الإمام محمد أبو زهرة

التكافل الإجتماخن فى الإسلام

ملتزم الطبع والنشر

داو الفكر العربى

الإدارة : ١١‏ شارع جواد حسئي ص 1١.‏ القاهرة -ت: رف اضة

6 محمد بن أحمد أب زهرة , 1444 - 191/4 . م تاك : التكافل الاجتماعى فى الإسلام / محمد أبى زهرة . - ط ؛ جديدة . - القاهرة : دان الفكر العربى .,3955١‏ 2 .

41اض ؛ 4" سم .

يشتمل على إرجاعات ببليوجرافية .

١‏ - الإسلام والمجتمع . ؟ - الإسلام - حركات الإحياء والإصلاح والتجديد ٠١‏ - العنوان .

مسرت درسم ١‏ المؤتة الشعودية بمشسر مطبعة المحدف 14 شايع الباسية + الذاهرة ات ااام

لي 0 يا بكرم الا ب 10 5 .4 رسك لك الحمد على ما هديت وأنعمت, لك الثناء كله وعلى نبيك محمد أفضل الصلاة وأتم السلام, ولصحابته وآله الذكر المحمود؛ وعليهم الرضوان. أما بعد: فإن معهد الدراسات الإسلامية قد قرر أن يكتب عن التكافل الاجتماعى فى الإسلام وأن يدرس فيه.

وقد عهد إلى أن أكتب فى هذا الموضوع وأن أدرسه فاتجهت إلى الله ضارعا أن يمن على بتوفيقه, فإنه لولا توفيقه وهدايته ما استطعنا عملا صالحا .

وقد رأيت أن أكتب فى الموضوعات الآتية» وهى تصور بناء ذلك المجتمع الإسلامى:

-١‏ المجمتع الفاضل فى الإسلام وفيه بيان الفردية والجماعية وحكم الإسلام, كما أن فيه الحرية الفردية وحق المجتمع وما يتصل بذلك.

؟- الملكية وحدودها- ملكية الأراضى - ملكية المعادن,

"- العمل وتمكين القوى والموا هب من أن تعمل فى طاقاتها .

والكقارات: وعن تنفقة الأقارب: وعن الوقف الخيرى.

وأنه إذا ت لنا يعونه تعالى الكتاية : هذه الأبوان تكون قد وضعئا صورة جد 1# نم كنا ان به فى بق ب فى الإسلام؛ ونرجوها واضحة مشرقة؛ وائن تم ذلك فبفضل الله وتوفيقه؛ فهو ولى التوفيق,

محمد أبو زهرة

تهريف بالشيخ الإمام محمد أبو زهرة

. الإمام محمد أب زهرة غنى عن التعريفء إذ لا يختلف اثنان على أنه كان إمام عصره بلا منازع:؛ ولكن من حقه عليناء ومن حق قارئه» أن نسطر عنه كلمات ولق فى أسطر قليلة تشير إلى نشأة ذلك الإمام, والجى الذى ولد وعاش فيه والمواقف الشجاعة فى الإصلاح الاجتماعى والإسلامى: ول أدى الأمر إلى الوقوف ضد اتجاهات السلطان.

71هءفى التاسع والعشرين من شهر مارس عام 1494١م.‏ فى المطة الكبرى إحدى مدن محافظة الغربية.

وأسرة أبى زهرة يتتهى نسبها إلى الأشرافء ولكنها لا تدعى ذلك كما يفعل الكثيرون, ممن يرفعون بذلك النسب خسيستهم؛ وإن كانوا فى واقع حالهم لا ينستحقون الرفعة,

- بدا الشيخ حياته التعليمية فى الكتاب. شأن كل أزهرى فى ذلك الوقتء ثم المدرسة الأولية حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة, ثم انصرف إلى المدارس الراقية» وبها أتم حفظ القرآن الكريم» وتعلم مبادئ العلوم المدنية كالرياضة والجغفرافياء بالإضافة إلى العلوم العربية» وفى سنة 1111م التحق بالجامع الأحمدى بطنطا حيث ظهر نبوغه وتفوقه على أقرانه مما أثار إِعْجِابٍ المحيطين به من زملاء ومريين. وقى عام 1911م دخل الإمام محمد أبى زهرة مدرسة القضاء الشرعى بعد أن اجتاز امتحان مسابقة كان أول المتقدمين فيه, ورغم فارق السن؛ وعدد سئوات الدراسة بيئه وبينهم.

- وقد تنقل رحمه الله فى عدة مناصب بين كلية أصول الدين: وكلية الحقوق» وتدرج بالأزهر فى فبراير عام 1517؛ وهى المجمع الذى يعتبر بديلا لما كان يسمى فى الماضى هيئة كبار العلماء. ظ

بتحدث عن نفسه: يقول:

- اختلطت حياتى بالحلووالمر» وابتدأت حياتى العلمية بدخول المكتب لحفظ القرآن الكريم» وإذا كان النيات قيل أن يستغلظ سوقه يعيش على الحب المتراكب, وقد يرى بالمجهر سورة النبات فى ذلك الحبء فكذلك ينشا الناشئ مثاء وفى حبته الأولى فى الصبا' تكمن كل خصائصه فى الكبرء وكنت أشعر وأنا فى المكتب بأمرين ظهرا فى حياتى فيما بعد.

الأمر الأول : اعتزازى يفكرى ونفسيء حتى كان يقال عنى أنى طفل عنيد.

والأمر الثانى : أن نفسى كانت تضيق من السيطرة بغير حق.

وبسبب هذين الأمرين كانت حياة الشيخ أب زهرة سلسلة من المواقف الشجاعة, يناضل فى سييل الحق ضد الباطلء ولم يرحل عن دنيانا إلا وقد ترك ثرؤة” من الفلوم الشرعية الإسلامية التى تحيط بكثير من الموضوعات من كل جوانبها. فهو الكنز الذى لاينفدء والنبع الذى لا يزال يتهل منه الظامئون, ولا يضيق بكثرة الناهلين,

رحمه الله رحمة واسعة: وجزاه خير ما يجزى عال ما عاملا لم يرد إلا العزة والرفعة

للإسلاموالمسلمين,

الناشر

محمد محمود الخصرى

١

التكافل الاجتماعى فى الإسلام

-١‏ يقصد بالتكافل الاجتماعئ فى معنا اللفظى أن يكون آحاد الشعب فى كفالة جماعتهم؛ وأن يكون كل قادر أو ذى سلطان كفيلا فى مجتمغه يمده بالخير: وأن تكون كل القوى الإنسانية فى المجتمع متلاقية فى المحافظة على مضالح الآحادء ودفع الأضرار, ثم فى المحافظة على دقع الأضرار عن البناء الاجتماعى وإقامته على أسس سليمة؛ ولعل أبلغ تعبير جامع لمعنى التكافل الاجتماعى قوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»؛ وقوله عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»,

والتكاقل الاجتماعى فى مغزاه ومؤداه أن يحس كل واحد فى المجتمع بأن عليه واجبات لهذا المجتمع يجب عليه أداؤهاء وأنه إن تقاصر فى أدائهاء فقد يؤدى ذلك إلى انهيار البناء عليه وعلى غيره, وأن للفزد حقوقا فى هذا المجتمع يجب على القوامين عليه أن يعطوا كل ذى حق حقه من غير تقصير ولا إهمال؛ وأن يدفع الضزر عن الضعفاءء ويسند خلل العاجزين: وأنه إن لم يكن ذلك تآكلت لبنات البناءء ولا بد أن يخر منهارا بعد حين.

وأن التكافل الاجتماعى يوجب على القوامين توزيع الأعمال بمقدار المواهب والقوى وتعرف قوة كل ذى:قوة, ومواهب ذوى المواهب: ليعمل الجميع فى اتساقء ويقوم المجتمع على ميزان ثابت ينين به عمل العاملين من غير إهمال لقوة عاملة ولا إغفال لمقدرة خاملة,

وإن التكافل الاجتماعى يوجب أن يكون الناس جميعا متساوين فى أصل الحقوق والواجبات» ويوجب أن تكون نتائج الأعمال بمقدارهاء فذى الكفاية الممتازة له من الثمرات بمقدار كفايته, وذى الكفاية المحدودة يكون له بمقدارها من غير تجاوز للحد ولا شطط, ‏ -

وإن التكافل الاجتماعى يوجب سد حاجة المحتاجين ممن لا يستطيعون القيام بعمل, يسد عجز العاجزين» ويهيئ العمل للقادرين» ويربى النشء تربية تظهر القوى والمواهب, فالذين يخرجون إلى الحياة وقد فقدوا الآباء الذين يعولونهم ويرعونهم, فإن التكافل يوجب تعهدهم ليكونوا لبنات قوية فى بناء الجماعة. وإن الذين يعجزون بعد القدرة من العاملي.- على المجتمع أن يسهل لهم الحياة: وفاء ما قدموا من لخدمات.

. وإن التكافل الاجتماعى يوجب العمل على سلامة كل قوى الآحاد لتسير فى قافلة

المجتمع العاملة,

المجتمع الإسلامى تكوين رأى عام فاضل

؟- الإسلام جاء لإيجاد مجتمع فاضل تتعاون فيه كل القوى بحيث لا يطفى فريق على فريق؛ وأول مظهر للمجتمع الفاضل فى الإسلام: هو وجود رأي عام فاضل يتغاون على الخير ودفع الشن. فإن المجتمع فى مظهره العام يكون بيئة صالحة لآن تترعوع فى ظلها الفضيلة وتختفى من نورها الرذيلة,

وإن الرأى العام له رقابة نفسية تجعل كل شرين ينطوى على نفسه. فلا يظهر» وكل خيّر يجد الشجاعة فى إعلان خيره فيظهره؛ وإنه لا يهذب الآحاد إلا الرئى العام الفاضل, ولا يفسد الجماعة إلا الى العام الفاسيد الذى يتقاعد عن نصرة الفضيلة: ويترك الرذائل رافعة رأسها.

ولأجل تكوين رأى عام فاضل حث الإسلام ملي الأمن بالمعروف والتهى عن المذكر, فأوجب الإرشاد العام ليمتنع الضال عن شروره؛ ويسير الخير فى طريقه؛ وذلك بإرشاد الفضلاء فتكون الجماعة فى فضيلة ظاهرة تتعاون على الخير ولا تتعاون على شر قط.

وإن القرآن جعل الوصبف الخاص الذى تعلى به الشريعة الإسلامية هى الأمر بالمعروف والنهى عن المتكر. فالجماعة الإسلامية فى القرآن تعد خير أمة أخرجت للناس إذا تمسكت بهذا المبدأ الذى يكون مجتمعا فاضلا وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكرء ويذهب عنها الشرء بل ينحل مجتمعها إذا تخلت عن هذا الواجب المقدس7, ا

وإن الجماعة كلها تكون آثمة إذا رأت الشس يسيس رافعا رأسه وتسكت عنه؛ وإن الجماعة تكون شريرة إذا كان الشر يسير فى طريقه ولا يوجد من يذكره, لأن الشر الذى يظهر على السطع هى الذى يغرى الناس به ويدعى إليه. وإن الأمة كلها تعتبر مشتركة مع الآشين إذا رأت الآثم ولم تعمل على منعه, ولقد ذم القرأن الكريم بنى إسرائيلء الأنهم أفسدوا مجتمعهم بترك الأثمين يرتعون فى إثمهم من غير أن ينهوهم”. )١(‏ ورد النص بذلك فى قوله تعالى « «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله». (سورة آل عمران الآية: )١١١‏ (1) من ذلك قوله تعالى: : «لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك يما عصوا وكانوا يعتدون » كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه؛ لبئس ما كانوا يفعلون» (سورة المائدة الآية //!: ) فاعتيروا جميعا عصاة لأنهم لم ينهوا العصاة. له 1

- وإن الآثمين إذا تركوا من غير رادع من رأى عام قوام مهذب هدمو يناء المجتمع, وإذا لم يخذ الفضبلاء على أيديهم سقطوا جميعا فى الرذيلة ووراء هذه الهاوية ولا تقوم من بعدها للأمة قائمة إلا إذا غيرت حالهاء فيغير الله تعالى ما بها وإن الله لاايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, ٠‏

. ولقد قال النبى عله فى هذا المعنى: «مثل المدهن فى حدود الله (أى الذى لا يقيم الحق ويخفض الباطل ملقا أى تهاونا أو مجاملة) مثل قوم استهموا فى سفينة؛. فصار بعضهم فى أسفلها ويعضهم فى أعلاهاء فكان الذى فى أسفلها يمر بالماء على الذى فى أعلاها. فتأذوا به. فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه؛ فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم ولا بد لى من الماء؛ فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا بأتفسهم. وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم», |

وإن هذا المثل النبوى الذنى ضربه محمد لَللّهُ يصور التعاون فى إيجاد مجتمع فاضلء والتكافل الاجتماعى فى محاربة الآفات الفكرية والخلقية والاجتماعية. ويبين أن الرشيد عليه أن يهدى الضالء »وأ العالم عليه أن يعلم الجاهل, ؛ ولقد قال على بن أبى طالب رضى الله عنه: دلا يسال الجهلاء ملم يتعلموا حتى يسال العلما ءلمَّلَمْ يعلموا».

وإن ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المذكر لا يؤدى إلى إفساد الجماعة فقط بل يؤدى إلى تفرقها وتنابذها. ولقد قال فى ذلك النبى عله «لتأمرن بالمعروف وإتنهون عن المذكر واتأخذن على يدى الظالم» ولتأطرنه على الحق أطراء أو ليضرين الله بقلوب بعضكم على بعض» (أى تتفرق القلوب ويذلك ينخل البنا » الاجتماعى) ثم تدعون فلا يستجاب لكم.

4- وإن ن الاسلام فى سبيل إيجاد مجتمع فاضل تختفى فيه الرذيلة ولا يظهر فيه إلا ما هى فاضل قد حث على أمرين:

أولهما- الحياء: إن هى أساس اللياقة فى المجتمعات: إذ الحياء يحمل المرء على ألا يظهر منه ما ينفر مثه الذوق السليم ولقد قال النبى عَلله: «لكل دين خلق» وخلق الإسلام الحياء». وقال عليه الصلاة والسلام: «الحياء خير كله» كما قال: «إذا لم تستع فاصنع ما شئت». أى أن الخياء قيد اجتماعى نفسى إذا فك انطلقت الفرائز الإنسانية معلنة شرهاء لا يستتر فيها ما ينبغى استتاره وإنه إذا ساد الحياء وانضبطت النفوس بضوابط من اللياقة

8

الاجتماعية كان التالف بين الآحاد وعدم التنافر» فيكون الشخص ممن يألف ويؤلف وإن هذه صفة المؤمن؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «المؤمن مألفء فلا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» ولا يقوم البناء الاجتماعى إلا إذا كانت كل لبناته متالفة, يتماسك يعضها فى بعض.

الأمر الثانى- الذى حرص عليه الإسلام: هو أن يكون المجتمع لا يظهر فيه إلا القضائل. وتستتر الجرائم» فلا تكشف أستار الجرائم أمام الناس؛ وقد تكون العقوية علنية, ولكن الجريمة يجب ألا يعلم أمرها إلا مع عقوبتهاء لأن إغلانها يفسد الجى للمجتمع ويجعل الشر ظاهراء وظهوره يغرى باتباعه. ويشيع القساد,ء إن الرذيلة إذا أعلنت اتيعت: وكل نفس تميل إليهاء وتجد ما ينمى ذلك الميل» ولذلك اعتبر الإسلام من ارتكب جريمة ويعلنها قد ارتكب جريمتين: جريمة الارتكاب وجريمة الإعلان؛ ومن أعلن جريمة غيرهء فقد شاركه فى إثم ما ارتكب بمقدار ما أعلن.

ولقد صاح محمد بهذه الحقيقة فقال فيما رواه الشافعى فى مسنده: «أيها الناس من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فاستتر فهو فى ستر الله تعالى, ومن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد» فالعقوبات الشديدة الفليظة فى الإسلام تكاد تكون لإاعلان لا لاصل الارتكاب. ٠‏

ولقد قال النبى مله «إن من أبعد الناس عن الله منازل يوم القيامة المجاهرين, قيل: ومن هم يارسول الله؟ قال: الذى يعمل عملا بالليل قد ستره الله تعالى عليه. فيصبح يقول فعلت كذا وكذاء يكشف ستر الله».. 0 |

ه- وهكذا نرى أن واجب المزمنين أن يتضاقروا فى إيجاد مجتمع فاضلء ولا يسكت موّمن منهم عن الدعوة إلى الحقء» بل إن التكافل الاجتماعى الخلقى يوجب عليه أن يسهم فى بناء المجتمع الفاضلء فيمئع شره؛ ويدفعه إلى الخيرء ولقد نهى النبى مله المؤمن من أن يقف على الحياد فى معركة الخير والشرء بل عليه أن يكون عنصرا إيجابيا عاملا. فقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا يكن أحدكم إمعة. فيقول: إن أحسن الناس أحسئنت فإن أساءوا أسأت: بل وطنوا وا أتفسكم إن أحسن الثاس تحسنو) وإن أساءوا تتجنبوا الإساءة», لايظهر فيه إلا الخير: .

٠٠

الفردية والإجتماعية فى الإسلام 1- فى العالم الآن نظامان بارزان والناس من بعد ذلك يتقاريون إلى أحدهما أى

. أول هذين النظامين يتجه إلى ملاحظة الفردية وإعطا ء الحرية ة لاتحاد. ليواجهوا نشاطهم أفرادا وجماعات فى حرية منطلقة فى حدود المجتمع؛ وتتلاقى قواهم جميعا فى خدمة أنفسهم وغيرهم من غير اعتداء» ومن وراء هذا تكون قوة المجتمع» فالنظر فى المجتمع إلى تقوية آحاده؛ على أن.يقوم كل فرد للدولة بما لها من حقوقء والإنتاج فى هذا النوع من النظام للآحاد منفردين أو مجتمعين فى شركات استغلالية, ولا تتدخل الدولة فى إنتاج: ولا تتولى عملا من الأعمال التى يمكن أن يقوم بها الأفراد» أى تقوم بها شركات مكونة من هذه الأفراد» بل إنها تنظم العلاقات بينها وتنسق بِين أعمالها من غير تدخل فى شئونها إلا بالقدر الذى يحقق لها ما تفرضه عليها من التزامات.

وإنه فى ظل هذا النظام يكون التعليم حراء بل إنه فى بعض هذه الدول تتولى الذراسات العليا جماعات من الأمة. وتتولى معاونة الضعفاء جماعات أيضا من الآحاد ويتبعون فى ذلك الإرشادات الخلقية والدينية والاجتماعية.

ونرئ أن ظاهر هذا النظام هى حرية فى الإنتاج والعمل: وكل ما يتعلق بالتكافل لبناء المجتمع» وعلى الدولة التنسيق بين القوى المختلفة وجعلها متالفة غير متعارضة وحماية عملها وإنتاجها بكل الأسباب القائونية,

والنظام الثانى يقوم على رعاية المجتمع أولا وبالذات» وأن الأفراد يرغمون فى بناء المجتمع» فلا حرية لهم إلا ما يعطيها المجتمع إياهم: فهى بالنسبة للمجتمع كالأجزاء الداخلة فى بناء الجسم الإنسانى» ليس لواحد منها قوة بذاته إلا فى داخل نشاط الهيئة الإنسانية المكونة لبناء الإنسانء: فليس للفرد نشاط ينفرد به عن الجماعة: إنما إنتاجه أولا ويالذات للجماعة» والتكافل الاجتماعى بمعناه العام يجب أن يكون للجماعة؛ فإن المجتمع هو الوحدة التى تمد قواه بكل ينابيع الحياة» وأن كل فرد لا يعد فى الجماعة إلا إذا تم التلاصق بيته وبين غيره فى البناء الإنسانى الكاملء وبذلك تكون الذولة هى العنصر الذى يتدخل فى كل أجزاء البناء» فليست فقط منظمة, ولكنها مشتركة مستولية على كل الجهود. فهى تتولى إدارة دولاب الإنتاج فى كل نواحيه. وليس للآحاد حق إلا بمقدار ما تعطيهم؛ وهى تلاحظ فى ١‏

عطائها التساوى الذى يتكافا مع إنتاج كل قرد على أن ما يفضل عن حاجاته لا يورث عنه, فإذا تباينت الجهودء فلكل امرئ بمقدار ما كسب, ويمقدار جهدهء ولكن لايئول جهد إنسان بالوراثة إلى إنسان قريب أو بعيد, وقد كانت نتائج الجهود لا تدخر فى هذا المجتمع ولكن أجيز ادخارها على ألا تنتقل بالإرث على أى ضرب من ضروبه إجباريا أو اختيارياء وأخيرا قيل إنه يباح أن تنتقل الأموال التى لا تفل وتكون من الحاجات الأصلية كالمنزل الذى يسكنه وما فيه من أثاث وذلك فى السنوات الأخيرة.

- ذانكم هما النظامان القائمان فى عصرتا الحاضرء وتتقارب منهما يعض الدول وتتباعد عدء حتى أنه لا يكاد يوجد النظام الفردى إلا فى بعض قليل من الدول التى تسمى رأسمالية وأن بعض هذه الدول التى تسمى بهذه التسمية تأخذ بكثير من النظام غير الفردى بقدر قليل أو كثيرء فإنجلترا تأخذ كثيرا من النظام الثانى فى تدرج واضح من غير أن 95 خذه طفرة.

وإن المقياس الضابط الذى يفرق بين النظامين هى تأميم وسائل الإنتاج فيمقدار تأميم هذه الوسائل يكون القرب أو البعد من هذين النظامين, ونجد بلادا تسبمى نفسها رأسمالية تو تؤمم كثيرا من وسائل الإنتاج فيهاء وأخرى تؤمم قليلاء أما الدول التى حاريت الفردية فهى بالتالى حاريت رأس المال وأممت جميع وسائل الإنتاج من غير إهمال لجهود الأقراد فى هذه الدائرة الضيقة,

'.. 4- .يعد هذه الكلمات الموجزة فى الفردية والاجتماعية ننظر فى الإسلام لنتعرف إلى

أى الاتجاهين يميلء وإننا عندما ننظر فئ مصادره وموارده نظرة فاحصة عميقة ننتهى إلى أنه لا يأخذ بأى النظامين جملة وتفصيلاء فهى لا يمح حرية الإنتاج الفردى؛ ولا يمكن تلك الحرية من كل * شئء فهو أعطى الأفراد حقوقا تجعل لهم حرية الإنتاج ولكنه قيد هذه الحقوق بألا يكون ثمة ضرر بالمجموع. فما من حق فى الإسلام إلا وهى مقيد بعدم الإضرار بغيره؛ والحرية الشخصية بكل ضرويها حق ممنوح ولكنها مقيدة يعدم الإضرارء فإذا كان الضرر أو توقع الضرر قيد الحق تقييد تقييدا قضائياء ومنع صاحبه من استعماله إلا فى الحدود القانونية أو سلب ذلك الحق,

١

وإن الإسلام لم يسلك سبيل التقييد القانونى فقط أو القضائى فقط كما يعبر فقهاء المسلمين, بل إنه قيد الأمر بقيود دينية أى أن العبد. مسئول أمام الله تعالى إذا استخدم الحقوق التى منحه الله تعالى إياها استخداما يؤدى إلى الإضرار بغيره, فوق أن لولئ الأمر العادل أن يتدخل قانونا فى كل ما يرى فيه ضررا يمس الجمهور, |

وإننا فى هذا المقام نتكلم فى الرقابة الدينية التى تربى فى المؤمن روح الائتلاف مع غيره من غير ضياع لشخصه, أ إيذاء لغيره. ونتكلم فى الحقوق الفردية إجمالا وقيودهاء وبذلك يتمبز النظام الإسلامي فى التكافل الاجتماعى.

التهذيب الدينى الاجتماعى

4- إن الشريعة الإسلامية تتجه فى كل أحكامها إلى تحقيق الأهداف:التى تؤدئ إلى تكافل اجتماعى سليم قائم على الائتلاف والتهذيب الديني والعدالة التى لا تكون فيها قوة تتغلب على الأخرى.

وإننا نبتدئ بالعبادات التى هى فى ظاهرها علاقة العبد بربه, ولكن هى فى معناها تربية الضمير الاجتماعى الذى يجعل الآحاد مندمجين فى الجماعات التى يعيشون فيها بقوة روحية تحكم ميولهم وإرادتهم وتوجه عقولهم فب تحقرٌ فيتحقق التكافل الاجتماعى نفسيا قيل أن تتدخل القوانين التى لها مبررها من الإسلام.

وإن التكافل الاجتماعى المنبعث من النفس ابتداء أجدى على المجتمع من تكافل بقوة القانون من غير اعتماد على الإيمان والضمير الدينيء لأن ما يبنى غلى القانون قد يوجد فى النفس ما يبرن مخالفته؛ أما ما يعتمد على الضمير الدينى أولاء ثم علئ القانون ثانيا فإن المؤمن يطيعه على أنه أمر من الله الذى يعلم السر وأخفىء والذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدورء وإن ذلك لا يسوغ له الهروب من الأحكام المقررة بحكم قانونى.

-٠‏ وبعد هذا تقرر أن العبادات فى الإسلام شرعت لتهذيب النفوس وتربية دوح المساواة وروح الاجتماع الذى لا اعتداء فيه؛ وإذا كانت العبادات لا تحقق تلك الأهداف التهذيبية فهى ليست عبادة خالصة يقبلها الله تعالى ويثيب عليها .

١١

ولنضرب لذلك مثلا بالصلاة التى هى أوضح العبادات؛ هى عمود الإسلام كما هى عمود كل دين: فقد وضحها القرآن وبين غايتها بأنها تمنع الجرائم الاجتماعية وتمنع كل منكر لا تعرفه العقول السليمة؛ بل تستتكره, وأنها يجب أن تؤدى هذه الفاية. فإن لم تؤد إليها فصاحيها مذموم وصلاته مصصدر عقاب له, لأنها صلاة هو ساه عن معتاها وعن غايتها(١),‏ والصوم هى طهارة روحية وسمى نقسى من شأته أن يجعل النفس تتطامن للضعيف, وهو يربى قى النفس الرغبة فى إعطاء الضعفاءء وإن ما يشتمل عليه الصوم من طهارة نفسية يجعل النفس تأتلف مع غيرهاء إذ تعلى عن أرجاس الأرضء فينظر المؤمن إلى عباد الله من الجانب الذى يجعله متآلفا متكاملا مع الجماعة فى شدتها ورخائها. والحج تعارف اجتماعى عام يجعل المؤمنين يتعارفون ويتكافلون حيثما كانت أماكنهم» ومهما تتباعد أقطارهم؛ فهى ليس توجيها للتكافل الاجتماعى فى داخل الإقليم الواحد فقط؛ ولكنه توجيه لهذا التكافل فى عموم الأقطار الإسلامية, ْ والزكاة تعاون اجتماعى يجعل للفقير حقا معلوما فى أموال الغنى فهى تكليف اجتماعى خالص ومصرفها خالص ونظامها فى الجمع والتوزيع يشمل أكثر أيواب التكافل الاجتماعى وولى الأمر هو الذى يجمعها وهى الذى يوزعها على مصارفها. وقد قال النبى ع : «خذها من أغتيائهم وردها على فقرائهم». ' ولقد جعل الإسلام كفارات الذتوب تعاونا اجتماعياء قمن أفطر فى رمضان عليه عتق رقبة أو صيام ستين يوماء أى |طعام ستين مسكيناء ومن حلف وحنث فى يمينه كان عليه عتق رقبة أى إطعام عشرة مساكين أى كسوتهم. وهكذا نجد كفارات الذنوب تكافلا اجتماعياء وكأن الذنب الذى يرتكب والتقصير فى عبادة اعتداء اجتماعى؛ فلا يكفر الاعتداء الاجتماعى إلا تعاون اجتماعى يسد النقص ويزيل الخللء ولقد اعتبر النبى عله كل إعطاء للفقير مكفرا للسيئات فقال عليه الصلاة والسلام: «الصدقة تطفئ المعحصية كما يطفئ الماء النار» إذ كل معصية مهما كبرت أو صغرت: ظهرت أو خفيت تعد اعتداء اجتماعيا فلا يزول أثرها إلا بتعويض للمجتمع. )١(‏ وردت نصوص قرآئية تبين مقاصد الإسلام من الصلاة, وعدم قبولها إذا لم تتحقق مقاصدهاء فقال تعالى: ذاتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمتكر ولذكر الله أكير». (العنكبوت: ه؛) وقال تعالى: : «فويل للمصلين » الذين هم عن صصلاتهم ساهون » الذين هم يراءون + ويمنعون الماعون» (الماعون: 5 - 7),

١

فالكذب والتميمة والغيبة وغيرها من الآفات الاجتماعية التى قد تحدث من الأشخاص لتكفيرها أن يتوب صاحبها ويقع عنها. أن يدم للمجتمع معو يقدر ما قدم من أذى على

قدر طاقته.

