم أقاموا مع المسلمين على أساس أن لهم عهدا وذمة على أن يكون لهم ما للمسلمين . وعليهم ما عليهم .

والأصل أن المسلمين كانوا إذا دخلوا بلداً وأقاموا فيه كانوا يعلنون أن من يرضون بالاقامة مع المسلمين على أن يكون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ‏ ما عدا ما يتعلق بالدين ‏ يكونون ذميين ما داموا لم يعترضوا على ذلك . ويكون هذا ممثابة عقد بينهم وبين المسلمين .

وانهم بهذا يلتزمون أمرين أحدهما ‏ التزام التكليفات المالية على القادرين منهم لكي يسهموا في بناء الدولة ويشتركوا في ميزامها المالي .

ثانيه! : أن يلتزموا أحكام الإسلام في المعاملات المالية وفي الخنضوع للعقوبات الإسلامية ليكون لهم ما للمسلمين . وعليهم ما عليهم . أما نظام الأسرة من زواج وطلاق فإنهم يتركون وما يديئنون . وذلك لصلة أحكام الاسرة بأصل التدين » فكان من المحافظة على حريتهم في التدين أن يتركوا في العبادات وأحكام الأسرة إلى دينهم الذي ارتضوا البقاء عليه » ولقد قرر بعض الفقهاء وهم أبو حنيفة واصحابه أن يعفوهم من عقوبة الخمر. لزعمهم أن ذلك مما يتعلق بالتدين . ولكن الجمهور الأعظم من الفقهاء على غير ذلك »

يكف

لأن الخمر محرمة في كل الديانات السماوية » ولأن شربها جريمة » وعقوبتها لتطهير المجتمع من أدران هذه الرذيلة , ولحماية العقول من اثارها ولأن من لا عقل له يكون كلا على المجتمع » ما داموا قد صاروا أعضاء في الدولة الإسلامية فلا بد أن تتوافر فيهم الملامة التي يجب توافرها في كل رعايا هذه الدولة .

الدولة الإسلامية ان تزوج ابنته أو أمه لا يتعرض ما له ما دامت احكام الأسرة قد تركت لمم » ولكن إذا ترافعا أو ترافع أحدهما إلى القاضي . قال جمهور الفقهاء تطبق أحكام الإسلام فيحكم سطلان الزواج 3 لأن نظام المحرمات 5 الزواح من النظام العام لا يطبق سواه . ولكن أبا حنيقة قال إذا كان الخلاف في أصل وجود العقد تطبق الأحكام الإسلامية 3 وان كان يتعلق بالنفقة التي تطالب بها الزوجة فإن القاضي المسلم يحكم حتى لا تتعرض المرأة للجوع والعرى وعدم المأوى .

5 - وإن النظم الإسلامية ني هذا قد ارتفعت إلى مستوى في حماية الحرية الدينية لم ترتفع إليه أي دولة من دول العالم المتحضر الآن . فليس في دولة أيا كانت من تترك من هم على غير دينها من الرعايا يتمتعول بأحكام دينهم في الزواج . ولقد صدر منذ بضع سنين في انجلترا قانون منع الاعتراف بأي زواج يصدر ؟ بمقتضى الشريعة الإإسلامية » ولو كان بين اثنين

54

مسلمين » فلو تزوج مسلم بمسلمة في انجلترا » فإن المحاكم لا تعترف بهذا الزواج » ولو تزوج مسلم بمسيحية كذلك . بل إنها لو تزوجت غيره » وهي تعاشره يصح الثاني ما دام على مقتضى الشريعة الانجليزية » ولا يلتفت إلى الأول مع أنه الصحيح » والثاني هو الباطل . بين الإسلام .لا يسمح لأي إنسان أن يتزوج المجوسية المتزوجة . ولو كان مسيحيا أو بهودياً . لأنها مها يكن زواجها باطلا . فإنه قد أوجد حقوقا بين الزوجين .

وإن الإسلام تسامح في الأسرة ولم يتسامح في المعاملات والعقوبات . لأن المعاملات في الدولة تجري بين المسلمين وغير المسلمين . فيكون التبادل قائ) بين كل الرعايا. ثم إن المعاملات المالية أساس النظام الاقتصادي . وتبادل المنافع بين احادها » وليس من المعقول أن ينحاز غير المسلمين في محلة يتعاملون فيها . دون سائر الناس . وإلا كانوا دولة في داحل دولة وإن ذلك لا يتفق مع الاندماج الذي قبله » إذ قبل أن يكون جزءا من كيان الدولة » فيجب أن يعتبر كذلك فيا يتعلق بالنظام الاقتصادي والاجتماعي ؛ والعقوبات لاصلاح النظام الاجتماعي وتطهيره من ارجاس الرذائل .

