كت 'لزد وارالق رعلرإعار الاي د بم د ىكامدما ممّدرسة رترق

| طبع ونثكر لياس لليامرٌ لوولرلات دثتوى (لوفَع افونا لان رايبرياء الريّاض - المملحكة الْمَريّة العؤدية رق س فال

الطبعة الرايعة

١.‏ ه

ب مهَالْمَنَارجم إفتتاحية الطبعة الرابعة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق إلى العالمين بشيرا ونذيراً » وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً مرا » ليخرجهم من لظلمات إل 1 النور » واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمداً رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . وبعد

فلما كان من شأن الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد - وهي رائدة الدعوة في هذه البلاد - ان تتول طبع واحياء الكتب التي تشرح حقيقة الإسلام وتبين مبادئه حسب مفهوم هذا الجيل » وكذا ترجمة الكتب الإسلامية إلى لغات كثيرة متعددة لاجل نشر الإسلام . وإلى جانب هذا اهتمت بالكتب التي ترد الشبهات التي يثيرها الاعداء حول الإسلام » وأيضاً كشف اضاليل الفرق ومفترياتها سواء كانت هذه الفرق ممن تدعى الاسلام 5 أو كانت من الفرق التي لا تمت للإسلام بصلة وهي كثيرة .

ولماكان كتاب « نحاضرات في النصرانية » ني

ورحمهداتُه) من الكتتب الفريدة : في بحاله حيث يكشف النصرانة و

الأدوار الى مرت بها في تدرج عقيدتها من الوحدانية إلى التثليث ودور ممامعها قِ محريف العقدة : التصراتة ©» وذلك بأسلوي هادى, رصين صم فيه غرر الفرائد .

لأجل ذلك كله قررت الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد طبع هذا الكتاب وتوزيعه على نفقتها على طلبة العلم لما رأت الحاجة ماسة لهذا الكتاب ولعدم توفره في مكاتبنا امحلية . وصلى الله على محمد واله وسلم تسليماً كثيراً :

الناشر

ب ههالحنارييم افتتاحية الطبعة الثالنة الحمد لله رب العالمين » الذي بعث رسله ليكونوا حجة على الناس يوم لا تحزي نفس عن نفس شيئا » والصلاة والسلام على النبي الامي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم نبي الرحمة الذي بعث على فترة من الرسل » بعد أن ضلت الأفهام » وحرفت الحقائق وسيطرت الأُهام »

أما بعد فهذه محاضراتي في النصرانية أعيد طبعها » بعد أن أل الكثيرون في طلب الاعادة » اذ تعذر على مريدي قراءتها الحصول عليها » حتى انها عندما قررت دراستها على طلبة معهد الدراسات الإسلامية لم يجد الدارسون ما يراجعون فيه » فلم يكن بد من ان يعيد المعهد طبعها ليعين الدارسين » ولينشر تلك الحقائق » من غير مجم على متدين ؛ ولا مضايقة لغير مسلم » لاك البحث الذي يتبع فيه الهاج العلمي السلم » لا يصح أن تضيق به الصدور ء ولا ن تنزوي عنه العقول » واذا كانت فيه ثغرات يرأبها النقد المنطقي المستقم » ويعالحها البحث العلمي القوم من غير عوج في القول . ولا التواء في القصد .

لقد كتبنا تلك المحاضرات بروح المحقق الذي يجمع الحقائق » ويعرضها » وقد تماسك بعضها ببعض » ليتكون من ذلك مجموعة علمية مهدي ولا تضل » وما كنا نجهد التاريخ لنسيو » ولكنا خضعنا له » وهو الذي كان يسيرزنا » وكنا في ذلك كالقاضي العادل بخضع للبيانات التي تكون بين يديه » وهي التي تحكم في الحكم الذي نسجله » لا نغير ولا نبدل » ولا ننحرف بها عن النتائج التي تؤّدي اليها مقدماتها » فنسير حيث يسير بنا الدليل من غير انحراف ولا تحريف .

وما كانت البيانات التي بين أيدينا من مصادر إسلامية » أو من اعداء المسيحية . بل كانت من كتاب المسيحيين أنفسهم التي سجلوها في تاريخها » كتبها المتقدمون » ورددها المتأخرون » فهي شهادات من أهلها استنطقناها » فنطقت » واستهديناها » فهدت » واسترشدنا بها

فارشدت » وما ضنت .

واذا كان من اخواننا(') وعشرائنا من تململ من محاضراتنا » أو تبرم من عخالفتنا لا يمن به » فانا علم الله ما قصدنا بكلامنا احراجاً ولا ايلاماً » انما أمانة العلم هي التي جعلتنا لا نقدم لتلاميذنا الذين نلقاهم والذين لا نلقاهم بالخطاب » بل نلقاهم بالكتاب »ء الا ما نعتقد أنه الحق الناصع » وقد وجه الينا نقد من بعض امخلصين من اخواننا("2 المسيحيين في مقالات متتابعة نشرتها احدى المحلات المسيحية » فما ضاقت صدوننا » بل ذهبنا الى الناقد في داره » وطلبنا اليه أن يطلعنا على كل الأعداد التي تشتمل على نقد لنا » لنصحح خطأ وقعنا فيه » أو لنبدل حكماً ما أنصفنا فيه » عملاً بقوله تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم , وقولوا أمنا بالذي أنزل الينا وأنزل اليكم . واغنا والمهكم واحد . ونحن له مسلمون ») .

وإنا لنحسب أنه ليس من بين اخواننا(2 أقباط مصر من ظلموا » فما كان لنا الا أن نتقبل النقد بقبول حسن », ونتبعه في كل ما وجه الينا مستطيبين ذلك » حتى ما كان منه مهجم علينا . فان اتخلص يستمع » ولو كان في كلام مخالفة هجوم , أو مجم بغير الحق .

وما وجدنا في النقد ما يغير حكماً » ولقد أرسل الينا بعض أبنائنا المسيحيين رسائل نقد قدرناها » فقرأناها » وكان كتابها يخرجون عن حد »١(‏ (5» (7» (4) كذا في الأصل . وكان الأول أن يقال اخواننا في الوطن لأنه لا رابطة بين الإسلام

والكفر . وبالله التوفيق . أله مصحح .

النقد أو الدفاع الى ما لا يحسن من قول » فما ضاقت صدونا » وحاولنا أن ننتفع منها » ولكنا ما وجدنا فيها أيضاً ما يبرر لنا تغيير حكم حكمنا .به » والى هؤلاء وأولئك نعتذر .

ولا يصح أن يتبرم أحد من اواننا(؟2 وأبنائنا من كلام نسوقه لطلابنا » معتقدين أنه الحق الذي لا ريب فيه » فلو كان أهل كل دين تضيق صدورهم بالبحث والدرس » لكان حقاً علينا معشر المشتغلين بالدراسات الإسلامية أن تذهب نفوسنا حسرات مما يكتبه بعض علماء أوروبا عن الإسلام » يفترون على حقائقه ولا يدرسونه دراسة موضوعية » بل يدرسونه دراسة ذاتية محرفين الكلم عن مواضعه » ومع ذلك ندرس كلامهم » ونضع الصواب منه في موضعه » ونضع الباطل في مكان سحيق ء تأخذهم الى المنطق ولا ننحرف معهم عن قصد السبيل .

وأخيراً | نقول لاحواننا('2 اننا نوُمن بالمسييح عليه السلام » ونؤمن بمحمد عَيْلّهُ وسائر النبيين « قولوا امنا بالله » وما أنزل الينا » وما أنزل الى إبراهم وإسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط . وما أوق موسى وعيسى », وما أوق النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم . ونحن له مسلمون ) .

من ذي القعدة سنة ١8/١ه‏ من مارس سنة 1955م .

)١(‏ كذا في الأصل - وكان الأولى أن يقال اخواننا في الوطن » لأنه لا رابطة بين الإسلام والكفر .أ.ه

به سا لمن الرحيم افنتتاحية الطبعة الثانية الحمد لله الذي خلق فقدر , وخلق آدم من طين » وعيسى بن مريم من غير أب ليكون حجة على العالمين . فيقبت أن الخلق بالازادة لا بالعلية » فتبارك الله أحسن الخالقين » والصلاة والسلام على سيدنا محمد وسائر النبيين » المبعوثين رحمة للناس أجمعين . أما بعد » فقد جاء في صحيح البخاري عن النبي عَيْيهِ أنه قال :

ثلاثة لمهم أجران : « رجل من أهل الكتاب امن بنبيه . وامن محمد » والعبد المملوك اذا أدى حق الله وحق موالية » ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديها » وعلمها فأحسن تعليمها , ثم أعتقها فتزوجها فله أجران ) .

وبقبس من هذا الروح السمح كتبنا كتاب محاضرات في النصرانية نرجو به مع احقاق الحق الحداية » لا مهاجم اعتقادأ » ولا نبطل عقيدة بل نير السبيل ونضع المصباح أمام الجادة فيسلكها من يريد الرشاد ومن يرجو السداد . ولكننا في عصر فهم الناس فيه الدين منزعا جنسياً » وم يفهموه حقاً اعتقادياً » ولا تهذيياً نفسياً » ولا خلاصاً روحياً » فكان ذلك حاجزاً دون أن تصل المداية الى القلوب » وأن تشرق النفوس بنور الحق .

وقد كان الناس في الماضي يوجد من بينهم من يقول «انا وجدنا اباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون» أما الآن فالناس جميعا غلقوا على انفسهم باب النور باعتبارهم الدين جنسا » والاستمساك به من القومية أو ما يشاببها » فيكون العار على من خالف » وان كانوا يعلمون أن فيما يعتقدون ما ليس بمفهوم .

4 «

ل الا

وبسبب هذه النزعة الجنسية في التدين ظهر نقد لكتابي هذا من بعض بني وطني غير المسلمين » وكنت ( علم الله ) مستريحاً لظهوره » فجمعت النقد » وشكرت الناقد , وتغاضيت عن عبارات نالني با » لأمما من فلتات القلم » ولقد أخذت أدرس ذلك النقد حرفاً حرفاً » لأصحح به خطأ جرى في الكتاب , أو سوء تفسير فسرناه , أو تخرياً بعيداً عن المعنى خرجناه .

ولكني وجدت النقد خاليا من ذلك في جملته » بل هو مهاجمة لمقصد الكتاب » يثير اعتبار الدين جنساً » ويدفعه التعصب الشديد » ويخاول توهين المكتوب . حتى انه في سبيل ذلك يعتبر الكلام المقيد بوصف متناقضاً » والمعلق على شرط متضارباً » لأ صدر الكلام غير الوصف » ومقدم القضية الشرطية غير تاليها . وان كان في النقد ما يفيد أنه أثبت ان بعض اخواننا تألم من عبارات جاءت في كتابنا » فغيرناها ان لم يكن في التغيير ما يمس الجوهر . ويفسد المعنى .

وقد كنا بسبب التألم نحجم عن اعادة طبع الكتاب » مع الألتاح من الكثيرين وبعضهم من اخواننا 217 المسيحيين » وأحجمنا عن ذلك نحو ست سنوات . ولكن اشتد الطلب من البلاد الشرقية والمصرية » وزكوا الطلب بأنه لا يليق أن تحول الاعتبارات النفسية دون ظهور ثمرات الفكر » وان عند اخواننا("» من سعة الصدر ما ما يتسع لذلك ء وخصوصاً أن الكتاب معروف في أمريكا وأوربا والهند . فقد ترجم الى الانجليزية » ولخصته بعض المحلات الأمريكية تلخيصاً كاملاً » وترجم الى الفرنسية والاردية .

. كنذا في الأصل , وكان الأول أن يقال : اخواننا في الوطن لأنه لا رابطة بين الإسلام والكفر‎ )5(6١( . وبالله التوفيق . أله مصحح‎

فاذا كانت هذه الأنم المسيحية تطوع بعض المسيحيين فيها بترجمته تسجيلاً للاثار العلمية » وان خخالفوها - فانه من نقص الحرية الفكرية في مصر أن يضيق صدر بعض ابنائها حرجاً باعادة طبع كتاب سجله المسيحيون فْ لغاتهم .

لهذا أقدمت على اعادة طبع الكتاب بعد طول الاحجام » راجياً من 8 من رجب الغخرم سنة 5/8" اه .

الموافق هن مايو سنئة 9145١م‏

سل هها لم ناليم افتتاحية الطبعة الأؤلى

الحمد لله رب العالمين » وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي » وعلى آله وصحبه وسلم » أشهد أن لا إله إلا الله » وحده لا شريك له » وأشهد أن حمداً عبده ووسه » ين عيسى بن مم من النبين

أما بعد . فقد عهد الي تدريس تاريخ الديانات بقسم الدعوة والارشاد من كلية أصول الدين فالقيت محاضرات في النصرانية » هذه خلاصتما » وتلك لبابها » ولقد عنيت ببيامها في أدوارها الختلفة متبعاً في بيان المسيحية الحاضرة سلسلة أسنادها المتصلة . فكان أول السلسلة مجمع نيقية المنعقد سنة 05” » وتنتبي بعصرنا الحاضر » هذا مبدأ السند وهذا منتهاه » فالسند اذن ينقطع , بين المسيح عليه السلام » والمجمع الأول من المجامع المقدسة » وان انقطاع السند في هذه الفترة الطويلة سببه الاضطهاد الذي لحق النصارى فيها » حتى كانوا يستخفون ويتعبدون في السر . فلا يعلنون دينهم الذي ارتضوا » ويفرون به فراراً ان كشف أمرهم » وقد ينطقون بكلمة الكفر يتقون بها حد السيف أو نار العذاب » وقد اعترف بقطع السند محادلوهم واختاروا ذلك السبب علة لهذا القطع .

وإنا ازاء ذلك العجز أو عدم توافر أسباب العلم ابتدأنا بحثنا في دينهم بكتبهم التي ألزم المسيحيون بها بعد قرار المجامع بالالزام » ثم تتبعنا في البحث سير المجامع » نسير في مسارها » ونتجه في اتجاهاتها » ولكنا لا

نكتفي بدراسة قرارات المجمع من المجامع » بل ندرس البواعث التي بعثت

الى انعقاده ونفصل بعض التفصيل الخلااف الذي سبقه » والذي جاء المجمع لحسمه . ثم انتهى الى تشعيبه وتوسيع زاويته .

وان عنايتنا بتفصيل البواعث التي أدت الى انعقاد المجمع الأول » وبيان قراراته » وكيف تلقى جمهور المسيحيين » وخاصة رجال الدين تلك القرارات » فقد أزالت الستار عما أكنته غياهب التاريخ في الفترة التي كانت بين المسيح . وهذا المجمع » بل ان تلك العناية جعلتنا نخترق حجب الظلام التاريخي لنصل الى ضوء نعشو اليه لنعرف حقيقة دعوة المسيح في عصر الاستخفاء أو عصر الاضطهاد . ولقد ساعدنا على الاستضاءة بذلك الضوء موازنات تصدينا لها وازنا فيها بين المسيحية الحاضرة وفلسفة الرومان واليونان في تلك الفترة » وما حاولنا أن نفرض ما استنبطنا على القارىء أو نسبقه الى الاستنباط » بل ألقينا اليه بالمقدمات » وتركنا له استخراج نتائجها » ليشاركنا فيما وصلنا اليه باقتناعه » ولكيلا نملاً عقله » وهو خال » فينقص تقديره للدليل ويضعف وزنه للبرهان .

ولقد كانت عنايتنا متجهة الى بيان العقيدة » فجلينا أدوارها » وبينا ما قام حوشا من مناقشات وخلافات » وبينا كل فرقة ومنبعثها , والمجمع الذي انبعثت من بعده , وما أحصينا فرقهم عدأ . ولا فصلنا اراء كل فرقة تفصيلا » بل عنينا بالفرق الكبرى » وعنينا بتفصيل العقيدة دون سواها .

وعلم الله أني لبست رداء الباحث المنصف ونظرت بالنظر غير المتحيز » وتخليت عن كل شيء سواه » لأصل الى الحق وصول الجتهد الحر ء لا المقلد التابع المأسور بسابق فكره » والمأخوذ بسابق اعتقاده ) ولكني انتبيت 5 ابتدأت ». مؤّمناً بالله الواحد الأحد » الذي ليس له والد ولا ولد .

وافي لأهدي كتابي هذا الى كل مسيحي طالب للحقيقة يسير في مسالكها لا أبغى به غلباً في جدال » ولا سبقاً في نزال » ولكن أبغى به الحى الحرد ١‏ يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا ويينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً » ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) .

محمد ابو زهرة

.-.

تمهيد

-١‏ عسير على المرء ان يكتب في رأي يخالف رأيه » ويتحرى مع هذه اخالفة أن يصور الرأي » كا يجول بمخاطر صاحبه ١‏ وينبعث في نفسه » فيبين دوافعه وغاياته » واذا كان ذلك واضحاً في رأي مخالف يرتأى » فكيف تكون الحال اذا كانت الخالفة في عقيدة تعتنق » وتتغلغل في أعماق النفس » وتستكن في أطوائها !! ان الطريق حينئذ يكون أوعث » ومسالكه أضيق » لذلك كان الطريق غير معبد أمام الباحث الذي يريد أن يكتب في النصرانية » 5 يعتقد النصارى » ويصورها أمام القارىء » 5 تجول بخاطر معتنقيها » ويفرض من نفسه ناظراً غير متحيز » يبين العقيدة » ك| هي في نفس أصحابها » لا كا ينبغي أن تكون . أو كا يعتقد هو ء لان الباحث خلع نفسه مما تعتنق وتؤمن به » ويجردها تجردا تاماً ما قد صار منها بمنزلة الملكات » وخخالط الاحساس والمشاعر » واستولى عبى كل مسالك الاراء اليها » وتصوير المسيحية ا يعتقد أصحابها ليس فقط عسياً على الكاتب غير المسيحي » بل انه عسير على الكتاب المسيحيين أنفسهم . يستوي في ذلك المختصون بالدراسات الدينية وغير امختصين » ولذلك يستعينون في تصويرها » وادنائها الى العقول بضرب الأمئال » والتشبيبات الكثية » لتأنيس غريبها بالقريب المألوف » والمشاهد ا محسوس ولادخانها في العقل من إلباب الذي يألفه ويعرفه » ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً .

؟- ولكن البحث العلمي يتقاضى الباحث الحر المنصف أن يدرس المسيحية ان أراد أن يعلنها كم يعتقد أهلها مجرداً من ن. نزعاته السابقة على الدراسة » غير جاعل لعقيدته سلطاناً على حكمه » حتى لا نسيو في دراسته » ونتتحكم في اتجاهاته » لأن ذلك قد يدفعه لأ يتزيد على القوم »

١

يريدون » وذلك لا يجعل العقل يدرك الأمُور كا هي في ذاتها » بل يدركها كا انعكست في نفسه » وم رسمت على قلبه » وقد يباعد ذلك الأمر في

ذاته .

ولذلك سنحاول - داعين الله مبتهلين اليه أن يلهمنا التوفيق - دراسة المسيحية » محردين من أنفسنا ناظراً غير متحيز عليها » لنصورها ا هي » وكا يعتقد أهلها » ولنتمككن من أن نكتبها بروح الانصاف » ولقد نضطر في سبيل ذلك الانصاف أن ننقل عبارات كتبهم المقدسة عندهم وغير المقدسة من غير أن نتصرف بأي تصرف » حتى ما يتعلق بالاعراب وأساليب البيان » لكيلا يدفعنا التصرف في التعبير الى تغيير الفكرة » أو تحريف القول عن مواضعه . وسنجتهد ما استطعنا في تصوير تفكيرهم بضرب الأغال » ان لم نجد بدا من ذلك .

ولكن مع عنايتنا الشديدة بتفهم ما عند القوم » وتعرف غاياته ومراميه لا نترك النقد العلمى النزيه » الذي يستمد قوانينه من بدائه العقول وأحكام المنطق » وخصوصا ما يتعلق بكتبهم . لأنه اذا كان الانصاف قد طالبنا بالا نتزيد على ما عندهم ٠‏ أو نخرفه عن مراده ومرماه ©» فالانصاف أيضا يطالبنا بآلا نهمل العقل . والا خرج بحثنا عن معناه العلمي التاريخي » وصار بحثا لاهوتيا صرفا » وذلك ما لا نريد » فلا يصح أن يدفعنا حرصنا على انصافهم الى ظلم العلم والحق والعقل .

المسيحية ”م جاء بها المسيح عليه السلام

المسيحية في القران :

*- قبل أن نخوض في المسيحية كا هي عند المسيحيين نتكلم في المسيحية التي جاء بها المسيح عليه السلام » وانا اذا تصدينا للمسيحية التي جاء بها المسيح نجد التاريخ لا يسعفنا بها , اذ بعد العهد , واضطربت روايات التاريم بالأحداث التي نزلت بالمسيحيين » ويجوز أن تكون قد عملت يد انحو والاثبات عملها . حتى اختلط الحابل بالنابل . وصار من العسير أن تميز الطيب من الخبيث » والحق من الباطل » والصحيح من غير الصحيح , واننا معشر المسلمين لا نعرف مصدراً صحيحاً جديراً بالاعتاد والثقة من المسلم غير القران الكريم , والحديث النبوي الشريف » فهما المصدران المعتمدان للمسلم في هذا » وما نكتب هذا لنلزم به المسيحيين » ولا على أنه هو المعتبر عندهم » ولكن نكتبه » ليتسق البحث » ولنتم السلسلة .

ينص القران الكريم على أن عقيدة المسيح هي التوحيد الكامل , لتوحيد بكل شعبه » الوحيد في العبادة » فلا ميد إلا الله , والبوحيد ف التكوين » فخالق السماء والأأض مما بينهما هو الله وحده لا شريك له والتوحيد في الذات والصفات فليست ذاته بمركبة » وهي منزهة عن مشابهة الحوادث سبحانه وتعالى . فالقران الكريم يثبت أن عيسى ما دعا إلا الى التوحيد الكامل » وهذا ما يقوله الله تعالى عما يكون من عيسى يوم القيامة من محاوبة بينه وبين ربه : « واذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله » قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته , تعلم ما في نفسي . ولا أعلم ما في نفسك . انك أنت علام الغيوب . ما قلت

١6

هم إلا ما أمرتني به , أن اعبدوا الله ربي وربكم , وكنت علييم شهيداً ما دمت فيهم , فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم » وأنت على كل شيء شهيد .

فهذا نص يفيد بصيحه أن عيسبى ما دعا إلا الى التوحيد » فغير التوحيد اذن دخل النصرانية من بعده » وما كان عيسبى إلا رسولاً لله رب العالمين .

ولقد نزل على السيد المسيح عليه السلام كتاب هو الانجيل » وهو مصدق للتوراة » ومحيى لشريعتها » ومؤيد للصحيح من أحكامها » وهو مبشر برسول يأني من بعده امه أحمد , وهو مشتمل على هدى ونور وهو عظة للمتقين » وأنه كان على أهل الانجيل أن يحكموا بما أنزل فيه » ولذلك قال الله تعالى : ١‏ وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه . ومن م يحكم بما أنزل الله فأولتئك هم الفاسقون ) دعوة المسيح :

5- ولتقد كانت دعوة المسيح عليه السلام تقوم على أساس أنه لا توسط بين الخالق والمخلوق , ولا توسط بين العابد والمعبود » فالاحبار والرهبان لم تكن هم الوساطة بين الله والناس » بل كل مسيحي يتصل بلله في عبادته بنفسه » من غير حاجة الى توسط كاهن أو قسيس أو

غيراما » وليس شخص - مهما تكن منزلته أو قداسته أوتقواه - وسيطاً بين العبد والرب في عبادته » وتعرف أحكام شعه مما أنزل الله على عيسى من كتاب » وما أثْر عنه من وصايا » وما اقترنت به بعثته من أقوال ومواعظ .

ودعوة عيسى عليه السلام - 6 ورد في بعض الاثار » وما تضافرت عليه أقوال المؤرحين - تقوم على الزهادة والأحذ من أسباب الحياة بأقل

1

قسط يكفي لأ تقوم عليه الحياة » وكان يحث على الابمان باليوم الآخر ,

واعتبار الحياة الآخرة الغاية السامية لبنى الانسان في الدنيا » اذ الدنيا

ليست إلا طريقاً غايته الآخرة » وابتداء مبايته تلك الحياة الأبدية .

ولماذا كانت دعاية المسيح عليه السلام الى الزهادة في الدنيا » والابتعاد

عن أسباب النزاع والعكوف على الحياة الروحية ؟ الجواب عن ذلك أن امود الذين جاء المسيح مبشرا بهذه الديانة بيهم كان يغلب عليهم النزعات المادية » وكان منهم من يفهم أن الحياة الدنيا هي غاية بني الانسان » بل ان التوراة التي بأيديهم اليوم خلت من ذكر اليوم الآخر » ونعيمه أو جحيمه » ومن فرقهم من كان يعتقد أن عقاب الله الذي أوعد به العاصين ٠‏ وثوابه الذي وعد به المتقين » إنما زمانه في الدنيا لا في الآخرة ؛ وقد قال رينان الفيلسوف الفرنسي في كتابه حياة المسيح : ( الفلسفة اليهودية كان من مقتضاها السلطة الفعلية في نفس هذا العالم » فانه يؤخذ من أقوال شيوخهم أن الصا حين يعيشون في ذاكرة الله والناس الى الأبد » وهم يقضون حياتهم قريبين من عين الله » ويكونون معروفين عند الله » أما الأشرار فلا » هذا كان جزاء أواك » وعقاب هؤلاء » ويزيد. الفريسيون على ذلك أن الصا حين ينشرون في هذه الأرض يوم القيامة ليشتركوا في ملك المسيح الذي يأتي لينقذ الناس » ويصبحوا ملوك العالم وقضاته » وهكذا يتنعمون بانتصارهم » وانخذال الأشرار أعدائهم » وعلى ذلك تكون مملكتهم في هذا العالم نفسه ) أ.ه . فجاء المسيح عليه السلام مبشراً بالحياة الآخرة » وأمها الغاية السامية لهذا العالم بين أولكفك الذين أنكروها » ومن لم ينكرها بقوله منهم أنكرها بفعله , فكانوا في ذلك الانكار سواء .

مريم والمسيح في القران الكريم :

ه- واذا كانت شخصية المسيح هي اللب في المسيحية الحاضرة »

1١7/

وأساس الاعتقاد فيها » وجب أن نبينها ما جاءت في القران » 5 سنبينها كا جاءت في المسيحية » ليستطيع القارىء أن يوازن بين الشخصيتين . ويعرف أيبما أقرب الى التصور » والعقل يتقبلها بقبول حسن » ولنبدا

يذكر القرآن الكريم مربم أم عيسبى عليه السلام » فيقص خبر الحمل بها وولادتها وتربيتها في سورة ال عمران » فيقول تعالت كلماته : ١‏ اذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محرراً » فتقبل مني انك أنت السميع العلبم , فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها أنثى , والله أعلم بما وضعت » وليس الذكر كالأنثى . واني سميتها مريم . واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجم , فتقبلها ربها بقبول حسن , وأنبتها نباتاً حسناً » وكفلها زكريا » كلما دخل عليها زكريا امخراب وجد عندها رزقاً » قال يا مربم الى لك هذا ء قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) .

هذه هي الأحوال التي اكتنفت الحمل بالبتول مريم » وولادتها » وتربيتها » ويلاحظ القارىء ان العبادة والنسك أظلاها » وهي جنين في بطن أمها الى أن بلغت مبلغ النساء » واصطفاها الله لأمر جليل خطير » فأمها وهي حامل بها نذرت أن يكون ما في بطنها محرراً خالصاً لخدمة بيت الله وسدانته » والقيام بشكونه » واستمرت مصممة على الوفاء بنذرها » فلما وضعت » وكان نذرها على فرض الذكورة » 5 ييدو من اشارات النصوص القرانية » جددت العزم على الوفاء بالنذر » وقد وجدت ما تسوغه النفس للتحليل من النذر » فكان ذلك الاصرار عبادة أخرى » إذ وجدت في النفس داعيات التردد » والرجوع والتحلل من الوفاء فكان كفها هذه الداعيات والقضاء عليها عبادة أخرى » ثم انصصفت الفتاة الناشئة منذ طراوة الصبا الى النسك والعبادة » وقام على

14

تنشكتها وهدايتها وتعليمها نبي من أنبياء الله الصديقين الصالحين ‏ فكفلها زكريا » ووجهها الى العبادة الصحيحة . وتنزيه القلب من كل أدران الشر والاثم » وكان الله سبحانه وتعالى يدر عليها اخلاف الرزق من حيث لا تقدر ولا تحتسب » ومن غير جهد ولا عنت » حتى أثار ذلك عجب نبي الله كافلها فكان « كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً » قال يا مريم انى لك هذا . قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب ) .

5- ولقد كانت تلك التنشئة الطاهرة التي تكونت في ظلها بريكة من دنس الرذيلة - لا يجد الشيطان سبيلاً أو منفذاً ينفذ الى النفس منها - تمهيداً لأمر جليل قد اصطفاها الله تعالىى له دون العالمين » ولذا خاطبتها الملائكة وهي الأرواح الطاهرة باجتباء الله لا : « إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين . يا مربم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) . ولقد كان ذلك الاصطفاء هو اختيار الله لما لأن تكون أماً لمن يولد من غير نطفة ادمية . وكان ذلك لكي تكون آية الله مشهورة » تحمل فيما حف بها من أحوال القرائن التي تقطع ريب المرتاب » وألسنة كل أفاك » وتنير السبيل أمام المؤمنين اذ أن ولادته من غير أب من أم كانت حياتها كلها للنسك والعبادة . والعكوف على التقوى . وتحت ظل نبي من أنبياء الله تعالى لم تزن بريبة قط - يجعل المؤمن يؤمن باية الله الكبرى في هذا الكون . ولا يجعل شيئاً يقف أمام مريد المداية من تظنن بالأُم أو ريبة فيها » فحياتها كلها من قبل ومن بعد تنفي هذه الريبة » وتبعدها عن موطن الشبهة . الحمل بالمسيح وولادته :

0-0 حملت العذراء البتول مريم بالسيد المسيح عليه السلام » وهو

19

لمر الذي اجتباها الله له » واختارها لأجله » ولقد فوجعت به » اذ لم تكن به عليمة . فبيها هى قد انتبذت من أهلها مكاناً شقياً » أرسل الله الييا ملكاً تمثل لها بشراً سوياً ٠‏ قالت افي أعوذ بالرحمن مك ان كنت تقياً . قال انما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا . قالت أفى يكون لي غلام . ولم يمسسني بشر . ولم أك بغياً . قال كذلك قال ربك . هو علي هين . ولنجعله اية للناس . ورحمة منا وكان أمراً مقضياً . فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً . فاجاءها انخاض الى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً » . حملت السيدة مريم البتول بعيسبى من غير أب » ثم ولدته . ول تبين الاثار النبوية مدة الحمل . فلم يرد في الصحاح اثار تبين تلك المدة » ولو كانت مذة الحمل غريبة لذكرت » فليس لنا اذن إلا أن نفرض أن مدة الحمل كانت المدة الغالبة الشائعة بين الناس . وهي مدة تسعة أشهر هلالية .

وما ولدته وخرجت به على القوم كان ذلك مفاجأة لهم » سواء في ذلك من يعرف نسكها وعبادتها » ومن لا يعرف »ء لانها فاجأتهم بأمر غريب . وهي المعروفة بينهم بأنها عذراء ليس لما بعل » فكانت المفاجأة داعية الامهام » لأنه عند المفاجأة تذهب الرؤية » ولا يستطيع المرء أن يقابل بين الماضبي والحاضر . وخصوصاً أن دليل الاتهام قائم » وقرينته أمر عادي لا مجال للريب فيه عادة » لكن الله سبحانه وتعالى رحمها من هذه المفاجأة . فجعل دليل البراءة من دليل الاتبام لينقض الاتهام من أصله » ويأتي على قواعده ويفاجئهم بالبراءة وبرهانها الذي لا يأتيه الريب » ليعيد الى ذاكرتهم ما عرفوه في نسكها وعبادتها » ولذلك نطق الغلام » وهو "قريب عهد بالولادة » أشارة اليه « قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً . قال إني عبد الله آتاني الكتاب . وجعلني نبياً . وجعلني مباركا أينا كنت . وأوضاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً . وبراً بوالدتي .

ولم يجعلني جباراً شقياً . والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا ) .

- نطق السيد المسيح في المهد , ليكون كلامه اعلاماً صريحاً ببراءة أمه وأنه لم يكن إلا عبد الله » ولد من غير أب . ويروي ابن كثير : ٠‏ عن ابن عباس ان عيسى ابن مريم أمسك عن الكلام بعد أن كلمهم طفلاً » حتى بلغ ما يبلغ الغلمان ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان » فأكثر المبود فيه » وني أمه من القول , وكانوا يسمونه ابن البغية » وذلك قوله تعالمى : « وبكفرهم وقوهم على مريم بيتاناً عظيماً » , ولم يذكر في الآثار الصحاح عن النبي عليه الصلاة والسلام حال عيسبى عليه السلام في مرباه ونشأته » وكيف كان منه ما يكون ارهاصاً بنبوته » فليس لنا إلا أن نقول انه قد تربى بما كان يترلى به أمثاله الذين ينشئون على التقى والمعرفة في بني اسرائيل » ويغلب على الظن أن يكون قد ظهر منه وهو غلام » ما يدل على روحانيته » وما يدعو اليه بعد ذلك من حياة روحية » وسط قوم سيطرت عليهم المادة » وغلبت عليهم نزعاتهم , والاتجاه اليها . الحكمة في كون المسيح ولد من غير أب :

- لابد من أن نشير هنا قبل أن ننتقل الى بعثته عليه السلام الى السبب الذي من أجله ولد عيسى عليه السلام من غير أب . فانه لابد أن يكون ذلك لحكمة يعلمها الله جلت قدرته » وقد أشار اليبا سبحانه في قوله تعالت كلماته : ( ولنجعله آية للناس ورحمة منا . وكان أمراً مقضياً ) .

وانا نتلمس تلك الآية الدالة في ولادة عيسبى عليه السلام من غير أب » فنجد أنه يبدو أمام انظارنا أمران جليان : احدهما . ان ولادة عيسى عليه السلام من غير أب تعلن قدرة الله سبحانه وتعالى » وأنه

"5

الفاعل امختار المريد » وأنه سبحانه لا يتقيد في تكوينه للأشياء بقانون الأسباب والمسببات التي نرى العالم يسير عليها في نظامه الذي أبدعه الله والذي خلقه » فالأسباب الجارية لا تقيد ارادة الله » لأنه خالقها » وهو مبدعها ومريدها » فان الأشياء لم تصدر عن الله جلت قدرته » 15 يصدر الشيء عن علته » والمسبب عن سببه » من غير أن يكون للعلة أرادة في معلوها » بل كانت بفعله سبحانه وبارادته التي لا يقيدها شيء مهما يكن شأنه » وخلق عيسى من غير أب هو بلا ريب اعلان هذه الارادة الأزلية » بين قوم غلبت عليهم الأسباب المادية » وفي عصر ساده نوع من الفلسفة » أساسها ان خلق الكون كان من مصدره الأول » كالعلة عن معلولها » فكان عيسبى آية الله على انه سبحانه لا يتقيد بالأسباب الكونية » وأن العالم كله بارادته » ولم يكن سبحانه بمنزلة العلة من المعلول : ١‏ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً » .

الأمر الثاني : أن ولادة المسيح عليه السلام من غير أب اعلان لعالم الروح بين قوم أنكروها » حتى لقد زعموا أن الانسان جسم لا روح فيه » وأنه ليس الا تلك الأعضاء والعناصر التي يتكون منها » فلقد قيل عن اليهود انهم كانوا لا يعرفون الانسان إلا جسماً عضوياً » ولا يقرون أنه جسم وروح » فقد قال رينان في سبب الحقد الذي تغلغل في النفس المبودية : ( لو كان الشعب الإسرائيلي يعرف التعالم اليونانية التي كان من مقتضاها اعتبار الانسان عنصرين مستقلين : احدهما الروح » والآخر الجسد » وانه تعذبت الروح في هذه الحياة لأمها تستريح في الحياة الثانية » لسرى عنه شيء كثير من عذاب النفس . واضطراب الفكر , بسبب ذله وخضوعه » مع ما كان يراه في نفسه من الامتياز الأدبي والديني عن الشعوب التي كانت تذله ) .

يقرر رينان في هذا أن اليبود ما كانوا يقولون كاليونان أن الانسان

ف

جسم وروح » ولقد يؤيد هذا ما جاء في التوراة التي بأيديهم في تفسير النفس بأتها الدم » فقد جاء فيها : ولا تأكلوا دم جسم ماء لأ نفس كل جسد هي دمه ) . اذن لم يكن اليبود يعرفون الروح عبٍى أمها شبيء غير الجسم » فلما جاء عيسى من غير أب » وكان ايجاده بروح من خلق الله » م قال تعالى : ١‏ والتي أحصنت فرجها . فنفخنا فيها من روحنا , وجعلناها وابنها آية للعالمين ») كان ذلك الايجاد الذي لم يكن لعامل فيه سوى ملك من الح تفخ في جيب مرم + فكان الا الانسان أنكروها » ول يعرفوها » فكان هذا قارعة قرعت حسهم ليدركوا الروح » وكان اية معلمة لمن لم يعرف الانسان إلا أنه جسم لا روح فيه » وهذه اية الله في عيسى وأمه عليهما السلام .

بعثة عيسى عليه السلام ومعجزاته :

-٠‏ بعث عيسبى عليه السلام » ولم يرد في القران الكريم » ولا في الآثار الصحاح بيان السن التي بعث عند بلوغها عليه السلام . ولكن ورد في بعض الآثار أنه بعث في سن الثلاثين » وهي السن التي تذكر الأناجيل المعتبة عند النصارى أنه بعث على رأسها » ويصح لنا أن نفرض أنه بعث في هذه السن على هذا الأساس .

بعث عيسى عليه السلام يبشر بالروح » وهجر الملاذ التي استغرقت النفوس في تلك الأيام » واستولت عليبا » وييشر بعالم الآخرة , ولقد أيده الله بمعجزات . وان ولادته نفسها معجزة . 5 جاء في الملل والنحل للشهرستاني » فد قال رحمه الله في ذلك : « كانت له ايات ظاهرة » وبينات زاهرة » مثل احياء الموى وابراء الأكمة والأبرص » ونفس وجوده وفطرته اية كاملة على صدقه . وذلك حصوله من غير نطفة سابقة » ونطقه من غير تعلم سابق ) .

وفنا

ومعجزاته التي ذكرها القران الكريم تتلخص في خمسة أمور » جاء ذكر أربعة منها في سورة المائدة في قوله تعالى : ١‏ اذ قال الله يا عيسى ابن مر اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك » اذ أيدتك بروح القدس , تكلم الناس في المهد وكهلاً . واذ علمتك الكتاب والحكمة , والتوراة والانجيل , واذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني » فتنفخ فيها » فتكون طيراً بإذني , وتبرىء الأكمه والأبرص بإذني » واذ تخرج الموق بإذني ) .. الى قوله تعالت كلماته : ( اذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء : قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين . قالوا نريد أن تأكل منها » وتطمئن قلوبنا » ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين . قال عيسى ابن مريم : اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا » وآية منك . وارزقنا » وأنت خير الرازقين , قال الله افي منزها عليكم , فمن يكفر بعد منكم » فاني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحدأ من العالمين ) .

ويستبين من هذه الايات الكريمة أربع معجزات :

الأولى : أنه يصور من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طبرا باذن الله » أي ان الله سبحانه وتعالى خلق على يديه طيرأ من الطين » فالخالق هو الله سبحانه وتعالى » ولكن جرى الخلق على يد عيسى ‏ وينفخ من روحه عليه السلام باذن الله تعالى .

الغانية : احياؤه عليه السلام الموق باذن الله جلت قدرته » وامحبي في الحقيقة هو الله العلي القدير » ولكن أجرى الاحياء على يد المسيح عليه السلام » ليكون ذلك برهان نبوته » ودليل رسالته .

الغالثة : ابراقه عليه السلام الأكمه والأبرص » وهما مرضان تعذر على الطب قدبمه وحديثه العثور على دواء هما » والتمكن من أسباب الشفاء

>32

منبما » ولكن عيسى بقدرة الله شفاهما » وبرىء المريضان برقيته » فكان ذلك دليلاً قائماً على رسالته عليه السلام .

الرابعة : انزال المائدة من السماء بطلب الحواريين » لتطمئن قلونهم » وليعلموا أن قل صدقهم . وهناك خامسة ذكرت في سورة ال عمران » وهي أنباؤه عليه السلام بأمور غائبة عن حسه » ول يعاينها » فقد كان ينبىء صحابته وتلاميذه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم » وقد ذكر الله تعالى في قوله تعاللى حاكياً عنه : « وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم , ان في ذلك لآية لكم ان كنم مؤمنين ( الحكمة من كون معجزاته عليه السلام من ذلك النوع :

: هذه معجزات عيسى عليه السلام » وهنا يتساءل القارىء‎ لماذا كانت معجزاته عليه السلام من ذلك النوع ؟ يجيب عن ذلك ابن‎ كثير في كتابه البداية والنهاية بقوله : « كانت معجزة كل نبي في زمانه‎ بما يناسب أهل ذلك الزمان فذكروا أن موسبى عليه السلام كانت معجزاته‎ , ما يناسب أهل زمانه وكانوا سحرة أذكياء » فبعث بايات بهرت الأنصار‎ وخضعت لا الرقاب ». ولما كان السحرة خبيرين بفنون السحر وما ينتبي‎ اليه . وعاينوا ما عاينوا من الأمر الباهر المائل الذي لا يمكن صدوره إلا‎ عمن أيده الله » وأجرى الخارق على يديه تصديقاً له أسلموا سراعاً » وم‎ , يتلعثموا : وهكذا عيسى ابن مريم بعث في زمن الطبائعية الحكماء‎ فوسل بمعتجزات لا يستطيعوما ولا دوت اليا وأ لحك ابراء الأكمه‎ » الذي هو أسوأ حالاً من الأعمى والأبرص وانجذوم ومن به مرض مزمن‎ وكيف يتوصل أحد من الخلق الى أن يقيم الميت من قبرو » وغير هذا مما‎ يعلم كل أحد أنه معجزة دالة على صدق من قامت به » وعلى قدرة من‎ أرسله » وهكذا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعليهم أجمعين بعث في‎

>”“

زمن الفصحاء البلغاء » فأنزل الله عليه القرآن العظم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه » تنزيل من حكم حميد . فلفظه معجزة تحدى به الانس والحن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله » أو بسورة » وقطع عليهم بأهم لا يقدرون لا في الحال » ولا في الاستقبال » فلم يفعلوا . ولن يفعلوا , وما ذلك الا لأنه كلام الخالق عز وجل » والله لا يشببه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله .

ما نراه حكمة صحيحة :

- من هذا الكلام يستفاد أن معجزة المسيح كانت من نوع ابراء المرضى الذين يتعذر شفاؤهم واحياء الموتى » لان القوم كانوا على علم بالطب الطبيعي وكانوا فلاسفة في ذلك » فجاءت المعجزة من جنس ما | يعرفون » ليكون عجزهم حجة عليهم » وعلى غيرهم ممن هم دونهم في الطب » ولكن رينان الفيلسوف المؤرخ الفرنسي يقرر أن اليبود ما كانوا على علم بالطب الطبيعي فيقول : « كانت صناعة الطب في المشرق في ذلك الزمان كا هي اليوم » فان اليهود في فلسطين كانوا يجهلون هذه الصناعة التي وضعها اليونان منذ خمسة قرون قبل ذلك التارح » ؛ وكان قد ظهر قبل ذلك بأربعة قرون ونصف كتاب لأبقراط أبي الطب موضوعه العلة المقدسة يعني الستيريا » وفيه وصف هذه العلة » وذكر دواءها ؛ إلا أن المبود في فلسطين كانوا يجهلون صدور هذا الكتاب » وكان في اليبودية في ذلك الزمان كثيرون من ا محانين » وربما كان ذلك ناشئاً من شدة الحماسة الدينية .

فاليبود الذين بعث المسيح بين ظهرانيهم لم يكونوا على علم اذن بالطب » أو الطب الطبيعي على رأي ذلك الفيلسوف المؤرخ .

وفي الحق ان الذي نراه تعليلاً مستقيماً لكون معجزات السيد المسيح

١

عليه السلام جاءت على ذلك النحو هو مناسبة ذلك النوع لأهل زمانه » لا لآم اطباء » فناسبهم أن تكون المعجرة ثم يتصل بالشفاء والأدواء » بل لأن أهل زمانه كان قد سادهم انكار الروح في أقوال بعضهم , وأفعال جميعهم » فجاء عليه السلام بمعجزة ة هي في ذاتها أمر خارق للعادة » مصدق لا يق به الرسول وهي في الوقت ذاته اعلان صادق للروح ٠»‏ وبرهان قاطع عل وجودها . فهذا طين مصور عل شكل طير » ثم ينفخ فيه فيكون حياً , ما ذاك إلا لأن شيئاً غير الجسم ولس من جنسه فاض عليه » فكانت معه الحياة » وهذا ميت قد أكله لبلى » وأخذت اشلاوه في التحلل ؛ وأوشكت أن تصير تصير مسماء أر اداه ع 3 ذاك إلا 7 حا غير الجسم الذي غيره و البل حلت فيه بذلك النداء » ففاضت عليه بالحياة » وهكذا . فكانت معجزة عيسبى عليه السلام من جنس دعايته » وتناسب أخص رسالته » وهو الدعوة لى تربية الروح ٠‏ والايمان بالبعث والنشور , وأن هناك حياة أخرى يجاني

فيها المحسن باحسانه . والمسىء باساءته » ان خيراً فخير» وان شراً فشر . وهل ترى أن معجزة احياء الموق تسمح لمنكر الآخرة بالاستمرار 2 انكاره أو تسمح لحاحد البعث والنشور أن يستمر ف جحوده . وقل أسلفنا لك القول أن المبود كان يسود تفكيرهم عدم الاعتراف بوجود الآخرة . وعدم الايمان باليوم الآخر . ان لم يكن بالقول . فبالعمل . فكان احياء الموق صوتاً قوياً يحملهم على الايمان حملاً . ولكنهم كانوا بايات الله يجحدون .

تلفي اليبود لدعوته : -١7‏ بعث عيسى عليه السلام بتلك البينات » وأيد رسالته بتلك المعجزات وانها باهرة تخرس الألسنة ٠‏ وتقطع الطريق على منكري

"0

رسالته . لو كان الدليل وحده هو الذي يبدي النفوس الضالة » والقلوب الشاردة » ولكن القوم الذين بعث فيهم كانوا غلاظ الرقاب . قساة القلوب فكانت مهمته شاقة » اذ حاول هدايتهم » لأن منهم من علم الديانة رسوماً وتقاليد يتجهون الى الأشكال «المظاهر منها . د الاتجاه الى لبها وغايتبا . حتى لقد كان منهم من يحجم عن عمل الخير في يوم السبت زاعماً أنه داخل في عموم النبي عن العمل فيه » فاذا جاء المسيح داعياً الى أن ينظروا الى اصلاح القلب » بدل الأحذ بالمظاهر

والأشكال فانه لا شك يصدم هؤلاء فيما يألفون وفيما وجدوا عليه سابقيهم .

والمبود قوم عكفوا على المادة » واستغرقتهم » واستولت على أهوائهم ومشاعرهم حتى لقد كان نساكهم وسدنة المياكل عندهم » وقد فاتهم العمل على كسب امال من أبوابه الدنيوية -- يجمعون المال من نذور المياكل . والقرابين التي يتقرب بها الناس . ويحرصون على ذلك أشد الحرص »ء فكانوا يأخذون القرابين من أشد الناس حاجة وأفقرهم » فجاء

ولقد اتخذ بنو اسرائيل من تدينهم المزعوم بدين موسى والأنبياء من بعده . وزعمهم أن لهم منزلة دينية لا يساميهم فيها أحد - اتخذوا من هذا ما يصح أن يسمى ارستقراطية دينية ؟ فزعموا أن هم المكانة السامية » ولغيرهم المنزل الدون » ولو اعتنقوا الديانة المبودية » وامنوا برسالة مومبى » فكانت هناك طائفة يقال لها السامرة » وكان الاسرائيليون يعاملون أحادها . كأنهم المنبوذون » فلما جاء عيسبى عليه السلام » وسوى بين ببي البشر في دعايته أنكروا عليه ذلك وناصبوه العداوة .

ولقد كانوا يجمعلون لأحبارهم وعلماء الدين فيهم المنزلة السامية والمكانة

54

العالية دون الناس . فجاء المسيح وجعل الناس جميعاً سواء أمام ملكوت

7

الله . مناوأة الييود له

4- لكل هذا تقدم اليهود لمناوأة المسيح . وقليل منهم من اعتنق دينه وامن به » وأخذوا يعملون على منع الناس من سماع دعايته » فلما أعيتهم الحيلة » ورأوا أن الضعاف والفقراء يجيبون نداءه » ويلتفون حوله مقتنعين بقوله - أخذوا يكيدون له . ويوسوسون للحكام بشأنه , ويحرضون الرومان عليه . ولكن الرومان ما كانوا يلتفتون الى المسائل الدينية » والخلافات المذهبية بين اليبود » بل تركوا هذه الأمُور لهم يسوونها فيما بينهم , والهود يريدون أن يغروا الرومان بعيسبى كيفما كان الثمن , فبئوا حوله العيون يرصدونه , ويتسقطون قوله بشأن الحكومة والحكام , عساهم يجدون كلمة له يتعلقون بها وينقلون بها للحآم الروماني » فلم يجدوا » لان المسيح ما كان يدعو إلا الى اصلاح الحانب النفسبي الخلقي » ولم يكن قد اتجه الى اصلاح الحكومة بعد » ولا ضاقت بهم الحيلة كذبوا عليه » وانتهى الأمر الى أن تمكنوا من حمل المحم الروماني على أن يصدر الأمر بالقبض عليه » والحكم عليه بالاعدام صلباً .

نهاية المسيح في الدنيا :

اك وهنا نجد القران الكريم يقرر أن الله لم يمكنهم من رقبته » بل نجاه الله من أيديهم : « فما قتلوه وما صلبوه . ولكن شبه نهم » , وبعض الآثار تقول ان الله القى شببه على يبوذا » ويبوذا هنا هو يبوذا الأسخريوطي الذي تقول الأناجيل عنه انه هو الذي دس عليه » ليرشد القابضين اليه » اذ كانوا لا يعرفونه » وقد كان أحد تلاميذه امختارين في زعمهم .

"9

ولقد وافق هذا انجيل برنابا موافقة تامة , ففيه : « ولما دنت الجنود مع بوذا من امحل الذي كان فيه يسوع - سمع يسوع دنو جم غفير ) فلذلك انسحب ‏ لى البيت خائفاً » وكان الأحد عشر نياماً » فلما رأى الله الخطر على عبده أمر جبريل وميخائيل وروفائيل وأدرين (21 سفراءه ان يأخذوا يسوع من العالم فجاء الملائكة الأظهار . وأخذوا يسوع من النافذة المشفة على الجنوب . فجعلوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبح الله الى الأبد . . ودخخل يبوذا بعنف الى الغرفة التي أصعد منها يسوع , ٠‏ وكان التلاميذ كلهم نياماً » فأتى الله العجيب بأمر عجيب » فتغير يبوذا في النطق وفي الوجه » فصار شبيها بيسوع حتى اننا اعتقدنا أنه يسوع » أما هو فبعد أن استيقظ أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم » لذلك تعجبنا » وأجبنا أنت يا سيدي معلمنا » أنسيتنا الآن .. الم ) .

والأناجيل المعتبرة عند المسيحيين لم تختلف في شيء كاختلافهم في قصة الصلب » فلكل رواية بشأنها . المسيح بعد نجاته :

5- لم يصلب المسيح بنص القران » ولكن شبه على القوم » » لقوله تعالى : ١‏ وما قتلوه وما صلبوه . ولكن شبه لهم ) وقوله تعالى : وما قتلوه يقينا . بل رفعه الله اليه » واذا كان المسيح عليه السلام م يصلب » فما هي حاله بعد ذلك ؟ اختلف في هذا الشان مفسرو القران » فجلهم على أن الله سبحانه وتعالى رفعه بجسمه وروحه اليه ) وأخذوا بظاهر قوله تعالى في مقابل القتل ؛ بل رفعه الله اليه » ويبعض آثار . قد وردت في ذلك » وفريق آخر من المفسرين . وهم الأقل عدداً , قالوا : انه عاش حتى توفاه الله تعالى 5 يتوق أنبياءه » ورفع روحه اليه ؟] ترفع أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء , وأخذوا في ذلك بظاهر قوله

. يريد اسرافيل . وعزرائيل‎ ))١(

تعالى : « اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا » وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامه ) ومن ظاهر قوله تعالى : ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم » وأنت على كل شيء شهيد ) ولكل من امختلفين وجهة هو موليها » ولا نريد أن ندخل في تفصيل حجج الفريقين وترجيح احداهما على الأخرى » فلذلك موضع ليس هذا مقامه .

-١7‏ ويزعم بعض الناس أن المسيح عليه السلام قد هاجر الى الند » وأنه عاش فيها » حتى استوق أجله ء ومات هناك » وله قبر» ولقد جاء في تفسير المنار ما نصه : « وجد في بلدة سري نكرا مقبرة فيها مقام عظم يقال أنه مقام نبي جاء بلاد كشمير من زهاء ألف وتسعمائة سنة » ويسمى يوز أسف ويقال أن امه الأصلي عيسى . وانه نبي من بني بني اسرائيل » وانه ابن ملك » وان هذه الأقوال ما يتناقله أهل تلك الديار عن سلفهم » وتذكر في كتبهم » وان دعاة النصرانية الذين رأوا ذلك المكان لم يسعهم إلا أن قالوا أن ذلك القبر لأحد تلاميذ المسيح أو رسله ) هذا ما جاء في تفسير المنار » وقد ذكر أن نقله عن غلام أحمد القدياني الهندي . وهو راو يشك في صدقه .

هذا » وان القران الكريم لم يبين ماذا كان من عيسبى بين صلب الشبيه ووفاة عيسى أو رفعه على الخلاف في ذلك » ولا الى أين ذهب » ويس عندنا مصدر صحيح يعتمد عليه ) » فلترك المسألة » ونكتفي باعتقادنا اعتقادا جازماً أن المسيح لم يصلب » ولكن شبه لهم .

موازنة بين المسيح في القرآن الكريم والمسيح في المسيحية الحاضسرة : 8- ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون , ما كان لله أن يتخذ من ولد ؛ سبحانه . اذا قضى أمراً فانما يقول له كن

5

فيكون ) وتلك ديانته كما جاء مها » ودعا اليبا » فما الذي عرض لها من بعده » وما الذي ادخل عليها بعد أن رفع الى ربه ؟.. أول ما أدخل على هذه الديانة هو ما يتعلق بشخص المسيح عليه السلام » ولنسارع في بيان اعتقادهم في المسيح بايجاز » ثم بعد ذلك نبين الادوار التاريخية التي مرت بتاريخ المسيحيين » محاولين ما استطعنا أن نبين مصادر هذه الاعتقادات التي تتعلق بالمسيح . ثم بقوانيهم الكنسية .

يعتقد المسيحيون أن الله سبحانه وتعالى أوصى ادم بألا يأكل من الشجرة » فأكل منها باغواء أبليس . فاستحق هو وذريته العذاب » ولكن لله سبحانه وتعالى رحمة منه بعباده جسد كلمته » وهي ابنه الأزلي . تجسداً ظاهراً » ورضى بموته على الصايب » وهو غير مستحق لذلك » لكي يكون ذلك فداء الخطيئة الأولى » ولم يكن في استطاعة أحد أن يقوم بذلك الفداء سوى ابن الله وابن الانسان معا » وكان ذلك الابن » وهذا الفداء هو المسيح عيسى ولد مريم العذراء .

أرسل الله اليبا ملاكه جبريل » وبشها بأن المسيح مخلص الدنيا يولد منها » وأن الروح القدس يحل فيها » فتلد الكلمة الأزلية » وتصير والدة الاله » وقد ولد ببيت لحم . اذ كان قد ذهب اليها يوسف النجار خطيب مريم الذي لم يتركها بعد أن حملت » لرؤيا راها في منامه تمنعه من ذلك . لأك بيت لحم بلده» فذهب اليها ومعه مريم ليقيد اسمه في الاحصاء العام الذي أمر به الرومان .

ولد المسيح في خحان قد نزل فيه يوسف ومريم » ولفقرهما لم يجدا مأوى .هما في الخان سوى مكان الدواب . ولقد قمطته وأضجعته في مذود البقر .

وف ليلة ميلاده ظهر ملاك لجماعة من الرعاة كانوا يحرسون قطعائهم

فى

في الحقول المجاورة لبيت حم . فروا بغتة جمهوراً من الملائكة مسبحين قائلين ( المحد لله في الأعالى لي » وعلى الأأض السلام » وبالناس المسرة » فترك الرعاة القطعان , وذهبوا الى المككان الذي دهم عليه الملائكة » فرأوا الطفل في المذود » وعادوا وهم يمجدون الله » ويسبحونه على كل ما سمعوا ورأوا . كا قيل لهم .