-١‏ ثم هكذا نجد كل العبادات الإسلامية تتجه إلى تهذيب ضمير المؤمن ليكون متكافلا مع المجتمع الفاضل فى غايته الفاضلة» وإن وصايا النبى عله تتجه إلى تطهير قلب المؤمن ليكون نور الإخلاص مضيئا له فى سبيل النفع الاجتماعى؛ فالنبى مَللهُ يدعو إلى تطهير القلوب ليكون التالف الاجتماعى؛ فهى يقول: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ويقول عليه الصلاة والسلام «الإثم ما حاك فى الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس» فاستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك» ويقول عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». ١‏

وتجد الوصايا الدينية تتجه كلها إلى إصلاح القلوب؛ وإذا صلحت القلوب واستقامت فإنها تحسن مقاصدها الاجتماعية ولا حياة لتكافل اجتماعى لا يقوم على أساس من العلاقات الروحية القلبية, لأن المجتمعات لابد أن يقوم تكافلها وترابطها على معان روحية لا على مجرد علاقات مادية. ظ إن الاسلام ككل دين من الأديان: يريد أولا ويالذات مجتمعا دينيا معنويا ولا يريد مجتمعا يقوم كل تكافل اجتماعى فيه على المادة وحدهاء ذلك لأن المجتمع ترايط أحياء لهم خواص روحية؛ تكون هى الحبال النورانية التى تربط أجزاءه. وتوثق أركانه؛ فإن ما يبنى على الارتباط المادى سهل الانهيار» وما يبنى على العلائق الروحية لا يسهل انهياره؛ وإنه لا يحفظ الجماعة إلا الضمائر الدينية القوية التى تجعل كل فرد يؤثر أخاه على نقسه بالعطاء, وإذا قامت الجماعة على هذا النحو من الترابط الروحى لا تحقد تحقد طائفة على أخرى ولا تكون المنازعات ولا تنظر كل طائفة إلى أخرى نظرة من تريد اغتصابها أى تخشى اغتصابها.

وإن الخسمائر الدينية تجعل الترايط لا يكون به بقوة القهر والسلطان كما نرى فى سلطان نظام مادى لا أثر فيه للمعنويات. لقد وجدنا النظم التى نة تقوم على ضغط الآحاد فى

1

بناء واححد من غير نظر إلى الإرادات الخرة والضمائر الحية يكفى لزوالها وزوال من قام بالضغط وإيجاد البناء كما رأينا فى النظم الدكتاتورية الفاشية, '

إن التكافل فى الإسلام أولى دعائمه القلوب وما يبنى على القلوب يكون له البقاء.

يحد بها الفردية» فلا يجعلها متطلقة.

الحرية الغردية

1 - قلنا إن الإسلام جعل أساس التكافل الاجتماعى مراعاة كل مؤمن لحق غيره مراعاة تامة؛ وهذبت العبادات النفوس المؤمنة, ليتقدموا بقلوبهم طيبة مخلصة لكل نفع لأنفسهم ولجماعتهم. :ون الجتمع لايدمع الشرد ويمحو إرادته واكنه يجعل إراتهللخير الجماعى بقوة التدين والضمير. فإن لم يكن فق فقوة السلطان وحماية الجماعة من أضرار الفردية؛ ولذلك كانت حقوق الآحاد قد متم بق ألجمات قن لم فيد ال ب الدين قيد بحكم السلطان: وكان لولى الأمر أن يسن من النظم ما يكفل الرعاية الاجتماعية السليمة؛ فيقوموا بحق المجتمع مجبرين ما داموا لم يقوموا به مختارين بحكم الدين. وإنه لهذا كفل الإسلام الحرية القردية للآحاد على آلا يتجادنه! فى حريتهم الح لمعقول, لأن كل حق كما قلنا مقيد بعدم الإضرا ر بالغير. ا

والخرية فى النسام ل تتصور إل مقيدة. لان الرية ليست انطلاا من القية بل هى معنى لا يتحقق فى الوجوا إلا مقيدا ؛ فالحر حقا هو الشخص الذى تتجلى فيه المعانى الإنسانية العالية الذى يضبط نفسه ويتجه بها إلى معالى الأمور, ولا تنطلق أهوازه ولا يكون عبدا لشهوته, يل يكون سيدا لنفسه- وإن هذه السيادة التى يتسم بها الحر هى العنصر الأول فى تكوين معنى الحرية فى نفسه وهو القوى حقاء ولذلك قال محمد َله: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب؟ لأنه عند الغضب يسيطر الهوى, فإذا ملك نفسه فى هذه الحال فهن القوى حقاء ؤهى الخر حقاء لأنه حرر نفسه من ربقة

3

وإذا كان الحر هى الذى يضبط نفسه ولا يذل ويأئف من أن يهضم حقه فهو لا يعتدىء فالحر لا يمكن أن يكون معتدياء لأنه يسيطر على أهوائه, ولأنه يعطى لغيره ما يعطيه لنفسه. ولأنه يحس بال معانى الإنسانية التى يجب أن يلتزمها لغيره؛ ولذلك يتحقق الأمر المحمدى الصريع المنظم: «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به» «وأحب لأخيك ما تحب لنفسك»,

-١‏ إن الحرية الحقة لا تتصور انطلاقا من القيود والضوايط؛ لأن الانطلاق من جانب تقييد فى جانب آخرء فإذا انطلق بعض الكتاب يقوضون من كرامة من يخالفون آراءعهم من غير أن يجادلوهم بالتى هى أحسن فإن مؤدى ذلك أن يحجم ذو الكرامة التى يريد أن يصونها من لغو القول فلا يبدى رأيه: وبذلك يكون الانطلاق الظالم مقيدا للحرية العادلة. ش

وإن الحرية معنى اجتماعى لا يتصور وجوده إلا فى مجتمع متكافل يأخذ الآحاد منه ويعطونء وإذا كانت كذلك قلايد أن تكون فى حدود يرسمها المجتمع الفاضل من غير إرهاق نفسىء وإن الذين يفهمون الحرية انطلاقا هم عبيد الأهواء الذين لا يراعون حق المجتمع» ولا

ويجب أن يلاحظ أن القيود الضابطة للحرية هى فى أصلها قيود نفسية وليست قيودا خارجية ابتداء.

وهى 533 . من قيقتين:

إحداهما: السيطرة على التفس والخضوع لحكم العقل لا الخضوع لحكم الهوى: كما أشرنا من قيل. ٠ ٠‏

والثانية: الإحساس الدقيق بحق الناس عليه وإلا كانت الأنانية, والحرية والأنانية نقيضان لا يجتمعان: ومن الإحساس بحق الغير ينبعث نور الحياءء, وهى خير كله كما أشرنا فضل على الآخرين إلا يعمل الخير؛ إنما هى وهم على سواء فلا يطغى غنى على فقير ولا قادر على عاجنء ولا ذى جاه على خاملء فإن كان شئ من ذلك فإن فاعله ليس حرا .

١/

-١4‏ ولا شك أن الناس ليسوا سواء فى مراعاة حرية الغير؛ فمن الناس من يراعون حقوق غيرهم ومنهم من لا يراعيهاء أى بعبارة أدق من الناس من هم أحرارء ومنهم من ليسوا أحرارا وإن تداعوا بينهم باسم الحرية. لذلك كان لابد أن تقيد حرية بعض الئاس بقيود خارجة عن النفس بحكم القانون الذى يضعه ولى أمر المسلمين؛ وإن التعبير الصادق فى معناه أن نقول إن هذه حماية للحرية وليست قيودا فيها إنما هى قيود للذين انطلقوا غير مراعين حقها.

ولذلك تكون القيود حيث يضعف ال معنى النفسي فى نفوس الناس. فإذا كان الكاتب أى الشاعر لا يلاحظ حق الفير فى التمتع بحرية رأيه؛ بل يعتدى عليه بالتشنيع أو السخرية والتعرض لكرامته وسمعته؛ فإن القانون لابد أن يقيد قول ذلك المعتدى وهى قيد مستمد من الحرية. استوجبته حمايتهاء وعلى ذلك يكون تقييد أولئك المنقلتين الذين لا يراعون حق المجتمع هى من حماية الحرية والباعث عليه هى حق الغير فى أن يتمتع بحريته الحق,

وإذا استخدم المالك ما يملك فى إيذاء الناس اعتمادا على حريته فإنه يمنع من ذلك حماية لحرية غيره. ولنضرب لذلك مثلا ذكره الفقهاء وهى من يرفع بناءه حتى يحجب النور والهواء تماما عن جاره فإنه يمنع من ذلك وتقيد حريته ليتمكن جاره من الانتفاعء ويكون التدخل القانونى فى حرية المالك فى هذه الحال لحماية حرية امالك فى جانب أخر. وإذا منع الشبان من التعرض للنساء فى الطرقات أو أمام دور الملاهى, فإن ذلك لحماية حرية المارة سواء أكن متفردات أو معهن أزىاجهن أو محارمهن؛ وهكذا نجد الأمثلة الكثيرة التى تبين أن تقييد الحرية فى الإسلام فى جانب لابد أن تكون فيه حماية للحرية فى الجانب الآخر أو لدفع الضرر عن المجموع: ومن ذلك التدخل لمنع الاحتكار, فإنه تدخل فى حرية الاتجار, ولكن عندما يكون التجار قد تجاوزوا العدل الثابت فحق عليهم التدخل لمنع الأذى.

وإذا اشتد الإقبال على الأراضى وقد صار أكثرها فى يد طائفة تحتكرها وجب

التدخل لحماية حرية الذين لا يستطيعون همنافسة الكبار حتى لا يئول الأمر إلى حرمان هؤلاء الصغار. ْ

حرية الملك

-١‏ الحقوق الشرعية كلها منح من الله تعالى لعباده؛ وهى يعطيها مقيدة ولا يعطيها مطلقة؛ ليمكن الائتلاف بين الحقوق والواجبات. وبين مصالح الناس بعضهم على بعض فلا تتضارب الحقوقء بل يسير المجتمع على أسس متينة متماسكة. ظ

وإن الملكية الفردية لعموم الناس حق أعطاه الله تعالى لعباده فى قيود وحدود, أساسها أن تكون هذه الملكية فيها لاتضر ملكيته الفردية كالماء والمعادن التى تكون في باطن الأرض سراء كانت سائلة أى كانت جامدة: وسواء أكان الجامد فلزات قابلة للطرق والسحبء أم كانت حجرية لا تقبل إلا الكسر. وقد ذكر الفقهاء الأراضى الزراعية المفتوحة فى ضمن ذلك وقرروا أن اليد عليها ليست يد ملك. ولكنها يد اختصاص يثبت حق الاختصاص ولا يثبت حق الملكية التامة - وأن قيود الملكية سواء أكانت ملكية رقبة ملكية تامة؛ أم كانت ملكية انتفاع ولا تكون إلا ناقصة هى مقيد يألا تضر بالغير.

وقد أثبتت الشريعة الإسلامية الملكية الخاصة في تلك الحدود وهذه الرسوم: وإذا التزمت هذه الرسوم وتلك القيود فليس لأحد أن ينزعها من يد صاحبهاء لأن النبى َل يقول: « لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه » وقد نهى القرآن الكريم عن الاعتداء على الملكية مادامت قي الحدود التى رسمها الشارع(١),‏

وقد رأينا بعض الذين يكتبون فى المسائل الإسلامية يقؤل : إن الملكية وظيفة اجتماعية: ولا نرى مائعا من استعمال هذا التعبير؛ ولكن يجب أن يعرف أنها بتوظيف الله تعالى» لا بتوظيف الحكامء لأن الحكام ليسوا دائما عادلين؛ فلى كانوا دائما كعمر بن الخطاب أى عثمان أو الصديق أو على أى عمر بن عبد العزيز لقلنا إن التوظيف منهم سيكون دائما فى دائرة العدل والحق وما شرعه الله تعالى» ولكن إذا صادفنا عادلا فسنجد غيره مرارا ولذلك كان من الأجدى والأصون أن يستمر الذى يتولى التوظيف هو الأحكام الشرعية التى وضعها اللطيف الخبير,

وإن ولى الأمر العادل له أن يتدخل لتقرير القيود على الملكية إن لم يلاحظها المالك. وقد أثر عن النبى تله أنه تدخل بمنع بقاء الملكية عند المضارة مع تعويض. )١(‏ النص القرآنى يقول ٠:‏ يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم». (سورة النساء: 4؟) ش

15

فقد رورى أبى جعفر محمد الباقر عن أبيه على زين العابدين أنه قال: « كان لسمرة ابن جندب نخل فى حائط رجل من الأنصار (أى بستانه ) وكان يدخل هو وأهله فيوّذيه, قشكا الأتصارى ذلك إلى رسول الله عله قال رسول الله عله العادل لصاحب الثخل : بعه. فأبى , فقال الرسول : فاقطعه, فأبى: قال : فهبه؛ ولك مشه فى الجنة فأبى: فالتفت الرسول له وقال: أنت مضارء ثم التفت إلى الأنصارى وقال: اذهب فاقلع نخله» ونرى من هذا أن النبى عله لم يحترم تلك الملكية المعتدية .)١‏

وفعل ذلك الإمام عمر من يعده, فإنه أثبت أن للمالك على ملكه حقوقا مقررة ثابتة أساسها أمران : أولهنما منع ضرر الغيرء وثانيهما نفع الغير إن لم يكن ثمة ضرر لاحق. وددى فى موطاً مالك أن رجلا اسمه الضحاك. ساق خليجا من العريضء فأراد أن يمر به فى أرض محمد بن سلمة؛ فأبى» فكلم فيه عمر. فأمره أن يخلى سييله فقال : لا والله, فقال عمر : لم تمنع أخاك ماينفعه, وهى لك نافع تسقى أولا وآخرا وهى لا يضرك, فقال محمد: لا ققال عمر: «والله ليمرن به ولى على بطنك فأمره عمر أن يمس به».

ونرى من هذا أن عمر لا يكتفى يجعل الضرر سيباء بل يوجب أن يقوم الإنسان في ملكه بما يكون فيه نفع لغيره مادام لا ضرر عليه قيه؛ لأن جلب النفع للغير يتضسمن دفع مور المتع. |

- وننتهى من هذا إلى أن الملكية حق أعطاه الله تعالى لعباده وقد قيد بالا يكون فى الاستمساك به منع خير عن غيره» ولا يكون فى منعه جلب نفع للمالك.

وفى الجملة إنه مع ثبوت حق الملكية للمالك من الآحاد تتعلق حقوق الفيرء ولكن حق المالك يقدم أولاء وحق غيره يكون ثانياء ويوازن بينهما بميزان العقل والشرع: وسيكون لذلك

قضل من القول عندما نتكلم عن المصالح الإسلامية المقررة وتعارضها بين الآحاد والجماعات,

إن الى تقرره هنا فى هذا امقام ه أن الحقوق التى تجب على اللكية: تتزايد فى الجاع يو أب سعيد الخرى فقيل :كنا فى سفر, فقال النبى عله : من كان معه

ى

فضل زادء فليعد يه علي من لا زأد له, ومن كان له فضل ظهرء فليعد به على من لا ظهر له. وأخذ يعدد أصنافا من الأموال حتى ظننا أثنا ليس لنا من أموالنا إلا ما يكفينا»...

وقد أصابت العرب فى عصر عمر مجاعة شديدة فى سنة سميتث سنة الرمادة وفيها تكافل المسلمون في مشارق الأرض ومغاريها ليدفعوا غائلة هذه المجاعة عن جزيرة العرب» قال عمر رضى الله عنه بعد أن انتهت : « لى أصاب الناس السنة لأدخلت على أهل كل بيت مثلهم فإن الناس لا يهلكون على أنصاف بطونهم». 0 ظ وبهذا نتبين أن حرية الملك وثبوت الملكية الفردية لا يتنافى مع حقوق الجماعة على هذهالملكية. 207 0 |

-١‏ والإسلام قرر أن الملكية لها أسباب نظمها الشارع؛ فقد وضع سبحانه أسبابا للملكية التامة, كإحياء موات الأرض فإنه ينشئ الملكية؛ وكالعقود الناقلة للملكية من حيز إلى حيزء وكالملكية بالخلافة سواء أكانت بالميراث أم كانت بالوصية؛ فإن الله سبحاته وتعالى هفو الذى نظم هذه الأسباب وجعلها منتجة ثمراتها فى الملكية من غير أن يكون أعتداء على حق الجماعة » أى حق أحد من التاس. وفرض حقوقا للغير فيها؛ وجعل فيها حقا للضعفاءء وحقا

وإن جعل الملكية حقا للآحاد التى أشرنا إليها هى من قبيل احترام الشخصية الإنسانية؛ حتى لا يكون الآحاد كالجماد ويكون البناء الاجتماعى كالأحجار بعضه بجوار بعضه من غير إرادة إنسانية. ظ 0

إن الإسلام لم يجئ لتنظيم الدولة؛ أو فرض سلطاتها فى كل شئ” بل جاء لإيجاد مجتمع تتلاقى فيه الإرادات الإنسانية الحرة تحى هدف واحد هى إقامة مجتمع سليم قوى لاتفنى فيه قوة أخرى, |

إن تنمية الشخصية مع تهذيب الطبائع والقيام بالواجبات الاجتماعية وتنمية الضمير الحى المستيقظ وروح الألفة والتآخىء وملاحظظة الحقوق بين الناس يعضهم مع بعض يوجد التكاقل الاجتماعى السليم, إن تتلاقى إرادة الآحاد بعضهم مع بعضء فيتكون الاجتماع فى محبة ويروح من الله.فيكون المجتمع قويا مؤتلفاء لأنه تكون من قلوب متآلفة لا من جسوم متراصة,

لف

ولا يكون كذلك المجتمع الذى يكون فيه الآحاد مندغمين فى الجماعة, فإنه لا تكون لهم حقوق شخصية إلا ما تمنحه الجماعة ممثلة فى الحاكم؛ ويشبه أن يكون اجتماعا صناعيا وليس اجتماعا ائتلافيا,

4- ولا يعترض على هذا النظر الإسلامى الخالص بأن الأحاد قد يطفى بعضهم على بعض, » وبأن الأولى أن نيتدئ من أول الأمر فنعطى الجماعة حقهاء ثم يكون منها بعد ذلك التوزيع العادل على الآحاد.

فإنا نقول فى الإجابة عن ذلك بأن النظر يتنازعه أمران: حق الجماعة قبل الآحاد وحق الآحاد قيل الجماعة؛ فالإسلام نظر إلى الحقين فى إطار واحد؛ فجعل لاآحاد حقوقا وعليهم للجماعة واجبات يتحملونها؛ وعليهم أداؤها؛ وربى الضمائر للحمل على أدائها وإذا لم تؤد اختيارا أديت اجباراء وجعل ملكية أخرى للدولة تتولى هى توزيعها على الآحاد أى تتولى كلاثة: ٠‏

أولها: أن تكون الملكية فى دائرة منع الضرر,

وثانيها: أنه ليس كل * شئ قابلا للامتلاك الفردى.

وثالثها: أنه قرر حقوقا ضرورية للدولة أو للجماعة على الملكية الخاصة لأنها ليست حقا خالصاء إذ هى عمل إنتاجى لا يتكافل إلا بتوافر الحرية المختارة.

٠‏ وبتلاقى هذه الأمور الثلاثة يتكون مجتمع متكافل, لا تطفى فيه قوة على قوة.

ونرجئ الكلام فى الأول إلى الكلام فى الأصل العام وهى الأصل الذى تقوم عليه

بف

الأموال التى يجوز امتلاكها والتى لا يجوزفيها الإمتزاك

مع أن الملكية حق شخصى أعطاه الله تعالى؛ فليست كل الأموال قابلة للامتلاك بل منها ما يقبل الامتلاك الفردىء ومنها مالا يقبل الامتلاك الفردىء بل إن خْير الجماعة أن تكون ملكيتها عامة, أى بالعبارة الجارية تكون ملكيتها مؤممة أى للأمة كلها وإذا بينًا ما لا يقبل الملكية الفردية نتبين ما يقبل ملكية الآحاد ويكون من الخير أن يعكنوا من ملكيته, وتكون لهم الحرية فى امتلاكه والانتفاع به فى الحدود المرسومة.

ونرى مما رأيناه فى مصادر الشريعة ومواردها أن الشريعة تمنع الملكية الخاصة فى ثلاثة أنوا ع من المال: ش

أولها: الأموال التى ترصد لمنافع العامة ولا يمكن أن تؤدى مقاصدها فى ملكية خاصة كالمعابد والمدارس والمصالح والطرقات ومجارى الأنهار, وير ذلك مما لا يمكن أن يؤتى نفعه إلا حيث يكون للجماعة؛ ومن هذا الأوقاف الخيرية؛ وهى الأموال التى رصدها أصحابها للبر» أى للنفع الإنسانى العام فإنها بحكم وقفها وحبسها لله لا تكون ملكا لأحدء وهذا هو الرأى المختار وهو فى الفقه الحنفى, لأن الوقف يخرج العين عن الملكية الخاصة إلى حكم ملكية الله تعالى. فإذا كان بعض الفقهاء قال إنها تكون ملكا للموقوف عليهم, فإن ذلك يكون له أثره إذا كان الوقف على غير النفع العام وهو ما يسمى بالوقف الأهلى كاصطلاح أهل مصرء والوقف الذرى كاصطلاح غير مصر من البلاد العربية. أما الوقف الخيرى فإنه يعتبر ملكا للجميع؛ لا لقوم بأعيانهم: ويخرج بالوقف من الملك الخاص إلى الملك العام أو حكم ملك الله تعالى» ولى قالوا أنه ملك للموقوف عليهم.

النوع الثاتى من الأموال: ما تكون فيه الثمرة غير متكافئة مع العمل الذى ينتجه كالمعادن التى تكون فى باطن الأرض فإن الثمرة التى تجئ منها لا يتكافا معها العمل الذى عمل لاستخراجهاء ومن شأن إطلاق اليد فى هذا النوع من الأموال أن يكون فيه ضرر شديد بالأمة ونفع كبير مقرط لاكحاد فكان المنطق ألا تثبت فى هذا ملكية خاصة. وكذلك قال بعض الفقهاء. وخالفه الآخرون, واكن الذين خالفوا قدروا حق الجماعة فيها بقدر كبير, لكيلا تكون الغلة فيها ملكا للمنتج؛ بل نقصوا من الغلة مقدارا يخفف من الإفراط فى أخذ الثمرة.

نذا

النوع الثالث من الأموال: التى تتول إلى ملك الدولة أويكون للدولة عليها الولاية أنها لا تعطى فيها ملكا خاصا يل تد تبقى على حكم الملكية العامة لا يعطيها الإمام لأحد؛ وإن أقطعها ولى الأمر لبعض لناس يكون إقطاع منفعة ؛ إقطاع رقبة

. ولنتكلم فى بعض هذه الأموال التى لا تقيل الامتلاك عند بعض الفقها ء ولنيتدئ بالكلام فى المعادن.

المعاردق

٠‏ الاتفاق بين الفقهاء على أن المعادن لا تسلم كلها لواجدها ويكون جزؤها أو كلها للتكافل الاجتماعى العام. واختلاف الفقهاء هى فى مقدار ما يكون للدولة أى ما يكون مؤمما:

فالمالكية قرروا أن المعادن التى تخرج من باطن الأرض تكون ملكا للدولة, فإذا استخرجها إنسان بإذنها أو بفين إذنها فإنها تكون مؤممة فل أن شخصا يسير فى صحراء فحفر يطلب ماء فوجد ذهبا أي نحاسا أو ماسا فإنه لا يحل له. بل عليه أن يقدمه للدولة, ولى أن إنسانا فى صحراء أراد أن يحفر بثرا يشرب منها فوجد بترولا: فإنه لا يكون له بل يكون لجماعة المسلمين,

وإذا أذن ولى الأمر لأحد أن يبحث فإن له أجر العمل والثمرة للامة.

وقد يقطع ولى الأمر لشخص جزءا من الأرض التى تشتمل على معادن: وقد فعل النبى عله ذلك. فقد أقطع لبلال بن الحارث الهلالى؛ المزتى معادن من معادن أرض على ساحل اليحر بينها وبين المدينة مسيرة خمسة أيام. وقد قالوا إن إقطاعها كان إقطاع انتفاع, لا إقطاع ملكية ولعل الذى سوغ هذا الإقطاع هى بعد هذه الأرض عن المدينة وعدم تمكنه ته من تنظيم الانتفاع بها لاشتغاله عليه الصلاة والسلام بإنشاء الدولة الإسلامية ومجاهدة المشتركين» وجمع شمل المسلمين» ولعدم وجود من يتفرغ لهذا من صحابته ورجاله, فأقطع المعادن إقطاع منفعة ولم يجعلها ملكية ليتمكن من أن يغير الوضع هو أو من يخلفه.

وإن هذا يدل دلالة لا شك فيها على أن المعادن سائلة أو جامدة هى ملك للدولة وهى تديرها يما تراه أتفع للمسلمين ويما يتفق مع إمكانيات الدولة ورج الها ء ولوكان ذلك

53

بالإقطاع للعمل الشخصى: على ألا يكؤن ملكا دائماء فإن من يخرجها من الأرض يقدم للناس شيئًا ناقعا يسد حاجتهم وهى خير من تركها فى باطن الأرض لا ينتفع بها أحد.

ويهذا النظر تكون المعادن ملكا للدولة ولووجدت فى أرض رقبتها مملوكة ملكا خاصا فمن وجد معدنا فى أرضه المملوكة له لا يحل له امتلاكه بل عليه أن يقدمه للدولة أيا كان مقداره قليلا أو كثيراء ومن وجد في أرض يملكها بئر نفط فإنه لا يملك منه شيئًا لأنه لا يملك إلا الأرض وليس هذا منها. ا

وقد قال بعض فقهاء المالكية أن المعادن تكون ملكا للدولة أيا كان نوعها إذا وجدت فى أرض ليست مملوكة ملكا خاصا. أمًا إذا وجدت فى أرض مملوكة ملكا خاصا فإنها تكون تابعة للأرض لأنها تكون بمنزلة ما ينبت فيها من نبات وما يغفرس فيها من شجرء فكما. أن هذه تثبت ملكيتها لمالك الأرض فكذلك المعادن التى توجد فيها.

والرأى الأول أسد لأن المعادن ليست كالزرع, لسيبين:

أولهما: أن الزرع ينتج من الأرض بعمل الإنسان فهى الذى يزرعه وهى الذى يحصده, وإن كان الخير من الله تعالى: أما المعادن فإنها فى باطن الأرض من غير إيداع للإنسان فيهاء فسبب الملكية فى الزرع لا يتحقق فى المعادن, لأنه لا عمل للإنسان.فى إيجادها.

ثانيهما: أن المعادن موجودة فى الأرض قبل أن يملكها المالك ملكا خاصا والامتلاك لا يقع عليها لأنه إنما يمتلك سطحها وظاهرها ولم يرد الملك على أعماقها وما فى باطنها. إِذ الأراضى تمتلك إفا لإقامة المبانى غليها أو للزرع والإنبات والغرس: لا لإخراج المعادن, والمقصد من الاقتناء هى الذى يحدد أسعارها وتوزن به قيمتهاء فلم يدخل فى تقويم الأرض ما فيها من معادن: فكيف يملكها وهى لم تدخل فى التقويم ولم تكن جزءا من الثمن,

-١‏ هذا هو الرأى المأخوذ من لب الفقه الإسلامى ويستند على السنة وعمل النبى لله وعمل الصحابة؛ وهى يتفق مع المعانى الفقهية ويتفق مع التكافل الاجتماعى السليم. ويتفق مع التكافئ بين العمل ومقدار الثمرة.

وإن هذا الرأى لا يطبق فقط على المعادن التى تكون فى باطن الأرض بل يطبق أيضا على اللكلئ التى تستخرج من البحار أو تلفظهاء فإنها تكون ملكا للدولة وليست ملكا للأحاد .

م"

ولننتقل من مذهب مالك إلى المذاهب الإسلامية ونراها وإن افترقت عنه فى توسعة الملكية لبيت مال المسلمين؛ نجدها لم تترك المعنى من أنه يجب لبيت المال قدر فيه أكبر من غيره ونجدهم يتفقون مع مالك فى جزء كبير من كلامه. فإن الحنابلة يرون أن المعادن إذا عثر عليها الشخص فى أرض غير مملوكة تكون لبيت المال؛ ويكون للواجد أجر مثل عمله لأن الأرض غير المملوكة ملكا خاصا تعد فى حوزة الدولة. فما يكون فى داخلها يكون فى حوزة الدولة» ويكون لها كل ما فيهاء والكاشف عنه له فضل الكشف فيعطى مكافأة على قدره.