والآأسرة ليست كذلك . لأنها لا تتجاوز الشخص وزوجه وذوي قرابته » ولا تتصل بالمجتمع » وهي كالعقيدة واقامة الشعائر الدينية » يكونان عادة منقطعين عن الجماعة »

56

ولا تبادل فيهما بينه وبين المسلمين .

ولهذا كان من حماية الحرية الدينية » أن يترك أمر الأسرة والعقيدة في الناس ل يتدينون به . على أنه يلاحظ أن ذلك حق أعطيه غير المسلم بمقتضى أحكام الإسلام . ولذلك كان الرجوع فيه إلى الأحكام الإسلامية . فإن شكا من مظلمة فإنصافه من واجب الحاكم المسلم » وليس له أن يستعين بدولة أخرى لانصافه » لأن ذلك يكون نقضا لعقد الذمة . ولأنه لا توجد دولة تعامل رعاياها تلك المعاملة العادلة في] يتعلق بنظام الأسرة .

07- هذه حقوق اعطيها غير المسلم المستظل بالدولة الإسلامية » وهي قائمة إلى اليوم . وهناك واجب آخر. وهو أوضح الواجبات التي يلتزم بها الذمي . وهو الجزية » وقد حسب بعض الكتاب أنها مفروضة عليهم لاذلالهم . أو أنها مظهر السيطرة عليهم . والحق أن اعطاءها مظهر الطاعة , ولكن العدالة أوجبتها . وهى جزء من العدالة الاجتماعية في الدولة الاسلامية . ذلك أنها فرضت على الذمي في نظير ما يفرض على المسلم من زكوات وكفارات ونذور وفديات لترك العبادات .

وإن الجزية إذا نظر إليها نظرة حسابية يتبين له أنها تقل عما يؤديه المسلم من واجبات مالية » ممقتضى دينه » فإنه يؤدي عما يملك من أموال منقولة ما مقداره ربع العشر من رأس

و"

الملل ويؤدي العشر من صافي غلات الأموال الثابتة ثم إن الدولة تشاركه في) يغنمه من الحروف . فتأخذ الخمس ء وعلى المسلم كفارات . ونذور فكفارة اليمين اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم إذا حلف وحنث . وكفارة الافطار في شهر رمضان متعمدا إطعام ستين مسكينا . . وهككذا غير ذلك من الكفارات التي يؤديها بمقتضى دينه : وهي مصادر لتمويل التكافل الاجتماعي الذي ينتفع منه المسلم وغير المسلم في أحيان كثيرة .

وإنه لا يمكن تكليف غير المسلم هذه التكليفات المالية المأخوذة من أحكام العبادات الإسلامية » حتى لا يتدخل ولي الأمر في حريته الدينية » ولا بد أن يسهم في بناء الدولة التي يعيش ني ظلها . ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بفريضة لا تخضع للدين » فكانت الحزية .

وهى تصرف على المرافق العامة للدولة الإسلامية , وتصرف في معونة من يحتاج من غير المسلمين . ولا يأخذ المحتاجون من المسلمين شيئا منها ء ولا بيت مال قائم بذاته . ويسمى بيت مال الخراج والجزية » ومن بيت المال هذا تجري الوظائف على الفقراء العاجزين من أهل الذمة . بأن تكون لهم مرتبات منها. كما فعل الإمام عمرء. وكيا كان يفعل من بعدذهة .

- وأن صيانة غير المسلمين واجبة على الدولة

خض

الإسلامية ‏ فدمه مصون . ومن اعتدى عليه يقتص منه وأمواله مصونة » وحريته الشخصية مصونة ليس لأحد أن يمسها . وكرامته محترمة » لأنه إنسان معصوم النفس والكرامة كالمسلم على سواء .

ولا شك أن تنفيذ هذه المبادىء مع اختلاف الدين قد يكون صعبا على بعض النفوس . ولذلك كانت البالغة في احترام حقوق الذميين , حتى لا تذهب ال حمية الدينية الرعناء إلى الاعتداء ولذلك شدد النبي كلِ . في احترام حقوق الذميين » وقال عليه السلام : « من اذى ذميا فانا خصمه يوم القيامة ومن خاصمته خصمته » وقد روينا ذلك من قبل .