وقد ختن المسيح لما مرت ثمانية أيام من وقت ولادته » وممى يسوع , أي اخلص فى وهم © سجاه املك عد السي ب 2

ولقد حدث بعد ولادته بأيام أن وفد إلى أورشلم جماعة من حكماء حوس وعلمائهم . قالوا انه لاح لهم في السماء نجم عرفوا من مراه بما أوتوا من علمهم وما عندهم من آثار ونبوات أنه نجم مولود جديد هو ملك المبود المنبا به فعزموا على الرحيل اليه » ليسجدوا له , وحملوا معهم هدايا من الذهب واللبان والمر » وكانوا في مسيرهم يسيرون والنجم الذي رأوه بهديهم الى الطريق هم ومن معهم من خدم . حتى جاءوا الى المدينة , وسألوا عن مكان الملك المولود » فلما علم هيرودس ملك اليهود بأمرهم دعاهم اليه » واستطلع طلعهم . وتعرف أمرهم فقصوا عليه قصصهم , وما ابتعثهم الى الضرب في الأرض » وانجيء الى أورشلم » فسرى الى نفسه الخوف على ملكه من هذا الوليد , ثم دعا اليه كهنة المهود وكتبتهم » وسأطهم أين يولد المسيح . فقالوا : في بيت لحم اليبودية حسب النبوءات فقال للمجوس . اذهبوا الى بيت لحم » ومتى وجدتم الصبي فأخبروني لأسجد له قال ذلك , وأخفى في نفسه أأراً لم بيده » فذهبوا والنجم يتقدمهم » ووجدوا الصبي يسوع وأمه » فسجدوا لهء وقدموا هداياهم . وني هذا الوقت ظهر ملاك الرب في الحلم ليوسف » وقال له قم وخذ الصبي وأمه » وأهرب الى مصر . لأن هيرودس يطلب الصبي ليقتله » ففعل 5 أمر » وخرجت الأسرة المقدسة الى مصر وسافر المحوس

يفن

الى بلادهم من غير أن يعرجوا على هيرودس لأمهم مبوا عن || لعودة اليه بوحي أو الهم في حلم » فاخمذه لغبظ ‏ واندقع فامر بقتل جميع يسوع لايد أن يكون أحده

رحلت الأسرة المقدسة الى مصر ونزلوا حيث يوجد الدير المحرق » كا يعتقدون » وبعد أن قاموا بضعة أشهر واعتزموا الرحيل , لأن ملك الرب ظهر ليوسف في الحلم . وقال له : قم وخذ الصبي وأمه وعد الى اليبودية . لان هيرودس الذي كان يطلب نفس الصبي قد مات » فقاموا واتجهوا الى فلسطين » ومروا في طريقهم بالمطرية » واستظلوا بشجرة هناك تسمى شجرة العذراء . وفي بعض الآثار أنه لا دخلت مريم وابنها ويوسف أرض مصر » انكفات أصنامها وتحطمت » وكان ذلك اتماماً لنبوة أشعياء القائلة » « هو ذا الرب راكب على سحابة وقادم الى مصر , فترتجف أوئان مصر من وجهه . ويذوب قلب مصر داخلها ) أشعياء - 158 2.2١‏

ولما عادوا الى فلسطين أقاموا في الناصرة ٠‏ ولا بلغ يسوع الثلاثين من عمره عمل في : نبر الأدن » عمده يوحنا المعمدان » ثم صام أربعين يوماً 2 ولا شرع في التبشير ظهر له الشيطان يجربه ‏ وقال له : أعطيك هذه الدنيا أن خررت وسجدت لي : فأجابه يسوع وقال : اذهب يا شيطان. ثم تركه أبليس ». واذا ملائكة قد جاءت وصارت تخدمه » وبعد هذه التجربة صار في طريق التبشير . فلازمه حواريوه الاثنا عشر » واختار معهم سبعين أرسلهم مثنى مثنى الى قرى البود والجليل للتبشير . ثم أقام ثلاث سنوات يبشر » وياتي بالمعجزات المثبتة لالوهيته في زعمهم » يشفي المريض ويفتح أعين العميان » ويخرج الأرواح النجسة .. وينهر الرياح اذا ثارت » والبحر اذا اصطخب بالاذى » وقذف بالزبد » فيبدان .

ولا رأى اليهود أن الأمر يكاد يفلت من أيد مهم تشاوروا 3 يصطادوه » وتامروا عليه » وشكوه ظلماً : ؛ إكذيوا عليه , ثم أ وأسلموه لل سلاطس حاو نسي من قبل اومان ) فقضى عليه باو صلباً : ٠‏ فصلب في زعمهم ودفنٍ . وبعد أن مكث في القبر ثلاثة أيام قام في الفصح . ومكث أربعين يوماً أرتفع بعدها الى السماء أمام تلاميذه الذين عينهم لنشر ديانته » اذ قال نهم اذهبوا الى العالم » وكرزوا بالانجيل للخليقة كلها » وعمدهم باسم الاب والابن وروح القدس )

م

المسيحية بعد المسيح

ما نزل با مسيحييم: من اضطهاد

8 هذا هو المسيح كا جاء في كتبهم وتعابمهم . ولا نريد أن نخوض في بيان خلافاتهم حوله » ولا بيان اختلافهم في تفسير هذه العقيدة » ولا في تفصيل مجملها قبل أن نبين ما نزل بالمسيحيين بعد المسيح » ولكنا سارعنا الى بيان اعتقادهم الذي استقروا عليه في المسيح ليوازن القارىء بين ما جاء في القران الكريم . وما جاء في أناجيلهم وتعالعهم .

ونعود بعد ذلك الى ما يوجبه البحث العلمي » وهو تتبع العقيدة في نموها » وفي استقامتها أو انحرافها بعد صاحبها » وتمهيداً لذلك نبين ما نزل بالمسيحيين بعده » لكى يستبين القارىء مقدار قوة السند بين الديانة وصاحبها مع هذه الأحداث » وليعرف الفلسفة التي عاصرت المسيحية ومقدار اتصالهما .

اتفقت المصادر شرقية وغربية . دينية وغير دينية : على أن المسيحيين نزل بهم بعد المسيح بلايا وكوارث » جعلتهم يستخفون بديانتهم » ويفرون مها أحياناً ويصمدون للمضطهدين مستشهدين أحياناً أخرى » وهم في كلتا الحالين لا شوكة لهم » ولا قوة تحميهم » وتحمي ديانتهم وكتبهم » وانه في وسط هذه الاضطهادات يذكرون أنه دونت أناجيلهم الاربعة التي يؤمنون بها » ودونت رسائلهم !! .

وأول اضطهاد نزل بالمسيحيين كان في عهد المسيح » وانتبى بالخائمة

لتي بيناها » ولقد نزلت من بعده الشدائد بالمسيحيين بما يتفق مع هذا الابتداء . فلقد جاء قيصران بعد طيباروس الذي عاصر المسيح » كانا شديدين على تلاميذه » وقتلا منهم قتلاً ذريعاً » وفي زمن ثانيبما دون متى

إن

أنجيله بالعبرية . وترجمه يوحنا صاحب الانجيل الى اليونانية » على رواية ابن البطريق 5 ستتبين » ولم يكن الاضطهاد في عهد هذين القيصرين من الرومان فقط . بل كان من اليبود أيضاً » وأذاهم أمكن ٠‏ وتنقيبهم عن العقيدة أدخل , لأمهم من الشعب ومخالطوهم ومعاشروهم » فهم بداخلهم أعرف .

وأشد ما نزل من أذى كان في عهد نيرون ( سنة 54 م ) وتراجان (سنة ١٠١5‏ م)وديسيون ( 559 - 551١‏ م) ودقلديانوس (سنة م فنيرون هاج الشر علمهم ؛ وأنزل البلاء والعذاب بهم » واتهمهم بأعهم الذين أحرقوا روما » فأخذهم بجريرتها . وكانت السنوات الأربع الأخيرة عذاباً أبماً لهم . فقد تفنن هو أشياعه في هذا العذاب » حتى لقد كانوا يضعون بعضهم في جلود الحيوانات ويطرحونهم للكلاب فتنهشهم , وصلبوا بعضهم » وألبسوا بعضهم ثياباً مطلية بالقار » وجعلوهم مشاعل يستضاء بها » وكان هو نفسه يسير في ضوء تلك المشاعل الانسانية .

وفي عصر نيرون هذا دون انجيل مرقس سنة 5١‏ م على رواية » وكان بمصر وقد كتبه عند بطرس وهو برومة وكتب أيضاً لوقا إنجيله في عهد هذا القيصر . وفي ابتداء هذا الانجيل ينص على أنه يراسل به تاوفيلس » ليؤّكد به صحة الكلام » وتاوفيلس هذا رجل من عظماء الروم وأشرافهم » وفي عصر هذا القيصر أو بعده دون يوحنا إنجيله .

وفي عهد تراجان نزلت بهم الام » لأءهم قد جرت عادتهم بالصلاة في الخفاء وهرباً من الاضطهاد » وقد أمر تراجان بمنع الاجتاعات السرية » فأنزل بهم الذل والعذاب لذلك », ولأمهم مسيحيون لا يدينون بدين القيصر .

جاء في كتاب تاريخ الحضارة « لقد كتب بلين - وكان والياً في اسيا

مض

- الى الامبراطور تراجان كتاباً يدل على الطريقة التى كان بها المسيحيون » قال : ٠‏ جريت مع من اتبعوا بأنهم نصارى على الطريقة الآتية وهو اني اسآهم اذا كانوا مسيحيين فإذا أقروا أعيد عليهم السؤال ثانية وثالثاً مهدداً بالقتل » فان أصروا أنفذت عقوبة الاعدام فيهم » مقتنعاً بآن غلطهم الشنيع 3 وعنادهم الشديد » يستحقان هذه العقوبة » وقد وجهت التبمة الى كثيرين بكتب لم تذيل باسماء أصحابها . فانكروا أمهم نصارى . وكرروا الصلاة على الارباب الذين ذكرت أسماءهم أمامهم , شتموا ايح » ويقال أن من الصعب اكراه النصارى الحقيقيين »

من اعترفوا بأمهم نصارى ٠‏ ولكنهم كانوا يثبتون بأن جريعتهم في أعهم اجتمعوا في بعض الأيام قبل طلوع الشمس على عبادة المسبح على أنه رب » وعلى انشاد الأناشيد اكراماً له » وتعاهدوا بينهم لا على ارتكاب جرم » بل على الا يسقوا » ولا يقتلوا » ولا يزنوا » وأن يوفوا بعهدهم , ورأيت من الضروري لمعرفة الحقيقة أن أعذب امرأتين ذكروا أعبما خادمتا الكنيسة . بيد أني لم أقف على شيء سوى خرافة سخيفة مبالغ فيها )

وهذا الكتاب كاشف كل الكشف عما كان يحدث للنصارى في عهد ذلك القيصر من اضطهاد وتعذيب ( وتنقيب عن القلب وخبيئة النفس 5

ولم ينقطع الاضطهاد بعد موت تراجان » بل استمر » وان أخحذت الرأفة بعض القياصرة » خلف من بعده خلف ينزلون عذاباً مراً يزيل أثر 'تقشعر من هوله الأببدان » ولنترك القلم لبطريرك الاسكندرية » يصف بعض ما عاين من ديسيوس بعد أن ذاق بعض الرحمة من سابقه » فهو يقول : « لم نكد نتنفس الصعداء » حتى حلق بنا الخوف ». وخفنا

يكن

الخطر » عندما بدل ذلك الملك الذي كان أرق جانباً » وأقل شراً من غيو » وجاء مكانه ملك آخخر » ربما لا يجلس على كرسي المملكة حتى يوجه انظاره نحونا فيعمل على اضطهادنا . وقد تحقق حدسنا » عندما أصدر أمرا شديد الوطاة » فعم الخوف الجميع » وفر بعضهم » وقد ابعد كل مسيحي من خدمة الدولة » مهما يكن ذكازه » وكل مسيحي يرشد عنه يوق به على عجل ويقدم الى هيكل الأثان » ويطلب منه تقديم ذبيحة للصنم وعقاب من يرفض تقديم الذبيحة أن يكون هو الذبيحة . بعد أن يجتهدوا في حمله بالترهيب ... ومن ضعاف الايمان من أنكر مسيحيته . واقتدى به البعض . ومنبم من تمسك باذيال الفرار » أو من زج به في غيابات السجون .

وهكذا يقص ذلك القسيس ما نزل بهم ثما انعبى به الأمر الى فراره هو ء وقد كتب يعتذر(21 عن ذلك الى بعض من أبلوا بلاء حستاً » وم يلوذوا بالفرار

ولم يكن البلاء مقصوراً على مصر » بل كان يتتبع المسيحيين في الدولة الرومانية حيئا ثقفوا » وأيها كانوا .

ولى بعد ديسيوس من أوقع البلاء وأنزله بالمسيحيين » ولكن كان أشد هؤلاء وأبلغهم أذى وأنكاهم بطشاً - دقلديانوس الذي جاء اليم » بعد أن خف العذاب ءع: نهم قليلاً » وقد رجوا فيه خيراً » وأملوا منه أن يكون عا : لك مدير خاصته مسيحى , ولكنه كان أشد من غيو على المسيحيين » وخصوصاً المصريين » وذلك لأ المصريين رأوا أمماً تحللت من حكم الرومان . وفكوا أغلاله » فاقتدوا بهم » ونزعوا الى السير في طريق ال خحرية والاستقلال » وساروا فيه » وعقدوا الامرة لواحد منهم » فجاء

.3٠١5 4621١8 631١5 راجع في هذا الكتاب تارع الامة القبطية , الجزء الال ص‎ )1١(

0

دقلديانوس الى مصر . وأنزل بها البلاء » وأزال استقلاها , وأعاد فتحها , وكانت كثرتها في ذلك الابان مسيحية » وقد أمر بهدم الكنائس » واحراق الكتب » وأصدر أمرا بالقبض على الاساقفة والرعاة » وزجهم في غيابات السجن » وقهر المسيحيين وحملهم على انكار دينهم » وقد استشهد في هذا الوقت عدد كبير من الأقباط تجاونت عدتبم أربعين ومائة ألف , وعدهم بعض المؤرخين ثلاثمائة ألف » ولكارة ما استشهد من شهداء وما نزل من بلاء كانت ولاية دقلديانوس حادثاً ذا خطر في شأن مصر فجعلوه مبدأ تقومهم , وذلك في سنة 586 ميلادية .

وقد استمر البلاء ينزل من قياصة الروم حتى جاء عهد قسطنطين » يمنا وبركة على المسيحيين » لا على المسيحية 5 سنبين . أثر الاضطهادات في الديانة :

-٠‏ هذه هي الاضطهادات التى قارنت المسيحية في نشأتها وفي تكوينها وليدا وفي تدرجها » وفي عصر تدوينها ورواية كتبها » وهي مع أسباب أخرى جعلت بعض العلماء يبحثون عن قيمة هذه الكتب ء وجعلت بعض علماء المسيحيين انفسهم يعتذرون عن بعض الاضطراب في الأناجيل بأمها دونت في عصور اضطهاد المسيحية الأول » بل ان مناظريهم يقررون بان تلك الاضطهادات كانت سببا في فقد سندها المتصل بصاحب الشريعة . يقول الشيخ رحمة الله المندي في كتابه اظهار الحق : ١‏ طلبنا مراراً من علمائهم الفحول السند المتصل فما قدروا علية » واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني .وبينهم » فقال : ان سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين الى مدة ثلاتمائة وثلاث عشرة سنة » وتفحصنا كتب الاسناد هم ء فما رأينا فيها شيئا غير الظن » يقولون بالظن » ويتمسكون ببعض القرائن . وقد قلت ان الظن في هذا الباب لا يغني شيئاً » فما داموا ل

5

يأتوا بدليل شاف » وسند متصل فمجرد المنع يكفينا . وابراد الدليل في ذمتهم لا في ذمتنا ) . وني الحق ان تلك الاضطهادات جعلت كل عمل يقومون به في شتونهم الدينية - وخاصة ما كان متصلاً ببيان الشريعة يقومون به سرا لا جهرا » وفي خحفية من العيون المتريصة . والاعداء المترقبين » والسرية يحدث في ظلمتها ما يجعل العقل غير مطمئن الى ما يحكي عما يحدث فيها » فيتظنن في كل ما يروى عنها » ولا مانع من أن يدس على اجتاعاتها ما لم يجر فهها » وينقل عن اشخاصهم ما لم يقولوه , ويتسامع الجمهور أمورا ما حدثت في تلك الاجتهاعات . ولا قالما حاضروها » فاذا جرى الشك والريب فيما دون من كتب المسيحية التي فقدت سندها بسبب هذا الاضطهاد , والتي كتبت في ظلمة السرية , يكون قد وقع حيث وجدت دواعيه » وقامت شواهده .

الفلسفة الرومانية والمسيحية :

-"١‏ ولقد كان من المسيحيين من يفرون بدينهم » ومنهم من يظهر الوثنية ويبطن المسيحية » ومنهم من دخل النصرانية وفي رأسه تعالم الوثنية لم تخلع منه ولم تزايله . وان زايلها بعقله المدرك فعقله الباطن ما زال مستقراً لها ومكمناً تكمن فيه , وهؤلاء لا شك أثر تفكيرهم في المسيحية التي لم يكن ها قوة تحميبا ولا شكيمة تعقل النفوس الى حظيزها .

وان التاريخ يروي لنا أنه في القرن الثاني » والثالث ٠‏ والرابع الميلادي قد دخل الرومان والمصريون أفواجاً في المسيحية . فمن حق العلم أن نحكي ما كان يسيطر على هذه الأنم من أفكار . وما كان يسود تفكيها من منازع عقلية ودينية » ولا نعتمد في ذلك إلا على ما أثبته تاريخ العلم والفلسفة . وما أجمع عليه المؤرحون .

حكي التاريخ أن مدينة الرومان لم تكن متناسقة تناسقاً اجتاعياً » فلم

؟١‎

يكن توزيع الغزوة فيها توزيعاً يتحقق معه العدل الاجتماعي » فبيها ترى ترفا ورخاء لمن أفاءت عليهم الدولة بالفيء والغناتم والأسلاب من الفتوح الرومانية » ترى ألوف الألوف من الناس قد حرموا ما يتبلغون به في حياتهم » فاستولى عليهم الاحساس بالظلم » والسخط على الحياة , واتعلمل بها » والناس لا يشقون لالامهم وحرمانهم بمقدار ما يشقود لسعادة غيرهم التي امتنعت عليهم » وكذلك كانت الام سواد الرومان » ولولا ايمان بحياة مستقبلة » يستمتعون فيبا بما حرموا منه في هذه الحياة » لضاقت الصدور بما يجلجل في القلوب , ولانفجرت في ثورة اجتاعية » لكن توجهت هذه النفوس الى الايمان بعالم علوي . واعترف الانسان بعجزه التام عن معرفة نفسه واسعادها , اذا اعتمد على تفكيو فقط , لذلك رجعوا الى الدين .

وفي هذا الوقت أراد الفلاسفة أن يحلوا فلسفتهم محل الأديان » اذ أحذت القهاثيل والاوثان تفقد قوة تأثيرها » ولم يعد للها سلطان في تصريف سلوك الانسان » وفقدت معابدها ما كان لا من روعة وقوة » فاعتور النفس الرومانية حينكذ عاملان » كلاهما فية قوة وبأس ٠‏ فشعورهم بالبأساء والآلام يجعلهم في حاجة الى عزاء من الدين » وسلوى باليوم الاخر » وملاذ الى حياة روحية » والفلسفة - بما لما من سلطان العقل - ا وجدت الأئان تسقط قيمتها أرادت أن تحل محلها » حيئذ التحمت الفلسفة بالشعور الديني » أو التقت الفلسفة والدين » ولم يكن التقاؤهما عداوة وخصاماً » بل كان محبة وسلاماً » فكانت تلك الحال داعية اتصال بينبما » لا داعية افتراق .

قال فندليند في ذلك : ١‏ ان الفلسفة استخدمت نظريات علوم اليونان لتبذيب الآراء الدينية » وترتيهبا والتقدم بالشعور الديني اللجوج فكرة ة في العام تقنعه . فأوجدت نظماً دينية من قبيل ما وراء المادة تتفق مع الأديان المتضادة اتفاقاً يختلف قلة وكثق )

هذه كلمة ذلك الفيلسوف نقلها عنه صاحب كتاب المبادىء الفلسفية » فما هذه الأديان المتضادة التى ألفت بينها الفلسفة » وجعلت من نغماتها امختلفة نغمة واحدة موّتلفة ؟ .

ان التاريخ يقص علينا أن الأديان التي كانت في بلاد الرومان ثلاثة : الوثنية الرومانية » واليبودية » والمسيحية الناشئة » فهل عملت الفلسفة على ايجاد ديانة تجمع بين المسيحية والمبودية » وفيها وثنية ؟ وهل المسيحية التي تؤمن بالتوراة التي عند المبود على اختلاف هين » وتؤمن بالتثليث وألوهية المسيح وتقديس الصليب » هي النظام الديني الجامع بين الأديان الثلاثة !!! لنترك ذلك الآن . وقد وضعنا أمام القارىء المصباح الذي يرى به الطريق . الأفلاطونية الحديثة وأثرها في النصرانية :

- ولنتجاوز رومة الرومان ولنعبر البحر الأببيض ؛ ولنيمم شواطئه الجنوبية » فهنالك تجد مدينة الاسكندرية ومدرستها » وفلسفتها التي كانت تشع على العالم كله بنور العلم » وقد اوى اليها فلاسفة اليونان ) وتابعوا الفلسفة اليونانية » والتي نراها تتجه اتجاها واضحا الى النواحي الدينية » والبحث في منشىء الكون

كان شيخ هذه المدرسة أمنيوس المتوق سئة 747 » اعتئق في صدر حياته الديانة المسيحية . ثم ارتد عنها الى وثنية اليونان الأقدمين . وجاء من بعده تلميذه أفلوطين المتوق سنة 77١‏ وقد تعلم في مدرسة

وف

الاسكندرية أولاً » ثم رحل الى فارس والهند , وهناك استقى ينابيع الصوفية الهندية » واطلع على تعالم بوذا وديانته » وبراهمة الهند وديانتهم . وعرف اراء البوذيين في بوذا » والبراهمة في كرشنة . وقد عاد بعد ذلك الى الاسكندرية » وأخذ يلقي بارائه على تلاميذه » وجلها يتجه الى تعرف ما وراء الطبيعة » ومنشىء الكون .

ويلخص اعتقاده في منشىء الكون في ثلاثة أمور :

( أوها ) أن الكون قد صدر عن منشىء ازلي دائم لا تدركه الأمصار . ولا تحده الأفكار » ولا تصل الى معرفة كنبه الأفهام .

( ثانيها ) أن جميع الأرواح شعب لروح واحد وتتصل بالمدشىء الأول بواسطة العقل .

( ثالثها ) أن العالم في تدبيو وتكوينه خاضع لهذه الثلاثة » وهو تحت سلطانها » فالله منشىء الاشياء وهو مصدر كل شيء » واليه معاده لا يتصف بوصف من أوصاف الحوادث . فليس بجوهر ولا عرض » وليس فكراً كفكرنا ... ولا ارادة كارادتنا ولا وصف له . إلا أنه واجب الوجود » يتصف بكل كل يليق به » يفيض على كل الأشياء بنعمة الوجود » ولا يحتاج هو الى موجود » وأول شيء صدر عن هذا المنشىء في نظر أفلوطين هو العقل » صدر عنه كانه يتولد منه » ولهذا العقل قوة الانتاج » ولكن ليس كمن تولد عنه » ومن العقل تنبثق الروح التي هي وحدة الأرواح » وعن هذا الثالوث يصدر كل شيء ومنه يتولد كل ثيء .

-١+‏ هذه هي فلسفة المعاصرين لنشأة الديانة المسيحية عندما أريد تحويلها » وترى أن فلسفة الرومان ترمي الى ايجاد ألفة بين الوثنية والمبودية ومسيحية المسيح عليه السلام » ا ترى أن فلسفة الاسكندرية ترجع العالم في تكوينه وتدبيو الى ثلاثة عناصر أو الى الوث مقدس : المنشىء

5

الأول » والعقل الذي تولد منه كا يتولد الولد من أبيه » والروح الذي يتصل بكل حي ومنه الحياة . فاذا عبرا عن المنشىء الأول بالآب » وعن العقل المتولد عنه بالابن » وعن الروح بروح القدس » م هو ثالوث النصارى الذي أخذ ببعضه مجمع نيقية » وبكله المجامع التي جاءت بعده » لما خرجنا في التسمية عن الصواب . وما كان فيها أي تسا » فذلك الثالوث في معناه هو ثالوث النصارى » واذا لم يختلف المسمى » فلماذا يختلف الاسم ؟ِ.

وهنا يرد على النفس سؤال : أيهما أستقر » وأيبما كان اليبوع ؟ أأحذت الأفلاطونية الحديثة من النصرانية » أم النصرانية الحاضرة هي التى أخذت عن الفلسفة ؟ أن الجواب عن هذا يقتضي تعرف السابق منبما » فالسابق بلا ريب أستاذ اللاحق.. والزمن هو الذي يحكم ويفصل , وسنجدل فيما يلي من البحث أن مجمع نيقية هو الذي سار في تقرير هذا الثالوث » ووضع الأساس لمن بعده » أو بعبارة أدق قرر ألوهية الابن » وأن جوهره هو جوهر الاب » وقد جاء في قراره ( ان الجامعة المقدسة » والكنيسة الرسولية تحرم كل قائل بوجود زمن لم يكن ابن الله موجوداً فيه » وانه لم يوجد قبل أن يولد » وانه وجد من لا شيء » أو من يقول ان الابن وجد من مادة أو جوهر غير جوهر الآب , وكل من يوّمن أنه خلق » أو من يقول أنه قابل للتغيير('©2 ) .

(1) اطلع زميلنا المرحوم الأستاذ الذكتور محمد يوسف مومى الأستاذ بكلية أدول الدين سابقاً على هذا الاستنباط التاريخى فقال : انه يوافق ما استنبطه بعض المستشقين » ثم ترحمء . ,تفضل فارسل الينا نص الترجمة وها هي ذي » ننشرها مع بحشا شاكرين له رمه الله فضا تعاونه : النثليث ليس من المسيحية بل من الفلسفة الاغريقية -١‏ كانت المشكلة الفلسفية التي واجهت أولاً الافريق هي : « ماه كل شيء ؟ © : وباجتهاد الفلسفة في الاجابة عن هذا السؤّال اجابة محدودة ومقنعة شيئا فشيئا كأن لنا تلك المذاهب الفلسفية التي تتابعت في تاريخ الفلسفة الاغريقية . هذه فلسفة بدأت طبيع” مع الفلاسفة الايونيييى » ثم أحذت فكرة التوحيد في الظهور على أيدي سقراط . وأفلاطون »

وارسطو . بحيث رأى هؤلاء أن

6

على اختلاف كبير جداً » ويكفي الدلالة على هذا الاحتلاف ان الذين حضروا ا مجمع نيف وأربعون بعد الألفين » وهم على اراء مختلفة » ولم يجمع على اختلاف كبير جداً » ويكفي للدلالة على هذا الاحتلاف أن الذين حضروا أنه تولد عن المنشىء من غير زمن بينهما 5 يقول الفلاسفة » وأنه من جوهر أبيه » كا يقولون لم تسد إلا بعد ذلك المجمع » وسيآتي لذلك فضل بيان إن شاء الله تعالى » وعلى ذلك يكون تثليث المسيحية كحقيقة مقررة متأخراً عن أفلوطين لأن أفلوطين توفى سنة 77١‏ بعد الميلاد 5]

المبدأ الذي صدر عنه العالم هو الله الواحد الذي لم يتغير » على غموض في تعيين هذه الصفات وتحوها مما يصح ان يتصف بها . ولكن بمقدار تبين هذه المعارف بالمعلومات عن الله كانت تكبر الصعوبة الأساسية التي اصطدمت بها المذاهب التى سبقت سقراط : كيف تصدر الأشياء عن مبدثها ؟ كيف يمكن أن يخرج الكثير - أي العام - من الواحد » بالمتغير من الذي لا يتغير ؟ وأنه كلما قرب المبدأ الأول م 1

الوحدة الحق بصيرورته روحيا » ومن عدم التغ لتغير الحق بصيرورته كاملا تتسع اهوة التي تفصله عن

لعا ويه وصيو أكو عمق + © يصب عسرا هم كيف يز ال العا للرحد وتزقه .

؟- اذا كان الله واحداً وحدة مطلقة كيف يمكن أن يخلق الكثة امختلفة دون أن يقبل في ذاته كة بأي وجه من الوجوه ؟ واذا كان 5 له المطلح ق يقتطبي عدم التغير ؛ كيف تفهم أنه في وقت ما أوجد العام دون أن يلحقه تغير . مع انه انتقل مه ن حالة عدم العمل الى حالة العمل ؟ هنا تظهر عبقرية العقل الارى ! الواحد البريء من التغير لا يمكن أن يصدر عنه العالم المتكثر المتغير مباشرة » يجب اذن أن تتوسط بينهما وسائط أزلية متدرجة حسب نظام ميتافيزيقي .

- كان أفلاطون أول من أدرك تلك المشكلة وأول من أدرك هذا الحل الذي وجب على العقل الاغريقي فيما بعد - بعد انضاجه طويلاً - أن يجتمع نبائياً عليه . أعني عقيدة ثلاثة أقانيم أو عقيدة التغايث - ص - ١ل.‏

غ- هذا المذهب أو هذه العقيدة ا لعي عثلها عقا ل أفلاطون 2 وأن ادركها ادرا كا فيه نوع 7 غعموض

ليس إلا عقيدة التثليث المشهورة » ومن السهل ادراك الغرض مما : الاحتفاظ لله بالكمال المطلق

ا من التغير . جعله يضع بينه وبين العالم وسيطين يعتبران دونه خارجين عنه , وعلى نحو ما داخلين فيه . أي تتضمبما ذاته - صادرين عنه » دونه في الكمال , ويبعلانه ممكناً أن يصدر عن الله العالم الكبير المتغير » أول هذين الوسيطين العقل . وثانيهما الروح الآفية داص 7# 64 74 .

- وهكذا كان التزاوج بين العقيدة اليهودية والفلسفة الاغريقية لم ينتج فلسفة فقط » بل أنتج معها ديناً أيضاً . أعني المسيحية التي تشربت كثيراً من الآراء والأقكار الفلسفية عن اليونان . ذلك أن اللاهوت المسيحي مقتبس من نفس المعين الذي كانت فيه الافلاطونية الحديثة ( يريد فلسفة

ا

علمت » والتثليث لم يتكامل إلا في آخر القرن الرابع » والمتقدم أستاذ

ولقد قوى ذلك الظن عند بعض علماء أوربا » حتى شك بعضهم في حياة المسيح وقالوا انه شخص خراني لم يوجد » أراد بعض فلاسفة الأفلاطونية الحديثة أن يفرضوه ٠»‏ ليجعلوا من ارائهم ديانة يعتنقها العامة » وتسود الكافة » وقد تم لهم ما أرادوا » ولكنا نحن المسلمين لا نقر ذلك كله » لما فيه من انكار وجود المسيح الذي نؤمن به » ونزل بخبره الوحي الامين وان كنا نصدق لبه .

أفلاطون التي كانت المعين الاصلي للفلسفة الافلاطونية الحديثة ) ولذا تجد بينهما ( أي اللاهوت المسيحي والافلاطونية الحديئة ) مشاببات كبية . وان أفترقا أحيانا في بعض التفاصيل » فانهما يرتكزان على عقيدة التثليث » والثلاثة الاقنم واحدة فهما - ص 59 .

+- أول هذه الأقانم هو مصدر كل كال , والذي يحوي في وحدته كل الكمالات » وهو الذي دعاه المسيحيون الآب . ولثاني أ الابن هو الكلمة . والثالث هو دائما الروح القدس - ص ”59 -9514.

وعلى أنه يجب أن يلاحظ ( وهذا بعض ما يفرق اللاهوت المسيحي عن الأفلاطونية الحديثة ) ان الأقانم الثلاثة ليست في نظر هذا المذهب متساوية في الجوهر «الرتبة . بيما هي متساوية عند المسيحية . فالابن الذي يتولد من الآب لا يمكن أن يكون أدنى منه كال . وإلا صار من طبيعة الكامل أن يصدر اضطراراً عنه غير الكامل . وهذا حط من رتبته . وكذلك الروح القدس مساو للاب والابن - ص 595 .

كل هذه النقول من كتاب : ١‏ مقدمة ( أو المدخل لدراسة ) الفلسفة الإسلامية » تأليف

المستشرق المعروف ليون جوتيه طبع باريس عام 19157 .

مصادر المسيحية بعد عيسى

4- الكتاب المقدس لدى النصارى يشمل التوراة والأناجيل , ورسائل الرسل » وتسمى التوراة ( أسفارها الموسوية وغييها ) كتب العهد القديم » وتسمى الأناجيل . ورسائل الرسل كتب العهد الجديد » فمن العهد القديم يعرفون أخبار العالم في عصوره الأول , وأجياله القديمة » وشرائع اليبود الاجتاعية والدينية » وتاريخ نشاتهم , وحكوماتهم وحوادثهم » والنبوات السابقة منذ هبوط الانسان على هذه الأَْض » والبشارات بالنبيين اللاحقين » وبالمسيح . وفيبا يجدون أدعية متوارثة تعين على أداء العبادات » والقيام بالطقوس الدينية كمزامير داود » ولنترك الكلام في التوراة وأسفارها فلذلك موضعه من الدراسة للديانة المبودية » بيد أنه يجب أن يلاحظ أن بعض الأسفار المعتبرة عند المبود مرفوضة عند المسيحيين » لعدم اعتقادهم بصحة الوحي فيها . الأدايل :

- أما كتب العهد الجديد فهي التي تعنينا في هذا البحث » ويهمنا أن نجل أمرها » ونعرف حقيقتها » وها الأناجيل .

والأناجيل المعتبرة عندهم أربعة : إنجيل متى » وإنجيل مرقس ء وإنجيل لوقا » وإنجيل يوحنا .

ومكان الأناجيل في النصرانية مكان القطب «العماد » واذا كانت شخصية المسيح وما أحاطوها به من أفكار هي شعار المسيحية » فان

'هذه الأناجيل هي المشتملة على أخبار تلك الشخصية » من وقت الحمل الى وقت صلبه في اعتقادهم وقيامته من قب بعد ثلاث ليال » ثم رفعه بعد أربعين ليلة » وهي بهذا تشتمل على عقيدة ألوهية المسيح في

54

زعمهم » والصلب والفداء » أي أنها تشتمل على لب المسيحية في نظرهم بيعل المسيح ومعناها .

وهذه الأناجيل الأربعة هي التي تعترف بها الكنائس » وتقرها الفرق المسيحية وتأخذ بها » ولككن التاريخ يروي لنا أنه كانت في العصور الغابرة أناجيل أخرى » قد أخذت بها فرق قديمة » وراجت عندها » وم تعتنق كل فرقة إلا ,انجيلها » فعند كل من أصحاب مرقيون » وأصحاب ديصان إنجيل يخالف بعضه هذه الأناجيل » ولأصحاب ماني إنجيل يخالف هذه الريعة » وهو الصحيح في زعمهم » وهناك إنجيل يقال له إنجيل السبعين . ينسب الى تلامس » والنصارى ينكرونه » وهناك إنجيل اشتهر باسم التذكرة » وانجيل سرن مهس » ولقد كغرت الأناجيل كغة عظيمة » وأجمع على ذلك مؤرخو النصرانية » ثم أرادت الكنيسة في آخحر القرن الثاني الميلادي » أو أوائل القرن الرابع أن تحافظ على الأناجيل الصادقة - في اعتقادها - فاختارت هذه الأناجيل الأبعة من الأناجيل الرائجة ابان ذلك .

ولقد يذكر بعض المؤرحين انه لم توجد عبارة تشير الى وجود أناجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا قبل آخر القرن الثالث » وأول من ذكر هذه الأناجيل الأربعة أرينيوس في سنة 7٠١9‏ . ثم جاء من بعده كليمنس اسكندريانوس في سنة 5١‏ », وأظهر أن هذه الأناجيل الأأبعة واجبة التسليم » ولم تكتف الكنيسة باختيار هذه الأناجيل الأبعة » بل أرادت الناس على قبوها لاعتقادها صحتها » ورفض غيها » وتم لما ما أرادت فصارت هذه الأناجيل هي العتبية دون سواها .

ولقد كنا نود ونحن ندرس المسيحية وأدوارها ف التاريم أن نعرف هذه: الأناجيل التي أهملت . وما كانت تشتمل عليه » مما كان سبياً في رفضها » وحمل الناس عبل تركها » وخصوصاً أنها كانت رائجة » ويأخذ

14

بها طوائف من المسيحيين ويتدينون هذه الديانة على مقتضاها » فان الاطلاع عليبا يمكننا من معرفة اعتقاد الناس في المسيح » وكيف كان » صوصاً بين أولنك الذين قاربوا عصره » وأدركوا زمانه » ولقوا تلاميذه , وتهلوا من مناهلهم , واذ ضن التاريخ بحفظ نسخ منها » فقد كنا نود أن تطلعنا الكنيسة على ما اشتملت عليه مما يخالفها , وما كان من سبب رفضها , وترينا حجة الرفض » لتكون دليلاً منياً لها على أنها بهذا أقامت ديانة المسيح ولم تغيرها » ولكن ضن التاريخ علينا » فطوى تلك الأناجيل » وضنت الكنيسة فطوت تلك البيانات » فلم ببق لنا إلا أن نكتفي من الدراسة بما بين ايدينا » لعل فيه غناء ان أنعمنا النظر وأمعنا في الاستنباط » وجعلنا لقضية العقل سلطاناً » ومن بدهياته برهاناً .

الأناجيل لم يملها المسيح وم تنزل عليه :

-١‏ وهذه الأناجيل الأيعة ل يملها المسيح © ولم تنزل عليه هو بوحي أوحى اليه » ولكنها كتبت من بعده - ا رأيت - وتشتمل على أخبار يحيى ( يوحنا المعمدان ) والمسيح , وما كان منه . وما أحاط بولادته من عجائب وغرائب » وما كان يحدث منه من أمور خارقة للعادة » ولا تحدث من سواه من البشر » وما كان يحدث له من أحداث , وما كان يجري بينه وبين اليبود » وما كان يلقيه من أقوال وخطب وأحاديث وأمثال ومواعظ » وفيها قليل من الشرائع التي تتعلق بالزواج والطلاق . ثم اخبار المؤامرة عليه » واتهامه والقبض عليه » ومحاكمته » سواء أكانت تلك احاكمة أمام اليبود » أم أمام الرومان » ثم فيها الحكم عليه بالموت صلباً » وصلبه بالفعل فيما يعتقدون , وفيها أيضاً قيامته من قبره » ومكوثه أربعين يوماً » ثم رفعه الى السماء . وفي الجملة هي تشتمل على أخبار المسيح وصلواته » وأقواله وعجائبه » من بدايته الى نبايته في هذا العالم » وهذا - 6 قلنا - لب المسيحية ومعناها » لان

فيها النواة الأولى لألوهية المسيح » وعقيدة النصارى فيه » ولنتكلم على كل إنخيل من هذه الأناجيل بكلمة تبين تاريخ تدوينه » وتعرف بمؤلفه » ومكانته من المسيح .

انيل متى :

7- وقد كتبه متى » وهو أحد تلاميذ المسيح الاثنى عشر , ويسميبم المسيحيون رسلا » وقد كان قبل اتصاله بالمسيح من جباة الضرائب ». وكانوا يسمون في ذلك العهد عشارين » ولقد كان جابيا للرومان في كفر ناحوم من أعمال الجليل بفلسطين , وكان المبود ينظرون للجباية نظر ازدراء » لأمها تحمل صاحبها على الظلم » أو على الأقل تحمله على العنف , والعمل فيها معين للدولة الرومانية المغتصبة التي تحكم البلاد بغير رضا أهلها » ولكن السيد المسيح اختاره تلميذاً من ثلاميذه كا جاء في إنجيله . ففي الاصحاح التاسع منه : ( وفيما يسوع يجتاز من هناك رأى انساناً جالساً عند مكان الحباية » واسمه متى » فقال له : اتبعني » فقام وتبعه » وبينا هو متككىء في البيت اذا عشارون وخطاة كثيرون قد جاءوا » واتكثوا مع يسوع وتلاميذه .

فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه : لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة ؟ فلما مع يسوع قال طم : لا يحتاج الاصحاء الى طبيب » بل الممضى » فاذهبوا وتعلموا ما هو , اي أريد رحمة لا ذبيحة . لأني لم ات لأدعو أبراراً » بل خطاة الى التوبة ) ولا صعد المسيح الى ربه جال متى للتبشير بالمسيحية في بلاد كثيرة .

ومات في سنة 7١‏ ببلاد الحبشة على أثر ضرب مبرح أنزله به أحد أعوان ملك الحبشة . وفي رواية أخرى أنه طعن برعم في سنة 57 بالحبشة

اه

بعد أن قضبى بها نحو ثلاث وعشرين سنة داعياً للمسيحية مبشراً بها » فموطن دعايته 5 يروى مؤرخو المسيحية هو الحبشة .

إنبيل متى كتب بالعبرية ولم يعرف إلا باليونانية وجهل المترجم :

4- وقد اتفق جمهورهم على أنه كتب إنجيله بالعبرية أو السريانية » 5 اتفقوا على أن أقدم نسخة عرفت شائعة رائجة كانت باليونانية » ولكن موضع الخلاف في تاريخ تدوينه » ومن الذي ترجمه الى اليونانية » فمن المتفق عليه عند أكنهم أن متى كتب إنجيله بالعبرانية » وذلك لأنه كتبه لليبود يبشر بالمسيحية بينهم » وليقرأه مؤمنوهم بها » قال جيروم : «ان متى كتب الانجيل باللسان العبري في أرض يبودية للمؤمنين من اليبود ) وقال غيره : « ان متى كتب الإنجيل باللسان العبري » وهو الذي انفرد باستعمال هذا في تحرير العهد الحديد ) .

وإذا انتقلنا الى تاريخ تدوين هذا الإنجيل وترجمته نرى ميدان الخللاف فسيحا », فنجد ابن البطريق يذكر انه دون في عهد قلوديوس قيصر الرومان من غير أن يعين السنة التي كتب فيها .

ويذكر أن الذي ترجمه يوحنا » فيقول في ذلك : « في عصر قلوديوس كتب متأوس ( متى ) إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس ». وفسره من العبرانية الى اليونانية يوحنا صاحب الانجيل ) .

وهنا نجده لم يعين السنة التي كتب فيها الإنجيل . بل عين الملك الذي كتب في عهده , وهذا الملك لم يكن هو الذي عاصر المسيح . ولا الذي يليه . بل الذي عاصر المسيح وصلب - على زعمهم - في عهده طيباريوس » وولى من بعده غابيوس ٠‏ وملك أربع سنين وثلاثة أشهر » ثم جاء من بعده قلوديوس وملك اربع عشة سنة » فيحتمل تدوين هذا الإنجيل أن يكون في آخر العشة الرابعة من ميلاد المسيح . ويحتمل أن

إن

يكون في أول أو آخر العشرة الخامسة أو أوائل السادسة . فكلام ابن البطريق يحتمل كل هذا » وقال جرجس زوين اللبناني فيما ترجمه عن الفرنسية : « ان متى كتب بشارته في أورشليم في سنة 79 للمسيح على ما ذهب اليه القديس أيرنيموس » والسبب في ذلك على ما ذهب اليه القديس أبيفانيوس أنه كتبه إما أجابة لليبود الذين امنوا بالمسيح » أو أجابة لأمْر الرسل » ولم يكتب إنجيله باليونانية بل بالعبرانية على زعم أوسيبيوس في تاريخه » وقد وافق أسيبيوس القديس ابرنيموس » اذ أن بانتيوس قد ذهب ليكرز بالايمان المسيحي في الهند » فوجد إنجيلا لمتى الرسول مكتوباً بالعيرانية » فجاء به الى الاسكندرية » وبقى محفوظا ٍ مكتبة قيصرية الى أيامه » لكن هذه النسخة العبرانية قد فقدت . وبعد فقدها ظهرت ترجمتها في اليونانية » أ.ه. وفي هذا يعين الكاتب تاريخ السنة الذي دون فيها الإنجيل » ولككن لا يعين المترجم . بل يذكر أنه غير معروف » بينا نرى ابن البطريق يعين أنه يوحنا صاحب الإنجيل المسمى باه .

ويقول بالنسبة لتاريخ التدوين صاحب كتاب ( مرشد الطالبين الى الكتاب المقدس الثمين ) : ( ان متى بموجب اعتقاد جمهور المسيحيين كتب انجيله قبل مرقس ولوقا ويوحنا » ومرقس ولوقا كتبا إنجيلهما قبل خراب أورشليم . ولكن لا يمكن الجزم في أية سنة كتب كل منهم بعد صعود المخلص . لانه ليس عندنا نص إلهي على ذلك ) .

وقال صاحب ذخيق الألباب : ١‏ ان القديس متى كتب إنجيله في السنة 4١‏ للمسيح باللغة المتعارفة يومئذ في فلسطين » وهي العبرانية أو السيروكلدانية .. ثم ما عتم هذا الإنجيل أن ترجم الى اليونانية . ثم تغلب استعمال الترجمة على الأصل الذي لعبت به أيدي النساخ الايونيين

ون

ومسخته بحيث أضحى ذلك الأصل خاملاً » بل فقيداً » وذلك منذ القرن الحادي عشر ) .

وقال الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس » مخالفاً جمهور المتقدمين في أنه كتب بالعبرانية أو السريانية : « ان هناك من يقول أنه كتب باليونانية » ثم يرجح أنه ألف باليونانية مخالفاً بذلك أجماع مؤرخيهم . ثم يقول بالنسبة لتاريخ تدوينه : ١‏ ولابد أن يكون هذا الإنجيل قد كتب قبل خراب أورشلم » ويظه البعض ١‏ أن الانجيل ا الي كتب ما بين سنة 5٠0‏ وسنة 55 ») . والحق أن باب الاختلاف في شأن التاريخ لا يمكن سده ء ولا يمكن ترجيح رواية » ولا جعل تاريخ أولى من تاريخ بالاتباع » ولذلك يقول هورن : « ألف الانجيل الأول سنة 1 أو سنة أو سنة 5١‏ أو سنة 47 أو سنة 48 أو سنة 5١‏ أو سنة 57 أو سنة + أو سنة 54 من اليلاد ) . ونقول نحن : ( يجوز غير ذلك » والجمهور على انه كتب بغير اليونانية » ولكن لم يعرف غييها » ول يعرف جمهرة المؤرخين من يكون المترجم » وني أي عصر ترجم » وقد علمت أن ابن البطريق يذكر أن يوحنا هو الذي ترجمه الى اليونانية » ولكن لا نجد أحداً من المؤرخين أيده » بل أن الكثيرين منهم يقولون : ١‏ انه لم يعرف المترجم ) . أثر جهل تارخخ التدوين والمترجم :

8- لا شك أن جهل تاريخ التدوين » وجهل النسخة الأصلية التي كانت بالعبرية » وجهل المترجم وحاله من صلاح أو غين » وعلم بالدين واللغتين التي ترجم عنها والتي ترجم اليها » كل هذا يودي الى فقد حلقات في البحث العلمي » ولقن تسا الباحث في تاريخ التدوين , وتاريخ الترجمة وملابساتها » بعنعنه العلم من الاسترسال في التسامح ء حتى لا يرى أن السلسلة تكون كاملة اذا لم يعرف الأصل الذي ترجم ,

6

فلقد وددنا أن نعرف ذلك الأصل » لنعرف أكانت الترجمة طبق الأصل , أم فيها انحراف » ولنعرف أفهم المترجم مرامي العبارات ومعانيها » سواء أكانت هذه المعاني تفهم بظاهر القول أو باشاراته » أم بلحن القول وتلويحاته » أم بروح المؤلف وغرضه » ومرماه الكلي من الكلام . ولكن عز علينا العلم بالاصل » ولقد كنا نتعزى عن ذلك لو عرفنا المترجم » وأنه ثبت ثقة أمين في النقل . عالم لا يتزيد على العلماء . فقيه في المسيحية حجة فيها » عارف للغتين فاهم لما » مجيد في التعبير بهما » فعندئذ كنا نقول : ثقة روى عن ثقة بترجمته » ونسد الخلة بتلك الرواية » ونرأب الثلمة بتلك النظرة » ولكن قد أمتنع هذا أيضا » فقال جمهرة علمائهم : ان المترجم لم يعرف » فبقيت الثلمة من غير ما يرأبها . انيل مرقس :

يقول المؤرحون أن أسمه يوحنا ويلقب بمرقس » ولم يكن من الحواريين الأثنى عشر الذين تتلمذوا للمسيح » واختصهم بالزلفى اليه » وأصله من اليهود » وكانت أسرته بأورشلم في وقت ظهور السيد المسيح , وهو من أوائل الذين أجابوا دعوته » فاختاره من بين السبعين الذين نزل علهم روح القدس في اعتقادهم من بعد رفعه » وألهموا بالتبشير بالمسيحية » ؟ أطهموا مبادئها . ويقول صاحب كتاب تاريخ الامة القبطية : « وقد أجمعت تقاليد الطوائف المسيحية على أن الرب يسوع كان يتردد على بيته » وأنه في هذا البيت أكل الفصح مع تلاميذه » وفي احدى غرفه حل الروح القدس على التلاميذ » . وجاء في سفر الاعمال : ( ان الرسل بعد صعود السيد المسيح كانوا يجتمعون في بيته ) ولقد لازم مرقس خاله برنابا ١‏ وهو من الرسل ) وبولس الرسول في رحلتهما الى انطاكية وتبشيهما بالمسيحية فيها » ثم تركهما بعد ذلك »

وعاد الى أورشلم 2 ثم التقى مرة أخرى خاله, واصطحبه الى قبرص 2 ثم افترقا » فذهب الى شمال أفريقية ودخل مصر في منتصف القرن الأول : فأقام بها وأخذ يدعو الى المسيحية التى كانت أخبارها قد سبقته اليبا » وقد وجد في مصر أرضا خصبة لقبول دعوته » فدخل فيبا عدد كبير من المصريين » وكان يسافر من مصر أحياناً الى رومة وأحياناً الى شمال أفريقية » ولكن مصر كانت المستقر الأمين له » فأستمر بها الى أن أتتمر به الوثنيون » فقتلوه بعد أن سجنوه. وعذبوه » وكان ذلك سنة 517" من الميلاد » وقد جاء في كتاب مروج الأخبار في تراجم الأبرار أن مرقس كان ينكر ألوهية المسيح هو وأستاذه بطرس الحواري » وقد جاء في ذلك الكتاب عن مرقس : (١‏ صنف إنجيله بطلب من أهالي رومية » وكان ينكر ألوهية المسيح 1 . اللغة التي كتب بها إنجيل مرقس وتاريخ تدوينه والإختلاف فيه وفي الكاتب :

-*١‏ وقد كتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية » ولم نر أحداً من ( قاموس الكتاب المقدس ) أنه كتب الإنجيل باليونانية » وشرح فيه بعض الكلمات اللاتينية . وأخذ من ذلك أنه كتب في رومة » ويجىء مثله في تاريخ ابن البطريق » ففيه : « وفي عصر تارون قيصر كتب بطرس رئيس ال حواريين إنجيل مرقس عن مرقس في مدينة رومية » ونسبه الى مرقس ) .

ونوجه نظر القارىء الى ما قاله ابن البطريق من أن الذي كتب الإنجيل هو بطرس عن مرقس » ونسبه اليه » فكان بطرس راوي مرقس » مع أن الاول رئيس الحواريين - 5 يقول ابن البطريق - والثاني من تلاميذه » كأ جاء في كتاب مروج الأخبار في تراجم الأبرار . وإذا كان

6

ذلك الإتجيل خلاصة علمه بالمسيحية . فإذا رواه عنه أستاذه » فقد روى هذا عن مرقس ما ألقاه عليه وعلمه , وأن ذلك لغريب » ولقد ذكر هذا الأمر صاحب مرشد الطالبين : « قد زعم أن إنجيل مرقس كتب بتدبير بطرس سنة >1١‏ لنفع الام الذين كان ينصرهم بخدمته ) . وقد ذكر الامر بلفظ الزعم ‏ ؛ كأنه لا يصدقه . وأنه لا يراه مقبولاً ٠‏ 5 تراه غريباً ؛ ولكن هكذا يذكر الرواة . وتجوار هؤلاء الذين يقولن أو يزعمون أن إنجيل مرقس كتب بتدبير من بطرس »2 آخرون يقولون ويقرون أن مرقس ما كتب انجيله إلا بعد وفاة بطرس وبولس ». فقد قرر الكاتب القدم أرينيوس : ١‏ ان مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس )

وف الح ان ذلك الاعتلاف , وان كان زا في ظاهرة »هو في معناه ولبه » اختلاف في شخص الحرر لهذا الانجيل . فابن البطريق » وهو من المؤرخين المسيحيين الشرقيين يقرر ان الذي كتبه هو بطرس عن مرقس » ونسبه اليه » وأرينيوس يقرر أن الذي كتبه هو مرقس من غير تدبير بطرس » لأنه كتبه بعد موته » فمن الكاتب اذن ؟ ليس بين أيدينا ما نرجح به احدى الروايتين على الأحرى !. ولنتجاوز هذا الى تاريخ كتابة ذلك الإنجيل » فنجدهم أيضاً قد اختلفوا في زمان تأليفه » وقد قال في ذلك هورن : « ألف الانجيل الثاني سنة ومابعدها الى سنة 5" والأغلب أنه ألف سنة ٠‏ أو سنة 7 ) » ويقول صاحب كتاب مرشد الطالبين : أنه كتب سنة 5١‏ .

إنغيل لوقا:

75- يقولون : ان لوقا ولد في انطاكية » ودرس الطب ء وجح ف ارسته وم يكن من أصل مودي » ولقد رافق بواس في أسفان وأ وأعماله » الاصحاح الرابع من رسالته الى كولوسي يقول : « ويسلم عليكم لوقا

لاه

الطبيب الحبيب ») » وني الاضحاح الرابع من رسالته الثانية الى أهل تيموثاوس يقول : ١‏ لوقا وحده معي ) » وفي رسالته الى أهل فليمون يقول : ( مرقس وارسترخس وديماس ولوقا العاملون معي ») . من هذا كله

يفهم أن لوقا هذا هو الأنطاكي » الطبيب » ومثل هذا جاء في تاريخ ابن ابطريق ؛ ويستنبط القس ابراه سعيد من تكون لوقا طبيً معان كثوة تسمو بانجيله » فيقول : ؛ وكان لوقا طبيباً » وهذه المهنة لها قيمتها الخاصة لأنها تلقي على حياة لوقا نوراً ساطعاً » فترينا أياه البجل العلمي العمل المدقق المحقق » الرقيق الأسلوب » الجميل الديباجة » لأن الرومان م يسمحوا في وقتهم لأحد أن يتعاطى مهنة الطب » إلا لمن جاز امتحانات عدة على جانب عظم من الصعوبة والدقة والخطورة » » ثم يين : ١‏ أن كونه طبيياً قد سرد ولادة المسيح من غير أب سردا طبيعيا هادئاً من غير محاولة التدليل على جوازه » يوذ منه أن ذلك ليس ضد العلم » وان كان فوق متناول العالم » وليس ضد الطبيعة » وأنه فوق مجرى الطبيعة » . ويرجح - 5 قال كثيرون - أنه ولد بانطاكية » ولكن الدكتور بوست يقرر أنه لم يكن أنطاكياً » ويبين أن الذين يقولون أنه انطاكي وهموا ذلك أو ظنوه من اشتباهه بلوكيوس » فيقول : ظن بعضهم أنه ( لوقا ) مولود في انطاكية إلا أن ذلك ناتج من اشتباهه بلوكيوس . وزعم بوست أنه كان رومانياً نش بإيطاليا . ومهنة الطب التي نسب المها ليست أيضا موضع اتفاق » لأ بين المؤرخين المسيحيين من يقررون أنه كان مصوراً .

رومانى ولد بإيطاليا » ومن قائل أنه كان طبياً » ومن قائل انه كان

مصوراً » وكلهم يتفقون على انه من تلاميذ بولس ورفقائه » ولم يكن مر

مه

تلاميذ المسيح » ولا من تلاميذ حوارييه . ولبولس هذا شأن خطير في المسيحية 5 سنبين . من كتب لهم إنجيل لوقا . ولغته , واختلافهم حوله :

ويختلفون أيضاً في القوم الذين كتب هم أُولاً هذا الانجيل . فالقس إبراهيم سعيد يقول : ١‏ انه كتب لليونان » وإنجيل متى كتب لليهود » وإتجيل مرقس يقول كتب للرومان ٠.‏ ولنجيل يوحنا كتب للكنيسة العامة ) . وانا نجد إنجيل لوقا يبتدىء ببذه الجملة : ١‏ اذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا » ما سلمها الينا الذين كانوا منذ البدء معاينين » رأيت أيضاً » اذ قد تبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي اليك أيها العزيز ثاوفيلس » لتعرف صحة الكلام الذي علمت به » . وثاوفيلس هذا يقول عنه ابن البطريق أنه من عظماء الروم » فيقول في ذلك : ١‏ وكتب لوقا إنجيله الى رجل شريف من علماء الروم يقال له تاوفيلا . وكتب اليه أيضاً الأركسيس الذي هو أخبار التلاميذ » وهي الرسالة المسماة أعمال الرسل » وهناك من يقول ان ثاوفيلس هذا كان مصرياً » لا يونانياً » فهو قد كتب للمصريين لا لليونانيين .

ويقول الدكتور بوست في تاريخه : « قد كتب هذا الإنجيل قبل خراب أورشلم وقبل الأعمال » ويرجح أنه كتب في قيصرية في فلسطين مدة أسر بولس سنة - .5 من الميلاد غير أن البعض يظنون أنه كتب قبل ذلك » . ومن هذا يفهم أن بوست يرجح أنه ألفه وبولس حي في الأسر » ولكن يحقق العلامة زو أنه حرر انجيله بعد أن حرر مرقس انجيله » وذلك بعد موت بطرس » وبولس . والواقع أن باب الخلاف في تاريخ تدوين هذا الانجيل أوسع من ذلك , فقد قال هورن : ألف الإنجيل الثالث سنة أو سنة 5 أو سنة 54 .

ولا نترك هذا الانجيل من غير أن نقول ان الباحثين قد اختلفوا في شخصية كاتبه وفي صناعته » وفي القوم الذين كتب طم . ولي تاريخ تأليفه » ولم يتفقوا إلا على أنه ليس من تلاميذ المسيح ولا تلاميذ تلاميذه . ولا على أنه كتب باليونانية . إنجيل يوحنا :

م«م- لهذا الانجيل خطر وشأن أكثر من غيو في نظر الباحث » لأنه الانجيل الذي تضمنت فقراته ذكراً صريحاً لألوهية المسيح . فهذه الألوهية يعتبر هو نص اثباتها وركن الاستدلال فيها . ولذلك كان لابد من العناية به » اذ كان التثليث هو شعار المسيحية » وهو موضع مخالفتها لديانات التوحيد » وأساس التباين بين هذه الديانة وتلك الديانات . ويقول جمهور النصارى : ان كاتب هذا الانجيل هو يوحنا الحواري ابن زبدي الصياد الذي كان يحبه السيد المسبيح » حتى أنه استودعه والدته وهو فوق الصليب » ا يعتقدون » وقد نفى في أيام الاضطهاد الأولى » :ثم عاد الى أفسس » ولبث يشر فيها » حتى توق شيخاً هرما .