وإن من الأراضى التى لا تعد مملوكة ملكا خاصا الأراضى الخراجية وأن هذا النوع من الأراضى يشمل أراضى العراق وفارس وما وراءها من شرق البلاد والشامات ومصر وما وراءها من غرب البلاد الإسلامية وإن كانت فى ظاهرها مملوكة ملكا خاصا فهى ملك للدولة,

هذا كله فى المعادن غير القابلة للطرق والسحب وهى الفلزات: وقد قال أبو حنيفة أن بيت مال المسلمين له فيها الخمس والخمس للواجد إن كانت فى أرض غير مملوكة, وللمالك إن كانت فى أرض مملوكة. ‏ -

والقول الراجح فى المذهب الشافعى أن المعادن تتبع الأرض فإن كانت غير مملوكة فهى للدولة؛ وإلا فهى للمالك؛ وفى الذهب والفضة منها زكاة إن آلت إلى المالك.

75- هذا عرض موجز لأحكام المعادن وما يكون فى باطن الأرض من ثروات. ونرى كلمة الفقهاء أجمعت على أن للدولة فيها جظا كبيرا ء وأن جمهرتهم قرروا أنها إن كانت فى أرض غير مملوكة ملكا خاصا تكون للدولة وإلا فهى كلك الأرضء وللدولة قيها حظ كبير. وآن الأراضى فى غير الدور بحكّمٌ الشرع كلها ملك للدولة.

وإن أمثل الآراء هو رأى مالك وهوآن المعادن حيث وجدت تكون ملكا للدولة؛ وهى المشتق من الكتاب والسنة,

وفى الحق أن الفارق بين رأى مالك ورأى الحنفية وأكثر الشافعية والحتايلة ليس عمليا لأن الجميع يتفقون على أن الأراضى المفتوحة كلها تعتبر فى ملك الدولة ما عدا الدور والحوانيت وإذا كانت ملكا للدولة: وأنها لا تجرى عليها الملكية الخاصة وأن يد الزارع ومن فى يدهم رقبتها يد الختصاص لا يد ملك. فإنه يكون الحكم أن كل المعادن تكون ملكا للدولة إلا على قول الحنفية,

ها

الأراضى الزراعية

7- ننتهى من الكلام فى المعادن إلى أنها بحكم الشرع تكون ملكا للدولة وتكون كالمرافق العامة وتكون جزءا من التكافلء وأن على الذين فى أرضهم معادن سراء أكانت جامدة أم كانت سائلة أن يعلموا أن الثمرات ملك للأمة رليست ملكا لأحد من الناس ولى كانوا حكاما لأنها محبوسة على منافع المسلمين» وليس لفيرهم. وأولياء الأمر الذين ينالون هذه الولاية بمقتضى الحكم الإسلامى- عليهم أن ينفقوها فى مصالح الكانة لا فى مصالح أحد ليتحقق بها باب من أبواب التكافل الاجتماعى أو كل أيوابه.

وهناك ما يشبه المعادن وهى الأراضى الزراعية؛ ولكنها لا تشبهها من كل الوجوه لأن الإنتاج فى الزراعة والفروس بعمل الإنسان وتفكيره وتقديره وإنفاقه؛ فله دخل فى ثمرات الأرض» وإن كان ذلك لا يتم إلا بتقدير العزيز العليم» والتفويض إليه والتوكل عليه.

فى مواضع متفرقة؛ وهى ملكية الأراضى ومقدان قوة !ليد عليهاء أهى يد اختصاص أم يد ملكية تامة؛ ونريد هنا أن نتعرف الأمر من عمل الرسول وعمل أصحابه.

ونبتدئ بعمل النبى عَلله.

4- أول أرض استولى عليها المسلمون بعد الهجرة هى أرض بتى النضير وذلك عند ما خانوا عهد النبى عله وحالفوا المشركين عليه فأخرجهم عليه الصلاة والسلام من جواره ليامن شرهم. وقد جاء النص(') بان هذا الذى آل إلى النبى مله بعد إخراجهم يكون محبوسا للصالح المسلمين ويكون لسد باب من أبواب التكافل الاجتماعى. فيكون لله والرسول ولذى القربى واليتامي والمساكين والفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ويكون منه لفقراء الأنصار. ١‏

)١(‏ النص هو قوله تعالى «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامي والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه قانتهوا واتقرا الله إن الله شديد العقاب # للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من

الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون» إلى آخر الآيات (سورة الحشر الآيتان رقم لاء 0

7/

وبذلك التوزيع الذى اشتمل عليه النص. القرآنى يكون ما أخذ من بنى النضير سواء أكان عقارا أم كان منقولا يوزع على فقراء المهاجرين والأنصارء لكيلا يكون متداولا بين الأغنياء فقط وقد قسم النبى فعلا الأموال المنقولة بين فقراء المهاجرين وفقراء الأنصار وما ناله فقراء المهاجرين أكثر مما ناله فقراء الأنصار لكثرة حاجة المهاجرين إذ خرجوا من أموالهم وديارهم, وقد كانت الحاجة فى الأتصار دون ذلك. 1 أما الأرض فلم يوزعها النبى َه فابقى الأرض والغراس تحت سلطانه لتكون غلاتها للفقراء واليتامى والمساكين.

فالنبى ملل أبقى أول أرض استرلى عليها تحت سلطاته وام يقسمها بين الآحاد قسمة ملك؛ بل جعل قسمتها قسمة اختصاص. وذلك لكيلا يكون ينبوع الثروة التى تدر الدر الوقير فى أيد محدودة تدار بينهم ولا تنقل إلى غيرهم. ش

وفى الستة السابعة من الهجرة النبوية بعد عقد هدنة الحديبية اتجه النبى كلل إلى خيبر لقتحهاء إذ تجمع فيها اليهود الذين كانوا يناوئون النبى عله وخانوا عهده وكان يتوقع الشر من جانبهم دائماء وكان لابد أن يثالهم قبل أن ينالوه.

وقد تم له فتحها فاستولى على حصونهم وكانت ثمانية حصون كل حصن فيه قوة. وقد استولى بهذا الفتح على أموالهم المنقولة وعلى أراضيهم وحصونهم. أما الأموال فقد قسمها بين الفاتحين» وأما الحصون وهى مبان قائمة فقد أيقى منها حصنين لمصالح المسلمين ولعلها تساوى خمس الحصون من حيث القيمة: ويكون هذا خمس بيت ا مال فى الغنائم كما هى المقرر شرعا وينص القرآنء وأما الأراضى الزراعية والنخيل فقد أبقاها كلها تحت أيدى أهلها مناصفة أى يكون لهم نصف ما تنتجه الأرض باعتبارهم زراعها والنصف الآخر للنبى َه باعتباره رئيس الدولة الإسلامية يوزعها فى مصارفه وفى إقامة الدولة والتكافل الاجتماعى؛ فيد الأهلين تكون يد عاملين يكون لهم النصف وملكية الرقبة للأمة. فهى قد نشأت مؤممة ابتداء.

وبعد تمام فتع خيبر جاء أهل فدك فصالحوا النبى مله على أن تكون أرضهم ونخيلهم يديهم على أن يكون النصف لهم ملكا والنصف الآخر للجماعة الإسلاسية ويبقى تحت أيديهم مزارعة؛ على النصف من الزرع والثمر.

م

وبتتبع عمل النبى عله يتبين أن البلاد التى كانت تفتح عنوة تبقى أرضها بأيدى أهلها على أن تكون ملكيتها للأمة» أو كما يعبر الفقهاءء محبوسة على منافع الأمة, وغلتها تكون بالمقاسمة بين واضعى اليد وبين بيت مال المسلمين؛ ويكون ذلك مزارعة تجعل للعمل حظا معلوما شائعا فى الزرع والثمر والباقى لمالك الرقبة: أى ما حبست له منافع الرقبة وهى هنا جماعة المؤمنين: وهى الخراج كما سمى الفقهاء. فليس هذا الخراج إلا حصة بيت المال من زرع الأرض وثمرهاء ومهما يكن اسمه. فقد نص المتأخرون من الفقهاء على أن يأخذه بيت المال فى حكم الأجرة فى الإجازة.. 0

وفى حال الصلح يفرض على الذين بقيت الأرض تحت أيديهم جزء شائع مما تنتج» وهذا الجزء يسمى جزية الأرض أو الخراج.ء ومع أن النبى طَلله قاسم أهل فدك ملكية الأراضى والنخيل قرر الفقهاء أن كل ما استولى عليه من أراضى غير المسلمين بالفتح أو الصلح يكون ما يفرض عليه خراجا أى حصة فى مزارعة؛ وكأنهم يفسرون مسالة فدك بأنها صلح وجب الوفاء به, لا على أنه نظام مستقر متبع. ا

ويلاحظ أنه فى حال صلح فدك ما أخذه عليه السلام من أراضى فدك ونخيلها لم يقسمه بين آحاد المسلمينء بل جعل منافعه لمجموعهم وليس ملكا لآحادهم. ش

*1- وإذا تركنا عصر النبوة, فإنا لا نتركه بعيداء بل نتجه إلى عمل الذين اقتبسوا من هديه وعاينوا مشاهد التنزيل؛ وهم الراشدون الأربعة أب بكر وعمر وعثمان وعلى وهو عصر الحكم الإسلامى الذى لا تشويه شائبة يعد عصر النبوة,

وأول أرض مثمرة ومغلة وقعت فى أيديهم أرض الغراقء وقد أراد المحاريون أن يقسموها بينهم على أنها من الغثائم وينطبق عليها نص الغنائم[') الوارد فى القرآن الكريم؛ فى نظرهم فأرسل سعد بن أبى وقناص الصحابى الذى كان قائدا لهذا الفتح إلى أمير المؤمئين عمر ينبئه أن الناس سالوه أن يقسم بينهم مغانمهم وفيها الأراضىء ثم أرسل مثل ذلك أبو عبيدة عامر بن الجراح الذى فتح جزءا كبيرا من أراضى الشامء وذكر له أن الفاتحين سألوه أن تقسم بينهم المدن وأهلهاء وما فيها من شجر وزرع» وأنه أبى عليهم ذلك حتى يبعث إلى أمير المؤمنين. )١(‏ نض الغنائم هو قوله تعالى «واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ؛ قدير» (سورة الأنفال الآية )4١‏

54

وهنا نجد أمير المؤمنين لا يستبد بأمر المؤمنين» بل يجمع عليه الصحابة وفقهاءهم, ليخرج بالرأى السليم من وسط آرائهم, وقد ابتدأ بعرض القضية مبينا رأيه فقال:

«لى قسمت الأرضون لم يبق لمن بعدكم شئ “» فكيف بمن يأتى من المسلمين فيجدون الأرض ققد انقسمت وورثت عن الآباء وحيزت, ما هذا برأى؛ وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أرض الشام والعراق!!».

ونرى عمر يبنى رأيه على ثلاثة أمور مصلحية:

أولها: منع الملكية الكبيرة: إذ أن أراضى المراق تعد بالوف الألوف من الأفدتة

وثانيها: أن خراج هذه الأراضى إذا منعت قسمتها يكون لمصالح الدولة والجهاد فى

سبيل الله, . والمساكين,

ونراه أقام الرأى على المصلحة؛ وكان له أن يحتج بعمل رسول الله عله

وقد عارضه يعض كبار الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام: منه, فقال : اللهم اكفنى بلالا وأصحابه.

وكانت حجة هؤلاء آية الغنائه!') فقد فهموا أن الأراضى من الغنائم ولعل الإمام عمر رضى الله عنه فهم من النص أنه وارد قيما يؤخذ من أموال منقولة تتلقفها الأيدىء أما الأراخمى فإنه يستولى عليها ولا تتلقفها الأيدى» فلا تدخل فى عموم ما يغثم.

وقد أيد عمر فى رأيه جمع من علية الصحابة منهم على بن أبى طالب وعشمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله ومعاذ بن جيل.

والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمئتم بالله وما أن'ثنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير» (سورة الأنفال الآية ,)5١‏

ل

وقد كثر الخلاف والإمام العادل يجادلهم ويحاول إقناعهم واستمر ثلاثة أيام على ذلك.

الأنصارء أ اشاب لا ل الله وأثنى عليه بما هو أهله:

«إنى لم زعجكم إلا لآن تشذر . كوا في أمانتى» فيما حملت من أموركم, » فإنى واحد الشفور لايد ليا حي رجبال للزسوتهاء أرايتم هذه لين العظام لابد لهسا من أن تش حن بالجيوشء وإدرار الطعام عليهم فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون ومن عليها لقد وجدت الحجة فئ كتاب الله الذى ينطق بالحق «وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب؛ ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير»!!) هذه نزلت فى بنى النضيرء والآية: «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرىء فلله وللرسولء ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنيا ء متكم!") هذه عامة فى القرى كلها ثم قوله تعالي: «للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا»!؟ ) إنها للمهاجرين: ثم الآية بعدها : «والذين تبوعوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم؛ ولا يجدون فى صدورهم حاجةمما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة»!/) وهذه للأنصار: ثم ختم الآية: «والذين جاءوا من بعدهم يقولون رينا اغفر لنا ولإخواتنا الذين سيقونا بالإيمان»!*) هذه عامة فاستوعيت الآية الناس» وقد صار هذا الفئ بين هؤلاء جميعا؛ فكيف نقسمه لهؤلاء وند ع من يجئ بعدهم,

بعد هذا الييان الذى يستمد الأدلة من كتاب الله اتفق رأى المحكمين مع رأى عمر, بل اتفق الجميع معه: فانعقد على ذلك الإجماع. وإن الآراء كانت تتجاذب فكرين أحدهما قوله تعالى: «واعلموا أنما غنمتم من شئ شئ فأن لله خمسه وللرسولء!1١)‏ الآية فاعتبروا الأرض ومن عليها من الغنائمء والثانية أن عمر رأى بثاقب نظره أن موضوع هذا النص هوا منقول من الأموال.إذ الأرض لا تغنم ولكن يستولى عليها؛ ٠وأن‏ مقتضى نظر الذين خالفوا أن تكون الأرض مملوكة للقاتحين والعمال فيها يكونون عبيدا . وكيف يكون ذلكء وهم لم يقاتلوا ولم يؤسرواء وقد وفق الله المسلمين للحق وزوال الريب.

)١(‏ الحشر: 5 © ' (5) الحشر: ٠‏ (؟) الحشر: م (4) الحشر: 5 (5) الحشر: ٠‏ إل© الأتفال: ١غ‏

لذن

1"- بقيت الأراضى فى أيدى أهلهاء وأيديهم ليست يد ملك/ ولكنها يد اختصاص أى أنهم يملكون المنفعة ولا يملكون الرقبة ولكن مع أن ملكهم على هذا النحو أبيح لهم التتصرف فيها بالبيع والشراء والإجارة والمزارعة والإعارة وغير ذلك من التصرفات, لأن التصرفات تجرى فى المنافع الثابتة, ولأن هذا الاختصاص فيه نوع ملك. ثم كانت تورث لأنها حق مالىّ والنبى مه يقول: «من ثرك حقا أو مالا فلورثته, ومع أن بعض الفقهاء قرروا أن المناقع لا تورث أجازوا وراثة الأراضىء لأن حق واضع اليد حق عينى؛ ولأنهم قرروا أنهم إن لم يكونوا مالكين للرقبة فلهم بمقتضى الوضع القديم حق الأواوية فى نظير الخراج المعروف, فأشبه حق الحكر, وأنه يورث بوراثة الأعيان التى تعلق بها.

وإذا كانت يد الزراع فى الأرض المفتوحة ليست يد ملكء وكل الأراضصى فى البلاد الإسلامية الخصبة أراض مفتوحة: فإن لولى الأمر أن ينزع الأراضى من أيدى واضعى اليد عليها وتعويضهم عن أيديهم. وذلك لأن يد هؤلاء كسبوها من ولى الأمرومن يملك الإعطاء يمك ان ١‏ |

ولكن هل لولى الأمر ذلك من غير صمبرر؟ أم لابد من مبررء والجواب عن ذلك أن الأساس فى الموضوع هو المصلحة؛ أو التكافل الاجتماعى وما يحققه. فالإمام العادل الذى يحكم المسلمين يجب أن يقرر المنع والإعطاء على أساس المصلحة العادلة؛ وما يحقق أكبر قدر من التكافل الاجتماعى. وقد كان التوزيع الأول لمصلحة اقتضته فلا يجوز العدول عنه إلا لمصلحة أقوى اقتضت العدول؛ وخصوصا أن وضع اليد أوجد حقوقا فلا تزول هذه الحقوق إلا لفساد يترتب عليهاء ويكون ضرر بقاء اليد أكبر من ضرر نزعهاء فإن الضرر القليل يدفع بالضرر الكثير.

واخشية الظلم من الحكام فى عصور التاريخ كان الفقهاء لا يفتون بجواز نزع الأراضى من أيدى زارعيهاء فقد حفظ التاريخ أن الظاهر بيبرس البندقدارى أراد تزع الأراضى من أيدى أهلها بهذا الاعتبار فوقف فى وجهه العلماءء وقال كبيرهم محيى الدين النووى: «إن ذلك غاية العناد, وإنه عمل لا يحله أحد من علماء المسلمين “وما زال يعظه مرة بالرفق وأخرى بعبارات فيها شدة حتى كف عن ذلك.

وإن الفقهاء إن كانوا يقاومون نزع الأراضى من أيدى أهلها فلأنهم يتشككون فى الحكام» ولا يعتقدون سلامة أفعالهم وتحقق المصلحة فى نظمهم. .

لق

4- على ذلك يجب أن نقرن أن ولى الأمر العادل له النزع إن رأى ضررا أى مصلحة أكبرء وقد روى أن النبى عه حمى أراضى وجعلها لعامة المسلمين فقد روى أن رسول الله له حمى أرضا بالمدينة لترعى فيها خيل المسلمين؛ ومعنى ذلك أنه جعلها للعامة: ومنع أن تقوم عليها حيازة خاصة.

وقد كان عمس يسير على نهج النبى عَلّهُ فى حماية كل ما يكون فيه نفع عام. فقد حمى أرضا بالريذة وجعل كلأها لكل المسلمينء وجاء أهلها إليه يشكون قائلين: «يا أمير المؤمنين إنها أرضناء قاتلنا عليها فى الجاهلية وأسلمنا عليهاء علام تحميها» فأطرق الإمام العادل. وقال: «المال مال الله والعباد عباد الله. والله لولا ما أحمل فى سبيل الله ما حميث من الأرض شيرا فى شير».

ولقد جعل هذه الأرض للفقراء ترعى فيها ماشيتهم ومنع منها الأغنياء وقال لواليه الذى أرسله لتنفيذ ما قرر: «اضمم جناحك إلى الناس. واتق دعوة المظلوم: فإنها مجابة وأدخل رب الصريمة (الإبل القليلة) والغنيمة (الفنم القليلة) وامنع نعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع؛ وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاءنى ببنيه يصرخ: يا أمير المؤمنين, أفتاركهم, أفتاركهم أنا لا أب لك, فالكلاً أيسر على من الذهب والورق (أى الفضة) وإنها لأرضهم قائلوا عليها فى الجاهلية وأسلموا عليها فى الإسلام؛ وأنهم ليرون أنى ظلمتهم, ولولا النعم التى يحمل عليها فى سبيل الله ما حميت على الناس شيئًا من بلادهم».

ونرى من هذا أن عمر رضى الله عنه يقدم على هذا المنع مبتحرجا ويبرره بأن فيه إعانة للضعفاء. ولذا يمنع منه الأغنياء ويأن النعم التى تربى فى هذا الكلأ هى عدة الجهاد وغذاء المسلمين,

49- وتنتهى من هذا إلى ثلاثة أمور:

أولها: أن المنقولات تجوز فيها الملكية مطلقة بحكم الشرع وأن هذه الملكية تجب حمايتها من ولى الأمرء إلا إذا أدت إلى ضرر كالاحتكار مثلاء فإن ولى الأمر يتدخل,

رذن

ثانيها: أن المعادن تكون للدولة الإسلامية على أرجح الأقوال فى الفقه الإسلامى؛ ومن لم يقل ذلك فقد جعل للدولة حظا كبيراء وأنها إن وجدت فى أرض غير مملوكة لأحد فإن المخالف فى ملكيتها لبيت المال عدد قليل,

ثالثها: أن الأراضى التى فتحها المسلمون- وجل أراضى المسلمين كذلك- يد انتفاع أصحابها ليست يد ملك مطلقء أى ملك تامء بل إنها يد انتفاع؛ ولكن لا تنزع إلا إذا تحقق ضرر كا ملكية المطلقة. والاستغلال الإسلامى ليتم التكافل الاجتماعى على أعدل وجه.

طرق كسب الملكية - يقرر المحققون من علماء الاقتصاد أن طرق الاستغلال أى كسب الملكية أريع طرق: أولها الزرع؛ وإحياء موات الأراضىء وثانيها: العمل. وثالثها: المخاطرة للكسب والخسارة. ورابعها: الانتظار,

وإن الإسلام يقرر بأحكامه الطرق الثلاثة الأولى؛ ويمنع الطريق الرابع.

الكسب بالإنتظار

١ل-‏ وإن سيب منع الطريق الرابع, وهى الانتظار؛ أن مؤداه أن يدقع المال إلى الغير لأجل معلوم أى غير معلوم فى نظير أن تؤدى فى نظيز الأجل أموال هى الرياء ومنع الإسلام هذا الطريقء لأنه لا مخاطرة فيه؛ إذ أنه كسب لا خسارة فيه» فهى ربح مستمر من غير أى تعرض للخسارة: ولأنه يؤدى إلى أن توجد طائفة من الناس لا تسهم فى أى عمل إنتاجى: وتكون فى حالة بطالة؛ إلا ما تقتضيه متابعة الدائنين؛ والسير وراءهم؛ وعمل الحساب للأرياح بسيطها ومركبها . ولأن ذلك كسب من غير القيام بأى عملء ولأنه كسب غير طبيعى, كما قال أرسطى لأن النقد لا يلد النقد.

وهناك سيب جوهرى غير ما سبقء لأن التعامل بالربا والكسب بطريق الانتظار هو

دل

والتكافل الاجتماعى تقيضان لا يجتمعانء إذ أن التكافل يقتضى التعاون ومن التعاون ما يكون بين رب المال والعامل بحيث يكسبان معا أو يخسران معاء وليس من التعاون فى شئ أن يعمل العامل المستغلء فإن خسر فعلى نفسه؛ وإن كسب شاركه صاحب رأس المال؛ ولكى . يكون رأس المال متعاونا مع العمل تعاونا كاملا وجب أن يكون عنصر المخاطرة من الجانبين قائماء وإلا كان الكسب بطريق الانتظار البحت؛ وذلك ما يحرمه الإسلام.

وقد يقول قائل إن من يدفع أرضه بالإجارة ينتظر ولا يخاطر؛ فلماذا أباح الإسلام الإجارة وهى ليست إلا كسبا من طريق الانتظار فهى والريا فى هذا سواء.

ونقول فى الإجابة عن ذلك: إن الإجارة دفع عين مغلة مملوكة, ولواضع اليد عليها اختصاص يبيع استغلالها بكل الطرق. والعين المغلة تفترق عن التقود فى أن النقود لا غلة لها إلا بالاسترباح بالتصرف فيها؛ فغلتها من عمل العامل فيهاء لا من ذاتها بخلاف الأرض فإن غلتها من ذاتها مع عمل العامل, على أن إجارة الأراضى الزراعية أقرب إلى باب الإنتاج بالزرع وليست حصة المؤجر بالإجارة إلا جزءا مما تنتجه الأرضء فإن كان لها شبه بالكسب بطريق الانتظار فشبهها بالكسب بطريق الزرع أقوى,

على أنه من الواجب أن نقرر أن بعض الفقهاء نظر إلى إجارة الأراضى الزراعية نظرة مائعة, فالظاهرية منعوا إجارة الأراضى الزراعية ولم يبيحوا إلا المزارعة لأن المزارعة مشاركة فهى إنتاج زرع ومخاطرة بالكسب والخسارة؛ ولأنه قد ورد عن النبى َل أنه قال: «إذا كان لك أرض فازرعها أو ادفعها إلى أخيك يزرعها» ولم يرد النص بإجارتها .

ولكن جمهور الفقهاء على جواز الإجارة بل إن منهم من منع المزارعة كبعض الزيدية وبعض الحنفية؛ وعلى أى حال فالفرق واضع بين الإجارة والريا من حيث الكسب بالانتظار.

ولعل أوضح المفارقات أن الإجارة فيها مشاركة فى الخسارة» إذا لم تنتج الأرض شيئًا بآفة سماوية أى نحوها؛ فقد قرر الأكثرون أن الأجرة توضعء وذلك من باب الجوائح» فإنه إذا نزلت جائحة أسقطت الواجبات التى كانت مرتبطة بما أهلكته الجوائح؛ وقد وضح هذه النظرية ابن تيمية» ويهذا أخذ القانون المدنى المصرى,

والخلاصسة أن الإسلام منع الكسب بطريق الانتظار وأوضحه الرياء لأنه يؤدى إلى التشاح بين الناس ومنع التكافل الاجتماعى» ولقد سئل الإمام الصادق: «لم حرم الله الربا» فقال رضى الله عنه: «لئلا يتمانع الناس» وذلك حقء لأن الناس إذا كانوا لا يقرضون إلا

3

بفائدة لا يوجد تعاون قط, وإذا امتنع التعاون وجد التمانع» وإذا وجد التمانع أحضرت الأنفس الشع, والتمانع نتيجة مؤكدة للتعامل بفائدة زائدة على أصل الدين من غير مشاركة فى الخسارة سواء أكان الاقتراض للاستهلاك أم كان للاستغلال, إذ لا يوجد التعاون الذى يبعد التمانع إلا إذا وجدت المشاركة فى الخسارة, ٠‏

بعد أن نفيتا ذلك الكسب الخبيث تتجه إلى طرق الكسب الحلال الطيب.

الزرع وإحياء موات الأرض

8 المزرع: دعا الإسلام إلى الزراعة وحث عليهاء لأن الزرع والغفرس فيهما مادة الغذاء للأحياءء ولذلك قال النبى عَليهُ: «من زرع زرعا أى غرس غرساء فأكل منه إنسان أو دابة كتب له به صدقة, فالزارع فى صدقة مستمرة؛ إن قدم ما يقدم من زرع طيبا لا خبث فيه ثم إن الزرع هى الغلة الطبيعية للأرض التى أمر الله الإنسان بعمارتها وإصلاحها ومنع الفساد عنهاء والكسب بالزرع؛ يتضمن نوعا من التفويض لله تعالى بعد آخذ الأهبة وفلح الأرض وسقيها وإنقاء آفاتهاء فإن الخير من بعد ذلك يكون من الله فالق الحب والنوى.

ولأن الإسلام يحث على الزرع ويدعى إليه. شجع الحارثين الزارعين فجعل من يحيى أرضا لا تنتج زرعا تكون له. ١‏

إحياء الموات:

ا موات الأرض هى الأرض التى تعذر ررعها لا نقطاع الماء عنهاء أو لغمره لهاء أى لكون طينتها غير صالحة للانبات ابتداء.

. ويشترط لاعتبارها مواتا ألا يكون منتفعا بها فعلا بطريق أخرى من طرق الانتفاغ غير الزرع, كأن تكون قريبة من المدينة أى القرية بحيث يكون أهل القرية منتفعين بها فعلا فى مرافقهم,ء فإن هذا النوع من الأراضى لا يكون مواتا بالفعل» فهى يتخذ إما مرابض للحيوان: أى ملاعب للخيل» أى مستراضا للرياضة البدنية وثحى ذلكء ولذلك قرر الفقهاء أنه يشترط لاعتبار الأرض مواتا أن تكون بعيدة عن العمران لكيلا تكون مرفقا من مرافقه أو يتوقع أن تكون من مرافقه.

8

ومن الفقهاء من وضع حدا للبعد عن العمران» ومنهم من ترك ذلك للعرف. والقول الأخير أولى بالاتباع: وإحياء الموات يكون واجبا على القادر عليه إذا كانت الأرض ليس لها مالك معروف فى الإسلام. فإن كان لها مالك فإن عليه إحياءهاء أو تنزع منه لتسلم إلى من يحييها ..

غ؟- وإحياء الأرض ال موات جعلها صالحة للزراعة بإزالة السبب الذى جعلها غير صالحة, فإن كان مواتها بسبب غمر المياه لها فإحيازها بإقامة السدود, وإن كان بسبب قلة المياه أو عدم انتظامها فإحياؤها بإجراء المياه لها. وحفر الآبار ووضع الآلات الرافعة: وإن كانت غير مستوية سويت وإن كانت الأرض غير طيبة بأن كانت لا تنبت زرعا فإحياؤها بتسميدها وإضافة المواد التى تخصبهاء وهكذا.

والإحياء سبب للملكية باتفاق الفقهاء. ولكن هل يشترط للإحياء المسبب للملكية إذن ولى الأمر فى الإحياء؟ قال بعض الفقهاء إن الإحياء سبب للملكية وحده من غير اشتراط إذن الإمام: وذلك رأى جمهور الفقهاءء وقال أبى حنيفة: «الإحياء سبب للملكية ولكن شرطها إذن الإمام».