وعمر بن الخطاب كان يبث العيون على ولاته ليعرف مقدار إقامتهم للعدل في رعاياهم ‏ وأول ما مهتم بالسؤال عنه معاملتهم لأهل الذمة » فحسن المعاملة لحم دليل على العدالة

وكان لا يمتنع عن القصاص ممن يظلمهم » ويروى في ذلك أن عمرو بن العاص والي مصر تسابق مع شاب قبطي فسبقه الشاب فضريه ابن عمرو بالسوط . وقال له اتسبق ابن الأكرمين ؟ فذهب الشاب القبطى إلى عمر في المدينة » فأحضر

فى

فأخذ يضربه » وعمر يطلب الزيادة كلما سكت . ويقول زد ابن الأكرمين . فلا اشتفى الشاب لنفسه أزاح عمر العادل عمامة عمرو عن رأسه . وقال للشاب القبطي اضرب على صلعة عمرو» فباسعه ضربك . فامتتع الشاب . وقال عمرو ما علمت بهذا . فقال الحاكم الحر حقا وصدقا : « منذ كم يا عمرو تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ) وهذه كلمة يتحدث با الأحرار في كل مكان . لأنها شعار الحرية » إذ الحر الذي لا يستعبد غيره ولا يرضى بالضيم .

وقد كان الفقهاء في كل أدوار الاجتهاد الفقهى حريصين كل الحرص على أن يوصوا حكام المسلمين بالعدل . مع أهل الذمة » ومن ذلك ما جاء في كتاب الخراج لأبي يوسف .

« وقد ينبغي يا أمير المؤمنين اثرك الله أن تتقدم بالرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد يَكِةِ . والتفقد لأحوالهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا . ولا يكلفوا فوق طاقتهم . ولا يؤخذ شيء من أموالهم إلا بحق يجب عليهم . فقد روي أن رسول الله يله قال : «من ظلم معاهدا أي ذميا » أو كلفه فوق طاقته . فأنا حجيجه يوم القيامة » وكان فيا تكلم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند وفاته ( أوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله كه أن يوي لهم بعهدهم . وأن يقاتل من وراءهم ولا يكلفهم فوق طاقتهم

. والحاكم الذي يخاطبه هرون الرشيد‎ ١85 الخراج لأبي يوسف ص‎ )١(

ا ؟

وهكذا نجد الرفق في المعاملة مع غير المسلمين الذين يعيشون في ظل الإسلام يستمتعون بالحرية الكاملة في شئون دينهم ولا يكرهون . ولا يؤذون . ولا يخصون بعاملة إلا أن تكون أرفق وأنصف . ولذلك بقيت منهم ذرية إلى اليوم تعلن سماحة الإسلام ورعايته لحرية من يكونون من رعاياه من غير نظر إلى دينهم » فإنٍ العدل مطلوب دائما . ومن أسلم منهم فقد أسلم' عن رضا واختيار واطمئنان . والله سبحانه وتعالى يتولى عباده برحمته . حرية الرأي والفكر

848- الرأي هو الثمرة التي ينتجها الفكر السليم , والاتجاه المستقيم إلى طلب الحقائق وإعلانها . والإسلام يقرر أن حقائق الكون وطبائع الأشياء تجب دراستها . وإعلان ما ينتهي إليه العقل والفكر الحر غير المأسور بتقاليد سابقة لأن الإسلام نهى عن التقليد » وأمر المؤمن أن يفكر في) تحت يده في الأرض . وما فوقه من أفلاك . ليتعرف كنهها. ولأنها سخرت له وذللت لارادته » اقرأ قوله تعالى : «« ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره . ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه» ( الحج 85 ) .

وإن العقيدة الإسلامية بنيت براهينها على النظر في الكون ودراسته . وإذا كان قد ظهر بعض الذين يظهرون التشدد في التدين وضاق صدرهم حرجا ببعض الدراسات ,

فسبب ذلك أحد أمرين إما عجز منهم ستروه بالاستنكار » وإما .أنهم رأوا الذين يتكلمون في الكون قد نقلوه عن فلاسفة اليونان » وظهر منهم انحراف عن العقيدة . ومهما يكن فقد ظهر علاء متدينون متشددون في تدينهم قد درسوا الكون وما فيه » ومن هؤلاء الكندي . وقد ذكر أنه تلقى الكثير منه عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه .

ولا يمكن أن يدرس الكون دراسة علمية إلا إذا كانت حرية الفكر المستقيم . وإذا كانت دراسة الكون يطلبها الإسلام على سبيل الفرض الكفائي . فإن حرية الرأي وإعلانه واجبه .

وإن الإسلام أعلى شأن العقل في إدراك المسائل . حتى لقد قال علاء الإسلام إن معرفة الله تعالى واجبة بالعقل , وقالوا إن الأساس في فهم المعجزات والأدلة الشرعية هو العقل .

وإن الإسلام حرر الفكر من سلطان الجماعات التي لا تدرك » وأوجب على المؤ من أن يفكر طالبا المهداية من الله تعالى وأن يتبع ما تبديه إليه الدراسة » وافق على ذلك من حوله أم خالفوه . وقد قال تعالى # وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله , إن يتبعون إلا الظن . وإن هم إلا يخرصون »# ١١١5(‏ الأنعام ) .

وقد يقول قائل كيف يكون التفكير الحر ولو نخالف

عقف

احماعة سائغا في الإسلام » مع أن الإجماع في الإسلام حجة ء ومع أن من يستقل بعقله قد يضل عن ا حقائق الدينية ونقول في الجواب عن ذلك :

بالنسبة للأمر الأول نقول : إن ذلك في الأحكام التكليفيه الشرعية لا في الدراسات الكونية » إذ الأولى أساسها العقل : وفهم العقل للنص » والاجتماع على فهم العقل للنص يجعله حجة قطعية لا سبيل لإنكارها » أما الأمور الكونية » فالآساس فيها النظر الفاحص والدراسات العقلية » وقد ينتهي الباحث إلى أمور قطعيةء. وما عند الناس ظنون واحتمالات . وأما ضلال بعض الباحثين في الكون . وانحرافهم عن الدين فليس منشأ ذلك الدراسة العقلية المستقيمة » إنما منشؤه أنحراف الفكر ابتداء » فهو قد درس بقلب غير سليم . وإعلانه ما هو ضد الدين » ليس فيه إضافة علم بالأكوان مستمر جديد . إنما يكون فيه عقم في الإنسانية .

إن حرية الرأي في الإسلام لا تكون مستقيمة ألا إذا قامت على النظر العلمي القويم . ولا يعلن منها إلا يكون قطعيا بالدليل , لا ما يكون خيالا يتخيل أو ظن يظن » وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا» ولا يعلن منها إلا ما يكون في إعلانه فائدة مؤكدة للناس . وإذا توهم متوهم من الباحثين أمرا يخالف العقيدة اليقينية » أيكون من الخير نشر وهمه . إن ذلك يكون تضليلا » ولا يكون تعليا .

شف

الحرية السياسية :

صان الإسلام الحرية السياسية بأمور ثلاثة أوها - أنه جعل أمر المسلمين شورى فيا بينهم ١‏ وهذا فيستمتعول بحسن الاختيار » ويذوقون سوءهة إن كان ع

وعليهم حينئذ أن يعالجوا بالأمر بالمعروف والنبي عن المنكر .

وثانيها : أنه ليس في الإسلام من ذاته مصونة لا تمس » بل الجميع أمام الشرع سواء وكل يخطىء ويصيب » حتىق رسول الله يَكِِ كان في) يعمله برأيه من غير وحي يوحى به إليه بخطىء ويصيب » وينبه إلى خطته إن كان الأمر يتعلق بمبدأ من

مبادىء الإسلام .

وإن اضطهاد الآراء منشؤّه أن يعتقد الحاكم ف نفسه النزاهة عن الخطأ أو يزين له من حوله من المنافقين ذلك أو يجعلوا ذلك أساسا من أسس العلاقة بينه وبين الناس » وحينئذ

ثالثها : ما أوجبه الإسلام من الأمر بالمعروف والنبي عن المتكرء فإن ذلك الواجب سهل على الناس إبداء ارائهم , ولقد أباح الإسلام للناس أن يبدوا اراءهم في أعمال

يفف

. بعض الناس يتطاولون على مقام النبي كله » ويعترضون على ما يقوم به من أعمال ومع ما انطوت نفوس عليه من مرض النفاق . ما كان يلومهم على قولهم . حتى لا يتخذه بعض الأمراء من بعده مسوغا لمنع الناس من ابداء ارائهم فكان يتحمل يَكِةِ ذلك مع مرارته » ويأخذهم بالرفق خشية أن يفتح الباب لمن يجيء بعده . ولقد سجل القرآن ذلك » فأشار إلى ما كان يقوله المنافقون فقال تعالى #ومنهم من يلمزك في الصدقات . فإن اعطوا منها رضوا . وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون # ( سورة التوبة 88 ) .