هذه خلاصة ما جاء بكتاب مرشد الطالبين » ولكن بحجوار هؤلاء من محققي المسيحيين من أنكر أن يكون كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الحواري » بل كتبه يوحنا اخر لا يمت الى الاول بصلة روحية » وان ذلك الانكار لم يكن من ثمرات هذه الأجيال » بل ابتدأ في القرن الثاني الميلادي » فان العلماء بالمسيحية في القرن الثاني لميلادي أنكروا نسبة هذا الإنجيل الى يوحنا الحواري » وكان بين ظهرانيهيم أرينيوس تلميذ بوليكارب تلميذ يذ يوحنا الحواري » ولم يرد عليهم بأنه سمع من أستاذه صحة تلك النسبة » ولو كانت صحيحة لعلم بذلك حتماً تلميذه بوليكارب » ولأعلم هذا تلميذه أرينيوس » «لأعلن هذا تلك النسبة عندما شاع انكارها . ولقد قال استادلين في العصور المتأخرة : ( ان كافة إنجيل

9

يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الاسكندرية » ولقد كانت فرقة الوجين في القرن الثاني تنكر هذا الانجيل وجميع ما أسند الى يوحنا » ولقد جاء في دائرة المعارف البريطانية التي اشترك في تأليفها خمسمائة من علماء النصارى ما نصه : ١‏ أما انجيل يوحنا فانه لا مرية ولا شك كتتاب مزور أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض . وهما القديسان يوحنا ومتى » وقد ادعى هذا الكاتب الممرور في متن الكتاب أنه هو الحواري الذي يحبه المسيح » فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها » وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواني » ووضعت اسمه على الكتاب نصاً » مع أن صاحبه غير يوحنا يقيناً » ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت | اليه » وانا لنرأف ونشفق على الذين ييذلون منتهى جهدهم لريطوا » ولو بأوهى رابطة » ذلك الرجل الفلسفي - الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني - بالحواري يوحنا الصياد الحليل » فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى لخبطهم على غير هدى ) .

هذا قول بعض الباحثئين من كتابهم : « ومن البدهي أن يعد المتعصبون ذلك القول خروجاً على وجه المسيحية » ولذلك قال أحد هؤلاء المتعصبين . وهو الدكتور بوست راداً على هؤلاء : وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل » لكراهتهم تعليمه الروحي » ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح . غير أن الشهادة بصحته كافية » فان بطرس يشير الى اية منه ( بط ١5 : ١‏ قال يو ١8٠ 7١‏ » واغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه . وكذلك الرسالة الى ديو كنيتس وباسيلوس وجوستينس الشهيد وتانياس » وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها الى منتصف القرن الثاني » وبناء على هذه الشهادات » وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سية يوحنا نحكم بأنه من قلمه » وإلا فكاتبه

11

ع

من المكر والغش على جانب عظم » وهذا الأمر يعسر تصديقه » لآن الذي يقصد أن يفش العام لا يكون روحياً » ولا يتصل الى علم وعمق الأفكار والصلات الموجود فيه » واذا قابلناه بمؤلفات الآباء رأينا بينه وبيتها بوناً عظيماً » حتى نضطر للحكم بأنه لم يكن منهم من كان قادراً على تأليف كذا ء بل لم يكن بين التلاميذ من يقدر عليه إلا يوحنا » ويوحنا ذاته لا يستطيع تاليفه بدون امام من ربه ) .

واذا نظرنا الى هذا القول نظرة فاحصة كاشفة نقسمه قسمين » قسم يعلن به الكاتب شدة 'يمانه وتعصبه لما يشتمل عليه هذا الكتاب وتقديسه . وهو القسم الذي ذكره في عجز قوله » وهو أنه لا يستطيع أحد من الاباء » بل لا يستطيعه أحد من الحواريين » بل لا يستطيعه الكاتب نفسه إلا بالهام من ربه » ويلحق بهذا الحزء ما سبقه مما يماثئله » فان من الخطأ أن يعد ذلك برهنة واحتجاجاً » فانه ليس فيه أية محاولة ها . أما القسم الثاني فهو ما يصح أن يعتبر محاولة للاستدلال وهو ما ذكر في صدر قوله » فانه يقرر الاتفاق بين نص جاء فيه » ونص جاء في رسالة بطرس الثانية . فهو يقول : ان الفقرة الرابعة عشرة من الاضحاح الأول ونصها مع الفقرة التي قبلها : ٠‏ ولكني أحسبه حقاً ما دمت في هذا المسكن أن أمبضكم بالتذكرة - ١4‏ - عالماً أن خلع مسكني قريب » ا أعلن ربنا يسوع المسيح أيضاً » موافقة للفقرة الثامنة عشرة من الاصحاح الحادي والعشرين من إنحيل يوحنا ونصها : « الحق الحق أقول لك لما كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذلك » وتمشبي حيث تشاء » ولكن متى شخت فانك تمد يدك , واخر يمنطقك » ويحملك بحيث لا تشاء ) .

ونحن لا نجد موافقة بين الفقرتين لا في اللفظ ولا في المعنى » واستولى علينا العجب من ادعاء الموافقة » ولا جامع بينهما » فظنا أن هناك خطأً

57

فيما كتبه الدكتور بوست » وقلنا لعله يريد الرسالة الأو لا الرسالة الثانية » فرجعنا الى الفقرة الرابعة عشرة من الاصحاح الأول من الرسالة الأولى » فوجدنا نصها هي وما قبلها هكذا : « لذلك منقطوا أحقاء ذهدكي صاحين فألقوا رجاءم بالقام على النعمة التي يوت بها اليكم عند استعلان يسوع المسيح كاولاد الطاعة ‏ ولا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم ) . وهنا نجد بعضاً من الموافقة في اللفظ . والموافقة في المعنى » فرجحنا أنه أراد هذه الرسالة » وسبق قلمه فدون الثانية بدل الأول » وعلى ذلك نناقش القول على أساسها » وأُساس المناقشة ما نعرفه من أن المتأخر ان وافق قوله من سبقه يكون قوله شهادة للسابق , ولا يكون قول السابق شهادة له . وأمهما أسبق تدوينا رسالة بطرس أم إنجيل يوحنا » وقد اتفق مؤرخو النصرانية على أن بطرس قتله نيرون » ويقول في ذلك ابن البطريق : « وأخذ نارون قيصر لبطرس فصابه منكساً وقتله , لأ بطرس قال له : ان أردت أن تصلبني فاصلبني منكساً لكلا أتشبه بسيدي المسيح » فانه صلب قائماً » .. وعاش بطرس بعد السيد المسيح اثنتين وثلاثين سنة , فكأن بطرس قتل بعد ميلاد المسيح بنحو

> لأن المسيح صلب في اعتقادهم , وله ثلاث وثلاثون سنة » يضاف اليها اثنتان وثلاثون سنة عاشها بعده بطرس . ومن المؤكد أن انجيل يوحنا كتب بعد ذلك » فقد كتب سنة 85 أو سنة /4 على ما اعتمد الذكتور بوست . فاذا وجدنا اتفاقاً بين ما كتب في هذا الانخيل » وما جاء في رسالة بطرس يجب أن يكون كاتب هذا الانجيل شاهداً لبطرس ء لا أن بطرس شاهد له » وشهادة انجيل يوحنا لا قيمة ها » لأمها شهادة انجيل في نظر من أنكروه مجهول غير معروف يحتاج الى دليل » فلا حجة في هذا الأمْر » وعلى ذلك يكون الأمْر في غيه من الشهادات . وسنبين عند مناقشة كتبهم كثيراً من أوجه النقد فيها .

و

تأريخ تدوين هذا الإنجيل وسبب تدوينه :

5- ولقد اختلف المسيحيون في تاريخ تدوين هذا الإنجيل اختلافاً بيناً . فالدكتور بوست يرجح أنه كتب سنة 45 أو سنة 4/8 وقيل سنة 5 » ويقول هورن في تاريخ تدوين ذلك الإنجيل : ألف الإنجيل الرابع سنة 58 أو سنة 5-9 أو سنة 7٠١‏ أو سنة 64 أو سنة 98 من الميلاد ) اذن فليس هناك تاريخ محرر لتدوين هذا الإنجيل » كا أنه ليس هناك بيان قد خلص من الشك بحقيقة كاتبه » وقد علمت ما في ذلك .

ولقد قالوا انه كتب لغرض خاص , وهو أن بعض الناس قد سادت عندهم فكرة أن المسيح ليس بإله » وأن كثيرين من فرق الشرق كانت تقرر تلك الحقيقة » فطلب الى يوحنا أن يكتب إنجيلاً يتضمن بيان هذه الألوهية » فكتب هذا الإنجيل » وقد قاله جرجس زوين اللبناني فيما ترجمه : ( ان شيرينطوس وأبيسون وجماعتهما لا كانوا يعلمون المسيحية بأن المسيح ليس إلا أنساناً » وأنه لم يكن قبل أمه مريم فلذلك في سنة 5 اجتمع عموم أساقفة اسيا وغيرهم عند يوحنا واتمسوا منه أن يكتب عن المسيح , وينادي بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون » وأن يكتب بنوع خصوصي لاهوت المسيح ) قال يوسف الدبس الخوري في مقدمة تفسيو : ( من تحفة الجبل ) ان يوحنا صئف إنحجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس اسيا وغيرها » والسبب أنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح » فطلبوا منه اثباته وذكر ما أهمله متى ومرقس » ولوقا في أناجيلهم » وقال صاحب مرشد الطالبين : انه لا يوجد اتفاق بين العلماء يضبط السنة التي فيبا كتب يوحنا إنجيله » فان بعضهم يزعم أنه كتبه في سنة 5 قبل خراب أورشليم » واخرون ممن يوجد فيبم بعض الأقدمين يرون بكتابته في سنة 94/8 » وذلك بعد رجوعه في النفي » فالمقصد بكتابته أبقاء بعض مسامرات المسيح الضرورية ذات

55

التروي ما لم يذكره باتي الانجليين » وافناء لبعض هرطقات مفسدة , أشهرها معلمون كذبة في شأن ناسوت المسيح وموته » وخاصة ترسيخ النصارى الأوائل في الاعتقاد بحقانية لا ت وناسوت رهم وفاديهيم وتخلصهم . وقد قيل ان يوحنا لم يؤلف انجيله إلا بعد صلاة عامة قلبية مع التبعية لأجل أن يوحيه الروح القدس بذلك » .

ما يستنبط من سبب كتابته :

5- من هذه النقول يستفاد أن كتاب النصارى يجمعون أو يكادون على أن الانجيل المنسوب الى يوحنا كتب لاثبات ألوهية المسيح التي اختلفوا في شأنها » » لعدم وجود نص في الاناجيل الثلاثة يعينها . وهنا لا يسع القارىء لتلك النقول إلا أن يستنبط أمرين : (أحدهما صرخ وهو أن الاناجيل الغلاثة لأولى ليس فيا ما يدل على ألوهية المسيح » أو هي كانت كذلك قبا ل تدوين الانجيل الرابع بع على الأقل » وهذه حقيقة يجب تسجيلها » وهي أن النصارى مكثت أناجيلهم نحو قرن من الزمان ليس فمها نص على ألوهية المسيح » (وثانيهما) أن الأساقفة اعتنقوا ألوهية اسبح قبل وحود الانجيل الذي يدل عليها » ويصرح بها » ولما أرادوا أن يحتجوا على خصومهم » ويدفعوا هرطقتهم في زعمهم لم يجدوا مناصاً من أن يلتمسوا دليلاً ناطقاً ينبت ذلك » فاتجهوا الى يوحنا » فكتب م يقولون اتجيله الذي يشتمل على الحجة » وبرهان القضية , والبينة فيا على زعمهم » وهذا ينبىء عن أن الاعتقاد بألوهية المسيح سابق لوجود نص في الكتب عليه » وإلا ما اضطروا اضطراراً الى انيل جديد طلبوه افتقدوه » فلما لم يجدوا طلبوا من يوحنا أن يكتبه » ولكن الواقع أن رسائل الرسل التي كتبت في قوهم قبل هذا الانجيل » فيها ما ينبىء عن ألوهية المسيح » ويعلنها » أفلم تكن فيها حجة لا تجعلهم في حاجة ماسة الى اتجيل جديد » وفيها غناء من البيان يغنهيم عن سواه أم لعل تلك

56

الرسائل المشتملة على هذه الألوهية كتبت بعد هذا الانجيل ليؤيدوه بها » وليغبت ما ألى به» ويرسخ في نفوس المسيحيين » ثم نسبت الى السابقين .

هذا تنبيه حمل اضطرنا سياق البحث لبيانه قبل أوانه » وفي غير مكانه » وله في البحث موضع » يغني فيه الاجمال عن التفصيل . هذه الأناجيل لم تنزل على عيسى عليه السلام :

هله هي الأناجيل التي ذكرناها كا كتب النصارى ٠:‏ لا يعتقد غيرهم » وسنلقي عليها نظرة علمية بعد الكلام في بقية الكتب » ولكن يجدر بنا هنا أن ننبه الى أن هذه الأناجيل ليست نازلة على عيسى عليه السلام في نظرهم » وليست منسوبة له » ولكنها منسوبة لبعض تلاميذه » ومن ينتمي المهم » وهي تشتما على أخبار المسيح وقصصه »

ومحاوراته » وخطبه » وابتدائه ونهايته في الدنيا كا يعتقدون هم . ايل عيسى :

ولكن هل هناك إنجيل غييها يعد انجيل عيسى ؟ وهل في كتابات الباحئين من النصارى ما يدل على ثبوت هذا الانجيل » وان كنا لا نجده؟ نجد في هذه الأناجيل عبارات تذكر كلمة انجيل أو , بشارة ( وهي ترجمة لكلمة إنجيل باليونانية ) مضافة أحياناً الى المسيح على أنه ابن الله » وأحياناً الى الله » وأحياناً الى ملكوت الله » فنرى مثلاً في انجيل متى في الاصحاح الرابع منه ما نصه : « وكان يسوع يطوف كل الحليل يعلم في مجامعهم » ويكرز ببشارة الملكوت . ويشفي كل مرض » وكل ضعف في الشعب ») » وبشارة الملكوت هي ترجمة كلمة اتجيل باليونانية » ونرى في انجيل مرقس في الاصحاح الأول منه :‏ وبعد ما أسلم يوحنا جاء يسوع الى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله » ويقول : قد كمل الزمان » واقترب

ك5

ملكوت الله » فتوبوا وامنوا بالانجيل » وجاء في رسالة بولس الى أهل رومية في الاضحاح الأول منها : (١‏ أولاً اشكر المي يسوع المسيح من جهة جميعكم » ان ايمانكم نادي به في كل العالم » فان الله الذي أعبد | موسي ف جيل ايند شاهد لي كيف بلا انقطاع أذكرم ).٠٠‏ ونجيء في رسالته الأآلى الى لى أهل كورنثوس في اصحاحها التاسع : « بصرت الضعفاء كضعيف لأيح الضعفاء » صرت للكل كل شيء لأخعلص على كل حال قوما » وهذا أنا أفعله لأجل الانجيل : » لأكون شريكاً فيه » ففي هذا كله نجد كلمة انجيل أو كلمة بشارة ( وهي ترجمة كلمة إنجيل باليونانية ) مضافة الى ملكوت الله » كم في انجيل متى ومرقس . وانجيل الابن 5 في رسالة بولس الى أهل رومية » وكلمة الانجيل من غير اضافة م في انجيل مرقس » ورسالة بولس الى أهل كو رنثوس الأول ؛ ولا شك أن الاتجيل المذكور في كل هذا ليس واحداً من هذه الأناجيل لأما لا تضاف إلا الى اصحابها باتفاق النصارى , ولأ المسيح قد وعظ بهذا الإنجيل جاء في عبارة متى التي نقلناها ولم يكن واحد من هذه الأناجيل قد وجد في عهده بالاتفاق » وليس من المعقول أن يعظ بأقواله تلاميذه » وهم بعد لا يزالون في دور التعلم » ولأ هذا الاثجيل قد ذكر في هذه الأناجيل على أنه كان قائما نما في عهد عيسى » ولأنه ذكر من غير نسبة ؟] في انجيل مرقس ورسالة بولس الأول الى أهل كورنثوس » وليس واحد من هذه اليعة تنصرف اليه كلمة انجيل من غير نسبته الى صاحبه » ولأنه ذكر في رسالة بولس الى أهل رومية منسوباً الى المسيح الابن »؛ ولينس واحد من هذه الأناجيل يستحق هذا الاسم . لهذا كله نقول : ليس هذا الاثجيل واحدأ منها كا تقضي بذلك طبيعة السياق » وك يقضبي بذلك العقل , واذا كان الأمر كذلك » ٠‏ فهل لنا أن نفهم أن هناك

انجيلا أصيلاً نزل على عيسى عيسى وكرز به على حد تعبيرهم ووعظ . ويعتبر الأصل هذه الديانة ؟.

ا

أقوال علماء النصرانية في انجيل عيسى :

ولقد. يمهد لذلك الرأي » ويرشح له - اننا وجدنا من مؤرخي المسيحية الاحرار الذين لم يقيدهم في تحشر ١‏ العلم والحقائق التاريخية من يصرحون بأنه كانت في القرن الأهل رسالة تعتبر أصلا هذه الأناجيل فيما جاء به المسيح . وخلاصة أحواله » وهذا ترجمة ما قاله نارين في كتاب له : ( قال أكهارن في كتابه : انه انان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال انها هي الانجيل الأصلى , والغالب أن هذا الانجيل كان للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذائهم » ولم يروا أحواله بأعينهم . وكان هذا الانجيل بمنزلة القلب » وما كانت الأحوال المسيحية مكتوبة فيه على الترتيب © .

اذن فهؤّلاء الأحرار يقررون أنه كان هناك انجيل يعد من المسيحية بمنزلة القلب » ولكنه غير موجود . فهل لنا أن نقول ان ذلك الانجيل هو المشار اليه في أقوال متى » ومرقس » وبولس السابقة » وهو الذي نزل على عيسى , أهو انجيله وانجيل الله ؟ ليت » وهل ينفع شيئاً ليت » ليت هذا الانخيل كان قائما » وحرصت الكنيسة على بقائه . وقامت بحياطته » ليكون فيصلاً بين امختلفين » وحكما بين الفرق والمفترقين » وليكون قسطاس المجامع القديمة والحديثة التي حكمت حين الانشقاق » وليكون مصدراً علمياً لمن يكتب في المسيحية الأولى . ويتبعها في مدارجها في أحقاب الزمن » وملابسات التاريخ . إنجيل برنابا :

97م- لقد كتبنا خلاصة ما بينه المسيحيون في أناجيلهم الأربعة , واستنبطنا من نصوصها ما يدل على وجود انجيل أصيل » هي منه الفرع من الأصل . على أن في ذلك كلاماً قد طويناه الى موضعه من القول ,

38

وقد أيدنا في استنباطنا بعض الأحرار المسيحيين » واستنبطوا قريباً مما استنبطنا » وقبل أن نغادر الكلام في الأناجيل الى الكلام في الرسائل يجدر بنا أن نتكلم في انجيل جديد قد كشف عنه البحث العلمي » وقد حمل من الامارات ما يدل على أنه في نشآته يمتد الى أبعد أعماق التاريخ المسيحي , وأبعد أغواره » وهو يشبه الأناجيل القائمة في أنه قصة المسيح من ولادته الى اتهامه . ويحكي محاوراته » ومناقشاته وخطبه » ولكن الكنيسة لم تعترف به وأنكرته » فليس معتباً عند المسيحيين مصدراً دينياً » ولكنه متداول بين علماء الأثم الأوربية » وقد اتجهو اليه بالبحث والعناية » والاههام » ولم يمنعهم من ذلك انكار الكنيسة له . ذلك الانجيل هو انجيل برنابا » ومن الحق علينا أن ندرسه » ونعرف رأي المسيحيين فيه » ريما يؤدي اليه النظر العلمي من غير أفتيات عليهم ولا مهجم , ومن غير أن نقحم أنفسنا فيما ليس لنا من املاء عقيدة على القوم في ديهم .

برنابا:

74-- جاء ذكر برنابا في رسالة أعمال الرسل التي ينسب تدوينها الى لوقا . فقد جاء ني الاصحاح الرابع من تلك الرسالة : ٠‏ ويوسف الذي دعى من الرسل برنابا الذي يترجم ابن الوعظ . وهو لاوي قبرصِي الجنس . اذ كان له حقل باعه وأقى بالدراهم » ووضعها عند أرجل الرسل ») » وجاء في الاصحاح التاسع عند الكلام عن ايمان شاول - وهذا هو الذي اشتهر بعدئذ باسم بولس الرسول - أن برنابا هو الذي شهد له بالايمان » وهو نص ما جاء فيه : ( ولما جاء شاول الى أورشلم حاول أن يلتصق بالتلاميذ . وكان الجميع يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ » فأخذه برنابا وأحضه الى الرسل . وحدثهم كيف أبصر الرب في الطريق » وأنه كلمه » وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع » ولقد ذكر

3

ذلك السفر أيضاً انه كانت ترسله الكنيسة للوعظ والهداية » وفي الاصحاح الحادي عشر : ( فسمع الخبر عنهم في اذن الكنيسة التي في أورشلم » فأرسلوا برنابا يجتاز الى انطاكية » الذي لا أقى » ورأى نعمة الله فرح ووعظ أن يثبتوا في الرب بعزم القلب . لأنه كان رجلا صا حاً » ويمتلقاً من الروح القدس والايمان » فانضم الى الرب جمع غفير ثم خرج برنابا الى طرسوس ليطلب شاول . ولما وجده جاء به الى انطاكية ... ) » ويزعمون أن الروح القدس خاطبه واختصه بالخطاب هووبولس ( شاول ) من بين الأنبياء والمعلمين » فقد جاء في الاضحاح الثالث عشر من رسالة الأعمال : « وكان في أنطاكية في الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون : برنابا وسمعان الذي يدعى نيجر » ولوكبوس القيرواني . ومنابن الذي تربى مع هيرودس رئيس الربع » وشاول .

وبيها هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس : افرزوا لي برنايا وشاول للعمل الذي دعوتهما اليه » فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأْادي ثم أطلقوهما » فهذان . اذ أرسلا من الروح القدس انحدرا الى سلوكية » ومن هناك سافرا في البحر الى قبريص . ولما سارا في سلاميس ناديا بكلمة الله في مجامع اليبود » وكان معهما يوحنا خادماً » وقد استمر برنابا وبولس متصاحبين في التبشير بالديانة المسيحية في قبرص . وحدثت على أيديهما المعجزات » حتى زعم الناس أنهما إهان . وجاء فيه عن بيان وقع الخبر عليهما : فلما مع الرسولاك برنابا وبولس مزقا ثياهما » واندفعا الى الجمع صارخين وقائلين : ١‏ أيها الرجال لماذا تفعلون هذا ؟ نحن بشر تحت الام مثلكم , نبشرك أن ترجعوا من هذه الأباطيل الى الإله الحي الذي خلق السماء والارض والبحر وكل ما فيها » الذي في الاجيال الماضية ترك جميع الأنم . مع أنه لم يترك نفسه بلا شاهد ) .

ومن هذا كله يتبين أن رسالة الأعمال تشهد أن برنابا كان من

0

الرسل في اعتقادهم . الذين أخلصوا للدعوة الى المسيحية » حتى باع كل ما يملك ؟ والقى بثمنه بين أيدي الرسل يتصفون به في سبيل نشر الدعوة » وينفقونه في حاجات الجميع : وأنه هو الذي شهد لبولس بالايمان » وان الكنيسة أرسلتهما مبشرين بالمسيحية في قبرص بعد أن أرسلت برنابا وحده الى أنطاكية . وأن برنابا كان رجلاً صا حاً ممتائهاً من الروح » وأن الروح القدس خصه بعناية من بين الرسل والمعلمين ا يعتقدوك .

وينص بولس في رسالته الى أهل كولومبي في أصحاحها الرابع على أن مرقس صاحب الانجيل ابن أخت برنابا » فيقول : ١‏ يسلم عليكم ارسترخص المأسور معي » ومرقس ابن اخحت برنابا الذي أخذتم لأجله ان أي اليكم فاقبلوه )

ولقد كان مرقس هذا يصاحب خاله وبولس في سفرهما للدعاية والوعظ . ولقد افترقا بسبب ارادة برنابا أن يصحببهما ابن أخته في الطواف في المدن التي سبقت اليا الدعاية » ومخالفة بولس لذلك . ولذلك جاء في رسالة الأعمال في أصحاحها الخامس عشر ما نصه : « ثم بعد أيام قال بولس لبرنابا : لنرجع ونعتقد اخواننا في كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب » كيف هم ؟ فأشار برنابا أن يأخذ معهما أيضاً يوحنا الذي يدعى مرقس » وأما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما من بمفيلية » ولم يذهب معهما للعمل لا يأخذانه معهما » فحصل بينبما مشاجرة , حتى فارق أحدهما الآخر » وبرنايا أخحذ مرقس وسافر في البحر الى

قيص , وأ ما بولس فاختار سيلا » وخرج مستودعاً من الأخوة الى نعمة الله » .

ولقد أشرنا الى الصلة بين برنابا ومرقس صاحب الانجيل عند الكلام في انجيل مرقس », ونقلنا من كتب المسيحيين ما يدل على ان مرقس

ل

هذا » وهو حجة عندهم باتفاق , كان ينكر ألوهية المسيح » هو واستاذه بطرس » وقد نقلنا عن مروج الأخبار في تراجم الأبرار ما يدل على ذلك .

هل برنابا من الحواريين الاثنى عشر :

8- هذا هو برنابا » قديس من قديمى المسيحيين باتفاقهم » ورسول من رسلهم ٠‏ وركن من الأركان التي قامت عليها الدعاية للمسيحية الأولى » وقد وجد انجيل باسمه يدل على أنه كان من الحواريين الذين اختصهم المسيح بالزلفى اليه » والتقرب منه . وملازمته في سرائه وضرائه » ولكن كتب المسيحيين غير هذا الإنجيل لا تعده من هؤلاء الحواريين وان كانت تعده من الرسل الذين يبلغون مكانة الحواريين في هذا الدين بعد المسيح . ومهما يكن من شيء في هذا الأمر » وهو كونه من الحواريين أو ليس منهم . فان برنابا حجة عند المسيحيين » وهو من الللهمين في اعتقادهم . فان صحت نسبة هذا الانجيل اليه كان ما يشمله حجة عليهم » يدعوهم الى أن يوازنوا بين ما جاء فيه وما جاء في غيه من كتبهم » ويؤخحذ بما هو أقرب الى التصور والتصديق » وأصح سندااء وأقرب بالمسيحية الاؤلى رحما . فلندرس الآن أقدم نسخة عرفت في العصر الحديث .

اتفق المؤرخون على أن أقدم نسخة عثروا عليها لهذا الانجيل » نسخة مكتوبة باللغة الايطالية » عثر عليها كريمر أحد مستشاري ملك بروسيا » وذلك في سنة ١7١9‏ وقد انتقلت النسخة مع بقية مكتبة ذلك المستشار في سنة ١7/8‏ الى البلاط الملكى بفيينا . وكانت تلك النسخة هي الأصل لكل نسخ هذا الانجيل في اللغات التي ترجم اليا .

ولكن في أوائل القرن الثامن عشر ٠‏ أي في زمن مقارب لظهور النسخة الايطالية وجدت نسخة أسبانية ترجمها المستشرق سايل الى اللغة

ع

الانجليزية » ولكن لم يعلم من تلك النسخة وترجمتها الا شذرات أشار اليها الاسبانية الى تلك اللغة مسلم نقلها من الايطالية الى الاسبانية .

ولقد رجح المحققون أن النسخة الايطالية هي الأصل للنسخة الأسبانية » وذلك أمها قد قدمت بمقدمة تذكر أن الذي كشف النقاب عن النسخة الايطالية التي كانت أصلاً للنسخة الأسبانية راهب لاتيني اسمه فرامينو وأنه يقص قصصها . فيقول : « انه عثر على رسائل لأيريانوس وفيها رسالة يندد فيها بما كتبه بولس الرسول . ويسند تنديده الى انجيل برنابا » فدفعه حب الاستطلاع الى البحث عن إنجيل برنابا . وقد وصل الى مبتغاه لما صار أحد المقربين الى البابا سكتس الخامس . فانه عثر على ذلك الانجيل في مكتبة هذا البابا » فأحفاه بين أردانه » وطالعه » فأعتنق الإسلام » ويظهر أن تلك النسخة هي نفسه النسخة التي عثر عليها سنة 1709 .

ويقول في ذلك الدكتور سعادة مترجم الانجيل الى العربية : ١‏ اذا تحريت التاريخ وجدت أن زمن البابا سكتس المذكور نحو مغيب القرن السادس عشر . وقد علمت مما مر بك بيانه أن نوع الورق الذي سطر فيه انما هو ورق ايطالي يمكن تعيين أصله من الاثار المائية التي فيه » والتي يمكن اتخاذها دليلاً صادقاً على تاريخ النسخة الايطالية والتاريخ الذي يحدسه العلماء من كل ما تقدم بيانه يتراوح بين منتصف القرن الخامس عشر » والسادس عشر » وعليه فمن الممكن أن تكون النسخة الايطالية هي عينها التي اختلسها فرامينو من مكتبة البابا على ما مرت الاشارة اليه ) . ١‏

07

الكلام في صحة تسمية هذا الانجيل : ٠غ-‏ أقدم نسخة معروفة اذن هي النسخة الايطالية التي عر عليها

في فجر القرن الثامن عشر . ولكن وجودها يمتد الى منتصف القرن الخامس عشر أو أول القرن السادس عشر » وقد وجدت في جو مسيحي خالص » فلا مظنة لأن تكون مدخولة عليهم .

فأول من عقر عليها في خزانة كتبه رئيس ديني خطير . وكاشفها راهب » وما تداولتها الأيدي انتقلت الى مستشار مسيحي من مستشاري ملك بروسيا » ثم الت الى البلاط الملكي بفيينا فلا مظنة لأن تكون مدخولة عليهم ؛ وهي منسوبة لقديس من القديسين هو برنابا وم يعرف بهذا الأسم سواه » له مثل مكانته الدينية . ولقد كان وجود انجيل له أمرا معروفاً بين العلماء بهذا الدين . فهذا فرامينو يقول انه طلع على رسالة لأريانوس يستنكر ما كتب بولس مستشهداً على استنكاره بانجيل برنابا .

ويذكر التاريخ أن هناك أناجيل كثية حرمت قراءتها الكنيسة - م أشرنا من قبل » ويقول الدكتور سعادة : « يذكر التاريخ أمراً أصدره البابا جلاسيوس الأول الذي جلس على الأريكة البابوية سئة 447 ميلادية يعدد فيه أسماء الكتب المنبى عن مطالعتها » وفي عدادها كتاب يسمى انجيل برنابا » ويذهب بعض العلماء المدققين الى أن أمر البابا جلاسيوس المنوه عنه انما هو برمته تزوير ) .

ولكن التاريخ أصح وأصدق من قول هؤّلاء العلماء » وان كانوا محققين » فأقوال العلماء والمؤرخين تترى في ترم قراءة أناجيل كثية . فاذا فعل ذلك البابا جلاسيوس فقد سار على سنة أسلافه » وجرى على سنته من بعده أخلاف , واذا صح ذلك الأمر - ما يشهد التاريخ » وم تنبىء عنه المقدمات والنتائج . فان انجيل برنابا كان معروفا متداولا قبل بعئة النبي عَيُهِ بأكثر من قرنين .

5

وزعم الدكتور سعادة بأنه لو كان معروفاً في ذلك الابان لعرفه النبي عه واحتج به , أو أخذ منه - زعم باطل - لأن النبي عَيُةِ كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب » ولم يقم في البلاد د التي سادتها المسيحية آماداً تمكنه من المعرفة والاطلاع . ولا مضبي قرنين من الزمان بعد التحريم يجعل التحريم ينتج أثره » فيخفى ما كان ذائعا » ويدفن ما كان معلوما مشهورا فمائتان من السئين تكفي لطمس الموجود » وتعفية اثار المفقود .

وان المسيحيين يجدون فيما اشتمل عليه ذلك الانجيل أخباراً دقيقة عن التوراة حتى لقد يقول الدكتور سعادة : « انك اذا أعملت النظر في هذا الانخيل وجدت لكاتبه الماماً عجيباً بأسفار العهد القديم لا تكاد تجد لما مثيلاً بين طوائف النصارى إلا في أفراد قليلين من الاحصائيين الذين جعلوا حياتهم وقفاً على الدين » كالمفسرين » حتى انه ليندر أن يكون بين هؤلاء أيضا من له المام بالتوراة يقرب من المام كاتب انجيل برنابا ») . ترجيح صدق النسبة في هذا الاغيل :

-١‏ هذه بينات شاهدة - وان لم تبلغ اليقين والجزم - بأن نسبة هذا الانجيل الى برنابا نسبة يرجح أن تكون صحيحة » لأنه وجدت نسخته الأولى في جو مسيحي خالص », وكان معروفاً قبل ذلك بقرون أن لبرنابا انجيلاً » وهو يدل على أن كاتبه على المام تام بالتوراة التي لا يعرفها الرجل المسيحي غير الاختصاصي في علوم الدين » بل يندر من يعرفها من المختصين » وأن برنابا كان من الدعاة الأولين الذين عملوا في الدعوة عملاً لا يقل عن عمل بولس » كا تذكر رسالة أعمال الرسل » فلابد أن تكون له رسالة أو انجيل .

هذه بينات تشهد بأن الانجيل الذي كشف وعرف صحيح النسبة » ليس للمسلمين يد فيه » وأن من ينحله للمسلمين كمن يحمل في يده

شيئاً يظن في حمله اتهاماً له . فيسند ملكيته الى غيو نفياً للعهمة عن نفسه . فهل يقبل منه ذلك النفي من غير حجة ولا دليل سوى أن فيه اعهاماً له ؟ وهل يقر القضاء ذلك النفى ؟ .

قد يقول قائل : ان هذه البينات كلها مرجحة وليست يقينية » ونحن نقول ان أكثر مسائل التاريخ ترجيح » وليست يقينية جازمة » فاذا كانت نسبة انجيل برنابا اليه ظنية تقبل الاحتال فانا نأخذ بذلك الظن » لأنه المأخذ في أكثر مسائل التاريخ » والاحمّال الذي لا ينشأ عن دليل لا يلتفت اليه » بجوار الاحهال الناشىء عن دليل » ووجود ذلك الانجيل بلغة مسيحية وبين ظهراني المسيحيين » وني مكاتبهم الخاصة دليل على أن المسلمين ليست لهم يد فيه » ولذلك رجح جمهور المحققين أنه ليس لهم يد في انشائه .

ولكن زعم بعضهم أن أصله عربي » وهو زعم ليس له دليل » وعلى مدعي ذلك الاصل أن يبرزه » ويبين تاريخ تدوينه » ومقدار نسبته .

ولكن الدكتور سعادة يزعم أن أصله عربلي بدليل أنه وجد على النسخة الايطالية تعليقات عربية » وأنه صرح في التبشير باسم النبي » مع أن المعهود في البشارات الرمز لا النص .

ونحن نرد الأول بأن وجود تعليقات عربية يدل فقط على أن بعض من قرأ هذه النسخة يعرف العربية على ضعف فيها لأنه مستقم التعبير أحياناً قليلة » وسقم العبارة في أحيان كثية . ومن الغريب أن يتخذ من التعليقات العربية دلالة على أصله الإسلامي . ولا يتخذ من صلبه الايطالي دليلاً على أصله المسيحي .

أما كون التبشير بالنبي مُه صريحاً فيه وليس بتلميح فنحن لا نسلم بأن كل التبشيرات في الكتب الدينية تلميح . نعم بعضها رمز وتلميح ,

كل

ولكن ليس معنى ذلك نفي الصري » وعلى فرض أن كل تبشير تلميح لا تصريح » فالنص الايطالي الذي بين أيدينا ترجمة لا نص » وعسى أن يكون المترجم فهم المعنى » فلم يسعفه في لغته التلميح » فنطق بالتصريح كا يفعل المسيحيون في كثير مما ترجموا من كتب أصلها عبري .

ومن المؤكد أن ذلك الانجيل لم يكن معروفاً عند المسلمين في غابرهم وحاضهم , لأ المناظرات بينهم وبين المسيحيين كانت قائمة في كل العصور » ولم يعرف أن أحداً احتج على مناظره المسيحي بهذا الانجيل ) مع أنه فيه الحجة الدامغة التي تفلج المسلم على المسيحي » فدعوى وجود نسخة عربية كانت هي الأصل للنسخة الايطالية » فوق أعها لا دليل عليها مطلقاً , ولو بطريق الوهم هي تناقض أخبار التارخ الإسلامي مناقضة تامة , والا احتج المجادل عن الإسلام بها . ففيها أقوى دليل » والتاريخ لم يحفظ ذلك » وهذي سجلاته ليستنبطوها . وليعرفوا دخائلها » فلن يجدوا شيئاً يمكن دعواهم ويثبت قضيتهم . قيمة انجيل برنابا من حيث ما اشتمل عليه :

؟4- وانجيل برنابا هذا يمتاز بقوة التصوير » وحمو التفكير,

والحكمة الواسعة » والدقة البارعة » والعبارة المحكمة » والمعنى المنسجم ء حتى انه لو لم يكن كتاب دين لكان في الادب والحكمة من الدرجة

الأولى » لسمو العبارة وبراعة التصوير .

ولاذا أنكره المسيحيون مع أن قوة النسبة فيه لا تقل عن قوة النسبة في كتبهم الأأيعة كا ذكرنا » ان لم تكن أقوى ؟ الجواب عن ذلك أن المسيحيين رفضوه لأنه خالف أناجيلهم ورسائلهم 2 مسائل جوهرية 6 العقيدة .

ولقد كنا نظن أن ظهور ذلك الإنجيل كان يحمل الكنيسة على

اا

التفكير من جديد ف مصادر الدين ( لتعرف أي الكتب أقرب نسباً بالمسيحية الأول ٠»‏ أذلك الانجيل بما خالف , أم الرسائل والأناجيل التي توارثتها ؟ ولكنهم سارعوا الى الرفض والأنكار . 5] سبق أسلافهم الى انكاره من قبل . تخالفة ابييل برنابا لما عليه المسيحيون

والأمور التي خالف ذلك الانجيل فيها ما عليه المسيحيون الآن تتلخص في أربعة أمور :

أوشا : انه م ير السب ابن ال ول يع ل ء وقد ذكر ذلك في مقدمته فقال : « أيها الأعزاء ان الله العظم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام بنبيهة يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعلم 34 والايات التى اتخذها الشيطان ذريعة لتضليا ل كثيرين بدعوى التقوى » مبشرين بتعلم شديد الكفر . داعين المسيح ابن الله » ورافضين الختان الذي أمر به الله دائماً : ٠»‏ محوزين كل لحم نجس 2 الذين ضل ف عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأبى وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته (

ويقول في اخر الفصل الثالث والتسعين : « أجاب الكاهن ان اليو دية قل اريت لاياتك تعليمك الى م 0 بأنك أنت والملك خورودس فنرجوك دعن كر قلبنا ١‏ أن ترضى بازالة ١‏ 5 ّ ارت بسببك لأك فريقً يقول ل اك لله وآخر ينول انك ابن الله وقول سيا مسا : أ ايودي الشقية ال للها لان »ولول جه

,2ق‎

هذا عاد فقال : ١‏ اني أشهد أمام السماء » وأشهد كل ساكن على الأض أني بريء من كل ما قال الناس عني من أني أعظم من بشر » لأني بشر مولود من امرأة » وعرضة الحكم الله . أعيش كسائر البشر . عرضة للشقاء العام )

ويقول في الفصل السبعين : ١‏ أجاب يسو 0 بغضب قائلً : أذهب . وانصرف عني ع ا 0 تسبيء إلي ) .

(الاآمر الناني) : ان الذبيح الذي تقدم به إبراهم الخليل عليه السلام للفداء هو إسماعيل » وليس باسحاق » كا هو مذكور في التوراة » وك يعتقد المسيحيون . هذا نص ما جاء في انجيل برنابا على لسان المسيح عليه السلام : « الحق أقول لكم أنكم اذا أمعنتم نتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلموا خحبث كتبنا وفقهائنا » أن الملاك قال * ( باإبراهم ٠‏ سيعلم العالم كله كيف يحبك الله ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله حقاً يجب عليك أن تفعل يلأ عي له , جاب إراضي ها هو عبد الله مستعد ان يفعل كل ما يريد الله فكلم الله حينقذ قائلاً : ابنك بكرك وأصعد الحبل لتقدمه ذبيحة ). فكيف يكون اسحاق

(الأمر النثالث) : هو يقول الدكتور سعادة « بك ») : ان مسيا أو المسيح المنتظر ليس هو يسوع » بل محمد . وقد ذكر محمدا باللفظ

)2011 كذا في الأصل - وقد ذكر صاحب كتاب « مقارنة الاديان » > ١‏ ص ذا 5 للدكتور احمد شلبي : ان عمر إسماعيل أربعة عشر عاماً حين ولد إسحاق . فلراجع . أ.ه مصحح .

3

374

الصر المتكرر في فصول ضافية الذيول » وقال انه رسول الله » وان ادم لما طرد من الجنة رأى سطوراً كتبت فوق بابها بأحرف من نور ١‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله » ولقد قال المسيح كا جاء في إنجيل برنابا : ١‏ ان الآيات التي يفعلها الله على يدي تظهر اي أتكلم بما يريد الله » ولست أحسب نفسسي نظير الذي تقولون عنه , لأني لست أهلاً لأن أحل رباطات » أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسياً الذي حلق قبل . وسيآتي بعدي بكلام الحق . ولا يكون لدينه نباية » وانك لتجد في الفصلين الثالكث والاربعين ن والرابع والاربعين كلاماً وافياً في التبشير محمد مله لل اللاميذ طلا من المسيح عليه السلام أن يصرح لهم به . فصرح بما يعلن حقيقته » ويبين ما له من شأن ..

الث لرابع) : ان هذا الانجيل يبين أن المسيح عليه السلام لم

2 ولكن شبه شبه لهم . فألقى لله شبهه على مهوذا الأسخريوطي 2

0 في ذلك برنايا : ( الحق أقول أن صوت يهوذا » ووجههء وشخصه

بلغت من الشبه بيسوع أن اعتقد تلاميذه والمؤمنون به كافة أنه يسوع ,

ا و لمات لي لي سا العالم)

ثم يبين أن يسوع طلب الى الله أن ينزل الى الارض بعد رفعه ليرى أمه وتلاميذه . فنزل ثلاثة أيام .

شم يقول : 0 وذبخ كثيرين تمن اعتقدوا انه مات » وقام قائلاً : ) ا نحسبونني أنا والله كاذبون » لأن الله وهبني أن أعيش 2 » خحتى قبيل

انقضاء العالم » ٠‏ كا قد قلت لكم . الحق أقول لكم الي لم أمت ء بل مبوذا الخائن » احذروا , لأ الشيطان سيحاول جهده أن يخدعكم 3 ولكن

م٠‎

كونوا شهودي في كل إسرائيل » وفي العالم كله . لكل الأشياء التي أيتموها وسمعتموها ) .

*4- هذا هو انجيل برنابا » وما خالف فيه بقية الأناجيل من مسائل جوهرية » وفي الحق انه خالف المسيحية القائمة في خصائصها التي امتانت بها فان تلك المسيحية امتازنت بالتثليث © وبنوة المسيح وألوهيته » وكان هذا شعارها الذي بها تعرف , وعلامتها التى بها تتميز » وقد خالف كل هذا ء واذا كانت مخالفته للمسيحية القائمة في ذلك الأمر الجوهري ثابتة - وهو ينسب الى قديس من قديسيهم - فقد كان من الحق اذن أن يحدث ظهوره وكشفه بين ظهراني المسيحيين وفي مكاتب من لا يتهمون بالكيد للمسيحية » ومن لا يتهمون بأنبم لا يرجون لها وقاراً - رجة فكرية عنيفة » اهتزت بسبهها المشاعر والمنازع , فالكنيسة والمتعصبون من المسيحيين يرفضونه رفضاً باتاً » ما دام قد أتى بما لا يعرفونه هم . ولا يعنون أنفسهم بدراسته دراسة علمية » ينتبون فيها الى نقضه جملة » أو قبوله جملة » أو قبول بعضه » ورفض بعضه الذي يقبت بالدليل أن فيه مخالفة لتعالم المسيح الصحيحة الثابتة بسند أقوى من سندهء ومتنها أقرب الى العقل والفكر من متنه .

ولكن العلماء الذين دأبهم التقيب والبحث عكفوا على دراسته : وموازنة نصوصه بالتوراة والأناجيل ورسائل رسلهم » بل القرآن الكريم , والحديث النبوي الشريف » وانتبت دراسة جلهم بأنه بعيد أن يكون قد استقى من القران الكريم » وما هو مشهور عند المسلمين .

وان أجل خدمة تسدى الى الأديان والانسانية » أن تعنى الكنيسة بدراسته » ونقضه , وتأتي لنا بالبينات الدالة على هذا النتقض » وتوازن بين ما جاء فيه وما جاء في رسائل بولس » ليعرف القارىء والباحث أيهما أهدى سبيلاً » وأقرب الى الحق » وأوئق به اتصالاً .

ام

رسائل رسلهم

45- انتهينا في كلامنا السابق الى ذكر الأناجيل وعرضها . أ لذلك موضعة .

والآن ننتقل الى القسم الثالث من مصادر المسيحية » وهو رسائل رسلهم » ويسمونها - ما عدا رسالة أعمال الرسل - الاسفار التعليمية » يا يسمون الأناجيل ورسالة أعمال الرسل الاسفار التاريخية » لأ الأناجيل تعنى بشرح حياة السيد المسيح وحكاية أحواله » وبعض أقواله ومواعظه » أما الرسائل فانها تعنى بالناحية التعليمية التي تبين بها الديانة . عدد الرسائل وكاتبوها :

والرسائل اثنتان وعشرون رسالة : الأولى » وتسمى أعمال الرسل » وتنسب الى لوقا صاحب الانجيل » وأربع عشرة كتبها بولس » وهي رسالة اهل رومية وكورنثوس الاولى والثانية » وغلاطية » وأفسس . وفيلبى » وكولوسبي » وتسالونيكي الاولى والثانية » وتيموثاوس الاولى وتيموثاوس الثانية » وتيطس » وفيلمون والعبرانيين » ورسالة كتببا يعقوبفا )2 بوذا .

وهناك غير الاثنتين والعشرين رسالة أخرى يسموتها السفر النبوي » وي رؤيا يوحنا 4 وهذه الرسالة 5 منحاها ومنبجها تخالف الرسائل السابقة » فبينا الرسائل السابقة وعظية وتعليمية في جملتها » وتتعرض كثيراً لذكر بنوة المسيح » وتخليصه للعالم من خطيئته » تجد رسالة رقيا يوحنا اللاهوت » تعنى ببيان ألوهية المسيح وسلطانه في السماء وعلمه

بحال الكنيسة والقوامين على المسيحية من بعده » وهي تارة تصور الآله في عليائه كشيخ أشيب يشبه المسيح متمنطقاً عند ثديبه بمنطقة من ذهب » وعيناه كلهب نار » وفي يده سبعة كواكب » وسيف ماض ذو حدين يخرج من فيه » ( راجع الاصحاح الاول من الرؤيا ) .

وتارة تصور المسيح خروفاً قائماً كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين » ( راجع الاضحاح الخامس ) .

وتبين أن الناس يعرضون أمام الاله والمسيح ١‏ ويخرون ساجدين , ثم تصور الملائكة وأحوالهم وأعماهم » وهكذا ... » .

فهي رسالة تشرح ‏ سلطان المسيح في الملكوت وتبين أحوال الملا

غ- وهذه الرسائل تشرح المسيحية الحاضة بأكثر من الأناجيل , وقد كتبت جميعها باليونانية » كا يقول مؤرخوهم ( وللباحثين كلام كثير ف شأن ارسائل »؛ وقوة سندها 2 3 حيث الاستدلال لهذا نقداً علمياً : 0 الآن بعرضها ضها وذكرها ) محوطة يبالة تقديسهم 2 ومكلوءة بتقديرهم .

وقل ذكرنا موجزاً لتاريخ يوحنا 3 وعرفنا القارىء به ) وهو صاحب الرؤيا » وثلاث رسائل » وبينا لوقا » وهو صاحب رسالة أعمال الرسل , فلنعرف الان بكلمات موجزة القارىء ببطرس صاحب الرسالتين » ويعقوب . ويهوذا » ولكل رسالة . وبولس وله أربع عشرة م ذكرنا .

فبطرس من حواري المسيح , وكان اسمه الأصلى معان » وكان صياد امك وقد جال بعد المسيح للتبشير » فذهب الى أنطاكية وغييها , ثم

م

ذهب الى رومة سنة 55 فقبض عليه وزج في السجن . وحكم عليه بالموت صلباً في زمن نيرون على ما نوهنا . وقد طلب أن يصلبوه منكسا

وقد علمت أن صاحب مروج الأخبار في تراجم الأبرار يخبر أن بطرس وتلميذه مرقص صاحب الانجيل الذي كان يعبر عنه بابنه كلاهما كان ينكر ألوهية المسيح .

ترجمة يعقوب صاحب الرسالة :

45- ويعقوب صاحب الرسالة هو يعقوب بن زبدي الصياد » أخو يوحنا » وكان حوارياً كأخيه : ويقوا ن : انه أول أسقف لكرسي أورشلم 2 ويقول صاحب كتاب تاريخ الامة القبطية : « كان لشهرته بالطهارة يعرف بيعقوب البار » وقد اغتاظ منه رؤساء اليبود » فحكموا عليه بالموت في مجمعهم,» فمات رجماً سنة 5١‏ وكان قد كتب رسالته سنة 1١‏ مم).

- وأما يبوذا » وهو حواري » ويقولون انه يدعى لباوس » ولقب تداوس وهذا هو الاسم الذي ذكر في انجيل متى » ولكن اتجيل برنابا يقرر أن يبوذا غير يبوذا الأسخريوطي الذي شهد على المسيح وخانة » وغير تداوس » ويقولون : انه أحو يعقوب الصغير » وعلى هذا يكون لزبدي الصياد ثلاثة من الحواريين » ولكن متى لما ذكر يعقوب ويوحنا ذكر أمامهما أنهما ولدا زيدي الصياد , ولم يذكر أمام تداوس !! وعلى أية حال فليبوذا هذا رسالة منسوبة اليه » وقد قالوا انه مات شهيدا ببلاد

العجم .

ترتمة بولس :

- بولس : ولننتقل الآن الى الكلام في بولس والتعريف به » وان لبولس هذا لشأناً في المسيحية » فهي تنسب اليه أكثر مما تتسب لأحد

سوآه ؛ فرسائله هي التي شرحتها » وقد كان بنشاطه الجم » وتطوافه في الأقالم مشقاً ومغرباً » لا يستقر في مكان على نية الاقامة فيه » بل على قصد في الرحيل الى غيرو - أشد دعاتها » وقد تأثر المسيحيون خطاه » وتعرفوا أخباره وأقواله » ما دونه منها في رسائله » وما ألقاه في الجموع وتناقلوه » وان لم يدونه هو » وتأثروا أعماله فاحتذوا حذوه » وسلكوا مسلكه » واعتبروه القدوة الأولى » فلابد اذن من العناية بتاريخه لنتعردف أكانت منزلته في المسيحية الأولى كمنزلته في المسيحية الحاضرة » حتى يصلح أن يكون حلقة الاتصال بينهما » وناقل الأولى الى أهل الثانية » ولنتبين أنه صادق النقل » حتى تكون الأولى والثانية شيقاً واحداً » وليستا

وانا في حكاية بدايته ونبايته نعتمد على المصادر المسيحية وحدها » كسنتنا فيما أسلفنا من القول » حتى لا نتزيد عليهم » ولككي نعرض الرجل 5] هو عندهم .

في سفر أعمال الرسل تفصيل حياة بولس » وقد أخذت أعماله من ذلك السفر الشطر الأكبر . وقد جاء فيه أن مولده كان في طرسوس » وترلى ف أورشلم , واسمه الأصلي شاول . وهذا نص الفقرة الثالثة من -- الثاي والعشرين حكاية عنه : ( أنا رجل يبودي ولدت في طرسوس كيليكة » ولكن ربيت في هذه المدينة ) ( أورشلم ) .

ولقد جاء أنه من الفريسيين الذين يقولون ان هناك قيامة يشاركون فيها ملك المسيح في الدنيا » فقد جاء في الاصحاح الثالث والعشرين : « ولما

َم

علم بولس أن قسما منهم صدوقيون » والآخرون فريسيون ) صرح في المجمع : ١‏ أيها الرجال الاخوة » أنا فريسى ابن فريسى على رجاء قيامة الأموات . أنا أحاك )

ونجد كتاب المسيحية متفقين على أنه من اليبود » ولكن جاء في سفر أعمال الرسل أيضا ما يدل على أنه روماني » ففي آخر الاصحاح الثاني والعشرين منه ما نصه : ( فلما مذلوه للسياط قال بولس لقائد الماكة الواقف : أيجوز لكم أن تجلدوا انساناً رومانياً غير مقضى عليه » فاذ سمع قائد المائة ذهب الى الأمير وأخبو قائلاً : أنظر ما أنت مزمع أن تفعل , لأن هذا الرجل روماني . فجاء وقال له : قل لي أنت روماني ؟ فقال نعم . فأجاب الأمير : أما أنا فبمبلغ كبير اقتنيت هذه الرعوية » فقال بولس : أما انا فقد ولدت فيها . وللوقت تنحى عنه الذين كانوا مزمعين أن يفحصوه » واختشى الأمير لما علم أنه روماني » لأنه قيده » .

وهذان بلا ريب نصان متعارضان » لعل أرجحهما أنه يبودي » لأنه ذكر أنه روماني عندما رأى أن جسمه سيكوى بالسياط . فأعمل الحيلة » عساه يجد مخرجاً » فادعى أنه روماني لينجو جلده » وقد تم له ما أراد بتلك الحيلة التى احتالها في انتسابه » وأصر عليبا عندما روجع فيها .

ولكن لو اتخذنا من قرائن الأحوال دليلاً على كذب ادعائه الرومانية » وأنه قالها خلاصاً واحتيالاً لورد مثل ذلك عندما قال أنه يبودي » لأنه كان يخاطب جمعاً يبودياً عمل للقبض عليه .

ولقد صرح في سفر الأعمال أنه قال : انه قال انه فريسى ليوقع الخلاف بين الصدوقيين والفريسيين » فقد جاء فيه عند ذ> كر اقراره بأنه فريسي . ولا علم بولس أن قسماً منهم صديقيون والآخر فريسيون » الح .

كم

فهو ما صرح بمذا التصريح إلا ليوقع الفرقة بينهم » وينجو من كيدهم بتدبير فريق منهم .

وقد تم له بعض ما أراد » فاختلفوا وجرى بينهم نزاع شديد كا دلت على ذلك الفقرات التي ذكرت من بعد في الاصحاح الثالك والعشرين من سفر الأعمال » واذن فلا نستطيع أن نستبين جنسه من هذا على وجه تطمئن اليه النفس .

48- ومهما يكن من أمر جنسه , فقد كان بولس هذا في صدر حياته من أشد أعداء المسيحية » وأبلغهم كيداً لها » وأكفهم امعاناً في أذى معتنقيها » > يدل على ذلك ما جاء في سفر الأعمال في مواضع كثيرة منه .

ففي الاصحاح الثأمن منه :0 وحدث 2 ذلك اليوم اضطهاد عظم على الكنيسة التي في أورشلم » فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل . وحمل رجال أتقياء استفانوس » وعملوا عليه مناحة عظيمة » وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ٠‏ ويجر رجالا ونساء 4 ويسلمهم الى السجن )0 .

وجاء 2 أول الاصحاح التناسع ) أما شاول فكان ١‏ يزل ينفك مهدا وقتلا على تلاميذ الرب فتقدم الى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل الى دمشق الى الجماعات حتى اذا وجّد أناساً في الطريق رجالاً أو نساء يسوقهم موثقين الى اورشلم ) .

ويجبيء في ذلك السفر أيضاً اعترافه الصريج بذلك الماضي في مواضع متعددة أيضاً .

فمنها ما جاء في الاصحاح الثاني والعشرين مخاطباً اليبود : ٠‏ كنت غيورا لله » 5 أنتم جميعكم اليوم » واضطهدت هذا الطريق » حتى

ام

الموت » مقيداً ومسلماً الى السجون رجالاً ونساءً » 5 يشهد لي أيضاً رئيس الكهنة وجميع المشيخة الذين اذا أخذت منهم رسائل للأخوة الى دمشق » ذهبت لاتي بالذين هناك الى أورشلم مقيدين لكي يعاقبوا ) .

ولكن سفر الأعمال يقول أن ذلك الرجل الذي كاد للمسيحية هذا الكيد واذى أهلها ذلك الايذاء » قد انتقل من الجبت والطاغوت الى المسيحية فجأة من غير مقدمات تقدمت ذلك الانتقال » ولا تمهيدات مهدت له

فيقول ني الاصحاح التاسع : ( في ذهابه حدث أنه اقترب الى دمشق » فبغتة أبرق حوله نور من السماء » فسقط على الأرض » ومع صوتاً قائلاً له : شاول . شاول . لماذا تضطهدني ؟ فقال : من أنت يا سيدي ؟ فقال : أنا يسوع الذي أنت تضطهده » صعب عليك أن ترفس مناخحس ء فقال وهو مرتعد متحير : يا رب ماذا تريد. أن افعل ؟ فقال له الرب : قم وادخل المدينة » فيقال لك ماذا ين ينبغي أن تفعل ) .

دخل بولس أو شاول في المسيحية » وحاول أن يتصل بتلاميذ المسيح » ولكنهم أو جسوا منه خيفة » ولم يصدقوا ايمانه » ولكن شهد له برنابا الذي حدثناك عنه بالايمان » وما حدث له في الطريق .