وقد حكى أبى يوسف تلميذ أبى حنيفة هذا الخلاف فى كتابه (الخراج) وبين وجهة الرأيين فذكر وجهة نظره الذى هو نظر جمهور الققهاء وحكى وجهة نظر شيخه فقال فى كتابه الخراج: «وكان أبى حنيفة رحمه الله يقول: من أحيا أرضا مواتا فهى له إذا أجازه الإمام؛ ومن أحيا أرضا مواتا بغير إذن الإمام فليست له وللامام أن يخرجها من يده ويصنع فيها ما يرى من الإجارة أى الإقطاع وغير ذلك. قيل لأبى يوسف: ما ينبغى لأبى حنيفة أن يكون قد قال هذا إلا من شئ لأن الحديث قد جاء عن النبى عله أنه قال: «من أحيا أرضا ميتة فهى له», فبين لنا ذلك الشئ فهل سمعت عنه فى هذا شيئا يحتج به؟ قال أبى يوسف: حجته فى ذلك أنه يقول: الإحياء لا يكون إلا بإذن الإمام. أرأيت رجلين أراد كل واحد منهما أن يختار موضعا واحدا وكل واحد منهما منع صاحبه أيهما أحق؛ أرأيت إن أراد رجلا أن يحيى أرضا ميتة بفناء رجلء وهى مقر أنه لا حق له فيها. فقال لا يحق له, فإنها بقنائى وذلك يضرنىء فإنما جعل أبو حنيفة إذن الإمام فى ذلك ها هنا فصلا بين الناس, فإذا أذن الإمام فى ذلك لإتسان كان له أن يحييها وكان ذلك الإذن جائزا مستقيما. وإذا منع الإمام

7”

أحدا كان ذلك المنع جائزا؛ ولم يكن بين الناس التشاح فى الموضع الواحد ولا الضرار فيه مع إذن الإمام ومئعه: وليس ما قاله أبى حنيفة يرد الأثر, إنما رد الأثر أن يقول» وإن أحياها: بإذن الإمام فليست له؛ فأما أن يقول هى له فهذا اتباع الأثرء ولكن بإذن الإمام ليكون إذنه فصلا فيما بيتهم من خصوماتهم ومنع أضرار بعضهم ببعض. أما أنا فأرى إذا لم يكن ضرر على أحدء ولا لأحد فيه خصومة أن إذن رسول الله عه قائم قال: «من أحييا أرضا ميتة فهى له وليس لعرق ظالم حق». ومقتضى ذلك الكلام أن الجمهور ينظر إلى الواقع ولا ينظر إلى المتوقع» فهم يقولون

إذا لم يكن خلاف ولا نزاع فإن الإحياء وحده سبب الملكية» وأبى حنيفة يتوقع الخلاف فيعمل على الوقاية منه قيل وقوعه.

وفوق ذلك فإن أبا حنيفة يفرض أن سلطان الدولة قائم على الأراضى كلها مواتا أى غير مواتء وأن غير الموات عليها سلطان لأصحابها؛ وأصحابها فى ولاية الإمام العامة المنظمة للحقوق والواجبات فيها؛ ولهم سلطان محدود» أما الموات فسلطان ولى الأمر هى الثايت وحدهة قلايد من إذنه.

ونحن نرى أن رأى الإمام هو الذى يتفق مع نظام الولاية الإاسلامية وهو أجدر بالقبول لقول النبى عَلُّ: «ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه». خصبة تخرج نباتها بإذن الله تعالى. وعلى ذلك لا تعتبر حيازتها وتحجيرها؛ أى وضع سبور حولهاء مثبتا ملكيته؛ ولكنه يشبت الأولوية فإذا اختار شخص أرضا فليس لغيره أن

ولكن ذلك الحق لا يستمر أمدا طويلا بل يستمر لمدة ثلاث سنين فقط؛ فإذا انقضبت هذه السنوات الثلاث, فقد سقط حقه؛ وتنزع من يده؛ لأنه لم يحيها ولم يتركها للناس يحيونهاء ولذلك قال التبى عَلْتهُ: «من أحيا أرضا ميتة فهى له؛ وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين» وقد روى مثل ذلك عن عمر رضى الله عنه, ولعله سمعه من الثبى مله وعلى أى حال فالمعنى إسلامى ثبت بالسنة النبوية,

والحق أن التحجير من غين إحياء فيه ظلم مبين: وإذا لم تكن له طاقة فى إحياء كل ما احتجره: فإنه يبقى ما يكون على قدن طاقتئه, ويترك الباقى لغيرة.

ان

14- والإحياء سبب للملكية ولا تنتقل الملكية إلى غير المحيى إلا بسبب من أسباب انتقال الملكية؛ ولكن إذا عادت مواتا كما بدأت وهى فى يده أ يد ورثته (أى ورثة المحيى) أتزول الملكية لزوال سببها أم تستمرء ويكون عليه إحياؤها؛ وولى الأمر يلزمه بذلك حتى لا تضيع قطعة أرض من غير أى ثمرة؟. ٠‏

قال جمهور الفقهاء ؛ # تزول الملكية بل تصير ككل أسباب الامتلاك. زكما / لو انتقلت إلى غيره؛ وولى الأمر له أن يلزمه بالإحياء»؛ لأن ترك الإحياء ضرر لاحق بالكافة ودفع الضرر وأجب. ظ 0

وقال الإمام مالك: إن ملكيته تزول إذا زال الإحيا , لأن العلة فى املك هئ الإحياء وقد زالء وإذا زال السبب بطل المسببء وإن الإحياء كاصطياد الحيوان. والاصطياد سبب الملكية, فإذا انطلق الصيد بعد حيازته فإنه تزؤل عنه ملكيته» فمن اصطاد سمكا من البحر ولكن سقط فى الماء حيا بعد اصطياده؛ أتبقى ملكيته عليه أم تزول؟

1 وإذا تمت الملكية بالإحياء واستمر أيكون المحيى مالكا للرقبة والمنفعة أم يكون مالكا للمنفعة فقط؛ وكتعبير الفقهاء, أتكون الارض التى أحييت خراجية يجب فيها الخراج: والخراج فى طبيعته مقاسمة بين الدولة وواضع اليد.

لقد قررنا أنْ البلاد المفتوحة لا تزال- بحكم الإجماع الذى انعقد على رأى عمرء وهى الفقه فى القضية- غير مملوكة للرقبة وأن يد واضع اليد يد اختصاص تشبه يد املك فإذا كان إحياء الموات فى بلاد مفتوحة أى كانت فى حوزتها أى كانت فى صحاريها. تكون مملوكة ملكية تامة للرقبة والمنفعة أم تعطى حكم هذه الأراضى؟.

فى الفقه الإسلامى رأيان: أحدهما أنها تتبع المحيى فإن كان مسلما كانت الملكية

مة, يملك الرقبة والمنفعة, وإن كان غير مسلم تكون الملكية للمنفعة فقط أى تكون خراجية, يمع ذلك أنه عطي حك لى كان واضع اليد عند الفتتح الإسلامى: وذلك لأن الأرض, المملوكة ملكية تامة تجب فيها زكاة الزروع والثمار والزكاة عبادة إسلامية لا يصع أن يلزم بها غير المسلم احتراما لحريته الدينية والتكافل يوجب أن يلزم بما يسهم به فى بناء الدولة وإعطاء فقراء غير المسلمين, فكان لابد من المقاسمة بالخراج أو بالمال الذى يكون بدلا عن الزرع.

هذا هى الرأى الأول وقد نظر إلى المحيى نفس والنظر الثائى يتجه إلى الماء الذى ينبت الزرع فى الأرض التى أحييتء فنوع الملكية يتبع الماء فإن كانت تسقى من ماء السماء

كن

أى من الآيارء أى بماء الأنهار العظام التى لا تقع فى قبضة أحد فإنها تكون مملوكة الرقبة وتكون الأرض عشرية كما يعبر الفقهاء ولأن هذه المياه لم يكن لغير المسلمين سلطان عليها, وإن كانت الأرض تسقى بنهر قد حفره غير المسلمين فإنها تكون خراجية؛ أى لا تكون الملكية فيها تامة.

وهذا إذا كان الذى أحياها مسلماء أما إذا كان الذى أحياها غير مسلم فإنها تكون خراجية ليمكن تنفيذ التكافل الاجتماعى من غير أن يكون ما يمس حريته فى العقيدة؛ فلا يكلف عبادة ليست فى دينه.

4 هذه نظرات فى إحياء الموات وأقوال موجزة فيها وهى تشير إلى أن الاسلام دعا إلى عمارة الأرض وإصلاح فسادهاء ولى أخذ الناس بمبدأ الإسلام فى إحياء الموات, ونفذوا قول النبى عَ: ومن أحيا أرضا ميتة فهى له»- لكثر الزرع ولكش العمران وما وجدتا تلك الأدغال الكثيرة فى إفريقيا تطلب يد الإنسان لإصلاحهاء وما وجدنا صحارى مصر بلاقع لا يوجد فيها عمران.

ويجب أن تنبه إلى أن من إحياء المزات إنشاء القرى؛ فمن وجد صحراء فأنشاً فيها قرية عامرة, فإنه يعد قد أحياها؛ ولذلك قالوا إذا أراد أن تكون الأرض الميتة قرية, فإحياؤها يكون بتسوية أرضهاء وبناء جدر حولها وتقسيمها بيوتا ودورا وحوانيت ونحى ذلك وبذلك تعمر الصحارى ويتحول بلقعها إلى عمران.

إننا نرى فى فتح ياب الإحيا فتحا لياب العمارة فى الأرض وتتمية للثروة, 0 اجتماعيا وخصوصا أن ما ينتج من زرع أى غراس تجرى فيه المقاسمة التى تقيم الدولة وتضمن التكافل الاجتماعى أو تجرى فيه زكاة الزروع والثمار» وهى أيضا فى معنى المقاسمة وإن كانت أقل فى المخدار من الخراج» وهى حو الفقير بحي الدين وين أي السبيل وحق المجاهد.

وقد قررالفقهاء أن وجوبها فى الزرع وجوب مقاسمة فهى بمقدار عشر ما تخرجه الأرض إن سقيت بغير آلة وبمقدار نصف العشر إن سقيت بالة: وبذلك يكون بيت مال الزكاة شريكا لمن أخرج الزرع أو تغهد الغراس ويهذا يكون الإحياء سبيلا لأعلى درجات التكافل الاجتماعى: فيجب فتح بابه كما فتحه النبى عله

1

- العمل هو العنصر القعال فى كل طرق الكسب التى أباحها الإسلام: وأكنه فى الأمر السابق يختلط برأس امال فيشتركان فى الإنتاج ولا ينقرد أحدهماء بل يتضافران معا فتكون الثمرة متهما , ش

وفى هذا نذكر العمل وحده عندما يكون هو الذى ينتج ويأتى بالكسب وحده وهى أبر طرق الكسب فى الإسلام؛ وإن الوصايا النبوية تتجه إلى الحض على العمل وى دفع أجور العاملين» وتفيد عبارتها شرف العملء وأن الله تعالى سخر الكون للإنسان ليعمل فيه وقد أمر القرآن الكريم بذلك فقال تعالى: «هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه»!') فالسعى فى طلب الرزق بالعمل الحلال أمر مطلوبء ولقد قرر النبى عله أن من الذنوب ما لا يكفره إلا السعى فى طلب الرزق: فالعمل مطلوب؛ وليست فائدته على العامل وحده وإنما فائدته على الجماعة كلهاء فهذا العامل الذى يفلح الأرض لتثمرء وتنبت الزرع إنما يقدم للمجتمع خيرا عظيماء وهذا العامل الذى يبنى الدور إنما ينشئ بيديه القويتين مأوى لأخيه الإنسان, وهذا النساج الذى ينسج الثوب والغرال الذى يغزل أو يقف على الآلة الغازلة- إنما يقدم للمجتمع كساءه.

والعامل فى كل باب من أبواب النقع يقوم بفرض كفاية يجب تحققه ولو ترك كان على الجماعة كلها مغبة تركه بالنسبة للمجتمع وعليها الإثم أمام الله إذا قصرت فى إقامة فرض الكفاية: ويرفع الإثم عنها جميعا بالقيام به. ويشترك الجميع فى الوزر إن قصروا فيه.فالعامل اليدوى الذى يعمل باليد أى بالوقوف على الآلة التى تسير يقوم بفرض كفائى خث عليه الإسلام وحبب إليه, فقد قال عليه الصلاة والسلام: «أفضل الكسب ما كان من عمل اليد» ويقزل عليه الصلاة والسلام: «ما أكل ابن آدم طعاما خيرا من عمل يده؛ وإن تبى الله دأود كان يأكل من عمل يده». ش

والأعمال الفنية كلها فروض كفاية؛ فيجب على الأمة أن توفر هذا الصنف مئ العاملين» وإن لم يكونوا فإن الجماعة كلها تأثم, ويكون الوزر على الجميع؛ وإذا أقامت العاملين الفنيين وقصروا هم فالوزر عليهم وحدهم, لا يختص به كبيرهم ولا يسلم منه صغيرهم,

ا

-٠‏ ولكن كيف تتحقق مسئولية الآمة والدولة عن أعمال طائفة منها؛ إن الفروض الكفائية يتفاوت مقدار الوجوب فيهاء فالطبيب تبعته فى التقصير فى أداء الواجب الطبى أكبر من تبعة الباقين» والمهندس الذى يقوم بتنظيم المرافق العامة والقيام بها تقصيره لا يكون كغيره من الناس.

ولكن واجب الأمة ممثة فى ولى أمرها أن تعمل على إظهار ذوى الكفاية للطب والهندسة والفقه والجهاد. ويجب عليها أن ترعاهم بعد ظهورهم وتقوم على سد حاجاتهم, وأن تكفل لهم الراحة والاطمثنان. ظ

وقد جاعت النصوص الإسلامية داعية إلى تحقيق هذين الأمرين فالنبى مله دعا إلى دفع الأجور كاملة فى أوقاتها فى مثل قوله عَلْلَهُ: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه». ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: «ثلاكثة أنا خصمهم يوم القيامة, وذكر متهم «رج اا استاجر أجيرا فلم يوفه أجرد». 1

والإسلام يعمل على إراحة العاملين فيه؛ وتسهيل أسباب السعادة فى هذه الدنيا ماداموا عاملينء حتى إن الإسلام يعمل على تزويج العاملين الذين لا يستطيعون مئونة الزواج» ويسكنهم فى مساكن تليق بهم إذا لم تكن لهم مساكن؛ وقد روى الإمام أحمد أن النبى عه قال: «من ولى لنا عملا وليس له منزل, فليتخذ منزلاء أى ليست له امرأة فليتزوج» أى ليست له دابة فليتخذ دابة» وكل ذلك بلا ريب من بيت مال المسلمين, لأن الراحة التى ينالها العاملون توفن خيرا يعود غلى الجماغة الإسلامية. ْ

ظ وعلى ذلك إذا وجدنا تململا من العمال فلنبحث أولا فى عدالة تململهم فإن كانوا يطليون حقا أعطوه؛ وكان إثم التقصير على الذين منعوهم حقوقهم؛ وإن كان تململهم بغير وعلى الأمة ممثلة فى ولى أمرها أن تتدخل لإتصاف المظلومين منهم وإن لم تفعل تكن مقصرة فى واجيها. ذوى الشأن شكاتهم ولا يعطوا عملا يقومون به؛ لأن التعطيل لا تكون مفبته على الذين منعوهم فقطء بل تكون مغبته على الجماعة نفسهاء فعلى العامل الذى يترك عمله أن ينظر ود

إلى من يحرمهم بسيب هذا الترك يدل أن ينظر إلى الخسارة التى تعود على صاحب المصنعء وليعلم العامل ذى الكرامة أنه ليس خادما عند صاحب العمل إنما هو خادم للأمة كلها تتضرر بتقصيره وتنعم بجدهء وقصر نظره على العلاقة بينه وبين رب العمل قصور فى النظر إلى أداء الواجب» وإن العامل بعمله يؤدى واجبا دينيا له ثوابه عند الله تعالى, وليحتسب عند ابتداء عمله فى كل يوم من أيام العمل النية؛ وليطلب الثواب من الله تعالى, فإنه فى عبادة مستمرة إن أخلص لله فى عمله وأخلص للجماعة فى تصرفه وإن النبى عله يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشئ لا يحبه إلا لله».

وليست العبادة فى الإسلام مقصورة على الصلاة والصوم والحج وغيرها مما تكون العلاقة فيه بين العبد وريه بل العبادة فى الإسلام أعم وأشملء وليست الصدقة فى الإسلام أن تعطى الفقير فقط؛ بل الصدقة شاملة لكل أمر فيه نفع للإنسانية حتى إن إزالة الأذى من الطريق تعد صدقة كما صرح النبى َل ولقد قال عليه الصلاة والسلام: «الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله». وقد قال عليه الصلاة والسلام لأبى ذر الغقارى: «إفراغك من دلوك فى دلى أخيك صدقة قة, وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة؛ وتبسمك فى وجه أخيك صدقة, وإماطتك الحجر والشوك والعظام عن طريق الناس لك به صدقة, وهدايتك الرجل فى أرض ضالة صدقة», 1

وإن أبلغ الصدقات إتقانْ العمل ومن أوجب ما يقرب العبد إلى ربه العمل المتقن الجيدء فقد قال مه «ان الله يحب من العامل إذا عمل عملا أن يحسنه» وفى رواية أخرى «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه».

وهذه آثار مأثورة عن النبى العامل الذى كان يشترك مع العاملين فى العمل اليدوى, وهى تبين فضل العامل إذا أخلص وأتقن وتقرب إلى الله تعالى بالعمل للناس ليفيدهم: فإذا عطل العملء فهى آثم أمام الله مفسد أمام الثاس.

-4١‏ وإن العمل الإنسائى طاقات مختلفة فمن الناس من لا يحسن إلا العمل اليدوى, ومنهم من يحسن الأعمال الفنية» ومنهم من يسمى فكره وعقله فيحسن الأعمال العقلية والتنظيمات التى تحتاج إلى فكر مستقيم. ومثل العمل كبناء هرمى قاعدته أوسعه؛ وهى تشمل العمال اليدويين ومن يقازبهم والمجتمع يحتاج إليهم: لأنهم هم الذين يقيمون العمران

بأيديهم ويقوم كل شئ فيه على سواعدهم القوية؛ فهم الذين يفلحون الأرض ويشقون الأنهر» ويرفعون البنيان وينقلون الإنسان من مكان إلى مكان كسائقى السيارات: وقد يتصور

؟'

أن تقوم جماعة ت تعيش بالعمل اليدوى ولا بد تتصور جماعة من غيرهم؛ ولكن الحضارة لا تقوم إلا بهم مع المقكرين بدرجاتهم المختلفة. ظ

وإذا علونا من قاعدة الهرم إلى ما هو أعلى منها وجدنا العمال الفنيين المهرة فى صناعة من الصناعاتء وهؤلاء يقومون بفرض كفائى أيضا لأنهم بأعمالهم يسهلون الحياة ويقيمون الحضارة. ٠‏ '

وإذا وصلنا إلى وسط الهرم كان مساعدى المهندسين والمعاونون فى تنفيذ كل ما تنتجه عقول المفكرين من توجيهات فكرية.

وإذا قارينا قمة الهرم كان المفكرون والمنظمون للجماعة الإنسانية العالية: وكلما علونا

إلى القمة علونا فى مراتب النبىخ. وكلما علونا قل العدد وكش النفع. وإن الذين يكونون فى أعلى القمة هم الذين تعيش الإنسانية على اختراعاتهم وكشفهم لنواميس الكون؛ وإنهم فى كل آمة عدد قليل وبمقدار قوة تفكيرهم يكون تقدم الأمة. فلا يقاس تقدمها بعددهم, وإنما يقاس بطاقاتهم.

؟- وإن الشريعة بما قرره فقهازهاء ذكروا الطريق لتربية المسلمين لتظهر تلك القوى المختلفة, فليس فى الشريعة أن يكون ابن العامل اليدوى مثله. ولكن يربى ليمكن من استخدام طاقته وظهور مواهيه؛ قليس من مصلحة الأمة إهمال المواهب أى إخمادها؛ وتوسيد الأمور الكبيرة لمن لم تكن له مواهب تؤهله لها. ‏ | ظ

وقد ذكر الشاطبى فى كتابه «المواقف» التربية الإسلامية التى تمكن كل ذى موهبة من القيام بالفرض الكفائى الذى يناسب موهبته, إذ أن كل ما تحتاج إليه الجماعة فرض كفاية, يجب تحقيقه كما بِينًا من قبل.

وإن التربية التى تبرز المواهب تتلاقى مع البنا الهرمى الذى أشرنا إليه. فالتعليم مراحل: ٠‏ | ْ

المرحلة الأولى» وتكون عامة لكل الصييان والشباب لا يتخلف عنها أحد؛ ومن قطع المرحلة الأولى لا ينتقل إلى المرحلة الثانية إلا إذا كان ذا نبوغ متميز يؤهله لهذه المرحلة؛ ومن وقف عند المرحلة الأولى وقف عند فرض كفائى تحتاج إليه الأمة: وهم العمال الذين يعملون بأيديهم؛ فإن الأمة تحتاج إلى هذا النوع من العاملين: وهم الذين يكونون البناء الهرمى كما ذكرنا.

ءء

ومن صاروا من المتميزين فى المرحلة الثانية ينظر عند قطعهم لهاء فمن امتاز بنبوغ يؤهله للمرحلة الثالثة انتقل إليهاء ومن لم تكن له مواهب تؤهله لدخولها وقف عند فرض كفائى تحتاج إليه الأمة؛ فالأمة تحتاج إلى حسابيين ومساعدى مهندسين ملاحظين للأعمال اليدوية: وموجهين لها ومراقبين لسلامتها.

< والمرحلة الشالثة, مرحلة النبىخغ.وهى درجات متفارتة يميزها العمل والإنتاج والانصراف العلمى؛ ومنها يكون المهندسون والأطباء والقضاة والفقهاءء وغيرهم من الذين يتولون الأعمال الرئيسية فى المجتمع؛ وفى أعلى هذا الصنف من الممتازين المخترعون والمشترعون مؤسسى الدول على أساس العدالة والحق, ومنظمى العلاقات الإنسانية بين الناس على أساس العدل ومراعاة حقوق الإنسان. | وإن أهل كل مرحلة واجب عليهم أولا وبالذات القيام بالواجبات الكفائية: كل فيما يخصه وما يستطيعه. وعلى الأمة ممثلة فى ولى الأمر أن تسهل لهم القيام بهذه الواجبات وأن تؤهلهم لهاء وإن تقاصرت همة الحاكم فى الأمة عن أن يقوم بهذا الواجبء فعلى الأمة أن تحمله على أدائه أو تسعى فى تغييره؛ لأن الذى لا يقوم به فى موضع ذلك المقصر() , ولقد سمى الشافعى رضى الله عنه هذا النوع من الواجبات تسمية تتفق مع معناهء فقال إنه واجب عام فيه معنى الخاص. فالأمة كلها مطالبة بمقتضى قانون التكافل الاجتماعى بتحقيق ذلك الواجبء ولكن لا تقوم به الأمة كلها بل تقوم به طائفة خاصة منها.

ش 4- هذه نظرات إلى النصوص الواردة فى الحض على العمل وما امستنبطاه من تنظيم الإسلام» وقبل أن نترك هذا نتكلم فى أجرة العامل ومقدار تكليفه. ونقول أن النبى عله قال بالنسبة للعبيد: «لا تكلفوهم مالا يطيقون» وإذا كان ذلك بالنسبة للعبيد فالعمال أولى: ولقد قال الله تعالى: «لا يكلف الله نفسا إلااوسعها»ء!" فالتكليف لايكون إلا فى دائرة الطاقة. والقاعدة الشرعية أنه لا تكليف إلا بالممستطاع وما يمكن الاستمرار عليه من غير جهد, ولذلك يقول النبى َللّه: «عليكم من الأعمال بما يطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا» وإن الأعمال الدائمة أحب إلى الله, وإن كانت قليلة من الأعمال الكبيرة التى تجهد ولا يمكن الاستمرار عليهاء ولذلك قال النبى طه: «أحب الاعمال إلى الله أدومها وإن قل» وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب الديمة من الأعمال».

)١(‏ بِيّن هذا الشاطبى فى كتابه «الموافقات» عند الكلام على فرض الكفاية ج١‏ ص؟١١:‏ 4؟١-‏ طبع التجارية. (5) آخر البقرة

هء؛ٌُ

وفى ضوء هذه النصوص نستطيع أن نقرن أن الإسلام يتجه فى تنظيم الأعمال إلى أن يكون تكليف العامل مقيدا بكونه فى طاقته؛ وأنه يمكنه الاستمرار عليه فلا يكلف أتصى الطاقة الذى لا يستطيع الاستمرار عليه وهى قوى معافى: فإذا كان يستطيعغ القيام بالعمل اثنتى عشرة ساعة فإنه لا يستطيع الاستمرار, بل يهن شيئًا فشيئا حتى لا يستطيع القيام بما دون ذلك» ولذلك يبرر الإسلام تقييد ساعات العمل بزمن محدود يستطيعه ويستطيع الاستمرار عليه من غير إجهاد وإرهاق؛ ومقدار ذلك يختلف باختلاف الأعمال؛ وباختلاف الأحوال: وياختلاف الأزمان,

هذا بالنسبة لمقدار التكليف, أما الأجور فإنه من المقرر أن الأجور فى الأعمال تقدر بقيمة العمل ويما يكفى العامل وأهله بالمعروف من غير تقتير ولا إسراف وإن ذلك يختلف باختلاف الأعمال والأشخاص والأحوال والأعراف.

والأجرة تستحق على العمل أو على الزمن, ولذلك يقسمون العامل إلى قسمين: أجير

والأجير الخاص هو الذى يقوم بعمله ولا يحد الأجر مقدار العمل إنما يحده الزمن كالعامل الذى يأخذ أجرته على استمراره فى العمل شهرا أى أسبوعا أى يوما ء وهى يستحق الأجر على الزمن لا على العمل,

وقد يزدوج الأجيران فى نوع واحد كمن يقوم بأعمال بأجورها ويكون عنده عمال يتولون القيام بهذه الأعمال فرب العمل ينُخذ الأجرة على العمل ويعطى العمال الذين يعملون معه أجورهم على الزمن.

ان

المخاطرة

4 - هذا هو السبب الرايع من أسباب كسب الملكية وهو طريق حبلال وأساسه الإتجار بنقل البضائع من مكان إلى مكان» وهى فى أخص معناها نقل الأشياء من إقليم ينتجها إلى إقليم آخر لا ينتجهاء ثم اتسع معناها حتى صارت تشمل البيع والشراء فى الإقليم الواحد أن فى المدينة الواحدة بل القرية أحياناء وكل ذلك يبيحه الإسلام لأنه لا يخلى من فائدة فى المجتمع الإنسانى: وهو يعلى بعلى العمل نفسه ويمقدار المخاطرة فيهاء قأعلاها النقل من قطر إلى قطرء ويليها النقل من مدينة إلى مدينة» ويليها النقل فى المدينة الواحدة إذا كانت كبيرة: ويليها النقل فى داخل المدن الصغيرة: وإن العلى فيها كما ترى يتبع مقدار المخاطرة. فالنقل من إقليم إلى إقليم يتعرض فيه الناقل لخطر الطريق وخطر البحار, والتعرض للخسارة من بعد ذلك ثم التعرض لعطب البضائع» ونقصها بفعل المؤثرات الجوية.

والنقل من مدينة إلى مدينة فيه مخاطرة أقل من الأولء فآمن الطريق أكثر من الأول ونقص الأجواء أقل؛ والتعرض للتلف والخسارة أقلء ثم يكون دون ذلك النقل فى داخل المدن الكبيرة أى الصغيرة. ولذلك يقرر القرطبى فى تفسيره أن النقل:من الأقطار عمل ذوى الأخطارء أما النقل فى داخل الأمصار فليس عمل ذوى الأخطار,

ولقد حبب النبى عله النقل من الأقطار فقال عليه الصلاة والسلام: «الجالب مرزوق والمحتكر خاطى». والجالب هى الذى ينقل البضائع من إقليم ينتجها بأرضه أو صناعة إلى إقليم آخر لا ينتجها ويحتاج إليهاء والجلب فى معناه يتلاقى مع معنى الاستيراد بلغتنا الخاضرة,

والتجارة قد أباحها الإسلام بالنص القرآنى الذى يصرح بأن التجارة ليست أكلا مال الناس بالناطل(١)‏ وأن التجارة كانت عمل النبى عله

وكانت تجارة ذوى الأخطار لأنها كانت تنقل البضائع من اليمن إلى الشام؛ ومن اليمن ينقل إنتاج فارس ويصل إلى الروم من طريق الشام؛ ومن الشام تنقل بضائع الروم وتصل إلى الفرس من طريق اليمن.