9-0١‏ ولقد كان الخلفاء من بعده يدعون الناس إلى نقدهم » دعا إلى ذلك خليفة رسول الله الصديق » ودعا إلى ذلك أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه » وكان يقبل النقد من كل من يخالفه ويستمع إليه ولقد وقف مرة يدعو إلى وضع حد أعلى للمهور منعا للمغالات فيها . لأن هذه المغالاة تصعب الزواج على من يبتغيه » فعارضته امرأة وقالت له : وليس هذا لك يا أمير المؤمنين » وتلت قوله تعالى # وإن اردتم استبدال زوج مكان زوج » واتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا اتأخذونه ببتانا وإثم) مبينا#4 ( سورة النساء ٠‏ ) فطأطأ الإمام العظيم رأسه وقال : كل الناس يعلم القران إلا أنت يا عمر. ولقد كان يعارض رضي الله عنه في تصرفاته وأقواله » ولا يجد غضاضة في معارضته بل إنه كان يقبل الاتهام أحيانا ويتلقاه بصدر رحب . ويناقش من يتهمه ‏

"14

حتى يقنعه أو يستغفر الله عما فعل . يروى في ذلك أنه جاءته غنائم فيها ثياب . ومن بينها ثوب ممتاز بجودته . فأعطاه بعض الشبان » فظن سعد بن أبي وقاص ذلك ماباة » فحلف ليضربن رأس عمر بثوبه الذي وزع عليه » قال لأمير الم منين تكسوني البرد ( أي الثوب ) وتكسون ابن أخي بردا أفضل منه » فقال الفاروق يا أبا اسحق إني كرهت أن أعطيه أحدكم » فيغضب الآخرون . فأعطيته فتى نشأ نشأة حسنة , لا يتوهم فيها أحد أني أفضله عليكم فقال سعد : لقد حلفت أن أضرب بالبرد الذي أعطيتنى رأسك .فمال عمر برأسه . وقال رأسي عندك يا أبا اسحق . وليرفق الشيخ بالشيخ فضرب رأسه بالبرد .

ولقد لاقى الإمامان العادلان الشهيدان عثمان وعلى من . معارضيها أشد النقد واللوم والسب . فيا استخدما سطوة الحاكم . ولا غلبة السلطان .

ولقد كان على كرم الله وجهه يصدم بالكلمة النابية وهو يخطب فلا يميج ولا يثور بل يرد في رفق وأناة وبياذ للحق . يروى فى ذلك أنه كان يخطب ء. فقال له بعض الخوارج ٠لا‏ حكم إلا الله » فأجاءهم على الإمام الحكيم بقوله : « كلمة حق يراد مها باطل نعم إنه لا حكم إلا الله » ولكن هؤلاء يقولون : لا إمرة إلا لله » وأنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجرء يعمل في إمرته المؤمن. ويستأمن فيها الكافر» ويبلغ

0/3و"

فيها الأجل . ويقاتل بها العدو . وتأمن به السبل . ويؤخذ به للضعيف من القوي . حتى يستريح بره ويستراح من فاجر) وهكذا تكون قوة الإحتمال للرأي الحر. ولو كان من غير صالح .

تقرير المصير :

2-5 وإذا كانت حرية الآحاد مكفولة . فإن حرية الجماعات أشد ضمانا » وإذا كان الآحاد يقزرون مصيرهم في ظل الدولة أو الإسلام 3 فالدول تقرر مصيرها في ظل الله تعالى والعدل والأمن والسلام .

وقد تبين مما سقنا من نصوص أن أساس العلاقات بين الناس العدل والسلام والتعارف . ومتها التعاون الإنساني الكامل » وقد نمى الإسلام المسلمين عن الخضوع للذل ٠‏ أينا كانوا » فقد نهاهم عن أن يقيموا في ظل من لا يرعون حريتهم الدينية » ولا يمكنوهم من إقامة شعائره .