فقد جاء في الاصحاح التاسع أيضاً من السفر المذكور : ١‏ ولا جاء شاول حاول أن يلتصق بالتلاميذ » وكان الجميع يخافونه غير مصدقين » فأخذه برنابا » وأحضه الى الرسل » وحدئهم كيف أبصر الرب » وأنه كلمه » وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع )

ومن ذلك الوقت صار بولس القوة الفعالة » والحركة الدائبة في الدعاية للمسيحية » كا تدل على ذلك عبارات سفر الأعمال » وقد اصطحب في رحلاته برنابا » حتى اختلفا كا ذكرنا في الكلام على برنابا - فلما

84

اختلفا افترقا » وهناك نجد حلقة مفقودة . فلم يبين لنا سفر الأعمال على من تلقى مبادىء المسيحية التي أخذ يبشر بها » والتي دونها في رسائله الأربع عشرة , والتي يضيف اليها بعض الكتاب سفر الأعمال » وينسبه اليه بدل نسبته الى لوقا ؟ لم تبين لنا الكتب المسيحية على من تلقى مبادىء المسيحية ؟ ولعلهم يعتقدون أنه ليس في حاجة الى التلقي » لأنه انتقل من مرتبة الكافر المناوىء الى مرتبة الرسل في المسيحية » وصار ملهماً ينطق بالوحي في اعتقادهم . فلم يكن في حاجة الى التعلم والدراسة » لأ الوحي كفاه مؤونة الدرس وتعبه .

لقد أخذ بولس في التطواف في الأقالم ينشىء الكنائس » ويقوم بالدعاية ويلقي الخطب » وينشىء الرسائل » حتى كانت رسائله هي الرسائل التعليمية بما اشتملت عليه من مبادىء في الاعتقاد » وبعض الشرائع العملية » وقد قالوا انه قتل في اضطهادات نيرون سنة 55 أو سنة /51” على الخلاف ني ذلك . صفات بولس :

5- ان الذي يستخلص من أحوال وأقوال بولس التي دونت في رسائله وأعماله التي ذكرها سفر أعمال الرسل » يتبين له أنه امتاز ثلاث صفات جعلته في الذروة من الدعاة الى المبادىء والعقائد :

الصفة الأولى : انه كان نشيطاً دائم الحركة ذا قوى لا تكل » وذا نفس لا تمل .

الصفة الثانية : انه كان ألمْعياً شديد الذكاء بارع الحيلة » قوي الفكر » يدبر الأمور لما يريد بدهاء الألعي » وذكاء الأروعي » يسدد السهام لغاياته وماريه فيصيبها .

46

الصفة الثالفة : أنه كان شديد التأثير في نفوس الجماهير » قوي السيطرة على اهوائهم » قديراً على انتزاع الثقة به ممن يتحدث اليه .

وببذه الصفات الممتازة » وبهذه القدرة البارعة استطاع ان يجعل نفسه حور الدعاة للمسيحية » وقطبهم » وأن يفرض ما ارتاه على المسيحيين » فيعتنقوه ديناً » ويتخذوا قوله حجة زاعمين أنه رسالة أرسل بها » وببذه الصفات الباهرة استطاع أن يحمل صديقه برنابا على أن يصدقه في رؤيته المسيح » واستطاع أن يحتل المنزلة الأولى بين التلاميذ » وقد كان بلاؤهم » وكيد الشيطان هم . وبهذه الصفات القوية استطاع ان يحملهم على نسيان ماضيه » وان يندغموا في شخصه حتى يصير هو كل شيء » وهم لا يستطيعون رد قوله في الحماهير » وحتى لقد صارت المسيحية الحاضرة مطبوعة بطابعه » منسوبة اليه » ولقد يعجب الذين درسوا الديانات وعرفوا أحوال رجاها , وأدوارهم . فيقولون : كيف ينتقل رجل من كفر بديانة الى اعتقاد شديد بها طفرة » من غير سابق تمهيد » ولكن ذلك العجب يزول ان كان الانتقال مقصوراً على مجرد الانتقال من الكفر الى الايمان » فان لذلك نظائر وأشباهاً » بل العجب كل العجب ان ينتقل شخص من الكفر المطلق بدين الى الرسالة في الدين الذي كفر به » وناوأه وعاداه » فان ذلك ليس له نظير وليس له مشابه » ولم يعهد ذلك في أنبياء ورسل قط . وهذه توراة اليبود وأسفار العهد القديم التي يؤُمن بها المسيحيون كا رووها » وكا قالوها ليذكروا لنا رسولاً بععث من غير أن يكون في حياته الأولى استعداد لتلقي الوحي » وصفاء نفس يجعله أهلاً للالهام ؟ ولا يجعل الاتهام والتكذيب يغلبان على رسالته » وانه اذا ل يكن للرسالة ارهاصات قبل تلقيها » لا يكون على الأقل قبلها ما ينافيها ويناقضها » ولكن بولس أبو العجب استطاع أن يتغلب على ذلك العجب في عصه » وأن يفرض نفسه على المسيحيين من بعده » وأن يحملهم على نسيان العقل عندما يدرسون أقواله واراءه وتعالعه .

54

بيد أن العقل يخترق بنوره الحجب 2 ويزيل بضوئه كل أسداف الظلم » ولو قاوم في سبيل ذلك براعة بولس وذكاءه » ولذا وجد في العصور المسيحية من كانوا يثيرون مناقشات قوية حول أقوال بولس منكرين ها مبطلين » ونسارع فنقول مقالة القس عبد الأحد : دان واس يسجل ويعظم رجلا انه عيسى أميت ومات » وحبى فقط » وأن اليه » فلا محل للحيرة اذا قلت ان المؤسس الحقيقى للمسيحية الحاضة مذهب الفريسيين وتلميذ احد علماء الدهر عضو مجلس صانهدرين المدعو عمائيل ... الذي كان يجتهد في محو اسم عيسى واتباعه من الام » والذي رأى عدوه الناصري في السماء لامعاً داخل الأنوار وقت الظهر امام دمشق » اهتدى واعى باسم بولس ؛ وهو الذي وضع أساس العيسوية » . والقسم الأعظم من أعمال الرسل يبحث عن سياحات بولس الطويلة وجهوده ومتاعبه 2( فهل هو صادق 2 النقل عن المسيح » والاخبار عنه ؟ للاجابة عن هذا السؤال موضعها عند الكلام في الالمام الذي نحلوه لرسلهم » ونقد الكتب نقداً علمياً .

كتب العهد القديم والأناجيل والرسائل كتبت بالهام في اعتقادهم :

١ه-‏ الى هنا قد بينا الكتب » وذكرنا طرفاً من حياة منشئيها » وأحوالهم ومقدار الاختلاف في نسبة الكتب الى أصحابها » وقبل أن ننتقل الى نقد هذه الكتب نقداً علمياً في متنها واسنادها » نقول : ان المسيحيين يقولون أن هذه الكتب كلها » كتبت بالانهام أي بالوحي عن طريق الالمحام » وامها لذلك لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها . فهي حق وصدق ء لأنه موحى بها » وسواء في ذلك كتب العهد

1

القديم » والعهد الجديد » سواء أكانت أناجيل أم رسائل تعليمية أم رسالة النبوة .

ولذا يقول مؤّلفو موجز تاريخ الأمة القبطية في شأن الكتاب المقدس : « الكتاب المقدس هو مجموع الاسفار التي كتبها رجال الله القديسيون بالهام الروح القدس في أوقات مختلفة », وفيها أعلن الله مشيئته ووصاياه » وما قطعه من المواعيد » وما فرضه من المثوبة » وما فيه ارشاد للناس وخيرهم وخلاصهم وما أتمه من عمل الفداء » ومراجعة ما كتبه شراحهم وعلماوهم نفهم ان الالحام عندهم » هو الام في المضمون الرئيسي » ولذا يقول هورن : «١‏ اذا قيل ان الكتب المقدسة أوحى بها من عند الله لا يراد أن كل الألفاظ والعبارات من الام الله » بل يعلم من اختلاف محاورات المصنفين واختلاف بيائهم أنهم قد جوز لمم أن يكتبوا » على حسب طباعهم وعاداتهم وفهومهم واستعمل علم الالهام على طريقة استعمال العلوم الرمية » ولا يتخيل أنهم كانوا يلهمون في كل أمر يبينونه » وفي كل حكم كانوا يحكمون به ) .

اذن ١‏ تكن كل أ لكتب المقدسة ملهمة من حيث أسلوب البيان » ومن حيث التصرف في التعبير » ومن حيث كل ما تشتمل عليه من معان » بل موضع الالهام فقط المعاني الرئيسية أو الرسمية » وبقية الأفكار والمعاني على حسب الطبائع والافهام والعادات 0 .

1١7

لام عرضنا على القارىء كلام القوم في كتبهم ( وحاولنا أن نكون حاكين ولم نعلق عليها ولم ننقدها , ولم ننبه الى وهنها » إلا اذا كان ذلك التنبيه قد سبق اليه علماؤهم , والباحثون منهم » » ووجهوا هم النقد اليه » أو كان الأمر من الوضوح بحيث يكون المرور عليه من غير تنبيه الى موضع الضعف يجعل البحث غير متسق » وبعيداً عن الانسجام الفكري .

والآن نريد أن ننتقل من النظرة الحاكية المتغاضية الى النظرة الفاحصة الكاشفة » ولسنا نريد أن نحصى كل أوجه النقد التى وجهت . فان ذلك يحتاج بيانه الى محلدات ضخام لكفرتها » وتعدد نواحيها » وكثرة دواعيها » ولكنا نكتفي بايراد بعضها » ونترك الباقي للاطلاع عليه في مصادره المسيحية وغير المسيحية . ما يجب أن يكون في الكتاب الديني من صفات ليكون حجة :

لأجل أن يكون الكتاب الديني حجة - يجب الأحذ به على أنه شريعة الله ودينه » ومجموع أوامره ونواهيه » ومصدر الاعتقاد » وأساس الملة - يجب أن يتوافر في هذا الكتاب أمور :

أحدها :أن يكون الرسول الذي نسب اليه قد علم صدقه بلا ريب ولا شك » وأن يكون قد دعم ذلك الصدق بمعجزة » أي بأمر خارق للعادة قد تحدى به المنكرين المكذبين » وأن يشتهر أمر ذلك التحدي وهذا الأعجاز » ويتوارثه الناس خلفاً عن سلف ٠‏ ويتواتر بينهم تواترا لا يكون للانسان محال لتكذييه .

ثانيها : ألا يكون ذلك الكتاب متناقضاً مضطرباً يدم بعضه بعضاً » فلا تتعارض تعليماته » ولا تتناقض أخباره » بل يكون كل جزء منه

ل

متمماً للآخر ومكملاً له , لأن ما يكون عن الله لا يختلف , ولا يفترق » ولا يتناقض ٠‏ بل ان العقلاء » وفي كتبهم » يتحرون ألا يتناقض قوهم ,

ثالنها : أن يدعى ذلك الرسول أنه أوحى اليه به » ويدعم ذلك الادعاء بالبينات الثابتة 4 وهصى المعجزات التى بعث مب الرسول 34 ودعا الى كتابه على أساسها , ويثبت ذلك الادعاء بالخبر المتواتر » أو ينبت

رابعها : ان تكون نسبة الكتاب الى الرسول الذي نسب اليه ثابتة بالطريق القطعي 3 بأن يثيت نسبة الكتاب الى الرسول » بحيث يتلقاه الأحلاف عن الأسلاف , جيلاً بعد جيل من غير أي مظنة للاتتحال .

وأساس ذلك التواتر أن يروى جمع يؤمن تواطوهم على الكذب عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب . حتى تصل الى الرسول بحيث يسمع كل فرد من الجمع الراوي عن الجمع الذي سبقه . والذي سبقه كذلك . حتى يصل .لى الرسول الذي أسند اليه الكتاب » ونسب اليه » ونزل به الوحي عليه . تطبيق هذه الشروط على كتب النصارى :

*ه- ان الكتب في الدين هي أساسه » فان لم تكن مستوفية الشروط السابقة لم يكن الاطمئنان الى صحتها كاملاً » وتطرق اليها الريب والظن من كل جانب » وبذلك يتهدم الدين من أساسه » ويؤتٍ من تاعده ‏ ول يكو شي مذكور في ليان » بى يكين طائفة من أساطير الأولين اكتتببا طائفة من الناس » وأدعوها ديناً » ونسبوها ا لشخص معترف به » لتروج عند العامة » وتدخل في أوهامهم . ويعتمدون على الزمان في تمكينها في نفوسهم وقلوهم .

4:

وهل الكتب المقدسة عند النصارى سواء أكانت من كتب العهد

القديم أم العهد الجديد مستوفية هذه الشروط » فتكون ملزمة للكافة ؟.

لا يزعم النصارى أن هذه الكتب كتبها المسيح نفسه » حتى ننظر في

قوة نسبتها اليه » ولكن يزعمون أن الذين كتبوها رسل من بعده مبعوثون

بها » يبشرون الناس بما فيبا » فنبحث » هل هؤلاء رسل حقاً وصدقاً قد ثبتت رسالتهم بدليل لا مجال للريب فيه ؟.

لقد قلنا أن الطريق لذلك أن يدعوا هم هذه الرسالة ويثبتوها بمعجزة يجرمها الله على أيدءهم » ويتحدوا الناس ليدفعوهم الى الاذعان أو ليسجلوا عليهم الكفر بعد أن يقوم الدليل عليهم .

اننا نبحث في مراجعهم فلا نجد مرجعاً صحيحاً قرر أن هؤلاء ادعوا مثل هذه الرسالة » ودعوا الناس الى الايمان بها » ومعهم البرهان عليها » والدليل القاءم الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

نعم قد نجد في رسالة أعمال الرسل ذكراً لأخبار تلاميذ المسيح » وأن روح القدس تجلى علمهم » وأنهم كانوا يأتون بأمور خارقة للعادة » وسماهم كاتب تلك الرسالة رسلا » ففيها ففيبا يذكر أن عدد الأصحاب بعد المسيح أحد عشر » وهم : بطرس » ويعقوب ٠‏ ويوحنا » وأندراوس » وفيلبس . وتوما , وبرئولاس » ومتى ٠‏ ويعقوب بن حلفي » ومعان الغيور » ويبوذا أخو يعقوب . وأن بطرس وقف وألقى في وسط التلاميذ - الذين بلغوا نحو عشرين ومائة - خخطبة وأنهم أمتلئوا جميعاً بروح القدن » وتكلموا بألسنة غير ألسنتهم . ثم يذكر أن بطرس شفى أعرج من عرجه » ومات من كذب عليه , بعد أن كشف كذبه واحتلاسه » هو وامراته .

ذكر سفر الاعمال هذا وذكر عجائب أل بها بولس في زعمه في اخر ذلك السفر أيضاً . ليبشروا باسمه . وأنهم عادوا يقولون له : « حتى الشياطين تخضع لنا باسمك ء فقال لهم : رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء . وهأنذا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب . وكل قوة العدو , فلا يضرم شيء , ولكن لا تفرحوا ببذا لأن الأرواح تخضع لكم . بل افرحوا بالحرى ان اسماءم كتبت في السموات ) .

مناقشة ادعاء الاهام في سفر الأعمال :

4 ه- ونريد أن نناقش سفر أعمال الرسل وانجيل لوقا في هذا المقام لنعرف منه من هم هوْلاء الرسل , لم يذكر سفر الأعمال أسماء العشرين والمائة الذين ملثوا من روح القدس . نعم انه ذكر اسماء الحواريين الاحد عشر » وليس منهم من ينسب اليه كتب أو رسائل » سوى متى وبطرس » ويوحنا ويعقوب ويبوذا .

وقد علمت بعض ما في نسبة انجيل متى ويوحنا اليهما . وأما بطرس والباقون فلهم رسائل , ولم يكن معترفاً بصحتها هي ورسائل يوحنا الى سنة 754 حتى أن مجمع نيقية لم يعترف بصحة نسبتها الى أصحابها . وقد كان سنة ه558 .

واذا كان سفر الأعمال لم يذكر أسماء العشرين ولمائة » ولم يذكر كذلك انجيل لوقا اسماء » فكيف تؤمن برسالة رسل لم تعرف اسماؤهم ؟ نعم كانت تذكر بعد ذلك أسماء أشخاص » ويوصفون بأمهم رسل , ولكن لم يذكر أهم من العشرين والمائة » أم ليسوا منهم ., ومن المؤكد أن

45

بولس لم يكن في العدد الذي ذكر في الأعمال , ولا في العدد الذي ذكر في اجيل لوقا .

اذن لا مقنع فيما جاء في سفر الأعمال , ولا في انجيل لوقا , لأنه لم يذكر أسماء هؤلاء معينين بالاسم . ثم من هو مؤلف سفر الأعمال ؟ قالوا انه لوقا صاحب الانجيل . اذك فالمصدر هو لوقا في الاثنين » ولوقا قد بينا أنه طبيب وقيل أنه مصور , أو هو طبيب مصور . فهل هو كان من تلاميذ المسيح أو كان من تلاميذ تلاميذه ؟ لم ينبت شيء من ذلك , وكل ما ثبت من صلته برجال المسيحية أنه كان من أصحاب أو تلاميذ باس »2 واذن فروايته عن هؤلاء وعن المسيح ليست رواية من شاهد وعاين » وعلى ذلك يكون السند غير متصل بين لوقا والمسيح , أو تلاميذ المسيح .

الرسسل غير معروفين :

م لم نعرف اذن حقيقة هؤْلاه الرسل » ومن هم بسند صحيح » فضلا عن أن يكون السند قطعياً » واذا كنا لا نعرف من هم »؛ فكيف نؤمن هم بمعجزات ؟ ان المصدر الذي ذكر المعجزات هو نفس المصدر الذي ذكر الرسل من غير أن يبين من هم . وهو راو لم يعاين وم يشاهد . وعلى ذلك يكون الكلام في الالهام » وأنهم رسل ملهمون لم ينبت بسند يصح الاعتاد عليه . والاطمئنان اليه » وبناء عقيدة تشرق وتغرب على أساسه .

ولكنا لا نكاد ننتبي الى النتيجة حتى نجد من مجادلي القوم , والمناظرين عنهم من يزعمون أن لوقا نفسه » صاحب سفر الأعمال , وصاحب الاتجيل كان من الرسل الملهمين فهو لا يحتاج الى سند » لأن كل كلامه من الروح القدس الذي ملأه كا ملا اخوانه الرسل » ولكن

/ا0

أين معجزته التي تثبت الهامه حتى نصدق كل ما جاء في كتابيه » ويؤمن مؤمن ( يحترم الايمان ) بكل ما اشتملا عليه ؟ لم يرد عندهم أي شيء يدل على الهام لوقا » وأنه كان من العشرين والمائة الذين ألقى فمهم بطرس خطبته » وامتلئوا بروح القدس في زعمه » ولم يكن من السبعين الذين أرسلهم المسيح ( © ذكر في انجيله ) واخضعوا الأرواح ؛ وأخبيهم أن أسماءهم كتبت في السماء .

ولسنا في ذلك إلا مطالبين بأن يثبتوا الام لوقا » لنصدق بأخباره عن الرسل وأعمالهم وعن الشامهم , وامتلائهم بالروح القدس . واعجازهم . لا يوجد أمامنا أي دليل يثبتون به الام لوقا فيما كتب . حتى كنا نصدقه في كلامه عن الرسل الذين تجلى عليهم الروح القدس » وامتلئوا به » وان كنا لا نعرف أشخاصهم , ولا شيكاً عن أسمائهم وأعماهم .

بل لقد وجدنا من كتاب القوم الباحثين من يصرح بن لوقا لم يكن من الملهمين » وأن انجيله لم يكن الامياً » وبالأولى رسالته لم تكن بالهام » فقد قال من المحدثين . واطسن في المجلد الرابع من كتابه الامحام ما ترجمته : « ان عدم كون تحرير لوقا الهاميا يظهر مما كتب في ديباجة انخيله ونصها :

اذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المستيقنة عندنا كا سلمها الينا الذين كانوا منذ البدء معاينين » وخداماً للكلمة » رأيت أنا أيضاً اذ قد تتبعت كل شبيء من الأول بتدقيق ان أكتب على التواللي اليك أيها العزيز ثاوفيلس » لتعرف صحة الكلام الذي علمت به ) .

وبمثل هذا القول من أن ما كتب لوقا ليس بالحامي قال العلماء الأقدمون من المسيحيين » فيقول أرينوس : ( ان الأشياء تعلمها من بلغها الينا ) .

14

لوقا صاحب سفر الأعمال لم يكن ملهماً :

55- لم يكن اذن لوقا ملهماً » لأنه لا يوجد دليل ينبت الطامه » أن مقدمة انجيله كمقدمة رمالته تدل على أنه لم يكن ملهماً » ولأن الثقات من العلماء الأقدمين وا محدثين يقررون أنه يكن ملهماً فيما كتب » بل كتب ما تعلم , ولقن , لا ما أوحى اليه به وأهم .

واذا كانت رسالة الأعمال هي المصدر المثبت امام الرسل وامتلائهم بالروح القدس » فيكون ذلك المصدر قد فقد صلاحيته للاعتّاد عليه : لأنه م يكن متصل السند بين لوقا ولتلاميذ والمسيح ء ولأ لوقا لم يكن ملهماً . وهذا كله على فرض صحة نسبة ما أسند الى لوقا » وفي تلك الصحة كلام سنثبته في موضعه من بحثنا ان شاء الله .

يس عندنا اذن دليل نقلي عندهم ينبت رسالة من يسمونهم رسلاً , وينبت معهم أنهم كتبوا بالالفام » حتى يعتبر كلامهم وحياً أوحى به , وجب تصديقه وقبوله » ولا نجد من الكتب ما يؤيد هذه الدعوى ويثبتها » بل ان راجعنا هذه الكتابات لا نجد أن كتابها يدعون لأنفسهم أنبم رسل » ما عدا رسائل بولس , ولم يكن من تلاميذ المسيح الأحد عدر بالاجماع . ولا من تلاميذه العشرين والمائة » ولا من السبعين الذين ذكرهم لوقا .

وقد رأينا بطرس في رسالتيه يقدمهما بأنه رسول يسوع المسيح , ولم يذكر لنفسه وصف الرسالة المطلقة عن الله . ولا نجد في عباراتهم ما يدل على أنهم كتبوا ما كتبوا بالالمام » إلا رسائل بولس »؛ فهو الذي يذكر في رسائله أنه يتكلم عن الله » وأحياناً يقول أنه يتكلم من نفسه .

واذن فلنا أن نقول أن اصحاب هذه الكتب والرسائل لا يدعون لأنفسهم الرسالة والالحام إلا بولس الذي كانت صلته بالمسيحية على ما

49

سفر الأعمال » وقد علمت قرة الاستدلال به » والاعتاد عليه في

دعوى الاهام ليست محل اجماع المسيحيين :

7ه- وني الحق ان دعوى الهام الرسل في كل ما كتبوا لم تكن بحل انجلترا قالوا في مؤلف كتبوه(22 ان الذين قالوا ان كل قول مندرج في 0 المقدسة الحامى لا يقدرون أن يثبتوا دعراهم بسهولة » ثم قالوا : الهامياً » قلنا المسائل » ا 2 والأخبار بالحوادث الاتية الى اه هي أصل الملة المسيحية - لا ينفك الالهام عنها . وأما الحالات الأحرى فكان حفظ ال حواريين كافياً لبيانها )1 .

وترى من هذا أن بعض العلماء لا يرون أن كل ما في كتب العهد

ولكن هناك من يقول : انه يشلك فى أصل الاغام فيا ؛ » فهذا عانم مسيحي يقال له ريس يقول ناقلاً حاكياً بعض أقوال المتقدمين : ٠‏ ان الناس قد تكلموا في كون الكتب المقدسة الهامية » وقالوا انه يوجد في أفعال مؤلفي هذه الكتب وأقوالهم أغلاط » واختلافات » فمثلاً اذا قوبلت الآيات ٠١ » ١9‏ من الاضحاح العاشر من متى » و ١١‏ من الاصضحاح الثالث عشر من انجيل مرقس اذا قوبلت هذه الآيات بالايات اللست التي في سفر الأعمال في اصحاحه الغالث والعشرين يظهر ذلك الاحتلاف جلياً . «قيل أيضاً ان الحواريين ما كان يرى بعضهم بعضاً

525 كك )4 اليسابي كلوبيديا برتنبيكا .

صاحب وحي . 5 يظهر هذا من مباحثهم في محفل أورشلم » ومن الزام بولس لبطرس » وقيل أيضاً أن المسيحيين القدماء ما كانوا يعتقدونهم منزهين عن الخطأ : ؛ لأمبم في بعض الأيْقات تعرضوا له ) .

ولقد قطع بعض العلماء بآن بعض هذه الكتب ليس من الانهام في شيء فاجيل متى على قول القدماء من المسيحيين ٠‏ وقول جمهور المتأخرين ن الذين قالوا انه كتب باللسان العبرافي م أسلفنا من القول » قد قالوا أن أصله فقد . وترجمته ليست بالانهام .

ويقول استادلن وغيره أن انجيل يوحنا ليس بالام » وجميع رسائل يوحنا ليست بالهام على رأي فرقة لوجين ٠‏ وكذلك الرسالة الثانية لبطرس » ورسالة يبوذا » ورسالة يعقوب ٠‏ والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا » ورؤياه البوى - كل ذلك عند الأكثرين ليس بالهام » وكان ش كذلك الى سنة 5 ميلادية ) .

دعوى الاهام باطلة ممن يدعيها :

- ومهما يكن اختلافهم بالنسبة لكونها ملهمة كلها أو بعضها ) وطريق الامهام » فادعاء الامحام على فرض اتفاقهم عليه ليبس له من البينات ما يثبته » ولا من الأدلة ما يقيم ادعاءه » ونحن نطاليهم بالدليل .

وكان يصح لنا أن نقف موقف امانع منعاً مجرداً . نطاليهم بالدليل حتى يقيموه » ولكن تتميماً للبحث وتعريفاً للحقائق نثبت أن دعوى الالحام باطلة من أساسها ء ٠‏ ليس لعدم أقامة الدليل عليها » بل لأن البينات قائمة ضدها » ذلك لأا لو كانت بالهام من الله ك) يقولون لكانت صادقة في كل ما أخبريت به » وما وجد الباطل منفذاً ينفذ منه

اليها » ولم يكن ع نمة محل لتكذيبها » ولكانت متفقة غير مختلفة » ولم تكن

لحل

متضاربة بأي نوع من أنواع التضارب 4 وذلك لوحدة م ن صدرت عنه ) لأنها جميعاً صادرة عن واحد 4 وان اختلف الناطقون مها 2 ولكنا. وجدنا بينها اختلافات من أوجه عدة » ووجدنا فيها أخباراً تناقض ما علم في التاريخ وكان مشهوراً فيه » ولنذكر بعض هذه الأمُور على سبيل القثيل لا التضارب بين كتب العهد الجديد :

(أ) أول ما يلقاك من أوجه اختلاف الأناجيل في الأمر الواحد الذي شل ا ل ا لأناجيل يد الاعجلاف من سة أوجه ذكرها الشيخ بحمة الل اندي في كتابه اظهار الحق فقال :

1- في متى أن يوسف بن يعقوب »ء وفي لوقا أنه ابن هالي .

لي يعلم من متى أن عيسبى من أولاد سليمان بن داود علمهم السلام »

- يعلم من متى أن جميع اباء المسيح من داود الى جلاء بابل سلاطين مشهورون » ومن لوقا أنهم ليسوا بسلاطين ولا مشهورين غير داود وناثان .

4- يعلم من متى أن سلتائيل ؛ بن بكينا » ومن لوقا ان سلتاثيل ابن نيري .

و_- يعلم من متى أن اسم ابن زربايل أبيبود » ومن لوقا أن اسمه ريسا : والععجر ٠‏ أن أسماء بني زيل مكتوبة في في الباب الثالث من السفر ريسا كل مهما : غلط .

1 من داود الى المسيح علههما السلام ستة وعشرون جيلاً على ما بين متى © وواحد وأربعون جيلاً على ما ذكر لوقا .

هذه أوجه اختلاف ستة في نسب المسيح عليه السلام وهو نسب يوسف النجار . الذي كان رجل مريم ؟ تذكر الاناجيل ٠»‏ وهذا الاحتلاف الذي يعترف به المسيحيون » ولا يجدون مناصاً من الاقرار به يدل على أمرين :

احلثما : أن أحد الانجلين دلم يكن بالمام بيقين » اذا فرضنا أن أحدهما صادق والآخر كاذب » فالكاذب لا شك لم يكن بالهام , وإلا كان الاله الذي أوحى به كاذباً » وذلك لا يليق بحسب بداهة العقل ‏ ولا كان الصحيح منهما غير متعين فالشك يرد على الاثنين » حتى يثبت الصحيح ؛ ويقوم الدليل على صدقه دون الآخر , ومع هذا الشك لا يمكن الاعتقاد بأن ثمة الحاماً . لأن الشك ان اعترى الأصل زال الاعتقاد .

ثانههما : أن انجيل متى لم يكن معروفاً للوقا , أي أنه لم يكن متدارساً

معروفاً لدى العلماء في المسيحية . مع أن تدوين , لبي متي يق قدو انجيل لوقا بأكثر من عشرين سنة على ما عليه جمهورهم ‏ ولو كان لوقا يعرفه لراجعه . وما وقع في الخطأ الذي وقع فيه . أو على الأقل ما خالفه » واذا لم يكن معروفاً لدى علماء المسيحية » وحوارييها ورسلها , فلابد أنه لم يكن معروفاً قط , أو بعبارة أصرح » ربما لم يكن موجوداً قط .

لا مناص من هذا إلا أن نقول ان لوقا كان يعرفه . واطلع على حديث النسب فيه » وخالفه على بينة منه » لأنه لم يصدقه . وعلى ذلك لا يكون لوقا معترفاً برسالة متى . والايحاء اليه » وأن ما كتبه لا يأتيه

١١

وخلاصة القول في ذلك أن تلك المخالفة تنج احدى اثنتين : ما ألا يكون انجيل متى معروفاً للرسول لوقا » وذلك يقتضي ألا يكون موجوداً . واما أن يكون موجوداً يعرفه لوقا » ولكن لا يعترف به مصدراً صادق الرواية . واحدى القضيتين لازمة حتماً » ولكن لا يعترف المسيحيون

مناقشة الفريسيين تقدمت اليه امرأة » ابنتها مريضة بالجنون تطلب من هناك ؛ وانصرف الى نواحى صور صيداء . واذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرحت اليه قائلة : ارحمني يا سيدي يا ابن داود » أبنتي مجنونة جداً » فلم يجبها بكلمة » فتقدم تلاميذه وطلبوا اليه قائلين : اصرفها 8 لامها تصيح وراءنا . ونجي ء هذه القصة 5 الاصحاح الثامن صور وصيداء » ودخل بيتاً وهو يريد الا يعلم به أحد » فلم يقدر ان يخنفي لأ امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به » فأنت وخرت عند قدميه » وكانت امرأة أمية وفي جنسيتها فينيقية سورية © .

ففي هذا النص يبين جنس الرأة بأنها فينيقية سورية » وأنما أمية لست من المهود » وفي الأولى توصف بأنها كنعانية أي ليست فينيقية » فأييما الأحرى بالقبول ؟ لا شك أنه لا يمكن أن تكون الروايتاد صادقتين معا أ » بل لابد أن تكون احداهما كاذبة وليست بالهام من الله » لأن الله لا يكذب » واذا كانت احداهما ليست صادقة بيقين » وكاذبة بيقين » وم يدر أيتهما الكاذبة المفتراة » فالشك اذن ملازم الاثنتين لا ينفصل عنبما » حتى نتبين الصدق من الكذب »ء ولا سبيل الى ذلك » ولا يمكن

للا

أن نثبت لأنْهما الهاماً مع هذا الشك الملازم الذي لا سبيل الى ازالته .

(ج) وقد اختلف خبر القبض على المسيح محاكمته في متى عن يوحنا » ففي متى جاء في ذلك بالاصحاح السادس والعشرين ما نصه : وفيما هو يتكلم » واذا يبوذا واحد من الاثنى عشر قد جاء » ومعه جمع كثير بسيوف وعصى من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب » والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلاً : ١‏ الذي أقبله هو أمسكوه فللوقت تقدم الى يسوع ؟ وقال السلام يا سيدي وقبله » فقال يسوع يا صاحب لاذا جعت ؟ حيئئذ تقدموا » وألقوا الأيْادي على يسوع وأمسكوه » هذا ما جاء في متى » وجاء في يوحنا في هذا المقام ما نصه : « فأخذ يبوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء الى هناك بمشاعل ومصاببح وسلاح فخرج يسوع , وهو عالم بكل ما يأني » وقال لهم : من تطلبون ؟ أجابوه : يسوع الناصري » قال لهم : اني أنا هو ء وكان بوذا مسلمه أيضاً واقفاً معهم » فلما قال لهم اني أنا هو رجعوا الى الوراء وسقطوا على الأْض » فسأهم أيضاً من تطلبون ؟ فقالوا يسوع الناصري . أجاب يسوع قد قلت لكم : أني أنا هوء فان كنم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون ليمم القول الذي قاله : ان الذين أعطيتني لم أهلك أحدا ) .

وترى هنا اختلافاً بيناً , بين الروايتين » فمتى يقول : ان يهوذا هو الذي أعلمهم بالمسيح بالعلامة التي اتفق معهم عليها » وهي تقبيله » ويوحنا يقول : ان المسيح هو الذي قدم نفسه وكفى يبوذا مئونة التعريف » ولا شك ان ذلك الاحتلاف البين في رواية حادثة واحدة يجعل احدى الروايتين كاذبة والثانية صادقة » والكاذبة ليست بالهام » فاحداهما ليست باغام » وذ سبل الى معرفتها فيثبت الك في الروايتين ٠‏

٠6.6

وحبسه , ثم محاكمته وصلبه في زعم النصارى . ثم قيامته من قبره » يجد الاختلاف في أخبارها اختلافاً بيناً » ولو كان بعض هذا الاختلاف في شهادة اثنين يشهدان في درهم ما ثبتت بشهادتهما دعوى » ولا انتصر بها حق .

ولتراجع الأناجيل في هذا المقام لتعرف مقدار الصحة في خبها , ولتعرف مقدار ما في دعوى الالمهام لكاتبيها عند كتابتها من حق » فلاشك أن ذلك الاختلاف الذي لا يمكن التوفيق بين متناقضه يودي الى أن تلك الأناجيل يأنيبا الشك من كل جانب » يأتيبا من بين يديها » ومن خلفها ‏ فلا يمكن أن تكون الحاما من حكم حميد .

وان ذلك الاختلاف . فيما أحاط بمسألة الصلب » فوق أنه يفقد الثقة بالأناجيل » هو أيضاً يجعل خبر الصلب عند القارىء الخالي الذهن الذي لم يكن في ذهنه قبل القراءة ما ينفيه أو يثبته موضع الشك الذي يرجح فيه الرد على القبول » والتكذيب على التصديق .

(د) وفي موت يبوذا الذي خان المسيح على زعمهم » اختلفت رواية متى عن رواية لوقا في سفر أعمال الرسل . فمتى يقول : انه خنق نفسه ومات » كا جاء في الاصحاح السابع والعشرين .

ولوقا يقول في سفر الأعمال : انه خر على وجهه , وانشق بطنه » فانسكبت احشاؤه كلها ومات .

ولا شك أن بين الروايتين اختلافاً » لأن الموت بالخنق غير الموت بشق البطن » ولابد أن تكون احداهما على الأقل كاذبة . ولكنها غير معلومة » فيتطرق الشك الى الأخرى فيردان معاً » ولا يمكن أن تكونا بالهام أو لا يمكن مع ذلك الشك الايمان بآن كلتيهما بالهام .

(ه) قد اشتمل بعض هذه الكتب على أخبار لو صحت لكانت

6.5

معلومة مشهورة في التاريخ يعرفها الخاص والعام 2 ولدونتها كتب التاريخ على أنها حوادث مفردة عجيبة في الدهر . ولكن لم يرد لها ذكر في التاريخ » ولم يعرف الناس أمرها إلا من تلك الكتب .

هذا متى يقول عند صلب المسيح وقيامته : فصرخ يسوع بصوت عظم وأسلمٍ الروح » واذا حجاب الميكل قد انشق الى اثنين من فوق الى أسفل ١‏ والأرض ترلزلت » والصخور تشققت » والقبور تفتحت » وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين » وخرجوا من القبور بعد قيامته » ودخلوا المدينة المقدسة » وظهروا لكثيرين . وأما قائد المائة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة » وما كان » خافوا جداً » وقالوا : حقاً كان هذا ابن الله ) .

وهذه حادثة عظيمة لو صحت لدونها التاريمخ العام الذي لم يشر الى المسيح بكلمة » ولو صحت أيضاً لآمن الرومان واليبود » الصخور تتشقق , ولْأْضِ تزلزل » والأموات ينشرون » ويسيرون على الأرض » وبراهم الكثيرون » ويبقى بعد ذلك مساغ لانكار » ولكن لم ترد أخبار بايمان أحد من اليهبود على أثر تلك البينات الباهرات .

ولقد جزم العلامة المسبيحي نورتن بكذب هذه الحكاية » وقال في تكذييها : « هذه الحكاية كاذبة والغالب ان أمثال هذه الحكاية كانت رائجة في اليبود بعد خراب أورشلم . فلعل أحداً كتب هذه الحكاية في النسخة العبرانية » وأدخلها الكتاب في المتن » وهذا المتن في يد المترجم فترجمها 5 وجدها ) .

ونقول : لعل كثيراً مما في المتن أصله في الحاشية ثم نقل خطأ في المتن » واذا كان الأمر كذلك » فكيف يكون هذا الكتاب وأشباهه مصدراً لاعتقاد جازم » وايمان بدين » وكيف يزعم زاعم أن هذا الكتاب

١٠١ا/‎

بحواشيه الدخيلة غير المعلومة من متنه الأصيل » هو بالهام من الله العلي القدير ؟! ولكن ني العام عقول تقبل ذلك .

بيد أنه من الانصاف هذه العقول ان نقول : انهم يقيمون غواشي تمنع نورها أن يكشف عن موضع الضعف فيها فهي لا تقبله على نور وبينة »

8ه- هذه بعض المتناقضات بين هذه الكتب بعضها مع بعض وبعض مناقضتها للعقل والمدون في التاريخ » وانا نحيل القارىء في هذا المقام الى كتاب اظهار الحق للشيخ رحمة الله المندي : فقد أنى بأكثر من مائة اختلاف بين هذه الكتب ؛ وجبه بها مناظريه » فلم يحيروا جواباً » ولم يستطيعوا خطابا » ولسنا نريد أن ننقلها برمتها منه فليرجع القارىء

اليه » فسيجد الغريب .

التناقض بينهبا مبطل لادعاء الاغهام وبيان انكارهم لبعضها ثم اعترافهم به :

واذا كانت هذه الكتب متناقضة متضاربة يلحق الكذب كلها في جملتها واجزائها عند مناقشتها فهي اذن ليست بالهام » ويكفي هذا بطلاناً لمدعاهم 5 الالحام .

وان نسبة هذه الكتب الى من نسبت اليهم على ما فيها » وعلى أنها في ذاتها ليست حجة » هي موضع شك كثير » فانه ليس لهم سند متصل يصل هذه الكتب في أقدم العصور التي عرفت فيها - بالكاتبين لها , فهي لم تعرف معرفة كاملة قبل مجمع نيقية الذي كان في سنة "١5‏ » وم يجيء ذكر لها قبل ذلك إلا على لسان أرينيوس سنة 7٠٠١‏ وكليمنس

. 5١5 سلة‎

ل ان ججمع نبقية م يعترف يكير منها » فان ذلك جميع م يعترف

07 وود 55

. برسالة بولس الى العبرانيين‎

9- ورسالة بطرس الثانية .

. 4- ورسالة يوحنا الثانية والثالثة .

ه- ورسالة يعقوب .

5- ورسالة يهوذا .

- ورؤيا يوحنا التي تسمى « الكتاب النبوي ) ولم يحكم بصحة . هذه الكتب إلا في مجمع لوديسيا سنة 7514 . انقطاع السند في نسبتها لكاتبيها :

فقبل سنة 754 لم يعترف بصحة هذه الرسائل السبع ١‏ وقبل سنة لم تكن الكتب كلها معروفة أو مختصة بذلك التقديس . واخر كتاب من هذه الكتب كتب في القرن الأول » فبين آخر كتبهم تدويناً في زعمهم » ومعرفته والاعتراف به أكثر من خمس وعشرين سنة ومائتين لا راوي يرويها » وقد وقع بهم من الأحداث في هذه المدة ما يذهب باللب ويضيع الرشد » وينسبى المرء معه كل شيء » وان الكتب نفسها لم تسلم من الاضطهاد . فقد أصدر أحد أباطرة الروم سنة 7٠١‏ أمرا بهدم الكنائس » واحراق الكتب » وعدم اجتاع المسيحيين لأداء عباداتهم » فنفذ الولاة الأمر » فهد موا الكنائس ٠‏ وحرقوا الكتب , وأتوا على كل ما المسيحين من بيوث عبادة وكتب ٠‏ هدم وتريقا »ون سبق الى طم أنه أخفى كتاباً عذبوه عذاباً شديداً » حتى يعلنه فيحرق

ومن قبل ومن بعد أنزلوا البلاء بعلمائهم » فما تركوا عالما منهم بالديانة إلا قتلوه » وكان الولاة يتفننون في طرق ابادة المسيحية من الوجود » أبادوا

العلماء حتى لا يوجد من يرشد اليها » ويتوارث العلم بها . وأبادوا الكتب حتى لا تحفظ تلك الديانة في الصدور أو السطور .

ولا شك أن ذلك الاضطهاد الذي دام الى صدر القرن الرابع يجعل الكتب التي رويت قبل ذلك موضع شك في نسبتها الى قائليها » حتى يقوم دليل على صحة تلك النسبة » ولم يقيموا أي دليل » لأن السند منقطع بينها وبين من تنسب الههم » والحبل بينهم وبينها غير متصل بأوهى أنواع الاتصال » لان السند المتصل الذي يطمئن معه القارىء لكتاب » فيغلب على ظنه أنه صادق النسبة لمن نسب اليه » هو أن يروى ثقة عن ثقة مثله » حتى يصل السند الى من لقى المؤلف فيقول : سمعته منه » أو تلقيته عنه » أو قرأته عليه كا ترى في أحاديث رسول الله مويل . ويكون كل راو من تلك السلسلة المتصلة حلقاتها عدلاً ثقة » ضابطاً حافظاً : واذا كان السند غير متصل بين ذيوع هذه الكتب واشتهارها » وبين قائليها » فقد ذاعت بعد سنة 5515 » ومن نسبت اليهم كتابتها كانوا في وسط واخر القرن الأول » فالعقل يتشكك في هذه النسبة » ولا يقبت مع الشك كتاب يكون حجة لديانة .

هذه كتبهم » اعتقدوا أنها كتبت بالهام من كتابها » ولم يقيموا أي

3 على دعوى َك 2 وباراستها ؛ يتبين التناقض به يا » هما يثبت أب

موازنة قس بين أحاديث الرسول َه وكتببم من حيث الرواية :

موازنة بين روايته » ورواية أحاديث رسول الله عله » فقال : « ان الذي يطالع ديباجة بشارة لوقا يستعيد الى ذاكرته ديباجة الأحاديث في

1١٠

الإسلام » غير أنه اذا تشاببت الديباجتان في بعض الأوجه » فان أوجه

الخلاف تفوق بكثير أوجه الشبه » فمن أوجه الشبه :

أ) أن بشارة لوقا والأحاديث كلاهما ترجمة حياة » وأقوال مؤسس لدين واسع الانتشار

ب) ان الذين كتبوها أخذوها عن أقوال مسلمة اليهم .

الى هنا فقط تنتبي أوجه الشبه » أو تبتدىء زاوية الانفراج تتسع الى

أ ) فالأحاديث النبوية كتبها اناس أحذوها عن أناس آخرين » وهؤلاء الاخرون أخذوها عن التابعين + وهؤْلاء أحذوها عن الصحابة » والتبر متى تنقل بين الابدي الكثرة امترج بكثير من التراب » ان لم يتحول ترابا ؛ ولكن لوقا أخذها عن شهود عيان ممن رأوا المسيح ‏ وخدموا انجيله .

ب) نقلت الأحاديث النبوية عن رواة » وما افة الأحبار إلا رواتها » لكن

سيرة المسيح سجلها مؤرخون محققون للأمور المتيقنة عندهم .

كانت مهمة كتبة سية نبي الإسلام جمع الأحاديث وتكديسها ,

لكي يظفروا بأكبر عدد ممكن » وكانت مهمة لوقا القحيص العلمي

إذ كان هو طبيباً عملياً 3 علمياً دقيقاً .

بيان ما في كلامه من زيف :

-0١‏ هذا نص ما كتبه ذلك القس في الموازنة بين أحاديث الرسول نه وانجيل لوقا » ونحن نقره في أن أوجه الاعتلاف تنفرج زاويتها » حتى لا يتلا المتشامبان بعدها » وان .شعت الحق الخالص من كل مويه ) والصدق الخاللي من كل تزوير فقل انه لا تشابه بينهما » كخطين متوازيين

١

ولكن أذلك الاحتلاف يعلى الأحاديث أم يعلي البشارة المنسوبة للوقا ؟ هنا نختلف مع القس , فهو يزعم أن ذلك الانعتلاف يعلي بشارة لوقا ؛ ويفقد الثقة أحاديث الرسول » وهو لكي يؤيد هذا الزعم يأقِ بامحاسن فيسميها مساوىء » ويعرض لما يوجب الثقة . فيزعمه دليل نقيضها » وهو في هذا كمن يزعم قبح الشمس في نورها الرائع » وضوئها الساطع » وقبح القمر في صفائه . وانبلاجه في ظلمة الليل الهم » ثم يستعين في تقبيح انحاسن الى التشبيبات والاخيلة والرموز » كشان المموهين دائماً » عندما يحاولون طمس المعقول ورد المقبول . ومعارضة ما تنتجه بدائة العقول » والمنطق المستقهم .

يقول ان الأحاديث كتبها ناس عن ناس حتى يصلوا الى التابعين » فالصحابة » وبشارة لوقا أخذها عن شهود عاينوا » ويرى أن رواية بشارة لوقا هي المثلى » ورواية الأحاديث ليست المثلى . ويستدل على ذلك بأن التبر متى تنقل بين الأيدي أمترج بالتراب أو تحول الى تراب » فأي دليل هذا ؟ ومن أي أبواب الأقيسة المنطقية » ومن أي أشكاها ؟ ان ذلك ليس من المنطق في شيء » ولا يمت اليه بدسب » بل لا نستطيع أن نقول ان ذلك قياس خطالبي » لان الاقيسة الخطابية » وان كانت ظنية لا تناقض العقل » ولا تكذب على البدائة » ولكنا مع ذلك نناقش ذلك الاستدلال .

ان أحاديث الرسول رويت بسند متصل . وذلك عيبها في زعم هذا الكاتب » وبشارة لوقا لم ترو بسند متصل » وذلك حسنها » واذا قال لك قائل : اين ما تنبت به أنه روي عن شهود عاينوا » ومن هم هؤلاء الذين عاينوا وأخبروه ؟ ولماذا لم يتولوا هم التدوين » وهم أولى بذلك » وكلامهم أحرى بالتصديق ؟ فلا جواب عنده بلا ريب .

فأيتها العقول المستقيمة » أي الخبرين أحرى بالقبول » خبر من ذكر

١1١ ؟‎

أنه روى عن فلان العدل المعروف بالصدق والتقوى ٠‏ وعينه » وعدالته مشهورة » وصدقه معروف . أم خبر من ذكر لك أنه روي عمن عاين ولم يبين من هو ء ولم يخبر عنه ؟ فلم نعرف أهو ثقة مقبول الرواية أم هو غير ثقة كيهوذا الأسخريوطي ؟ ان اقصى ما يقال هو أن لوقا نقل عن بولس » لأنه كان رفيقاً له في بعض أسفاره » ولكن بولس نفسه لم يكن من تلاميذ المسيح الذين عاينوا وشاهدوا بل كان في صدر حياته حربا عليهم والبأً » اذاقهم البلاء أكؤّساً » والشر ألواناً » فهو راو يحتاج الى من يوثقه » ان ادعى أن لوقا روى عنه » وذلك ما لم يقله حضرة القس .

ولننتقل الى مناقشة تشبيه الذي ذكره دليلاً : ان التبر اذا انتقل الى أيد تستطيع صيانته وحياطته - تحفظه من التراب » وتصونه من الاحتلاط به وتميط عنه كل ما يخالط جوهره » فيزداد بهذا الحفظ بريقاً وصفاء . ان أحاديث الرسول َيِه نقلها ثقات صانوها وحفظوها » ولكن يظهر أن القس يأبى في مناقشته إلا أن يخالف كل معقول » حتى يكون كل كلامه متفقاً مع الباعث عليه والداعي اليه » فيزعم أن التبر قد يتحول الى تراب اذا تناقلته الأبدي .

فأيها الناس » ويأيها العرب والعجم » ويأيها الغرب . هل علمتم أن الذهب يتحول الى تراب » ولكن القس المرشد الرشيد يقول ذلك فصدقوه وكذبوا العقل والحس والمشاهدة .

ثم من الذي روى لنا تلك البشارة عن لوقا ؟ ان السند يجب أن يكون معروفاً حتى لوقا . قبل أن نتعرف النسبة بين لوقا والمسيح » ان بشارة لوقا كتبت كا يزعم النصارى في العشرة السابعة بعد المسبح من غير أن يعينوا الزمن تعييناً دقيقاً ٠‏ ولكن لم يرد في التاريخ » ولا على ألسنة الرؤساء والقسيسين أي ذكر لها الى سنة ٠٠١‏ ثم ذكرت الأناجيل الأربعة على لسان اثنين من العلماء فقط من سنة ٠٠١‏ الى سنة 988 » ولم نعرف

0#

أهذه » لايل المدنة 8 الآن هي لني جاء ذكرها على ل لسان وهي فترة طويلة .

ولكن مع كل هذا , يستحسن القس إبراهم سعيد تلك الحال » فقد زينت له فرآها الأمر الحسن الجدير بالثقة . ورأى غيها الأّمر القبيح الجدير بالرد . وهل نطالب ذا رمد أن يفتح عينيه في ضوء الشمس . أو نطالب من فقد حاسة الشم أن يدرك أريم الزهر » وعرف الطيب » أو نطالب من أيفت منه المشاعر أن يكون صادق الحس دقيق الشعور .

5- ولتنتقل الى الفرق الثاني الذي ذكره معلياً لبشارته » ومنزلاً بأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام يقول : نقلت الأحاديث عن طريق رواة » وما آفة الأخبار إلا رواتها » أما سيرة المسيح فقد سجلها مؤرخون محققون للأمور المتيقنة عندهم .

هذا ما ذكره بنصه تقريباً » وهو يبين أرجحية أخبار أناجيله عن سيرة المسيح بأنها رواها التاريخ » أما عن السنة فرواية رواة » وآفة الأخبار رواتها » ولا نريد مناقشة تلك الكلمة العامية التافهة ( افة الأحبار رواتها » فانها لا تصلح مقدمة لدليل علمي » ولو أن طالبا ممن تلقوا العلم علينا قالها لعركنا أذنه وأسررنا اليه أن رواة الأخبار الذين هم افاتها إنما هم الكاذيون . أما الصادقون العادلون » فليسوا آفاتها بل حملتها » وإلا ما صحت شهادة » ولا قبل القضاء بينات » ولا ثبتت حقوق » ولا أدين متهم » ولا برىء بريء .

ثم يقول ان اناجيله سجلها مؤرخون محققون » فكيف نسميهم ؟ أرواة رووا عن غيرهم ؟ ان كانوا كذلك . فقد سجل على سيرته ما عده قبيحاً عند غيره » وان كانوا مؤرخين لم يتعرفوه بطريق الرواية » بل بالنقش

١15

على الأحجار » أو فيما استبطنته بطون الآثار » فأي أثر هذا وجدوا تلك الأناجيل منقوشة عليه » ومدونة فيه » وأثبت التحقيق العلمي أنها ترجع الى عصر المسيح » وأنه هو الذي ألقاها , أو أن تلاميذه دونوها عنه ؟ .

إن أخبار التاريخ تثبت بأحد أمرين » أما بالرواة يروون » أو بالآثار . ينقبون فيها » ويتعرفونها منها » لم تثبت الأناجيل بواحد من الأمرين » | فليست ثمة رواية لها ولا رواة » وهم ينزهونها عن ذلك » ولا اثار تنطق بها » وتعلن خبها فهي أذن يرفضها التاريخ , ولا يمكن أن يسجلها مؤرخون محققون قط , وان التاريخ لا يعرف ها ذكرا إلا من مجمع نيقية أو بعده . فهي مسندة الى ثمانية عشر وثلاثمائة اجتمعوا في نيقية : وليست محققة النسبة لغيرهم بل بعضها ليس محقق النسبة عندهم » وبين هؤلاء وبين المسيح خمس وعشرون سنة وثلاتمائة ؟؟ وبعد هؤلاء المجتمعين تناقلها الرواة عنهم » وان اغضب ذلك حضرة القس » وان ذلك المجمع لنا فيه كلام » سنقوله في موضعه .

5- ولننتقل الى مناقشة الفرق الثالث الذي ظنه رافعاً مؤرخيه الى مرتبة الثقة » يقول : كا كانت مهمة كتبة سية النبي عَُ الجمع » ليظفروا بأكبر عدد من الأحاديث . أما مهمة لوقا » فقد كانت التحقيق والتقحيص » وهنا نرى القس أخذ يجد بعد الهزل » ويقول بعد الهذر , ولكنه اذ ابتدأ بجد قد كذب وأعظم الفرية على أحاديث نبينا » وادعى على بشارة لوقا ما ليس فيها » فأي تحقيق علمي فيها » وأي تمحيص اشتملت عليه ؟ انها لا تفترق عن غيرها من حيث اشتاهها على أمور غربية » وأشياء عجيبة » لم يبين لنا رأيه فيا » » بل كان قاصاً ككل لقصاص ء فا بوفعها انه كان مسا + لأ نسها اليه موضع شلك كبير » ولم يتفق الكتاب على شخصه 5 بينا » ولم يتفقوا على أنه كان

25

طبيباً » بل منهم من قال انه كان مصوراً » وعلى ذلك تكون دعواه

١1١6

التمحيص في بشارة لوقا لا تؤيدها ما دون فيها » ولا تؤيدها نسبتها الى لوقا .

ولننتقل بعد ذلك الى رد افترائه » وكذبه على أحاديث النبي َي » فان المطلع على أخبار رواتها العدول » وما كتب في صحاحهم يتبين له أنبم ما كان همهم الجمع » بل كان همهم التنقيب والبحث » فانهم ما كانوا يروون كل ما يتلقون » بل يختارون الصادق بما يتلقون » وان الذي يرفضون كان أضعاف ما يقبلون وينقلون » لأنهم كانوا يتحرون الصدق ليتميز الخبيث من الطيب » وان الصحابة كانوا يتبمون من يكثر من الرواية خشية أن يخبر عن الرسول بغير ما رأى وشاهد » فكيف يقول ذلك الرجل على غير علم » أو محرفاً الكلم عن مواضعه : ١‏ ان رواة الأحاديث كان همهم الجمع ) . كلا انهم كانوا ينقدون ما يروون » ينقدون السند ألا » فلا يقبلون إلا من الرواة الذين اشتهر صدقهم وضبطهم وفهمهم لا يحملون ويروون ٠»‏ وينقدون متن الحديث فيعرضونه على الكتاب وما أشتبر من السنة واستفاضت به الأخبار » وما علم من هذا الدين بالضرورة : فان لم يخالفها بعد أن روى بسند متصل مكون من عدول كان مقبولاً » وإلا كان مردوداً » ونريد أن همس في أذن حضة القس الرشيد بأن من أسباب ردهم لبعض الأحاديث ورفض نسبتها الى الرسول عليه الصلاة والسلام - عدم موافقتها للعقل » فهل له أن يطبق ذلك النقد على أناجيله ورسائله ؟ انا ننصح له أن يفعل » لان نريد له المدى . لا الضلال » والرشد لا الغي » وهي نية نحتسبها

عند الله . نظرة في الوحي في الإسلام والوحي في المسيحية :

4- نريد ان نختم مناقشتنا لذلك القسيس بمناقشة كلمة ذكرها : وهي التفرقة بين الوحي في الإسلام والوحي في المسيحية . فيقول عن

الملدل

الوحي في الإسلام : « أن الوحي في الإسلام هو التجرد عن كل ثبيء انساني » وتلاوة ما يسمونه اللوح المحفوظ ولكن الوحي في المسيحية يجمع بين العنصر البشري والعنصر الإممي أي الملهمات الألهية تتجسد في لباس لغوي بشري » لتكون مفهومة لدى الناس الذين تبلغ الهم » فالكلمة المعلنة المكتوبة في الإنجيل هي رمز لكلمة الله » الوحي المعلن لنا حق الله.

من أجل هذا يعتقد المسيحيون أن الوحي بالروح القدس لا يحرم على الموحى اليهم استخدام الوسائل البشرية الاجتهادية الممكنة لديهم ولا يرفع عن الكاتب مسكولية الاجتهاد » والتحقيق والتدقيق » هذا بخلاف الاعلانات امحتوى عليبا كتاب الوحى التى لا تتدخل فيبا مواهب الكاتب الطبيعية » بل هي من الله أولاً واخراً » كالنبوات المتفرقة في كل أجزاء الكتاب المقدس » وسفر الرؤيا » .

معنى الوحي :

هذه كلمته » ونريد قبل أن نتعرف من تلك الكلمة معنى الوحي في كتبهم أن نسارع الى بيان وحي الله لنبيه عَييُهِ قسمان : قسم يوحى به على أنه كلام الله تعالت كلماته » ولهذا يكون المعنى والتعبير لله جلت قدرنه » وذلك كا في القراث ام الذي نك » ردح الامين .

١‏ إذة كله عي لير ف الشلام / يكن صحيسا في مه وكان عليه أن يتحرى قبل أن يكتب » ولكنه لم يفعل .

ولننتقل الى الوحي بالكتب عندهم » وهذا ما نريد أن نتأخذ العلم به عنه » وعساه يبدينا الى ما نعرف به محض الحق المبين .