)١(‏ قال الله تعالى' «يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم» (سورة النساء الآية لبه

لا

- وإن التجارة إن أباحها الإسلام واعتبرها طريقا من طرق الكسب الحلال يعدها من قبيل التعاون الإنسانى والتكافل الاجتماعى بين بنى الإنسانء وذلك لأن خيرات الأرض تختلف باختلاف الأقاليم حرا وبردا. وتختلف بالختلاف طبائع الأراضىء فليس فى كل إقليم حاجاته إلا ما ندرء وليست صناعات الأقاليم متحدة وليست درجة الإجادة متحدة فى كل الأصنافء وإن الإسلام حرص على التعارف الانساني وذكر سبحائه أن الختلاف الناس شعوياوقبائل ليتعارفوا لا ليتناكرو)!') وأن ذلك التعارف لا يكون بمجرد اللقاء والتحية؛ ولكن ليعرف أهل كل إقليم ما عند أهل الإقليم الآخر ليتبادل الفريقان؛ ويستطيع ابن الأرض أن ينتفع بكل خيرات الأرض فلا يحرم إقليم من خيرات الآخر بل تتلاقى فى كل إقليم خيرات الإنسائيةكلها.

ولا نريد أن نرد أقوال بعض الاقتصاديين من أن التجارة ليست طريقا طبيعيا لكسب الملكية. واكننا نقول على أى اعتيار كانت التجارة فهى إذا كانت عادلة قويمة تعد تكافلا اجتماعيا إنسانيا عاما. وأن ذلك واضح كل الوضوح فى نقل البضائع من إقليم إلى إقليم وقد وجدنا فى القرآن الكريم وفى التوراة أن إخوة يوسف عليه السلام عندما ضاقت بهم الضائقة قى أرضهم جاءوا إلى مصر ليجلبوا القمح منهاء ولو كان ثمة تجار ينقلونه إليهم ما تجشموا مشقة السفر والانتقال(").

7- وإن القرأن الكريم عندما أباح التجارة ذكر وصف التراضى فيهاء والتراضى يقتضى أن يكون المشترى مختارا فى الشراء والبائع مختارا فى البيع وكلاهما مختار فى تقدير الثمن الذئ يشترى به؛ فإذا كان أحدهما مضطرا إلى الشراء بثى ثمن:؛ فإن عنصر التجارة لا يكون قائما؛ بل تفقد أعظم عناصرها وأركانها وهى حرية التبادلء ولذا كان الاحتكار لا يعتمد على الرضا يل يعتمد على الاضطرارء ولأن الاتجار إنما لأن عنصر المخاطرة فيه؛ والاحتكار من جانب المحتكر الكاسب لا مخاطرة فيه, بل فيه استغلال أثم, وقوق ذلك فإن الاحتكار يكون الكسب فيه بالانتظار» لأن مؤداه ادخار المواد المطلوية لوقت الاضطرار إليها. فكان الكسب فيه بطريق ق الانتظار» لا بطريق المضاطرة. وقد قررنا أن )١(‏ قال الله تعالى: «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى؛ وجهلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»

(سورة الحجرات الآية ؟١)‏ (؟) راجع سورة يوسف فى الآيات التى تبتدئ من رقم 58.

4

الكسب بطريق الانتظار الزمنى غير شرعى لا يبيحه الإسلام, ولذلك قال النبى عَله: «المحتكر خاطىئ» أى آثم فكسبه يكون خبيثاء ومن الوأحجب علينا أن نذكر حكم الاحتكار؛ وموّداه عند الفقهاء وعلاج الأزمات الاقتصادية بما يضمن تحقيق التكافل الاجتماعى فيها.

الإحتكار

وقد وردت أثار صحيحة عن الب م لحار ل روى اين عفر أن النبى كه قال: «الجالب مرزوق» والمحتكر محرؤم؛ ومن احتكر على المسلمين طعاما ضريه الله بالإفلاس والجذام» وروى أبو مسلمة أن النبى مله قال؛ «من احتكر يريد أن يفالى المسلمين فهى خاطئ؛ وقد برئ من ذمة الله»:

'وفقهاء المسلمين منهم من ضيّق مواد الاحتكار ومنهم من وسعها . فطائفة كبيرة من ١‏ لفقهاء قررت أن كل مايضر ١‏ لمسلمين ويكون | لحتكر قد ادخر ها ادخر لوقت الحاجة الشديدة إليه وخلى ا لسوق منه؛ فإن احتكاره يكون إثما وكسبه يكون خبيثا لسيبين : | العين المحتكرة .

وثانيهما : | : الكسب فيه بالانتظار كما ثوهنا والكسب بالانتظار حراء. واذلك وردت أحاديث تصرح أن مثل هذه التصرفات فى الرباء لأنه يشبه الريا فى كونه كسبا بالانتظار.

وإن الأحاديث كثيرة فى أن الاحتكار حرام مهما تكن الأصناف التى تكون موضوع الاحتكار مادام حيسها يضر بالناس سواء أكانت ثيايا أم طعاما م غيرهما '

ويذلك يعد من الاحتكار أن يضيق على الصغار امتلاك الأراضى الزراعية أو الاختصاص فيهاء بأن يكون هناك ملاك كبار لهم الأراضى الواسعة الكثيرة» وكلما ظهرت أراض استولوا عليها بطريق الشراء فلايستطيع صغار الزراعيين أن يغالبوهم فى شرائهاء فيكون على ولى الأمر التدخل وخصوصا أن أكثر الأراضى الاسلامية لايملك الملاك فيها الرقبة على النحى الذى بيناه .

3

والفريق الثائى من الفقهاء يخص الاحتكار الآثم بأنوا ع الطعام» ولانحد لذلك التخصيص مرجحا .

وقد اشترط كثيرون لتحقق الاحتكار الآثم ثلائة شروط :

أولها : أن يكون الشئ المحتكر فاضلا عن كفايته وكفاية من يمونهم سنة كاملة: لأنه يجوز للإنسان أن يدخر حاجة أهله؛ إن ثبت عن النبى مله أنه كان يحبس لأهله قوت سنتهم من الطعام إن تسنى له ذلك . ظ

وثانيها : أن يكون قد تريص الفلاء ليبيع بان فاحشة الغلاء لشدة حاجة الناس, وبذلك يجد الغنى ما يسد به حاجته أى ضرورته؛ ولايجد الفقير ما يدفع به حاجته أو ضرورته, | ْ

ثالثها : أن يكون الاحتكار فى وقت احتياج الناس إلى الشي؛ المحتكرء ولى كان الشئ المنع هو دفع الضرر عن الناس لا عن التجارء ولايكون ذلك إلا إذا كان الناس فى حاجة

شديدة , ٠‏ وقد رأينا شيخ الفقهاء أبا حنيفة يشترط فى الاحتكار الآثم شرطا رابعا وهى أن تكون السلعة المحتكرة مشتراة من ذات الإقليم الذى ظهرت فيه الضائقة . أما إذا كانت مجلوبة من إقليم آخر أو كانت انتاجا للمالك الذى انقرد بالملكية فإن أبا حنيفة لايعده احتكارا؛ وذلك النظر من أبى حنيقة مبنى على أصل ثابت عنده وهو احترام الملكية الشخصية وعدم التعرض لها إلا إذا ثبت ضرر مؤكد» وأبى حنيفة لايع ةبر ضرا فى البضاعة المجلوية أ المستوردة أو الناتجة فن عمل المالك لها بالزراعة أو نحوها إذا انفرد المالك لها ببيعها لأن الجلب قى ذاته خير والإنتاج خير للجماعة».ولى كان كل من يجلب يعد محتكرا يجبر على البيع بسعر ما قبل ندزة البضائع لامتنع الناس عن الجلب أو عن الاستيراد بلغة العصرء وذلك يؤدى إلى اشتداد الضائقة, بينما كثرة الجلب الذى يجب تشجيعه تؤدى إلى تخفيفهاء وكذلك الإنتاج يؤدى إلى تخفيف الضائقة فيجب تشجيعه ولايعد المنتج محتكرا )١(‏ , )١(‏ راجع فى هذا ٠:‏ الروض النضيرء شرح المجموع الكبير» باب البيع.

0

علاج الأزمات ؛

4 - عالج الإسلام الأزمات بما يكثل دفع الضرر عن الناس وقد سلك ثلاث طرق

أولاها : منع الاحتكار بأن تبا ع السلع المحتكرة جبرا عن صاحيها بالثين المعقول أو يجبس هو على البيع بالعقوية الشديدة التى تحمله على أن يبيع بكسب معقول لا استغلال فيه لحاجة الناس ٠‏ '

الثانية : الجلب لأنه يكثر العرض وهى فى الحقيقة يعالج الأزمة من جذرها لأن سببها قلة العرض وكثرة الطلب, والجلب يكثر العرض وقد لجأ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى الجلب عندما أصابت العرب أزمة شديدة فى العام الذى سمى عام الرمادة: لجأ إلى الجلب من الأقاليم الإسلامية الخصبة؛ فقد أرسل إلى عمرى بن العاض والى مصر من قبله يقول له فى كتابه : « الغوث الغوث » فأجابه عمرى : «ستكون عين أولها عندك وآخرها عندى», 0

وثالثها : التسعير بأن يوضع للسلع أثمان فيها كسب محدود لايظلم امالك ولايثقل على المحتاج, وقد نظر الإسلام إلى التسعير نظرة مترددة؛ فكثيرون من الفقهاء أجازوه, لأنه يدفع الأذى عن الناس ويمنع الاحتكار أى يخففه ويسهل العيشء ويجعل المستهلك ينال السلع بأثمان لاشطط فيها ولامجاوزة للاعتدال؛ ولأنه لاسبيل لحمل التجار على البيع بثثمان معقولة: ولأن واجب ولى الأمر أن يمكّن كل إنسان من أن يصل إليه ما يحتاج إليه بما يستطيعه؛ ولاسبيل لذلك إلا بالتسعير,

وقد قال أبى حنيفة وأصحابه: لايجوز التسعير, لقول النبى َه «لاتسعروا فإن المسعر هو اللّه» ولأن التسعير يؤدى إلى اختفاء البضائع من السوق الظاهرة إلى السوق الخفية. وعندئذ يكون التغالى فى الأسعار فيستطيعها الغنى ولا يستطيعها الفقير» ويتأدى بنا الأمر إلى أن من يستحق المعاونة يحرم؛ ومن هى قوى فى ذاته يجد. وبذلك تنعكس قضية التكافل الاجتماعى ويشتد الضيق على الضعفاء ولا ينال الأقوياء,

التسعير ما دام الجلب لا يغمر الأسواق حيث يكون التنافس بين التجار فى ترويج البضائع لا فى إخفائها. ظ

آم

- هذه نظرات الإسلام إلى التجارة: فتح بابها وقيّدها بالتراضي» وعمل على أن تكون حرية التجارة فى دائرة دفع الضرر وجلب المصلحة؛ وكذلك كل حق فى الإسلام مطلوب ما فيه من مصلحة: ومدفوع إذا كانت منه مضرة(!). وقد جاءت أحكام الإسلام بما ينظم الاتجار فى دائرة المصلحة؛ وقد عقدت أبواب مختثلفة فى الفقه الإسلامى لتنظيم الاتجار فى الدائرة الشرعية؛ فتككم الفقهاء فى عقد الشَلم وهى البيع الذى يكون المبيع فيه مؤجلا ويكون الثمن معجلا لينتفع بذلك من غنده مال ويريد بضاعة مستقبلة ومن ينتظر بضائع أ إنتاج زرع ويريد مالا عاجلاء وتكلموا فى عقد المرابحة بأن يبيع التاجر ما عنده على نسبة معينة فى الثمن تكون ربحا؛ وتكلموا فى عقد التولية بأن يكون البيع بمثل الثمن» وذلك عادة يكون بين التجار أنفسهم ليسد كل تاجر نقص بضائعه مما عند الآخر, وهكذا .

وكل تنظيم إنما يكون فى دائرة منع الضرر ليتحقق التكافل الاجتماعى على وجه كامل.

قيود الملكية

-٠‏ اتتهينا من الكلام فى الأموال التى ترد عليها الملكية الخاصة وطرق كسبهاء وقد قررنا فى أثناء بحثنا أن كل حق فى الإسلام مقيد بمنع الضررء وقد شرع لجلب مصلحة للناس» فالأحكام الشرعية كلها قامت لتحقيق مصالح العباد؛ وكل حق ثابت مقيد بعدم الضررء والمتتبع للأحكام الشرعية الثابتة بالنصوص يرى أنها محققة لمصالح العباد ودفع المضار عنهم؛ وقد ققال فى ذلك عز الدين بن عبد السلام: «تقديم المصالح الراجحة على المفاسد المرجوحة "محمود حسن" اتفق الحكماء على ذلك وكذلك الشرائع؛ وكذلك الأطباء يدفعون أعظم المرضين بإبقاء أدناهماء ويجلبون أعلى السلامتين والصحتينء ولا يبالون يفوات أدناهماء فإن طب الشرع وضع لجلب السلامة والعافية ولدرء مقاسد المعاطب والأسقام.. فإن تعذر درء الجميع أن جلب الجميع؛ فإن تسناوت الرتب تخير» وإن تفاوتت الرتب تستعمل الترجيح عند عرفانه!").

)١(‏ القواعد الكبرى لعز الدين بن عبد السلام جا ص4: (؟) القواعد الكبرى: لعز الدين بن عبد السلام جا ص؛

م0

بإ كانت الحقوق الإسلاية تستهدف الصلحة اكير معد مسكن من اناس وتقيه

ولكن يلاحظ أن الحقوق ما تقررت إلا لجلب المصلحة» فالملكية ما تثبت لاتحاد إلا أنها تحقق مصلمة لماجية الس ما حيث كما وأشش ها وما تعود عليه والمصيرة التى تصل إلى غيره خاصة أ إلى المجموع» فإن رجحت مصلحة صاحب الحق لا يمس حقه. وإن رجحت مضرة غيره قيّد ليدفع ذلك الضرر,

وضرر كبير ولكن لا يغلب على الظن وقوعه.

وضرر نادر الوقوع فلا يلتفت إليه.

الضرر المؤكد الوقوع:

١ه-‏ إذا كان صاحب الحق الخاص فى كيه يذر ب على تصرفه خرن مؤكد بغيره الحق فى الملكية الخاصة الذى ينزل بغيره. كهذا الذي يمسق زرعه فيترتب على شانية أن ينزل الماء فى أرض جاره لا محالة: , وكهذا الذى يفتح نوافذه على جاره فيتضرر الجار» لأن النوافت تطل على عوراته.

وقد قرر فقهاء الإسلام فى هذه المسائل وأشباهها قولا فاصلا: إذا كان صاحب الحق يمكنه أن يستعمل ملكه بطريقة لا يتضرر فيها الجار, واستعمل ملكه بهذه الطريقة منع, وذلك لآن التعاون الذى أوجبه الإسلام والتكافل الاجتماعى العادل يوجب عليه أن يوفق بين مصلحته ودفع الضرر عن غيره؛ لأن قصده إلى ما فيه ضرر غيره مع إمكان أن يتفادى الضرر يعد تعمدا للأذى وقصدا إليه وذلك تعد منهى عنه بنص القرآن الكريم,

وإذا كان لا يمكنه تفادى الضرر أى التضررء وفى هذه ينظر إن كان الضرر عاما أى

21

يلحق الكافة؛ فإنه يمنع لأن ضرر عامة الناس أكبر قدرا وأعظم خطرا من ضرر الآحاد, والحقوق الخاصة تذوب فى الحقوق العامة إذ حق الكافة مقدم على حق الآحاد بالنسبة لدفع الأضرار.

وإذا كان الضزر النازل بفير صاحب الحق ضررا ينزل بالآحاد لا يالكافة فإن حق صاحب الحق الأول أولى بالاعتبارء ولا يلتفت إلى ضرر غيره مادام لا يمكنه تفاديه فإن كان سقى أرضه السقى المعتاد يضر أرض غيره ولا يمكنه السقى المعتاد من غير ضرر الجار فإنه لا يلتفت إلى ضرر الجارء لأن حقه أولى بالاعتيار» ولهما أن يتفقا على مالا ضرر فيه.

الضرر الذى يغلب على الظن وقوعه: ا

7ه- إذا كان الضرر من استعمال الحق الخاص كثير الوقوع بحيث يغلب على الظن وقوعه عند وقوع الفعلء وقد قالوا: إن هذه الحال تلحق فى الأحكام بسابقتها وهى المقطوع الاحتياط يوجب العمل بالظن الراجح. ولأن القطع فى هذه المسائل العملية نادر: بل العبرة بغلبة الظن وأكشر أعمال الناس تبنى على غلبة الظن؛ فالإنسان يعمل ما يغلب على فلنه النفع» ويمتنع عما يغلب على ظنه الضرر فيه.

والعبرة فى غلبة الظن بكثرة الضرر بأن يكون الضرر الذى يترتب على الفعل كثيرا يزيد على النفع الخاص.

وإذا كان الضرر الذى يغلب على الظن وقوعه مساويا للنفع الذى يلحق صاحب الحق» فإنه يقدم نفع صاحب الحق الخاص لأنه أولى إلا إذا كان الضرر يلحق الجماعة فإن ضرر ' الجماعة لا يعد مساويا لضرر المنع لصاحب الحق إذ يكون ضررا دائما كثيرا باعتباره ناذلا بالمجموع. . |

57- هذا القسم هو ما يكون ترتب المفسدة على الفعل كثيرا فى ذاته إذا وقع ولكن فقهية مقررة: «دفع المضار مقدم على جلب المصالح» حيث يكون احتمال وقوع الضررء ولى

6

يغير غلبة ظن يمنع الفعل وتطبق عليه القاعدة التى تبينت فى الضرر المؤكد الوقوع؛ ولا يلتفت إلى أصل الإذن أو إلى الحق الخاص» إلا بمقدار الموازنة بين الضررين» وأنه يمكن تفاديه أو لا يمكن تفاديه.

هذا نظر بعض الفقهاء وقد قرروا ترجيح جانب الضرر عند وجود الاحتمال؛ وأخرون من الفقهاء اتجهوا إلى أصل الإذن؛ لأن أصل الإذن الذى كان لصاحب الحق الخاص تقرر لصلحة راجحة:؛ قلا يلغى اعتبارها إلا لدليل قاطع بالفنرر أو لدليل مرجح. وأما الاحتمال المجرد فلا يصلح دليلا على الضرر المتوقع؛ وإن الحقوق المؤكدة الثايتة التى تكون لصاحب الملكية الخاصة لا يزيلها توقع الضرر بطريق الاحتمال الذى لا أرجحية فيه.

وإن النظر الأول يرجحه مالك وأحمد, والنظر الثانى يرجحه أبى حنيفة والشافعى؛ فلا يمنعان حقا لمجرد احتمال الضررء ونحن نرى أن الاحتياط المنع» والأخذ بمذهب مالك وأحمدء لما ذكرنا من أن دفع المضار مقدم فى الاعتبار على جلب المصالح كما قررناء ولآن صيانة الإنسان حقوق غيره ومنع الضرر عنه أصل ثابت بالنصوصء ولأن النبى لله قال: «لااضرز ولا ضرار» ولأن الشرع الإسلامى نهى عن أمور كانت فى أصلها مأذونا فيها؛ لأن الضرر يقع منها بطريق احتمالى كالنهى عن الهدية إلى الولاة: وكالنهى عن تلقى السلع, وكالتهى عن المساومة على سوم أخيه فإن الضرر فى كل هذا احتمالى؛ ومع ذلك نهى عنها. ويقول فى ذلك الشاطبى فى كتابه الموافقات: «الشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم والتحرز عما عسى أن يكون طريقا إلى مفسدة».,

الضرر القليل الناشئ؛ عن الحق الخاص؛

4ه- إذا كان الضرر المترتب على استعمال الحق المأذون فيه نادر الوقوع أو كان فى ذاته قليلاء فالحق باق على أصل المشروعية:؛ لأن ضرر المذع ضرر مقطوع به بالنسبة لصاحب الحقء وهو صناحب الإذن الخاصء فلا يلتفث إلى الضررن القليل؛ إذ العبرة بأصل الحق الثابت فلا يعدل عنه إلا لعارض الضرر الكثير بالغير. وهنا لا يوجد مسوعٌ للعدول عن الإذن لصاحب الحق الخاص الذى أعطي لمصلحة مؤكدة قررها الشارع فلا تترك لضرر قليل ولا توجد مصلحة تكون فى ذاتها خالية من ضررء والشرع الإسلامى فى مقرراته اعثتبر غلبة المصلحة ولم يعتبر ندرة الضرر أو قلته('). (1) راجع هذه الأقسام فى كتاب (الموافقات) للشاطبى ج ص١0‏ وما يليها فهى مأخوذة منه بتصرف.

66

6- هذه نظرة الشريعة إلى الملكية الخاصنة. أثبتتها وجعلتها حقا ولكنها لم تخلها من واجبات» بل أوجبت فيها واجبات» وأساسها منع الضرر بالغير: وحددت مواضعها. قلم تجعل كل مال صالحا لأن تجرى عليه ملكية, وذلك كله لأنها اعتبرت المجتمع كلا غير مقطع الأجزاءء فإذا كانت قد أثبتت الملكية الفردية فلمصلحة المجتمع: ٠‏ ولكي تعمل كل عتناصره. وتيذل الجهود كلهاء » وتتلاقى عند غاية واحدةء وهى المصلحة الإنسانية العامة, ويذلك يتحقق التكافل الاجتماعى على أكمل وجه.

ميراث الملكية

1- الحقوق فى الشريعة الإسلامية تورث ما دامت قابلة لأن تنتقل من ذمة إلى ذمة, وتخلف ذمة أخرى فى الأموال, ٠‏ فيخلف الحى الميت فيما كان له من حقوق مالية أى تقوم يمال؛ آى تكون متعلقة بالأموال.

وقد شدد الشرع الإسلامى فى الميراث, وإذلك تولى القرآن الكريم بيانه وبيان مراتبه وما يستحقه كل وارث؛ ولم يترك للسنة من بيانه إلا القدر القليل الذى يشبه أن يكون تفريعا أو بياتا لنص مجمل من القرآن» والأصل فى البيان هى القرآن, وقد عد المواريث النبى عله نصف العلم الاسلامى: فقد قال عليه الصلاة والسبلام: «تعلموا الفرائض (أى المواريث) وعلموها التاس فإنها نصف العلم وهى أول شئ يتسى» وأول شئ ينتزع هن أمتى».

ولم يعتبر الإسلام الملكية الخاصة أو الحقوق مقصورة على مالكهاء بل إنها تنتقل ويخلف المتوفى من تكون حياته امتدادا لحياته؛ أو من يكون مرتبطا معه بحقوق وواجبات, وهم الأقارب والأزواج» ويقول عليه الصلاة والسلام: : «من ترك مالا أوحقا فلورثته» ويقول عليه الصلاة والسلام: : «من ترك مالا فلورثته, ومن ترك عيالا فإلى وعلئ». ٠‏ وإنه ليس لمسلم أن يذكر أن الأموال فى الإسلام تنتقل من الشخص إلى ورثته؛ ومن أنكر ذلك فقد أنكر أمرا أجمع عليه المسلمون وعلم من الدين بالضرورة؛ ومن يتكر أمرا كذلك لايكون مؤّمنا بالله ورسوله عله '

1ه- وقد يقول قائل: إن أسباب كسب الملكية تكون من الشخص الذى قام بهذه الأسباب: فهى الذى فلح الأرض وشق أنهرها أو عمل وأنتج بعمله أ ارتكب المخاطر؛ فكيف

كه

يأخذ هذه من لم يفعل ذلك» ومن لم يقم بئى جهد فى سبيل الحصول على هذه الثمرات: وقد قيل ذلك القولء وهى نزعة الذين يرون فثاء الفرد فى الجماعة: أى بعبارة أدق يرون فناء الأسرة فى المجتمع: وهى نزعة أراد تحقيقها بعض فلاسفة اليونان فتبين لهم فسادها .

وإن الإسلام جعل الميراث فى الأسرة وهى تمتد امتدادا بغيدا: فليسث مقصورة على الأبوين والأولادء بل هى تشمل كل من يلتقون مع الشخص بالقرابة ولى فى أبعد الجدود والجدات؛ وذلك من قبيل التكافل الاجتماعى فى داخل الأسرة؛ فإذا كان الإسلام قد أثيت الفردية فى حدود محدودة؛ فقد أوجب التكافل الاجتماعى فى داخل الأسرة وحافظ على كيانها لأنها اللبئة التى يبنى منها المجتمع؛ فالمجتمع القوى لا يكون إلا إذا كانت عناصره

ومنافع الأسرة متبادلة بين آحادها: القوى فيها يحمى الضعيف والغنى يمد الفقيرء فقد أوجب الشارع للفقير العاجز نفقة فى مال قريبه الموسر, فكان ذلك التيادل سببا فى أن جعل الأسرة خلفا للميث فى ماله.:

وإن جعل الأموال تئول إلى الأسرة مرتبة حسب درجة القرابة وحسب الحاجة: فيه توثيق العلاقة بين آخادهاء لأن إحساس كل واحد من الأسرة بأن له شطرا فى مال الآخر يأخذ منه عند العجز ويئول إليه يعضه عند الوفاة مما يقوى دعائمها وينمى التعاون بين آحادها. وإنه من الوقت الذى يبتدئ فيه الانحلال فى الروابط التى تربط أحاد الأسرة يكون ابتداء انحلال المجتمع؛ فيصير أحادا متناثرة؛ لا وحدة تجمعهاء ولا أواصر تمسكها ,

وإن جعل الشارع الإسلامى الوراثة فى الأسرة مجتمعة, ويعضها أولى من بعض هو الأمر الوسط بين الذين يمحون التوارث محوا تاما ولا يعتبرون للشخص مالا إلاما كسبت يداه. ونظر الإفراديين الذين يجعلون للشخص السلطان الكامل فى ماله يعد وفاته. كما له السلطان فيه حال حياته؛ لأن الشارع الإسلامى جعل امال يئول جبرا إلى الأسرة من غير إرادة المالك؛ ولم يجعل له التصرف إلا فى الثلث ليؤدى منه واجبات مالية فاته أداؤها فى حياته. أ ليبر بها من كان له فضل فى تكوين ثروته. أو ليعين بها ضعيفا قريبا أو بعيدا .

ففى نظرية الشيوعيين ونظرية الإفراديين اطّراح للأسرة؛ فالأولى أهملتها؛ ولو أراد امالك رعايتهاء والأخرى تركتها لإرادته؛ إن شاء أعطى وإن شاء منع؛ وربما يسير بالعطاء

/ام

والمنع فيما لا يوثق علائق الأسرة بل فيما يوهنها. فجاء الشارع الإسلامى وسلب من المورث الإرادة فى الثلثين: وترك لإرادته الثلث؛ ولم يسلبه الإرادة إلا ليعطى المال للأسرة بالقسطاس المستقيم ولكيلا تكون فى نفس واحد منها جفوة المنع والإعطاء إن تولى المالك ذلك.

وإن شئت أن تقول: إنه بمقتضى التنظيم الإسلامى للنفقة بين الأقارب والميراث- أن النظام الإسلامى يجعل مال الأسرة بين آحادها فيه شركة فقلء بيد أن الملكية ثابتة مالك لا يحل شئ من مال الآخر إلا بطيب نفسه؛ ومظهر تلك الشركة الضيقة فى معناها نفقة القريب الفقير العاجن على قريبه الغنى؛ وجعل الميراث إجباريا فى داخل الأسرة.

- وإن التوزيع الإسلامى العادل للميراث يبدو بادى الرأئ أنه يقوم على ثلاث دعائم:

الدعامة الأولى: أنه يعطى الميراث للأقرب الذى يعتبر شخصه امتدادا فى الوجود لشخصه من غير تفرقة بين صغير وكبيرء ولذلك كان أكثر القرابة حظا فى الميراث الأولاد» ومع أنهم أكشر حظا من غيرهم لا يستأثرون به, بل قد يشاركهم فيه غيرهم. وذلك لمنع تركين المال فى ورثة بأعيانهم. فإذا كان للمتوفى الأب والأم مع الأولاد أخذا الثلث ويقى للأولاد وأمهم وهى الزوجة الثلثان؛ وما يكون للأبوين يكون لأولادهماء وهم غالبا إخوة المتوفى وإذ يئول إليهم نصيب الأبوين يكون الاشتراك فى المال بدل الانفراد» وذرى من هذا أنه مع أن الإرث للأقرب لم يكن على سبيل الاستئثار بل كان فيه اشتراك.

الدعافة الثانية: ملاحظة الحاجة فكلما كانت الحاجة أشد كان العطاء أكثرء ولعل ذلك هو الس فى أن نصيب الأولاد كان أكثر من الأبوين مع أنه من المقرر شرعا أن الأبوين لهما نوع ملك فى مال أولادهما كما ورد فى الحديث الشريف: «أنت ومالك لأبيك» ولكن لأن حاجة الأولاد إلى الأموال أشد لأنهم فى الغالب ذرية ضعاف يستقبلون الحياة ولها تكليفات مالية, والأبوان فى الغالب يستديران الحياة ولهم فضل مال فتكون حاجتهما إلى المال أقل.