وبالنسبة لغير المسلمين لم يرهقوهم . ولم يظلموهم . وم يفسدوا عليهم أمورهم بل كان عليهم أن يتركوهم ما تركوهم ء يقررولن مصيرهم ء وإذا توقع المسلمون اعتداء طلبوا إليهم أن يعاهدوهم. أو يدخلوا في دينهم . أو يعاملوهم . وأن الذين كان المسلمون يعاهدونهم يتركون لهم الأمر إذا عجزوا عن حمايتهم أو الوفاء بعهدهم . وإنه يروى في

1

ذلك أن أبا عبيدة عامر بن الجراح عند دخول الشام قد عاهد أهل حمص على أن يدافع عنهم في نظير مال يدفعونه اليش المسلمين, وقد دفعوا المال, فلما تفشى الطاعون في جيشه عجز عن الدفاع عنهم . فأرسل اليهم يرد أموالهم لعجزه عن الدفاع عنهم » فردوا المال إليه » وهبوا مع المسلمين لمقاتلة الرومان .

وإنه كان من تقرير المصير الخبر الذي سقناه إليك انفا » وهو ما كان بين قتيبة بن مسلم وأهل سمرقند وقد شرحناه بإيجاز انقا .

وفي الجملة إن الإسلام لا يرهق الشعوب من امرها عسرا . بل يسير بها في أمن وسلام » وكل يختار لنفسه من يتفق معه. ومن يختاره له وليا » والشعوب كالآحاد حرة في اختيارها من تنضم إليه ومن تبتعد عنه » وكل تدخل في ذلك ضد . الحرية » وإكراه وحرمان للاختيار .

">4١

*؟١‏ - إن العالم الآن يعج بالأسلحة بيد الأقوياء , ويضج الناس من هول ما ينزله رؤساء الدول القوية بالشعوب الضعيفة . وما تتحكم به البلاد الغنية في البلاد الفقيرة وترى المجاعات تعهب النفوس نهبا ٠‏ بينما توجد دول تلقي بالحبوب في اليم لترفع اسعارها » ويشح وجودها . وتأخذها طريقاً للمساومات السياسية الخسيسة . وشاع بين الناس أن السياسة لا ضمير لها. وانتهزها من لا حريجة للأخلاق في قلبه فوسع مداها» وبذلك راجت سوق الرذائل السياسية بين ساسة اليوم » فهل من سبيل لعلاج هذه الحال. وإحياء قوى الشعوب الفاضلة ؟

إن السبيل لذلك هو الإسلام الذي طهر العقول والأوهام 3 والذي وحل الإنسانية في كل البقاع والأصقاع , والذي أوجب التعارف بين بي الإنسان 3 والتلاقي على مودة ورحمة واصلة » وتعاون بين الناس على استخراج ينابيع

6م"

الأرض . وتوفير خيراتها » وأن تكون قسمة عادلة بين الناس , لا يكون احتكار في أرض . وجوع في أخرى . ولا تكون أرض مهملة بكر. قد أهملها أهلوها . لعدم حاجتهم إليها . أو لعدم توجيه مرشد بطرق استغلالها » أو لأا أكثر مما تطيق قوى سكانها . ويحرم من الوصول أليها من يحتاجون إليها من بني الإنسان . وهذا من السياسة التي تفرق » ولا تجمع , وتقطع أوصال المجتمع الإنساني التي أمر الله بها أن توصل , والإسلام يجمع ولا يفرق . ويصل ولا يقطع . ويرحم ولا

لا سبيل لذهاب هذه المتكرات من الدنيا إلا بالدين الذي هذب الغرائز وقوى عنصر الروح من غير ظلم للجسد وأقام العدل والقسطاس . ونظم العلاقات. الإنسانية » بين الآحاد وبين الجماعات والدول والشعوب على أسس من الأخلاق الفاضلة واقام المجتمع الإنساني كله على أساس من" الفضائل الإنسانية العالية » وبين أن الفضيلة والعدالة لا تفرقان بين الشعوب . ولا بين الألوان » ولا بين الاجناس » فهما تطبقان على كل أهل الأرض .

وإنا نتقدم بهذا البحث إلى مجمع البحوث الإسلامية الذي يمثل الشعوب المسلمة ليتخذ منه توصيات معالحة لإدواء هذا العالم . والله بكل شيء محيط . ْ

كم"

الحكم الإسلامي ا 00 الحرية في الإسلام ا 00

/الم >

ه الساأسا .اث هد مام لا م

هاا ها هع م مو

«اأما. ا قانا م م ده هام