1١1 /

هو يقول ان كلمات الانجيل ليست هي كلمات الروح القدس التي ألهمها رسلهم » سواء في ذلك كل كتبهم » فالعبارة فيها للكاتب » وليست للروح القدس الذي يلهم رسلهم بما يكتبون فيما يزعمون » ثم تنقسم كتبهم بعد ذلك الى قسمين : قسم هو وحي لا تدخل فيه المواهب الطبيعية بالتصرف فيه بأي نوع من أنواع التصرف ء وهو ما يسمى بالنبوات عندهم . والقسم الثاني تتصرف فيه مواهب الكاتب » وفي هذا القسم لا يرفع عن الكاتب ما يوجبه عليه التحقيق والتدقيق والاجتباد .

ونظرة فاحصة الى هذا القول ترينا أن الامام قد أحذ يضوّل أمره » وتتواضع دعواه » خخصوصاً بالنسبة للأناجيل » لأنها ليست بكتب نبوة كالرؤيا » ولم يتخللها كلام الله » يفعل بولس في رسائله » اذ كان يزعم أحياناً أنه يتكلم عن الله » وأحياناً يقول أنه يتكلم من عنده , فالأناجيل ليست فيها اذن تلك النبوات » وعلى ذلك يكون للمواهب الطبيعية البشرية دخل في كتابتها » ويتحملون تبعة الاجتهاد فيها والتدقيق واتقحيص » ومن يتحمل تبعة عمل ينسب اليه . وعلى ذلك قد يتوارد الخطأ على اجتهادهم وتدقيقهم بتمحيصهم » فيكون من أخبارهم ما صادف التحقيق فيه الصواب » وما عرض له الخطأ » وكيف تكون بعد ذلك بالهام أو وحي ؟ وكيف تكون مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ؟ واذن فد أتوا على دعوى الالهام بالنقض فلا الهام في الأناجيل اذن .

هذه كلمتنا في كتبهم تحرينا فيبا أن نكتبها ك| كتبها المسيحيون » ونوجه من النقد ما وجهوا , وذلك لكي ننصف القوم .

ولقد ألقينا عليها نظرة فاحصة لنواتم بين أخبارها الختلفة » ونجمع بين الأقوال المتضاربة » ونشير الى حكم العقل المستقيم عليها » أهي صالحة

١14

لأن تكون مصدر دين يتدين به ألوف الألوف من البشر وأهل العلم » أم غير صالحة ؟.

ان كتاب كل دين هو و الأصل والدعامة والأساس » فاذا كان ن غير بى اله انبارء وقد أصله » ول يعد شياً في الأديان متكواً .

ولننتقل بعد ذلك الى عقيدة المسيحيين » وبعض شرائعهم 5 جاءت بها تلك الكتب التي علمت أمرها .

>16

النصرانية ما هي عند النصارى وفي كتبيم العقهيدة :

ه- جاء في كتاب سوسنة سليمان » لنوفل بن نعمة الله بن جرجس النصراني أن « عقيدة النصارى التي لا تختلف بالنسبة لها الكنائس » وهي أصل الدستور الذي بينه المجمع النيقاوي هي الإيمان بإله واحد آب واحد » ضابط الكل » خالق السماء والأأض . كل ما يرى وما لا يرى » وبرب واحد » يسوع الابن الوحيد المولود من الأب قبل الدهور من نور الله . إله حق من إله حق , مولد غير مخلوق » مساو للأب في الجوهر » الذي به كان كل ثبيء والذي من أجلنا نحن البشر » ومن أجل خخطايانا نزل من السماء » وتجسد من الروح القدس , ومن مريم العذراء تأنس » وصلب عنا على عهد بيلاطس ٠‏ وتألم وقبر » وقام من الأموات في اليوم الثالث على ما في الكتب . وصعد الى السماء وجلس على يمين الرب » وسيأقي بمجد » ليدين الأحياء والأمُوات » ولا فناء لملكه والايمان بالروح القدس الرب المحبي المنبثق من الاب » الذي هو مع الابن يسجد له » ويمجد . الناطق بالانبياء )

هذا هو جوهر العقيدة ولبها الذي لا اختلاف فيه » وني هذا الكلام أيهام يحتاج الى فضل بيان » وانا مستعينون في توضيحه بما كتبوه هم ,

لا نتزيد عليهم بقول , ولا نفرض عليهم فهمنا » ولكي نكون صادقٍ الحكاية لكل أقوالههم من غير أي تحريف ». والذي يستفاد من هذا أن أساس العقيدة يقوم على ثلاثة عناصر :

العنصر الأول : التثليث والايمان بثلاثة أقانم .

والعنصر الثافي : صلب المسيح فداء عن الخليقة وقيامه من قبره )

والعنصر الثالث : أنه يدين الأحياء والأموات . ولنتكلم عن كل واحدة من هذه العناصر :

عقي دة التنليث : 5- قال الدكتور بوست في تاريخ الكتاب المقدس : « طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقاننم متساوية : الله الآب , والله لابن » والله الروح القدس . فالى الآب ينتمي الخلق بواسطة الابن » والى الابن الفداء » والى ويفهم من هذا أن الأقانم الثلاثة عناصر متلازمة لذات الخالق . التوراة والتناليث :

وقد فسر هذا المعنى القس بوطر في رسالة صغيرة » سماها الأصول والفرو ع » واليك ما جاء فيها : ( بعد ما خلق الله العالم » وتوج خايقته بالانسان لبث حينا من الدهر لا يعلن له سوى ما يختص بوحدانيته » ”م يتبين ذلك من التوراة » على أنه لا يزال المدقق يرى بين سطورها اشارات وراء الوحدانية » لأنك اذا قرأت فيها بامعان تجد هذه العبارات :

كلمة الله » أو حكمة الله » أو روح القدس » ولم يعلم من نزلت الهم التوراة ما تكنه هذه الكلمات من المعاني » لأنه لم يكن قد أنى الوقت المعين الذي قصد الله فيه ايضاحها على وجه الكمال والتفصيل » ومع ذلك فمن يقرأ التوراة في ضوء الانجيل يقف على المعنى المراد » اذ يجدها تشير الى أقانم في اللاهوت . « ثم لما جاء المسيح الى العالم أرانا بتعالمه وأعماله المدونة في الانجيل أن له نسبة سرية أزلية الى الله » تفوق الادراك » ونراه مسمى في أسفار اليبود : « كلمة الله ) وهي ذات العبارة

١7

المعلنة في التوراة » ثم لما صعد الى السماء أرسل روحاً » ليسكن بين المؤمنين » وقد تبين أن لهذا الروح أيضاً نسبة أزلية الى الله فائقة » م للابن » ويسمى الروح القدس ». وهو ذات العبارة المعلنة في التوراة م ذكرنا » وثما تقدم نعلم بجلاء أن المسمى بكلمة الله والمسمى بروح الله في نصوص التوراة هما المسيح . والروح القدس المذكوران في الانجيل » فما نحت اليه التوراة صرح به الانجيل كل التصريح , وان وحدة الجوهر لا يناقضها تعدد الأقانم » وكل من أنار لله ذهنه وفتح قلبه فهم الكتاب اللقدس لا يقدر أن يفسر الكلمة بمجرد أمر من الله أو قول مفرد , ولا يفسر الروح بالقوة التأثيرية ٠‏ بل لابد له أن يعلم أن في اللاهوت ثلاثة انم متساوين في الكمالات الالية » ومتازين في الاسم والعمل » والكلمة والروح القدس اثنان منهم » ويدعى الأقنوم الأول الآب ويظهر من هذه التسمية أنه مصدر كل الأشياء ومرجعها . وأن نسبته للكلمة ليست صورية بل شخصية حقيقية » ويمثل للأفهام محبته الفائقة » وحكمته الرائعة » ويدعى الأقنوم الثاني الكلمة » لأنه يعلن مشيئته بعبارة وافية » وأنه وسيط امخابرة بين الله والناس » ويدعى أيضاً الابن » لأنه يمثل العقل نسبة المحبة » والوحدة بينه وبين أبيه » وطاعته الكاملة لمشيكته » والقييز بين نسبته هو الى أبيه » ونسبة كل الأشياء اليه » ويدعى الأقنوم الثالث الروح القدس » الدلالة على النسبة بينه وبين الاب والابن » وعلى عمله في تنوير أرواح البشر » وحثهم على طاعته ) الجن لا يعنى به الولادة البشرية :

وبناء على ما تقدم يظهر جلياً ان عبارة الابن لا لا تشير كا فهم بعضهم خطأ الى ولادة بشرية » ولكنها تصف سرية فائقة بين أقنوم وآخر في اللاهوت الواحد » واذا أراد الله أن يفهمنا تلك النسبة لم تكن عبارة أنسب من الابن للدلالة على الحبة والوحدة في الذات » والأمانة للمشورة

١"

الاهية 2 وأما من حيث ارلادة البشرية فالله منزه عنها » لأجل هذه الكلمة الالية أن في الاميت ثلاثة انع ؛ حسب نص الكلمة الأزلية »

ونجد كاتب هذا الكلدم يحاول ثلاث محاولات : أولاها : اثبات أن التوراة وجد فيها أصل التثليث » لوحت به ولم ٠‏ تصرح » وأشارت اليه » ولم توضح .

وثانيها : أن في اللاهوت ثلاثة أقانم » وهي في شعببا متغايرة وان كانت في جوهرها غير متغايرة .

وثالثها : أن العلاقة بين الاب والابن ليست ولادة بشرية » بل هي علاقة المحبة والاتحاد في الجوهر .

ولقد كان بيان ذلك المعنى أوضح من هذا البيان في قول القس إبراهم سعيد في تفسير بشارة لوقا » فقد جاء فيه تفسير معنى كلمة ابن العلى التي جاءت في أنجيل لوقا ما نصه : « يليق أن نوضح بكلمات موجزة المعنى المراد ( بابن العلى » أو ابن الله » فلم يقصد بها ولادة طبيعية دانية من الله وإلا لقيل ولد الله » وم يقصد بها ما يقال عادة عن عامة لله وم يتصد بها تفرقة فى امقام من حيث الكبر والصفر إل الزمنية ولا في الجوهر » لكنه تعبير يكشف لنا عمق المحبة السرية التي بين المسيح والله » وهي محبة متبادلة » وما المحبة التي بين الاب والابن الطبيعيين سوى أثر من آثارها » وشعاع ضغيل من بهاء أنوارها » ويراد بها اظهار المسيح لنا أنه الشخص الوحيد الذي حاز رضا الله » وأطاع وصاياه » فقبل الموت موت الصليب » لذلك يقول الله فيه : « هذا ابنى

١7*

الحبيب الذي به سررت » له اسمعوا ) وقد تكررت هذه العبارة عدة مرات مدة خدمة المسيح على الأْض لأنه تمم ارادة الله في الفداء » ويراد بها اظهار التشابه والتماثل في الذات » وني الصفات وفيٍ الجوهر » 5 يكون بين الاب والابن الطبيعيين » فقيل عن المسيح انه بهاء مجد الله » ورسم جوهره » وقال هو عن نفسه : من راني رأى الآب ء أنا والآاب واحدء ويراد +ها دوام شخصية المسيح باعتباره الوارث لكل شيء الذي منه وبه له كل الأشياء » وقد يراد بها معان كثيرة غير معدودة يقصر دون أدراكها العقل ) .

الثالوث أشخاص متغايرة » وإن كان وجودها متلازماً :

7- وني هذا التفسير » والتفسير الذي سبقه يبدو بجلاء أن شخصية الابن غير الاب » وكذلك روح القدس . ولكن هل يدخل في الأقنوم الثاني جسده وروحه ؟ جاء في كتاب خلاصة تاريخ المسيحية في مصر : ١‏ كنيستنا المستقيمة الرأي التي تسلمت أيمائها من كيرلس وديسقوروس . ومعها الكنائس : الحبشية ء «الأأمنية والسريانية والارُوذكسية تعتقد أن ذات الله واحدة مثلثة الأقانم » أقنوم الآب » وأقنوم الابن » وأقنوم الروح القدس » وأن الأقنوم الثاني أي أقنوم الاين تجسد من الروح القدس » ومن مريم العذراء » مصيراً هذا الجسد معه واحداً وحدة ذاتية جوهرية منزهة عن الاختلاط والامتزاج والاستحالة » بريئة من الانفصال » وببذا الاتحاد صار الابن المتجسد طبيعة واحدة من طبيعتين » ومشيكة واحدة ) .

وتعتقد الكنيسة اليونانية الأربُوذْكسية والكنيسة الكاثوليكية بأن للأقنوم الثاني طبيعتين ومشيكئتين » ومن هذا نرى أن الكنائس كلها تعتقد التثليث » وهذا هو موضع اتفاق . ولكن موضع الخلاف بينها هو العنصر الالمي في المسيح . أهو الجسد الذي تكون من الروح القدس

١5

ومشيئة واحدة أم أن أ الثاني ! له طبيعتان ومشيتان ِ.

4- ومن هذا كله يفهم أن المسيحيين على اختلافهم يعتقدون أن في اللاهوت ثلاثة يعبدون » وعباراتهم تفيد بمقتضاها انهم متغايرون وان اتحدوا في الجوهر والقدم » والصفات » «التشابه بيهم كامل » ولكن كتابهم يحاولون أن يجعلوهم جميعاً أقانم لشيء واحد ٠‏ وبعبارة صريحة بحاولون الجمع بين التثليث والوحدانية » ولكن عند هذه امحاولة تستغلق فكرة التثليث » وتصير بعيدة عن التصور . 5 هي في ذاتها مستحيلة التصديق » وان كتاء بهم أنفسهم يعتقدون أنها بعيدة التصور عند هذه ا محاولة » لأن من أصعب الأشياء الجمع ب بين الوحدانية والتثليث .

فنرى صاحب رسالة الأصول والفرو ع بعد بيان عقيدة التثليث » يقول : ١‏ قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا » ونرجو أن نفهمه فهماً أكثر جلاء في المستقبل » حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السموات وما في الأض » وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية » أي أن عقيدة التثليث لا يمكن أن تنكشف للنفس على وجهها إلا يوم تتجلى كل الأشياء لها يوم القيامة » وذلك حق ء فانهم لا يعلمون حقيقتها إلا يوم يتحاسبهم الله عليها . لماذا يحاولون الجمع بين الوحدانية والتغليث :

ولاذا شغف النصارى بكر التوحيد بجوار التثليث » أو على الأقل يجتبد بعضهم في بيان أنه لا منافاة بينهما ؟ لعل الذي يدفعهم الى ذلك هو اعتبارهم التوراة كتابا مقدسا عندهم » وهي تصرح بالتوحيد ‏ وتدعو اليه » وتحث عليه » وتنبى عن الشرك بكل شعبه . وكل أحواله » بل تدعو الى البراءة من المشركين أينا كانوا » وحيئا ثقفوا .

١"

فهم يبتهدون أولاً في أن يستنبطوا من نصوصها ما يحملونه على الاشارة الى التثليث » كعبارة « كلمة الله )أو عبارة « روح القدس ) .

وثانياً : يحاولون أن يرجعوا التثليث الى الوحدانية » لتلتقي التوراة مع الانجيل فيقربوا التوراة الهم بتحميل عباراتها ما لا تحتمل ٠‏ ويقربوا عقائدهم من التوراة بتضمين ثالوثهم معنى التوحيد » وان كان هو ايضا لا يحتمل ذلك » ولعل ذلك تتميم للفلسفة الرومانية التي كانت تحاول الجمع بين مسيحية المسيح عليه السلام » ووثنية الرومان » وتوراة المهود بما تحمل من وحدانية ظاهرة لا شية فيها » إلا التجسيد » أو ما يوهمه في بعض عباراتها .

4 ولقد م0 اكتاب المسيحية في أثبات أن عقيدة التثليث وألوهية المسيح قد وردت بها كتبهم المقدسة » ويسندونها الى آياتها » سواء أكثنت من كتب مهد القدم ؛ أم من كب المهد البديد » فيقول صاحب كتاب الاصول والفروع : ١‏ أما الآيات الالحية التي تنبت لاهوت المسيج فهي كثيرة جداء 6 المقام نكتفي باقتباس شيء يسير » فمن أقواله تعالى بلسان أشعياء النبي : ١‏ ها العذراء تحبل » وتلد أبنا » وتدعو اسمه عمانوثيل ( أي الله معنا ) » وقوله : ١‏ كأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنأ » وتكون الرياسة على كتفه : ويدعى اسمه عجيباً » مشي الا قديرا » أبا أبدياً رئيس السلام ) : أشعياً لا : 514 و90 : 5.

ك0 عماده وتجليه على اخيل شهد له لله من السماء بصوت ؟م وا ا ه.

ويشهد له يوحنا الرسول قائلاً : في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله » وكان الكلمة الله .. كل شيء به كان . وبغيو لم يكن شيء

١5

والكلمة صار جسداً » وحل بيننا » ورأينا مجده مجدأً » كا للوحيد من الاب مملوءا نعمة وحقا . يوحنا ١ : ١‏ و” و 4.

وقال المسيح نفسه : أنا والآب واحد » يوحنا ٠١‏ : 0" » وقال له أحد تلاميذه : « ربي والمهي ) يوحنا 7٠١‏ : 758 وقبل منه السجود . وم يونخه على دعوته الها » ولا سأله رئيس الكهنة » وقال له : أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا : هل أنت المسيح ابن الله ؟ أجابه المسيح على الحلف : ( أنا هو ) قال متى 5” : ”5 بمرقس ١8‏ : ”57 ء وحينا ركب بحر الجليل أظهر طبيعتى لاهوته وناسوته الكليتين » وذلك بينا كان نائماً هاجت الرياح » واضطربت الأمواج » فقام من النوم وأسكتها . فصار هدوء عظم » متى 6 : +5 - 307 فبنومه أظهر ناسوته ) وبتسكينه الأمُواج والرياح أظهر لاهوته » .

ويقول صاحب ذلك الكتاب في أقنوم روح القدس : ١‏ ومن حيث أقنومية الروح القدس فظاهر من كلمة الله » لأن أشعياء يقول : ( ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه » فتحول لم عدواً » وهو حاربهم أشعياء " : ٠١١‏ .

ويقول الرسول بولس : لا تحزنوا روح الله القدس » ومن المعلوم أنه ان كان للروح قوة » أو صفة » أو شيء من الأشياء غير العاقلة لا يمكن أن يحرن » أو يفرح أبداً : فلابد أن يكون أقنوماً .

ثم نفر.في سفر الأعمال أن الروح قال للرسول : ١‏ أفرزوا الى برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما اليه ) .

وهكذا يسترسل في أمثال هذا الاستدلال الى أن يقول : « وقيل عن أعمال الله أنها أعمال الروح هو الذي خلق العالم » ويجدد النفوس » والمولود منا مولود من الله » ويحيى أجسادنا الميتة » وهو على كل شنيء قدير ) .

١

وفضلاً عما ذكر نجد في الكتاب أن الحقوق والصفات الآلهية تنسب على سواء الى كل من الاب والابن والروح القدس .

ولكل منهم تقدم العبادة وهم متساوون ومتحدون » ”ا نرى في دستورية المعمودية : ( عمدوا باسم الاب والابن وروح القدس ) » متى ١١» ١5 :‏ و«البركة الرسولية نعمة ربنا يسوع المسيح » ومحبة وبركة الروح القدس مع جميعكم ) .

ثاب هذه هي استدلالاهم من كتبهم لاثبات عقيدة التثليث » والابراء علدا » وأثبات سندها من تلك الكتب » قد أطلنا في نقلها عنهم ‏ واقتطعناها من عباراتهم بنصها , ولم نتصرف فيها أي نوع من أنواع التصرف في البيان خشية التزيد عليهم » وخشية أن يودي التصرف في التعبير الى التغيير في الفكرة » وترى أنهم لم يعتمدوا في أثبات تلك العقيدة على أي دليل عقلي » بل كل اعتادهم على ما عندهم من نقل يحملونه من أثقال المعاني ما تنوء به العبارات . ولا تحتمله أبعد الاشارات » وأنهم اذا حاولوا أن يربطوا قضية التثليث بالعقل حاولوا جهد الطاقة أن يجعلوا العقل يستسيغها في تصوره » ويحسون أن العقل لا يكاد يستسيغ ذلك التصور » وقد نقلنا لك من عبارتهم ما يفيد ذلك » فأرجع اليه .

واذا كانت حاولا تيم تصوبر اقضية فد اجهدنهم » وكشي ما يطيقون » فكيف يستطيعون أن يجعلوا من بدائة العقل ما يحملة على تصديق ما يدعون والاقتناع بما يقولون » لذلك لم يحاولوا أن يتجهوا الى العقل لاثبات قضيتهم من بدهياته » فان ذلك ليس في قدرة أحد »ء اذ ليس في قدرة أحد من البشر جمع النقيضين في قرن » «التوفيق بين الاضداد » وقضيتهم والبدهيات العقلية نقيضان لا يجتمعان .

١58

ونرى أن اعقادهم على النقل لا يغني من الحق شيئاً » لأن شروط الانتاج في استدلالهم غير مستوفاة » اذ ترى أن تلك العبارات التي عثروا علمها في كتبهم لا تفيد على وجه القطع ما يريدون » بل قد تفيد بأبعد أنواع الاحتالات » أو باحتال قريب » ومن المعلوم في قواعد الاستدلال أن الاحتال اذا دخل الاستدلال أبطله » وكل أدلتهم ينفذ الاحتال اليها من كل جانب . هذا وان الاستدلال بكتبهم يفيد من يصدقها وهي ذاتها يعروها النقد العلمي في سندها , وفي متنها من كل ناحية » فهي في ذاتها في حاجة الى دفاع طويل لاثباتها » وقد بينا ذلك كله في موضعه من بحثنا . صلب المسيح فداء عن الخليقة :

١ا-‏ ولنترك الآن الحديث في عقيدة التثليث » ولكن يجب قبل تركها مؤقناً أن نشير الى أن التثليث لم يرد دفعة واحدة على المسيحية , بل تود عليها شيئاً فشيثاً » الى أن أعلن نبائياً عند غاليتهم في ماية القن الرابع الميلادي » وسنبين ذلك كله فضل بيان في تاريخ المجامع المسيحية » وأسباب أنعقادها » وقراراتها » ومداها في موضعه من هذا البحث » ولنتكلم الآن في العنصر الثاني من عناصر العقيدة المسيحية , وهي صلب المسيح فداء عن الخليقة » وقد أشرنا اليها اجمالاً من قبل . يقولون في هذا : ان الله من صفاته المحبة » حتى لقد جاء في الكتب اللقدسة عندهم : ١‏ الله محبة » ومحبة الله ظهرت في تدبيره طريق الخلاص للعالم » لان ١‏ العالم من عهد سقوط ادم في الخطيئة » وهبوطه هو وبنيه الى الدنيا » مبتعد عن الله بسبب تلك الخطيئة » ولكن الله من فرط محبته وفيض نعمته رأى أن يقربه اليه بعد هذا الابتعاد » فأرسل هذه الغاية ابنه الوحيد الى العالم » ؛ ليخلص العالم » » وقد جاء في انجيل لوقا : « وان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب », ويخلص ما قد هلك , فبمحبته ورحمته

اخدل

قد صنع طريقاً للخلاص » لهذا كان المسيح هو الذي يكفر عن خطايا العام ٠‏ » وهو ر الوسيعة لذي وق ين عبة ال تعالى » وبين عدله ورخت 2 ما اقترف أبوهم » ولكن باقتران العدل بالرحمة ‏ ولتوصيط الى الوحيد وقبوله للتكفير عن خطايا الخلق قرب الناس من الرب بعد الابتعاد ؛ وقل كان التكفير الذي قام به المسيح هوالصلبء لهذا صلب » ورضى الله قبره » ويقولون أنه كان قد انبا بذلك قبل صلبه .

جاء ف انجيل متى في الفقرة التي بعد بيان الصلب : ( اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون الى بيلاطس قائلين : يا سيد » قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي : اني بعد ثلاثة أيام أقوم » فمر بضبط القير الى اليوم الثالث » لكلا يأتي تلاميذه ليلاً » ويسرقوه » ويقولوا للشعب انه قام من الأموات فتكون الضلالة الأخية أشر من الأولى » فقال لهم بيلاطس : عندم حراس » أذهبوا » واضبطوه 5 تعلمون » فمضوا وضبطوا القبر بين أن ظهوره كان بين تلاميذه .

وقد قام من القبر بعد ثلاثة أيام كا ذكرت أناجيلهم » ولكنها اختلفت في تفصيل القيام » فمة فمتى ذكر أنه ظهر في الجليل » ولوقا ذكر أ طهر ف أويشلي ويا ذكر أله ظهر في الهودية ليل مما ومرقس بين أن ظهوره بين تلاميذه .

وقد ذكر القس إبراهم سعيد توفيقاً بين هذا الاختلاف فقال : ( اجمع البشيرون الأربعة على تقدير هذه الحقيقة . ليس المسيح في القبر » لأنه قام ما قال » لكن كلا منهم كتب عن القيامة وظهور المسيح للتلاميذ من وجهة نظره الخاصة » متى كتب عن ظهور المسيح في الجليل » لأنه كتب عن المسيح الملك.» ولوقا كتب عن ظهوره في

ل

أورشلم » لأنه كتب عن المسيح مخلص جميع الأمم مبتدثاً من أورشلم » ويوحنا كتب عن ظهوره في اليبودية والجليل لأنه كتب عن المسيح ابن الله الابدي صخر الدهر ؛ ومرقس كتب عن ظهور المسيح للتلاميذ في فترات منقطعة » ليشدد عزائمهم للقيام بالخدمة التي تنتظرهم » لأنه كتب عن المسيح الذي جاء ليخدم البشرية » ويرفعها الى مستوى الكمال . كل هذا لكي يوقع البشيرون الأبعة نعمة مشعبة متنوعة العناصر لأنشودة القيامة امجيدة » فلئن تنوعت روايتهم » إلا أنها لا تتناقض ) .

وهذا أشبه بالتعلات التي لا تناقش . ولا تقوى أمام النظر المنطقي المستقيم » ولكنها تقبل في الخطابيات » فهي كالزهرة ترى وتشم » ولكن ١‏ تعرك » وذلك أن هذا التوفيق يقوم على قضيتين :

احداهما : أن كل اثبيل كتب لغرض معين لا يضمل في عمومه ما كتب له الانجيل الآخر .

وثانهما : أن كلا ذكر المكان الذي يتفق مع غرضه » واذن فلا اختلاف في الخبر .

وهذا الكلام فيه نظر في مقدمته ونتيجته » وذلك لأنه لو كان متى كتب يخبر عن المسيح املك , ولوقا عن المسيح امخلص » وهكذا لكان كل انجيل مغايرا للأناجيل الأحرى تمام المغايرة » مبايناً له تمام المباينة ‏ لأنه يكتب في موضوع بخالف ما يكتب فيه الآخر » وان كان الشخص واحدا » كأن يكتب كتاب عن شخص بارز في السياسة والقانون . فكاتب يكتب عنه سياسياً » وآخر يكتب قانونياً فالموضوع يختلف , وان كان الشخص متحداً , ولكنا لا نجد في الأناجيل فى مجبوعها ذلك التغاير » وعلى فرض تسليم تلك القضية لا نستطيع أن نسلم القضية

ضفن

انخلص » وهكذا . فلماذا اخعتصت هذه بالملك وتلك بالخلاص ؟ ان ذلك التخصيص تحكم لا يعتمد على منطق » وعلى فرض صحة المقدمتين » فان النتيجة لا تنبني عليهما » لأن النتيجة اختللاف ذكر الأْكنة في حادثة معينة والشهادة بها » فأحد الشهود يقول : انه راه في الجليل » واخر يشهد بوجوده بين التلاميذ في فترات متقطعة ١‏ وثالث يشهد بوجوده في أورشليم » واذا اختلف الشهود في مكان حادثة معينة كان اختلافهم سبباً للظنة في الشهادة واتهام الشهود فيبا » ولكن قيل أن المسيح ظهر في الأمكنة التي ذكرت » بيد أن كلا ذكر ما رأى » وم يكن رآه فيها جميعاً كان الكلام مستقيماً » ولكن يكون معناه أن كل انجيل لم يذكر حال المسيح كاملة » ويحتمل أن يكون الجميع لم يذكروها كاملة على هذا الأساس » ور نوا قد نسوا حظا مما ذكروا به .

المسيسح يدين ويحاسب :

لا الم يمكث المسيح بعد قيامته هذه التي يعتقدها المسيحيون إلا أربعين يوماً » ثم ارتفع بعدها الى السماء وجلس بجوار الرب في زعمهم » وسيأتي ليدين الناس يوم القيامة » يحاسب كل انسان على ما فعل وقال : ان خياً فخياً » وان شراً فشراً . وله بهذا الملك الأبدي » فلا فناء لملكه » فهم يقولون : ان الله قد أقام يوماً سيدين فيه سكان هذه الأض بيسوع المسيح ء ؛ لأن الآب في زعمهم لا يدين أحداً » بل قد أعطى ذلك للابن » فأعطاه سلطان أن يدين الانسان » لأنه ابن الانسان أيضاً » لابد أن يظهر الناس جميعاً أمام كرسي المسيح » » لينال كل واحد جزاء ما كان قد صنع » خياً أو شرا » هذه عقيدتهم .

فقد جاء في انجيل يوحنا : « الحق أقول لكم » انه تأني ساعة » وهي الآن » حين يسمع الأموات صوت ابن الله » والسامعون يحيون » لأنه م

ضن

أن الآب له حياة ني ذاته » كذلك أعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته » وأعطاءه سلطاناً أن يدين أيضاً » لأنه ابن الانسان » لا تعجبوا من هذا فانه تأني ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته » فيخرج الذين فعلو الصالحات الى قيامة الحياة » والذين عملوا السيئات الى قيامة العف غير جز من يخي ٠‏ 5 ليع أن ء ميت عادلة لأني لا أطلب مشيئتي » بل مشيئة الاب الذي أرسلني 0 . الاضحاح الخامس .

وجاء في رسالة بولس الثانية الى أهل كورنثوس : « لاد اننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح » لينال كل واحد منا ما كان بالجسد » بحسب ما صنع » خير كان أم شرا » ( راجع الاصحاح الخامس من هذه الرسالة) .

وجاء في رسالة بولس الى أهل تسالوفيكي : ١‏ ان الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقاً » وايآع الذين تنضايقون - راحة معنا » عند استعلان الرب يسوع مع ملائكة قوته » في نار هيب معطياً نقمته للذين لا يعرفون الله

ويتعجب منه في جميع الموؤمنين ) .

فهذه النصوص جميعها تبين بجلاء أن الذي سيحاسب الناس , وتجازههم بما فعلوا » الخير بمثله والشر كذلك . انما هو المسيح في نظرهم . مقام الصليب في المسيحية :

7- لا يرتفع تقديس الصليب الى مرتبة العقائد السابقة » لأَن تلك العقائد أساس المسيحية . أما الصليب فليس له ذلك الحظ . وان

ينين

كان شعارهم » وموضع تقديس الأكثرين . ولذا كان حمله علامة على اتباع المسيح .

جاء في انجيل لوقا : « وقال للجميع ان أراد أحد أن يأتي وراني فليدكر نفسه » ويحمل صليبه كل يوم ويتبعي ) .

وحمل الصليب ‏ يقول كتابهم » اشعار بانكار النفس » واقتفاء أثر المسيح في هذا الانكار » والسير وراء مخلصهم » وفاديهم .

جاء في شرح بشارة لوقا للقس إبراهم سعيد :‏ ان آثار قدمي المعلم تعين طريق خطوات التلاميذ لأنه وان كان المسيح قد صلب عنا فقال في صلبه : ( قد أكمل ») لكنا قد أصبحنا بحكم صلبه عنا تحت التزام شعي لأن نكون شركاء المسيح اللمتألم » ان شركتنا الشرعية مع المسيح المصلوب ينبغي أن ترافقها وتدعمها شركة اختيارية فعلية معه » ان صلب المسيح معناه مات عنا ولكن صليب كل مؤمن معناه : « موت النفس عن. الأنانية وحب الذات ) وخلاصة هذه الذات هي النفس الأمارة بالسوء » هي تلك الارادة المتمردة التي ينبغي أن تخضيها » وستأسها طامة الس » فقول "كل واحد ليس ما أيدأناء ب ما يد أنت با رب » انه من أوجب واجبات كل مسيحي أن يحمل صليبه مختاراأ طائعا أن التعبير يحمل صليبه مستعار من العادة التي قضت بها الأنظمة الرومانية على ا محكوم عليه بالصلب أن يحمله كل يوم » وهذه العبارة أنفرد لوقا بذكرها » فهو صليب يتجدد كل يوم » كا تجددت الآمال والالام في الحياة اليومية العملية » فلابد اذن لحمل الصليب من خطوة تسبقه , وخطوة تعقبه » أما الخطوة السابقة له فهي أنكار النفس » بمعنى أن يقول تلميذ المسيح لنفسه الأمارة بالسوء » لا » » لأن حمل الصليب هو حمل العار مضافاً الى ألم الممت » وهذا عمل يستلزم انكار النفس » لأن الرومان لم ينفروا من الصليب فقط » بل فزعوا من ظله . كذلك كان

1

شعور الهود بأن حمل الصليب هو حمل اللعنة » لأنه مكتوب في ناموسهم : « ملعون كل من علق خشبة » . والخطوة اللاحقة لحمل الصليب بل الخطوات هي اقتفاء اثار المسيح كقوله : ( ويتبعني ) » اذن ليس حمل صليبنا غاية لكنه وسيلة لهذه الغاية » وهي اتباع المسيح حيث « يمضي ) ا.ها.

فحمل الصليب اذن عندهم ليس غاية » وليس مقصوداً لذاته » ولكنه مقصود لغاية أخرى أسمى عندهم » وهي اقتفاء خطوات المسيح في انكار الذات » والرضا بالفداء في زعمهم واتباع تعالهه .

عبادتهيم : 4 عند النصارى عبادتان : هما الصلاة » والصوم » أما الصوم فائهم يقولون أن شرعه عليهم اختياري لا أجباري » وميقاته قد تتخالف فيه الفرق , فلنتركه الى الكلام في الفرق والكنائس ان كان للقول متسع » ولنتكلم الان في صلاتهم .

والصلاة دهم تكن من أن الدين » وهي في زعمهم تقرهم الى

ولقد جاء في كتاب الأصول والفروع : « ان الدين قلب مقتنع بوجود الله الخالق والحافظ والفادي . فتكون الصلاة ترجمان ذلك القلب , يعبر بها عما يخالجه من الأشواق والعواطف » فبالنظر لاقتناعه بقداسته تكون الصلاة كلمات التعظمم والتسبيح له » وبالنسبة لاقتناعه بجهوده واحسانه تكون الصلاة عبارات الشكر والحمد » وبالنسبة لوقوعنا في الخطيئة » تكون الصلاة كلمات التذلل والتواضع والاستغفار 2 وبالنسبة للاحتياج اليه تعالى تكون الصلاة طلباً ودعاء » .

6

والصلاة عندهم لها شرطان أساسيان لا توجد بدونهما » هما منها بمنزلة الدعامة :

الشرط الأول : أن تقدم باسم المسيح » فقد جاء في الاصحاح السادس عشر من انجيل يوحنا : « الحق أقول لكم أن كل ما طلبتم من الآب بأسمي يعطيكم » الى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي » اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كملا .

ويعللون ذلك بأن الانسان بسبب خطاياه أبعد عن رضا الله » ولكن بدم المسيح زال هذا البعد » وأصبح قريباً اليه .

فقد جاء في رسالة بولس الى أهل أفسس في الاصحاح الثاني منها : ؛ لكن الآن في المسيح يسوع أنم الذين كنم قبلاً بعيدين صرثم قريمين بدم المسيح لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدا . ونقض حائط السياج المتوسط ) .

ويقول صاحب كتاب الأصول والفروع : « للصلاة باسم المسيح منى أدق من ذلك » وي ل الاسم يمثل دائماً المسمى » فتكون صلاتنا

سم المسيح تمثئل وحدته معنا » بحيث تكون طلباتنا طلباته » وصلاحنا جه بحياتا حياته ) وبالجملة كأنه يا فنا أجلن .

الشرط الثاني : أن يسبق الصلاة الايمان الكامل بما عندهم » فقد جاء في الاصحاح الحادي عشر من انجيل مرقس ما نصه : ١‏ لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينا تصلون فامنوا أن تنالوه » فيكون لكم »© .

وجاء في رسالة يعقوب : « وليكن الطلب بايمان غير مرتاب ألبتة » أن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الري وتدفعه » فلا يظن ذلك الانسان أنه ينال شيعا من الرب ) .

اضن

وليست للصلاة عندهم عبارات خاصة معلومة يجب أن يتلوها » بل ترك لهم أن يتلوا العبارات التي يختارونها بشرط ألا تخرج عن قاعدة الصلاة التي علمهم أياها المسيح لكي يصلوا على منوالها » وهي المسماة بالصلاة الربانية » وهي التي جاءت في صدر الاصحاح الحادي عشر

من انجيل يوحنا » ففيه عن المسيح : ( واذ كان يصلٍ في موضع لا فوع قال واحد من تلاميذه : يا رب علمنا أن نصلي »كا علم يوحنا أيضاً تلاميذه » فقال لهم : متى صليتم » فقولوا أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك » ليأت ملكوتك , لتكن مشيئتك ما في السماء كذلك على الأْض » خبزنا كفافنا اعطنا كل يوم » وأغفر لنا خطايانا » لأننا نحن أيضاً نغفر لكل من يذنب الينا . ولا تدخلنا في تجربة » ولكن نجنا من الشر . ولديهم أمثلة كثيرة للصلوات يختارون منها ما يسهل عليهم : وأشهر الأسفار المشتملة على نماذج للأدعية والصلوات سفر المزامير

ويقول صاحب كتاب الأصول والفروع :‏ انه خزانة ذهبية لصلوات داود النبي وغيره من الأنبياء صلوا بها في أحواهم الخاصة » مسوقين من الروح القدس » وكثيراً ما يعرض علينا ذات أحوالهم » فنقتبس من أقوالهم ما يطابق حالنا واحتياجنا للاستعانة على التعبير عما بنا من ملمات الأمور » ما اذا كنا في حال الحزن والأبى على خطايانا نقتبس في صلاتنا من مزمار -- ١ه‏ - لأنه يشتمل على أشد العبارات تأثيراً بصدد التوبة والاعتراف » والاستغفار من الله » وما اذا كنا في حال الشعور برحمة الله علينا » ونعمته نقتبس من. مزمار - ١٠١7‏ - للتعبير عن شكر قلوبنا » وشعورها بالمنة والنعمة » انتبى بتصرف .

وليس علمهم عدد معين من الصلوات كل يوم » 6 أنه ليس لها مواقيت معلومة » بل كل ذلك قد وكل الى نشاط المصلين » ورغبتهم في العبادة ولكن لأ المهود كانوا يعبدون الله في هياكلهم في صباح كل يوم

مضنا

ومسائه استنبطوا أنه تلزم الصلاة مرتين » احداهما في الصباح » والأخرى في المساء . ويقولون في حكمة ذلك في الصباح : « نطلب بركة الرب علينا سحابة اليوم » وان يبدينا الى عمل ما فيه رضازه » وان يحفظنا من السوء . وفي المساء نشكره على احسانه علينا كا اننا نعترف بما فرط منا في اليوم من الزلات . ونطلب منه المغفرة ودوام نعمته علينا وفوق ذلك لانفتاً نكر فضله ونشعر بجميله دائماً » .

واذا لم يكن للصلاة عدد محدود عندهم » فالمستحسن الاكثار » ويخالفون اليهود في زعمهم أن الاكثار من الصلاة يجعل الله يمل .

جاء في انجيل لوقا في صدر الاصحاح الثامن عشر ما نصه : « قال لهم مثلاً في أنه ينبغي أن يصلل كل حين . ولا يمل قائلاً : كان في مدينة قاض لا يخالف الله ولا يهاب انساناً » وكان في تلك المدينة أرملة » وكانت تأتي قائلة أنصفني من خصمي وكان لا يشاء الى زمان » ولكن بعد ذلك قال في نفسه : وان كنت لا أخخاف الله ولا أهاب انساناً . فاني لأجل أن هذه الأزملة تزعجني أنصفها لثلا تأي دائماً فتقمعني . وقال الرب اممعوا ما يقول قاضبي الظلم » أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين اليه نباراً وليلاً وهو متمهل عليهم » أقول لكم انه ينصفهم )

يقول القس إبراهم سعيد في شرح الجمل في انجيل لوقا : ( ينبغي أن يصلى كل حين بلا يمل ) من هنا ترى ان صلاة المثابرة واللجاجة ليست من الأمُور الممكنة فقط » ولكنها من الأمُور الواجبة » فهي فرض عين لا فرض كفاية » وهذا عن خلاف ما علم به التلمود » محظور على الانسان أن يصلي أكثر من ثلاث مرات في النبار » لأن الله يمل الصلاة كل ساعة » ولقد أوصى المسيح بالصلاة من غير ملل لعلمه أن صلاة الروح

١8

تعب على الجسد » سيما اذا تأخرت الاجابة » فالروح نشيط والجسد

ضعيف ) .

وجاء في آخر رسالة بولس الى أهل تسالونيكي : « صلوا بلا انقطاع ) .

وبين معزى ذلك صاحب رسالة الأصول والفروع فيقول ا معنى هذا أن نستحضر في أذهاننا روح الصلاة على الدوام » وكلما خطر على البال ذكر الله ومحبته نرفع قلوبنا اليه » سواء أكان بالقول أو بالتوجيبات القلبية بدون كلام » والله يعلم ما في القلوب ) . من شعائر المسيحية :

ه- للمسيحية شعائر يجب القيام بها » لا يصح التخلي عنها » ويقولون فيها أنها فرائض مقدسة وضعها المسيح » وهي أعمال حسية تشير الى بركات روحية غير منظورة عندهم » ومن هذه الشعائر الواجب اعتقادها والعمل بها التعميد والعشاء الرباني . التعميد والعشاء الرباني :

وقد جاء في انجيل متى عن التعميد : « تقدم يسوع وكلمهم قائلاً دفع الى كل سلطان في السماء وعلى الأْض » فأذهبوا وتلمذوا جميع الأنم وعمدوهم باسم الاب والابن ورذح القدس » وعلموهم جميع ما أوصيكم به ) .

وجاء بالنسبة للعشاء الرباني في رسالة بولس لأهل كورنثوس ما نصه: ( ان الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها نفسه أخذ خبزأ » وشكر » فكسر وقال : خحذوا وكلوا » هذا هو جسدي المكسور لأجلكم » اصنعوا هذا لذكرى ) .

١

كذلك ذكر الكأس أيضاً بعد ما تعشوا قائلاً : ٠‏ هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي » اصنعوا هذا كلما شربتم لذكرى » فانكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذا الكأس تخبرون بموت الرب الى أن يجيء » .

بهذه النصوص ثبت التعميد » والعشاء الربانفي » والتعميد يقول فيه صاحب كتاب الأصول والفروع : « فريضة مقدسة يشار فيها الغسل بالماء باسم الاب «الابن والروح القدس الى تطهير النفس من أدران الخطيئة بدم يسوع المسيح » وهي ختم عهد النعمة 5 كان الختان في الشريعة الموسوية » والمعمودية تدل على اعترافهم العلني بايمانهم وطاعتهم للاب والابن والروح القدس كالههم ومعبودهم الوحيد ٠‏ ولا يجوز أن يعمدوا إلا اذا اعترفوا بايمانهم جهارا أمام كنيسة الله » ويقول في العشاء لرباني : « وهو فريضة ربمها المسيح في الليلة التي أسلم فيها الجسد » يستعمل فى هذه الفريضة قليل من الخيز والخمر ‏ فبأخذ كل من المؤمنين لقمة من الخبر » وقليلاً من الخمر على المثال الذي سمه المسيح تذكاراً لموته » فالخبز يشير الى جسده المكسور ». والخمر الى دمه المسفوك » فالمؤمنون الذين يشتركون في هذا العشاء يقبلون المسيح بالايمان كالخبز الذي نزل من السماء وكل من يأكل منه لا يجوع » ولكنهم لا يقبلونه طعاماً جسدياً بل طعاماً روحياً لحياة روحية لأجل الفو في النعمة والايمان » ويقول أيضاً : « ويشير العشاء الرباني الى بجي ء المسيح الثاني كا يشير الى موته فيكون تذكاراً للماضي والمستقبل ) من تنظيم الأسرة :

5/ا- افي الأناجيل ورسائل من يعتقدون أ: نهم الرسل في المسيحية ذكر للزواج والطلاق » ففيها بيان لبعض شريعة الأسرة مختصرة » وخلاصة ما جاء في كتبهم المعتبرة أن الزواج قد سن للانسان وشرع له » بل ان الزواج شرعه الله للانسان وهو في جنة عدن . فخلق لادم من ضلعه

15

حواء , لأنه ما في سفر التكوين : « ليس جيداً ان يكون ادم وحده ء فاصنع له معيناً نظيرو » .

على أن المسيح في انجيل متى قد أجاز العزوبة في حال عدم القدرة التناسلية 2( وذلك بدهي .

وجاء في رسالة بولس لأهل كورنثوس أنه تجوز العزوبة اذا استطاع الرجل أو المرأة أن يضبط نفسه » ويتوق الزنى . فقد جاء في الاصحاح السابع من هذه الرسالة : ( ولكني أقول لغير المتزوجين » وللأرامل : أنه حسن لمم اذا لبثوا كا أنا » ولكن اذا لم يضبطوا أنفسهم فيتزوجوا » لان التروج أصلح من الخرق © .

وشريعة الزواج عندهم لا تحل للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة وان لم يوجد نص في ذلك ولا يطلق » وقد فهموا تحريم الطلاق من انجيل متى ) ففي الاصحاح التاسع عشر منه : ١‏ قال له تلاميذه : ان كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج ؟ فقال : ليس الجميع يقبلون هذا الكلام . بل الذي أعطى لمم » ولا يفترق الزوجان إلا بالموت » وبعد موت أحدهما يحل للحي أن يتزوج غيره ») .

على الانسان ما دام حيا . فإن المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي » ولكن ان مات الرجل » فقد تحررت من ناموس الرجل » فاذا ما دام الرجل تدعى زانية ان صارت لرجل آخر وقبل موت أحدههما لا يحل لمما الطلاق ) .

اليه الفريسيون ليجربوه قائلين : هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب ؟ فأجاب وقال لهم : أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما

١:١

ذكراً وأنتى ؟ وقال : من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه » ويلتصق بامرأته » ويكون الاثنان جسداً واحداً » اذ ليس بعد اثنين » بل جسد واحد . فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان . قالوا : فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق » فنطلق ؟ قال لهم : ان موسبى من أجل قساوة قلوبكم اذن لكم أن تطلقوا نساءم » ولكن من البدء لم يكن هذا ء وأقول لكم ان من طلق امرأته إلا بسبب الزنى » وتزوج بأخرى يزني » والذي توج نس يرف ١‏ .

الافتراق .

الحال الأول : حال زنى أحد الزوجين » فاللآاخر أن يطلب التفريق » ويجاب في هذه الحال ان ثبت الزفى

الثاني : اذا كان أحد الزوجين غير مسيحي فيصبح التفريق عند تباجرهما وعدم وجود الألفة بينهما » ولذا جاء في رسالة بولس الى أهل كورنثوس ومرأة التي ها رجل غير مؤمن » وهو يرتضي أن يسكن معها فلا تتركه » لأ الرجل غير المومن مقدس في الرأة » والمرأة غير المؤّمنة مقدسة في الرجل » وإلا فأولاد؟ نجسون » وأما الآن فهم مقدسون » ولكن ان فارق غير المؤمن فليفارق © .

ولقد أمرت المسيحية في وصايا رسلهم بن يحب الرجال نساءهم » فقد جاء في احدى رسائل بولس : « أيها الرجال أحبوا نساءم ك] أحب المسيح أيضاً الكنيسة » وأسلم نفسه لأجلها » وفها أيضاً :ازا ألم أن الأفراد فليحب كل واحد امرأته » هكذا كنفسه » وأما المرأة فلتتحب

رجلها .

١"

شرائع التوراة والمسيحية : منزلة شرائع التوراة في المسيحية : - ولقد كان المفهوم من أن المسيحية تعتبر التوراة وأسفار النبيين السابقين كتباً مقدسة تسميها كتب العهد القديم . أن تأخذ بكل الشرائع التي نصت علبها التوراة إلا ما خالفه المسيح بنص قد أثر عنه » ويظهر أن المسيحيين استمروا على ذلك نحواً من اثنتين وعشرين سنة من بعد المسيح » وهم في هذا كانوا يسيرون على المنهاج الذي سنه » والطريق الذي بينه . ولكن التلاميذ اجتمعوا بعد مضي اثنتين وعشرين سنة من تركه لهم » وخطب يعقوب فيهم » مقترحاً عليهم أن يحصروا الحرم على الأثم في أربعة » وهي : الزنى » وأكل الخنوق والدم » وما ذبح لاذوئان , وكان ذلك لانهم وجدوا ان الختان يشق على بعض من يدعونهم الى النصرانية » فيفرون منها بسببه . وهذا نص ما جاء في الاصحاح الخامس عشر من سفر الأعمال بعد بيان خلاف التلاميذ بشأن الختان » واجتاعهم لأجل الفصل في شأنه حينئذ رأى الرسل «المشايخ أن يختاروا رجلين منهم ٠‏ فيرسلوهما الى انطاكية مع بولس وبرنابا » وهثما يهوذا الملقب برسابا » وسيلا » رجلين متقدمين في الأخوة » وكتبوا بأيديهم هكذا : الرسل «المشايخ بدون سلاماً الى الأحوة الذين هم من الأثم في أنطاكية وسورية وكيليكية » اذ قد سمعنا أن أناساً خارجين من عندنا أزعجوم بأقوال مقلبين أنفسكم , وقائلين أن تختنوا وتحفظوا الناموس » من الذين نحو لم تأمرهم . وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين » ونرسلهما اليكم مع حبيبنا برنابا » يولس » رجلين قد بذلا أنفسهما لأجل اسم بينا يسوع المسيح » فقد أرسلنا يهوذا وسيلا » وثما يخرانكم بنفس الأمور شفاهاً ‏ لأنه قد رأى الروح القدس », ونحن - ألا نضع عليكم ثقلاً أكثر » غير هذه الأشياء ١57‏

الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام . وعن الدم » وامخنوق , والزنى التي أن حفظم أنفسكم منها » فنعما تفعلون . كونوا معافين ) .

في هذا الخطاب يتبين أن المشايخ والتلاميذ يحللون للناس كل ما حرمه الناموس » أي التوراة وكتب النبيين السابقين , ولا يجعلون محرماً عليهم إلا أربعة أمور » والامتناع عنها هو الأمْر الواجب فقط » وبذلك حل لهم كل شيء حرمته التوراة » حل لهم الخمر والخنزير » وكل ما كانت التوراة وشرائع النبيين قد حرمته » وباي شيء أعطى هؤْلاء القدرة على التحليل

وقد ذكر صاحب سفر الأتحمال عن لسان بطرس ء أنه قال في افتتاح ذلك الاجماع الذي أصدر ذلك القرار ما نصه : ١‏ أيها الرجال الأخوة أتم تعلمون أنه منذ أيام قديمة اخختار الله بيننا أنه بفمي يسمع الأنم كلمة الانجيل ويوؤمنون . والله العارف للقلوب شهد هم معطياً هم روح القدس . كم لنا أيضاً » وم بميز بيننا وبينهم بشيء ء اذ طهر بالايمان قلووهم » فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع اباؤنا ولا نحن أن نحمله ولكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن أن نخلص » » أولقك أيضاً ) .

فمن هذا النص يستفاد أن الذي سوغ هؤلاء أن ينصيفوا جهراً عما كانوا عليه » وعما تركهم المسيح عليه » هو أنهم ينزل علمهم الروح المسيحية » وقد بينا حقيقة ذلك في موضعه من كلامنا عن الكتب .

تحليل لحم الخنزير مع تحريمه في التوراة : ولقد أحلوا فيما أحلوا من محرمات التوراة لحم الختزير وكان المعروف

1١5+

أنه حرام في النصرانية التي تأخذ بكتب العهد القديم » وعلى رأسها التوراة .

ويروي ابن البطريق في هذا المقام أن اليهود لما دخلوا في النصرانية بسبب اضطهاد قسطنطين طم بعد تنصره تشكك النصارى في ايمانهم » فأشار بطريرك القسطنطينية على قسطنطين أن يختبرهم بحملهم على أكل لحم الخنزير وقال له : « ان الخنزير في التوراة حرام » والمبود لا يأكلونه » فتأمر أن تذبح الخنازير » وتطبخ لحومها ويطعمون منها هذه الطائفة » فمن لم ياكل علمت أنه مقبم على اليهودية » عندئذ امن قسطنطين بتحريم الخنزير » اذ نصت على التحريم التوراة المقدسة في نظر التصارى »2 كا هي مقدسة في نظر اليبود » وقال : « ان الخنزير في التوراة محرم فكيف يجوز لنا أن نأكل لحمه » ونطعمه للناس » ولكن البطريرك ما زال به حتنى حمله على الاعتقاد بأنه حلال . فقد قال له : « ان سيدنا المسيح قد أبطل سائر ما في التوراة » وجاء بتوراة جديدة هي الانجيل » وقال في انجيله المقدس ان كل ما يدخل الفم ليس ينجس الانسان » انما ينبجس الانسان كل ما يخرجه من فيه ) يعنى السفه والكفر » وغير ذلك مما يجري براه . ويقص قصة عن بولس رسوهم بان بطرس رأى رؤيا تفيد التحليل » وبذلك يحللون الختزير .

١ ه؛‎

ابجامع المسبيحية تاريخها - وأسبابها - وقراراتها

قد شرحنا فيما أسلفنا من القول العقائد المسيحية » ما هي في كتبهم ولم نتجه الى الان لدراستها دراسة نقدية لاننا نجدهم يجتهدون في تصويرها ويشعرون بعظم المشقة في ذلك » حتى اذا يعسوا قالوا أنها فوق العقل » وأن العقل لا يستطيع تصويراً كاملاً » وأمها ستنجلي يوم القيامة » ولذلك نجد من الظلم لأنفسنا أن نناقشها . لأن العقل لا يستسيغها باعترافهم فكيف نناقشها ؟ وهم يلقنون الصبية بأن يجتهدوا في تصورها وتصديقها » لا في البرهنة لا واثباتها » ولذلك نترك الان مناقشتها بالعقل » ونحيل القارىء الكربم على ما كتب الذين ناقشوها من فطاحل العلماء » ونخص بالاشارة كتاب اظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي » وكتاب الفارق فيما بين المخلوق والخالق » والقول الصحيح لابن تيمه » بلل الله ثراهم » فان هؤلاء لم يتركوا مقالاً لقائل .

ويبمنا الآن في بحثنا التاريخي أن نبين الأدوار التي مرت عليها هذه العقيدة » فانه من المقرر في تاريخ المسيحية بالبداهة أن التثليث بالشكل الذي يعتقده جماهير المسيحيين » أو الكثرة الغالبة فيهم » لم يعلن للناس دفعة واحدة » بل في أزمان متفاوته مختلفة » وكان باعلان المجامع التي كانت تعقد من الأساقفة » وفيها يقرر المجمع رأياً معيناً » ولا يبمنا مما كانت تقرره تلك المجامع إلا ما يتعلق بالعقيدة وان كنا سنعرض أحيانا لما يجيء في ثنايا قراراتها من بعض النظم . كيف وجدت فكرة ججمع المجامع :

والمجامع في المسيحية هي كا يقول علماقهم جماعات شورية في المسيحية » قد رسم رسلهم نظامها في حياتهم . حيث عقدوا المجمع

155

بأورشليم بعد ترك المسيح هم باثنتين وعشرين سنة » وقرر ذلك المجمع ) كا علمت قربا » عدم القسك بمسألة الختان » بل زاد فقرر عدم الفسك بشرائع التوراة » وما وليها من سائر أسفار العهد القديم المقدس عندهم فيما يتعلق بالتحريم , إلا تحريم الزنى » وأكل اللخنوق » وأكل الدم وأكل ذبائح الأثان » فقد قالوا ان التلاميذ والمشايخ بهذا المجمع الذي بينه سفر الأعمال في أصحاحه الخامس عشر قد سنوا للمسيحيين سنة جمع امجامع » لدراسة ما يتعلق بالعقيدة والشريعة .

اجامع العامة وامجامع الخاصة :

وامجامع عندهم قسمان : مجامع عامة أو على حد تعبيرهم مجامع مسكونية » أي تجمع رجال الكنائس المسيحية في كل أنحاء المعمورة » والمجامع المكانية وهي التي تعقدها كنائس مذهب أو أمة في دوائرها الخاصة من أساقفتها وقساوستها » إما لاقرار عقيدة » أو لرفض عقائد أخرى .

ويقسم المجامع صاحب كتاب سوسنة سليمان الى ثلاثة أقسام فيقول : ( وهذه المجامع تنقسم بالنظر الى عدد أربامها ودرجاتهم وشوكتهم الى ثلاثة أقسام وهي : مجامع حامة . ويقال ها مسكونية » وجامع ملية ؛ أي خاصة بطائفة دون غيرها » ومجامع اقليمية » أي خاصة باقلم مخصوص ., لكن مقاصد كلامنا لا تحتاج إلا الى ذكر المجامع التي تعتبر عامة » سواء صادق عليها الجميع أو أنكرها بعضهم على بعض » لما في

هذا كلام صاحب ذلك الكتاب المسيحي » واذا كان هو لا يعنى في تاريخ ديانته إلا با مجامع العامة » فنحن كذلك لا نعنى إلا بها » أحصى المجامع العامة من القرون الأول للمسيحية الى سنة ١859‏

١ 7/

فكانت عدتها عشرين جمعاً » وقد ذكرها جميعاً بالا جمال » وذكر قراراتها بالاشارة وسنحذو حذوه في بعضها . وسنترك الاجمال الى بعض التففصيل في بعضها الآخر » وخصوصاً في المجامع التي كانت في القرون الأولى للمسيحية » لأنها هي التي حددت للأخلاق حدود العقيدة المسيحية في نظر مقريها » وهي التي شعت المسوح «التقاليد الكنسية القائمة في الكنائس » أو بعضها الكثير الى الآن » وهي التي فلحت الأأض لتبذر بذور هذه المسيحية التي سادت أفكار المسيحيين في الأجيال من بعد .