وإن ملاحظة الحاجة فئ الميراث هئ التى جعلت للذكر مثل حظ الأنثيين ذلك لأن التكليفات المالية يطالب يها الرجل فهى المطالب بنفقة الأولاد وإن الفطرة الانسانية هى التى جعلت المرأة قوامة على البيت والرجل كادحا عاملا لتوفنير القوت, فكان هذا داعيا لأن يطالب هو بتقديم المال» وتطالب هى بتدبير البيت.

الدعامة الثالثة: أن الشارع الإسلامى فى تقسيمه للميراث كان يتجه إلى التوزيع دون التجميع. فهى لم يجعل وارثا ينفرد بالتركة كلها إلا نادرا؛ فلم يجعل التركة للولد البكر دون سائر الأولاد بل وزع التركة كلها بين غدد من الورثة والأولاد والإخوة. أو أولاد العم؛ وللأزوااج تصيب مفروض قد يصل إلى النصف بالنسبة للزوج ولا يقل عن الريع له. وقد يصل إلى الربع بالنسبة للزوجة ولا يقل عن الثمن. وهكذا يستمر التوزيع فى الأسرة ولا ينفرد به فرد

7 5 أقى صنقف.

5- وإنه يلاحظ أن الورثة فى البلاد الإسلامية عند قوة الصلات بينهم لا يقسمون الأراضى الزراعية بل تستمس على الشيوع ويجئ الأخلاف وتستمر على الشيوع؛ ويتعاقبون على ذلك جيلين أو ثلاثة» فتكون الأسرة الكبيرة ذات أرض واحدة تتعاون فى زراعتها وتقسم خيراتها بينهم بنسبة ميراثهم؛ وإن ذلك بلا شك تنظيم تعاونى فطرى يبنى على الدم ولا يطفى فيه قريب على قريبء ولا يعتدى فيه رئيس أو مروسء ولا يأكل بعضهم بعضاء بل يتازرون بحكم القرابة؛ بذلك تكون جمعية تعاونية ألفتها الفطرة بدل جمعية يؤافها القانون من آحاد مختلفين لا رابطة تجمعهم إلا الجوار فى الزراعة وقد يكونون أعداء وقد يكونون من قرى مختلفة متباينة ولا تكون الثقة بينهم متبادلة؛ والرياسة فيهم ليست رياسة الفطرة بل هى رياسة التعيين: ويندر أن يكون الاختيار سليما. ظ ظ

وقد جربت البلاد الشيوعية أن تكون الدولة هى الزارعة وانتهت التجربة على غير ما يحمدون,؛ ويجربون الثانية بأن تكون الزراعة بطريق جمعيات التعاون ولا تزال تحت التجرية لم يستبينوا أمرها . وتتجهالآن إلى الملكية الفردية للأراضى.

وتطبيق الشريعة أوجد تعاونا فطريا لا يحتاج إلا إلى الإرشاد الزراعى والتوجيهى ألا فلتتمسك بالإسلام: ‏ 1 0

. التعاوق لدفع أضرار العجز مقيد وتتعلق به حقوق وواجبات كما بينًا.

وه

وأعظم هذه الحقوق ما يتعلق بتأمين العجزة من شيوخ ويتامى ومرضى؛ قليس الإاسلاخ دين التكفف, كما يزعم بعض الذين يأخذون أحكام الإسلام من حال بعض المسلمينء عندما أهملت أحكام الإسلام» بل أحكام الإسلام تؤخذ من نصوصه ومقرراته- وتطبيقاته عندما كان يطبق تطبيقا سليما يلاحظ فيه احترام نصوصه وحقائقه. لا إهمالها أى الانخراف عن تطبيقها أى تطبيقها دون المخبر, ١‏

وإنما الاسلام دين التكافل الاجتماعى على أكمل وجه. وقد بين كيف كان التنسيق بين الملكية الفردية وحق المجتمع مما جعل المجتمع متكافلا تكافلا تاما ومتعاونا تعاونا سليما.

والآن نيين التكافل الاجتماعى فى سد حاجة من عجزوا عن العمل وسنرى فى هذا نظاما لم يسبق ولم يلحق ركبه؛ وإن الإسلام لاحظ الضعفاء فى الدولة وأوجب رعايتهم: ولقد قال فى ذلك النبى عَلهُ: «ابغونى فى ضعفائكم؛ إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم».

ولبيان علاج الضعف الإنسانى نذكر ثلاثة أمور ا

أولها : علاجه من داخل الأسرة, وثانيها علاجه فى المجتمع بتنظيم الدولة وما أوجبه الشارع عليهاء وثالثها بالوجوب الدينى على الآحاد.

ولنتكلم عن الأمور الثلاثة:

علاج العجزفى الأسرة

١‏ الأسرة فى الاسلام وحدة متكافلة كما أشرنا من قبل وقد عمل الإسلام على دعم الأسرة لتكون قوية متماسكة؛ وقد عنى القرآن ببيان أحكام الأسرة كلهاء فبين أحكام الزواج والطلاق والميراث. وأشار فى عبارة كلية إلى أحكام النفقات: ولم يبين القرآن أحكاما فى أى موضوع كما بين أحكام الأسرة بالذات, لأنها وحدة البناء الإنساني؛ ولا يوجد مجتمع متماسك قوى إذا انحلت الأسرة: وإنه يكون حينئذ مجتمعا ماديا لا معنويات فيه.

ومن أعظم دعائم الأسرة التعاون بين آحادها وأوضح هذا التعاون أن يعين الغنى فيها الفقير العاجن.

54

تفق فقهاء المسلمين على وجوب أن ينفق الغنى على الفقير العاجز. واختلفوا فى مدي هذا ذا الوجوب شديقا وسعة. ولكن الجدين بالاعتبار هى رأى الإمام أحمد بن حتبل وهى يجعل النفقة تسير مع الميراث» وهو مأخوذ من الكتاب والسنة: :وهى أقرب إلى القواعد الفقهية وهى أوسع المذاهب الفقهية فى الوجوب وقريب منه فى التوسعة المذهب الحنقى فهو يجعلها على الأقارب الذين يمتنع التزاوج بينهم!),

من تجب عليه نفقة القريب: ٠‏

؟7- تجب النفقة للفقير العاجن على مقتضى المذهب الحنفى الذى اخترناهء وقررتا أنه أقرب المذاهب إلى النصوص والقواعد الفقهية وأوسبعها تعميما للقرابة التى تلزم يالنفقة على الوارث- أن من يرث الققير العاجز إذا مات عن مال تجب عليه نفقته.

أما قربه للنضوصء فلانه تطبيق للنص القرأنى الذى يوجب نفقة الصغير على الوارث له. فقد صرح النص بأن نفقة من ترضع الصغير علئ أبيه, فإن لم يكن له أب فإنها تكون على الوارث ونفقة المرضع هى أجرة الرضاعة وهى جزء من النفقة على الصغير, .ومثل الصغير كل عاجز من ذوى القرابة.

وأما انطباقة على المقاصد الإسلامية فلأن من القواعد المقررة فى الشريعة أن الحقوق والواجبات متبادلة, فإذا كان الميراث حقا للوارث إذا مات الشخص غنيا فعليه واجب الانفاق إذ!ا عجز. .

ومع أن أكثر البلاد الإسلامية كانت تسير على مذهب أبى حنيفة إلا المملكة العربية الحجازية: فقد اقترح المجتمعون فى حلقة الدراسات الاجتماعية سنة ؟10١‏ العمل بمذهب أحمد بن حنبلء لأنه يوسع القرابة المستحقة للنفقة أكثر من غيرهء بيد أنهم لاحظوا فى المذهب الحنفى معتى إنسانيا يجب الأخذ به؛ وهى أن النفقة تجب مع اختلاف الدين إذا

1) الأقوال بالنسبة لوجوب الثفقة أربعة: أضيقها المذهب المالكى وهو يوجبها بالنسبة للأبوين على الأولاد وبالنسبة للأولاد على الأبوين. ويفتح الباب المذهب الشافعى قليلا يجعلها فى الأصول على فروعهم والفروع على أصولهم والذهب الحنفى يجعل النفقة فى القراي المصرمية فكل قريب" يصع الزواج منه إذا كان أحدهما أنثى تجب له التفقة فلا يوجبهاعلى ابن العم لآن قرابته غير محرمية ويوجبها على الخال لأن قرايته محرمية مع أن الأول يرث قبل الخال والمذهب الحنبلى جعلها تسير مع الميراث سيرا مطردا.

كانت نفقة الأصول والفروع فنفقة الأب على ابنه ولى اختلف دينه؛ ونفقة الابن على أبيه ولى اختلف الدين, فإذا كان لرجل ولدان أحدهما مسلم والآخر مسيحى؛ وهو مسيحى وهى فقيس فالنفقة عليهما على سواءء ولهذا المعنى الاجتماعى الإنسانى:؛ أبقت حلقة الدراسات ذلك الجزء من المذهب الحنفى وهى الذى يتفق مع النصوصء لأن النصوص القرانية تجعل النفقة على الأب دائما . وتوجب على الود الإحسان إلى الأبوين ولى كانا مشركينء ولأن الولد مطلوب منه أن يصاحب أبويه دائما بالمعروف, ولكن لا يطيعهما إن أرادا منه الشرك بالله(!),

وإن النفقة للعاجز من الأقارب إذا كان فقيرا فلا تجب للقادر ولى كان فقيراء بل عليه أن يعمل إلا أنهم قالوا أن نفقة الآباء والأمهات تجب على الأولاد ولو كان آباؤهم قادرين على العمل ماداموا محتاجين, لأن الواجب للآياء على أبنائهم أن يكفوهم مئونة العمل ويعملوا هم, لأن الإحسان إلى الأبوين يوجب على الأولاد أن يعملوا ويغنوهما عن العملء ولأن من المقررات الشرعية أن كسب الود كسب لأبيه, ولأن النبى عله قال: «أنت ومالك لأبيك» ولآن الشركة الطبيعية يين الأب والأم وأولادهما تجعل للأبوين شركة فى مال الولد» وأن ذلك من شأنه توثيق الروابط فى داخل الأسرة ونشر روح التراحم والتعاون فيها.

1+ والعاجز الذى تجب له النفقة هى الذى لا يستطيع العمل لعجزه بمرض أو شيخوخة أو عاهة لا يمكنه التكسب مع وجودهاء أو يكون فى حال خرق لا تمكنه من أن يتولى أى عمل. وتعتبر الأنثى التى لا تعمل وليست ذات زوج عاجزة عن الكسب بسبب الأنوثة ذاتها.

ومن العجز أيضا أن يكون طالب النفقة متصصرفا لطلب العلم وله مواهب تمكنه من السير فيه إلى أقصى مراحله؛ لأن المواهب يجب أن تظهرء فيجب من جانب الدولة أن تهيئ الأسباب لإظهارها بتمكينه من التعلّم فى مراحله ما دامت مواهبه تستجيب لها ويجب على الأسرة إذا كان فيها القادر أن يهيئ له أسباب المعيشة:, وتكفل له الرزق فتمده بالنفقة المستمرة. ٠‏ )١(‏ قال الله تعالى: «ووصينا الإنسان بوالديه؛ حملته أمه وهنا علئ وهن وفصاله فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما قى الدنيا معروفا». (سورة لقمان الايتان .)١6 ,١5‏

55

وقد ذكر الفقهاء أن من أسباب العجز أن يكون الشخص من طبقة لا يستخدمها الناس ولا يعهدون إليها بعمل فيعتبر بذلك عاجزا لأنه لا يسند إليه أى عمل كان يأكل منه.

ويشبه هذا من لا يستخدمون لأنهم لا يجدون عملا ويتعطلون وم يكن التعطل بسبب فساد خلقى أى إهمال أى تقصيرء فإن التعطل الذى لا يقترن بذلك يكون من أسياب العجزء ولكن إذا كان بسبب الفساد لا يكون عجزا يقتضى المعونة بل يكون جريمة تستوجب العقاب» وأقل عقاب ألا يعان لكى يصلح من نفسه ويعمل على أن يقوم يواجبه؛ ولا يفسد العمل ومن

ولا شك أن من تجب عليه النفقة لابد أن يكون ذا يسار بحيث يفضل عن حاجاته الأصلية ما يمكنه أن يمد قريبه العاجز عن الكسبء واليسار على أرجح الأقوال فى المذاهب الفقهية بأن يكون كسويا يفضل من كسبه اليومى أو الأسبوعى أو الشهرى ما يمكن أن يقدر فيه مقدار من النفقة يمد به قريبه العاجزن عن الكسب,

وقد لاحظ الفقهاء الأبوين فى هذا المقام أيضا فقالوا: إنه لا يشترط أن يكون الولد بالنسبة لأبويه متيسرا لكى يجب عليه أن يعينهما فى شيخوختهما بل الشرط فقط القدرة على العملء وإن لم يكن فى كسبه ما يفضل لهما ضمهما إليه وأكل معهما مما يكسب. قليلا كان أو كثيراء وذلك لأن القرآن الكريم نهى الولد عن أن يتأفف من أبويه إذا بلغا عنده الكبرء وإذا كان لا يسوغ له أن يتأفف مثهما فأولى آلا يتركهما جائعين» وقد أمر أن يصاحبهما فى الدنيا معروفا؛ وليس من المصاحبة بالمعزوف أن يتركهما من غير طعام بل يشركهما فى طعامه(١),‏ ش

14 وإن النفقة تجب دينيا على القريب لقريبه العاجز أو المحتاج فى الحدود التى رسمناها وتقانا رسمها من أقوال الفقهاء. ا

فإن أدى ما يوجبه عليه الدين طائعا من غير إلزام فله الثواب على ما أداه» ويكون قد وصل رحمه استجابة لقول النبى طَللهُ: «من أراد أن يبارك له فى رؤقه وينساً له فى أثره»

)١(‏ قال الله تعالى «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسسانا إما يبلفن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جتاح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيائنئ صغيرا». (سورة الإسراء: الآيتان 519 14؟)

31

فقليصل رحمه» وتلك النفقة من صلة الرحم؛ وإذا لم يؤد القريب الموسر ذلك الواجب الدينى فإن لهذا الفقير العاجن أن يطلب من القضاء إلزامه بذلك, وذلك بدعوى يرفعها. ويذلك ينتقل الواجب الديتى إلى واجب قضائى يلزمه به القضاء.

والقاضى عليه أن يحكم له بالنفقة إن توافرت أسبابها فى المدعى والمدعى عليه, وقضايا هذه النفقات تكون من غير رسوم تدفع كما هى المقرر فى الفقه الإسلامىء لأن القضاء بكل فروعه فى الفقه الإسلامى لا أجرة عليه, وبالتالى لا رسوم عليه إتما على الدولة وظائف الدولة, لأنه ميزان بنيانها ومقيم العدالة فيهاء ولا استقامة لأمة من غير عدل,

واجب الدولة نحو العاجزين

-٠‏ وإذا لم يكن للفقير العاجز من ينفق عليه وقد علمت أن الأقارب الذين تجب عليهم يشملهم معنى القرابة قى أوسع معانيه. قيشمل الآباء والأجداد والجدات. والأيناء وأبناء الأبناء وأبناء البنات, مهما نزلواء ويشمل الإخوة والأخوات وأولادهم والأعمام والعمات وأولادهم, ؛ والأخوال والخالات وأولادهم؛ وأعمام الأب وعماته؛ وأولادهم, وأعمام الجد وعماته, وهكذا مهما يعدت درجة القراية.

ولا شك أن القريب العاجن لا يعدم أن يجد من هؤلاء من يستطيع طلب النفقة منه. ويلزمه القضاء بالانفاق عليه. وهو من تحقيق التكافل الاجتماعى فى الأسرة بققصى مدى.

ولكن إذا لم يكن فى القرابة قاصيها ودانيها من يستطيع الإنفاق على الفقير العاجز, فعتدئذ ينتقل الوجوب من الأسرة الصغرى إلى الأسرة الكبرى, .وهى المجتمع ممثلا فى الدولة التى تحميه وتنسق بين قواه وتقوم بالقسط فيه وتنفذ التكافل الاجتماعى فيه على أكمل الوجره. 2

وإذا نامت انرة بالاجب عليها نفذ القائم عليها حكم الشرع الذى أدجب عليها تنفيذه كما كان يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ققد كان يمد العاجزين: حتى أنه كان يزوجهم؛ وكما كان يفعل أبو بكرء وكما كان يقعل عمر رضى الله عنه الذى كان يبحث عن

53

الفقراء ليعطيهم: والذى أخذ على نفسه عهدا أنه إذا عاش ليتثقلن بين الأقطار الإسلامية يبحث عن الفقراء ليعطيهم: وإذا قامت يذلك الدولة فقد أدت ما وجب عليها وكان للقائم عليها الثواب من الله تعالى ويكون التنفيذ فى هذه الحال بالطريق الإدارى.

وإذا لم تقم الدولة بواجبها فى ذلك فإن القضاء يحكم عليها ويلزمها كما قرر الفقهاء,

وذلك مبداً لم يسبق به الإسلام؛ ويجب على بيت ا مال تنفيذ ذلك الحكم.

وقد يرد اعتراضان:

الاعتراض الأول: كيف يقضى القاضى على ولى الأمر وهو الذى ولاه ويعد نائبا عنه, ويرد ذلك الاعتراض بأن ولى الأمر عندما يمكن ذا الأهلية من رجال القضاء من القيام بالعدالة؛ فولايته لا تعد إنابة عنه, ولكن تعد تمكينا لذوى الكفاية من القيام بحق الناس عليهم, ثم القاضى بعد هذا التمكين يعد نائبا عن المسلمين وليس نائبا عن الحاكم؛ ولذلك كان له الحكم عليه وإلزامه. ١‏

والاعتراض الثانى : من أى المواد ينفق ولى الأمر على الفقير العاجز؟. ونقول أن

مواردها وللفقير حق فى كل مورد من هذه الموارد» ها هى ذى الأقسام:

القسم الأول :5 بثك مال الغنائم»» وهى خاص يما يغلم فى الحروب. وينفق منه على

القسم الثاني : «بيت المال الخاص بالجزية والخراج». وهذا يصرف منه على مرافق الدولة وفقراء الدولة غير المسلمين الذين يستظلون بالراية الإسلامية, ويتمتعون برعوية دولة الإسلام.

القسم الثالث : «بيت مال الزكاة» وهذا يصرف منه في مصارف الزكاة التي سنبينها إن شاء الله تعالى.

القسم الرابع : «بيت امال الخاص بالضوائع». وهي الأموال التي لا يعرف لها مالك والتركات التي لا وارث لهاء وقد قال الفقهاء أنه كله للفقراء فيعطى منه الفقراء العاجزون نفقتهم وأدويتهم ويكفن موتاهم: ويقول الفقهاء: على الإمام صرف هذه الحقوق إلى أصحايها.

م5

الزكاة

كك نرى من أقسام بيت المال ومصارفها أن الفقراء لهم حظ في كل مورد من أعظم مورد للتكافل الاجتماعي الخراج والزكاة, أما الخراج فقد أشرنا إليه عند الكلام في الأراة ضي الزراعية وأحكامها وحسيتا هذه الإشارة في هذه الرسالة الصغيرة.

وأما الزكاة فهي التي يجب أن نتكلم عنها في هذا الجزء من كلامنا بعبارات موجزة لأنها الواجب الأول على الدولة بالنسبة للفقراء,

والزكاة قد شرعت فى الإسلام فى السنة الثانية من الهجرة؛ وقام النبى مله بجمعهاء وأرسل ولاة الصدقات يجمعونها من القبائل التى كانت تدخل فى الإسلام: ولقد جاء فى وصاياه للذين يذهبون إلى القبائل: «فإن أسلموا فخذ من أموال أغنيائهم الصدقات: وردها على فقرائهم» وقد بين التبى عله الزكاة ووعاءها فى كتب كان يرسلها إلى الولاة الذين يجمعوتها » وحفظ الصديق خليقة رسول الله َيه هذه الكتب. » وتفذها فى خلافته. كما نفذها الذين جاءوا من بعده من الراشدين.

وأنه قد حدث أن كثيزا من القبائل العربية قد ارتدت عن الإسلام وامتنعت عن الصلاة والزكاةء وتجمع المرتدون وحاولوا أن يستولوا على المديئة» فتجرد أبو بكر رضى الله عنه. وأخذ الأهبة, وأعد العدة ليحملهم على الدخول فى الطاعة, بعد أن خرجوا عن الإسلام وحاريوا الجماعة: وقاتلهم» وعركهم, ٠‏ وخيرهم بين أن يسلموا أو يقاتلوه حتى يجلواء فكان هنهم من عاد إلى الإيمان» ومنهم من قبل إقامة الصلاة» وامتنع عن أداء الزكاة» وأرسلوا إلى الضديق أن يعاملهم على هذا الأساسء ولكن الصديق رضى الله عنه رأى أن الامتناع عن الزكاة امتناع عن الطاعة؛ ولا تتكون دولة بعض أجزائها ممتنع عن الضريبة الاجتماعية فيها,

وقد خالف بعض الصحابة أبا بكر ابتداء» ولكنه أصرء وقال: «والله لى منعونى عقالا أعطوه لرسول الله لقاتلتهم عليه». وقال: «والله لى أفردت من جمعكم لقاتلتهم حتى أهلك مهلكاء أى أنال مطلبا»؛ وكان من المعارضين ابتداء عمر ين الخطاب رضنى الله عنه؛ فخذ أبى بكر بلحيته وقال له غاضيا: «ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أجبار فى الجاهلية خوار فى الإسلام».

31

وما زال أبو بكر يصيح فى مخالفيه صيحة الحق؛ حتى شرح الله صدورهم لرأيه فقاتلوا على الزكاة كما قاتلوا على الصلاة.

/1- ومن هذا السياق يتبين أن الزكاة ليست صدقة منثورة كما توهم بعض الناس, وليس فيها إذلال للفقيرء وليست همجية كما ادعى البعضء إنما هى الضريبة الاجتماعية؛ إن صح لنا أن نعبر عن هذه الفريضة الدينية بهذا التعبيرء وقد كان النبى مله يجمعها, وجمعها الصديق وعمر. ظ

ولكن حدث فى عهد ذى النورين عثمان بن عفان أن كثرت الأموال فى أيدى الصحابة وامتلا بيت المال بالصدقات, فرأى ذلك الخليفة أن يجمع زكاة الأموال الظاهرة وهى زكاة الزروع والثمار والإبل والبقر والغنم, وترك الناس يؤدون للفقراء زكاة الأموال الباطنة, وهى زكاة النقود وزكاة التجارة لكيلا يقوم بتفتيش على النواحى الباطنية؛ ويرهق الأغنياء, بل تركهم لدينهم فى هذه المسألة, وخصوصا أن منهم من له أقارب فقراء يريد أن يبرهم من مال زكاته.

: وقد رأى الفقهاء فى عمل ذلك الخليفة ما يخالف عمل النبى وعمل الشيخين أبى بكر وعمرء وقد حاولوا أن يخرجوا عمله على أساس ما عمله مَنْ قبله فقالوا إن عثمان أتاب عنه بالنسبة للأموال الباطنة أرباب الأموال ليصرفوها فى مصارفهاء ولذلك قرروا أنه لى ثبت أنهم لا يؤدونها أجبرهم على أدائها إليه» وتولى هى توزيعها؛ فهى لم يتخل عن الأصلء ولكنه تصرف فى أذائها بما يناسب زمنه وقد قرر الفقهاء بالإجماع أنه لى بلغ الإمام أن أهل قرية لا يؤدون زكاة الأموال الباطنة يجمعها منهم. ظ

والفقهاء فرضوا أن المتولى أمر المسلمين قد يكون مفسداء فهى ربما يجمع الأموال لينققها فى شهواته؛ ولا يؤدى للفقير حقه؛ فقالوا فى هذه الحال أنه إذا فسد أمر بيت المال صارت الزكاة واجبة وجوبا دينيا على أصحابها؛ وعليهم هم أن يتولوا أداءهاء وهذا هو السر فى خط كثيرين فى فهم حقيقة الزكاة, لأنهم لم يروا إلا حكاما فأسدين أهملوا الفريضة وأقسدوا بيت مال المسلمين ورأوا أن أرباب الأموال يتولون إنفاقها على الفقراء إن كان فيهم دين» فظنوا أن ذلك هى نظام الإسلام؛ وما هى إلا فساد الحكامء وإن الجهل لا يبرر التهجم على الحقائق الإسلامية,

/

4- ويهذا السياق يتبين أن الزكاة حق معلوم للفقير فى مال الغنى, وإذا وجبت الزكاة فى مالء فإنه يكون شركة بين الفقراءء يمثلهم ولئ الأمر العادل» وبين أصحاب الأموالء فإذا وجبت الزكاة فى زرع لا يكون ملكا خالصا لصاحبه؛ بل يكون لصاحب الزرع تسعة الأعشار إن سقى من غير آلة» والعشر لبيت مال المسلمين: أى الققراء المسلمين» وإذا باعه صاحبه يكون بيعه باطلا عند كثير من الفقهاءء لأته باع ما لا يملك فى ضمن ما يملك» والبيع على هذا النحى لا يكون صحيحا عند الشافعى وأحمد بن حنبل؛ وهناك وجه آخر عند هولاء أن البيع يكون صحيحا فى حصة المالك» وياطلا فى الحصة الأخرى؛ لأنه بيع ما لا يملك بالنسبة لها وبيع الإنسان ملك غيره على أنه مالكه باطل. ٠‏

وقد قرر جمهور الفقهاء أن من يموت ولم يؤد الزكاة الواجبة عليه تكون دينا فى التركة لا تخلص للورثة إلا بعد سدادهاء كمن يموت وعليه دين للعباد: فإن التركة لا تخلص للورثة إلا يعد سداده؛ بل إن الحنابلة والشافعية يقررون أن دين الزكوات يكون مقدما على دين العبادء لأن دين الله أحق أن يوفى به كما صرح بذلك النبى عن

وبذلك يطبق الفقهاء تطبيقا دقيقا المعنى الحقيقى للزكاة. وهى أنها فريضة اجتماعية فى تركته يؤخذ منها إن لم يسدده قى حياته.

وعاء الزكاة:

5- وعاء الزكاة هذا تعبير أخذناه من كلام علماء الضرائب, لأن الزكاة فريضة اجتماعية وإن ن كان أداؤها اختياريا يكون عبادة مقبولة عند الله تعالى: فإن احتساب النية فى أدائهاء ونية القربة إلى الله تعالى بذلك, والمسارعة إليها على أنها مغثم لا مغرم يجعل ثوايبها عند الله عظيما.

وعاء الزكاة أو المال الذى تجب فيهء قد وضع الفقهاء المسلمون له ضابطا قد استمدوه من مصادر الشريعة من أقوال النبى مله وعمله وعمل صحابته الذين انتهجوا منهجه؛ وهى المال النامى بالقعل أو بالقوة أى بعبارة أخرى المال الذى يقتنى للنماءء لا الذى يكون لسد الحاجة؛ سواء اتخذ للنماء بالفغل أم أهمل فلم ينم؛ وإن كان فى أصل وضعه للنماء» كالنقود, فإنها للنماءء وإن لم يستخدمها بعض ملاكها للنماء. فذلك من تقصيرهم أو إهمالهم وذلك لا يعفيهم من حق الفقراء فيها.

م1

فموضع الزكاة هى المال النامى؛ ولكن لأجل أن تجب الزكاة لابد أن يكون ذلك المال مدخلا صاحبه فى زمرة توى الأموال وذلك لا يتحقق إلا بأمرين: الأمر الأول: أن يكون ذلك المال لهحد أدنى يجعل الشخص معتبرا من ذوى الأموال» وقد قدر ذلك الحد فى الأموال المنقولة بما قيمته عشرون دينارا ذهبياء وهو بالنقد الذهبى نحواثنى عشر جنيها ونصف جنيه مصرى من الذهبء أونحى ذلك من الجنيه الاسثرلينى الذهبى: ويعادل نحى خمسة وسبعين جنيها مصريا ورقيا أو يزيد('). وبالنسبة للزراعة؛ فإن جمهور الفقهاء على أن كل ما تنبته الأرض يجنى من الشجر فيه زكاة: فليس فيها نصاب معلوم. الأمر الثانى: أنه بالنسبة للأموال المنقولة يجب لاعتبار الرجل غنيا أن يكون عنده هذا النصاب سنة كاملة لا يدخل فى حاجاته الأصلية. ولا تؤخذ الزكاة من الأموال التى لا تعد نامية يالفعل ولا بالقوة وهى الأموال التى تكون للانتفاع الشخصى كاثاث المنزل والدار التى تكون للسكنى؛ وأدوات الصناعة الآلية كالنول اليدوى لمن ينسج عليه بنفسه وكأدوات الحدادة والنجارة التى يستعملها لصناعته لا لرجل يستغلها على أن تكون رأس ماله ويعمل فيه غيره؛ فإن هذه الآلات تكون بالنسبة له رأس مال ناميا. ولا كان أكثر الصناع فى عهد الاجتهاد الفقهى كانوا يعملون بأيديهم بأدوات يملكونها ولا يملكها تميرهمء أعفيت من الزكاة لأنها لم تكن رأس مال ينتج ينفسه؛ بل كان الإنتاج لمهارة الصانع وخبرته. فيده وفكره هما اللذان ينتجان: وكذلك الأمر بالنسبة للدور» فما كانت فى أغلب الأحوال تتخذ للاستغلال, بل كانت تعد للسكنى فقط؛ كما هو الشأن فى ريف مصر وصعيده.ء وكما هى الشأن فى أغلب القرى فى البلاد العربية الإسلامية؛ فلم تكن الدور رأس مال يثمرء بل كانت لإشباع حاجة أصحابهاء ولذلك لم تكن فيها زكاة. والأموال التى كان د يتحقق فيها وصف النماء فى عصر النبى عَينهُ أقسام أربعة: أولها: «النعم»» وهى الإبل والبقر والغتم إذا كانت ترعى أغلب العام فى عشب مباح ليس مملوكا لأحدء وتتخذ للتنمية لا للعملء وذلك لقول النبى تهُ: «فى السائمة زكاة» )١(‏ يتغير السعر بالجنيه الورقى حسب الزمان وقد يصل إلى أكثر من ٠٠٠١‏ جنيه فى زماننا هذا .

515

والسائمة هى التى ترعى فى عشب غير مملوك لأحد, ولأن العلف لا يجعل الثماء من ذات المالء بل يجعل النماء بمال آخر, فالثمرة ليست من النعم ذاتها بل منها ومن غيرهاء ولأنها إذا كانت عاملة لاايكون اتخاذها لتنديتها بل تكون مقتناة للعمل وتكون الثمرة فيما ينتجه العمل فتكون الزكاة فيه هى الذدعء ولى أخذ منها زكاة لكان ثمة مضاعفة فى الفريضة:

3 ن العمل والعل ليتع سبي الأكاة ومو الا وك انح شرى أن رأى الجسهسور أحق بالاعتبار.

والمقادير التى تجب فيها الزكاة فى هذه النعم قد عينتها السئة وعمل الضحابة؛ وهى فى جملتها تنتهى إلى أن نصابها لا يكون أقل من نصاب النقود ومقدار الزكاة فيها متقارب مع مقدار زكاة النقود.

دلكن أل تكين زكاة فى شيير هذه الأصناف وهى اليل والبقر والغتم؟ نول فى الإجابة عن ذلك: : أن سبب فريضة الزكاة فى هذه الأصناف أنها هى أموال نامية؛ ويشترط أن تكون سائمة: قإذا تحقق السبب وهو النماءء والشرط وهو أن تكون سائمة فى حيوانات أخرى فإنه يجب أن تكون فيه زكاة؛ لأن هذه الشريعة معقولة المعنى: فليست بالنسبة للأمور الاجتماعية تعبدية؛ بل أحكامها لغايات ولمعان. فإذا تحققت هذه الغايات وتلك المعانى فى أمور لم يرد النص فيها فإنها تعطى الأحكام التى أعطيت لمثلها: وهذا هو القياس فى الفقه الإسلامىء فئُساسه أن الأشياء المتشابهة فى غايتها ومعتاها تعطى حكما واحدا» ؛ فهذا أمز

تقره البدهيات العقلية,

. واذلك أجان بعض الأئمة فى الفقه فرض الزكاة فى الخيل. لأنه وجد أنها ب تحقق يتحقق فيها النماء وهى السببء وكونها سائمة وهو الشرط, »ولم يكن ذلك متحققا فى عصر النبى َه ولا عصر الراشدينء ذلك لأنها لم تكن تتخذ للتماء. بل تتخذ للحرب فقط: ؛ إذ كانت قليلة فى البلاد العربية فى ذلك الإبان: ولكنها كثرت بعد ذلك واتخذ تخذت للنماءء. ولذلك قرر أبو حنيفة رضى الله عنه أنها تجب فيها الزكاة إذا اتخذت للنماء وتحقق فيها الشرط بأن كانت سائمة, أما إذا كانت للقتال فإنها لازكاة فيها لأنها تكون كالبقر العاملة لا زكاة فيها ٠‏ واشترط للزكاة فيها أن تبلغ قيمتها عشرين مثقالا من الذهب. .

1

وإن أبا حنيفة رضى اللّه عنه قد فتح لنا باب القياس فى هذه المسالة. فيصح أن يدخل فئ هذا الباب كل حيوان يتخذ للتماء وي يتحقق فيه الشرط كبعضى الحيوانات فى الهند وفى أفريقيا. ا ٠‏ ا

-١‏ والقسم الثانى من الأموال التى كانت تعد من وعاء الزكاة الذهب والفضة. إذ ثبت أن النبى ْلَه قال : « فى كل مائتى درهم خمسة دراهم» وهذا النص يثبت أن نصاب الفضة أى الحد الأدنى هئ مائتا درهم. وأن القدر الواجب هو ريع العشر, أى 0 "/ لأنها تساوى خمسة دراهم وهذا بالنسبة للفضة,

أما الذهب فلم يرد نص صريح عن النبى َه قيه. واكن الصحابة جعلوا فيه فى كل عشرين دينارا من الذهب نصف دينار. ا

والتحقيق التاريخى يؤدى بنا إلى أن 5 قيمة مائتى درهم كانت تساوى عشرين ديناراً من الذهب وإ لاما جعلها الصحابة نصاب الزكاة ولايمكن أن يكون تقديرهم بالعشرين اعتباطا من غير سبب موجب له,

وإذا كانت عشرون دينارا هى نصاب الزكاة بتقدير الصحابة المبنى على تقدير النبى لله فى الدراهم فإنه يسئغ أن نعتبس العشرين دينارا هى التقدير الدائم فى كل العصور, ذلك لأن الفضة نقد معاون: وهى سلعة يجرى عليها الرخص والغلاء: أما الذهب فهى العملة العالمية التى لاتتغير, ويها تقاس قيم الأشياء؛ ومنها القضة: ولذلك لانعتبر مقياسا سواه وليس ذلك تركا لتقدير النبى مله أى إهماله, إنما هى إعمال لتقدير النبى عله فى أوسع مدىء ذلك أن التبى طللّه, وقد بين الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم هذه القيفة 'بعشرين دينارا أو مثقالا من الذهب. فتجعل هذه القيمة أساس التقدير فى كل العضور, ويذلك يتوحد النصاب فى كل الأقطار الإسلامية, 00 والآن نجد أكثر التعامل بالأوراق النقدية فهل تكون هى وعاء الكاة ؟ لقد أخذ بعض الناس من ظاهر ما يكتب عليها من أنها سند يجب الوفاء به, اعتبارها ديناء وأجرو) عليها أحكام الدين !! ولكن الحقيقة أن الأوراق النقدية تعد الآن نقودا حالة محل الذهب, وقيمتها فيما تدل عليه من قيمة ذهبية فى أسواق الذهب العامة؛ ولو لم تجب فيها الزكاة لكان ذلك إلغاء لزكاة النقد» وإهمالا لأمر الشارع الإسلامى فى الزكاة.

4

وإذا كانت وماء الزكاة كما هى المنطق والأمر الذى يتفق مع مقاصد الشارع الإسلامى والغاية من فرضية الزكاة فإننا نقدر النصاب فيها على أساس القيمة الذهبية وما يتحقق فيه نصاب الزكاة على أساس أن يكون مجموع الأوراق مشتملا على ما قيمته عشرون دينارا ذهبيا.

وإن النقود تجب فيها الزكاة ولى كانت مدخرة فى المصارف أو الخزائن الخاصة. وهى معتبرة نامية بقوتها النقدية» وينبغى تنميتها بالفعل حتى لا تأكلها الزكاة؛ ولقد قال النبى لللهُ: «أتجروا فى مال اليتيم حتى لاتأكله الصدقة» ففرض الزكاة فى النقود تحريض على العمل بها واستغلال كل القوى النقدية» بحيث لاتكون قوة نقدية معطلة لاتعمل؛ ولقد هدد القرآن الكريم الذين يكنزون الذهب والفضة بالعذاب الأليم يوم القيامة, أن تكوى بها وجوههمء ومعتى كنزها أن تقير فى الخزائن لاتعمل, لأن الكنن هو المال المختفى الذى يقبر فى أرض أى خزانة لايعمل؛ ولذلك قرر العلماء أن المال الذى يعمل فى التجارة وينمى وتؤدى صدقاته فى مواقيتها لايعد كنزا مستحقا لأن تكوى به جباه الذين نملكون(),

وإن التصاب النقدى كما قلنا يقدر بالذهب وهو فى مصر يقارب ٠١‏ جنيها أو يزيد(" ): وإذا ملكه الشخص سنة كاملة وجب فيه ربع العشس.

5 والقسم الثالث من الأموال التى تعد وعاءء المال المعد للتجارة, وقد ظهر فى عهد الصحابة والأئمة المجتهدين عروض التجارة أى الأموال المتخذة للاتجار؛ فقد أثر عن الصحابة أنهم فرضوا الزكاة فيها لأنها أموال نامية بالفعل فقد تحقق السبب الموجب للزكاة فيها وهى كونها مالا ناميا بالفعل ‏ وقد أشار النبى مَلّهُ إلى وجويها عندما أمر الأوصياء على اليتامى أن يتجروا فى أموالهم حتى لا تأكلها الصدقة: فإن الاتجار يحول النقود إلى بضائع وتجب الزكاة فيها على أساس أنها بضائع تتغير بالبيع والشراء؛ ومعنى المال قائم فيها.

والمقدار الواجب فيها هو ربع العشر إذا استمر يملك النصاب طوال العام؛ وقال مالك: : يكفى أن يكون مالكا له فى أوله وآخره. لأن الاتجار قائم على الكسب والخسارة,

)١(‏ قال الله تعالى : «والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم» . (سورة

التوبة : الآية 4 "). () قلنا أن هذا المقدار بالجنيه المصرى يتغير بحسب سعر الذهب والفضة:؛ وهى فى زمنتا يزيد على ٠٠6٠‏ أاجلئيه, ل :

و

فخسارته فى أثناء العام لاتمنع اعتباره غنيا بوجود النصاب فى أول العام وآخره؛ وهذا رأى حسن نختاره للعملء ولأنه يسهل تطبيقه بالإحصاء أول العام وآخره.

ونصاب عروض التجارة هو كتصاب التقود والواجب هو الواجب منها ,

17- وهذه الأقسام الثلاثة منقولة؛ ولاتعد أموالا ثابتة ويلاحظ فيها أمور ثلاثة:

الأمر الأول: أن النصاب الذى تجب الزكاة بوجوده واستمراره حولا كاملا مع ملاحظة ما قررناه من رأى مالك - يعد قليلا إذا قيس يمقدار الثروات التى نرأها فى عصرنا حتى فى البلاد الشيوعية: ولعل الحكمة فى ذلك هى تعميم التكافل الاجتماعى: فلاتجب الزكاة على الذين يفحش غناهم فقطء وفوق ذلك فإن تعميم الزكاة على هذا النحو يكثر من حق الفقير» والشريعة حريصة على الإكثار من حق الفقير.

الأمر الثانى : أن الزكاة فى الأموال المنقولة تؤخذ من ذات رأس ال مالء ولاتؤخذ من الإيراد فقطء فهى اشتراكية فى رأس المالء لا فى مجرد الريع, .

الأمر الثالث : إذا زاد رأس امال فى أثناء العام؛ أتؤخذ الزكاة عن رأس المال الذى انتهى فى آخر العام أم عن القدر الذى ايتدأ به العام ؟ ونقول فى الإجابة عن ذلك: أنه بالنسية لزكاة الماشية العبرة يرأس المال الذى انتهى آخر العام لأن ما حدث من سمن أو توالدء أى كبر سنء إنما هى من ذاتهاء لامن شئ خارج عنهاء فتجب الزكاة فيها على أنه من رأس المال,

أما بالنسبة لعروض التجارة فإن الأكثرين من الفقهاء قررو! أن تكون الزكاة على أساس ما انتهى إليه فى أخر العام: وذلك لمشابهته للماشية من جهة ولأنه لى نقص فى آخر العام لاتجب الزكاة إلا على أساس هذا النقص؛ فمن العدالة أنه فى حال الزيادة تكون الزكاة على أساسهاء وذلك هو العدل الذى نختاره للعمل, ٠‏

:/- والقسم الرابع من الأموال التى تجب فيها الزكاة هى«الزروع والثمار», وقد تحقق فيه سبب الزكاة وقد قال النبى طَللهُ فى وجوب الزكاة فى الزروع والثمار :اه فيما أخرجت الأرض زكاة» وكان عليه الصلاة والسلام يجمع الزكاة من الزروع؛ وثمار الأشجار والنخيلء فأثيت العمل والقول وجوب الزكاة فى هذا القسم من الأموال.

وجمهور الققهاء على أنه ليس لما تنتجه الأرض وما تثمره الأشجار نصاب معين ولا

الفا

:2 يشترط مرور سنة؛ يل إن الزرع ب يعين وقت إنتاجه وقد شت ميعاد الوجوب بالنص القرآنى

فبيئ أن ذلك يكون وقت الحصان(١).‏

والزكاة تكون فى ذلك بالعشر إن كانت تسقى بغير آلة» ونصف العشر إن كانت تسقى بآلة وإن النبى مله كان يجمع الزكاة على هذا الأساس. .

واكن يلذحظ الآن أنه يندر السقى بغير آلة, وهذا فى الأقاليم التى تعتمد تعتمد على رى منظامء أ ءا يعمد على لمر فإن السقى بغير آل كثير, بل هو الغالب» وعلى أى حال

إن الكاة تيه من ناجول تفخ من أصل رأس لما ولهذا كانت نسبتها أكير نفسهء أما زكاة المنقول فتؤخذ من رأس المال ذاته,

الأموال المستفلة فى هذا العصر: ‏

و/ا- هذه هى الأموال التى كانت مستغلة فى عصر الاجتهاد الفقهى وقد وضعت فيها الزكاة على أساس أن تؤخذ من رأس المال بالنسبة للأموال المنقولة, أى كتعبير علماء الضرائب الأموال السائلة وبالنسبة للأموال الثابتة تؤخذ من الغلة.

والآن قد وجدت أموال للاستغلال فى عصرنا ولم تكن مستغلة فى الماضى كالمصانع والعمارات السكنية: ولذلك لم تفرض زكاة فى نظائرها من قيل. ققد أعفيت من الزذكاة عتدهم 'ولم تكن زكاة فى الماضى على أدوات الصناعة والدور, ثم الأسهم الصناعية والتجارية وثحوها أتجب فيها زكاة عندهم: ولم تكن زكاة فى الماضى على أدوات الصناعة والدونز. ثم الأسهم الصناعية والتجارية ونحوها أتجب فيها الزكاة؟ 1

ويتقاضانا هذا البحث فى حكم أنواع ثلاثة من الأموال هى أدوات الصناعة الآن, والعمارات؛ والأسهم؛ ونحن نبحث حكم هذه الأموال مطبقين القواعد التى قررها الفقهاء غير مبتدعين ولا مخالفين, لقد قرر الفقهاء أن سيب الزكاة هىالمال الثامى: فإنا نطيق هذا المعنى على الأموال الحاضرة:؛ وإذا كان الفقهاء ءلم يقرروا فى نظيرها أو فيما سمى ياسمها زكاةء فذلك لأنه لم ب تحقق يتحقق فيها السبب فى زمانهم» وتحقق فى زمانناء ولا نخرج عنه, ويتبين ذلك فيما يأتى )١(‏ «كلوا من ثمره إذا أثمرء وآتوا حقه يوم حصاده». (سورة الأنعام: الآية )١41‏

72

(1) المصائع: كانت أدوات الصناعة كما أشرنا أدوات أولية» فالإنتاج فيها كان لمهارة الصائم: كالنجار الذى يعمل بيده فى حانوته الخاص به. والآن تقام المصانع؛ ويكون رأس مالها هو أدوات الصناعة: ويكون الإنتاج فيها ثمرة لعاملين: الأول الأيدى التى تدير والفكر الذى ينظم. والثانى رأس امال للمصنعء والثمرة فى الأول للعمل والثانى لرأس المال الذى كون المصنع وهياً أسباب العمل وبذلك يكون ما يخص رأس ال مال تجب فيه الزكاة, لأنه قد

م ايه

تحقق فيه سيب وجويها .

وإذا وجبت الزكاة على مالك المصانع فبأى تقد تقدير» وما وعاؤها؟ فنقول أن وعاعها هو الثمرة» وتجب على تقدير الثمرة: وذلك لأنها مال ثابت فتكون مشبهة للشجر وا لأرض وتجب الزكاة فى الغلة: وإذا كنا سناخذها من صافى الغلات بعد كل النفقات؛ يكون الواجب هو العشرء لأن الزكاة تجب فى عشر الزرع إذا خلا من النفقات.

.على أن وجوب الزكاة فى المصانع لا يمنع إعفاء أدوات الضناعة اليدوية أو نحوها لا تغل بنفسهاء ولكنها تغل بمهارة الصانع الذى يستعملهاء فلا تعد بذاتها رأس مال ناميا.

(ب) العمارات: كانت الدون كما أسلفنا لا تفرض فيها الزكاة لأنه لم يتحقق قيها سبب

الوجوب: أما الآن فإن العمارات صارت محلا للاستغلال: فيتحقق فيها السبب وليس من المعقول أن تعفى من الزكاة, بينما تجب الزكاة على من يملك فد نين أى أكثر وتجب الزكاة فى صافيها بمقدان عشره؛ لأنها أموال ثابتة

والمسكن الخاض الك العمارة التى تستغلء فإنها لا تجب فيها الزكاة كأقوال الفقهاء لأن السبب لم يتحقق

() لسع تجبفي اسه لتكت نيجوي على ضريين تبعا لاستعمال مالكها: فإن كان المالك يقتنيها ليأخذ غلاتهاء فإن الزكاة تجب فى الغلات إذا كانت أسهما صناعية؛ وتكون بمقدار عشر الصافىء وإن كانت الأسهم فى شركات تجارية فإما أن تؤخذ الزكاة من قيمة الأسهم مضافا إليها الربح» ويؤخذ ربع العشر من المجموع؛ وإما أن تؤخذ من الثمرة وتكون بعشر الصافىء؛ ويؤخذ بالطريق الذى يكون الأخذ به أنفع للفقراء,

4

وإذا كان الذى يقتنى الأسهم يتجر فيهاء فإنها تكون من عروض التجارة وتجب فيها الزكاة على أساس أنها بضائع تباع وتشترى. وتكون بمقدار قيمتها فى نهاية العام.

هذا ما نراه بالنسبة للأموال التى وجدت فى أبواب الاستغلال ولم تكن نظائرها مستغلة فى الماضىء وكان للفقهاء رأى فيها. أنها ليست محلا للزكاة» ورأيتا مستمد من أقوالهم؛ وليس خارجا عنها.

الزكاة عبادة وضريبة اجتماعية:

1- الزكاة يعدها الفقهاء من العيادات التى يثاب عليها معطيهاء لأنها من هذه الناحية صدقة؛ وقد قال النبى لله «الصدقة تطفئ المعصية: كما يطفئ الماء الثار» وهى تطهر النفس وتزكيهاء واذا جاء النص بأنها مطهرة ومزكية(!) وأن نية العبادة فيها لازمة لمن أراد التقرب إلى الله تعالى بإعطائهاء ولقد قرر فقهاء الحنقية اشتراط النية عند إعطائها للفقير» وذلك بالنسبة للأموال المنقولة» أو عند عزلها عن بقية امال أى عند التصدق با مال كله.

ولكن جمهور الفقهاء يشترطون لاعتبار المال خارجا للزكاة النية كشرط لازم وأن نوى فله فضل مقصده. وإذا لم يعطها الشخص اختيارا أخذت منه كرهاء وبذلك يتحقق معنى الفريضة الاجتماعية؛ وقد تنبا النبى لله بالخير لأمته إذا اعتبرت الزكاة مغنماء ولم تعتبرها مغرماء ففى الأولى تكون النية المحتسبة وفى الثانية تكون الغرامة اللازمة التى تؤخذ إجبارا ولا ثواب لصاحبهاء لأنه لا ثواب من غير نية الخير.

وبذلك ننتهى إلى أن الزكاة يتنازعها معنيان: أحدهما أنها عبادة تلزمها النية, والثانية فريضة اجتماعية ودين الله على عباده الأغنياء يئخذه منهم لرده على فقرائهم,

1/ا- ولقد تنازعت الفكرتان الأحكام بالنسبة لمن تجب عليه؛ فقد اتفق الفقهاء على أن زكاة الزروع والثمار لا يشترط فيها أن يكون من تجب عليه هذه الزكاة من أهل التكليف, فتؤخذ من مال المجنون والمعتوه والصغير كما تؤخذ من مال العاقل الرشيد؛ لأنه يرجح فى هذا النوع معنى مئونة المال؛ أى التكليف الواجب فى المال لا فى الذمة: أو بعبارة أخرى فيه معنى الضريبة. وذلك لأن هذا النوع هو فى نظير الخراج الذى يؤخذ من الأراضى التى لا تعد ملكا لأصحابهاء بل لهم عليها اختصاص. وقد أشرنا إلى ذلك من قبل ومادام فى )١(‏ قال تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بهاء. (سورة التوبة: الآية .)٠١8‏

نظير الخراج. والخراج يؤخذ من كل ذى يد فإن زكاة الزرع تؤخذ من كل ذى يدء ولهذا تؤخذ من كل مالك. ا 1

أما ما عدا زكاة الزروع والثمارء فقد اختلف أبى حنيفة مع جمهور الفقهاء قى ذلك فقال إنها لا تجب فى مال المجنون والمعتوه والصغارء لأنهم غير مكلفين التكليفات الشرعية: فليست لهم نية معتبرة فى العبادات: فلاتجب عليهم مرجحين اعتبارها عبادة» وبذلك غلبوا جانب العبادة على جانب الضريبة.

وقال جمهور الفقهاء: تجب فى كل مالء ولو كان ال مالك غير مكلفء بل إن كتب الحنابلة تصرح بوجويها فى مال الجذين قبل أن يولدء فهى كما يقولون مئونة المال» أى بعبارة الماليين هى فى معنى الضريبة الاجتماعية فى المال.

وبهذا رجحوا الجانب الضريبى على الجانب العبادى بالتسبة لمن تجب عليه الزكاة.

ونحن نرى أن رأى الجمهور هو الحق» وهى الذى ورد به النص النبوى؛ ققد قال عليه الصلاة والسلام: «اتجروا فى مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة» فهذا الحديث يدل على وجوب الزكاة فى مال الصغيرء ومثل الصغير سائر غير المكلفين» فإن الزكاة تجب في أموالهم كما تجب فى أموال العقلاء الراشدين,

مصارق الزكاة:

4/- جاء النص القرآني. فحصرها فى ثمانية(١),‏ أولهم الفقراء وثانيهم المساكين وثالثهم العاملون فى جمعها وتوزيعهاء ورابعهم المؤلفة قلوبهم, وخامسهم عتق الرقاب, وسادسهم المديئون الذين لم تسدد ديونهم, وسابعهم فى الجهاد أى الحرب الإسلامية العادلة, والثامن المنقطع فى أرض لا مال له فيها ولى كان فى أرضه غنيا. ونرى أن مصارف الزكاة تعم كل نواحى الضعف فى المجتمع لسد الخلل فيه؛ ولنعرف كل واحد من هذه الأصناف بكلمة موضحة مبينة. )١(‏ ورد النص القرآنى بذلك فى قوله تعالى: «إنما الصدقات للفقراءوالمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلويهم وفى الرقاب والغارمين وقى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيمه. ْ (سورة التوبة: الآية ©

ا

(١؟)‏ «الفقيرء والمسكين»: الفقير هى المحتاج الذى لا يستطيع العمل أو لا يجد عملا. فأساس الزكاة سد الضعف أو التأمين على الضعف على حد التعبير الحديثء ولقد قال النبى مَللّ: «لا تعطى الزكاة لغنى» ولا لذى مرة قوى» والمسكين هى المريض الفقير» ففيه صفتان من صفات الحاجة. إحداهما الفقر والثانية المرضء والصفة الثانية توجب فى مال الزكاة أمرا جديداء وهى مداواته؛ وكأن هذا يشير إلى وجوب إنشاء مصاح من مال الزكاة. ليعالج فيها مرضى الفقراء. ‏ - 0

(1) «العاملون عليها»: أى الذين يتواون جمعها وتوزيعها؛ وإن جعل هؤلاء فى ضمن المستحقين يشير إلى وجوب أن تكون لها حصيلة قائمة بذاتها منفصلة عن بققية الموارد الأخرى.

وقد كان المسلمون على ذلك ولذلك كان لها بيت مال خاص بها يصرف فى مصارفها وله وال خاص يسمى والى الصدقات. وهى الذى يتولى الجمع والتوزيعء لذلك كان فى كل ولاية إسلامية وال قائم بالصدقات.

() «والمزلفة قلوبهم»: قوم دخلوا فى الإسلام حديثا وقد انقطعوا عن أسرهم فهم يعانون من مال الزكاة: لكيلا يكون عليهم حرج فى إسلامهم؛ ومنهم من يسلمون وقومهم لا يزالون على الشركء فيعطون من المال ما يمكنهم من دعوة أقوامهم إليه. ويصح أن يكون ذلك المصرف الآن من الدعوة للإسلام ونشر حقائقه بين الجاهلين بها .

(0) «والعبيد»: وهذا المصرف هو لإخراج الرقاب من الرق إلى الحرية» ويصرفه ولى الأمر لشراء عبيد وإعتاقهم ولمعاونة الذين يتعاقدؤن مع ملاك رقبتهم على أن يدفعوا إليهم ثمنهم فى سبيل أن يتحرروا, فعلى الدولة أن تعينهم من مال الله تعالى يفكون به رقابهم من غل الرق, ظ

ويصرف هذا الباب فى فك الأسرىء حتى لا يقع عليهم رق من الأعداء,

(1) «والغارمون»: وهم المدينون الذين لزمتهم ديونهم وعجزوا عن سدادهاء ولم يكن دينهم لإسراف أو إتلاف, بل كان الدين لأسباب يسوغها الشرع والعقل. ويصح أن يكون سداد ديون بعض المدينين: ولو مع قدرتهم, كالذين يستدينون لخدمة اجتماعية مثل الذين تركيهم ديون بسبب تحملهم مغارم الصلح بين طائفتين من الناس, فهؤلاء تسد الدولة عنهم

ملا

هذه الديون ولى كانوا أغنياء قادرين تشجيعا لأعمال المروءة؛ وفعل الخير» والصلح بين الناس.

ويلاحظ فئ هذا المقام أمران:

الأمر الأول: أن فى سداد دين المديئين تشجيعا على القرض الحسن الخالى من الرباء وذلك لأن المقرض قرضا حسنا إذا ضمن سداد دينه أقدم على الإقراض:؛ عالما أنه لا يضيع عليه من ماله شئ ولا يكف الأيدى عن ذلك إلا عدم ضمان الأداء.

. الأمر الثانى: أن الإسلام أوجب سداد الدين عن المدين العاجز يتفسه أو نيابة الدولة عنه. وذلك لم يسبقه فيه قانون» ولم يلحق به فى ركبه قانون, بل هى قد انفرد به من بين الشرائع جميعا.

ولنوازن بين الإسلام فى ذلك وقانون الرومان» فإن القانون الرومانى قى بعض أدواره كان يبيح للدائن أن يسترق المدين و يبيعه فى دينه؛ والإسلام كما ترى يوجب أن يسد من مال المسلمين الديون التى يعجز أهلها عن سدادهاء وإن الفرق بين الإسلام وهذا القانون كالفرق بين الرق والحرية» وكالقرق بين تور السماء وظلام الأرض. َ

وإنه يروى أن والى صدقات أفريقية (الجزائر وتونس) قد أرسل إلى الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز يشكو إليه اكتظاظ بيت مال الصدقات من غير مصرف يصرفه فيه, فارسل إليه الحاكم العادل: «أن سدد الدين عن المدينين» فسددها حتى لم يبق مدين لم يسدد دينه, فأرسل إليه بعد ذلك يذكر له أن بيت المال لا يزال ممتلئاء فأرسل إليه: «اشتر عبيدا وأعتقها», (0)«الجهاد»: وذلك فيما يقضل من التكافل الاجتماعى, فالإنفاق فى الجهاد له مع ذلك أبواب أخرىء على أن ولى الأمر ينظر فى ترتيب المصارف بما يراهء بيد أن عليه أن يعطى الفقراء العاجزين ما يحتاجون إليه ابتداء,

(4) «ابن السبيل»: وهى الذى يكون غريبا فى أرض ليس له فيها مال وله فى أرضه مال: وعلى الدولة أن تقوم بسد حاجاته حتى يعود إلى أهله. ظ

وقد يعطى من غير استرداد, وقد يعطى ويسترد ولى الأمر ما أعطى إذا عاد إلى ماله

1

4- وقد قرر الفقهاء أن أموال الصدقات لا تخرج عن هؤلاء الثمانية ولكن هل يوزعها بينها بالتساوىء بحيث لا يجوز له أن يزيد صنفا أكثر من الآخر؟

قال الشافعى : يوزع بينهم: ولايصح أن يغفل صنفا من هذه الأصناف.