ونبدأ بأعظم هذه المجامع . وأبعدها أثراً » وأكبرها شأناً » وأوها وجوداً

١8

مجمع نيقية سنة ه؟"

سبب انعقاده العام الاختلاف بينهم في شخص المسيح :

8- اشتد الاختلاف بين الطوائف المسيحية الأولى » وتباعدت مسافات الخلف تباعداً شديداً » لا يمكن أن يكون معه وفاق » وكان الاختلاف يدور حول شخص المسيح , أهو رسول من عند الله فقط » من غير أن تكون له منزلة أكثر ممن له شرف السفارة بين الله وخلقه » أم له بالله صلة خاصة أكبر من رسول » فهو من الله بمنزلة الابن » لأنه خلق من غير أب » ولكن ذلك لا يمنع أنه مخلوق لله » لأنه هو كلمته » ومن قائل انه ابن الله » له صفة القدم. » م لله تلك الصفة ء وهكذا تباينت نحلهم » واختلفت . وكل يزعم ان نحلته هي المسيحية الصحيحة التي جاء بها المسيح عليه السلام » ودعا اليها تلاميذه من بعده » ويظهر أن ذلك الاحتلاف » وتلك النحل المتباينة المتضاربة المتنازعة » وقد ظهرت بعد أن دخلت طوائف مختلفة من الوثنيين من الرومان » واليونان » والمصريين . فتكون في المسيحية مزيح غير تام التكوين » غير تام الاتحاد والامتزاج » وكل قد بقى عنده عن عقائده الأولى ما أثر في تفكيره في دينه الجديد » وجعله يسير على مقتضى ما أعتنق من القديم من غير أن يشعر أو يريد .

ومن دخل في ذلك الدين فلاسفة لهم آراء فلسفية أرادوا أن يفهموا ما أعتنقوه جديدا على ضرئها » وعلى مقتضى منطقها وتفكيرها .

ولقد كانت تلك الاختلافات كامنة لا تظهر مدة الاضطهادات الرومانية » لأنهم شغلوا بدفع الأذى » ورد البلاء واستقبال انحن والكوارث » وكانوا يستسرون بدينهم ولا يظهرونه » ويخفون عقائدهم , ولا يعلنونها » حتى اذا رزقوا الامان » ونزلت عليهم سحائب الاظمئنان

1.

ظهرت الخلافات الكامنة » واذا هم لم يكونوا متفقين إلا في التعلق باسم المسيح » والاستمساك بالانتساب اليه » من غير أن يتفقوا على شيء في حقيقته » ولذا لما منحهم قسطنطين عطفه ٠»‏ واعتزم الدخول في النصرانية » ووجد هذا الاحتلاف الشديد » أمر بعقد مجمع نيقية . الاخبللاف الخاص الذي انعقد المجمع بعده :

.,-هذا هو السبب في عقد مجمع نيقية بشكل عام » لكن له سبباً خاصاً يتعلق بنوع من هذه الخلافات » وهو ما يسمونه في تاريخهم بدعة أريوس » كان هذا الرجل في مصر داعية قوي الدعاية » جريئا فيها » واسع الحيلة » بالغ الأدب. » قد أخذ على نفسه مقاومة كنيسة الاسكندرية فيما تبثه بين المسيحيين من ألوهية المسيح وتدعو اليه » فقام هو محارباً ذلك » مقراً بوحدانية المعبود » منكراً ما جاء في الأناجيل مما يوهم تلك الألوهية .

وقد قال في بيان مقالته ابن البطريق : « كان يقول ان الآب وحده الله

ولم يكن بدعا في القول بهذه الفكرة بين المسيحيين » بل انها كانت معروفة مذكورة مشهورة من قبله » كا يقول المسيحيون أنفسهم .

ولقد جاء في كتاب تاريخ الأمة القبطية ما نصه : « الذنب ليس على أريوس بل على فئات أخرى سبقته في ايجاد هذه البدع » فأخذ هو عنها . ولكن تأثير تلك الفغات لم يكن شديداً كا كان تأثير أريوس الذي جعل الكثيرين ينكرون سر الألوهية » حتى انتشر هذا التعلم وعم ) .

أنتشار رأي أيوس وطرق محاريعه :

ولقد كان لرأي أريوس في أعتبار المسيح مخلوقاً لله مشايعون كثيرون » فقد كانت الكنيسة في أسيوط على هذا الرأي » وعلى رأسها ميليتوس » وكان أنصاره في الاسكندرية نفسها كثيرون من حيث العدد » أقوياء من حيث امجاهرة بما يعتقدون . 5 كان هذا الرأي مشايعون في فلسطين ومقدونية » والقسطنطينية .

قد أراه بطريرك الامكندية ا 0 اخجة عي أو » وك عند ال ل وه من قي الكل

البطريرك بطرس الذي أمر بنفيه : ( 5 السيد المسيح لعن 0 هذا فاحذروه » فاني في رأيت البح ف ل مشقوق لوب 2 فقلت له يا

معكم ).

ولم يبد النفي واعلان الرؤى والأحلام في القضاء على رأي أريوس وجمع الناس حول قوة الكنيسة » حتى اذا ولى أمر الكنيسة البطريرك اسكندر أخذ يعالج المسألة بنوع من الحيلة والصبر » فكتب الى أريوس وزعماء هذا الرأي يدعوهم الى رأي كنيسة الاسكندرية » ولكن محاولته لم تجد أيضاً » فعقد مجمعاً في كنيسته بالاسكندرية وحكم على دس بالحرمان لها فلم يخضع لهذا ولم يخنع » وغادر. الاسكندرية الى فلسطين

وقد كان مذهب عدم ألوهية المسيح ذائعاً منتشراً » وكان أسقف مقدونية على مذهب أريوس أيضاً » ويعظ على أساسه , وفي الحق أننا نجد

١٠6١

ع

أن أسقف مقدونية وأسقف فلسطين » وكنيسة أسيوط » كل أوائك على رأي أريوس » وكنيسة الاسكندرية وحدها هي التي تحاربه » فالخللاف محصور اذن بين أريوس » ومعه أسيوط وفلسطين » ومقدونية وبين بطريرك الاسكندرية .

-١‏ وقد تدخل قسطنطين أمبراطور الرومان في الأمر » فأرسل كتاباً الى أريوس والاسكندر يدعوهما الى الوفاق » ثم جمع بينهما , ولكنهما لم يتفقا » فجمع مجمع نيقية سنة 7١٠0‏ .

ويقول ابن البطريق المسيحي في وصف الجتمعين وعددهم ما نصه : « بعث الملك قسطنطين الى جميع البلدان » فجمع البطاركة الاساقفة » فاجتمع في مدينة نيقية ثمانية وأربعون وألفان من الاساقفة » وكانوا مختلفين في الآراء والأديان » فمنهم من كان يقول أن المسيح وأمه المهان من دون الله » وهم البربرانية » ويسمون المريميين » ومنهم من كان يقول أن المسيح من الاب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار » فلم تنقص الأولى بأنفصال الثانية منها » وهي مقالة سابليوس وشيعته » ومنهم من كان يقول : لم تحبل به مريم تسعة أشهر » وانما مر في بطنها 6 يمر الماء في الميزاب » لأن الكلمة دخلت في أذنها » وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها » وهي مقالة البيان وأشياعه ) .

ومنهم من كان يقول إن المسيح انسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره » وان ابتداء الابن من مريم » انه اصطفى ليكون مخلصاً للجوهر الانسبي صحبته النعمة الالحية » وحلت فيه بالمحبة والمشيئة »

ولذلك سمى ابن الله ويقولون : الله جوهر قديم واحد » وأقنوم واحد » ويسمونه بثلاثة اسماء » ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس » وهي مقالة

١6ه!‎

بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية وأشياعه » وهم البوليقانيون .

ومنهم من كان يقول انهم ثلاثة الهة لم تزل : صالح » وطالح » وعدل بينبما » وهي مقالة مرقيون اللعين وأصحابه » وزعموا أن مرقيون رئيس الحواريين » وأنكروا بطرس » ومنهم من كان يقول بالوهية المسيح وهي مقالة بولس الرسول ومقالة الثلاثمائة وعُانية عشر أسقفا ) أ.ه. المراد منه.

موقف قسطنطين من التناظرين : اجتمع انك الختلفون » ومع قسطنطين مقال كل فرقة من منامما » فعجب أشد العجب مما رأى وسمع » فأمرهم أن يتناظروا لينظر الدين الصحيح مع من » وأخلى داراً للمناظرة » ولكنه - جح أعما ال رأي بولس » وعقد مجلساً خاصا للأساقفة الذين لوت هذا الرأي عدتهم ثمانية عشر وثلامائة .

انجيازه لرأي مؤي المسيح مع أنهم ليسوا الكثرة :

ويقول في ذلك ابن البطريق : « وضع الملك للثلاتمائة والهانية عشر أسقفاً مجلساً خاصاً عظيماً » وجلس في وسطهم وأخذ خاتمه , وسيفه » وقضيبه . فدفعه اليهم وقال لهم : قد سلطتكم اليوم على مملكتي » لتصنعوا ما ينبغي لكم أن تصنعوا مما فيه قوام الدين » وصلاح المؤمنين . فباركه الملك » وقلدوه سيفه » وقالوا له : أظهر دين النصرانية » وذب عنه » ووضعوا له أربعين كتاباً فيها السنن والشرائع » منها ما يصلح للملك أن يعلمه ويعمل به » ومنها ما يصلح للأساقفة أن يعملوا به ) .

العقيدة التي فرضها المجمع : نء هذا الجمع المحدود م١‏ الأساقفة قرارات في العقيدة والشرائع » وضع ود من قرارات في والشرائع

١6

ليقيدوا بها المسيحيين ٠‏ ولا يهمنا إلا بيان العقيدة التي قررها المجمع وفرضها على المسيحيين .

وقد ذكرها صاحب كتاب تاريخ الأمة القبطية » فقال عنها ما نصه : ( ان الجامعة المقدسة والكنيسة الرسولية تحرم كل قائل بوجود زمن لم يكن ابن الله موجوداً فيه , وأنه لم يوجد قبل أن يولد » وأنه وجد من لا شيء . أو من يقول ان الابن وجد من مادة أو جوهر غير الله الآب » وكل من يوّمن أنه خلق . أو من يقول أنه قابل للتغيير » ويعتريه ظل دوران ) .

قراراته تؤيد برهبة السلظان :

ل- اذن قرر امجمع ألوهية المسيح » وأنه من جوهر الله » وأنه قديم بقدمه » وأنه لا يعترية تغيير ولا تحول » وفرضت تلك العقيدة على المسيحيين قاطبة مؤيدة بسلطان قسطنطين » لاعنة كل من يقول غير ذلك » والذين فرضوا هذا القول 7١‏ أسقفاً » ويخالفهم في ذلك نحو سبعمائة وألف أسقف . وان لم يكونوا متفقين فيما بينهم على نحلة واحدة » فهل ذلك المجمع لم يخل من نقد ؟ ان باب النقد فيه متسع . النقد الموجه الى المجمع :

-١‏ وأول ما يلاحظه الناقد أن الذين دعوا اليه » وجابوا الأمصار ووصلا الى ليقية بدعوة من قسطنطين , ويتفاهم البطارقة فيما بيهم بلغا عانية واربعين وألفين من الأساقفة » ولكنا نجد العدد ينزل الى تمانية عشر وثلاثمائة أسقف » فما هي آراء الباقين ؟ ولماذا أهملت كل هذا الاهمال ؟ أكانوا جميعاً مختلفين في النحل والآراء » حتى أن نحلة لم يصل عددها الى »ء فلما تعذر الأحذ بالكثرة المطلقة التي يزيد عددها على النصف », ولو واحداً . اتجهوا الى الأحذ بالكثرة النسبية » وهو اعتناق

١6

الرأي الذي يأخذ به أكبر عدد في الأصوات وان لم يصل النصف أو يقاربه ؟ ان المروى غير ذلك » لأ ابن البطريق يقول : ان قسطنطين هو الذي اختار أن يعقد أولئك الأساقفة الذين يبلغون ١‏ مجلساً خاصاً بهم » وحضر هو المجلس » وأعطاهم شارة الملك والسلطان لأنهم أفلجوا على اخوائهم في زعم ابن البطريق المسيحي التثليثي » ولأ الرواة يقولون إن أريوس لما اجتمع بهم وألقى بدعوته ونحلته الهم انضم الى ارائه أكثر من سبعمائة أسقف » وذلك العدد هو أكبر عدد نالته نحلة من تلك النحل الختلفة » فلو كانت النصرة بالكثة النسبية » لكان الواجب اذن أن يكون الغلب لأريوس الذي احتج بما تحت أيديهم من أناجيل » فلما عارضوه بنصوص أخرى تدل على ألوهية المسيح قرر تحريفها . الرغبة والرهبة من السلطان هما دخل في القرارات :

ويظهر أن عصا السلطان ورهبة الملك كان هما دخل في تكوين رأي الذين رأوا ألوهية المسيح . فلقد يروى أن أولك ال 7١8‏ لم يكونوا مجمعين على القول بألوهية المسيح » ولكن تحت سلطان الاغراء بالسلطة الذي قام به قسطنطين بدفعه اليهم شارة ملكه ليتحكموا في المملكة أجمعوا . فقد دفعهم حب السلطان الى أن يوافقوا هوى قسطنطين الذي ظهر في عقده بجلساً خاصاً بهم دون الباقين » لاعتقاده إمكان اغرائهم . فأمضى أولنك ذلك القرار تحت سلطان الترهيب أو الترغيب ٠‏ أو هما معاً » وبذلك قرروا ألوهية المسيح » وقسروا الناس عليه بقوة السيف » ورهبة الحكام .

المجمع فرض لنفسه سلطاناً كهنوتياً على الناس :

(ب) ان المجمع فرض نفسه حكومة وجماعة كهنوتية تلقى على الناس أوامر الدين وعليهم أن يطيعوا راغبين أو كارهين » وقرر أن تعالم الدين لا

١6

يتلقونها من كتب المسيحية رأساً » بل لابد من تلقيها من أفواه أوليك العلماء ورجال الكهنوت . وأن أقوالهم في ذاتها حجة » سواء أخخالفت النصوص أم وافقت » وسواء أكانت الصواب » أم جافت الحق » وان ذلك كان له ما بعده في المسيحية . وهو مخالف كل الخالفة لما جاء في تعاليم المسيح المنصوص عليها » حتى كتبهم التي يقرأونها ويعترفون بها , فقد جاء في الاصحاح العشرين من انجيل متى ما نصه : ١‏ رؤساء الأنم سردضهم » وامظماء يتسلطون عليهم » فلا يكن فيكم هذا » ولكن لعلماء تسلطوا على اخواتهم السيحين لا أعطاهم قسطنطين خاقه وسيفه وقضيبه » وبذلك خالفوا المسيح عليه السلام ليطيعوا قسطنطين أمره بتحريق ما يخالفه :

(ج) ان المجمع أمر بتحريق الكتب التي تخالف رأيه » وتتبعها في كل مكان » وحث الناس على تحريم قراءتها » فهو بهذا بمنع أن يصل الى الناس علم بأي أمر من الأمور التي تخالف رأيه » وهو بهذا يحاول التحكم في القلوب » والسيطرة ة على النفوس بحملها على قراءة ما وافق ريه ه ونعها منعا بت جا من أن تقرأ غوه » ويسد علا منافة انور

هتداء الى ما يخالفه » ولعل المجمع مخطىء في ذلك التحريم . واثم في 7 التحريق . بل ان المجامع العامة من بعد قد خطأته » فأعادت الى حظية انديس تكسا حرمها » وأخرجت من البلى كبا حرقها » قد حرم

من العهد القديم , ؛ ولم يعترف بها فاعترفت بها امجامع المسيحية من بعده » وحرم من كتب النصارى المعتبرة الآن : رسالة بولس الى العبرانيين » والرسالة الثانية لبطرس » والرسالة الثانية والثالثة ليوح: ورسالة يعقوب » ورسالة يبوذا » ومشاهدات يوحنا » ولكن لجامع من بعد أقرتها » وأجمعت عليها .

اذن لم يكن المجمع مصيباً من كل الوجوه » وان أخطأً في معرفة

١ك‎

الصحيح من الكتب » فَأرازه الأخرى أكثر عرضة للخطأ وأكثر استهدافاً للنقد » لعل أشدها صلة بالباطل » وأقربها به رحماً » وأدناه اليه هو ما يتعلق بالعقيدة .

قسطنطين يتدخل ذلك التدخل وهو لم يتنصر :

(د) بقى أمر نشير اليه اشارة خفيفة » وهو مقام قسطنطين في المسيحية عند انعقاد ذلك المجمع » أكان مسيحياً عالاً بالمسيحية في ذلك الابان » حتى ساغ له أن يحكم لبعض المجتمعين » وان لم يكونوا الكثزة على أي اعتبار كانت الكنة . أكغة مطلقة أم كثة نسبية ؟.

يقول المؤرخ أبوسيبوس الذي تقدس كلامه الكنيسة » وتسميه سلطان المؤرحين : « أن قسطنطين عمد حين كان أسير الفراش » وأن الذي عمده هو ذلك المؤرخ نفسه » وقد كان له صديقاً » .

والتعميد اعلان دخول المسيحية » اذن فقسطنطين ما كان مسيحياً في ابان انعقاد ذلك المجمع » وما كان من حقه أن يحكم بفلج هؤلاء , ويسوغ لنا أن نقول انه كان له في هذا أرب خاص » وهو تقرييها من وثنيته » أو على الأقل عندما رجح رأي فريق على فريق كان يرجح ما هو أقرب الى وثنيته » وأدنى الى ما يعرفه من عقيدة » فلم تكن الحجة القوية في جانب ترجيحه على هذا الاعتبار » أو كان متهما في ترجيحه بناء على الاعتبار الأول » وسواء أكان هذا أم ذاك » فهو قد رجح ما هو أقرب الى الوثنية لوثنيته .

تلقي المسيحيين لقرارات ابجمع :

+- ولكن هل أمات ذلك الرأي الوحدانية التي كان يجاهر بها أريوس » وهل قضنى ذلك المجمع القضاء المبرم عليها ؟ انه لو فرض أبعد

١ /اه‎

الفروض عن الحق » وكانت كنة المجمع العام على غير رأي أربوس ما انتتصروا عليه ولا قضوا على ما يدعو اليه لأ الآراء لا تنتصر بكغرة العدد بل بقوة الدليل وقوة تصور العقيدة . وقوة الاقتناع بها » وسهولة دخوها لى العقل » واستساغته لما . ولذلك لم يقض المجمع على فكرة الوحدانية . بل ربما كانت المحاولة للقضاء عليها سبباً في شدة الاستمساك بها ء والمبالغة في المحافظة عليها ثما يراد بها .

ولذلك أخذ البطارقة الذين لعنوا لاعتناقها يعملون الحيلة للاحتفاظ بها وحياطتها » واتخذوا الخديعة سبيلاً لذلك . فتقربوا من قسطنطين وأظهروا له الاقلاع عما كانوا عليه .ليعودوا الى ما كان لهم من مناصب . ويستطيعوا مناصرة فكرتهم . ولينالوا ثقة قسطنطين . ومن طريق هذه الثقة ينفذون الى نفسه . ويقنعونه هو بالتوحيد . ليستطيع أن يخدمه بسلطانه وقوته . كا خدم ألوهية المسيح » أو على الأقل ليقف موقف الحياد ويترك الاراء تسير في مجراها الطبيعي . ولنقص عليك محاولة من محاولات الموحدين . مجمع صور يرفض بالاجماع قرار مجمع نيقية :

يذكر ابن البطريق أن أوسابيوس أسقف مقدونية كان موحداً من مناصري أريوس في المجمع العام قبل أن تبعده عنه كثرته . ولعن من أجل هذا وأراد أن يتقرب من قسطنطين ١‏ فأظهر أنه وافق على قرار المّانية عشر والثلائمائة فأزال عنه اللعنة قسطنطين . وجعله بطريرك القسطنطينية فما أن ولى هذه الولاية حتى صار يعمل للوحدانية في الخفاء . فلما اجتمع امجمع الاقليمي في صور حضره هو وبطريرك الاسكندرية الذي كان يمثل فكرة ألوهية المسيح ويدعو اليها » وينفرد من بين البطاركة في لمبالغة في الدعوة اليها » والحث عليها » ولعن كل من يقاومها .

١4

وأنتبز أوسابيوس فرصة ذلك الاجتاع وأثار مقالة أريوس © ورأيه في المسيح وانكار ألوهيته . وكان في ذلك المجمع كثيرون من الموحدين المستمسكين به » اذ لم يحتاطوا بابعادهم » 6 فعلوا في امجمع العام بنيقية . واشتد النقاش بين رئيس كنيسة الاسكندرية » وبين المجتمعين » ولم يكتفوا بالنقاش القولي بل أمتدت الأيدي الى بطريرك الاسكندرية وعمدت الى رأسه لاخراج الوثنية منها » فضربوه حتى أدموه » وكادوا أن يقتلوه » ولم يخلصه من أيديهم إلا ابن أحت الملك الذي كان حاضرا ذلك الاجتاع » ولكن لما بلغ ذلك قسطنطين كرمه . ما يستبط من هذا:

وما سقنا ذلك القصص لرضانا عن تأييد الرأي بالعصا وجمع اليد » ولكن سقناه ليتبين منه القارىء مقدار حماسة الموحدين من أهل المسيحية الأو لعقيدة التوحيد » وأمهم في تلك الحماسة لا يأببون لشيء » ولا همهم أغضاب ذوي السلطان أو ارضاؤهم » وسقناه لتعلم أن الموحدين كا يظهر من رواية الكتب المسيحية » وكا يستنبط كانوا الكئزة الغالبة في المسيحيين » ففي مجمع نيقية كانوا الكثة » وفي مجمع صور الخاص كانوا الجميع ما عدا رئيس كنيسة الاسكندرية » واذا كانوا الكثرة في المؤتمرات خاصة وعامة » فلا بد أن يكونوا الكثزة في جمهور المسيحيين .

واذن تكون فكرة ألوهية المسيح هي العارضة والأصل هو التوحيد م يستنبط القارىء من المصادر المسيحية نفسها . وسقناه لتعلم أن قسطنطين كان يشجع دائماً المخالفين للتوحيد » وان كان لا يظهر السخط على غيرهم أحياناً . وسقناه لتعلم أن مجمع صور كان يخالف كل اللخالفة مجمع الثانية عشر والثلاثمائة . وأخيراً سقناه لتعلم أن موطن الدعاية لالوهية المسيح كانت كنيسة الاسكندرية وحدها » فهي التي حاربت أريوس » وهي التي لعنته مرتين » ورئيسها هو الذي خالف في

١68

صور » ونال عقاب المخالفة جزاء وفاقاً .

فهل لنا أن نقول أن التثليث الذي اشتملت عليه فلسفة الاسكندرية كان يعلن على ألسنة بطاركتها » وأمهم كانوا يمثلون تلك الفلسفة بارائهم كر سن لهم مسية الس عه السلا ؟ ان ذلك هو مقا الى تأليه للمسيح » فليستعن به نشط الموحدين :

- ولم ين الموحدون عن اعلان الاستمساك بعقيدتهم » وتخطئة

لفن أعنر ألوهية المسيح . ومعهم في ذلك الكثة العظمى من المسيحيين » 5 يدل على ذلك ما سننقله من تاريخ ابن البطريق » فلقد

حا أن يبذبا قسطتطين ابن قسطتطين الى رهم بعد أن مات أبه؛ فاجتمعوا به . وحسنوا رأي الموحدين له وبينوا له أنه صممم المسيحية » وأن الأساقفة الذين ناقضوه خالفوا وجه الحق . وِلم يكونوا احذين بتعالم السيد المسيح التي يبشر بها بين الأنام » ولكنه لم يعمل على نصرتهم » ول يعاونهم في دعايتهم » مع أن أكثر المسيحيين في ذلك العصر كانوا موحدين .

يقول ابن البطريق : « في ذلك العصر غلبت مقالة أريوس على القسطنطينية » وأنطاكية وبابل » والاسكندرية » . وأسيوط قد علمت أن كنيستها كانت موحدة .

ويقول في بيان حال الاسكندرية ومصر بعد الاجمال السابق « فأما أهل مصر والاسكندرية فكان أكثهم أريوسيين » فغلبوا على كنائس مصر والاسكندرية وأخذوها » ووثبوا على أثناسيوس بطريرك الاسكندرية ليقتلوه » فهرب منهم وأختفى .

لحل

وقد كان على كثير من الكنائس رؤساء موحدوك يستمسكون بالتوحيد ويحثون على الاستمساك به » وكلما ولى أسقف غير موحد ثاروا به » وثموا بقتله » وهذا ابن البطريق يقص علينا أن بطريق بيت المقدس لم يكن موحدا فيثور عليه الموحدون » وبموك بقتله فيبرب منهم » فيقول في أسقف بيت المقدس ليقتلوه ٠»‏ فهرب منهم 03 يروا أراقليوس أسقفا على بيت المقدس 2 وكان أريوسياً 2( . :

وهكذا نجد مغالبة قوية بين التوحيد وألوهية المسيح » الألى تغالب بالكثرة وقوة الايمان , وسعة الحيلة » والثانية بقوة السلطان » وبقايا الوثنية والذين كانوا متاثرين بها » ووجدوا مواءمة بينها وبين ما يألفون » فابتغوها لقربها مما الفوا وعرفوا . وأمكنته التقاليد من نفوسهم . ولكن قوة السلطان طمست نور المذهب الأول . اذ أنها احتاطت فجعلت كل الأساقفة ثمن لم يكونوا موحدين . واحتاطت أشد الاحتياط في ذلك ع وأحذ أولفك يسيطرون على قلوب العامة بالرؤى والأحلام والهامات يزعمونها » حتى اختفى المدهب الحق في لجة التاريخ . وِلم يبد على

السطح إلا ألوهية المسيح .

1١65١

؟- المجمع القسطنطيني الأول سنة "/١‏ سبسلس انعقادهة :

م/- تقرر في مجمع نيقية أن المسيح أله وانه ابن الاب وأنه جوهر قديم من جوهر الآب » وِلم يتعرض للروح القدس أهو إله أم روح مخلوق . وليس باإله . وم يكن مجمع نيقية قد أصدر قراراً في هذا الأمر ء لذلك ظهرت أفكار بين المسيحيين لا تعترف له بألوهيته » ويظهر ان الاسكندرية التي كانت مهداً للأفلاطونية الحديثة التي تقول بالتثليث » وان المسيطر على العالم ثلاث قوى مرّرة فيه » قوة المكون الأول » والعقل ( الابن ) والنفس العامة ( الروح القدس ) - تريد أن تفرض ذلك فرضاً على المسيحيين . كا كانت العامل القوي في اعلان ألوهية المسيح . عددالمجمع والطعن في كونه عاماً :

أخذ يجاهر رجل اسمه مقدونيوس بأن الروح القدس ليس بإله » ولكنه مخلوق مصنوع » وشاعت مقالته بين الناس » ولم يجدوا فيها نكراً ولا أمراً لا يقره العقل أو تأباه المسيحية . فاجتمع الى الملك ذوو الأمر من وزرائه وقواده » وبلغوه أذ العامة قد د فسدوا و ٠‏ فهم ما زالوا متأثرين بوحدانية قديم ٠‏ بل هو مخلوق مصنوع . وحرضوه على أن يجمع جمعاً من الأساقفة يثبتون عقيدة امجمع النيقوي ويدحضون قول مقدنيوس . فاجتمع في القسطنطينية خمسون ومائة أسقف وكان المقدم فيها بطريرك الاسكندرية ؛ ويظهر أن ذلك العدد 7 يكن ناا لكل الكنائس . ولكل الأقالم 4 ولذلك كان اعتباره يجمعاً عاماً من الأمُور التي ثارت حوها الأقوال .

ندل

البندكيتيون ان المجمع الذي لم يكن أربابه إلا مائة وخمسين أسقفا لا ينظم في سلك المجامع المسكونية إلا بعد أن تقره جميع الكنائس ) بطريرك الاسكندرية هو الذي يقرر ألوهية روح القدس :

اجتمع هذا المجمع في القسطنطينية » وتذاكر المجتمعون فيمن هو أولى بالرياسة فقر رأءهم على أن تكون الرياسة لأسقف القسطنطينية » وبذلك نحى عنها رئيس كنيسة الاسكندرية » وكان لذلك أثره في نفوس تابعي تلك الكنيسة 5 جاء في كتاب تاريخ الأمة القبطية . ولكن مع أبعاد ممثل كنيسة الاسكندرية عن مكان الرياسة » وموضع الزعامة الذي كان ف مني يقي كان هو الندم في الدائشة » قير لرأي الذي رفح لل وليس وو ال شيعا ري . فاذا قلنا ان وح ا مخلوق » فقد قلنا أن حياته مخلوقة واذا قلنا ان حياته مخلوقة » فقد زعمنا انه غير حي » واذا زعمنا انه غير حي فقد كفرنا به . ومن كفر به وجب

عليه اللعن 010 . قرار لمجم يوافق رأي بطريرك الاسكندرية :

واتفقوا على لعن مقدونيوس . فلعنوه هو وأشياعه » ولعنوا البطاركة الذين يكونون بعده . ويقولون بمقالته » اذن كان للاسكندرية فضل الصدارة في القول . والقيادة في الرأي العام . وأن لم تككن للها الرياسة . نظرة فاحصة :

ونريد أن نستطرد استطرادة صغيرة عاجلة ٠‏ وهي أن ننظر في تلك السلسلة الفكرية التي ساقها في شكل دليل شرطى كثرت مقدماته .

يلد

وكثرت تالياته » وان نظرة سريعة فاحصة الى الأساس الذي قامت عليه السلسلة ترينا أنه جعل روح القدس هي روح الله » وهذا لا يسلمه له مخالفه .لا يستطع هر أن يم عليه دلا ,

أن يلق ديه ويا من خلقه أو مر كونا ٠‏ هي ليست روح ال المتعلقة بذاته » وليس عنده من دليل على ما قال » ولكن هكذا ساق السلسلة » وهكذا أقتنع سامعوه . وبذلك تم له الثالوث الذي يتشابه تماماً مع فلسفة الاسكندرية » وقد أعلنها بطريرك الاسكندرية » وزادوا بذلك على مجمع نيقية هذا الأقنوم الثالث .

ويقول ابن البطريق في بيان قرارهم : « زادوا في الامانة التي وضعها الثلاائة والثانية عشر أسقفا الذين اجتمعوا في نيقية الايمان بروح له » ييمجد وثبتوا أن الآب والابن وروح القدس ثلاثة أقانم » وثلاثة وجوه » وثلاث خواص » وحدية في تثليث » وتثليث في وحدية » كيان واحد في ثلاثة أقانم . إله واحد . جوهر واحد . طبيعة واحدة ) .

اذن تقرر التثليث » وتمت أقانيمه » ولكن ما زال للمؤتمرات العامة وا مجامع العامة موضع » فان طبيعة المسيح الانسانية والالحية » كيف

65

'"'- مجمع افسس الاول سنئة 4١‏ سبب انعقاده :

87- أول خلاف بينهم بعد تقرير الثالوث أن بطريرك القسطنطينية اليه . وطبيعة الانسان وقل ولدت من مريم » فمريم أم الانسان ؛ وليست أم الاله . البطريق 0 وان هذا الانسان الذي يقول انه الا . بانحبة متحد مع الاب . ويقال أنه الله وابن الله ليس بالحقيقة » ولكن بالموهبة ) .

ويظهر من هذا أن المسيح الذي ظهر بين الناس لم يكن الا بحال من الأحوال » ولكنه مبارك بما وهبه الله من ايات وتقديس .

ولذا جاء في تاريخ الأمة القبطية عن نحلته ما نصه : النسطوريون ينكرون ألوهية المسيح :

؛ أما هرطقة نسطور هذه فلم تكن كغيها نشأت عن اختلاف في عقائد وضعها الآباء والأحبار ٠‏ بل هي جرهرية تختص بأعظم موضوعات الايمان والأركان في الدين المسيحي . ذلك أن نسطور ذهب الى أن ربنا يسوع المسيح لم يكن الا في حد ذاته » بل هو انسان مملوء من البركة والنعمة » أو هو ملهم من الله » فلم يرتكب خخطيئة » وما أى أمراً ادا » .

على هذا التخريج يكون نسطور لا يعتقد بألوهية المسيح . وان كان يعتقد أنه فوق الناس » وليس مثلهم » ولقد جهر بهذا الرأي » ونادى

لحل

به » وهو رئيس لكنيسة القسطنطينية » وها مكانتها » ولكن خالفه غيره من الأساقفة » فكان أسقف رما يعلنه برأيه امخالف له » مع ما عند نسطور ما راه من بينات » وأدلة .

ولقد بلغت مقالة نسطور بطريرك الاسكندرية » وجرت المراسلاات بين أسقف الاسكندرية وأساقفة انطاكية ورومة وبيت المقدس » فاتفقوا على عقد مجمع أفسس للنظر في هذا الرأي » واعلان صاحبه بالتبرؤ منه » ولعنه أن أصر على رأيه » ودعوه ليسمع حكمهم في رأيه . ويظهر مصر على رأيه » فلم يجد كبير فائدة في حضور المجمع » فلم يحضر لا هو ولا بطريرك أنطاكية .

وانعقد المجمع وعدده نحو مائتين من الأساقفة » وقرروا ما نصه كا جاء في تاريخ ابن البطريق :

( ان مريم العذراء والدة الله » وأن المسيح إله حق وانسان معروف بطبيعتين » متوحد في الأقنوم » ولقد لعنوا نسطور . قرار المجمع والاحتجاج عليه :

فلما بلغ ذلك القرار يوحنا بطريرك أنطاكية غضب » واحتج على المجمع » فاختلف المجتمعون على رأيين » وأصر المشرقيون على الرأي الذي الهنا وربنا يسوع المسيح الذي مع أبيه في الطبيعة » ومع الناس في الناسوت والطبيعة . وأقروا بطبيعتين » ووجه واحد وأقنوم واحد ) خالفهم بطريرك الاسكندرية أولا » ولكن يقول ابن البطريق انه وافق بعد ذلك وكتب اليهم : ( ان أمانتي التي في صحيفتكم ) .

كوا

مذهبه بذلك النفي » ولقد وجد أرضا صالحة لها في الشرق » فلقد نبضت النسطورية في نصيبين » ويقول ابن البطريق : « تكاثرت

النسطورية في المشرق والعراق والموصل والفرات والجزيرة » .

1/

4- مجمع خليكدونية سنة 480١‏

كنيسة الاسكندرية تعلن أن المسيح إله قد اتحد فيه اللاهوت والناسوت وصارا طبيعة واحدة .

7م- ولم يحسم ذلك المجمع الخلاف في مسألة اجتاع العنصر الانساني والعنصر الألهي في المسيح » فلم يقض على نحلة نسطورس قضاء مبرماً » وان كان قد نفاه واذاه » بل نحت نحلته بعد ذلك في المشرق » وذاعت في البلاد التي ذكرها ابن البطريق » ولم يتم الخلاف في ذلك عند نسطور وأتباعه » بل ان كنيسة الاسكندرية قد خرجت هي الأخرى برأي جديد عرضته على املد من الأساقفة وجمعوا له جمعاً قرروه فيه » وذلك الرأي أن للمسيح طبيعة واحدة اجتمع فيبا اللاهوت بالناسوت » وانعقد لأجل هذا مجمع أفسس الثاني الذي تسميه الكنيسة الكاثوليكية مجمع اللصوص » وفي هذا المجمع أعلن ذلك الرأي

فلما عرضه بطريرك القسطنطينية وأعلن انسحابه من المجلس » وعدم احترامه » أمرهم رئيس المجلس باعلان حرمانه » وحدث خارج المجلس صخب شديد » وضجة كاد أن يقتل فيها رئيس كنيسة القسطنطينية » وقد اشتد الاحتلاف بعد ذلك حول هذا المجمع » أهو صحيح محترم السلطان » أم هو مجمع غير عام لا تلتزم بارائه الكنائس كلها ؟ واشتد الاختلاف في قرارات الحرمان التي أصدرها » أهي محترمة واجبة التنفيذ » أم هي باطلة » لأنها صادرة عن غير سلطة ؟ حتى جاءت ملكة على الرومان تخالف ذلك الرأي » وتميل لغيره . ذ فلتنفيذ رأيها في هذا الخلاف الشديد حول مجمع أفسس الثاني وقراراته - أمرت » هي وزوجها » بعقد مؤمّر عام » فاجتمع في مدينة خليكدونية عشرون وخمسمائة أسقف » وكان الاجتاع تحت اشراف زوج الملكة » واجتمع في شهر أكتوبر سنة 55١‏ .

1١154

طلب انسحاب بطريرك الاسكندرية ورفض الطلب :

وتقول مؤلفة تاريخ كتاب الأمّة القبطية : ١‏ وكان أول اقتراح طلبه مندوبو رومية انسحاب ديسقورس بطريرك الاسكندرية من ابجلس . فسأل الرئيس عن الباعث لهذا الانسحاب وعن الأسباب التى تلجىء المجمع الى اخراج هذا البطريرك من قاعته ؟ فكان اعتراض هؤلاء أن بالكرسي الرسولي بابا القسطنطينية .. فلم يصادق مندوب الحكومة على هذا الرأي السقم » وقرر المجمع بقاء ديسقورس . ولكن على غير كرسي الرياسة » ك! كان في المجمع السابق لأنها أصبحت في يد رجال الامبراطورة » وقد حدث ضجيج وصخب ممنازعات في أثناء الاجتاع مما جعل مندوبي الحكومة يصيحون فيهم قائلين بلسان احدهم : ١‏ انه لا يجدر بالأساقفة وأئمة الدين أن يأتوا مثل هذه الأعمال الشائنة من صياح » وصراخ » وسب » وقذف » وضرب ولكم . بل يجب عليهم أن يكونوا قدوة للشعب في الهدوء وتسيير الأمُور على حور الحكمة والسداد » ولذلك نرجوم أن تستعملوا البرهان بدل المهاترة » والدليل عوضاً عن القول الهراء » وأميلوا اذانكم الى سماع ما سيتلى عليكم ) . الشغب في ابجمع : أن قرر » أن المسيح فيه طبيعتان لا طبيعة واحدة » وأن الألوهية طبيعة وحدها » والناسوت طبيعة وحده » التقتا ف المسيح . قرار المجمع أن المسيح له طبيعتان : ولدت انا » ربنا يسوع المسيح الذي هو مع أبيه في الطبيعة الالهية »

56

ومع الناس في الطبيعة الانسانية » وشهدوا أن المسيح له طبيعتان » وأقنوم واحد » ووجه واحد » ولعنوا نسطورس » ولعنوا ديسقورس » ومن يقول بمقالته » ونفوه ولعنوا ا مجمع الثاني الذي كان بافسس وقد نفى ديسقورس الى فلسطين ) .

الانشقاق ومداه:

8- هنا نرى انشقاقاً بين المسيحية اللمثلثة » واختلافاً يكون بعيد المدى في الأجيال المقبلة » وهو أساس اختلاف الكنائس الى يومنا الحاضر فهذا المجمع يرى أن المسيح له طبيعتان احداهما انسابية يشارك فيها الناس والأحرى لاهوتية » وأقنوم الابن مكون من الطبيعتين » وهو بذلك يخالف النسطوريين . لآنهم يقولون : أن أقنوم الابن لم يكن من العنصرين » بل من العنصر الانساني وحده » ويخالف قرار أفسس الثاني الذي يقول أن المسيح طبيعة واحدة تجسد فيها العنصر اللاهوني من الروح القدس » ومن مريم العذراء مصيراً هذا الجسد معه واحداً وحدة وبهذا الاتحاد صار الابن المتجسد طبيعة واحدة من طبيعتين » ومشيئة واحدة » وقد بدت اثار ذلك المجمع سريعة واضحة .

فان المصريين عندما بلغهم ما نزل برئيس كنيستهم غضبوا » وأجمعوا أمرهم على عدم الاعتراف بقرارات ذلك المجمع . عدم اعتراف المصريين بقرار امجمع :

وتقول مؤّلفة كتاب تاريخ الأمة القبطية : ١‏ ولما طرق مسامع المصريين ما لحق ببطريركهم من الحرمان والعزل هاجوا وغضبوا » واتفقوا على عدم الاعتراف بقرار المجمع الذي أصدر هذا الحكم , وأعلنوا رضاهم ببقاء بطريركهم رئيسا عليبم » ولو أنه محروم مشجوب » وأن ايمانه ومعتقده هو

1

عين ايمائهم ومعتقدهم . ولو خالفه فيهما جميع أباطرة القسطنطينية » وبطاركة رومية » ولقد أعتبر المصريون أن الحكم الذي صدر ضد بطريركهم ماس بحريتهم الوطنية » مجحف بحقوقهم السياسية » ولو أنه حكم ديني صرف ) .

ولقد أشتد النزاع بسبب هذا بين المصريين والرومان فثار المصريون وغضبوا عندما رأوا بطريركاً يعين على غير مذهبهم ٠‏ وعلى غير رغبتهم » واستمروا على غضبهم » فصاروا ينتقضون الحين بعد الحين » كلما لااحت لهم الفرصة » وديسقورس ل بمنعه النفي من أن يدعو المسيحيين الى اعتقاده في منفاه .

ويقول ابن البطريق : « لا نفى سار الى فلسطين ٠»‏ وبيت المقدس فافسد دين كل من بفلسطين وبيت المقدس . حتى قالوا بمقالته ) .

المصربون يرفضون تعيين بطريرك على غير مذهبهم :

8- ولقد كان الاختلاف يشتد كلما عين الرومان بطريكاً » فان المصريين يرفضونه محتجين بأنه على غير مذهبهم ومن غير جماعتهم » ويجب أن يكون بطريركهم بعد هذا الاختلاف من المذهب الذي أرتضوه ديناً ؛ وباختيارهم » فكان بعض الأباطرة يأخذهم بالعنف », وأولفك هم الأكثرون » وبعضهم يأخذهم بحسن السياسة ولطف الكياسة » فيترك لهم الحرية في اختيار بطريركهم » والاطمئنان الى مذهبهم » وكانت الايام والسنون هكذا تسير أحياناً على نبج من الموادة والرفق ٠‏ وأحياناً كثرة على شطط وعنف .

يعقوب البرادعي ونسبة المذهب المصري اليه :

وفي هذه الأثناء يتغلغل في ربوع الدولة الرومانية الدعاة الى المذهب

١و‎

المصري والدعاة الى المذهب الروماني أو مذهب رومية مقر الأباطرة أو المذهب الملكي 5 سماه العرب من بعد .

ولقد ظهر للمذهب المصري داعية قوي الشكيمة قوي العارضة » بليغ الأثر » اسمه يعقوب البرادعي » قد أخذ يجول في وسط القرن السادس الميلادي في البلاد الرومانية الى مصر » يدعو الناس الى اعتناق مذهب الكنيسة المصرية » ويبث ذلك المذهب في نفوسهم . ويدخله في قلوهم » وسلك في سبيل ذلك الخاطرة والجرأة » لا يأبه لقوة مهما تكن » ولا لذي خطر مهما يكن شأنه .

وتقول صاحبة كتاب تاريخ الأمة القبطية : ١‏ قيل أنه رسم أسقفاً » وألوفاً من الكهنة والقسوس » ومن ذلك الحين أطلقت كلمة يعقوبيين على جميع الذين يذهبون الى أن للمسيح طبيعة واحدة اشتقاقاً من اسم يعقوب البرادعي زعم هذا الحزب .

ولكن من الخلط الكبير » والخبط الذي يدل على الجهل اطلاق لفظ يعقوبيين على الكنيسة القبطية المصرية » لأن مذهبها نشأ قبله » وهو تبعه » اذ لا علاقة لما بيعقوب ». أما اذا سميت الكنيسة الرومانية بالكنيسة الملكية فأنت مصيب غير مخطىء » لأن هذا الاسم صار علما للكنيسة المذكورة من بعد الفتح الإسلامي » وهو اسم عربي الأصل مشتق من كلمة ملك ٠»‏ ومعناها الذين ينحازون الى الملك » أو الأمبراطور الروماني مذهباً وسياسة ) . انفصال الكنيسة المصرية نبائياً :

- ولقد كان قرار مجمع خليكدونية هو السبب في انقسام الكنائس » أو بعبارة أدق هو السبب في انفصال الكنيسة المصرية عن الكنيسة الغربية » ولقد لخص صاحب كتاب تاريخ المسيجية في مصر

يفن

عقيدة الكنيسة المصرية فقال : ( كنيستنا المستقيمة الرأي التي تسلمت ايمانبا من كيرلس » وديسقورس ومعها الكنائس الحبشية والأمنية » والسريانية الاريُوذكسية تعتقد بأن الله ذات واحدة مثلثة الأقانم » أقنوم الآب » أقنوم الابن » وأقنوم الروح القدس ء وأن الأقوم الثاني أي أقنوم الابن تجسد من الروح القدس , ومن مريم العذراء . فصير هذا الجسد معه واحدا وحدة ذاتية جوهرية منزهة عن الاحتلاط » والامتزاج والاستحالة » بريقة من الانفصال » وبهذا الاتحاد صار الابن المتجسد طبيعة واحدة من طبيعتين » ومشيئة واحدة ) .

هذه هي قرارات تلك الكنيسة » وهي تخالف ما تقرر في مجمع خليكدونية ما علمنا .

اججامع الباقهية

لمجامع السابقة تقرر المسيحية الحاضرة :

-١‏ عنينا ببيان المجامع الأزيعة السابقة ببعض التفصيل » ولم نضن على القرطاس فيها ببعض الاطناب . لأنها المجامع التي قررت بها العقيدة المسيحية الحاضرة .

فأوها قرر ألوهية المسيح » وثانيها قرر ألوهية الروح القدس » وثالثها قرر أن المسيح اجتمع فيه الانسان والاله » لا الانسان فقط » وأن مريم ولدت الاثنين » ورابعها قرر أن المسيح ذو طبيعتين منفصلتين » ؛ لا طبيعة واحدة متحدة ١‏ وانمجامع الثلاثة الأوْلى اتفقوا على أنها مجامع عامة تلزم بأحكامها امسيحيين أجمعين , أما المجمع الرابع فهو ليس مجمعاً عاماً في

نظر المصريين » والكنائس التي تنبج نبج كنيستهم .

والمجامع الآتية بعد ذلك ليس فيها مجمع قد أجمع عليه المسيحيون قاطبة بأنه مجمع عام مسكوني ا يعبرون » فكل هذه المجامع لم تمثل فيها الكنيسة المصرية بعد انشقاقها على كنيسة رومة » أو انشقاق كنيسة روما عليها .

وانا نشير الى هذه المجامع اشارة » ولا نعرج عليها بتفصيل لذلك » ولان قراراتها كانت في فروع جزئية لا تتصل بلب التثليث إلا في بعض الع ١‏ يقار سير اليس الأوفر » زا شلال في صصميية ؛ و

القسطنطينى الثاني .

17/5

المجمع القسطنطيني الثاني وسبب انعقاده :

ويذكر ابن البطريق أن ذلك المجمع انعقد بسبب أن بعض الأساقفة أعتنق فكرة تناسخ الأرواح » وسار فيها الى أقصى مداها . حتى لقد قال أنه ليس هناك قيامة » وبسبب أن بعض الأساقفة قد زعموا أن شخص المسيح لم يكن حقيقة » بل كان خيالاً » فاجتمع لذلك هذا المجمع , وكانت عدة الحاضرين فيه أربعين ومائة » فقرروا حرمان هؤلاء الأساقفة » ولعنهم وطردهم من زمرة المسيحيين » ولم يكتفوا في اجتاعهم بإصدار قرارهم في هذه الامور » بل ثبتوا قرارات امجامع السابقة » ومنها قرار مجمع خليكدونية » وبذلك ثبتوا عقيدة كون المسيح ذا طبيعتين » واكدوا انكار الطبيعة الواحدة التي اعتنقتها كنيسة مصر . ومن والاها من المسيحيين .

5 - وقد ظهر رجل أسعه يوحنا ماروكث في القرن السابع الميلادي سنة 717 كان يقول ان المسيح ذو طبيعتين » ولكنه ذو مشيئة واحدة لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد , ولكن يظهر أن هذه المقالة لم ترق في نظر البطارقة لذلك » فأوعزوا الى الامبراطور أن يجمع جمعاً عاماً في زعمهم . ليقر بأن المسيح ذو طبيعتين » وذو مشيئتين » بعد أن استوثقوا من أن الامبراطور » واسمه يوغاقوس على رأيهم » بمكاتبات تبادلوها معه .

فقد جاء في أحد كتبه : ( نحن نقر » ونؤمن بطبيعتين » ومشيكتين » وفعلين لسيدنا المسيح » وأقنوم واحد » ونلعن من خالف هذا ) . مبجمع القسطنطينية الثالث : كان من عمله لعن وطرد كل من يقول بالمشيئة الواحددة . كا لعن وحرم وكفر من قال بالطبيعة الواحدة » وكان مؤلفاً من نحو تسعة وثانين ومائني

١/6

أسقف . وبعد أن قرروا لعن وطرد من يخالفهم كشأنهم دائماً .

قالوا : « اننا نوُمن بأن الواحد من الثالوث الابن الوحيد الذي هو الكلمة الأزلية الداتم المستوى مع الآب الاله في أقنوم واحد . ووجه واحد » يعرف تماماً بناسوته » تماماً بلاهوته في الجوهر الذي هو ربنا يسوع المسيح بطبيعتين تامتين وفعلين ومشيئتين في أقنوم واحد » وشهدوا كا شهد المجمع الخلقيدوني أن الاله الابن في اخر الأزمان اتخذ من العذراء السيدة مريم القديسة جسدا انسانيا بنفس ناطقة عاقلة » وذلك برحمة الله محب البشر » وِلم يلحقه في ذلك اختلاط ولا فساد » ولا فرقة ولا فصل » ولكن هو واحد يعمل.ما يشبه الانسان أن يعمله في طبيعته » وما يشبه الاله أن يعمله في طبيعته » الذي هو الابن الوحيد » الكلمة الأزلية اللتجسدة التي صارت الحقه لحماً ما يقول الانجيل المقدس من غير أن تنتقل من مجدها الأزلي وليست بمتغيرة » ولكنها بفعلين » ومشيئتين وطبيعتين اله وانسان » وبهما يكمل قول الحق . وكل واحدة من الطبيعتين تعمل مع شركة صاحبتها » فتعملان بمشيئتين غير متضادتين ) .

هذا بعض قرار ذلك المجمع كا جاء في تاريخ ابن البطريق » وقد أطلنا في النقل » ليكون كلام القوم مبيناً لفكرهم ؟ يريدون » فنقلناه خشية أن نحرف كلامهم عن معناه , أو نحيد به عن مرماه .

ولقد كان من اثار هذا القرار أن خرج من جماعة كنيسة روما والقسطنطينية طائفة المارونيين ؛ كا خرج من قبل الاقباط وكنيستهم » ومعهم الاحباش والارمن والسريان . مجمع تحريم اتخاذ الصور :

-- وقد جاء مجمع غير عام باقرار الجميع انعقد بأمر قسطنطين الخامس سنة 7554 وفيه جمهور من الاساقفة » وفدوا اليه من جهات

١ك‎

مختلفة وقد قرر تحربم اتخاذ الصور (2 والقاثيل في العبادة » وحرم طلب الشفاعة من العذراء , ولأجل هذا انعقد المجمع السابع بأمر الملكة ايربني بمدينة نيقية » ويسمى المجمع النيقاوي الثاني سنة 70 وكان أعضائزه أسقفاً وأصدروا القرار بتقديس صور المسيح والقديسين » لا بعبادتها » وجاء في هذا القرار : « انا نحكم بأن توضع الصور ليس في الكنائس «الأبّنية المقدسة » والملابس الكهنوتية فقط » بل في البيوت » وعلى الجدران في الطرقات » لأننا ان أطلنا مشاهدة ربنا يسوع المسيح ووالدته القديسة والرسل » وسائر القديسين في صورهم شعرنا بالميل الشديد الى التفكير فيهم » والتكريم لهم . فيجب أن تؤْدي التحية والاكرام لهذه الصورة » لا العبادة التى لا تليق الا بالطبيعة الالمية » . هذا هو المجمع السابع قد وافق عليه عدد كبير من الكنائس فاعتبته عاماً » وخالفته أخرى » فلم تعتبره كذلك .

انفصال الكنيسة الشرقية عن الغربية وسببه :

4- ولننتقل بعد ذلك الى المجمع الثامن » وهو أساس انفصال الكنائس الشقية التي ترأسها كنيسة القسطنطينية عن الكنائس الغربية التي ترأسها كنيسة روما .

وقد علمت أن المجامع الماضية التي انفصلت بسببها فرق مسيحية

0261 يقرر الأستاذ المرحوم أمين الخولي في رسالته « صلة الإسلام باصلاح المسيحية 6 أن فكرة تحريم اتخاذ الصور والقاثيل في أماكن العبادة الإسلامية وان أشد من ظهر بمعاداتها ليون الثالث مكسر الأصنام الذي أقلق الكنيسة واتخذ العنف سبيلاً لتنفيذ رأيه له صلة وثيقة بالمسلمين وينقل عن صاحب كتاب الطرق النيقية قوله : « ان ليون فعل ذلك لأسباب سياسية اذ رغب في التقرب الى المسلمين بذلك . أو فعل ذلك تقليداً الحركة من هذا النوع قام بها في ذلك العصر المسلمون في ديارهم ) » ويقول الأستاذ أمين الخولي : ١‏ والحركة الإسلامية التي سمعت خبرها في تحطم القاثيل هي التي قام بها الخليفة الاموي يزيد بن عبد الملك سنة *١٠١ه‏ - ٠م‏ ( وكانت حركة ليون المسيحية سنة )أذ كتب يزيد الى حنظلة ابن صفوان » واي مصر أن يكسر الأصنام والقاثيل » فكسرت كلها » وحيت من ديار مصر وغيها في أيامه ) .

يذل

كان أساس الخلاف فيها طبيعة المسيح » ولم يتعرض أحد للروح القدس » ومن اي شيء انبثق ؛ ححتى آثار بطريرك القسطنطينية كيف كان انبثاقه » فحكم بأن انبغاق الوح القدس كان من الآب وحده » فعارضه في ذلك بطريرك رومة قائلاً : ( ان انبثاق الروح القدس كان من . الاب والابن معاً » ولم يكن من أحدهما » وكل فريق عاضد رأيه بجمع قد جمعه » وكلاهما قد أعتبر هو ومشايعوه مجمعه عاما ملزما للآخر » ومجمع الآخر خاصا غير ملزم » وكل لعن الآخر وطرده » وأعتبره محروما مطرودا من حظية المسيحية » كشأنهم عند كل اختلاف .

اعلن بطريرك القسطنطينية. رأيه » وهو أن الروح القدس أنبئق من الاب فقط . وفوق ذلك قد تولى هذا البطريرك كرسيه من غير ارادة رئيس الكنيسة بروما » وبعد أن دس لسلفه ما أبعده عن كرسيه . فاجتمع ف القسطنطينية جمع بعل عرزا ل البطريرك الذي ناوأ روما سنة 8 » وأصدر قراراً يتضمن البت في ثلاثة أمور :

ثانها : أن كل من يريد المحاكمة في أمر يتعلق بالمسيحية وعقائدها الثها : أن جميع المسيحيين خاضعون لكل المراسم التي يقوم بها وتلك القرارات كانت مع قرار آخر يعتبر عندهم سنة متبعة . وهو لعن ذلك البطريرك المعزول واسمه فوسيوس » وحرمانه هو واتباعه . استطاع فوسيوس هذا أن يعود الى منصبه » فلما عاد اليه كان أول ما صنعه أن عقد مجمعاً آخر في القسطنطينية سنة 8079 » ويسمى هذا

المجمع الشرقي اليوناني » 5| يسمى الأول الغرلي اللاتيني » وقد قرر فيه م/ا ١‏

رفض كل ما قرره ابجمع الل » وقرر أن أنبثاق الروح القدس من الاب فقطاع ؛ وقد صار كل مجمع يعتبر عاماً عند مشايعيه . كا يعتبرون الآخر خاصاً » بل باطلاً غير ملزم » وكل يكفر الآخر أو يفسقه « وكل حزب بما لديم فرحوت غ) .

؟- كان هذان المجمعان هما السبب في انقسام الكنيسة الى شقية يونانية » وغربية لاتينية » ورئيس هذه الكنيسة الغربية هو البابا » وهو مستقل بسياستها وله السلطان عل كل الطوائف المنقادة الى تعالعها . الكنيسة الغربية أم الكنائس :

وتسمى الكنيسة البطرسية لكون مشايعيها يعتقدون أن مؤسسها الاول هو بطرس الرسول في زعمهم » ويزعمون أنه كبير الحواريين ورئيسهم » ويقولون أنه رأس هذه الكنيسة » والبابوات خلفاؤه من بعده . وتسمى الغربية لكون سلطانها في بلاد الغرب » ويقول صاحب كتاب سوسنة سليمان : ( وهي تدعى أنها أم الكنائس » ومعلمتبن وربما حق لها ذلك . لجهة التفاسير التي تبنى عليها أصول التعالم التقليدية » ونظامات المجامع » وترتيبها » وهي أيضا التي تأمر بها . وتمتد شوكتها على الخصوص في بلاد ايطاليا » وبلجيكا » وفرنسا » وأسبانيا » والبرتغال ) وشعوبها منتشرة في أقطار الارض .

وأما الكنيسة اليونانية » ويقال لها أيضاً كنيسة الروم الأأثوذكسية أو الكنيسة الشرقية » فاكثر مشايعيها في الشرق وسلطانه فيه » وهي تشترك مع الكنيسة الكاثوليكية في كثير من التقاليد المسيحية » ولكنها تخالفها في أنبثاق الروح القدس . فتقول أنه من الآب فقط . 5 بينا » ولا تعترف إلا بامجامع السابقة على المجمع الذي أوجد الانفصال , م لا تعترف لبابا رومة بالسيادة أو الرياسة .

١ك‎

ولكن مرور الزمن » وما أحيط به من تقديس بين مشايعيه » وعند الملوك » ولكثرة معتنقى مذهبه » تتساهل الكنيسة الشرقية فتعترف له بالتقدم لا بالسلطان » ويليه في الرتبة بطريرك القسطنطينية » والمشايعون نما في بلاد روسيا واليونان والصرب » وكثير من جزر البحر الابيض وغير هؤلار . امجامع اللاحقة كلها غير مسكرنية إلا في نظر الكنيسة الغربية :

5- قد انفصلت الكنيسة الشرقية عن الغربية ما علمت » والمجامع الاتية كلها مجامع غير عامة في نظر الكنيسة الشرقية » لان الاساقفة الذين كانوا يجيبون الدعوة فيها من أتباع الكنيسة الغربية فقط » ولذلك لا تعتبر تلك المجامع عامة إلا في نظر الغربية .