وقال جمهور الفقهاء : إن على الأمر يوزعها بما يراه؛ على أنه يلاحظ أنه لايصح تقديم أى صنف على الفقراء والمساكين فإنهم لايصح أن يقدم عليهم غيرهم.

والإمام عمر رضى الله عنه لم يعط المؤلفة قلوبهم؛ وليس معنى ذلك أنه أسقط ذلك الصنفء إنما وجد أن غيره أولى منه؛ ذلك أنه جاء إعطاء النبى مله لحاجتهم إلى التأليف. ومصلحة الإسلام فى تاليف قلويهم؛ وجاء أبى بكر رضى اللّه عنه فلم يرد أن يغير مافعل النبى عله وإن كانت أغراضه قد انتهت؛ فلما جاء عمر رضى الله عنه. امتنع عن إعطائهم لعدم الحاجة إلى تأليفهمء وما كان إعطاء النبى عله إلا أمرا وقتيا محدودا بغرضه ومقصده, فما كان رزقا دائما بل كان توزيعا لغنائم فى وقائع معينة؛ وما صار ذلك حقا مكتسباء حتى لايسوغ لإمام المسامين من بعد أن يمنعه.

وإذا كان الوضع التاريخى لهذه المسالة هى ذلك فإنه ما كان يسوغ لمؤرخ أو فقيه أن يقول :إن عمر رصى الله عنه أسقط ذلك السهم من أسهم الزكاة» وإذا كان لم يعطه زمناء فإنه لايمنع أن يعطى إذا توافرت أسيبابه؛ وقد قرر العلماء بالإجماع ذلك؛ وكذلك الشأن فى هذه الأسهع إذا لم يوجد من يستحقها لا تلفي ؛ واكن تصرف الزكاة فى بقية المصارف. فإذا لم يكن عبيد تشترى لتعتق ؛ فإن ذلك السهم يصرف على الباقى» ولايعد ذلك إسقاطاء بل يكون لأنه لم يوجد مستحق.

١‏ - والزكاة تصرف فى البلد الذنى جمعت فيه. ولاتنقل إلى غيره من بلاد الدولة الإسلامية إلا بما يفيض عن حاجات هذا اليلد ومايفيض من المجموع يصرف فى الجهاد فى سبيل اللّه.

والفقهاء يقررون أن الأموال الباطنة - اتباعا لعمل عثمان بن عفان - يتولى صرف الزكاة فيها أريابها؛ وهؤلاء يقررون أنه يجب عليهم أن يصرفوا الزكاة فى داخل البلد أو القرية التى وجبت الزكاة فيهاء ولكن يسوغ لهم النقل إلى بلد آخر إذا كان فيه ذوى قرابة لهم ليسوا من أصولهم ولافروعهم؛ ولم يحكم لهم بثفقة قرابة» فإن إعطاء هؤلاء أداء واجب الزكاة . وأداءواجب صلة الرحم,

لالم

والزكاة يجوز إعطازها للأقارب إذا لم يكونوا من أصول من تجب عليه النفقة؛ ولا من فروعه, ,لم يكن عازه تنفيذا أحكم قخدائى صبدر باازام القريب بنفقة قريبه.

التمكافل فى المجتمع الصخير

-4١‏ ذكرنا التكافل الاجتماعى داخل الأسرة: وهى التواة الأولى فى البثاء الاجتماعى؛ ثم انتقلنا إلى التكافل الاجتماعى فى مجتع الدولة وبين المجتمعينء المجتمع الصغير وهى مجتمع القرية أى الحى أو المدينة.

وقد نظم الإسلام العلاقات فى المجتمعات الصغيرة على أساس التعاون بين أحادهاء فالقبيلة كلها متآزرة فيما بينهاء يعين الفنى الفقير, ويمد القادر العاجز بما يحميه. وهى مسئولة عما يقع بين آحادها من جرائم» بحيث إذا وقعت جريمة من أحدهم وجب عليهم تسليمه, وعند وقوع عقوية مالية تؤديها عنه أسرته إذا كان فقيراء وإذا كانت أموال الزكاة فى قبيلة أى قرية لاتسد حاجة فقرائها؛ وجب على القرية أو القبيلة مجتمعة أن تجمع من المال ما تسد به حاجة الفقراء,

وإن هذا واضح بالنسبة للعشائر المنبثة فى الفيافى والقفار, واضطرتهم الحاجة إلى ذلك ومع ذلك قد دعاهم الإسلام إلى أن يندمجوا فى الأمصارء وقراها .

وإنه فى القرى والأمصار عمل الإسلام بوصاياه الدينية على إيجاد تعاون بين المتقاربين فى المسكن أو المزرعة» فأوصى القرآن الكريم بالجار القريب واليعيد. وشدد في التوصية(١)‏ وقد قال النبى. مَلله: «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظنت أنه سيورثه» وقال عليه الصلاة والسلام : «والله لا يؤمن, والله لا يؤمن؛ والله لا يؤمن قالوا : من يارسول الله؟ قال: ذلك الذى لايأمن جاره بوائقه» وإن هذه الوصايا المتكررة توجب أن يمده بالعون إذا احتاجء ويسد خلته إذا ظهر فيه ضعف. ويعطيه إن كان عاجزا؛ ويسهل له سبيل العمل إن كان قادرا لا يجد ما يعمله, )١(‏ قال الله تعالى : «واعبدوا الله ولا تشركو) به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى. والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم»,

(سورة النساء : الآية +؟)

والجار الجنب هو الذى يجاورك بمسكن أو مزرعة, والصاحب بالجنب هو الرفيق فى الطويق أو العمل أى نحو ذلك,

طم

وأقد روى عن النبى عليه السلام أنه قسم الجيران أريعة أقسام : جار ذى رجحم مسلم, له حق الإسلام وحق الرحم وحق الجوار» وجان ذى رهم ليس مسلما له حق الجوار وحق الرحم: وجارى مسلم ليس ذا رحم له حق الإسلام وحق الجوار. وجار ليس ذا رحم وليس مسلما له حق الجوار.

وإنه لى كان التعاون بين الجيران يسير على المبادئ الإسلامية لكان أهل كل حى متعاونين قيما بينهم لا يكون قيهم عاجن إلا أعانوه. ١‏

7- ومن المبادئ التى وضعها الإسلام لأهل القرية أى الحى التآخى وقد وضع النبى َه ذلك المبداًء قفى المدينة الفاضلة التى أقامها آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض, وين الأنصار بعضهم مع بعض» وبين الأنصار والمهاجرين, وكان ذلك الإخاء قرابة اجتماعية تجعل الأخ يعين أخاه فى الله وفى المجتمع, .كما يعين أخاه في الدم والقرابة وإن المؤاخاة التى سنها النبى عه سنة باقية لم يوجد ما يدل على أنها حكم وقتى؛ وهى صالحة لان تطبق فى كل مجتمع صغيرء ليتم التجانس بين أحاده, والتعاون علي أسس من المودة الواصلة. 47- ومن المبادئ التعاونية التى أقرها الإسلام؛ وتدخل فى نضمون ما يطالب به تعاون أهل كل قرية فيما بينهم فى سداد الخراج وغيره, وقد ظهر ذلك فى مصرء فى أول الفتح الإسلامى » فقد جاء فى تاريخ مصر لابن عبد الحكم فى طريقة الزراعة التى أقرها عفرى بن العاص أن أهل كل قرية كانوا يتضافرون فى زراعتهاء فقد كان أهل القرية يتولون مجتمغين زراعة ما فى حيزهاء فإن ناظر القرية أو رئيسها كان يجتمع بأهل القرية, ويوزع الأراضى فيمابينهم؛ كل واحد ومقدرته؛ ومن يكون عاجزا يقوم غيره مقامه فى ززاعة ما يخضه. والقزية كلها . تخرج ما عليهامن خراجء وتسد حاجة من يكونون فى حال احتياج من أهلهاء إذا لم تؤد زراعته ما عليهاء وقد كان الأساس فى ذلك هو ما أشرنا إليه من أن أراضى مصر لم تكن فى أيدى أهلها أيديا مالكة, بل كانت يد اختصاص ويجتمع رؤساء القرى المتجاورة ويسمون عرفاء: بلغة ذلك العصر السابق؛ ؤيتشاورون فيا يجب أن يفرض على الأرض فى هذه البقعة من خراج؛ بحيث تطيقه الأرض ويطيقه النداع» ولا يكون مجهدا لهم ولا لأرضهم.

4

ولعل هذا المعنى الاجتماعى التعاونى هى الذي انحرف فصار من بعد نظاما آخر بخراج حيز كبير من الأرضين يؤديه» ويرهق الناس من بعد ذلك. إذ يتصرف فى الزارعين لا يراعى رحمة ولا رفقا. فإن ذلك النظام الأصيل نظام سليم من الناحية الاجتماعية لاشية فيه وانحرافه لا يغير جوهره فى أصله.

وإنه بعد أن صارت يد الذراع يدا ل تقبل التغيير إلا بعد إعطاء شمن معلوم. ؛ يصع بل يجب أن يؤخذ بلب ذلك النظام الذى أ قره الحاكم الإسلامى لمصبر عمرو بن العاص,» وذلك بأن يتعاون أهل كل قرية فى زراعة حيزها من الأراضى على أن يتعهدوا فيما بينهم بسد حاجة المحتاج؛ وإعانة ذوى الضعف بزراعة أرضه إن كان ضعفه جسميا ويإعطائه المال إن كان ضغفه ماليا مع احتفاظ كل واحد بملكيته.

. وإنه لى اتبع ذلك النظام لأفاد أربع فوائد: 0

الأولى :سد أحوال العجن والعون ومعاجة كل أواع العف مهسا يكن سبيهاء ويذلك لا يكون في القرية فقير فقير لا يجد؛ وعاجز لا يزرع. . '

| الثانية : التعاون.على الحصول على أجود ما يحتاجون إليه فى زراعتهم؛ فإنهم يتعاونون على دفع الآفات؛ ويعاونون على جلب ما يصلح الأرض والزرع» وما يتجمع من قليل الأفراد يكون كثيرا فى المجموع.

. الثالثة: التعاون على بيع ثمرات أرضهم بخير الأثمان. من غير أن يضطر فى حاجة إلى بيع بثمن بخس, ولا يستفلهم تاجر شرم ينتهز الغرصة فى حاجة للحتاج, كد نرى من الربويين الذين يشترون المحصول بأبخس ثمن ليتسلموه وهو بأغلى ثمن

٠‏ الرايعة: دفع مضار تفتت الملكية والحيازات الصغيرة التى لا يتمكن أصحابها من استغلالها على الوجه الأكملء فقد يعجز واضع اليد الصغيرة عن إنتاج كل خيرات أرضه, ولكن إن تضنافرت القوى استطاعت مجتمعة أن تنتفع بخيراتها مجتمعة(١).‏

(1) كتبنا هذا منذ أكثر من سبع سنين فئ كتاب أسميناه: «تنظيم الإسلام للمجتمع» ونحمد الله على أن الدولة المصرية فكرت فى الأخذ به وإن ظهر فيه عيب؛ فمن فساد المنفذين لا من فساد النظام.

[ذد

وإن الأخذ بهذا النظام على أساس أنه اختيارى توجيهى لا إجبار فيه يؤدى إلى ذهاب الأحقاد بين الزراع» فلا يضرق واحد زرع أخيه؛ لأنه زرعه ولا يقتل ماشية أخيه لشعوره بالأخوة الكريمة من غير ما إكراه.

44- ومن المبادئ التى دعا إليها الإسلام فى المجتمعات الصغيرة أنه لى تبين أن الزكاة فى قرية لا تكفى فقراءها وجب على أهل القرية أن يتعاونوا ؛ فيتولى أغنياؤها سد حاجة أولتك الفقراءء. وقد أشرنا إلى ذلك من قبلء والأصل فى هذا أن الزكاة ليست هى الفريضة المالية الواجبة الأداء رحدهاء بل هناك صدقات واجبة غيرهاء فمن وجد فقيرا محتاجا مضطرا لا ينتظر حتى يجئ إليه رزق من الدولة؛ أو بيت مال الزكاة» بل عليه أن يسد حاجته فوراء وقد جا ء النض القرآنى بأن البر ليس مقصورا على الزكاة, بل من البر

يؤتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكينء وموضع ذلك إذا كانت أموال الزكاة تل لبه ل تسيب من الاب إن الفرق بين هذا العطاء والزكاة أنه يقدر بحاجة المحتاجء والزكاة مقدرة بالمقاديرء وأن ولى الأمر يجمعها وإن لم يعطها المكلف يعاقب حتى يعظيهاء فإنه من المقررات الفقبية أن ولى الأمر يجب عليه أن يضع عقويات زاجرة للحمل على أداء الؤاجبات, وإن:الزكاة ككل الفرائض الاجتماعية إعطاؤها دليل الطاعة؛ ومننعها مع القدرة عليها دليل التمرد والعصيانء وإذا قاتل عليها الصديق رضى الله عنه.

وإنه بهذا يتبين أن ثمة واجبات مالية فى مال الأغنياء ترك تقد تقديرها لهم على حسب ما يجدون من حاجة. ولقد روينا من قبل ما قاله أبى سعيد الخدرى إذ قال: «كنا فى سفر فقال النبى عَلْله: «من كان عنده فضل زاد فليمد به على من لا زاد له؛ ومن كان عنده فضل ظهرء فليعد به على ن لا ظهز له», ثم أخذ يعد من أصناف المال ما ظننا أنه ليس لنا من مالنا | إلا ها يكفيناة” 0

0 ويلاحظ أن ذلك كان فى حال السفر. :دحال السق فى التى يقصور فيها ذك انوع من الاحتياج.

6م- هذه ان لاعت ف الجشمك السقية لاع التكافل بينها على أسس من حاجة أخيه بمقتضى قدرته وحاجة أخيه وأفله فى عيتة دائماء والله فى عون الجميم. .

عم

الكفارات والنذور

41- انتتهينا فى الكلام السابق إلى أن هناك واجبات دينية أخرى فى امال غير الزكاة وأن حال الفقير هى التى تقدرهاء ويكون هذا الواجب دينياء ولكنه حتمى لازم؛ حتى أن فقهاء المسلمين ليقررون أن من كان فى بادية, ومعه فضل من الزاد أى الماله وطلب المعاونة جائع وامتنع كان له أن يقاتله, فإذا قتله المحروم لا دية عليه؛ ويموت المقتول أثماء وإن قتله المانع كان آثما ومعتديا فى قتله وعليه عقوية المعتدى فى مثل هذه الحال.

وإن الله سبحانه وتعالى فتع باب صدقات أخرى لتسد تلك الحاجات النثرية, وهى صدقات لازمة: لا يجمعها ولى الأمرء بل ترك للمكلف أدأ: »ها بنفسه. وهى مقدرة. ولكن ترك الأداء للمكلف دون التقدير..

الصدقات اللازمة: :

.40- الصصدقات اللازمة كثيرة نذكر العام فيها دون الخاصء فلا نذكر ما يكون فى الحج» لأنه يكون فى قوم مخصوصين, ونذكر فى.هذا المقام أولى الصدقات التى مصرقها ونختار الأول؛ وهى الأقرب إلى معانى الإسلام. ش وصدقة القطر مقدرة بالطعام فتبلغ نصف صاع من القمح: أى نحو سدس كيلة مصرية ويجون أن تدفع قيمةم للفقير» ويدفعها كل غنى يملك نصاب زكاة النقود الذى نفسه وعن كل واحد من عياك وكين ل لاي لين فإذا كان يعول مشرة اول الوية إلا سدسا أو قيمتهاء وإذا كان يعول ستة دفع نحو كيلة مصرية أو قيمتها. وصدقة الفطر تكون فى عيد الفطر وفرضت أو سئْت ليكون العيد برا بالفقراء» ويدفعها الغنى لمن يعرف من الفقراء؛ وقد ورد عن النبى عأ أنه صرح أن على الأغنياء أن يدفعوا حاجة الفقراء فى ذلك اليوم. 1 الكفارات والتنذور: تعالى» وهذه الكفارات تكون بالنسبة للأغنياء صدقات مالية نذكر بعضها: هم

(أ) من أفطر فى رمضان عاجزا عن الصيام: ولا قدرة له على أدائه فى المستقيبل بسبب الشيخوخة أو المرض المزمن فإن عليه فدية عن كل يوم يفطره هى إطعام فقيرء ويصح إعطاؤه القيمة.

(ب) عن حلف على أمر بريد أن يفعل. ثم حنث فى يمينه. ولم يفعله كان عليه إطعام

عشرة مساكين أى كسوتهم.

| (ج.) ومن تعمد الإفطار فى رمضان وهو قادر على الصوم كان عليه صوم شهرين فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكينا.

(د) ومن افترى على نفسه. وقال إن امرأته كأمه فى التحريم؛ عليه أن يصوم شهرين

متتابعين فإن لم يستطع فعليه أن يتصدق بإطعام ستين مسكينا. . ولا شك أن هذه العقويات المالية مآلها إلى الفقراء الذين ينتفعون منهاء وفى ذلك سد الخال الاجتمامى الذى قد يكون بعد جمع الزكاة. أى لعدم علم ولى الأمر بحال أولئك الفقراء, 0 (ه) والثذور, واين اود منها ما بعلي فى ستدي الأشسرمة كاتى تور فى وإنما المزان بالنشون ما يلتزمه القنخضس من التزامات دينية هالية فى المستقيل كان يقؤلء لاتصذقن يماثة جنية إن عاد ابنى من السفرء أى إن شفى من مرضه: أ إن رزّقنى الله تعالئ رزقا حاسنا: فإن هذه النذور تكون واجبة الوفاء؛ لقول النبىعءيكه: «من نذر أن بطيع الله فليطعه, ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه؛ وقد جاء النضن القرنى بوجوب الوفاء بالننون على هذا المعنى. 1

وقد قرر جمهور الفقها أن النذر واجب الوقاء إذا كان من جنسه وأجبء والنذر بالصدقات من جنسه واجب وهى الزكاة, فكل من نذر وجب عليه الوفاء.

1 . وهذا بلاشك باب للتكافل الاجتماعى للعاجزين الذين لا يستطيعون أن يعلمو) بيت المال يحالهم.

الصدقات المنثورة والوقؤف

أمر القرآن بالصدقات المنثورة» وحث عليها فى كثير من آيات القرآن: واعتبر عدم الإنفاق منا يؤدى إلى تهلكة الأمة لأنه ينحل البنيان الاجتماعى, إذ أن معاونة الفقير فيها حماية للامة من الفا وفيها إنشاء ‏ قرة بكفالة الصفار الفقراء وغيرهم, فعسى أن يكون

ومعنى أن هذه الصدقات متثورة أنها تكون من غير تقدير للمعطى. ومن غير تقدير المعطى له؛ وأنه لا إلزام فيها من ولى الأمرء بل فيها الإلزام الدينى فى الحال التى تكون دفعا لأذى يلحق الفقير بالقعل.

وقد يقول قائل: إن الصدقات المنثورة تضر ولا تنفع, لأن الذين يقومون بها يدفعونها للذين يتكففون الناس؛ وهى تشجيع على التسول الذى يعد آفة, ولأنه يأخذها من لا يستحق.

ونقول فى الإجابة عن هذا الاعتراض: إن العيب فى هذا لا يرجع إلى الصدقات ذاتها إنما يرجع إلى عدة أمود.

وثانيها: أن الصدقات المنثورة يجب على معطيها أن يتحرى موضعها قبل أن يعطى.

وثالثها: أن الدولة التى يكثر فيها التسول لم تحاربه محارية جدية بحيث تسد حاجة المحتاج من المتسولين, وتعاقب غير المحتاج» وتوفر العمل لكل من لا يعمل حسب طاقته؛ ولى كان من ذوى العاهات.

ورابعها: أن الواجب على المعطى أن يبحث عن الذين يسترون فقرهم ليعطيهم من غير سؤال ومن غير إيذاء ولا استعلاء,

ومهما يكن فإننا نقول إن الخطأ فى العطاء خير من المنع.

الوقف:

- الوقف من الصدقات غير اللازمة وقد اختص بميزة من بين الصدقات, لأن له صفة الدوام؛ وهو يعتمد على قول النبىءك: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث»

/م/

ولقد أدى الوقف دورا كبيرا فى باب التكافل الاجتماعى فى عصور طويلة بمصر والشام والعراق وغيرها من البلاد الإسلامية فكانت الأوقاف على الفقراء. وعلى الخانات لايواء ابن السبيل, وكانت الأوقاف على القرض الحسنء بل إن الإحسان فى الوقف تجاون النحسان إلى الحيوان» فكان لوقف على بعض الصيراد. وتجار: جا الاعمال الطار: إلى الأمور التى لا يلتفت إليهاء حتى أنه وجد فى بعض الأوقاف تعويض الأسر عما يتلفه الخدم فيها, رحمة بالضعفاء من هؤلاء الخدم حتى لا يؤذوا.

والوقف بالصور الواسعة على جهات البر غير المعابد لم يعرف إلا فى الإسلام.

دأول وقف كان فى الإسلام هو وقف عمر بن الخطاب الذى أشار .به النبى ءَلله وكثرت من بعده أوقاف الصحابة» حتى أنه لم يكن أحد منهم يملك عقارا إلا وقف بعضه.

واكن اتجه الكثيرون إلى الوقف على الأقارب وخصوصا فى الطبقة الأولى؛ وجعلوا المال من يعدهم إلى الفقراء »داكن كان بجوارهم كثرة أخرى وقفت على البر ابتداء» ومن الناس من جمع بين الأمرين.

وكانت الأوقاف بلا ريب مصدس خير إذا استقام ولاثها.

4/4

خايمة -5١‏ هذه نظرات فى التكافل الإسلامى ويلاحظ أن فيها توزيعاً لمصادر القوى فى الدولة بحيث لا تطغى فيها قوة على قوة؛ وفيها تمكين الجميع من أن يعملوا بمقدار طاقتهم مع احترام الحقوق الخاصة التى لم تتجاوز الحدود المرسومة من الشارعء ثم كان فيها التمين الاجتماعى على أوسع مدى من غير إرهاق لأحد, وإذا كان المجتمع الإسلامى الآن معيبا فلأنه ترك ميادئ الإسلام ولا يعاب قانون لعدم تنفيذه.

والله ولى المؤمنين

44

المحنويات الموضوع ٠ ١‏ ش تعريف بالشيخ أبى زهرة

التكافل الإجتماعنى فى الإسيام معنئ التكافل الاجتماعى وما يشمله المجتمع الإسلامى الأمر بالمعروف والنهى عن المذكر الحياء ومقامه فى التكافل الاجتماعى الفردية والجماعية فى الإسلام ظاهرة الفردية فى بعض النظم الحاضرة ظاهرة الجماعية مسلك الإسلام بين الفردية والجماعية التهذضيب الدينى الاجتماعى تربية الضمير العبادات الإسلامية والمعنى الاجتماعى فيها من حيث تربية الضمير ظ الحرية الفردية حقيقة الحرية الحرية والأنانية نقيضان لا يجتمعان . ' 0 حرية املك . . الحقوق الشرعية منح من الله ليس لأحد فضل فى إعطائها . كل الحقوق مقيدة بعدم الاعتداء ا ملكية الشخصية مقيدة بعدم الاعتداء حقوق الآحاد قبل الجماعة وحق الجماعة قبلهم الأموال التى يجوز امتلاكها والتى لا يجون امتلاكها مطلقا الأموال الموقوفة. المعادن | الأراضى الزراعية فى عصر النبى وفى عصر الراشدين وفى العصور التالية

ا اللا‎ ذا‎

31

د

130

ب 55 قدا

0 ا 3

ل

ا موضوع 0 0 طرق كسب الملكبة ١-الكسب‏ بطريق الانتظار لا يقره الإسلام ؟- الكسب عن طريق الذدع احياء الموات والملكية بالإحياء.. ؟-السلوالإسلام 00 العمل فرض كفاية أوجبه الإسلام . دريجات العمل العم لاليدوى العمل الفتى العمل العقلى التدرج الهرمى للعمل أتصاف العاملين الأجرة على العمل ؛- المخاطرة التجارة تحريم الاحتكار علاج الأزمات فى الإسلام

ظ ْ فيود الملكية ‏ الأحكام الإسلامية للمصلحة ودفع الضرر قيود الملكية تكون عند وجود الضونر ‏ القيود عند تحقق الضرر القيود عند احتمال الضرر احتمالا غالبا الضرر القليل لا يلتفت إليه

ميراث الماكية '

الميراث فى الإسلام لإقامة بناء الأسرة

5

تق لد ون لق لح

3

لذ وذ 0 ليق إ

لاع 07

: ه١‎

لهك 0 الام 6

66

اله

الموضوع

طرق تنظيم الميراث < ظ التغاون على دفع العجز معاونة العجزة فى الأسرة 000000000000000

نفقة الأقارب . 00 | ٠‏ واجب الدولة بالنسبة للعاجزين على الدولة أن تنفق على العاجزين الذين ليس لهم أقارب أغنياء.. للقاضى أن يحكم على الدولة بالإنفاق

للفقراء حق حقوق فى كل أبواب ميزائية الدولة

الزكاة . الزكاة فريضة اجتماعية تجمعها الدولة وعاءالزكاة الأموال التى تجب فيها وجوبها فى الأوراق النقدية وجويها فى الأسهم مصارف الزكاة من مصارف الزكاة سداد دين المدينين العاجزين الذين استدانوا من غير .انحراق أو فساد | 1 التكافل الاجتماعى فى المجتمع الصغير ما كان يتبع عند الفتح الإسلامى فى تنظيم الفردية وفى أداء ما عليها من حقوق | الصدقات المنثورة والكفارات 0 خاتمة المحثوياث

لاه

اذه 0

3

53

4 14

44 الى

يذ

م7 ١م‏

م ام

ذم 4

الذه

مؤلفات الإمام الشيخ محمد أبو زهرة . العالم الجليل الذى أثرى المكتبة الفقهية بموسوعاته والذى ستبقى ذكراه شعلة وهاجة فى العلم والفقه الإسلامى. تلك المؤلفات الخصبة التى وهبه الله سبحانه وتعالى إياها لتكون منارا يهتدى به العلماء من بعده فى دراسة الفقه الإسلامى,

' خاتم النبيين لله (ثلاثة أجزاء فى مجلدين)‎ - ١ 00 ؟ - المعجزة الكبرى - القرآن الكريم‎ تاريخ المذاهب الإسلامية (جزءان فى مجلد واحد)‎ - " 0000 العقوية فى الفقه الإسلامىي‎ - ه - الجريمة فى الفقه الإسلامى‎ الأحوال الشخصية‎ - أبى حنيفة -- حياته وعصره - آراؤه وفقهه‎ - مالك - حياته وعصره - آراؤه وفقهه‎ - 4 الشافعى - حيائه وعصره - أراؤه وفقهه‎ - 4 اين حنبل - حياته وعصره - آراؤه وفقهه‎ - ٠ .. الإمام زيدء حياته وعصره + آراؤه وفقهه.‎ - ١١ ابن تيمية - حياته وعصره - أراؤه وفقهه‎ - ١ ١ ابن حزم - حياته وعصره - آرازه وفقهه‎ - ٠١ | الإمام الصادق - حياته وعصره - أراؤه وفقهه‎ - ١ أحكام التركات والمواريث ا‎ - ٠١ ١ علم أصول الفقه‎ -11 محاضرات فى الوقف‎ - ١7 محاضرات فى عقد الزواج وآثاره‎ -18 الدعوة إلى الإسلام‎ - مقارنات الأديان‎ - ٠ محاضرات فى التصرانية‎ - ١ 4

؟” - تنظيم الإسلام للمجتمع "٠‏ - فى المجتمع الإسلامى ‏ . - الولاية على النفس 0 -الملكية ونظرية العقد. | 1 - الخطابة «أصولها تاريخها فى أزهى عصورها عند العرب» ٠‏ - تاريخ الجدل (الذى مضى على طبعته مايقارب الخمسين عاما), - تنظيم الأسرة وتنظيم النسل . 9 - شرح قانون الوصية . "٠‏ - الوحدة الإسلامية ٠‏ ١‏ - العلاقات الدولية فى الإسلام © - التكافل الاجتماعى فى الإسلام 3 - المجتمع الإنسانى فى ظل الإسلام الميراث عند الجعفرية , ,

تطلب جميعها من ملتزم طبعها .ونشرها وتوزيعها

دار الفكر العربى الإدازة : ١١‏ ش جواد حسنى - القاهرة ص بإب ."|

م5