فا مجمع التاسع انعقد في رومة سنة ١١78‏ » وأعظم قراراته شأناً الحكم بأن تعيين الأساقفة » ليس من شأن الحكام » بل من عمل البابا وحذده . محاولة تقريب بين الكنيستين :

والمجمع العاشر انعقد في رومة أيضاً سنة ١١*59‏ وكان اعضافه ٠‏ عضو ء وقد حاول هذا المجمع ازالة الفرقة بين الكنيستين » فلم

وامجمع الحادي عشر الذي انعقد في رومة سنة ١١179‏ كان لوضع نظام التاديب الكنسبى ٠»‏ وفيه تقرر انتخاب البابوات بثلثى عدد الكرادلة .

وكان في هذا العصر قد شاع القول باستحالة الخبز والخمر في العشاء الرباني الى جسد المسيح ودمه » ولكن لم يقرر ذلك المبدأ .

ليلا

حتى جاء امجمع الثاني عشر سنة ١١١8‏ وفيه تقرر ذلك المبدأ نهائياً تملك الغفران وتمنحه لمن تشاء .

وتتوالى بعد ذلك المجامع الكاثوليكية لأغراض عامة أو أقليمية » وفي بعضها تتجدد محاولة توحيد الكنيستين المتصلتين » وفي بعضها يتقرر

وأهم هذه المجامع وأعظمها أثرا » وأقواها عملا المجمع التاسع عشر الذي انعقد في تريدنتو والذي دام انعقاده من سنة ١547‏ الى سنة ١57‏ . وفيه الرد على البروتستانتية ١8‏ وقد أثبتوا فيه العصمة للبابا .

وقد قال في ذلك صاحب سوسنة سليمان : « وقد نشأ في ذلك انقسام في الطوائف الكاثوليكية ببلاد أوربا والشرق » والذين خالفوا هذه العقيدة من أهالي أوربا سموا أنفسهم الكاثوليكيين القدماء » ونهاية ذلك لم تزل مجهولة )4 .

١4١

الفرق المسيحية

97- من البيان الذي سقناه في المجامع » وما انعقدت بسببه من خلافات يظهر لنا أن المسيحية قد أق عليبا حين من الزمن كان التوحيد هو السائد بين معتنقيها » والغالب على كل نحلة سواه من نحلها . وانك لترى ذلك واضحاً فيما بيناه من أن أريوس عندما ظهر مقاوماً فكرة ألوهية المسيح » ومنازعاً كنيسة الاسكندرية في ذلك المبدأ الذي كانت تبئه في النفوس وهو ألوهية المسيح وتنادي به على رؤوس الأشهاد » بينا كان أتباعه في مصر وفلسطين والقسطنطينية » ( وهذه مواطن المسيحية في ذلك الابان ) أكثر عدداً وأقوى مكانة » فكثير منهم أساقفة ورؤساء كنائس » وكل ذلك مع أن قسطنطين الامبراطور الحآم بأمره الذي لا معقب الحكمه كان يشايع فكرة ألوهية المسيح ويناصرها » ويحميها ويؤيدها » كا بينا عند الكلام في مجمع نيقية اذ خمى القائلين أن المسيح فيه ألوهية بحمايته » ووضعهم تحت ظله . وأمدهم بالجاه والسلطان .

واذا كان قد أنى حين كان فيه التوحيد هو السائد ويصح لنا أن نقسم عصور المسيحية الى قسمين :

عصر التوحيد : ونجعل نهايته الزمن الذي انعقد فيه مجمع نيقية » أو ما ولى ذلك الزمن بقليل ‏ اذ غالب التوحيد فكرة ألوهية المسيح ردحا غير قصير من الزمن بعد مجمع نيقية .

والعصر الثاني : عصر تأليه المسيح » وذلك العصر يبتدىء بعد مجمع نيقية » وبعد ان استطاع أباطرة الرومان أن يطمسوا نور التوحيد في وسط المسيحيين » ويمنعوا الموحدين من نشر دعاياتهم .

اما

واذن فمن الحق علينا أن نراعى هذا التقسمم عند الكلام في الفرق القديمة عند المسيحية » فنقسم تلك الفرق الى قسمين :

فرق ظهرت في عصر التوحيد » وربما كان وجود بعضها قبل مجمع نيقية أرهاصاً لعهد التثليث .

وفرق ظهرت في عصر تاليه المسيح وعصر التثليث .

ونقصد بالفرق القديمة الفرق التي ظهرت قبل عصر النبضة في أوربا أي قبل القرن الثالث عشر الميلادي » ونقصد بالفرق الحديثة الفرق التي ظهرت بعد عصر النبضة » وهي التي ظهرت في عهد الاصلاح الديني » وما والاه . الفرق التي ظهرت في عصر التوحيد :

4- والفرق التي ظهرت في عهد التوحيد كثيرة » وبعضها كان مستمسكاً بالتوحيد » ومعه الكثة الغالبة من المسيحيين 6 استنبطنا من السياق التاريخي وكا يستفاد من ثنايا التاريخ » وبعضها كان قد انحرف عن التوحيد » حتى كان وجوده تمهيداً للتثليث أو سيراً ببعض الخطوات في

وأظهر الموحدين أربوس وأتباعه » وقد كانوا كثيرين » فقد شرحنا أنه قد كان يأخذ بمذهبه بطريرك القسطنطينية وغيره من البطارقة » وكان رأيه

فرقة أريوس :

يقول ابن حزم في بيان فرقة أريوس : «١‏ والنصارى فرق ع منهم أصحاب أريوس 3 وكان قسيسا بالاسكندرية » ومن قوله التوحيد امجرد 2 وأن عيسبى عليه السلام عبد مخلوق » وأنه كلمة الله تعالى التي بها خلق

18

السماوات والأض »؛ وكان في زمن قسطنطين الأول باني القسطنطينية » وأول من تنصر من ملوك الروم » وكان على مذهب أريوس »© .

وهذا الكلام يحتاج جزؤه الأخير الى نظر » فهو يزعم أن قسطنطين كان على مذهب أريوس » وقد بينا عند الكلام في مجمع نيقية » أنه هو الذي تدخل بنفوذه وسلطانه » فعزل أنصار لاهوت المسيح » وأعتبر امجمع مكوناً منهم دون سواهم 5 وقد كان المجتمعون أول الأمْر أكثر من ألفين » فرفض رأي الكثرة » وعقد مجمعاً مؤّلفاً من تمانية عشر وثلاتمائة » بيها يذكر الثقات من المؤرخين أنه قد صرح بنصرة أريوس من المجتمعين أكثر من سبعمائة .

نعم ان الأْيوسيين قد حاولوا بعد ذلك جذبه الى رأمهم » وضمه الى مذهبهم ليستفيدوا منه قوة وسلطاناً » فمال الهم أخيراً » أو اظهر اميل » وان كان لم يعمل على نصرة مذهبهم » ولم يعقد مجمعاً ليقرر رأهم » كا فعل بالنسبة لغيرهم » وأقصى ما عمله أنه رد انحرومين الى حظية المسيحية » وأعاد المنفيين من منفاهم » ومكنهم من الاستمتاع بنعمة الحرية . ولعل ذلك كان كياسة منه وسياسة . اذ راهم كثرة المسيحيين الغالبة » وأقواههم هي الشائعة الرائجة » فأظهر الميل اليم حتى لا ينقضوا عليه . أصحاب بولس الشمشاطي :

4- ومن الموحدين الذين ظهروا أصحاب بولس الشمشاطي » ويقول فيه ابن حزم : « كان بطريركا بانطاكية » وكان قوله التوحيد المجرد الصحيح وأن عيسى عبد الله ورسوله كأحد الأنبياء عليهم السلام؛ خلقه الله في بطن مريم من غير ذكر » وأنه انسان لا الهية فيه . وكان يقول : لا أدري ما الكلمة » ولا روح القدس .

84م

ومن هذا يتبين أن مذهب بولس هذا كان توحيداً خالصاً » وأن عيسى ليس إلا رسولاً من رب العالمين » وأنه كان اذا عرض له البحث في كلمة الله » وروح القدس أمسك عن ذلك » ولم يخض فيه » وتوقف واعتصم بذلك .

ويظهر من هذا أن هاتين الكلمتين كانتا المثار الذي يثير منه أنصار ألوهية المسيح الشببات حول التوحيد ٠‏ ليلقوا الريب في نفوس معتنقيه » فاذا استولى الريب عليهم ألقوا أمانيهم » ووجدوا من الحيرة والاضطراب

ما يتخذونه ذريعة الى ما يريدوك .

ويقول ابن البطريق في بيان مذهب بولس هذا : ١‏ ان المسيح انسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره » وأن ابتداء الابن من مريم » وأنه اصطفى ليكون مخلصاً للجوهر الانسبي » صحبته النعمة الالهية , وحلت فيه بامحبة والمشيئة » ولذلك سمي ابن الله » ويقولون ان الله جوهر واحد » وأقنوم واحد » ويسمونه بثلاثة أسماء » ولا يوُمنون بالكلمة » ولا بروح القدس » وهي مقالة بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية » وهم البوليقانيون ) .

هذا ما قاله ابن البطريق في معتقد بولس الشمشاطي » وهو لا يختلف في جوهره عن كلام ابن حزم الأندلسي فيه » وان اختلفت العبارات » فالاصطفاء لتخليص الجوهر الانسي هو ما عبر عنه ابن حزم بالرسالة » والنعمة الالمية التي حلت فيه هي الوحي واختياره ليكون رسول الله الى الناس يهديهم » والنبوة التي جاءت في عبارة ابن البطريق حكاية لقول بولس هذا كناية عن الحبة » ولعل بولس لم يجرها على لسانه » أو لم تجيء في بيانه » ولككن ابن البطريق المسيحي المثلث تكلم عن الموحدين بمنطقه وتعبيره » وان كان المراد غير موافق للمثلثين .

ه14

دخول الوثية على التوحيد :

- وكان بجوار الموحدين الذين كانت أقوالهم السائدة المنتشرة في ربوع المسيحيين » وجدت اراء كثيرين من دخلوا في المسيحيين وفههم بقايا الوثنية » ولا تزال رؤوسهم مملوءة بما درسوه » تفهموا | لمسيحية على ضوء ما عرفوه أولاً . واهتضموا المسيحية متمثلة في نفوسهم بما استكن في تلك النفوس من اراء ومعتقدات سابقة » وان ذلك ليشبه من بعض الوجوه تلك النحل الختلفة التي ظهرت في المسلمين في ابان الفرقة التي تلت مقتل الخليفة الثالث والرابع . وما أدخل من آراء ونخل في عصر يزيد ومن وليه .

ولكن الإسلام بنور القرآن الكريم وحفظه » وهدى النبي عَيْيْنهِ » وما استحفظه عليه المسلمون من كتاب وسنة » وما كلاً الله به هذا الدين المتين - قد نفى عنه الدخل وذهب الزبد جفاء » وبقى الدين » ا بعث نبيه عليه الصلاة والسلام صافياً من غير رفق ولا تكدر

أما في المسيحية فلأن الكتب قد عراها ما بيناه في الكلام عليها : واختلط فيها الغث والسمين والطيب بالخبيث » وضلت العقول » فلم تستطع أن تميز بين الصحيح وغير الصحيح » وذهب الكوكب الساري الذي يضبيء وسط الدجنة الحالكة » وهو كتاب مبين لا يأتيه الباطل , ولا يتطرق اليه الريب » يكون فيصل التفرقة بين المسيحية الحقة » والأساطير الباطلة التي أفسدتها . أتباع مرققيون :

دخلت تلك الأؤهام على المسيحيين الموحدين وبرزت بينهم » 6 تبرز رووس الشياطين وسط أرض قد كسيت بالسندس الأخحضر من الزرع وجاءت على نحل مختلفة . وأهواء متباينة » ونزعات متضاربة » وبأسماء

كما

0 أن هناك الحمة ثلاثة : صالح » وطالح » وعدل » وهم أتباع مرقيوك )2 ولعل هذه النحلة من اثار ا حوس 2 لأنهم هم

3 يقولون باله الخير وإله الشر .

ولقد قال ابن البطريق في هذه النحلة وأصحابها : « وزعموا أن مرقيون هو رئيس الحواريين » وأنكروا بطرس ») فالمنتحلون لهذه النحلة يزعمون أن مرقيون داعيتها والمنادي بها حواري من حواربي عيسى عليه السلام » بل كبير الحواريين وشيخهم » بالمقدم فيهم ورئيسهم . البربراِية :

ومنهم فرقة تسمى البربرانية كانت تقول ان المسيح وأمه الهان » ولعل هؤلاء هم الذين ذكرهم الله تعالت كلماته في قوله تعالمى مبيناً ما يكون بينه سبحانه وتعالى وعيسى عليه السلام من قول يوم القيامه » قال تعالت كلماته : ١‏ وأذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي انين من دون الله » قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته , تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك انك أنت علام الغيوب . ما قلت هم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله رني وريكم » وكنت عليهم شهيداً ما دمت فبهم » فلما توفيتيكدت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ‏ انا تعذبهم فانهم عبادك وأن تغفر نهم فانك أنت العزيز الحكم ( ولعل فريقا منهم كان موجوداً عند نزول القران الكريم .

محلاخر: ويقول ابن البطريق في بيان بعض فرق كانت موجودة قبل مجمع انفصلت من شعلة نار » فلم تنقص الاولى بانفصال الثانية » وهي مقالة

/اما

بابليدوس وشيعته » ومنهم من كان يقول : لم تحبل به مريم تسعة أشهر » وانما مر في بطنها » أ يمر الماء في الميزاب لأن الكلمة دخلت في أذنها , وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعته وهي مقالة اليان وأشياعه . ضياع التوحيد بسبب تحريف الكتب :

-١‏ هذه هي بعض المقالات والأهواء والنحل التى جاءت في عصر التوحيد ونقت صفاءه » وكانت نكتاً سوداء في وسط المسيحية الحق النضرة ولقد كان من الممكن أن تزول تلك الأمور العارضة » ويبقى الأصل سليماً نقياً » لم يتأشبه شيء من المفاسد » ولكن شرط ذلك أن يكون مة كتاب محفوظ لا يعتريه الشك من أي جانب » ولا يتطرق اليه الظن والاحتال » ليكون ميزاناً للحق والباطل » وليكون مقياساً تقاس به الآراء » وليكون مرجعاً يرجع اليه امختلفون .

ولكن الاضطهادات التي نزلت بالمسيحيين » ومصادرة الكتب وتحريفها بامر الرومان ( والايدي العابثة المهفسدة » كل هذا جعل مصادر المسيحية يعتريها الشك والريب » ومن وراء ذلك نفذت الأهواء والأساطير الى القلوب » وأحذت تنال من المسيحية وصميمها من غير أن يعقب معقب بنص قاطع معتمد » وكتاب ثابت السند .

فكل نحلة تدعى لا تجد ردأ لها من نص » وهي تروج لدى العامة لا بقوة الدليل أو النص ٠‏ بل بقوة الداعي ومقدار لحنه بالحجة الباطلة والصحيحة ( ومقدار نشاطه وبيانه وسعة حيلته ودهائه » ودربته عل مهارة الدعاة وقوتهم البيانية متجهة الى هذه الناحية » يزيدوك 2 تقديس المسيح فيزيدون كلامهم قبولاً لدى العامة » ثم انتقلوا من التقديس

1848

المعقول الى الغلو المرذول » فغالوا حتى عدده الها .

وهكذا أخحذت العقيدة تفسد ». وكان العامة بين حبلين قويين » وكل حبل في يد عصبة من أُولِي القوة » فحبل التوحيد » ومعه العقل » ومعه الأصل ومعه السيادة للتوحيد » وحبل آخر قد أنخذ يجتذب العامة اليه بقوة » وعمل على أخذهم بعاملين : عامل الاستبواء جاء من الناحية التي يحبونها » وأرضى شهوتهم فيها » وهي ناحية تقديس المسيح عليه السلام » وأخذ يلقي تعامه في النفوس » وقد وضعها في ذلك اللون الشهي ٠‏ وذلك الطعم المستساغ .

العامل الثاني : عامل السلطان والجاه بتقريب من يقول مقالة تأليه المسيح وادنائه من ذوي السلطان » وتمكينه من الرقاب » وتغريب من لا يقول هذه المقالة » واضطهاده .وأبعاده عن حظية المسيحية » ولعته وطرده وتصويره للناس بصورة من لا يقدس المسيح » ولا يرجو له وقارا واجلالاً .

كان العامة بين هذين العاملين مع فقد الكتب المسيحية القاطعة في الاستدلال والتي توقف المغالين عند حد الاعتدال . وقد كانت كفة التوحيد هي الراجحة » حتى بعد مجمع نيقية » ولكن جاءوا بعد ذلك » وأخفتوا صوت المنادين بالتوحيد وحيل بينهم وبين ما يدعون اليه . وم يمكنوهم من أن تصل دعوتمهم الى العامة فصار العامة بعد ذلك لا يسمعون إلا جانبا واحدا » وخاضعين لعامل واحد » وهو الخروج عن نطاق التوحيد . فتم للحكام والقسيسين ما أرادوا واختفى دين المسيح عليه السلام . وقام دين البطارقة والقسيسين .

184

الفرق القديمة فى عهد التثليث 1 بعد مجمع نيقية أبعد التوحيد سمياً عن الديانة المسيحية » وان كان أتباعه أكثر عدداً » وأعز نفراً » ولم تستطع الحكومة الرومانية أن تقضي على التوحيد بذلك المجمع » ولكنها أخذت تبعد الموحدين عن مكان الرياسة في الكنائس ؛ ولا تجعل صوتهم يصل الى الشعب بالنفي والتة لتشريد » وكل ذرائع الأذى والاضطهاد » حتى حيل بين العامة وبين ماع صوت التوحيد » وفعل الزمن فعله » وتغلبت الظلمة على النور , وأخفى ظلام الليل نور النهار الساطع . وعندئذ كانت الفرق التي تظهر بعد ذلك في ظل ألوهية المسيح. في الجملة ان استثنينا مقدنيوس وفرقته . فرقة مقدونيوس :

وأول فرقة ظهرت في ذلك العصر فرقة مقدونيوس هذا . فقد أنكرت أن يكون راح القدس الا » وقاومت ما ترمي اليه الكنيسة العامة من فرض تلك الألوهية. 4 ودعوة اناس امم 34 2 37 اعتناقها 2( ولعل ويتابعون 5 ذلك أريوس وسائر الموحدين 4 3 كانت الغاية لي ( فهاله أن يبدأ الأساقفة بتأليه المسيح ويثنون بتآليه الروح القدس » فجاهر بانكار الثاني » لأنه لم يعد في قوس الصبر منزع .

يقول ابن البطريق : « وفي عشر سنين من ملكه ( قسطنطين ابن قسطنطين الثاني ) صير مقدونيوس بطريركا على القسطنطينية » وكان يقول : ان روح القدس مخلوقة » وأقام عشر سنين ومات ) .

ولكن مقالته لم تمت بموته » بل كان له أشياع وأتباع خصوصاً من بين سلطان لهم .

لأحل ذلك انعقد مجمع القسطنطينية سنئة 58١‏ » وقد ذكرنا بعضاً من قراراته » وكان المقرر «المناظر و«المجادل في هذا المقام بطريرك الاسكندرية مهد الأفلاطونية الحديثة » م نوهنا انفاً » ويسمى المقدونيون الأبولنياريين فقد جاء في كتاب سوسنة سليمان في بيان المجمع القسطنطيني : ١‏ المجمع القسطنطيني المنعقد سنة "8١‏ بامر ثيودوس الملكث ضد الولنياريين » وهم المقدونيون المنكرون للاهوت الروح القدس ) .

ويعتقد الكنسيون أن إنكار ألوهية الروح القدس وليد من مذهب الموحدين » فيقول صاحب تاريخ الكنيسة » وقد انبعث من جوف هذه الأرطقة ( رأي أريوس ) أرطقة أخرى لم تكن أقل مناقضة للثالوث الأقدس فكانت تنكر ألوهية الروح القدس » وكان منشئها مقدونيوس » وهو نصف أربوسي قد اختلس كرسي القسطنطينية واحتجب مدة سنين عديدة تحت رداء المذهمب الأزيوسي ؛ ولم تكن له شهرة خصوصية في ببوة الأسجاسي التي أحدثها الابيوسيون ) . وهذا زعم له نصيب من الواقع » لأن الذين ينكرون ألوهية المسيح ٠‏ ويعتقدون التوحيد الصحيح لا يقرون بالوهية الروح القدس .

ولكن يجب أن يلاحظ أنه في الوقت الذي أنكر فيه مقدونيوس لم تكن عقيدة التثليث قد أعلنت في مجمع عام » وقد يكون موضع حديث البطاركة وتعالم بعضهم كون الروح القدس إلا » فتصدى مقدونيوس لانكار ذلك » وتلقى الناس كلامه بالقبول . ولذا لم ينعقد المجمع للرد عليه إلا بعد أن مات بعدة سنين . اللسطوريون :

-١٠.«+‏ هذه النحلة تنسب الى نسطور » وقد كان بطريرك

القسطنطينية ومكث في هذا المنصب أربع سنين وشهرين » وقد رأى أن مر العذراء لم تلد الها » بل ولدت فقط الانسان » وهو بذلك يرى أن الأقنوم الثاني » وهو الابن لم يتجسد وتلده مريم 5 يرى غيره من المثلثين » بل كان يرى أن مريم ولدت الانسان فقط . ثم اتحد ذلك الانسان بعد لادته بالأقنوم الثاني » وليس ذلك الاتحاد بالمزج وجعلهما شيعاً واحداً » أو ذلك الاتحاد ليس اتحاداً حقيقياً » بل اتحاداً مجازياً . لأ الاله منحه انحبة » ووهبه النعمة » فصار بمنزلة الابن » وهذا التخريم لا شك يودي الى أن المسيح الذي خاطيهم وكلمهم » وحوك وعوقب في زعمهم , 1 يكن فيه عنصر المي قط . فلم يكن إذاً ولا ابن الاله .

وقد نقلنا فيما مضى عند الكلام على على المجمع الثالث أن صاحبة كتاب تاريخ الأمة القبطية تقرر أن كلام نسطور معناه » أو يازمه منه حتماً ؛ انكار ألوهية المسيح .

ولا قال نسطور ذلك القول كاتبه كيرلس بطريرك الاسكندرية ع ويوحنا بطريرك أنطاكية في ذلك الابان » ليعدل عن رأيه » فلم يصغ اهما » ولم يجب طلبهما » فانعقد مجمع أفسس سنة 49١‏ » وقرر لعنه وطرده » واثبات أن مريم العذراء قد ولدت الانسان والاله .

وقد بينا ذلك القرار ببعض التفصيل عند الكلام على ذلك المجمع .

لقد عد ذلك نسطور عن منصيه وتفى » فصار الى مصر ونام في أخمم الى أن مات .

ويقول ابن البطريق : « كانت مقالة نسطور قد اندثرت » فأحياها من بعده بزمان برصوما مطران نصيبين في عهد قباذ بن فيروز ملك فارس » وثبتها في الشرق » وخاصة أهل فارس » ولذلك تكائرت النسطورية في الشرق » ١‏ في العراق والموصل والجزيرة » . ولا يزال الى الآن في الأماكن

دحل

التي يذكرها ابن البطريق نسطوريون ينتحلون هذه النحلة ويأخذون بهذا

المذهب .

ويقول صاحب سوسنة سليمان : « ان النسطوريين في هذا العصر يسمون الكلدان يسكنون خاصة فيما بين النبرين » والبلاد المجاورة لهما » وهم تعالم كثيرة مختصة بهم . غير أنهم يمتازن عن باقي المذاهب باعتقادهم ان نسطوريوس حرمه مجمع أفسس ظلماً . أضف الى ذلك اعتقادهم بأنه لم يكن في المسيح طبيعتان بل أقنومان أيضاً » وكان يحسب هذا المعتقد في الزمن القديم ضلالاً مبيناً 2 وأما في هذا الزمان فيحسبه العلماء » حتى الكاثوليك الرومانيون » غلطاً لفظياً لا معنوياً لأ هؤّلام الكلدانيين يعتقدون أن في المسيح اقنومين . ”ا ان فيه طبيعتين » ويقولون أيضاً بأن هذين الأقنومين » وهاتين الطبيعتين قد التصقتا حتى صار منهما رؤية واحدة ) .

وهذا الكلام يدل على أمرين : أحدههما ان الكنيسة الرومانية التي كانت تشدد في القرون الخالية في طرد كل من يخالف معتقدها » وتعده كافرً لا يلج الايمان قلبه قد تساهلت في هذه الأحصر » فوسعت صدرها للمخالفين لها .وتأولت لهم » لتدخلهم في حظيتها بعد سابق الحرمان والطرد واللعن والتكفير .

ثانهما : أن الدسطوريين قد اتحرفوا عن مبادىء نسطور ء لأ نسطور كا قررت صاحبة كتاب تاريخ الأمة القبطية » وها قرر ابن البطريق لا.يرى أن الأقنوم الثاني مازج ج المسيح قط . بل هو يرى أن بنوة المسيح بالموهبة وامحبة لا بالحقيقة » واستنبطنا كا استنبط غيرنا أنه يرى أن المسيح خال

من العنصر الالمي خلوا تاما ومو يصرح بن مريم ولدت الانسان فقط 2 بينما غيره يعرر أنها ولدت الاله والانسان 2 وهذا اختلااف

يل

جوهري في الحقيقة والمعنى لا في الشكل واللفظ , واذا كان التسطوريون في هذا الزمان قد قالوا بامتزاج اللاهوت في الناسوت 5 يقول غيرهم »

والنسطوريون يقيمون 5 ذكرنا في بلادهم بلاد العراق والموصل » ومنهم طائفة تقبم في الند » وأخرى تقم في بلاد العجم » وهم جميعا يلتزمون بتقاليد وطقوس دينية مما يلتزم به عند غيرهم من الكنسيين »وليس وذلك منذ سنة 6٠8١م‏ وهذا | جاء في كتاب سوسنة سليماك . اليعقوييوت :

4- هم أتباع يعقوب البراذعي » وهم الذين يقولون بأن المسيح ذو طبيعة واحدة قد امتزج فيه عنصر الاله بعنصر الانسان وتكون من الاتحاد طبيعة واحدة جامعة بين اللاهوت والناسوت » ونسبة ذلك المذهب الى يعقوب البراذعي لأنه من أنشط الدعاة اليه » لا لأنه مبتدعه

وبسبب ذلك الاعلان انعقد مجمع خليكدونية » وقرر أن المسيح ذو طبيعتين لا طبيعة واحدة » وبسبب ذلك القرار انفصلت الكنيسة المصرية عن الكنيسة الرومانية . أما يعقوب فقد وجد في القرن السادس الميلادي » ويقرر صاحب سوسنة سليمان ني اطلاق اسم اليعقوبيين على صحاب هذا الرأي « يطلق عليهم اسم يعقوبيين نسبة الى يعقوب البراذعي الذي أعاد هذه الشيعة » ورتبها في القرن السادس للتاريخ المسيحي » بعد أن كادت تتلاشي ) .

وقد فصلنا الكلام في هذه النحلة والأدوار التي مرت عليها عند الكلام

آحل

في مجمع أسس الثاني الذي تسميه الكنيسة الكاثوليكية مجمع اللصوص .

وني مجمع خليكدونية فلا نعيد ما ذكرناه » حتى لا نقع في التكرار را ممل . والذين يقولون إن المسيح ذو طبيعة واحدة » ينقسمون إلى آسيو يبن وأفريقيين » ولكل قسم رياسة ديئية خاصة به .

فرئيس الآسيويين هو بطريك السريان » ومن هؤلاء الآسيويين من اعترفوا برياسة الكنيسة الكاثوليكية » فقبلهم وان استمروا على رأيهم

ورئيس الأفريقيين هو بطريرك القبط المقيم بالقاهرة , و يتبعه في هذه الرياسة سكان الخبشة المسيحيون » فهم خاضعون لبطريرك الكنيسة القبطية » وهويعين لهم اسقفا يسوسهم .

ومن الذين يعتقدون أن المسيح ذو طبيعة واحدة ‏ و يتحدثون مع الكنيسة القبطية في ذلك الاعتقاد » ولكن هم تقاليد دينية وطقوس » وهم بسطاركة يرأسونهم , ولا يندمجون في الكنيسة القبطية » ولا كنيسة السريان بآسيا ‏ الأ رمن .

الماروِية:

6 هم أتباع يوحنا مارون » وقد اشتهر يوحنا هذا برأيه سنة /ا5”ء, ودعا إليه وشايعه بعض القسيسين فيه » ومعهم بعض من مسيحي أسياء وهوأن المسيح ذو طبيعتين » ولكنه ذو ارادة أو مشيئة واحدة » ومن أجل ههذه النحلة الجديدة أجتمع المجمع العام السادس بمدينة الفسطنطينية سنة 58٠١‏ من بعد الميلاد » وقرر حرمان مارون » ولعنه وتكفيره وكل من يذهب مذهبه » و ينتحل نحلته » وقد أشرنا إلى ذلك المجمع » ونقلنا لك قراره في المذهب , فلا نعيد نقله .

ويظهرأن المنتحلين هذا الرأى لم يكونوا ذوي شوكة وقوة حتى يكونوا منحاة من الأذى والاضطهاد , فقد نزلت بهم اضطهادات شديدة

56

لم يكن لهم من يدفعها عنهم إلا الفرار» فلم يجدوا لهم مأمنا يعتصمون به إلا بعض البلاد في جبل لبنان , فاعتصموا بها » وقد استمروا على اعتصامهم وبعدهم ء حتى أدنتهم إليها الكنيسة الرومانية وقر بتهم منهاء وأعلمت الحيلة والسياسة , حتى أعلنوا | الطاعة للكنيسة الكاثوليكية والاتحاد معها على أن يبقوا على رأيهم » ولقد كان اتحادها مع الكنيسة الرومانية سنة ١١81‏ بعد الميلاد , وما زالت هذه الطائفة متوطنة بجبل لبنان ء وها بطريرك خاص . وأن كانت تقر بالرياسة لبطريك روما .

14

الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية أساس انقسام الكنيسة الى شرقية وغربية

٠ 5‏ كان فيما ذكرنا أعظم الانقسامات القدمة شأنا , وأبعدها أثراء ان استثنينا الكنيسة القبطية » انقسام الكنيسة الى يونانية ولا تيئية وما يتبع ذلك من الانقسام من انشقاق في المسيحية كلها , وما تفرع عن الاولل من فروع وفرق » وانا نكتفي بهذا القدر من القول في الفرق القدهة التي ما زال منها بقايا الى أيامنا الخاضرة » ونختم القول فيها بانقسام الكنيسة الى يونانية شرقية ولا تينية غر بية » وقد نوهنا الى الانقسام عند الكلام في المجامع » وأشرنا الى أسبابه بالاجمال .

وقد تبين من هذا أن أساس الخلاف بين كنيسة القسطنطينية التي الت اليها رياسة الكنيسة الشرقية اليونانية قاطبة » وكنيسة رومة التي آلت اليها رياسة الكنيسة الغر بية اللا تينية أمران :

احدهما ‏ يتعلق بالاعتقاد ‏ وهو أن كنيسة القسطنطينية ومن والاها من بعد اعتقدوا أن الروح القدس من الآب وحده ء لا من الآب والاابن » وكنيسة روما ومن والاها قد اعتقدوا ان الروح القدس منيثق من الاب والابن معاء وعقد كل فريق مجمعا شايع اعتقاده وتابعه فيما اقتنع به » وكان المجمع المشايع لرومة سنة 559 » والمشايع للاخرى بعده بعشر سنوات سنة 1/9/.

ثانيهما ‏ لا يتعلق بالاعتقاد ‏ ولكن يتعلق بالرياسة الكهنوتية , أهي لكنيسة القسطنطينية أم لكنيسة رومة ؟ لقد قررالمجمع الذي شايع رومة أن تكون لرومة , فرئيس كنيستها هو الحبر الأعظم , والرئيس الروحي للمجمع » وقرر المجمع الذي شايع القسطنطينية رفض تلك الرياسة وعدم الاعتراف بها » و يعتبرون رئيس القسطنطينية رئيسا عاما للكنائس .

ولقد تبع هذا الاختلاف في هاتين المسألتين الرئيسيتين خلاف في مسائل أخرى أوجدها تتابع السنين واستمرار الشقاق » فقد كثرت أوجه الاختلاف في مسائل فرعية منها :

١‏ استعمال الفطير في العشاء الربانى بدل الخبز, فان ذلك أقرته الكنيسة الغر بية » ولم تعترف به الكنيسة الشرقية .

؟ أكل الدم والمخنوق » فان الكنيسة الغر بية أباحته وهو مخالف لجمع الرسل في أورشليم الذي انعقد بعد مفارقة المسيح بنحو اثنتين وعشرين سنة .

أكل الرهبان دهن الخنزير » فهو مباح عند الكاثوليك دون الكنيسة الشرقية .

4 لبس الأساقفة الخواتم في أصابعهم وحلق الكهنة لحاهم . غير هذه بين الروم واللاتين لم يصرح بها هؤلاء البطاركة , وربما كان ذلك لكونها ما كانت تحددت وقتئذ كقاعدة دينية في كنيسة رومة » كالمطهر الذي لم يثبت الا في مجمع فلورنسا المنعقد في سنة 1419 » ثم أوجب قبوله على الكنائس الغر بية المجمع التريدنتينى في القرن السادس

أما الفرق بينه وبين عقالات جهنم التي يقررها الروم » فهو أن المطهر نار مطهرة يتخلص منها الخاطيء بعد أن يقاص فيها بمقدار جرم ذنوبه .

أما عقالات الجحيم » وهي نظير حبس يقيم فيه الخطاة الى يوم الدينو نة الذي به ينالون القصاص الأ بدي في جهنم » والصلوات التي يقدمونها لأجل الموتى » يعتقدون انها تلطف نوعا أحوال هذا الحجبس عليهم تلطيفا وقتيا فقط .

154

وكذلك منع الشعب من الاشتراك في الكأس اذا لم تثبته كنيسة رومية الا في مجمع كمستانس سنة »١14١8‏ .

تقادم الزمن بوسع الخللاف *

7 - كان كلما تقادم الزمن على النقطة التي ابتدأ منها الخلااف اتسعت فرجاته » وكبرت زاو ية الانفراج » وكلتا الكنيستين ذات بأس وقوة 83 وكانت قِ القديم لمادولة نتحميها » اذ كانت دولة الرومان منقسمة الى شرقية وغر بية » فكان استقلال كل واحدة من الدولتين وانفصاها عن الأخرى مما أكد الفرقة وقوى الانقسام .

ولقد كان يأتي الفينة بعد الأخرى صوت يدعو الى الوحدة والالتئام بدل الاستمرار على الفرقة والانقسام , فتعقد لأجل هذا مجامع , » وترسل الوفود . ولكن ما ان يتلاقى المتخاصمان , حتى تعاد أسباب النزاع جذعاء اذ كل واحدة ترغب في أن تنزل الاخرى عن رأيها ؛ فتلاحى كل واحدة عما تعتقد » فيشتد الجدل » ويحمى وطيس القول » فيفترقان » وقد زادت القطيعة قوة واحتداما .

محاولة ازالة الخلاف :

حاول أحد بطارقة روما في منتصف القرن الحادي عشر أن يجمع الشتات» و يلم الشمل » وعرض مباديء تكون أساسا للمصلحة» فرضها بطريرك القسطنطينية » وأصدر الأ ول قرارا بحرمان الثانى » فأصدر هذا قرارا بحرمان الوفد الذي عرض عليه الشروط .

وهكذا ازدادت الفرقة بسبب ذلك التلاقي » وأغرى الله بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة 0 ويظهر أن السيب قِ ذلك ما تعتقده

كل واحدة منها أن الأخرى خارحة على الدين ورغبة كل واحدة في أن تجتذب الأخرى اليها كما بينا .

1

انتقاد مسيحى للكنيسة الغر بية :

ويقول في ذلك صاحب سوسنة سليمان : « ان الكنيسة الرومانية تدعى أن كل المذاهب المسيحية على وجه الاطلاق هي شيع هرطوقية خارجة منها , ومنفصلة عن شركتها . وهذه الدعوى تصح لأ ية كنيسة أمكنها أن تثبت لذاتها الأقدمية في الثبات على المعتقدات الصحيحة الأصلية . أما كنيسة رومة » فليس لها في هذه الدعوى الا الاستيلاء على أمانة صندوق التقليدات .

غير أن سلامة الذوق تقتضى بأنه كلما قلت التقاليد في كنيسة من الكنائس دل على أقدميتها بالنسبة التي تزيد عليها فيما هومن هذا القبيل , لأن التقاليد على ما يستبين من يحريات رومة قابلة للزيادة» والزيادة أحداث », والاحداث في الدين لا ريب في أنه بدعة » والابداع

ونرى من هذا ان صاحب هذا الكتاب ينتقد الكنيسة الغر بية بكثرة ما أحدثته من تقاليد » فان كل محدثة بدعة » وكل بدعة هرطقة كما مذهبها , والا كان كل ما نقوله مقدسا لا بدعة فيه .

4 - وقد بينا البلاد التي تتبع الكنيسة الغر بية » وكانت فيما مفى كل أوروبا تقريبا » و بعض طوائف في آسيا .

بطارقة الكنيسة الشرقية :

أما البلاد التي تتبع الكنيسة الشرقية » فأكثرها في الشرق كما أسلفنا من القول » ولها بطاركة .

أوهم بطريرك القسطنطينية » وهو كبيرهم و يضيفون الى لقبه وصف أنه البطريق المسكونى » و يقول صاحب سوسنة سليمان : « انه ليس الا

لل

لقبا تشريفيا فقط » فليس له تسلط على غيره من البطارقة أو الأساقفة المستقلة بوجه قانوني أصلا » .

ويليه في الرتبة والمكانة الدينية بطريرك الاسكندرية للأروام الأرثوذكس ثم بطريرك أنطاكية » ثم بطريرك أورشليم ؛ ثم المجمع الروسي » ثم عدة مجامع لأسقفيات مستقلة أخرى كأسقفية أثينا » وأسقفية قبرص وغيرهها .

وشوكة تلك الكنيسة تمتد في بلاد روسيا واليونان والعرب وكثير من جزائر بحر الروم .

وقد ظهرت في روسيا التي كانت تسودها هذه الكنيسة شيع وفرق كشيرة ة بلغ عددها نحو مائتي نحلة » وتعداد أصحاب هذه الفرق الجديدة مجتمعة لا يزيد عن خحمسة عشر مليونا .

فمنهم فرقة لا ترى تعميد الأطفال , ومنهم شيعة تحسن للنصراني ان يقتل نفسه في حب المسيح , ومنهم شيعة يحرقون أنفسهم لتعمدهم النارء فيتطهروا بها ؛ ومنهم شيعة تلتزم الختان باعتباره كان المسيحية الأولى , وف التوراة التي تعتبر النصرانية محددة لماع وهكذا تختلف النحل وتتباين » وكل واحدة تعتقد أن رأيها هو محض الحق المبين .

الاسلام يظلل الكنائس الشرقية بالحرية الدينية

84 - ذكرنا ان العلاقة بين الكنيستين على أشد ما يكون الخلااف » كل تعد الأخرى قد خرجت عن نطاق الدين » وقد كانت الحال من قبل كذلك بين كنيسة القبط بمصر والكنائس الأ ورو بية » ونزل بمصر أشد البلاء » ولم ينقذهم الا الفتح الاسلامي , فمن وقت حكم المسلمين لصر والشام الى الآن شعر المصريون بحريتهم الدينية التي لم يستمتعوا بها من قبل , حتى أهداها اليهم الاسلام السمح الكريم .

ولا اختلفت الكنيسة الغر بية مع الكنيسة الشرقية كان من المنتظر أن

الل

تنزل احداهما بالأخرى أشد البلاء , ولكن ذلك لم يتم أول الأمر لانقسام الدولة الرومانية الى شرقية وغر بية » واعتصام كل واحدة منهما بدولة » لذلك لم تتمكن واحدة منهما من رقبة الأخرى , فلم تقبض على ناصيتها . ولكن لا أخذت الدولة الشرقية في الانحلال » وخلفها المسلمون على بعض أملاكها , وأخذوا يقصونها من أطرافها » أخذت ترجح احدى الكفتين على الأخرى فقويت الغربية » وصارت لها السيادة » واعتروف بطريرك القسطنطينية له بالتقدم عليه في الجلسة , وإن لم يعترف بأنها على حق فيما يختلفان فيه , وما اختلفا فيه من قبل » والبلاد التي اقتطعها المسلموك كانت تنعم بالحرية الدينية كشأن المسلمين في معاملتهم لغيرهم .

ولا جاءت الحروب الصليبية » استولى الصليبيون على أورشليم التابعة كنيستها للكنيسة الشرقية آمنين مطمئنين لا يزعجهم اضطهاد , ولا يرفق صفاءهم ضغط ء ثم ثنى »أولئك الصليبيون اتباع الكنيسة الغر بية » فاستولوا على دولة الرومات الشرقية نفسها » فانزلوا باخوانهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون .

ولنترك الكلمة للمسيحي صاحب سوسنة سليمان » فهويقول : «رحرك البابا أتوسنت الثالث قواد الصليبيين لنزع المملكة الشرقية من يد اليونان » فافتتحوا القسطنطينية سنة ٠٠١4‏ » وداموا متسلطين عليها الى سنة ١195م‏ فاستعملوا ما أمكنهم من البربرية في الأ راضي التي امتلكوها من بلاد سورية وفلسطين » ؛ ليخضعوا بطارقة أورشليم » وجميع الأكليرس اليونانى بواسطة الحبس واقفال الكنائس الى أن أحوجوهم أن يفضلوا مودة العرب حكام البلاد الأصليين على موادتهم ويختاروا تسلط شعب يرضى بجزيه على أن يتسلط عليهم ملك روحي طمعه وطمع قصاده لا يشبعان © .

حينئذ أحس أولئك المسيحيون بنعمة الاسلام عليهم » ونعمة حكم المسلمين لهم , فقد سامتهم الكنيسة الغر بية وملوكها الخسف وال هوان» ونقبوا عن قلوبهم, و بحثوا عما تكنه الصدور, ولكن نعمة الاسلام كانت تلاحقهم » فلم ينقض زمن طو يل , حتى جاءهم الاسلام في القسطنيطينية وأعطاهم الأمن والدعة والقرار والاطمئنان, حتى لقد قالوا كما حكى صاحب السوسنة : «عماعة السلطان محمد الفاتح, ولا تاج البايا المثلث» .

وهكذا كان الاسلام رحيما تسع رحمته المخالفين .

الفرقة الحديثة « البروتستانت » )١(‏ أوالاصلاح الديني

حال الكنيسة قبل الاصلاح:

شدة الكنيسة على الناس والعلماء :

ه- اشتد ضغط الكنيسة الكاثوليكية على المسيحيين» و بالغت في فرض ارائها عليهم مبالغة تجاوزت حد الغلوى ولم تسلك في ذلك سبيل الموعظة الحسنة, والدعوة الصالحة, والارشاد القويم » ومخاطبة الأ رواح والنفوسء وتمكينها من أن تتبعها , وهي حرة مريدة مختارة» بل سلكت سبيل العنف وركبت متن الشدة, فجعلت كل رأي في العلوم الكونية يخالف رأيها كفراء ولا تدعو معتنقية الى ا هداية» وترشده الى الرشاد» كما يليق برجال الدين مع من يرونه ضالاء بل تكفر لأ وهى الأسباب» وتحرق أو تعذب من تراه كافرا بلا رفق ولا هوادة .

فهذا المجمع الثاني عشر من مجامع الكنيسة وهوالمجمع المسمى

بالللاتيرانى, الرابع المنعقد سنة ١5١6‏ يقرر استئصال الحراطقة, و يعنون بذلك كل من يرى رأيا مخالفا للكنيسة, ولو كان رأيا في الكون أو طبائع الأشياء, ولم تكتف الكنيسة بقتل من يجهرون بآراء تخالف آراءهاء بل أخذت تنقب على القلوب وتستكنه خبايا النفوس» وتكشف عن سرائر الناس بما أسماه التاريخ محاكم التفتيش» التي دنست تاريخ الأديان ما ارتكبت من آثام, وما أزهقت من أرواح , وما سفكت من دماءء وما عذبت من أحياء .

)١(‏ سمي الذين اعتنقوا مبدأ الاصلاح الكنسي وخرجوا على الكنيسة الكاثوليكية بروتستانت» لأنهم عندما أريد تنفيذ قرار الحرمان عليهم أعلنوا احتجاجا يسمى بالانجليزية برتست, فسمى الذين أمضوا القرار بروتستانت, أي المحتجين.

الكنيسة إلى أخذ الناس برفق » وحاثا رجال الدين على الأخذ بهديه كان عقابه الحرمان والقتل .

حدثت في أوائل القرن الخامس عشر أن أحس أساقفة فرنسا بوجوب اصلاح حال البابوات ؛ فانعقد لذلك مجمع مؤلف من ١‏ أسقفا و ٠‏ من رجال الدين » ولكن هذا المجمع انتبي في قراراته بالأمر باحراق يوحنا هوس مصلح كنيسة بوهيميا ورفيقه جيروم .

ولقد حرق وعذب في هذا السبيل علماء استشهدوا في سبيل العلم بسبب مظالم تلك ١‏ لكنيسة » وضيق صدر القوامين عليها .

وما يذكر في هذا أن أحد العلماء واسمه ابيلارد كان له رأي في تكفير المسيح عن خطيئة ادم خالف به رأي الكنيسة فقال : ليست حياة المسيح وصلبه وما لاقى في ذلك من تعذيب سبيلا لارضاء الله وانزل عفوه عن خطيئة الانسان » فعفوا الله أيسر من ذلك وأقرب » وانما لاقى المسيح ما لاق اعلانا لما يكنه قلبه من حب الله » وعسى أن يثير في الناس عاطفة الشكر وعرفان الجميل » فيعيدهم إلى طاعة الله . ولكنه ما أن قال ذلك القول حتى انعقد مجلس محاكمته » فكان نصيب كتبه التحريق » ونصيبه السجن الداتم » حتى وافته منيته .

وجاليليو يرى رأيا في الكون فيسجن لذلك الرأي » مع أن رأيه ليس من أمور الدين في شيء .

فرض سلطانها على الملوك :

0١‏ بالغت الكنيسة في شدتها » 5 رأيت » ولم ينجح حتى الملوك من طغيانها » فقد كان انقسام الدولة الرومانية الغربية إلى ممالك مختلفة » واعتبار كل مملكة وحدة سياسية لا تتصل بالاحرى إلا اتصال محبة

"6

وسلام » أو حرب وخخصام ‏ كان ذلك سببا في أن صار البابا لا سلطان لأحد من ولاة الأمْر عليه » وقد تقرر هذا من بعد كا صار تعيين البابوات باختيار المجامع , لا بتعيين ملك أو أمير ء مهما تكن قوته وسطوته » وصار البابوات بعد تعييهم غير خاضعين بأي نوع من أنواع الخضوع لأي ملك من الملوك » وعلى النقيض من ذلك لهم هم السلطان الذي لا يرد على كل مسيحي » مهما تكن مكانته » يستوي في ذلك الأمير والخفير . والراعي والرعية » فليس لأي ملك سلطان على البابا » والبابا له سلطان على كل ملك » ؛ لأنه مسيحي . وله السلطان الكامل على كل المسيحيين » ولأن البابا خليفة لبطرس الرسول وبطرس الرسول أقامه المسيح رئيسا على الحواريين من بعده » فالبابا على هذا الأساس خليفة للمسيح ينطق باسمه , ويتكلم بخلافته » وينفذ بسلطانه » ومن خرج عن طاعته فقد حرج عن طاعة المسيح » وحارب دينه .

قرارات الحرمان تناك الملوك :

وببذا المنطق فرضوا أوامرهم على الملوك » كا فرضوها على سائر الناس » ولذا لم ينج بعض الملوك من قرارات ا مجامع بحرمانهم » وطردهم ( المجمع الثالث عشر انعقد في ليون من أعمال فرنسا سنة ه4١١‏ بأمر البابا اينوسنت الرابع لأجل عزل فردريك ملك فرنسا وحرمانه » وهذا امجمع تسلم كنيسة فرنسا حتى الان بصحته أو بسلطانه مطلقا » .

لم ينج اذن الملوك من قرارات الحرمان والطرد » وان لذلك أثره في نفوس شعوبهم » كا أنه يحفز الملوك على العمل من جانبهم على حماية أنفسهم » وهم في ذلك لا يتمنعون عن أن يثيروا القالة في رجال الكهنوت . ويكبروا صغائرهم » ويروجوا عنهم ما يحط من قداستهم ,

5

١7‏ هذه هي | 59 لكنيسة في معاملتها للناس » عنف وزحر وقسوة » لا ارشاد وهداية واصلاح » وهي تضرب كل من يعترض طريقها » لا تفرق بين سائس ومسوس » وحام وحكوم » وراع ورعية .

وقد احتكمت لهذا بذوي السلطان » فكان لا بد من مغالبة بينهما . ولم يكن الأمر مقصورا على الاذي البدني تنزله بمن يخالفها » ولو فيما ليبس بينه وبين الدين نسب » ولا يتصل به بسبب . بل تجاوز ذلك إلى ارهاق المسيحيين باتاوات مالية يفرضونها » وضرائب كببرة يأخذونها » وعلى ذلك صار المسيحيون قاطبة يكنون تحت نير ثقيل » سواء في ذلك من خالف ومن وافق » فالخالف بالعذاب برأ به جسمه ء والموافق بالمال يثقل بهعوتفرض عليه ضرائب لأُسباب غير معقولة وغير مقبولة أحيانا وما يجمع من أموال الفقراء وا محدودين التي حصلوا عليها بالكد واللغوب . يتوزعه رجال الدين بينهم » وينفقونه اسرافا وبدارا في سبيل تحقيق رغباتهم » وبذلك كانوا يجمعون المال من غير حله » وينفقونه في غير حله أيضا » وبذلك انغمسوا في شر ما في هذه الدنيا » وتركوا لب الدين .

استبداد الكنيسة بفهم الكتب المقدسة :

١١‏ ولقد احتجزت الكنيسة لنفسها الحق في فهم الكتب تقول في هذا التفسير » أو في أي رأى تبديه » أو أمر تعلنه » وعلى الناس أن يتلقوا قوها بالقبول . وافق العقل أو خالفه » وعلى المسيحي إذ لم 0 البابا خليف , ؛ لسلسلة الخلافة التي بيناها .

ولقد كانت تعلن أمورا ما جاء بها الكتاب المقدس عندهم » وس تعرض له المسيحيون الآلوان » لا المجامع الاولى » وهي امور غريبة جد

ندل

الغرابة » بعيدة عن القبول في أحكام العقل جد البعد » وتلزم المسيحيين بها » وتفرضها عليهم فرضا » ومن قال كلمة فيها فالويل له » ينزلونه به في الدنيا ولا ينتظرون حساب الديان في الآخرة .

ونذكر القارىء على سبيل المثال مسألتين كان لما أثر في الفكر المسيحي » وبسببهما هما وغيرثما تقدم المصلحون في جرأة » داعين إلى اصلاح الكنيسة بالحسنى أو بغير الحسنى . هاتان المسألتان هما مسألة الاستحالة » ومسألة الغفران .

مسألتا الاستحالة والغفران :

4 - أما مسألة الاستحالة فالأساس فيها ما علمت في شرح الشعائر النصرانية » من أن المسيحيين يأكلون يوم الفصح خبزا ويشربون خمرا » ويسمون ذلك العشاء الرباني » ولقد زعمت الكنيسة أن ذلك الخبز يستحيل إلى جسد المسيح » وذلك الخمر يستحيل إلى دم المسيح المسفوك » فمن أكلهما وقد استحالا هذه الامجحالة ققد دا المسيح في جسده بلحمه ودمه » وذلك أمر غريب في العقل , ؛ لا يستطيع أن يستسيغه أحد بيسر وسهولة » بل لا يستطيع أن يستسيغه قط . كيف يتحول اخيز لخما » كيف بصي حنم شخ معين معروف © وكيف تتحول الخمر دما وتصير دم شخص معين معروف ؟ . ذلك غريب » بل مستحيل التصور والقبول في العقل » ولكن الكنيسة فرضت على الناس قبوله ومنعتهم من مناقشته » والا عرضوا للطرد والحرمان » وهل ورد هذا الأمر في الكتب المقدسة » حتى يجب الأخذ به من غير

تفسير أو تأويل » انه أمر استقلت به الكنيسة وأعلنته وأبدته في أحد مجامعها » غير معتمدة في ذلك على نص صريح من الكتب المقدسة

ولقد خالفت في بعض شأنه الكنيسة الكاثوليكية غيرها من

54

الكنائس » فالكنيسة الشرقية ترى أن العشاء الرباني لا يكون بالفطير » بينا تراه الكنيسة اللاتينية » ووجد من أحرار الفكر من ينكرون هذه الاستحالة » ويعتقدون أنها غير ممكنة في العقل ولا سائغة في الفكر .

6 - أما المسألة الثانية فهي مسألة امتلاك الكنيسة حق الغفران للمسبيء في الدنيا » فقد قررته الكنيسة حقا لنفسها في المجمع الثاني عشر أيضا .

وقد جاء في كتاب تاريخ الكنيسة في بيان قرار المجمع في هذا الشأن : ١‏ انبى المجمع تعليمه فيما يتعلق بأمر الغقران فقال : « ان يسوع المسيح ما كان قد قلد الكنيسة سلطان منح الغفرانات » وقد استعملت الكنيسة هذا السلطان الذي نالته من العلا منذ الايام الاؤلى » قد أعلم المجمع المقدس . وأمر بن تحفظ للكنيسة هذه العملية الخلاصية للشعب المسيحي » المثبتة بسلطان المجامع ) .

ثم ضرب بسيف الحرمان من يزعمون أن الغفرات غير مفيدة» أو ينكرون على الكنيسة سلطان منحهاء غير أنه قد رغب في أن يستعمل هذا السلطان باعتدال واحتراز حسب العادة المحفوظة قدماء وا مثبتة في الكنيسة, للا مس التهذيب الكنسي تراخ بفرط التساهل .

افراط الكنيسة في استعمال حق الغفران : .

هذا قرار الملجمع, وفيه تمكين للكنيسة من سلطان قوي جبار. وهو سلطان مسح الذنوب» وغفرانها مهما يكن مقدارهاء ومهما تكن قد دنست النفس» وأركست القلب . ولكنه قد أوصى الكنيسة بالاعتدال والاحتراس» حتى لا يؤدي الافراط في منح الغفران الى ترك التهذيب الديني, وهجر تعاليم الكنيسة » والعبث بهدى الدين» فهل أخذت الكنيسة مما أعطاها المجمع » وراعت حق الرعاية ما أوصاها به من عدم

"4

الافراط في الاعطاء والمنح؟ لقد أتى حين من الدهر من بعد أن أعطى رجال الدين أنفسهم ذلك الحق, أن أفرطوا في اعطائه افراطا شديدا وأنشأوا له صكوكا تباع وتشترى» فباعوها كأنها عرض من أعراض الدنياء ومتعة من متعتها, و بذل العصاة في سبيلها المال, وما كان عليهم من حرج في أن يرتكبوا ما شاءوا من الموبقات, وينالوا ما تهوى الأنفس من معاص ء ما دام ذلك يفتدى بمال قل أو جل » وهذا نص صك الغفران الذي يباع بيع السلعة :

صورة من صك الغفرات :

«ربنا يسوع المسيح يرحمك يا فلان, ؛ ويحلك باستحقاقات الامه الكلية القداسة» وأنا بالسلطان الرسولي المعطى لي أحلك من جميع القصاصات, والأحكام والطائلات الكنسية التي استوجبتها, وأيضا من جميع الافراط والخطايا والذنوب التي ارتكبتها مهما كانت عظيمة وفظيعة, ومن كل علةء وان كانت محفوظة لآ بينا الأقدس الباباء والكرسي الرسولي» وأمحوا جميع أقذار المذنب وكل علامات الملامة التي ربما جلبتها على نفسك في هذه الفرصة» وأرفع القصاصات التي كنت تلتزم مكابدتها في المطهر وأردك حديثا الى الشركة في أسرار الكنيسة وأقرنك في شركة القديسين» وأردك ثانية الى الطهارة والبر اللذين كانا لك عند معموديتك؛ حتى انه في ساعة الموت يغلق أمامك الباب الذي يدخل منه الخنطاة الى محل العذاب والعقاب» و يفتح الباب الذي يؤدي الى فردوس الفرح» وان لم تمت سنين مستطيلة فهذه النعمة تبقى غير متغيرة» حتى تأتى ساعتك الأخيرة باسم الآب والابن والروح القدس».

هذه صورة من صور صك الغفران تذكر أنها تمحو الآثام » وتغفر ذنوب العاصى ما تقدم منها وما تاخر, تغسله من ذنوبه الماضية حتى يصير طاهراء ثم لا يصير قابلا لأن تؤثر فيه الذنوب مهما يرتكب من خطايا »

لح

ومهما ينغم في المعاصي» كأن ذلك الصك جواز المرور الى النعيم المقيم , لا يعوق حامله عائق» ولا يرده عن الوصول خازن أو حارس .

هذا ما يدل عليه الصك» هذا ما كانت تحاول الكنيسة أن تلقيه في روع الناس تمكينا لسلطانهاء ورغبة في نقودهم التي يبذلونها للكنيسة في سبيل الحصول على ذلك الصك الذي يكون سر الأمان؛ وطريق الوصول الى الغاية .

لقد ابتدأت الكنيسة صك الغفران بمسألة الاعتراف بالذنوب عند الموت والتوبة » ثم تولى القسيس مسح هذه الذنوب والشخص لم يودع الدنيا . ثم انتقلت من ذلك إلى أن جعلت لنفسها الحق في الغفران » والشخص قوي يستقبل الحياة » ولا يودعها ويقبل على منعها » ولا يدبر عنها » وغالت فجعلت لنفسها غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب ثم اغرقت في المغالات فاتخذها رجال الدين باباً من أبواب الكسب للكنيسة . ثم انهم ينفقون ما يجمعون من مال فيما يحله الدين والأحلاق » وما قد يحرمانه » وبذلك طم السيل » حتى جاوز الحزام الطبيين .

سلوك رجال الدين الشخصي :

5 وهل كان رجال الدين في سلوكهم الشخصي, وفي استمساكهم بعروة الأخلاق» وهدى الدين يستحقون أن يبذل اس قٍِ طاعتهم ما يبذلون ويروضوا أنفسهم على الخضوع لارائهم » وقبوها بقبول حسن» متهمين العقول ان حاولت التمرد والعصيان؛ لأن حال رجال الدين بعيدة عن الظنة منزهة عن الريبة؛ قد سموا بأنفسهم » حتى ساموا في العلو القديسين والشهداء والصالحين» وجعلوا أنفسهم عنوان العفة» وبخع النفس عن الشر, وافتدوا الفضيلة بأنفسهم أو عرضوا أنفسهم للفداء كما كانوا يرون أن المسيح قد فعل من قبل ؟ لقد كانت حال رجال الدين تحوطها الريب من كل جانب» وتأخذهم الأنظار المتعقبة من

51١١

كل ناحية من نواحي الحياة, حرموا على أنفسهم الزواج اذ سادت الرهبانية؛. وسيطرت عل نفوسهم » فجعلوا زواجهم حراما. لينصرفوا لخدمة كنيسة الرب, و يقوموا على سدانتهاء و يرعوها حق رعايتها , ولكن ما ان توردت عليهم الأموال, وكثرت أمامهم أسباب النعيم, حتى فكهوا فيها مترفين وانغمسوا في الملاذ يستطيبون أطيبها , و يطلبون أشدهاء ونا مكنوا لأنفسهم من السلطان» اندفع بعضهم في طلبها اندفاعاء ومنهم من استهتر في سبيلها استهتارا» وخرجت حال بعض أولئك المنغمسين في الخطايا من السر الى الجهر, ومن التستر الى التفحش» ومن الخفية الى الاعلان, واتصل بعضهم بالنساء اتصال سفاح ؛ بعد أن حرموا على أنفسهم النكاح © ولم تتمنع النساء المتصلات بهم من أن يعلن ذلك مفاخرات به, وجاء من ذلك الا تصال الآثم أولاد لا آباء لهم, ولكن لهم حظوة, لأن بعض رجال الدين يعرفون آباءهم , كما يعرفون أبناءهم » فيمكنون لهم بسلطانهم الديني سلطانا دنيويا .

ولقد كانت تلك الحياة اللاهية العابثة الفاسفة ميزة اختص بها بعض رجال الطبقة العالية الدينية أنفسهم, أما التحوت من رجال الدين ففي فقر مدقع, وني حياة هي أقرب الى الدين المسيحي من حياة كبرائهم , وذوي السلطان فيهم وفي الشعب .

ابتداء الاصلاح :

00 هذا سلطان الكنيسة ؛ وتلك حال رجاهاء يتدخلون في كل شيء, ينقبوك عن القلوب, وقد سترها علام الغيوب» و يرهقون من يتهمونهم باقسى أنواع العذاب» و يفرضون سلطانهم على الراعي والرعية» حتى يتململ من تحكمهم الملوك والأمراء, وذوو الفكر من الشعوب» ويجبون الأتاوات و يفرضون الضرائب حتى كأنهم الجباة العشارون, لا رحال الدين المهذبوك» و يعطون انفسهم حق مسح الخطايا بعد اعتراف

51

المذنب في آخر أيامه في الدنياء وأول أيامه في الآخرة» ثم يغالون» فيمنحون أنفسهم حق غفران الذنوب السابقة واللاحقة للقوي الصحيح, ويكتبون ني ذلك صكوكا يبيعونها بثمن قليل أو كثير» ثم يقضون أو بعضهم حياة كلها لهو وحوهم الناس ينظرون.

ولقد بلغ السيل الزبى في العصر المشهور في التاريخ الأ ورو بي بعصر النهضة؛» وفيه نهضت الارادة الانسانية» والعقل الانساني يفرضون وجودهماء وفيه استطاع الأربييون أن يروا نور الله في الاسلام, والتدين الحقيقي فيما يدعوا اليه اهذا الدين» اذا اتصل الشرق بالغرب فيما قبس الغرب من دراسات تلقاها على أساتذة من المسلمين بشكل خاص» ومن الشرقيين بشكل عام وفيه علم أن لا سلطان لأحد من رجال الدين على القلب» وان لا وساطة بين الله والعبد» وأث الله قريب ثمن يدعوه» ويجيب دعوة الداعى اذا دعاه.

دعوة بعض رجال الدين الى الاصلاح :

حينئذ أخذت الأنظار المتربصة تحصى على رجال الدين ما يفعلون» ووجد من بينهم من استنكروا حالهم وأخذوا يدعون زملاءهم الى اصلاح حاهم» ليردوهم الى حكم دينهم قبل أن يفوت الوقت» وقبل أن ينفض الناس » وقبل أن يحملهم العامة على الاصلاح .

ولقد جاهر بذلك جيروم وهوس » ولكن كان نصيبهماأن اعدما تحريقا بالنيران» وكان ذلك بقرار من مجمع كونستانس الذي انعقد من سنة ١54١5‏ الى سنة »١418‏ ولقد قرر ذلك قتل هذين العالمين حرقا بالنار, لأنهما دعوا الكنيسة الى عدم الأخذ مما يسمى سر الاعتراف » مبينين أن الكنيسة ليس لها سلطان في حو الا ثم أو تقريره, وانما التوبة مع رحمة الله هي التي تمحو الآثام, وتطهر النفس من الخطاياء ولقد تقدم الى المجمع يوحنا هوس ليدافع عن آرائه» وهذا ما قاله كاتب متعصب للكاثوليك في ذلك الدفاع :

ار

«لدى دخوله أخذ يعلن غواياته قبل انتظاره حكم المجمع على تعليمه, فقر الرأي على القاء القبض عليه» وفوض المجمع الى بعض أعضائه أن يفحصوا مؤلفاته وألحوا عليه أن يقلع عنهاء ولكنهم لم يستفيدوا شيئا.. ووجدوا في مؤلفاته فصولا كثيرة تتضمن أضاليل» وقد خولوه الحرية ليوضح أقواله في كل منهاء وحرضوه على التضوع لحكم المجمع » وعرضوا عليه صورة الرجوع عن ضلاله فأبى أن يمضيهاء و بقي مصرا على غيه» ولم يشأ المجمع أن يتوصل معه الى المضايقة الأخيرة» بل حاول مرارا أن يرده عن عناده فحكموا أولا على كتبه بالتحريق رجاء أن يخيفوه بذلك, لكنه لبث مصرا على عناده, فحينئذ حطوه عن الدرجات المقدسة حطا احتفالياء وأسلموه لحكومته فحكمت عليه بالحرق حيا بمقتضى نواميس المملكة ثم نال جيروم تلميذه وقرينه في العناد هذا العقاب نفسه .

أما المجمع فلم يطلب قط هذا العقاب بل ترك للقضاء المدني أن يعمل بموجب شرائع المملكة التي كانت تعطي الملك حقا في أن يعاقب من يفسدون النظام المدني بينهم بتعاليم سيئة تقلق راحة الجمهور».

هذا ما يقوله الكتاب المدافعون عن الكنيسة , ومهما يكن قولهم في براءتها من دم أولئك الذين حاولوا من رجال الدين اصلاحها. فمما لا شك فيه أنها لم تصغ إلى أقوالهم , بل عاقبتهم عليها بالحرمان» فسلبتهم المنصب الديني » ثم عاونت بذلك على قتلهم أفظع قتلة » ان لم تكن هي الفاعلة .

ابتداء اللاصلاح من غير رجال الدين :

4- كانت ارهاصات الاصلاح تبدو الوقت بعد الآخرء و يظهر به رجال استعدوا للفداء زمنا بعد زمن, وكانت البلاد التى تظهر فيها آراء الاصلاح في شمال أوروبا وانجلتراء وفرنساء لأن فرنسا قد ذاق

51

بعض ملوكها أذى الحرمان من الكنيسة, وأحس الفرنسيون بشدتهاء وانجاترا رأت من سلطان البابا عليها تدخلا في شئونهاء ولأن أمم شمال أوروبا قد اقترنت حضارتها بالدين فكانت شديدة الغيرة عليه» قوية الرغبة في فهمه على وجهه, جاعلين قبلتهم الكنيسة ورجاهاء فعثروا مما أوتوا من رغبة دينية وعقل فاحص على عيو بهم » فأرادوا أن يصلحوها من غيران يهدموهاء لذلك ظهرت حركات الاصلاح ووجدت اذانا مصغية في تلك البقاعء ولم ينبثق فجر القرك السادس عشر حتى انبثقت معه أصوات قوية جريئة تدعوا الى اصلاح الكنيسة» وتنقد حاها وتندد بأعمالماء وتنشر عيوب القوامين عليهاء وعساهم يصلحون أمرهم , ويعودون الى اداب الدين وتهذيبه .

الدعوة الهادئة :

وقد ظهرفي فجر القرن السادس في أزمان متقاربة أصوات رجال . مصلحين» ومن أشدها ظهورا صوت أرزم» وقد ظهربالاً راضي المنخفضة » وعاش من سنة ١458‏ الى سنة ١675‏ . وقد أخذ يدعوا الناس الى قراءة الكتاب المقدس عندهمء والى تهذيب عقوهم » وتنمية مداركهم» ليستطيعوا فهمه, والانتفاع بهء وأدرك مراميه وغاياته» وأخذ يدعوا الى اصلاح الكنيسة» و يظهر أنه لم يوجه دعوته الى الشعب» بل وجهها الى الحكام المستنيرين» وإلى رجال الكنيسة أنفسهم , فقد كان البابا ليو العاشر صديقه, وكان ممن يقدرون آراءه, و يعجبون بتفكيره ويوافقون بالأولل على وجهة نظره» وقد سار في طريق ذلك الاصلاح السلمى محتهدا الاجتهاد كله في أن يحافظ على مركز البابا وقداسته, حريصا على ألا ينال أحد منهماء وألا يخلط دعاة الاصلاح بين اصلاح الكنيسة ومراكز رجالها؛ وما يستحقون من اجلال وتقديس» فهويرى أن الاصلاح واجب على أن تقوم به الكنيسة في داخلها, أو يعاونها الحكام على اصلاح نفسهاء ولذلك عندما رأى ثورة لوثر العنيفة» وما أدت اليه من كن الم

مس سلطان الكنيسة ونقص ما لما من قداسة» نبذ آراءه ولم يعاونه .

وظهر كذلك قِ هذا الايان تومس مور من 5178 ١‏ الى نوات اده وقد ظهر بانجلتراء ودعا الى اصلاح الكنيسة أيضا بالطريق السلمي» ولذلك دعا بنفسه الى وجوب احترام سيادة الباباء وأن يكون له السلطان الديني النقد العنيف :

48 ولكن دعوات أولئك السلمية لم تفد فائدتهاء ولم تنتج ثمراتهاء وان شئت فقل ان تحول الأفكار وانتقال الفكرة الى الشعوب » واصطدام الكنيسة بالمفكرين و بعض الأمراء جعل نقد الكنيسة عنيفاء وجعل خطوات الدعاة أسرع مما يريد أولئك السلميون.

وأشد من ظهر من أولئك تأثيرا وأقواهم نفوذا: مارتن لوثرء وزونجل »

لولر:

أما مارتن لوثر» فقد ولد سنة ١487‏ من أبوين فقيرين» ولكن أباه أجهد نفسه.ء وأراد أن يصل به الى أقصى درجات الثقافة» ومكن له ليكون قانونيا» فأرسله الى الجامعة , ولكنه عجز عن اتمام دراسته القانونية » وعكف على دراسة اللاهوت, وانصرف اليهاء لأنه أحس بنزعة دينية قوية تدفعه الى الانقطاع لذلك, وقد كان شديد التورع ‏ مبالغا في تقدير سيئاته., قد سيطرت على مشاعره نفسه اللوامة» حتى لقد قال بنفسه انه لن ينجو من عذاب الجحيم الا برحمة الرب الرحيم» وكان هذا الاحساس الديني الدقيق, وذلك النزوع اللاهوتي موضع رعاية رجال الكنيسة» حتى لقد أوصوا به خيرا أولى الأمرمن رجال الدنياء فعين مدرسا للفلسفة , وظل عاكفا على هذه الدراسة التي كان يشك في صلاحيتهاء اذ

لل لم

كان يدرس فلسفة أرسطوء وما كان في نظره الا من عبدة الأوثان» ويجب أن يلاحظ أن دراسة الفلسفة في ذلك العصر كانت تحت ظل الدين» وي خدمتهء ويقوم بها رجال الدين أنفسهم, ولذلك لم تكن دراسته الفلسفية مبعدة له عن دراسته الدينية» بل كانت تتميما لها .

ولقد دفعته نزعته الدينية الخالصة, واجلاله للكئيسة ورجاها الى أن يحج الى روماء ليتيمن بلقاء رجال الدين» ولكي تحل عليه بركات روما موطن المسيحية ومقر الكنيسة المقدسة؛ ولكنه ما ان وطئت قدماه أرض روما حتى رأى ما صدم حسه, وأزعج نفسه, لقد توقع أن يرى النسك والعبادة والزهادة, فوجد مدينة لاهية عابثة» ووجد رجال الدين قد دنست بعضهم المفاسد, وأحاطت بهم الريب» وظنت بهم الظنون» وجد جرأة على الخطاياء واستهانة بأحكام الدين. ووجد الذين تخيلهم قديسين صا حين» وأنهم ملائكة الله تسيرعلى الأرضء قد انغمسوا في الرذيلة, ورتعوا في حماها زاعمين أن سحائب الرضوان قد نزلت عليهم» وغفر هم سابق ذنوبهم ولاحقهاء وأن بيدهم مفاتيح الملكوت في السماوات والأرض وسر التوبة» وابواب الغفران» يغفرون لمن شاعوا ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

رأى لوثر كل هذا وهوامرهف الحس الديني» ذو النفس اللوامة, الذي يرى أن خطايا الانسان أكبرمن أن بمحوها هو, وأنه لا سبيل لغفرانها الا أن تسعها رحمة الله .

لذلك شده من هول ما رأى, وتحير بين ما تخيله في رجال الدين من زهادة, والواقع المستقر الذي صدمه صلمة عنيفة » ولكنه لم يلبث الا قليلا حتى انتقل من ال حيرة الى الاستنكار, لذلك عاد الى ألمانيا حانقا مستنكرا بعد أن ذهب راضيا مقدسا .

ولقد أخذ يعلن من ذلك الابان أن التبرك بالمقدسات» والحج اليها

وض

وتكرار الصلاة لا يجدي العاصي» ولا يغنيه عن توبة نصوح ‏ وقدم مطهرء ورجاء رحمة الرحيم» وأن أحدا من | لخلق مهما تكن قدسيته لا ملك لأحد غفراناء ولا يستطيع أن يستر ذنبا قد ارتكب .

- كان لوثر بعد عودته مأخوذا بهذه الافكار, قد استولت على نفسه, وسوغ له كل هذا أنه قد عرا ثقته برجال الدين ضعفء وان لم يعتزم الثورة عليهم أو على آرائهم , ولكن الحوادث كانت تدفعه الى أن يعلن استنكار آراء رجال الدين» والجهر بذلك» وذلك لأن البابا لي وأراد أن يعيد بناء كنيسة بطرس في روماء وذلك يحتاج الى مقدار من ا مال غير يسيرء فقرر أن يجمعه من صكوك الغفران ببيعهاء فذهب الراهب تنزل الى ألمانياء ومعه تلك الصكوك التي نقلنا لك نموذجا منها فيما أسلفنا من القول» وأخذ يعلن من أمرهاء و يبالغ في قدسيها وسرها .

عندئذ ثار لوثر الذي لا يعرف أن شيئا يستر الذنب الا الندم على ما كان, والاقلاع عنه فيما يكون, ورجاء رحمة الديان» والذي رأى في رجال الدين ما رأى» ثار لوثر على تلك الصكوك وكتب في بطلانها احتجاجا علقه على باب الكنيسة .

ولقد كان لذلك أثره في العامة والخاصة, ولم يكن من ال معقول أن تقابل الكنيسة ذلك بالصمت أو الاغضاءء فقّد أرسلت اليه تدعوه الى الحضور لمحا كمته أمام محكمة التفتيش التي كانت تدبيرا اتخذته المجامع ذريعة للقضاء على محالفيها .

ثورة لوث على الكنيسة :

وهنا نجد بعض الأمراء يتدخل » فيوصيه بألا يجيب طلبهاء » فلم ير البايا بدا من أن يصدر قرارا بحرمانه ويعده زائغاع وهنا تأخذ الحمية لوثر» و يشتد ني دعوته» ويجاهر بالاستهانة بأمر الحرمان, حتى انه ليحرق

"51١م‎

في وسط وتنبرج » والجموع حاشدة» حرمان البابا وقرار زيغه» ولم يبق الا أن تنفذالسلطةالمدنية قرارالحرمان, فتحرمه من الحقوق القانونية والمدنية» أثرا لقرار الحرمان الديني» فاجتمع مجمع ورمزسنة ١؟١٠‏ لحاكمته , ولكنه طالب البابا بأن يقنعه بخطئه فيما ارتأى . فلم يجب الى ما طلب, فانفض المجمع من غير نتيجة في هذاء ولكن الامبراطور أعلن حرمانه من ا حقوق المدنية الا أن أمير سكسونية حماه .

ومن هذا الوقت أخذت تخضع دعوة لوثر لحكم الأحداث السياسية) فتجد سلما من الدولة, اذا كان الامبراطور مشغولا بحرب » ولا يريد اثارة فتنة . وتحد حربا اذا خلا الامبراطور لهم , وني كلتا الحالتين تزداد الدعوة حدة و يزداد أتباعها عدداء و يشتد ساعدهم موالاة أمراء أعزاء في النفرة .

وفي سنة 6 حاول الامبراطور أن ينفذ قرار الحرمان الصادر سنة 0١‏ ولكن أنصار لوثر يحتجون على ذلك؛ ومن ذلك الحين سموا البروتستنت أي المحتجين» ثم جرت الأمور سلما فحر با متداوين» حتى اذا مات لوثر, وكان الامبراطور قد خلص من كل الحروب التى تشغله أنزل بالبروتستنت أقسى العذاب وأشده بلاء» ثم يعقب ذلك صلح بين الفريقين . ش

لوثرلم يرد هدم الكنيسة :

0 لم يكن لوثرمن الغلاة الذين يرمون الى هدم الكنيسة» ولا الى محاربة سلطانهاء بوصف كونها مرشدة وواعظة ومبينة للناس شئون دينهم, ولكنه كان يريد اصلاح حال الكنيسة ورجاطاء وحملهم على الجادة وأعطاءهم من الحق ما أعطته الكتب المقدسة, ووصايا رسلهم, والمأثورعنهم وهولم ينظر الى البابا على أنه خليفة المسيح لا يخطىءء ولا يأتى الباطل الى قوله» بل نظر اليه على أنه كبير المرشدين الواعظ. .

516

ونا أراد لهم الصلاح ‏ وكان يائسا من أن يقوموا هم بذلك ‏ دعا الأمراء الى أن يتدخلوا , وقرر أن هم عليهم سلطاناء وأن لهم الحق في عزل رجل الدين اذا لم يقم بما يأمره به الدين» ووجد أن جزاء من فساد رجال الدين يرجع الى عدم الزواج .

ورأى أن المنع منه لم يكن في | لمسيحية في عصورها الأولى» فقرر حقهم في الزواج» وتزوج هو فعلا مع أنه من ن رجال الدين» وكان زواجه من رأهبة .

ووجد أن الكئيسة تحتفظ لنفسها بحق فهم الانجيل» وذلك من أسباب غلوها وفقدها الرقيب» فجعل لكل مسيحي مثقف الحق في فهمه , واشتغل بترجمته الى الألمانية ليقرأه كل ألماني .

وأنكر أن المسيح يحل في بدن من يأكل العشاء الربانى . فقد أنكر استحالة الخبز الى عظام المسيح المكسورة . وأنكر استحالة الخمر الى دم المسيح» وحلوهما في جسم الآ كل . واكتفى بكون العشاء الر باني تذكيرا ما قام به المسيح من فداء للخليقة في زعمهم , وأن يعتقد المسيحي أن المسيح معه بجسده عند تناول هذا العشاء.

هذا كله مع انكاره حق الكنيسة في الغفران» ذلك الحق الذي كان عود الثقاب الذي أشعل ثورة لوثر» وكانت منها تلك النيران التي لم تستطع الكنيسة لها اطفاء.

زونجلي واعماله :

5 وني الوقت الذي كان يغالب فيه لوثر الكنيسة وأنصارها من ذوي السلطان » كان في سويسرة صوت قوي آخر ينادي بما يقاب ما نادى به لوثر ذلك » ذلك هو زونجلي )١581١- 1١585(‏ فقد المته حال الكنيسة ودعا الى مثل ما دعا اليه لوثر ف مسائل الدين» وقد

50

ابتدأت ثورته بالثورة على صكوك الغفران ا ابتدأً لوثر » وقد مات أثناء صراع وقع بين أنصاره » والمعتنقين لبادئه . وأنصاره الكاثوليك .

وآراؤه في الجملة تتقارب من آراء لوثر, ولقد كان يرى أن العشاء الرباني مناولة تذكارية لموت المسيح وفدائه لخطيئة الخليقة في زعمهم, وأن المسيح يحضر ذلك العشاء بروحه فقط, و يفسر ما جاء خاصا بالعشاء الرباني في انجيل متى بمعناه المجازي, وهذا نص ما جاء في ذلك الانجيل في اصحاحه السادس والعشرين : وفيما يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك» وكسرء وأعطى التلاميذ, وقال: «خذواء كلوا هذا هو جسدي» وأخذ الكأس وشكرء وأعطاهم قائلا: « اشر بوا منها كلكمء لأن هذا هودمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا » . ْ

ودعوة زونجلٍ هذه, وان كانت تتلاقى في مبادثها في الجملة مع مباديء لوثر كانت منفصلة منها, فلم تتوحد الدعوتان» بل كانت كلتاهما تعمل في محيط اقليمهاء بيد أن حركة لوثر كانت أوسع دائرة وأسرع انتشاراء لسعة الاقليم الذي نشأت فيه» ولرعاية بعض الأمراء لهاء بل لاعتناقهم مبادئهاء ولأن الأحوال السياسية في ألمانيا كانت تسمح لثل هذه الدعوة بالذيوع والانتشار

كلفن وأثره في الاصلاح :

*؟١ ‏ في الوقت الذي كان فيه هذان الرجلان يعملان ويجاهدان كل بطريقته» فلوثر بطريقته السلمية التي خالطها العنف» وزنجلٍ بطريقة الصراع وال منازلة» حتى مات فيه .

في هذا الوقت كان رجل آخر ظهر في فرنسا وهو كلفن 1١505(‏ 4 قد ولد بفرنساء ونشأ بهاء وتثقف ثقافة قانونية, ولكنه مال بعد

"5١

تخرجه في القانون الى الدراسات الدينية, وقد كانت حركة لوثر قد ذاعت وشاعت في ربوع أورباء وما ان أعلن كلفن آراءه حتى اضطر الى الفرار بعقيدته الى جنيف في سو يسراء وهناك ألف وكتبء, وأخذ يعمل على نشر مباديء المذهب البروتستنتي» و ينظمها بعد موت لوثر, فتنظيمها على الشكل الأخير يرجع الى كلفن أكثر مما يرجع الى أي رجل آخرء وان كان باذر البذرة سواه» بل ان بذور ذلك المذهب قد كانت أقدم تاريخيا من لوثر نفسه, وقد نوهنا الى بعض هذا الكلام في المجامع .

ويرى كلفن أن الكنيسة يجب أن تحكم نفسها بنفسهاء وعلى الحاكم المدني مساعدتها ومعاونتها وحمايتهاء وذلك ليكون السلطان الديني غير خاضع لحكم الحكام, وهويرى أن المسيح لا يحضر لا بشخصه ولا بروحه في العشاء الر بانى» و يعتبر تناول العناصر المادية رمزا للامان. ويقول كما يقرر صاحب كتاب الأصول والفروع في العشاء الر باني : يشير العشاء الر باني أيضا الى بحيء المسيح » كما يشير الى موته» فيكون تذكارا للماضي والمستقبل » فالعبرة في العشاء الر باني للذكرى» لا حضور المسيح ماديا أوروحيا».

انشاع كنائس للمصلين :

4 كانت جهود هؤلاء القادة وأتباعهم ؛ وعيوب الكنيسة » وسوء حالما وحال القوامين عليهاء وشدة ضغطهم سببا في ذيوع الآراء التي تخالف رأي الكنيسة» وقد ابتدأت الحركة بطلب اصلاح الكنيسة على أن يقوم بالاصلاح رجال الكنيسة أنفسهم ولكنهم أنغضوا رءوسهم , وأصروا واستكبروا استكباراء ورفضوا كل دعوة للاصلاح» وقابلوا أصحابها بقرارات الحرمان أحيانا كثيرة والاهمال أحيانا قليلة . فلما استيأس مريدو الاصلاح من أن يقوم الكنسيون باصلاح حاهم » وأن يرعوا الديانة

51

حق رعايتها اتجهوا الى الحكام طالبين أن يتدخلوا لاصلاح الكنيسة, كما حاول لوثر» فقد أعطى الحكام حق الهيمنة على الكنيسة ليصلحوهاء ولكن الحكام تقاعسواء ومنهم من لم يحاول اصلاح الكنيسة» بل حاول القضاء على طلاب اصلاحهاء وأنزل بهم اضطهادات و بلايا وشدائد ومذابح, كما حدث لبروتستنت فرنساء وكان ذلك اما تعصبا للكنيسة» واما مجاملة, واما كراهية للمصلحين, لأن منهم من كانت لهم آراء اصلاح نظم الحكم بجوار آرائهم في اصلاح الكنيسة, وقد كان الحكم استبداديا مطلقاء بلا نظام يقيد الحاكم, و يلزم المحكوم .

فلما يئس طلاب الاصلاح من الحكام و يئسوا من رجال الكنيسة اتججهوا الى أن يجعلوا لأرائهم جماعة , ووحدة دينية منفصلة عن الكنيسة وآراؤها غير خاضعة للكنيسة » ورافضة كل ما لها من سلطانء وأنشأوا لهم كنائس ليست معترفة لكنيسة روما بأي سلطان؛ وسلطة رجال الدين فيها محدودة, ولرجال الدين من الحقوق ما قرروا من مباديء, وسميت كنائسهم كنائس انجيلية(١)‏ أي أنها لا تخضع الا لحكم الكتاب المقدسء و يقيد بأحكامه رجل الدين أمام رجل الشعب» وجميعهم مسئول أمام ذلك الكتاب» وليس لرئيس الكنيسة خلافة تجعل كلامه مقدساء مساو يا لأحكام الكتاب المقدس في الرتبة والاعتبار.

وقد انتشر المذهب الجديد في ألمانيا والداامرك والئرو يج وهولندا وانجلترا وأمريكا الشمالية وسو يسراء وان لم تصر كلها على المذهب.

)١(‏ وتسمى الكنائس الأخرى التى تجعل لرئيس الكنيسة سلطانا يعتبر فيه خليفة المسيح الكنائس التقليدية» وهي كنيسة الكاثوليك» والكنيسة الآ رثوذوكسية اليونانية والكنيسة الأ رثوذوكسية المرقسية» وهى كنيسة القبط وغير ذلك .

57

أهم مباديء الاصلاح : 6 والآن نلخص المباديء التي أتى بها ذلك المذهب الجديد»

نكتفي بذكر أصوها التي ترجع اليها نغيرها من الفروع » وأعظم تلك الأصول شأنا :

(أ) جعل الخنضوع التام الواجب على المسيحي لنصوص الكتاب المقدس وحدها(١)‏ وجعله الحكم وحده الذي لا ترد حكومته , ولا ترفض أوامره» وقياس كل أوامر الكنيسة القديمة وقرارات المجامع على ما نص عليه في ذلك الكتاب فما وافقه قبل» على أن الكتاب قد ورد به» وما خالفه رفضء ولو كان قد صدر عن أكبر رجال الكنيسة شأنا في الماضي أو الحاضر.

ولذلك يقول صاحب كتاب سوسنة سليمات في ذلك : «انهم جميعا متفقون في المعتقدات على محرد ما في الكتاب المقدس فقط» فلا يمخضعون لشيء من التقاليد التي لا يوجد لها فيه رسم أصلاء ولا الى أقوال أحد من الآباء أو المجامع الا اذا كان موافقا لنصوصه لفظا ومعنى» أما تفسير الآيات الغامضة والتي لم يوضحها الوحي الالهي, فلا بمارون أحدا فيها الا اذا كان التفسيريناني ما كان معناه واضحا في غيرها من تعاليم الكتاب» .

)١(‏ الكنيسة الكاثوليكية » والكنيسة الشرقية وغيرهما من الكنائس التقليدية لا يعتبرون الكتاب المقدس وحده هو المصدر للدين المسيحي » بل يعتبرون معه الرسائل غير المسطورة في ذلك الكتاب وتعاليم المسيح التي نقلت إلى البابوات خلفا عن سلف مصدرا أيضاً » ويسمون ذلك المصادر التقليدية .

ويقول في ذلك صاحب كتاب تاريخ الكنيسة الذي ترجمه يوسف البستاني في ذكر قرارات ابجمع الترنديتي

« ان امجمع الترنديتي المقدس الملتكم بتدبير الروح القدس والمصدر فيه صفات الكرسبي الرسولي ا أن حقائق الايمان ورسوم الاب متضمنة في الصحف المكتوبة وفي التقليدات المكتوبة ؛ وهي المنقولة عن فم يسوع بواسطة الرسل » أو المنزلة على الرسل أنفسهم بالروح القدس . وقد اتصلت الينا تسليما اقتفاء بأثر الآباء الأثُوذكسيين قد قبل جميع أسفار العهدين القديم والجديدء ثم التقليدات أيضاً المتعلقة بالايمان والآداب بما أنها بارزة من فم يسوع المسيح » أو ملقنة ملقنة من الروح القدس » ومحفوظة في الكنيسة بالخلافة المتواصلة ويعتنقها بنفس الاكرام والاحترام الذي تعتنق به الكتب المقدسة ) .

5354

فهم لا يعترفوك سلطات لغير الكتاب وقد كان تحكيم الكتاب وحده سببا في جعل رجل الدين غير مطاوع الا فيما ورد في الكتاب.

وقد كان جعل سلطان الكتاب شاملا لرجل الدين , ولرجل الشعب سببا في أن حق التفسير والفهم لم يعد مقصورا على رجال الدين» فأزيل ذلك الحجاب الذي أقيم بين المسيحي و بين كتابه . إذ اقامه رجال الدين ليحتجزوا حق تفسير الكتاب لأنفسهم » و بذلك يكون الدين ما تنطق به أفواههم وليس لأحد أن يعقب على قوهم , لأن باب التفسيرقد أقفل دون غيرهم فلا يستطيعون ازالة رتاجه» ولا فتح أغلاقه, فألغى المذهب الجديد ذلك الحجاب وفتح باب التفسير لكل مثقف ذي فهمء واذا كان ثمة نص لم يفهم توقفوا عن فهمه, فان أبدى رجل الدين رأيا في فهمه قبلوه الا اذا خالف نصا ظاهرا لا محال للتأو يل فيه .

عدم الرياسة في الدين :

(ب) ليس لكنائسهم من يترأس عليها رياسة عامة» بل لكل كنيسة رياسة خاصة بهاء والرياسة الكنسية التي تستمد الخلافة من أحد الحواريين أو من المسيح نفسه لا وجود لما عندهم » بل ان الكنيسة في كل مكان ليس ا الا سلطان الوعظ والارشاد» والقيام على تأدية الفروض والتكاليف الدينية و بيان الدين لمن لا يستطيع معرفته من تلقاء نفسه» ولم يكن عنده من الثقافة ما يمكنه من ذلك .

ليس لرجل الدين الغفران :

( جح )واذا كانت الكنيسة ليس لا سلطان الا الباث 1

يستطيع سانا والرشاد ١‏ أن / + يدها ا شعر ف / أده ع الدم 0 يله اك ايك فليس ها سلطار 3 حو كسد أو كير 4 3 نلعي !1 عتراننة فاتسيوسة

45

ومسحها سواء أكانت تلك هي المسحة الأخيرة عند الاحتضارء أم كانت قبل ذلك, فكل ذلك ليس لا فيه سلطان, لأنه من عمل الديان. وقد علمت أن صكوك الغفران وحق الكنيسة فيه كانت الثقاب الذي اندلعت منه الثورة على الكنيسة» وتبعها تقصي عيو بها وتتبع نقائصها . وقد ذكرنا ببعض التفصيل ما كانت تفعله الكنيسة» و بينا أنها غالت فيما زعمته لنفسها في ذلك من حق, والأساس في رفض الكنيسة في هذا: كل نفس لا ما كسبت وعليها ما اكتسبت.

وكما أن ذلك الأساس أدى الى سلب الكنيسة ما زعمته لنفسها من حق الغفران أدى الى أمر آخر» وهو منع الصلاة لأجل الموتى » واعتبار أن ذلك لا يفيدهم لأنه ليس للانسان الا ما سعى» وأن سعيه سيحاسب عليه ان خيرا فخير, وان شرا فشرء وأدى أيضا الى أن طلب شفاعة القديسين لا قيمة له, لأنه لا يغيرعمل الشخص من صالح الى طالح .

وني الجملة انهم اعتبروا غفران الذنوب يرجع الى عمل الشخص وعفو الالهء وتوبة العاصى وندمه على ما فات ولومه نفسه على ما كان وكل قول يجعل غفران الذنب أساسه غير ذلك رفضوه» ولم يلتفتوا اليه .

عدم الصلاة بلغة غير مفهومة :

( د ) ولقد كان ذلك المبدأ الذي يجعل الانسان يدين بعمله وحده» ومبدأ أن لا سلطان للكنيسة على القلب والعبادة, كان هذان المبدان سببا في أن رفض أولئك المسيحيون الصلاة بلغة غير مفهومة للمتعبد, لأن الصلاة دعاء من العابد للمعبود وانصراف القلب اليه, والقيام بالخضوع الكامل لهء والنطق مما يدل على الخضوع والالتجاء الى المعبودء فوجب أن تكون بألفاظ يفهمها العابد ليردد معانيها و يقصد مراميهاء وقد كانت صلاة القسيس بلغة لا يفهمها المصلون مقبولة لدى الكاثوليك . لأن أساس ذلك أن عبادة القسيس عبادة من هم تحت سلطانه .

"5

رأيهم في العشاء الرباني :

) انتهى البروتستنت بالنسبة للعشاء الرياني الى أنه تذكار بفداء المسيح للخطيئة التي ارتكبها آدمء وتحملت الخليفة من بعد وزرهاء وتذكار لمجيئه ليدين الناس, فهوتذكار للماضي والمستقبل كما جاء في بعض الرسائل» وهم ينكرون أن يتحول الخبز الى جسد المسيح» والخمر الى دمه .

والكنيسة قد أصرت على ذلك اصرارا. وهذا قرارها في المجمع الترنديتى في ذلك الشأن» فهى تقول بلسان اعضائه : «قد اعتقدت كنيسة الله دائما بأنه بعد التقديس يوجد جسد ربنا الحقيقي وده الحقيقي مع نفسه ولاهوته تحت أعراض الخبز والخمرء وأن كلا من الشكلين يحتوي ما يحتوي كلاهماء لأن يسوع المسيح هو بكماله تحت شكل الخبز, وتحت أصغر أجزاء هذا الشكل » كما أنه هو كله أيضا تحت شكل الخمر وجميع أجزائه» وقد اعتقدت الكنيسة أيضاً اعتقاداً ثابتاً بأنه بتقديس الخبز والخمر يستحيل كامل جوهر الخبز الى جوهر جسد ر بناء وكامل جوهرالخمرالى جوهر دمه تعالى» وهذا التغيير قد دعى بكل صواب» فيلتزم اذا جميع المؤمنين بأن يعدوا هذا السر المقدس العبادة المستوجبة للاله الحقيقي » لاننا نعتقد بانه يوجد فيه الله نفسه الذي عبدته الملائكة عن أمره تعالى» حينما أتى على العالم» وهونفسه الذي سجدت له المجوس خارين على أقدامه, وله نفسه سجدت الرسل في الجليل » .

هذه عقيدة الكنيسة في العشاء الرباني» لم يستسغها لوثر وأشياعه) وخلفاؤه من بعده, وانتهى أمرهم الى أن رفضوا ذلك التحول الذي تفرضه الكنيسة, وتلتزم به, وان كان بعيدا عن المعروف الألوف , و بعد أن رفضوا ذلك قر قرارهم الأخير على اعتبار العشاء الر باني تذكارا بالفداء وتذكارا للمجيء وفي ذلك عظة واستبصار.

51 /

انكار الرهبنة :'

( و ) انكر أولغك المصلحون لزوم الرهبنة التي يأخذ رجال الدين أنفسهم بها و يعتبرونها شريعة لازمة» يفقد رجل الدين صفته الكهنوتية أن تخى عنهاء ولقد رأوا ما أدى اليه ذلك الحظر من كبت للجسد الانسانى» وتعذيب له من غير ضرورة» ولا نص من الكتب قدمها وجديدها يفيد ذلك» بل لقد رأوا ما أدى اليه ذلك الكبت من انفجار غريزة الانسان في رجل الدين فانطلق يكرع اللذة من شقتها بالحرام بعد أن حرم على نفسه الحلال» وطفق يغترف من ورد معتكر بلآثام» مرنق بالمفاسد, وترك ال منهل العذب الذي حللته الشرائع » و يتفق مع ناموس اللاجتماع الانساني .

عدم انخاذ الصور والتمائيل :

( ز) منع البروتستنت اتخاذ الصور والتمائيل في الكنائس والسجود لهاء معتقدين أن ذلك قد نهى عنه في التوراة» فقد جاء في سفر التثنية : «لا تصنع لك تثالا منحوتاء ولا صورة ما مما في السماء من فوق» وما في الأأرض من أسفلء وما في الماء من تحت الأ رضء لا تسجد طن ولا تعبدهن لأنى أنا الرب الهك غيور أفتقد ذنوب الآباء في ١‏ لأ بناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي » وأصنع احسانا الى ألوف من محبى » وحافظى وصاياى » .

ولا شك أن ما نهت عنه التوراة يجب الأخذ به ما دام الجميع يؤمنون بالتوراة» وكتب العهد الجديد وما دام لم يرد عن المسيح أوعن الرسل ما يبطل ما جاء في التوراة .

ولقد أثبت الأستاذ أمين الخولي بالسند التاريخي أن ذلك التحريم قد قبسه النصارى المصلحوك من نور الاسلام .

56

المسيحيون لم يسيروا في منطقهم الى أقصى مداه:

5- هذه أعظم المسائل التي خالف بها المصلحون في المسيحية ما عليه الكنيسة» وهي لا شك خلع لسلطان الكنيسة على النفوس وقضاء على سلطان المجامع, واذا كان للحوادث منطق تسير عليه » فهل لنا أن نستنبط منطق تلك الحوادث» وما كان عساه يكشف عنه لوسار في طريقه الى أقصى مداه؟ لقد علمت في سياقنا التاريخي الذي بيناه عن أدوار المسيحية أن ذلك السياق يعلن في عباراته وفي فحواها أن تلك الديانة كانت ديانة توحيد, حتى جاءت المجامع, فقررت ألوهية غير الله» وطردت من حظيرة المسيحية المستمسكين بعروة التوحيد الذين رفضوا دعوى ألوهية المسيح » وناصرتهم الشعوب المسيحية في الابان.

فاذا كان المصلحون قد قرروا أن يأخذوا مذهبهم الديني من الكتب الصحيحة وقرروا أن يرفضوا سلطان المجامع والكنيسة معاء فان المنطق الذي يسيرون عليه كان يوجب عليهم أن يرفضوا أقوال المجامع القديمة» ومنها ألوهية المسيح , وألوهية الروح القدس .

فلقد قررالمجمع النيقي ألوهية المسيح» وقرر المجمع القسطنطيني ألوهية الروح القدس .

وقد كنا نود أن يدرسوا قرارات هذه المجامع, و ينظروا الى سندها وقوته فان لم يروا السند قويا رفضوا ذلك القرار, ولكنهم لم يسيروا في منطقهم الى أقصى مداه فرفضوا آراء الكنيسة في أمور, أعظمها شأنا ما بيناه» ولم يتجهوا الى لب العقيدة» وهو لم يتجاوز أنه قرار مجمع فيدرسوه من جديد على ضوء ما فتحوه لأنفسهم من نور مبصرء وهو أن يكون لكل شخص له قدرة على فهم الكتاب حق في تفسيره, واستخراج الأ وامر والنواهي منه من غير أن يتخذوا الأحبار والقسيسين وسائط في فهمه ويحكموا بذلك في ضمائرهم واعتقاداتهم .

احرف

عقول مسيحية تنكر ألوهية المسيح :

07- ولكنا وقد يسنا من أن يسير البروتستنت في طريقهم الى أقصى مداه وجدنا العقول المسيحية قد تنبهت, والدراسة العلمية والفلسفية قد سارت ونور الاسلام قد انبلج» فوجدنا علماء كثيرين قد صرحوا في قوة بأن المسيح لم يكن الا رسولاء وأنه لم يكن أكثر من بشرء قد قبسوا ذلك من الأناجيل نفسهاء فهذا رينان قد جهر بذلك في قوة وجرأة؛ ولم بمنعه حرمان الكنيسة له من الاصرار على رأيه والذود عنه» وهذا تولستوي ينكر على المسيحيين ألوهية المسيح » وتنتهي نتائج بحثه الى أن بولس لم يفهم تعاليم المسبيح » بل طمسهاء والكنيسة زادت تعاليم المسيح بالنسبة للاعتقاد غموضا واخفاء .

ولنترك الآن الكلمة لذلك الفيلسوف, فهويقول : «انه ينبغي لفهم تعليم يسوع المسيح الحقيقي» كما كان يفهمه هو أن نبحث في تلك التفاسير والشروح الطويلة التي شوهت وجه التعليم المسيحي» حتى أخفته عن الأ بصار تحت طبقة كثيفة من الظلام» و يرجع بحثنا الى أيام بولس الذي لم يفهم تعليم المسيح, بل حله على محمل آخرء ثم مزجه بكشر من تقاليد الفريّسيين» وتعاليم العهد القديم» و بولس كما لا يخفى كان رسولا للأمم, أو رسول الجدال والمنازعات الدينية» وكان بميل الى المظاهر الخارجية الدينية, كالختان وغيره فأدخل أمياله هذه على الدين المسيحي فأفسده, ومن عهده ظهر التلمود المعروف بتعاليم الكنائس» وأما تعليم المسيح الأصليٍ الحقيقي, فخسر صفته الالهية الكمالية» بل أصبح احدى حلقات سلسلة الوحي التي أوها منذ ابتداء العالم» وآخرها في عصرنا الحالي» والمستمسكة بها جميع الكنائس» وأن أولئك الشراح والمفسرين يدعوك يسوع الما دون أن يقيموا على ذلك الححة؛» ويستندون في دعواهم على أقوال وردت في خمسة أسفار: موسى » والز بورء وأعمال

الم

الرسل» ورسائلهم, وتأليف آباء الكنيسة , مع أن تلك الأقوال لا تدل أقل دلالة على أن المسيح هو الله .

هواذن ينكر ألوهية المسيح و ينكر ألوهية روح القدسء و يعتقد بأن الله واحد أحد فرد صمد» و ينكر أن تكون كتب النصارى كتبت باطام , ويعلن في جرأة أنها حرفت وعراها التغيير والتبديل» فيقول في صراحة المستمسك بالعروة الويّقَى : «ان المسيحيين واليهود والمسلمين يعتقدون جميعهم بالوحى الالهي» فالمسلمون يعتقدون بنبوة موسى وعيسى ولكنهم يعتقدون كما أعتقد بأنه دخل التحريف والتشويه على كتب الديانة النصرانية, وهم يعتقدون بأن محمدا خاتم الأنبياء» وأنه قد أوضح في قرانه تعاليم موسبى وعيسى الحقيقية» كما قالاها دون زيادة ولا نقص » وأن كل مسلم أمامه القران يقرؤه» و يتمسك به و يسير بموجب أحكامه ولا يعترف بغيره من الكتب مهما اشتهر واضعوها بالتقوى والصلاح » و يسمي المسلمون ديانتهم بالمحمدية, لأن محمدا وضعها بخلاف الكنيسة المسيحية التى تسير الآن بموجب تأليف الآباء الذين يدعون بأن ما كتبوه هومن الروح القدس, فكان الأحرى بالمسيحيين أن يسموا كنيستهم بالروحية القدسية أولى من تسميها بالمسيحية » .

ضض

6 - قد ظهراذن مسيحيوك يدعون الى التوحيد» وانك لترى بريق الاسلام يلمع بين السطور التي دونوها والأقوال التي نشروها » ولكن قد طردتهم المسيحية الحاضرة من حظيرتهم كما فعلت المجامع من قبل » ولقد كان الأمرلا يسترعى النظر لو كان مقصورا على العلماء. بل انك لترى المسيحيين الذين تجاد هم أو تخالطهم أو تخاطبهم بالمودة ان ستثنيت رجال الدين منهم ‏ يصرحون في بهرة المجالس وفي جهر من غير اسرار بأنهم لا يستطيعون ان يتصوروا المسيح الا رجلا عظيما رسولا من عند الله وليس ذا صلة بالألوهية الا صلة الرسول ممن أرسله .

فهل لنا أن نعتقد أن شيوع هذا على ألسنة أولئك المثقفين يؤدي الى اصلاح كامل للعقيدة؛ يكون شاملا للأصل» ولا يكون مقتصرا على الفرع كما فعل الاصلاح السابق واقتصر عليه ؟ .

ان الاجدر لهذا ان يتجه أولئك المثقفون الى دراسة دينهم , وأن يتجه الذين يحاولون ارشادهم الى بيان الأدوا ر التاريخية التي مرت بدينهم , والى ما أحدثته المجامع من أحداث» وكل حدث في الدين هو بدعة فيه فان دراسة تلك الأدوار تريهم الحقائق عارية» وتكشفها هم غير مستورة برسوم وطقوس كنسية أو غير كنسية, وقد حاولنا في أثناء بحثنا أن نبين أن ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس فكرتان عرضتا على العقل المسيحي» ولم تكونا في المسيحية الأولى» وذكرنا السند التاريخي في ذلك وانه لمسيحي خالص» وانه بهذه المحاولة نريد أن ندعو الذين يهمهم رد العالم المسيحى الى التوحيد الى العناية بدراسة تاريخ المسيحية واعلانه لأهلها » ونريد أن ندعوالذين يريدون نشر الاسلام بين ربوع المسيحيين إلى اعلان ذلك التاريخ ع انهم ان دخلوا في التوحيد » دخلوا في الاسلام أبس بيد لآن الطرة التالية لا معام م ال م ل هر الاعلام و واعمد لل رمي ألها 5" 1

[ نم بحمد ألا أللية وتوفيقه |

دض

ما يشتمل عليه الكتاب ؟ إفتتاحية الطبعة الرابعة ؛) -افتتاحية الطبعة الشثالثئشة افتتاحية الطبعة الثانية . ٠١‏ افتتاحية الطبعة الأولى 1١‏ تيد

١‏ المسيحية كما جاء بها المسيح عليه السلام

٠6‏ المسيحية في القرآن الكريم 5 دعوة المسيح ١‏ مريم والمسيح في القران الكريم 8 الحمل بالمسيح وولادته ١‏ الحكمة في كون المسيح ولد من غيرأب ©؟- بعثة عيسى عليه السلام ومعجزاته ه؟ الحكمة في كون معجزاته عليه السلام من ذلك النوع +؟_مانراه حكمة صحيحة -تلقي اليهود لدعوته 9؟ ‏ مناواة اليهود له 9 نهاية المسيح في الدنيا .#_المسيح بعد نجاته ١م#-‏ موازنة بين المسيح في القرآن الكريم والمسيح في المسيحية الحاضرة .

المسيحية بعد المسيح

ع

اما نزل بالمسيحيين من اضطهاد 4+٠‏ أآثر الاضطهادات في الديانة 4١‏ الفلسفة الرومانية والمسيحية 4 الأفلاطونية الحديثة وأثرها في النصرانية .

8 مصادرالمسيحية بعد عيسى عليه السلام

4 الأناجيل ٠ه‏ الأناجيل لم يملها المسيح ولم تنزل عليه ١ه‏ _انجيل متى انجيل متى كتب بالعبرية ولم يعرف الا باليونانية وجهل المترجم أثر جهل تاريخ التدو ين والمترجم وه انجحيل مرقس 5 _اللغة التي كتب بها انجيل مرقس وتاريخ تدو ينه والاختلاف فيه وني الكنائس2 اه انجيل لوقا هه من كتب لهم انجيل لوقاء ولغته, واختلافهم حوله

يفيف

انجيل يوحنا 4 تاريخ تدو ين هذا الانجيل وسبب تدوينه ‏ 568 هايستنبط من سبب كتابته ‏ 55 هله الاناجيل لم تنزل على عيسى عليه السلام 55 انجيل عيسى 58 أقوال علماء النصرانية في انجيل عيسى ١8‏ انجيل برنابا 10٠‏ هل برنابا من الحواريين الاثني عشر 74 الكلام في صحة تسمية هذا الانجيل.

م ترجيع صدق النسبة في هذا الانجيل لاا قيمة انجيل برنابا من حيث ما اشعمل عليه مخالفة انجيل برنابا ما عليه المسيحيوك.

م رسائل رسلهم م عدد الرسائل وكاتبوها 84 ترجمة يعقوب صاحب الرسالة ترحة يهوذا 46 ترحمة بولس صفات بولس ١‏ -كتب العهد القديم والأناجيل والرسائل كتبت بالهام في اعتقادهم .. + نظرة فاحصية في الكتب

و ما يجب أن يكون في الكتاب الدينى من صفات ليكون حجة تطبيق هذه الشروط على كتب النصارى ‏ مناقشة ادعاء الالهام في سفر الأعمال 4 الرسل غير معروفين وب لوقا صاحب سفر الأعمال لم يكن ملهما ٠‏ دعوى الالهام ليست محل ) أجماع المسيحيين 1٠١‏ دعوى الالهام باطلة ممن يدعينها 1١١١‏ التضبارب بين كتب العهدالجديد 1١8‏ التناقض بينها مبطل لادعاء الالهام و بيان أفكارهم لبعضها ثم اعترافهم بها 8 انقطاع السند في نسبتها لكاتبها موازنة قس بين أحاديث الرشول وكتبهم من حيث الزوايةة . ١١١سابيان‏ ماءفي كلامه من زيفا 5 نظرة في الوحي في الاسلام والوحي في السيحية -.. 1 معنئ الوحى , 0

ليف

_النصرانية كما هى عند النصارى وف كتبهم

1 العقيدة١؟١ ‏ عفيدة التثليث١؟١1‏ التوراة والتشليث ؟١١١_الابن‏ لا يعنى به الولادة البشرية في رَعمهم 4 الثالوث أشخاص متغايرة» وان كان وجودها والتثليث 1١1‏ صلب المسيح فداء عن الخليقة ١»‏ المسيح يدين ومحاسب ١‏ تقديس الصليب ومقامه قِ المسيحية ١١8‏ عبادتهم م١‏ من شعائر المسيحية ١69‏ التعميد والعشاء الر باني ١‏ من تنظيم الاسرة ١4#"‏ منتزلهة شرائع

١15‏ المجامع المسيحية

تاريخها ‏ وأسبابها ‏ وقراراتها 65 كيف وجدت فكرة جمع المجامع ١407‏ _المجامع العامة والمجامع اللخاصة . 4 7 مجمع نيقية : م

و4 سبب انعقاده العام, الاختلاف بينهم في شخص المسيح ١٠6١‏ الاختلاف الخاص الذي انعقد المجمع بعده 1١6٠‏ كلام أريوس ١6١‏ انتشار رأي أريوس وطرق محار بته ؟6١1-‏ تدخل قسطنطين وجمع مجمع نيقيا موقف قسطنطين من المتناظرين 1١6‏ انحيازه لرأي مؤلهي المسيح مع أنهم ليسوا الكثرة م6١‏ العقيدة التي فرضها المجمع ١84‏ قراءاته تؤيد رهبة السلطان54١-‏ النقد اموجه الى المجمع 6 الرغبة والرهبة من السلطان لمما دخل في القرارات 1١66‏ المجمع فرض لنفسه سلطانا كهنوتيا على الناس60١-‏ أمره بتحريق ما يخالفه

لليف

| قسطنطين يتدخل ذلك التدخل وهو لم يتنصر /ا16‎ ٠0 تلقي المسيحيين لقرارات المجمع م6١ مجمع صور يرفض بالاجاع قرار‎ نشاط الموحدين.‎ هايستنبط من هذا‎ 1١64 مجمع نيقية‎

5 المجمع القسطنطيني الأول سنة "4١‏

| سبسب انعقاده ١١9‏ عدد الملجمع والطعن في كونه عاما س.و ‏ بطريرك الاسكندرية هو الذي يقرر ألوهية روح القدس م١‏ قرار المجمع يوافق رأي بطريرك الاسكندرية ١15‏ نظرة فاحصة .

6 مجمع افسس الأول سنة 41١‏

06- سنبيب انعقاده مالل التسطوريوكث ينكرون الوهيه المسيح 5 قرار المجمع والاحتجاج علية 1١59‏ انتشار النسطورية قِ الشرق.

6 مجمع خليكد ونية سنة 481١‏

4 كنيسة الاسكندرية تعلن أن المسيح اله قد اتحد فيه اللاهوت والناسوت وسارا طييعة واحدة ١59‏ طلب انسحاب بطريرك الاسكندرية ورفض الطلب 1١١94‏ الشغب في المجمع ١١‏ قرار المجمع أن المسيح له طبيعتان.7١-‏ الانشقاق ومداه 1١‏ عدم اعتراف غير مذهبهم١لاا‏ ل يعقوب البرادعي ونسبة المذهب المصري اليه 1١9/٠‏ انفصال الكنيسة المصرية نهائيا.

94 المجامع البافية

4 المجامع السابقة تقررالمسيحية الحاضرة المجمع

القسطنطينى الثانى وسيب انتعقاده هاج المارونية وا لمجمع

أغيف

القسطنطينية الثالث 6 مجمع نحريم اتخاذ الصور ‏ لالاذ ‏ انفصال الكنيسة الشرقية عن الغر بية وسببهء ١9/0‏ الكنيسة الغربية أم الكنائس 9 المجامع اللاحقة كلها غير مسكونية الا في نظر الكنيسة الغربية ١8٠١‏ محاولة تقريب بين الكنيستين . الفرق المسيحية 14 الفرق التي ظهرت في عصر التوحيد ١18‏ فرقة أريوس 4- أصحاب بولس الشمشاطى 1١856‏ دخول الوثنية على التوحيد ١46‏ اتباع مرقيون ١40‏ البر برانية 1410ل نحل آخر 188 ضياع التوحيد سبب تحريق الكتب. ٠‏ 7 الفرق القدية فى عهد التثليث

1 فرقة مقدونيوس | ١و١‏ التسطوريوك ١94‏

اليعقوبيوك ١968‏ _ الارونيه. ٠‏ الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية

أساس انقسام الكنيسة الى شرقية وغر بية 4 تقادم الزمن يبوسع الخلااف 8- محاولة إزالة الخلااف انتقاد مسيحى للكنيسة الغربية ٠٠١‏ بطارقة الكنيسة الشرقية 5١١‏ الاسلام يظلل الكنائس الشرقية بالحرية الدينية .

4 الفرقة الحديثة « البروتستانت » أوالاصلاح الديني

4 حالة الكنيسة قبل الاصلاح .

٠64‏ شدلة الكنيسة على الناس والعلماء ٠6‏ فرض سلطانها على الملوك 5٠١5‏ قرارات الحرمان تنال الملوك ١60‏

يفيف

استبيداد الكنيسة بفهم الكتب المقدسة ١08‏ مسألتا الاستحالة

والغفران 04 افراط الكنيسة في استعمال حق الغفران ٠١‏ صورة مسن صك الغفراتك 5١١‏ سلوك رجال الدين الشخصى ؟١5‏ ابتداء الاصلاح 5١*‏ دعوة بعض رجال الدين الى الاصلاح 4١؟ ‏ ابتداء الاصلاح من غير رجال الدين 5١6‏ الدعوة الهادئة 5١١‏ النقد العنيف 5١١5‏ لوثر 5١6‏ ثورة لوثر عل الكنيسة 5١١‏ لوثرلم يرد هدم الكنيسة ١١.‏ زونجلي وأعماله 0 كلفن وآثره ني الاصلاح 576 انشاء كنائس للمصلحين 4 أهم مباديء الاصلاح 6 عدم الرياسة في الدين ه؟؟ ‏ ليس لرجل الدين الغفران 5١‏ عدم الصلاة بلغة غير مفهومة 507 رأيهم في العشاء الرباني 5١8‏ انكار الرهبنة 4- عدم اتخاذ الصور والتماثيل 68 _المسيحيون لم يسيروا في منطقهم الى أقصى مداه .

. عقول مسيحية تنكر ألوهية المسيح‎ ٠

١م48‏ خاتمة.

«م؟ ‏ ما يشمل عليه الكتاب .

كيف

3

افتتاحية الطبعة الرابعة افتتاحية الطبعة الثالثة افتتاحية الطبعة الثانية افتتاحية الطبعة الألى ل تمهيد 0 لمسيحية 5] جاء بها المسيح عليه السلام ل المسيحية بعد المسيح

امجامع المسيحية -١‏ مجمع نيقيه سنة من ل

1- المجمع القسطنطيني الأول سنة */.١‏ ل *- مجمع افسس الأول سنة 6١‏ ال 4- مجمع خليكدونية سنة 40١‏

ابجامع الباقية 00 الفرق المسيحية 0 الفرق القديمة في عهد التثليث 0 الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية أساس انقسام الكنيسة إلى شرقية وغربية 0

الصفحة

6 ضفن 44 م ٠١٠‏

١45 ال‎ كلا‎ ولحل‎ ١54 ١/4 كما‎

ل

لاوا للك

ضف